Telegram Web Link
السعادة من أمر الروح، لا تُمنَح من خارجها ولا تُستعار من أحد. فمن عجز عن العثور عليها في أعماقه، فلن يجدها في وجه حبيبٍ منتظرٍ، ولا في مجدٍ دنيويٍّ متخلٍّ، ولا في متاعٍ ماديٍّ زائل. إذ إن ما يسكن في الباطن لا يُعوَّض بقشرةٍ تكسو الظاهر، وما لم يُلقَ في القلب نورٌ وسكينةٌ من ربه، فلن تهبَه الدنيا بأسرها لحظةَ طمأنينةٍ صادقة. فالسعادة ليست شيئًا يُقتنى بشخصٍ أو بمتاع، بل هي حالةُ انسجامٍ عميقٍ في الروح، تنبثق حين يرسخ اليقين ويستقر الإيمان.
27💯6👍3
(وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى).

قال ابن عباس رضي الله عنهما:(مَعِيشَةً ضَنْكًا ) أي: الشقاء. وقال قتادة: الضيق.وذكر الطبري في تفسيرها: أنه "إذا كان العبد يكذب بالله، ويسيء الظن به، اشتدت عليه معيشته، فذلك الضنك".
30💯4👍2
بعد قرنٍ من الآن، لن تكون في الحياة سوى كلمةٍ تابعةٍ لاسمِ شخصٍ آخر، قد يكون ذا شأنٍ أو عديمَ الأثر، لكنك ستبقى مجرّدَ كلمةٍ تُذكر أو يُكتفى بما قبلها من الأسماء، كلمةٌ، نعم مجرد كلمة، ثم مع الزمن تُمحى من الذاكرة وتغيب في عالم النسيان.
26😢10💯71👍1👏1
المؤمن يجمع بين الإيمان بالقدر ووجوب السعي لتحقيق الرزق. فالله جعل كل شيء مقدر ومكتوب عنده سبحانه وتعالى، كما قال النبي ﷺ: (إنَّ اللَّهَ قدَّرَ مقاديرَ الخلائقِ قبلَ أن يخلقَ السَّمواتِ والأرضَ بخمسينَ ألفَ سنةٍ). رواه الإمام مسلم. وبهذا يعلم أن الأرزاق، والأعمار، والزواج، والوظائف، وغيرها، كلها مكتوبة في علم الله الأزلي.
ومع إيمان المسلم بالقدر وأنه مكتوب، فإنه يعلم أن الله أمرنا بالسعي والأخذ بالأسباب، وجعل هذا السعي جزءًا من القدر نفسه. فما نفعله من طلب للرزق أو بحث عن عمل أو زواج هو الوسيلة التي كتبها الله لوصولنا إلى ما قدره لنا. قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ﴾، أي: امشوا واطلبوا الرزق، فهو من الله، بطريق السعي.
وأخيرًا، فإذا سعينا ولم نُوفَّق لتحقق المطلوب، فذلك لا يعني أن سَعينا ضاع، بل لأنّ الله لم يقدّر هذا الأمر بعينه لنا، لحكمة يعلمها هو ونجهلها نحن، وربما يدخر لك خيرًا أعظم، أو يدفع عنك شرًّا لا تعلمه، كما قال تعالى: ﴿وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾.
ولهذا، فإن العبد المؤمن يوقن أن ما كُتب لك لن يخطئك، وما لم يُكتب لك لن تناله، والله لا يُعطيك ما كتب لك إلا بعد أن تسعى وتأخذ بالأسباب، والسعي نفسه عبادة وأجر، حتى لو لم يتحقق المراد، فالمؤمن يجمع بين الثقة بقدر الله تعالى والعمل الجاد، ولسان حاله: "أنا أسعى لأن الله أمرني بالسعي، وأرضى بالنتيجة لأن الله قدّرها لحكمة".
16👍7🤔1💯1
كانت صامتة، لكن صمتها لم يكن خواءً، بل امتلاءً بما لا يُقال، صمتًا يفيض بالكلام الذي عجز العالم عن فهمه. حزينةٌ لا لأنها افتقدت عشقًا ورديًا عابرًا تفتقد إلى مثله المراهقات، أو أنَّها تفتقد مكانًا ترتاده مثيلاتها في عمرها، فقد كان حزنها كحزن المتفردين عن أقرانهم؛ لأن روحها كانت تسكن طبقةً أعلى من الأصوات العابثة حولها، فقد كانت مختلفة كليًّا، كانت نسيجًا معرفيًا فريدًا وأخلاقيًّا متعاليًا، وحزنها لم يكن بكاءَ من ضاع منه شيء، بل حزنَ من أبصرَ ما لا يراه الآخرون، فوعيها سبق عمرها، فغدت روحًا ممتلئة بالمعنى، وجسدًا يختبر الوحدة بين الضوضاء. لم تكن تشبه أحدًا؛ كانت معرفةً تمشي على الأرض، وضميرًا يختبر العالم بميزانٍ من نور الهدى الإلهي، وكانت تعرف أن التميز كثيرًا ما يكون عقوبة، وأن النقاء كثيرًا ما يُدفع ثمنه بالغربة والوحدة. لقد فرض عليها اختلافُها وتفردها شعورًا بالعزلة تختلط فيها الكبرياء بالحزن، والغربة بالسكينة. إنَّها نجمة مشعة، تسير بين الناس كفكرةٍ نيرة ومضيئة، وتعرف أن ضوءها لا يُرى إلا من بعيد، ورغم كثافة العتمة من حولها بقيت تلمع وظلت تضيء وسط تلك الظلمة كنجمة ساطعة بنورها في سمائها، وتعرف جيدًا أنها لا تنتمي إلا إلى ذلك السمو.
41😢5👍2
سعادة المؤمن وسكينة روحه في كل حال.

قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: (عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ). رواه مسلم.
30💯3👍1
يروي ليونارد رافينهل أنَّ مجموعة من السياح كانوا في قرية في أوروبا، وسأل واحد منهم قرويًا عجوزًا: "هل ولد أي أناس عظام في هذه القرية؟". فقال الرجل المسن: "كلا، لم يولد سوى أطفال!".

قلتُ: كانت إجابة القروي بسيطة لكنها حكيمة جدًا. فلم يولد إلا الأطفال، والعظمة يصنعها الإنسان لاحقًا.
9👍8🤔2
"ومن طلب من العباد العوض، ثناءً، أو دعاءً أو غير ذلك لم يكن محسناً إليهم لله". ابن تيميَّة
21💯6😢4
سئل وودي ألن عن سر النجاح، فقال: "أظهر نفسك".

قلتُ: كم من مبدع بفطرته قتل إبداعه خجله من إظهار نفسه كما هي، ومحاولته تقليد غيره من المشاهير أو التافهين، فلا يقتل الإبداع مثل التقليد، ولا أخس من تقليد من لا قيمة له!
وتذكر دائمًا أنك تمتلك بصمة خاصة من الإبداع تختلف عن غيرك فيها وتميزك أنت وحدك، فلا تقتلها في التماهي مع من ترى الناس تشير إليه بالشهرة والإعجاب، فقد تكون قدراتك أفضل منه وأكثر أصالة، فقط اسمح لنفسك أن تظهر كما هي دون تقليد لغيرك.
22👍5💯4
سألتُ الناس عن خلٍ وفيٍ
فقالوا ما إلى هذا سبيلُ
تمسك إن ظفرت بود حرٍ
فإنَّ الحرَّ في الدنيا قليلُ

