أذكار الصباح والمساء ليست مجرد كلمات، بل هي درع يقي الإنسان من زمرة الغافلين، ومفتاح يوصله إلى مقام الذاكرين ، ففي تضرع القلب وخشية النفس، وفي خفاء القول عند الغدو والآصال، تتحقق وصية الذكر التي تنجينا من ركب الغفلة.

فيصل العلي

"أمرُ النّيـاتِ خطرٌ خَفيّ، ما أشدَّ مُعالجتَه، وما أشرسَ جِهادَه، وما أبعَد السّلامة منه، يلتَمسهُ العاقل في كلّ صغيرةٍ ودقيقةٍ منه قبل كَبيرِه، في كلّ فلتاتِ لِسانِهِ وخَلجاتِ قلبِه وحَديث نَفسهِ وحركاتِه وسَكناتِه، خابَ وخسِر إلّم تكُن للهِ خَالصةً!.

حتى يجد ثمرة هذا كله في حقيقة الاستقامة وما بعدها إلا مقام الإحسان ! "

"كلُّ صَاحبٍ لكَ سَينشغلُ دُونَك، وكلُّ مَجلسٍ تألفهُ سَيمضي عَنك، وكلُّ أسبابِ الأُنسِ لابدّ لهَا من انقطَاع، فاتخذ القُرآنَ أنيسًا وجَليسًا وصَاحبًا، فهو الأنيسُ الّذي لا يغيبُ، والجَليسُ الّذي لا يَخذِلُ جَليسه، والصّاحبُ المَرافق لصاحبهِ في كُلّ أحوَاله".

"الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا (حسبنا الله ونعم الوكيل) "
‏أكثروا من قول" حسبنا الله ونعم الوكيل" فهذه العبارة من أعظم ما يقال عند الشدائد، وهي خلاصة التوكل الحقيقي، فمن توكل على الله، كفاه الله، مهما كان عدد الأعداء أو حجم الخطر!"

قال ابن القيم: (الله على كل شيء قدير وأَنه المتفرد بالِاختيار والتدْبير وأَن تدبيره لعبْده خير من تدبِير العبد لنَفسه وَأَنه أعلم بمصلحته من العبد وأقدر على جلبها وتحصيلها مِنْهُ وأنصح للْعَبد منه لنَفسه وأرحم منه بنفسه وأبر به منْه بنفسه).

‏"الفوائد" ص114

“هل نحن مسافرون بالفعل كيانًا ووجودًا وروحًا وجسدًا وقلبًا وعقلًا عن الحياة الدنيا؟!”
نعم، نحن مسافرون عن الدنيا بكل كياننا، لا مجازًا بل حقيقة وجودية ويقينية. فالدنيا ليست مستقرًّا، بل ممرٌّ وزادٌ وامتحان، وسفر الإنسان عنها ليس اختيارًا، بل هو قدر مكتوب يسري في كل لحظة تمر من عمره.

ومعنى السفر: هو الانتقال من حال إلى حال، ومن موضع إلى موضع، وهو مصحوب دومًا بالتغير والتعب والرجاء.
يقول الحسن البصري رحمه الله:
“يا ابن آدم، إنما أنت أيام، كلما ذهب يومٌ ذهب بعضك.”
فحياتك كلها مراحل سفر:
• من العدم إلى الرحم
• ومن الرحم إلى الدنيا
• ومن الدنيا إلى القبر
• ومن القبر إلى البعث
• ومن البعث إلى القرار الأبدي: جنة أو نار

نحن في هذه اللحظة في محطة دنيا، لكن القطار لا يتوقف. إننا في سفر مستمر نحو المصير اليقيني.
نسافر في :
الروح:
هي أول من اغترب، جاءت من عالم الذر، واشتاقت للرجوع، تشعر دومًا أن الدنيا لا ترضيها، ولا تطمئن فيها، لأنها خُلقت لمقام أرفع.
الجسد: الجسد يهرم، يضعف، يمرض، ويذبل، فكل يومٍ يفقد شيئًا من طاقته، كأن الزمن يأكل منه.

العقل: العقل يطلب المعنى… يبحث عن الحكمة… لا يرتاح في عالم الزيف، حين يفكر بصدق، يعلم أن متاع الدنيا زائل، فيشتاق لمعرفة الغاية؛ ولهذا كان التفكر من أعظم عبادات المسافر إلى الله.

القلب (المعقِل والوجدان):
القلب لا يرضى بالمحدود، يحب البقاء، يبحث عن الخلود.
– فإذا انشغل بالدنيا نسِيَ زادَ المسافر.

الوجود كله: الإنسان بكلّه مشروع سفر؛ حركته، أنفاسه، أحزانه، آماله، كلها دلائل على أنه عابر سبيل، ولذلك قال النبي ﷺ:“كُنْ في الدنيا كأنك غريب، أو عابرُ سبيل.”– رواه البخاري.

فلماذا لا تتأهب لهذا السفر؟!
لأن زينة الدنيا تغرّ، وتشغل، وتخدع، حتى يظنّ الإنسان أنه باقٍ، وأن له ملكًا، فينسى أن التذكرة معه، والرحيل قريب، قال تعالى: “وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور”
“إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض…”
ثم قال: “ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام”

وماذا لو استحضرت هذا السفر؟!
يحملك على التخفف: لا تتعلّق بالفناء.
يدفعك للتزود: كل يوم تضع خطة وهدف للوصول إلى الغاية العظمى ليوم اللقاء.
يربّي فيك الوعي: فتعرف الفرق بين القصد والوسيلة.
ينقّي نيتك: فيكون عملك كله لله تبارك وتعالى وطلبًا للدار الآخرة.
قال تعالى:
“ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورًا”

إذا نحن مسافرون في عمق الوجود، نازلون في محطة الدنيا مؤقتًا، وماضون لا محالة إلى الله، شاء من شاء أو غفل من غفل.

“يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحًا فملاقيه”

فمتى استشعر القلب هذا السفر:
• تعلّق بالله
• أحبّ لقاءه
• ذهبت همومه
• وصدقت خطواته

وما تدري نفس بأي أرض تموت !

"يعرف المؤمن قدر النّعمة حين يفقد جزءًا منها. وذلك أنّ طبيعة الاعتياد وإلف الأشياء الموجودة؛ يُنسي القلب ملاحظتها، ومداومة تكرار النّظر للنعم الموجودة بلا ملاحظة عائدتها عليه يتسبّب كثيرا بنكرانها، مما يستوجب حصول ما نهى عنه ربنا من كفر النّعم! ﴿وإن تعدُّوا نعمة الله لا تحصوها﴾."

"ليس الجمال ما تنطوي عليه الملامح، بل ما يتخفّى في نبرات الصوت وفي أسلوب الحديث وفي سكينة العقل وصفاء النية، فالمظهر بلا جوهر زينة زائلة. أما الجمال الحق فهو اتساق الخُلق والخِلقة ونضج الفكر وأناقة المنطق ونُبل الأثر، هناك فقط يكتمل الإنسان..!"

بعد قليلٍ .. بإذن الله تعالى فتأهبوا ..

نافذة للتعليق والأسئلة :