حسِّنوا الخواتيم، وشيِّعوا الضيف الكريم، واغتنموا كل نفحة، إن الشهر الذي يذهب لا يعود إلا شاهدا فحمِّلوه صنائع المعروف والإحسان ولا يكن آخر آخر عهده بكم الانشغال عنه.
أعظم ما يمكن أن يستعين به المبتلون بالمشاغل والصوارف في خواتيم الشهر = لزوم الاستغفار، وهذا يستطيعه كل أحد، العامل في عمله، والمرأة في شغلها ..الخ، وهو من أعظم الأعمال في خواتيم الطاعات؛ فالزموه.

"ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيم"
العيدُ [عِبادةُ فرحٍ بالتوفيقِ للعبادة].

فالحمد لله الذي وفّقنا لبلوغه، ووفّقنا لتمام رمضان، وأنعم علينا قبل ذلك بالإيمان، وأنعمَ علينا بقصد رضاه في كل حال، صائمين ومفطرين، وكل تلك المعاني مخزونة في [الله أكبر]؛ فالله أكبر ولله الحمد.

وعيدكم مبارك يا كرام وكريمات :))
مما أعتقده (1):

- أزمنة النفير قرآنيا أزمنة تعبئة وتحريض للمؤمنين واستخراج لأقصى ما يمكن من الفاعلية وتسييد لمنطق الحذر والاحتراز حتى -في الصلاة-، لا يتفق معها منطق التهوين والاكتفاء بالأسقف المتاحة والدفاع عن الوضع السائد وتكلّف التبرير له.

- ملحمة السابع غيرت كل شيء، والسير بنفس شعارات وسرعات المرحلة السابقة له تأخر عن الرّكب وتخلّف عن موجته التي لن يُعصَم منها إلا من ركبها بهديرها المرتفع وأسقفها العالية.

- الأصوات المرتفعة والخطوات الواسعة وسيلة دفاعية لقطع الطريق أمام المساومين والمتربصين بمبادئ الأمة، وبعض مدرجات الجامعات ورفوف المكتبات وبلاطوهات القنوات وكثير من المنشورات تشهد بوجود طابورٍ كامنٍ بدأ يكتسب جرأة الاقتراح والافتراض وحرية "الرأي الآخر" فيما يتعلق بمبادئ الأمة ومقدساتها، ولا حل مع هذا الطابور إلا السقف المرتفع والصوت الحاد وتعكير صفو الرماديين بالمواقف الصارمة في كل مكان، والبناء على سوء الظن مع المذبذبين، والمبالغة والتهويل في فضح كل تجاوز حتى لا يتحول إلى ظاهرة، و"رأي".

- التطويع خطر محدق، وهو مشروع له روافد ومؤسسات داعمة، ومنظومة لها سند دولي اقتصادي وثقافي ودبلماسي، لا تعتمد الارتجال، ولا تضيع الفرص، وتوصيفه بهذا أقرب للحذر الشرعي والاحتراز الواقعي وليس مجرد "تهويل ومبالغة"، وفي أزمنة النّفير والخطر الداهم التهويل الدافع للتحصين أحب إلينا من التهوين الداعي للتراخي.

- ليس ما حصل في المغرب الشقيق عنكم ببعيد، والرائد لا يكذب قومه، والسعيد من اتعظ بغيره.
لا يصفو السِّر ولا يصحُّ السَّير حتى يُقال للكلمة فضلا عن الخطوة "ماذا تريدين حقا؟".
فإن كانَت "مِنكُم مَنْ يُرِيدُ الدنيا" قيلَت لخُلَّصِ أُحُد فكلُّ من دونَهم أحوج لامتحانِ وضبط الحركة والكلمة بها.
يُريدونَ وَجهَه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم:

"اللهُمَّ مَنْ ولِي من أمْرِ أُمَّتِي شيئًا فَشَقَّ عليهم فاشْقُقْ علَيهِ، ومَنْ ولِيَ من أمرِ أُمَّتِي شيئًا فَرَفَقَ بِهمْ فارْفُقْ بِه".

من شقّ وضيّق علينا في أمر نصرة إخواننا بشيء فاشقق عليه يا رب، ومن رفق بنا ويسّر لنا في أمر نصرتهم بأي شيء فارفق به ويسّر وبارك له يا رب.

- أيّ شيء.
- كائنا من كان.
كانت اليوم صفحة أخرى من صفحات الألم السوداني على يد الميليشيات المدعومة إماراتيا، مشاهد مؤلمة من مخيم زمزم بشمال دارفور، كأنها من مخيمات المغازي أو البريج أو الشاطئ ..الخ

ألم ممتد، وأمّة تدفع ثمن الإباء وعدم الخضوع لثمود العصر، دويلة الشر ذات الملاهي والأبراج التي استحبت العمى على الهدى، والإبراهيمية على الإسلام، أهلكها الله بصاعقة وأنجانا والمسلمين من كيدها وشرها.

اللهم كن للمستضعفين، ومكّن لعبادك المؤمنين.
محزن كيف الأخ المؤمن يحول قضية أخيه المؤمن الي قد يكون الآن مروّعا متعرضا لابتلاء شديد في نفسه وأهله وماله إلى قضية مناكفة وتسجيل نقط وقلنالكم وما قلنالكم ومقارنة هذه التجربة بتلك وبعض المواقف بأخرى وكأن اللحظة لا تستحق حقها من الحضور والحزن والتحسّر والدعاء لأخيك، وإن كان في نظرك مقصّرا أشد التقصير..

نسأل الله الحفظ والسلامة لأصدقائنا وإخواننا العاملين والدعاة والمصلحين في الأردن الدين نعرف كثيرا منهم سعاة مجتهدين في ميادين التعليم والدعوة والبرلمان، نسأل الله لهم السلامة ونرجو لهم الحفظ وأن يفرّج الله عنهم كربتهم ويقرّ أعينهم بسلامة أحبابهم..

ويبقى نقاش الاختلاف في الآراء لاحقا.
"أَتَوَاصَوْا بِهِ ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ"
الذاريات (53).
لك في كل جزء من هذه الأمة همٌ يؤرِّقك.

إنا لله
الاهتمام بالسِّيرة وأيام العرب كرامة واشتغال شريف؛ غير أنه يوجعك كلما عايشت موقف مذلّة، إذ يمطرك بقصص كثيرة تُلزمك المقارنة، من الجاهلية فضلا عن الإسلام؛ فإذا كنت فوق ذلك ممن تربوا على مسلسلات العرب صغارا كالمهلهل أو الصعاليك، ثم فتية كصقر قريش أو حتى ربيع قرطبة؛ فإنك تزداد كمدا وتوجعا..

تأتيك من الأولى أخبار وقفة السموأل أو إباء ربيعة بن مكدّم "خلِّ سبيلَ الحُرّة المنيعة ... إنك لاقٍ دُونها ربيعه"، أو حميّة هانئ ابن مسعود وقول ابن قبيصة في ذي قار "هالكٌ معذور خيرٌ من ناجٍ فرور"، وفي الإسلام من ذلك فيض، أو تأتيك من الثانية مشاهد تمثيلية غير أنها وافقت زمَن ذل فرسخت وذُكِرت عند كل موقفِ دنيّة،..

فهذا مشهد رفض بكر وتغلب تجويع المضريين؛ ثم أبيات الزهراء وقول كليب "قتلتُ لبيدا، قتلتُ لبيدا"، كيف تنسى مشهدا كهذا والزهراء تُلطَم كل يوم، والمضريّون جوعى، أو مشهد ميلان عمامةِ أبي الجوشن وقوله "إن كانَ لي قومٌ فسيقوّمونها"، والعمامة قد مالت؛ بل سقطَ الرداء؛ فأي قوم!، وكثير كثير من الأولى والثانية مما يلحّ على صاحب النفس العزيزة هذه الأيام فيتعب تعبَ العربي الذي يعاتبه إخوانه بلسان قريط بن أنيف التميمي "فليتَ لي بهم قومًا إذا رَكِبُوا .. شَدُّوا الإِغَارَةَ فُرْسَانًا ورُكْبَانَا"..

تتعبني عروبتي..
اللهم احفظ إخواننا في الأردن، أسرهم، وحِلقهم، ومؤسساتهم القرآنية المباركة، وتنظيماتهم الطلابية المبدعة، وجمعياتهم الخيرية، وشبابهم الجميل الذين لم ينقطعوا عن بذل الممكن رغم كل التضييق والتخوين والتصفية المعنوية..

جنّبَهم اللهم العنت والضيق، وأن يستطيل عليهم من لا يخافك فيهم، واهدنا للذبّ عن غيبتهم والدعاء لهم واعصمنا من الوقوع فيهم وتسليط ألسنتنا عليهم؛ فالواقع بهم لا يُراد به مسمياتهم ولا رؤوسهم -المختلف فيها-؛ بل أحبابنا وأشباهنا من خيرة شبابهم وفتياتهم وعامليهم ومناضليهم وأصوات الأمّة والنصرة فيهم.
وأكثر الكلام شهوة.
ليس الجُبن دائما ذا تعلّق بالمَخوف، كمن ينظر لرأي المتغلِّب فينتحله مخافة الضرر، أو يعمد إلى اختيار التيار فيخضع له مخافة الجفاء والتغريب، دون طلبٍ لمعرفة الحق؛ بل قد يبرزُ أيضا من أكثر الناس ممانعةً للمتغلب ومعارضةً للسائد..

نعم..، قد تكون أحدَّ الناس وأشرسهم وأنت عند التحقيق محض جبان خاضع لهواه؛ إذ تنقلبُ الحَديّة في المعارضة والإنكار إلى نمطٍ نَفسي غالبٍ وحاكمٍ على صاحبه يميل به إلى نقيض ما يظهر من المتغلِّب أو التيار دونَ نظر في حقيقته؛ فتكون الشجاعة في حق هذا أن يُنصِف، وأن ينتصِف من نفسه للحق.

فالفضيلة لا تتبع الرفض ولا الإذعان في كل حال؛ بل تكون في حال رفض الباطل الغالب إحقاقا للحق، أو حال إرغام النفس بقبول الحق الظاهر والإذعان له.

الشجاعة أن تعرِف، والشجاعة أن تُنصِف.
قبل وقوع الفتن العظيمة:
وصايا الاستعداد للمرحلة القادمة

https://youtu.be/XR9ruEoDIw0?feature=shared
من أبجديات عالم المشاريع الكبرى أن أقطابه يتركون بعض ما يحبّون ويتجرعون بعض ما يكرهون لتحصيل ما ينفع مشاريعهم، مع وجود سلكٍ ناظمٍ لتلك المواقف يجعلها متسقة ضمن بناء كلّي بما يحفظ الهويّة الكبرى للكيانات ومباديها الصلبة وإن توهّمنا بعض التعارض في المواقف ظاهرا.

ومن هنا نحن أمام خيارين لكلّ منهما سلوك مختلف: إما أن نكون من أهل الرُّكن الهادئ البعيد عن الصراع العملي ونحتفظ بصرامة الحدود ونجرّم المرونة ونسمّيها "تمييعا"، أو ننتمي لمشروع من تلك المشاريع الكبرى ونترك بعض ما نُحب ونتجرَّع بعض ما نكره في سبيل المشروع مع صلابة العقائد الأم المولدة للخيارات الكبرى.

في حال الخيار الأول لا نُلام فمن حقنا أن نختار ما نريد، ولا يُنتظر منا شيء لأننا بعيدون عن الفعالية، وفي حال الخيار الثاني نحتاج الانتماء لمشروع ثبت له شرط الإسلام والبلوغ والعقل والاستطاعة والفعالية والمراجعة، ما يعطي لترك المحبوبات معنى، ويبرر فعل المكروهات ضمن مقاصد كلّية معصومة بوضوح المنهج وصلابة العقائد الأُم.

وفي رأيي الشخصي لا يوجد في العالم الإسلامي اليوم من تتوفر فيه تلك الشروط أكثر من الرجال الخُضر فهم عندي ذلك المشروع الذي يمثّلني في تلك المعمعة الكبرى، بغاياتها الكبرى، وتضحياتها الكبرى، وتشابكاتها المربكة، وتبعا لهذا الانتماء المبني على إسلامهم عقيدةً وبُلوغهم تجربةً وعقلهم سياسةً واستطاعتهم إعدادا وفعاليتهم جِ..دا ومراجعتهم نقدا ذاتيا = أرتضيهم بوصلة في المواقف الواضحة والضبابية سيّان.
سوريا الجديدة من أكبر المتضررين من انكسار إيران؛ لأنها محض حليفٍ اضطراري لحِلف خيبر والأعراب لإزاحة خصمٍ إقليمي أخطر وأقدَر، وصلاحية ذلك التحالف رهن ببقاء ذلك الخصم بقوة وقُدرة نسبية تفرض أن يُنظر إليه بعين الرّيبة والحذر؛ فإذا زال ذلك الحذر واطمأن الخصم الأكبر من جهته لم يبق من داع لتجرُّع تحالفٍ مرير مع خصم إيديولوجي حاد قد يغيّر جلده لكنه لا يغيّر عقائده الصلبة وإن غيّرها رأسُه لم يغيّرها مقاتلوه العقائديون، وبالنظر إلى أحكام الجغرافيا وميزان الفُرص والتحديات فتحريك الواقع السوري بما يضعضع الحكم السائد الآن ليس بالأمر الصعب وأسبابه متوفرة لخصمنا الأكبر؛ بل قد يكون أقربَ مما نتصور، وانكسار إيران إذا وقع وتم كما يريده العم سام سيعجّل به وسترفرف أعلام ملوّنة وسط دمشق قريبا، وهذا القول لا يقلل من تضحيات الشعب السوري ولا من قتالية وصلابة المحرٍّرين له؛ لكنه يذكّر إخواننا بأن التحرير كان اغتناما لتراكم أسباب كثيرة منها تلك الحاجة الضرورية لمن يقطع ذراع إيران بالشام وإن كانَ أبا محمد أو أبا مارية، والتغنّي بمشروع نيُوم، ونموذج دبي، والسلام الإقليمي والنيّة الحسنة لملك الببجي والسيسي عن طريق وزرائك لا يحوّلك من تحالفٍ تكتيكي إلى حليف استراتيجي إلا إذا بعتَ نفسك للشيطان؛ ولأننا نحسن الظن بإخواننا فلن يلتقي العذب الفرات مع الملح الأجاج وستحصل المفاصلة عاجلا أو آجلا، وانكسار إيران في هذا السياق ليس في صالحنا (سوريًا) والعَلَمُ المشؤوم يطرق أبواب ريف دمشق.
من أوجب ما يلزم المؤمن في هذه الأيام التي كثُر فيها السجال والجدال بالحق والباطل: تجديد النيّات وضبط العبارات واستحضار عبودية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونصر الحق وتكثير سواد أهله والتواصي به، مع ما لذلك من آداب، وأن يجعل نصب عينه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلَّم "المُسْلِمُ مَن سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسَانِهِ ويَدِهِ"، وأمرَه "ليسَ المؤمنُ بالطَّعَّانِ ولا اللَّعَّانِ ولا الفاحشِ ولا البَذيء"، ووصيته لمعاذ رضي الله عنه التي جاء فيها "وَهَل يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ على وجوهِهِم أو على مَناخرِهِم إلَّا حَصائدُ ألسنتِهِم"، وليعلم كل عبد أنه محاسَب بمعيار الفتيل والنقير والقطمير فلا يحتقر تعليقا ولا تفاعلا هنا أو هناك فكل ذلك مكتوب، وأن المراقبة وحدها عاصمته من الخوض تعصبا واتباعا لهوى النفس، وأنه يعامل الله بما يصنع ويقول فليكن همّه أن يقبلَ الله منه قبل ابتغاء قبول الناس، ولا يقبَل الله إلا طيِّبا.
بَل "قَيَّدَتكَ ذنُوبُك".
وقرأت بخطّ محمَد بن عبد الرَحمن العثماني قاضي صفد: (أخبرني الأمير سيف الدّين بلبان الحسامي، قال: خرجت يوما إلى الصّحراء فوجدت ابن دقيق العيد في الجبّانة واقفا يقرأ ويدعو ويبكي، فسأَلته، فقال: صاحب هذا القبر كان من أَصحابي، وكان يقرأ عليّ، فمات فرأيته البارحة فسأَلته عن حاله؟ فقال: لمّا وضعتموني في القبر جاءني كلب أنفط كالسّبع وجعل يروّعني فارتعبت، فجاء شخص لطيف في هيئة حسنة فطرده، وجلس عندي يؤنسني، فَقلت: من أنت؟ فقال: أَنا ثواب قراءتك سورة الكهف يوم الجمعة).

الحافظ ابن حجر العسقلاني: الدّرر الكامنة في أعيان المائة الثّامنة، ج05، ص348.

نقل د.عبد الرحمن الأميري.
2025/07/01 00:57:33
Back to Top
HTML Embed Code: