اللهم قد أصبح الصبح، وطفق الناس يغدون ويبتغون من فضلك، ولكل منهم حاجة، وحاجتي عندك أن تغفر لي.

‏قالها الزاهد عامر التميمي [توفي في زمن معاوية].

‏وصدق رحمه الله فمغفرة الذنوب من أعظم حوائج العبد عند ربه سبحانه وتعالى؛ لأن الله إذا غفر لك أسعدك وأغناك ورزقك، وشرح صدرك ويسر أمرك.

عبداللطيف التويجري

كل ما يتم خلف ظهرك
يتم أمام الله تبارك وتعالى
والله يُمهل ولا يُهمل


فاطمئن ..

إنك لا تهدي (ليس لك من الأمر شيء)
من أحببت (ولو كان أقرب قريب وأعز حبيب)
ولكن الله يهدي من يشاء (وأن الأمر كله لله)

فزوجة فرعون استقامت وهي تحت أكبر طاغية، وابن نوح أصرّ على الكفر وهو تحت أكبر داعية.
الهداية والتوفيق أمر اضطراري وبيد الله وحده لا شريك له، فاسل الله تبارك وتعالى سؤال الغريق ، فاللهم يا ولي الإسلام وأهله ثبتنا على الإسلام حتى نلقاك.

ظننت أن الثبات سهل، فإذا هو معركة طاحنة خفية، لا يكسب فيها أحد إلا من بذل نفسه وروحه وعقله لله تبارك وتعالى (فمن كان في الله تلفه كان على الله خلفه) ،ورشح جبينه في أن تكون الحياة في سبيل الله تبارك وتعالى {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين}, فيتولى الله جل وعلا بعد ذلك الخواتيم، وهذا هو الثبات الحقيقي وما سواه مجرد محاولات لا نعدم أجرها !

قال ابن القيم:

‏"الحر من تخلص من رق الماء والطين. وفاز بعبودية رب العالمين فاجتمعت له العبودية والحرية. فعبوديته من كمال حريته وحريته من كمال عبوديته".

‏مدارج السالكين ٣/ ٧٤.

سُئل الإمام أحمد بن حنبل: “متى الراحة؟” فقال:

“عند أول قدم تضعها في الجنة.”

كلمة جامعة تحمل في طيّاتها فقهًا لحقيقة الدنيا، وتصورًا عن طبيعة الابتلاء، ويقينًا بوعد الآخرة، وتهذيبًا لقلب المؤمن ألا يطلب في دار البلاء ما لا يُنال إلا في دار الجزاء ، وهي تجمع بين عقيدة المؤمن، ووعي السالك، وصبر المجاهد، وحقيقة الطريق إلى الله تبارك وتعالى..

وهذا الآثر عميق المعنى، فهي دار جبلت على كدر، وليست لحي وطنًا !
فلا راحة حقيقية للمؤمن في دار البلاء، لأننا في مرحلة الامتحان، وعلى أوهبة الاستعداد للعمل متى نادى مناد الله تبارك وتعالى لأمره وحكمه وشريعته في العبادة والطهارة والمعاملات والمواريث، وأن الراحة لا تكون إلا عند تمام الفوز والنجاة، وذاك لا يكون إلا في الجنة، لقوله تعالى : ( فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز )

فـ”أول قدم في الجنة” تعني:
• دخول دار الكرامة ومستقر الرحمة.
• انقطاع كل مشقةٍ وخوف وصخب ونصب وحزن وفقد ووجع.
• الأمن من النار.
• النظر إلى وجه الله الكريم.
• الخلود

فهذه الحياة ليست بدار قرار فأين الراحة في ممر العبور والفناء والابتلاء؟
قال تعالى: “لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ” [البلد:4]
فهذه الدنيا دار كدر، وقلق، وصراع بين الحق والباطل، والنفس والهوى، والإيمان والشهوة، والشيطان والدعوة.
فالطريق إلى الله محفوف بالمكاره !
قال النبي ﷺ:“حُفَّت الجنة بالمكاره، وحُفَّت النار بالشهوات” [مسلم]

فإذا أيقن العبد أن الراحة لا تكون إلا هناك حيث لا همّ، ولا تعب، ولا مرض، ولا خوف، ولا حزن، استراح قلبه من طلب الراحة هنا!، بل ولم يعد يعجب من تأخر فرج، ولا من طول طريق، ولا مسه كل ولا ملل من المجاهدة في تزكية نفس، وإصلاح هوى، أواستقامة.

ومن فهم هذا علم أن كل تعب في الطاعة، وكل صبر عن المعصية، وكل ثبات في طريق الإصلاح والحق، إنما هو جسر موصل إلى الجنة.

فكأني بالإمام أحمد كان يستحضر قول الله عز وجل:
“ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ” [الحجر:46]
“فَادْخُلِي فِي عِبَادِي ﴿29﴾ وَادْخُلِي جَنَّتِي” [الفجر:29–30]
“وجَزَاهُم بما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا” [الإنسان: 12]

وما جاء في الحديث:
“يُؤتَى بأشد الناس بؤسًا في الدنيا من أهل الجنة، فيُصبغ صبغةً في الجنة، ثم يُقال له: يا ابن آدم، هل رأيت بؤسًا قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ما مر بي بؤسٌ قط، ولا رأيت شدةً قط” [مسلم].

وكأن المعنى الإيماني جاء للتربية على الصبر الطويل
فالإمام أحمد كان يُربِّي بهذه الكلمة أتباعه وتلامذته – بل الأمة كلها – على طول النفس في الطريق إلى الله تبارك وتعالى:بأن لا يركن الداعية والمصلح إلى الدعة والراحة وطول الأمل وحب الدنيا، ولا يتوقّف عند الفتن والمحن، وأن لا يعلّق قلبه بالنتائج العاجلة مهما كانت مخيبة له أو مبشرة، بل يُشغل قلبه بالاستقامة على أمر الله في هذا الطريق الطويل مهما كلفه الأمر.
فليس للإنسان إلا …
“وأن ليس للإنسان إلا ما سعى، وأن سعيه سوف يُرى، ثم يُجزاه الجزاء الأوفى” [النجم: 39-41]

وواقعًا قل لي : لماذا لا تكون الراحة في الدنيا؟
لأنها ليست بجنة، ولبستحضر المؤمن أنها مجرد دار فناء وابتلاء واختبار وامتحان وعمل وأنه أسير فيها وعابر سبيل، ينتظر متى العودة إلى المنزل الأول : فحيا على جنات عدن فإنها منازلنا الأولى وفيها المخيم ..
“ولا يزال المؤمن في تعب حتى يلقى الله”.
فيهون عليه بذل نفسه لله !
{فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا

وهنا رسالة إلى المصلحين والمستضعفين
يا من تسير في طريق الإصلاح، وتحمل همّ الأمة، وتبكي من الذنوب، وتُجاهد نفسك التي بين جنبيك، وتُكابد الأهوال، وتركب الصعاب، وتموج الفتن بك، وتأخذك طوارق الليل والنهار كل مأخذ:
لا تظن أن الراحة الكاملة ستأتيك في هذا الفناء!
فحري بك أن لا تطلبها هنا، فإن قلبك لن يستقر إلا في الجنة!
{وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين}
واعلم أن الصبر والمجاهدة سلما العلو فيها ..
“إن هذا كان لكم جزاءً وكان سعيكم مشكورًا” [الإنسان: 22]

الإمام الأعظم النبي الأكرم !

"وكانت خطوَاتُه ﷺ في هجرتهِ تخطُّ في الأرض، ومعانيها تخطُّ في التَّاريخ."

‏- الرَّافعي.