أبو إسحاق الشيرازي
27
‏وقد كان يظن أنَّ لقاءه بك سرابٌ لن يدركه، وإذا المفاجأت تخرج من أقبية الغياب، فتولد لحظة اللقاء من رحم الصبر، فيكتبُ الحضور على أطلال البُعد، وكأن الفراقَ الطويل لم يكن إلا امتحانًا لصلابة المودة وصدقها، وحيلة للمستقبل المتواري ليختبرَ عمقَ ما فيه من يقين، وكأنّ الخمودَ الذي لفَّ روحه لم يكن موتًا، بل احتراقًا بطيئًا ينضج فيه الشوقُ حتى يُصبح ضوءًا عظيمًا ينير الوجود كله، ليكتشف أن ما ظنه انطفاءً لم يكن إلا شعلة في الروح تستترُ متقدة في ظلام اليأس لتكتمل نورًا تامًا!
14😭7👍2👀1
‏"زرت ابن تيميَّة ذات ليلة -بعد موته- في الرؤيا، وذكرت له بعض الأعمال القلبية، فقال: أما أنا فطريقي الفرح والسرور به". ابن قيم الجوزيَّة

‏قال ابن قيم الجوزيَّة معلقًا على ذلك: "وهكذا كانت حال ابن تيميَّة في الحياة، يبدو ذلك على ظاهره، وينادي به عليه حاله".

‏"ما لي شيء، ولا مني شيء، ولا فيَّ شيء". عبارة كان يكررها كثيرا ابن تيميَّة
26😢4👍1
(إِذۡ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰٓ أَبِينَا مِنَّا وَنَحۡنُ عُصۡبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ (8) ٱقۡتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ ٱطۡرَحُوهُ أَرۡضٗا يَخۡلُ لَكُمۡ وَجۡهُ أَبِيكُمۡ وَتَكُونُواْ مِنۢ بَعۡدِهِۦ قَوۡمٗا صَٰلِحِينَ (9)... قَالَ هَلۡ عَلِمۡتُم مَّا فَعَلۡتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذۡ أَنتُمۡ جَٰهِلُونَ (89) قَالُوٓاْ أَءِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُۖ قَالَ أَنَا۠ يُوسُفُ وَهَٰذَآ أَخِيۖ قَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيۡنَآۖ إِنَّهُۥ مَن يَتَّقِ وَيَصۡبِرۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ (90) قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدۡ ءَاثَرَكَ ٱللَّهُ عَلَيۡنَا وَإِن كُنَّا لَخَٰطِـِٔين).


قلتُ: من أعجب ما مرَّ عليَّ في حياتي، أنني وقفتُ شخصيًّا على قصصٍ عديدة لأشخاصٍ متفاوتين لم ينل أصحابها خيرًا كبيرًا في الدنيا بسبب شهادة وتزكية صديقٍ محبٍ، بل بسبب كيد مبغضٍ قالٍ وحاقدٍ، فجعل الله كيدهم سُلمًا له درجات صعدوا عليه إلى حظوظ في الدنيا والآخرة، والله هو المدبر والذي يتولى المؤمنين.
28💯5
(كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ)
17🥰3👍1
"مواجهة البلاء الشديد تزيد عادة من قيمة أية متعة ولو كانت جزئيَّة". إدورد جيبون


قلتُ: المتلذِّذون بالمتع اليسيرة هم أولئك الذين لا يجدونها دائمًا، وحين يجدونها يستغرقون فيها، وعكسهم الذين تتوافر لهم بكثرة وزيادة، فإنهم يفقدون طعم معظم تلك اللذات لأجل التكرار ففقدان الإحساس بها!
22💯2
"إن اعترض [=الساخط على القضاء والقدر]، لم يمنع ذلك جريان القدر، وإن سلم، جرى القدر؛ فلأن يجري وهو مأجور خير من أن يجري وهو مأزور". ابن الجوزي
18👍6
19🥰3👍1
الحبُّ كما يستخدمه معظم الناس ليس خيطًا رابطًا بين قلبين ينتمي إلى نسيج الواقع، بل هو في جوهره وروحه خيطٌ من حلمٌ، وفي تلك المنطقة من الأحلام التي يلفها الضباب في البدايات تتعانق الأمنيات العريضة وتولد الآمال الكبيرة. الحلم في جوهره توق النفس إلى ما يتجاوز قيد الزمان والمكان، ومحاولة استكشاف المجهول المتخيل والكامن البعيد وراء لفيف الضباب الكثيف، للاتصال بما لا يمس ولا يُدرَك في اللحظة الأولى، والذي نتصوره أنه سيكون أسمى من وجودنا وتماسنا المادي. وهكذا هو الحب، لا يقبل أن يُختزل إلى حدودٍ واقعيَّة ولا إلى حدثٍ عابرٍ أو علاقةٍ حقيقيَّة مشروطة، إنه في عمقه نزوعٌ أنطولوجيٌّ نحو الكمال، وتعبيرٌ عن حنين الروح إلى معانقة المجهول واحتضان خيالات الأماني، كردة فعلٍ على العالم الذي فقدت فيه الشروط الصحيَّة للفرح والبهجة، فصارت تلهث ولا تكف عن السعي نحوه في صورة محبوب متخيل. إنها حالة غفوة للراحة تهرب فيها من حالات اليقظة، وفي تلك الغفوة تلتقط الروح الأنفاس الباردة التي تنساب في أعماقها وتنعشها وتعزلها عن لهيب رمضاء واقع اليقظة.
وهكذا، فإن الحب ينتمي إلى عالم الأحلام، وإلى ما هو أبعد من الواقع القائم، لأنه ليس تحقُّقَاً فعليًّا من أفعالنا اليوميَّة بالضرورة، بل نداءٌ من أعماق الوجود فينا نحو ما يتجاوز الذات اليقظة الواعية بحدود الواقع وطبيعة الناس. فكل حب صادق، أو هكذا يبدو، هو محاولةٌ اكتشاف خفيَّة لاستعادة الكمال الذي افترضنا أنه فُقد، وهو اتصالٌ بما نظنه الجزء الأصيل من فرحنا غير المكتمل، إنه القطعة المفقودة في الأحجية المعقدة لوجودنا الواعي والتي بوجودها -كما نتخيل- سينكشف السر، ويصبح الحلم حقيقة والأمنيات حياة يقظة.
ومن تأمل تلك المعاني جيدًا، أدرك أن الحب تجربةٌ تقع في منطقة موهومة، على تخوم الحلم والوعي، على الخط الرقيق الفاصل بين الأمنيات والواقع، وبين الرجاء والتَّحَقُّق، فيها يتحرَّر الإنسان مؤقتًا من جاذبية الواقع وقوة طرده التي تكشِف له هشاشته، ويطير كالطيف نحو عالم تتهاوى فيه الاشتراطات والقيود، وهناك فقط يرى في المحبوب صورةً للكينونة التي يتوق أن يكونها، لا الشخوص الماثلة في حياته الواقعيَّة. ففي كل حب تبحث الذات في مرآة الآخر، رغبة في ملامسة اللاممكن واللامتحقق، وحنين إلى ما لا يمكن امتلاكه، وفي كل فشل عاطفي يتكشف مقدار ما كان فينا من توقٍ إلى ما لا يُنال، ويتجسد الألم لفوات لمس ما يتجاوز حدود الواقع إلى خيال تم صنعه في تلك الغفوة الجميلة سرعان ما ستتبدد عند اللحظة الأولى من اليقظة والاتصال بالعالم المحسوس. وهكذا هي طبيعة الأحلام الجميلة، فحين يُفيق الحالم من حلمٍ جميلٍ يدرك جيدًا أنه لم يكن له أن يدوم.
14👏3
من أهم أسباب الشعور بالهم والضغط والضيقة والقلق: تراكم الأعمال المؤجلة التي يعلم المرء في قرارة نفسه وجوب إنجازها، فيعيش صراعًا خفيًّا بين الرغبة في الإنجاز والعجز عن البدء. فكل يومٍ يُضاف فيه تأجيلٌ جديد تتكاثر فيه المشاعر السلبية: تأنيب الضمير، والكسل، والتوتر، حتى تتراكم ضغوط النفس كما تراكمت المهام، وتثقل الروح بشعور العجز والإحباط. والعجيب أنَّ معظم تلك الأعمال التي بدت في بدايتها يسيرة، تتحول بالتسويف إلى جبالٍ نفسية من الوهم والرهبة.
إن هذا السلوك ينشأ عادة من ترك ما عليك من أعمال تتكدس شيئًا فشيئًا، حتى تتحول إلى عبءٍ ثقيلٍ على صدرك وعقلك معًا. يبدأ الأمر بتأجيل بسيط، ووعدٍ غامضٍ بالإنجاز (في وقتٍ لاحق)، ثم تمضي الأيام، فيتسلل الشعور بالعجز، وتستبد بك دوامة القلق واللوم الذاتي، حتى تصبح كل مهمة مؤجلة مرآة لعجزك، لا لطبيعتها. وليس ثقل العمل في ذاته هو ما ينهكك، بل ثقل الفكرة المعلقة في رأسك، وثقل نظرك الدائم إلى ما لم يُنجز بعد.
إن التسويف في جوهره ليس مجرد عادة سيئة، بل هو آلية هروبٍ نفسي من مواجهة الشعور بعدم الكمال أو الخوف من الفشل. وكلما هربت أكثر، اتسعت هوة القلق في داخلك. ولهذا، فإنَّ مواجهة العمل والبدء فيه، ولو بخطوة صغيرة، تعني في حقيقتها مواجهة الذات، واستعادة زمام السيطرة على حياتك.
إن من أعظم أسباب الطمأنينة والفرح والانشراح: المبادرة إلى العمل فورًا، دون ترددٍ أو انتظارٍ للكمال أو للظرف المثالي. فكل إنجاز صغير يبعث في النفس طاقةً إيجابية، وتشعر بانسيابٍ نفسي عجيب، كأنك تفتح نوافذ الروح للهواء الجديد، ويؤكد للمرء قدرته على السيطرة على يومه وحياته. وحين يعتاد الإنسان المبادرة، يتكوَّن في داخله نظام داخلي من الانضباط والثقة بالنفس، فينمو شعوره بالكفاءة والإنجاز، وتتسع دائرة طاقته النفسية، ويصبح العمل بالنسبة له لذةً لا عبئًا، ومع مرور الأيام، تتحّل المبادرة إلى سلوكٍ راسخٍ وهويةٍ داخلية؛ فتغدو أكثر تنظيمًا، وأوسع طاقة، وأصفى ذهناً.

