قطوف - علّموا الناس الخير 33366

"بين خروفين"
قبل أعوام طلبت مني جدتي رحمها الله أن أشتري لها كبشين للعيد، فذهبت وانتقيت لها كبشين مليحين بلديين ، واتفقت مع صاحب الخراف ان يوصلهما لبيت الجدة في الشميساني، ويبدو ان صاحبنا إذ أوصل البضاعة لم يربطها حق الربط إهمالاً أو إنهاكاً، أو أنه من بتوع حقوق الحيوان.

قبل أذان المغرب بدقائق عشر ، اتصلت بي جدتي لتقول لي : "هرب الخروفان ، وحاولنا اللحاق بهما فلم نستطع"
فشغلت السيارة لأنطلق بسرعة غير قانونية من نواحي شفا بدران ، وبدأت بالبحث بالسيارة امشّط كل حارة وشارع في الشميساني متوترا خائفا لأنني أنا من جاء بعديم الاسم ذاك، حتى لم يبق للعرق مني مجال، وتلفت اعصابي، ولم يبق شارع إلا ودخلته باحثاً.
وبعد أن قطعت الأمل بسكين القصاب، بدأت بالعودة أجرّ أسبال الخيبة، فمررت بمغفر الشميساني بجانب مسجد أبي الفيلات، فقلت في نفسي : لربما رأى شرطي أحد الخراف، فسألت الشرطي الواقف حارساً :
باشا، مر من قدام المغفر خروف اشي؟
فصاح بي :
هو انت يا زلمة!! يزم صارلنا ساعة ندور عليك، تعال وراي.

فاتبعته أملاً ان أحصّل خروفا من الخروفين، وهو يسوقني إلى قائد المغفر، الذي يبدو حينها أنه قد صف العساكر يجهز عناصر الشرطة للعيد.. فقال الشرطي :
- سيدي هذا هو الشب
- هذا هو؟! عاد مبين عليك محترم .
- ‏لا سيدي الشب الثاني، تبع الخروفين.
- ‏يا زلمة انت، بتعرف أنه الدورية ربع ساعة وهي تلحق بالخروف وتفوت وراه عالحارات والبيوت هذول الخرفان تبعك $#$ت ، تعال وراي.

سرت وراءه وحولي الشرطة يتبعون قائد المغفر في موكب مهيب، فوصلنا إلى مرأب السيارات وإذا بالخروفين مربوطين بطرف من حديد، وحولهما شرطيان يطعمانهما البقدونس أو شيئا يشبهه ، فسابق الدم إلى قلبي فرحة وعاد البياض إلى وجهي ، وابتسمت ابتسامة المشتاق لحبيب يكرهه، وبدت مني نواجذي بعد صكها ساعة من الزمان.

-بدنا منك حق اكلهم هالساعة ، فظوا المطبخ

-حاضر سيدي ،اللي بتأمروا فيه

-‏بمزح معاك، روح وقع على استلامهم وخذهم.

أخذني المساعد ووضعني في الديوان، قال لي اذا جاك فلان بيك قله وهو بيوقعك .

جاء البيك وأنا جالس على الكرسي حولي أصحاب الأقضية انتظر ، فبدأ يسال كل واحد :

-ايش قظيتك؟

- هوشة سيدي
- ‏انا اللي ظرب حارس المصنع
- ‏جيت اشكي على جاري

-انت شو قظيتك ؟
نظر الي قائلا.

-قلت : خروف
-‏شو؟!
-خروف.

انا صاحب الخروفين اللي صافين برة.

يا رجل .. هو أنت؟!

والله أنا

تعال وقع وخذه عنا يا زلمة الدورية ظلت ...

عارف يا بيك، حكالي الباشا
أخذتهما معا واتصلت بأخي .. فلما وصل أخذت الخروفين ورميتهما في السيارة رميا بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، غضبا وقهرا منهما ،حتى خيل الي أن احدهما مات من الرمية، فلما صفعته فاق فاطمأننت عليه.

كتب الرافعي في القرن الماضي قصة عنوانهما "بين خروفين" وهي قصة لطيفة جميلة اعتدت قراءتها قبل العيد صغيرا، بعد هذه الحادثة لم أعد أطيق قراءة تلك القصة، وصرت كلما تذكرت كلمة خروفين لم يخطر ببالي إلا خريجا المغفر ، وعرفت أن عنوان الرافعي وإن كان يصلح هنا ، إلا ينبغي لمن يقرأ أن يعرف أن ما بين الخروفين هو أنا.

يوسف القرشي

6.0K views16:01