"من أراد أن يتحصل على شيء صعب من أحد ما، فعليه ألا يطرح الأمر كما لو كان مشكلة، بل أن يعرض مخططه بكل بساطة كما لو كان الإمكانية الوحيدة". فریدریك نيتشه

الجمال بطبعه آسر، تتعدد وجوهه ويختلف أثره؛ فجمال الروح يأسر الأرواح، وجمال الفكر يأسر العقول، وجمال الأخلاق يأسر القلوب، وجمال الصورة يأسر الألحاظ. غير أن الجمال الذي يثبت ويقاوم عوادي الزمن هو ذاك المشدود إلى الروح والمعنى، لا ذلك المعرض للتبديل والتحول والزوال.

"عندما يصبح شكلنا الخارجي وما نملكه مرتبطًا بماهيتنا وصورتنا الاجتماعية وكيف يرانا الناس هنا يصبح الاستهلاك والهوية أمرين مرتبطين تمام الارتباط. ويمكننا أن نرى أثر ذلك حينما نجد أنفسنا ننساق وراء تلك الفتن وننفق الأموال لكي نغير من شكلنا وشكل أجسادنا". لين ستالسبيرج

فرحي بكِ مرآةٌ ينعكس فيها وجلي واطمئناني معاً؛ كمن يتوقف أمام مشهدٍ استثنائي يخشى أن يختفي وفي الوقت نفسه يخشى أن يقترب، إنه الرجاء المربك والمعلَّق وإنه الشغف المشوب في كل ذرة فيها بالتردد. إن خوفي من أن أفقدك يجعل لِهَمسِكِ إحساسًا لا يُضاهي ولا يُقاوم، كأمنية مستحوذة عليَّ تجعلني أحلم أن لو صار الاقتراب منك يقينًا بلا هواجس ونشوة تفجرُ القلب بالفرح، احتمالٌ مرهفٌ يختلجُ داخل احتمالاتي، وحضور يوقظُني، وخوف يثبتُ وجودَهُ كثمنٍ لهذا اليقظة. رهبةٌ وأمنٌ يسعى بينهما الفرح لاهثًا، ويطوف بينهما لا يستقر على حالٍ، خوفٌ يحفظ هيبتك، وأمانٌ يبدد القلق والشكوك، وبينها تسأل روحي نفسها: بأي نوعٍ من الفرح ستستقرُّ في قلبي؟

السكينة أعظم ما يحتاج إليه الحزين والمكتئب والخائف والقلق. وتأملوا هذه الآية العظيمة مليًا. قال تعالى: (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ). فصلاة النبي عليه الصلاة والسلام على هؤلاء منحتهم السكينة، وهي من أعظم ما يناله العبد من الخير.
ومن أيسر وأعظم الطريق إلى هذه السكينة الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، فقد قال في الحديث الصحيح: (من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً).

سمع صوت المدينة المهجورة، الخالية في قلب الصحراء، في صمتها، ذلك الصمت الذي يظهر أنها كانت خالية لمن لم يكن يجيد الإنصات بروحه إلى همس الأرواح. وحينها، سيجد في أزقتها وطرقها المجهورة صوتًا مملوءًا بنداءٍ لا يُسمع إلا لمن أصغى بقلبه. كان صوتًا بريئًا، لكنه يرتجف، خائف وقلق، كأن المدينة تخجل من أنينها، وتبكي بلا دموع. قرأها في أطلالها، في الرسوم المنسية على جدران أسوارها القديمة، تلك التي تآكلت مع الرياح لكنها لم تُمحَ. بقاياك، أيتها المدينة، لا تزال هياكلها، وإن تهدمت الأبنية وهاجرت الأرواح، شامخة، وحيدة، ككائنٍ نبيل يرفض أن ينحني، حتى في موته.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ أدْومُها وإن قَلَّ).
وعن عائشة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها امرأة، قال: (من هذه؟). قالت: هذه فلانة، تذكر من صلاتها. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَهْ، عليكم بما تطيقون، فوالله لا يَمَلُّ الله حتى تَمَلُّوا)، وكان أحب الدين إليه ما داوم صاحبه عليه".

“إن في الإمساك والاحتضان حبًّا، كما أن في الترك والرحيل حبًّا آخر". إليزابيث بيرغ

قلتُ: الحب جوهره حضور؛ وفي التمسك بهذا المعنى تكمن العناية، فإذا لم يتحقق هذا المعنى فيكمن التخلي والترك، حيث يتجلى معنى النبل والفروسية. فللحُب وجوده في التمسك، كما أن له تجلياته في التخلي؛ فكل احتفاظ أو رحيل فيه ما يكشف عن أبعادنا الوجودية في مواجهة الفقد والامتلاء، وهكذا ففي الاحتضان يُولد الحب، وفي الإفلات ينبثق حب آخر؛ وكأن الروح، في كل تماسٍ وابتعاد، تعيد اكتشاف ذاتها على أطراف الغياب والوجود.

غرور الحياة ولحظة اليقظة المتأخرة!

‏ https://atharah.net/the-ego-of-life-and-the-moment-of-late-awakening/

"ما هذه النفس التي بداخلنا، هذا المترصد الصامت، هذا الناقد الأخرس الفظ، الذي يبث فينا الرعب متى شاء، ويحثنا على فعل أشياء ليس لها ثمرة، ثم ينقدنا نقدًا أشد على أخطاء لم يجرنا إليها إلا توبيخه". توماس إليوت

قلتُ: في رحلة الغوص في أعماق النفس الإنسانية وتحليلها تحليلاً وجوديًّا ونقديًّا، تُفهم النفس في هذا السياق الذي يتحدث عنه توماس إليوت على أنَّها "النفس الجامحة" التي تركض بصاحبها نحو الأفعال بدون مراقبة المآلات وحساب المرتبات، ثم إذا بها تنقلب "الضمير المرهِق" الذي يجلد صاحبه باستمرار، ويؤنبه على كل فعل، حتى وإن كان بفعل ضغوطها هي، فإذا بالإنسان يعيش بعضها في مواجهة تلك "النفس اللاذعة" التي تُكثر التوبيخ والانتقاد، فتجعله في صراع دائم بين ما يريد فعله بأزها له وتشجيعها، وبين وما تعقبه بعد فعله من حسرة وتوبيخ يُملَى عليه من الداخل.
وهنا، يقف "الوعي الناقد" و"البصيرة المرتبكة" موقف الرقيب الصامت والمتعجب والحائر، من دون حوار، صوتًا داخليًّا -كخصم متربص ومترصد صامت موجود دائمًا لكن لا نراه- يزرع في داخل الإنسان شعورًا بالاغتراب عن ذاته، ليعيش ممزقًا في داخله بين الرغبة والواجب، بين الصوت الداخلي القاسي والعجز عن تجاوزه، يدفعه إلى سلوكيات غير مثمرة أو عبثية، ثم يجلده على نتائجها، تدفعه لأفعال بلا جدوى، ثم تُرعبه بلا سبب، لتدينه في نهاية المطاف على مآلاتها التي صنعتها بنفسها، فتنقسم الذات على نفسها، ويتحول الداخل إلى محكمة قاسية لا تجد سلامًا أو تصالحًا.

"كل شيء يُبْدأ به يُعتبر نصف ناجز". حكمة قديمة

قلتُ: أعظم ما يواجه الشخص في تحقيق شيء يفيده هي فكرة البداية، وتعيقه أوهام ومخاوف وأهوال البدايات، وربما منعه ذلك من اتخاذ أية خطوة نحو تحقيق هدفه، ولو علم أن الشروع في العمل هو بمثابة نصف الإنجاز لما تردد عن الشروع في العمل. فلا تتردد وتوكل على الله في الشروع في ما يفيدك.

(وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا).

‏منهاج حياة المؤمن في كل ما يعترضه من مكدرات ومؤذيات من الناس ومن الدنيا.

الشخص المؤذي، سواء كان بألفاظه الجارحة، أو بتصرفاته الثقيلة، أو حتى بمجرد حضوره المرهق، ينتهي به المطاف وحيدًا، منبوذًا حتى من أقرب الناس إليه. فالناس بالكاد يطيقون أعباء ذواتهم، فكيف لهم أن يحملوا ثِقَلَ روحٍ بغيضةٍ تؤذي ولا تُؤنس؟ إن القلوب تميل بطبعها إلى من يخفف عنها، ويهذب مجالسها، ويجعل القرب منه راحة لا عبئًا. ومن أدرك ذلك، سعى إلى أن يكون خفيف الظل، لطيف المعشر، حاضر الذوق، مُراعيًا لمشاعر من حوله. فالحياة لا تُقاس بكثرة ما نأخذ من الآخرين، بل بما نتركه في نفوسهم من أثر حسن وذكر طيب.

يظل قلب الإنسان –الذي اجتاز تجارب قاسية وخيبات مُرهقة– مغلقًا، لا يثق بأحد. ثم، في لحظة نادرة استثنائية، يخترق بصيصُ نور ستار الظلام الذي كان يحتويه، فينفتح قلبه لمن اعتقد أنه استثناء، وما أعظم الخيبة حين يكتشف أن تلك اللحظة التي ظنها استثنائية لم تكن إلا خداعًا وزيفًا مألوفًا!

كثير الشَّكوى بلا جَدوى سَيَنفِرُ عنه كلُّ مَن يَعرِفُه.