والعجيب أن هذا المبدأ تؤيده التربية الإيمانية أيضًا؛ فالمسلم الموقن بأنّ الوقت نعمة ومسؤولية يعلم أن المبادرة إلى العمل الصالح أو الواجب من دلائل التوفيق، وأن التسويف من نزغات الشيطان. فكل لحظة تُستثمر في أداء الواجب، تُثمر سكينة في القلب، وبركة في العمر، وطمأنينة في النفس.
ومن زاوية إيمانية، فإنّ الوقت رأس مال الإنسان الذي يُسأل عنه، والمبادرة إلى أداء الواجب صورة من صور الأمانة في التعامل مع نعمة العمر. والتسويف -وإن بدا أمرًا بسيطًا- هو من مكائد النفس والشيطان لتفويت البركة وإشغال القلب بالتسويف بدل السعي. فليس الفرح ثمرة الفراغ، بل ثمرة الإنجاز والجدية في التعامل مع الوقت. والفرق بين من يعيش مطمئنًّا، ومن يعيش غارقًا في الهم، ليس في حجم أعمالهما، بل في موقفهما منها: هذا يبدأ فيستريح، وذاك يؤجل ويهرب فيتعب. ابدأ اليوم، ولو بخطوة، فكل خطوة في مواجهة عملك هي خطوة في طريق راحتك.
💯166😢2👍1
2025/10/24 17:08:35
Back to Top
HTML Embed Code: