(170)


حماد بن سلمة بن دينار البصري.



الإمام، القدوة، شيخ الإسلام، أبو سلمة البصري، النحوي.


كان بحرًا من بحور العلم، وهو صدوق، حجة - إن شاء الله -، وكان مع إمامته في الحديث إمامًا كبيرًا في العربية، فقيهًا، فصيحًا، رأسًا في السنة، صاحب تصانيف.


قال عبد الرحمن بن مهدي: لو قيل لحماد بن سلمة: إنك تموت غدًا، ما قدر أن يزيد في العمل شيئًا.
قلت: كانت أوقاته معمورة بالتعبد والأوراد.



وقال عفان: قد رأيت من هو أعبد من حماد بن سلمة، لكن ما رأيت أشد مواظبة على الخير، وقراءة القرآن، والعمل لله -تعالى- منه.




قال موسى بن إسماعيل التبوذكي: لو قلت لكم: إني ما رأيت حماد بن سلمة ضاحكًا، لصدقت، كان مشغولًا، إما أن يحدث، أو يقرأ، أو يسبح، أو يصلي، قد قسم النهار على ذلك.



قال أحمد بن عبد الله العجلي: حدثني أبي، قال:
كان حماد بن سلمة لا يحدث حتى يقرأ مائة آية، نظرًا في المصحف.



قال إسحاق بن الطباع: سمعت حماد بن سلمة يقول:
من طلب الحديث لغير الله -تعالى- مكر به.




قال أبو الشيخ: حدثنا الحسن بن محمد التاجر، حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري، قال:
سمعت بعض أصحابنا يقول: عاد حماد بن سلمة سفيان الثوري، فقال سفيان: يا أبا سلمة! أترى الله يغفر لمثلي؟
فقال حماد: والله لو خيرت بين محاسبة الله إياي، وبين محاسبة أبوي، لاخترت محاسبة الله، وذلك لأن الله أرحم بي من أبوي.



قال أبو الحسن المدائني: مات حماد بن سلمة يوم الثلاثاء، في ذي الحجة، سنة سبع وستين ومائة.

قال يونس بن محمد المؤدب: مات حماد بن سلمة في الصلاة في المسجد.




________________________
📚 المصدر:
سير أعلام النبلاء للذهبي -رحمه الله-.
بتصرف.
💬
https://www.tg-me.com/Seiar_Al_Nubala
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
أبو بكر الصديق خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-



📜اسمه ونسبه
عبد الله -ويقال: عتيق- بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي التيمي -رضي الله عنه-.


عن عائشة، قالت: اسمه الذي سماه أهله به "عبد الله" ولكن غلب عليه "عتيق".

قال ابن معين: لقبه عتيق لأن وجهه كان جميلًا.
وقال ابن الأعرابي: العرب تقول للشيء قد بلغ النهاية في الجودة: عتيق.

قيل: كان أبيض نحيفًا، خفيف العارضين، معروق الوجه، غائر العينين، ناتئ الجبهة، يخضب شيبه بالحناء والكتم.


عن الزهري، قال: كان أبو بكر أبيض، أصفر، لطيفًا، جعدًا، مسترق الوركين، لا يثبت إزاره على وركيه.




📜 مناقبه وفضائله
كان أول من آمن من الرجال.

عن عائشة، قالت: ما أسلم أبو أحد من المهاجرين إلا أبو بكر.

أنفق أمواله على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي سبيل الله، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما نفعني مال، ما نفعني مال أبي بكر".


قال عمرو بن العاص: يا رسول الله أي الرجال أحب إليك؟ قال: "أبو بكر".


وقال أبو سفيان، عن جابر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يبغض أبا بكر وعمر مؤمن، ولا يحبهما منافق".


وقال الشعبي، عن الحارث، عن علي، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نظر إلى أبي بكر وعمر، فقال:
"هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين".

قال ابن مسعود: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "لو كنت متخذا خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا".
روى مثله ابن عباس، فزاد: "ولكن أخي وصاحبي في الله، سدوا كل خوخة في المسجد غير خوخة أبي بكر".

عن عمر أنه قال: أبو بكر سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. صححه الترمذي.


وصحح من حديث الجريري، عن عبد الله بن شقيق، قال: قلت لعائشة: أي أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- كان أحب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟
قالت: أبو بكر،
قلت: ثم من؟
قالت: عمر،
قلت: ثم من؟ قالت: أبو عبيدة،
قلت: ثم من؟ فسكتت.


عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جلس على المنبر، فقال: "عبدًا خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء، وبين ما عنده، فاختار ما عنده"،
فقال أبو بكر: فديناك يا رسول الله بآبائنا وأمهاتنا، قال: فعجبنا.
فقال الناس: انظروا إلى هذا الشيخ يخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن عبد خيره الله، وهو يقول: فديناك بآبائنا وأمهاتنا،
قال: فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو المخير، وكان أبو بكر أعلمنا به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن من أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذًا خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا، ولكن أخوة الإسلام، لا تبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر". متفق على صحته.


وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافأناه ما خلا أبا بكر، فإن له عندنا يدًا يكافئه الله بها يوم القيامة، وما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلًا، ألا وإن صاحبكم خليل الله". قال الترمذي: حديث حسن غريب.


عن ابن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأبي بكر: "أنت صاحبي على الحوض، وصاحبي في الغار".


وقال محمد بن جبير بن مطعم: أخبرني أبي أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمته في شيء، فأمرها بأمر فقالت: أرأيت يا رسول الله إن لم أجدك؟ قال: "إن لم تجديني فأتى أبا بكر".
متفق على صحته.


عن علي، قال: لقد أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر أن يصلي بالناس، وإني لشاهد وما بي مرض، فرضين لدنيانا من رضي به النبي -صلى الله عليه وسلم- لديننا.


وعن عائشة قالت: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مرضه: "ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتابًا، فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر". هذا حديث صحيح.



وأخرج البخاري من حديث أبي إدريس الخولاني، قال: سمعت أبا الدرداء يقول: كان بين أبي بكر وعمر محاورة، فأغضب أبو بكر عمر، فانصرف عنه عمر مغضبًا، فاتبعه أبو بكر يسأله أن يستغفر له، فلم يفعل حتى أغلق بابه في وجهه، فأقبل أبو بكر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال أبو الدرداء: ونحن عنده، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أما صاحبكم هذا فقد غامر". قال: وندم عمر على ما كان منه، فأقبل حتى سلم وجلس إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقص على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الخبر، قال أبو الدرداء: وغضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجعل أبو بكر يقول: والله يا رسول الله لأنا كنت أظلم. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هل أنتم تاركو لي صاحبي؟ إني قلت: يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعًا، فقلتم: كذبت وقال أبو بكر: صدقت".




وقال محمد بن سيرين: كان أبو بكر أعبر هذه الأمة بالرؤيا بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وقال الزبير بن بكار، عن بعض أشياخه، قال: خطباء الصحابة: أبو بكر، وعلي.


عن عائشة قالت: والله ما قال أبو بكر شعرًا في جاهلية ولا في إسلام، ولقد ترك هو وعثمان شرب الخمر في الجاهلية.



وقال حصين، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عمر صعد المنبر، ثم قال: ألا إن أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، فمن قال غير ذلك بعد مقامي هذا فهو مفتر، عليه ما على المفتري.


وقال أبو معاوية وجماعة: حدثنا سهيل بن أبي صالح، عن أبيه عن ابن عمر قال: كنا نقول على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إذا ذهب أبو بكر وعمر، وعثمان استوى الناس، فيبلغ ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلا ينكره.


وقال علي -رضي الله عنه- : خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، وعمر. هذا والله العظيم قاله علي وهو متواتر عنه؛ لأنه قاله على منبر الكوفة فلعن الله الرافضة ما أجهلهم؟


عن علي، قال: أعظم الناس أجرًا في المصاحف أبو بكر، كان أول من جمع القرآن بين اللوحين. إسناده حسن.




📜خلافته
قال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توفي وأبو بكر بالسنح، فقال عمر: والله ما مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. قال عمر: والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك، وليبعثنه الله فيقطع أيدي رجال وأرجلهم. فجاء أبو بكر الصديق فكشف عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقبله، وقال: بأبي أنت وأمي، طبت حيًّا وميتًا، والذي نفسي بيده لا يذيقك الله موتتين أبدًا. ثم خرج فقال: أيها الحالف على رسلك. فلما تكلم أبو بكر جلس عمر، فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌّ لا يموت، وقال: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُون} [الزمر: ٣٠] ، وقال: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران: ١٤٤] ، فنشج الناس يبكون،



عن أنس أنه سمع خطبة عمر الآخرة، قال: حين جلس أبو بكر على منبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غدا من متوفى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتشهد عمر، ثم قال: أما بعد، فإني قلت لكم أمس مقالة، وإنها لم تكن كما قلت، وما وجدت في المقالة التي قلت لكم في كتاب الله ولا في عهد عهده رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولكن رجوت أنه يعيش حتى يدبرنا -يقول حتى يكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم— آخرنا -فاختار الله لرسوله ما عنده على الذي عندكم، فإن يكن رسول الله قد مات، فإن الله قد جعل بين أظهركم كتابه الذي هدى به محمدًا، فاعتصموا به تهتدوا بما هدى به محمدًا -صلى الله عليه وسلم-. ثم ذكر أبا بكر صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وثاني اثنين، وأنه أحق الناس بأمرهم، فقوموا فبايعوه، وكان طائفة منهم قد بايعوه قبل ذلك في سقيفة بني ساعدة، وكانت البيعة على المنبر بيعة العامة. صحيح غريب.

قالت عائشة: لما استخلف أبو بكر ألقى كل دينار ودرهم عنده في بيت المال، وقال: قد كنت أتجر فيه وألتمس به، فلما وليتهم شغلوني.




📜مرضه ووفاته
عن عائشة قالت: أول ما بدئ مرض أبي بكر أنه اغتسل، وكان يومًا باردًا، فحم خمسة عشر يومًا لا يخرج إلى صلاة، وكان يأمر عمر بالصلاة، وكانوا يعودونه، وكان عثمان ألزمهم له في مرضه.


لما ثقل أبو بكر، دعا عبد الرحمن بن عوف، فقال: أخبرني عن عمر، فقال: ما تسألني عن أمر إلا وأنت أعلم به مني، قال: وإن، فقال: هو والله أفضل من رأيك فيه. ثم دعا عثمان فسأله عن عمر، فقال: علمي فيه أن سريرته خير من علانيته وأنه ليس فينا مثله فقال: يرحمك الله، والله لو تركته ما عدوتك، وشاور معهما سعيد بن زيد، وأسيد بن الحضير وغيرهما، فقال قائل: ما تقول لربك إذا سألك عن استخلافك عمر وقد ترى غلظته؟ فقال: أجلسوني، أبالله تخوفوني! أقول: استخلفت عليهم خير أهلك.

ثم دعا عثمان، فقال: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجًا منها، وعند أول عهده بالآخرة داخلًا فيها، حيث يؤمن الكافر، ويوقن الفاجر، ويصدق الكاذب إني استخلفت عليكم بعدي عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا، وإني لم آل الله ورسوله ودينه ونفسي وإياكم خيرًا، فإن عدل فذلك ظني به وعلمي فيه، وإن بدل فلكل امرئ ما اكتسب، والخير أردت ولا أعلم الغيب {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُون} [الشعراء: ٢٢٧] .


وقال بعضهم في الحديث: لما أن كتب عثمان الكتاب أغمي على أبي بكر، فكتب عثمان من عنده اسم عمر، فلما أفاق أبو بكر قال: اقرأ ما كتبت، فقرأ، فلما ذكر "عمر" كبر أبو بكر وقال: أراك خفت إن افتلتت نفسي الاختلاف، فجزاك الله عن الإسلام خيرًا، والله إن كنت لها أهلًا.


قال الزهري: أوصى أبو بكر أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس، فإن لم تستطع استعانت بابنه عبد الرحمن.
وعن القاسم، قال: أوصى أبو بكر أن يدفن إلى جنب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فحفر له، وجعل رأسه عند كتفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.


وعن عامر بن عبد الله بن الزبير قال: رأس أبي بكر عند كتفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ورأس عمر عند حقوي أبي بكر.


قالت عائشة: مات ليلة الثلاثاء، ودفن قبل أن يصبح.


توفي مساء ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة، وكانت خلافته سنتين ومائة يوم.


وقال أبو معشر: سنتين وأربعة أشهر إلا أربع ليال، عن ثلاث وستين سنة.



_________
📚المصدر:
سير أعلام النبلاء للذهبي -رحمه الله-.

💬
https://www.tg-me.com/Seiar_Al_Nubala
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
سيرة عمر الفاروق -رضي الله عنه-:


📜اسمه ونســـبه:
عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي، أمير المؤمنين، أبو حفص، القرشي، العدوي، الفاروق -رضي الله عنه-.
وأمه: حنتمة بنت هشام المخزومية، أخت أبي جهل.

عن عبد الله بن عمر، قال: كان أبي أبيض تعلوه حمرة، طوالًا، أصلع، أشيب.
قال أبو رجاء العطاردي: كان طويلًا جسيمًا، شديد الصلع، شديد الحمرة، وفي عارضيه خفة، وسبلته كبيرة، وفي أطرافها
صهبة، إذا حزبه أمر فتلها.
وقال سماك بن حرب: كان عمر أروح؛ كأنه راكب والناس يمشون، كأنه من رجال بني سدوس. والأروح: الذي يتدانى قدماه إذا مشى.
وقال أنس: كان يخضب بالحناء.
وقال سماك: كان عمر يسرع في مشيته.



📜إسلامه:
أسلم في السنة السادسة من النبوة وله سبع وعشرون سنة.
عن ابن المسيب، قال: أسلم عمر بعد أربعين رجلًا وعشر نسوة، فلما أسلم ظهر الإسلام بمكة.

عن الزهري أن عمر أسلم بعد أن دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- دار الأرقم، وبعد أربعين أو نيف وأربعين من رجال ونساء، فلما أسلم نزل جبريل فقال: يا محمد استبشر أهل السماء بـ إسلام عمر .

عن ابن عمر وغيره -من وجوه جيدة- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب".
وعنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك: بعمر بن الخطاب، أو بأبي جهل بن هشام".
قال ابن مسعود: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر.
أخرجه البخاري.

قال أحمد في "مسنده": حدثنا أبو المغيرة، قال: حدثنا صفوان, قال: حدثنا شريح بن عبيد قال: قال عمر:
خرجت أتعرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فوجدته قد سبقني إلى المسجد، فقمت خلفه، فاستفتح سورة الحاقة فجعلت أعجب من تأليف القرآن، فقلت: هذا والله شاعر، كما قالت قريش، فقرأ: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ، وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ} [الحاقة: ٤٠، ٤١] الآيات، فوقع في قلبي الإسلام كل موقع.


عن أنس بن مالك، قال: خرج عمر -رضي الله عنه- متقلدًا السيف، فلقيه رجل من بني زهرة فقال له: أين تعمد يا عمر؟ قال: أريد أن أقتل محمدًا. قال: فكيف تأمن في بني هاشم وبني زهرة، وقد قتلت محمدًا؟ فقال: ما أراك إلا قد صبوت. قال: أفلا أدلك على العجب، إن ختنك وأختك قد صبوا وتركا دينك. فمشى عمر فأتاهما، وعندهما خباب، فلما سمع بحس عمر توارى في البيت، فدخل فقال: ما هذه الهينمة؟ وكانوا يقرءون "طه"، قالا: ما عدا حديثًا تحدثناه بيننا. قال: فلعلكما قد صبوتما؟ فقال له ختنه: يا عمر إن كان الحق في غير دينك. فوثب عليه فوطئه وطئًا شديدًا، فجاءت أخته لتدفعه عن زوجها، فنفحها نفحة بيده فدمّى وجهها، فقالت وهي غضبى: وإن كان الحق في غير دينك، إني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله. فقال عمر: أعطوني الكتاب الذي هو عندكم فأقرؤه، وكان عمر يقرأ الكتاب، فقالت أخته: إنك رجس، وإنه لا يمسه إلا المطهرون، فقم فاغتسل أو توضأ، فقام فتوضأ، ثم أخذ الكتاب فقرأ: {طه} حتى انتهى إلى: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: ١-١٤] ، فقال عمر: دلوا على محمد، فلما سمع خباب قول عمر خرج فقال: أبشر يا عمر فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لك ليلة الخميس: "اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بعمرو بن هشام". وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أصل الدار التي في أصل الصفا. فانطلق عمر حتى أتى الدار وعلى بابها حمزة، وطلحة، وناس، فقال حمزة: هذا عمر، إن يرد الله به خيرًا يسلم، وإن يرد غير ذلك يكن قتله علينا هينًا. قال: والنبي -صلى الله عليه وسلم- داخل يوحى إليه، فخرج حتى أتى عمر، فأخذ بمجامع ثوبه وحمائل السيف فقال: "ما أنت منته يا عمر حتى ينزل الله بك من الخزي والنكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة؟ فهذا عمر! اللهم أعز الإسلام بعمر ".
فقال عمر: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبد الله ورسوله.
وقد رواه يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، وقال فيه: زوج أخته سعيد بن زيد بن عمرو.


عن أسامة بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جده، قال: قال لنا عمر: كنت أشد الناس على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فبينا أنا في يوم حار بالهاجرة، في بعض طريق مكة، إذ لقيني رجل فقال: عجبًا لك يابن الخطاب، إنك تزعم أنك وأنك، وقد دخل علينا الأمر في بيتك. قلت: وما ذاك؟ قال: أختك قد أسلمت. فرجعت مغضبًا حتى قرعت الباب، وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أسلم الرجل والرجلان ممن لا شيء له ضمهما إلى من في يده سعة فينالان من فضل طعامه، وقد كان ضم إلى زوج أختي رجلين، فلما قرعت الباب قيل: من هذا؟ قلت: عمر. فتبادروا فاختفوا مني, وقد كانوا يقرؤون صحيفة بين أيديهم وتركوها أو نسوها، فقامت أختي تفتح الباب، فقلت: يا عدوة نفسها، أصبوت.
وضربتها بشيء في يدي على رأسها، فسال الدم وبكت، فقالت: يابن الخطاب ما كنت فاعلًا فافعل ،فقد صبوت. قال: ودخلت حتى جلست على السرير، فنظرت إلى الصحيفة فقلت: ما هذا؟ ناولنيها. قالت: لست من أهلها، أنت لا تطهر من الجنابة، وهذا كتاب لا يمسه إلا المطهرون. فما زلت بها حتى ناولتنيها، ففتحتها، فإذا فيها: "بسم الله الرحمن الرحيم", فكلما مررت باسم من أسماء الله عز وجل ذعرت منه فألقيت الصحيفة، ثم رجعت إلى نفسي فتناولتها، فإذا فيها: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} فذعرت، فقرأت إلى: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحديد: ١-٧] ، فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله. فخرجوا متبادرين وكبروا، وقالوا: أبشر فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دعا يوم الإثنين فقال: "اللهم أعز دينك بأحب الرجلين إليك؛ إما أبو جهل وإما عمر". ودلوني على النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيت بأسفل الصفا، فخرجت حتى قرعت الباب، فقالوا: من؟ قلت: ابن الخطاب، وقد علموا شدتي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فما اجترأ أحد يفتح الباب، حتى قال: "افتحوا له". ففتحوا لي، فأخذ رجلان بعضدي، حتى أتيا بي النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "خلوا عنه". ثم أخذ بمجامع قميصي وجذبني إليه، ثم قال: "أسلم يابن الخطاب، اللهم اهده". فتشهدت، فكبر المسلمون تكبيرة سمعت بفجاج مكة، وكانوا مستخفين، فلم أشأ أن أرى رجلًا يضرب ويضرب إلا رأيته، ولا يصيبني من ذلك شيء، فجئت خالي وكان شريفًا، فقرعت عليه الباب، فقال: من هذا؟ قلت: ابن الخطاب وقد صبوت. قال: لا تفعل. ثم دخل وأجاف الباب دوني. فقلت: ما هذا شيء. فذهبت إلى رجل من عظماء قريش، فناديته، فخرج إليّ، فقلت مثل مقالتي لخالي، وقال لي مثل ما قال خالي، فدخل وأجاف الباب دوني، فقلت: ما هذا شيء، إن المسلمين يضربون وأنا لا أضرب، فقال لي رجل: أتحب أن يعلم بإسلامك؟ قلت: نعم. قال: فإذا جلس الناس في الحجر فأت فلانًا -لرجل لم يكن يكتم السر- فقل له فيما بينك وبينه: إني قد صبوت، فإنه قلما يكتم السر. فجئت، وقد اجتمع الناس في الحجر، فقلت فيما بيني وبينه: إني قد صبوت. قال: أوقد فعلت؟ قلت: نعم. فنادى بأعلى صوته: إن ابن الخطاب قد صبأ، فبادروا إليَّ، فما زلت أضربهم ويضربوني، واجتمع عليَّ الناس، قال خالي: ما هذه الجماعة؟ قيل: عمر قد صبأ، فقام على الحجر، فأشار بكمه: ألا إني قد أجرت ابن أختي، فتكشفوا عني، فكنت لا أشاء أن أرى رجلًا من المسلمين يضرِب ويضرَب إلا رأيته، فقلت: ما هذا شيء حتى يصيبني، فأتيت خالي فقلت: جوارك رد عليك، فما زلت أضرِب وأضرَب حتى أعز الله الإسلام.


عن ابن عمر، قال: لما أسلم عمر، قال: أي قريش أثقل للحديث؟ قيل: جميل بن معمر الجمحي. فغدا عليه، قال ابن عمر: وغدوت أتبع أثره وأنا غلام أعقل، حتى جاءه، فقال: أعلمت أني أسلمت؟ فوالله ما راجعه حتى قام يجر رداءه، حتى قام على باب المسجد صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش، ألا إن ابن الخطاب قد صبأ قال: يقول عمر من خلفه: كذب، ولكني أسلمت. وثاروا إليه فما برح يقاتلهم، ويقاتلونه حتى قامت الشمس على رؤوسهم. قال: وطلح فقعد وقاموا على رأسه وهو يقول: افعلوا ما بدا لكم، فأحلف بالله أن لو كنا ثلاثمائة رجل لقد تركناها لكم أو تركتموها لنا. فبينا هو على ذلك إذ أقبل شيخ عليه حلة حبرة، وقميص موشى، حتى وقف عليهم، فقال: ما شأنكم؟ قالوا: صبأ عمر. قال: فمه! رجل اختار لنفسه أمرًا فماذا تريدون! أترون بني كعب بن عدي يسلمون! خلوا عنه. قال: فوالله لكأنما كانوا ثوبًا كشط عنه، فقلت لأبي بعد أن هاجر: يا أبة، من الرجل الذي زجر القوم عنك؟ قال: العاص بن وائل.

وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: كان إسلام عمر بعد خروج من خرج من الصحابة إلى الحبشة. فحدثني عبد الرحمن بن الحارث، عن عبد العزيز بن عبد الله بن عامر ابن ربيعة، عن أمه ليلى، قالت: كان عمر من أشد الناس علينا في إسلامنا، فلما تهيأنا للخروج إلى الحبشة، جاءني عمر، وأنا على بعير، نريد أن نتوجه، فقال: إلى أين يا أم عبد الله؟ فقلت: قد آذيتمونا في ديننا، فنذهب في أرض الله حيث لا نؤذى في عبادة الله. فقال: صحبكم الله، ثم ذهب، فجاء زوجي عامر بن ربيعة فأخبرته بما رأيت من رقة عمر بن الخطاب، فقال: ترجين أن يسلم؟ قلت: نعم.
قال: فوالله لا يسلم حتى يسلم حمار الخطاب. يعني من شدته على المسلمين.
قال يونس، عن ابن إسحاق: والمسلمون يومئذ بضع وأربعون رجلا، وإحدى عشرة امرأة.


وقال عكرمة: لم يزل الإسلام في اختفاء حتى أسلم عمر.
وقال سعيد بن جبير: {وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِين} [التحريم: ٤] ، نزلت في عمر خاصة.
وقال ابن مسعود: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر.



📜 فضله:
عن حذيفة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر".
عن ابن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن لي وزيرين من أهل السماء، ووزيرين من أهل الأرض، فوزيراي من أهل السماء جبريل وميكائيل، ووزيراي من أهل الأرض أبو بكر وعمر".

عن عبد الرحمن بن غنم، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال له أبو بكر وعمر: إن الناس يزيدهم حرصًا على الإسلام أن يروا عليك زيًّا حسنًا من الدنيا، فقال: "أفعل، وايم الله لو أنكما تتفقان لي على أمر واحد ما عصيتكما في مشورة أبدًا".

وقال محمد بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إيها يا ابن الخطاب فوالذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكًا فجًّا إلا سلك فجًّا غير فجك".

وعن عائشة، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الشيطان يفرق من عمر".
وعنها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في زفن الحبشة لما أتى عمر: "إني لأنظر إلى شياطين الجن والإنس قد فروا من عمر". صححه الترمذي

وقال زر: كان ابن مسعود يخطب ويقول: إني لأحسب الشيطان يفرق من عمر أن يحدث حدثًا فيرده، وإني لأحسب عمر بين عينيه ملك يسدده ويقومه.

وقالت عائشة: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قد كان في الأمم محدثون فإن يكن في أمتي أحد فعمر بن الخطاب". رواه مسلم".

وعن ابن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله وضع الحق على لسان عمر وقلبه".

وقال الشعبي: قال علي -رضي الله عنه: ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر.

وقال أنس: قال عمر: وافقت ربي في ثلاث: في مقام إبراهيم، وفي الحجاب، وفي قوله: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُن} [التحريم: ٥] .

عن عقبة بن عامر، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لو كان بعدي نبي لكان عمر".

عن ابن عباس عن أخيه الفضل، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الحق بعدي مع عمر حيث كان".


قال ابن عمر: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "بينا أنا نائم أتيت بقدح من لبن فشربت منه حتى إني لأرى الري يجري في أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر". قالوا: فما أولت ذلك؟ قال: "العلم".


وقال أبو سعيد: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص، منها ما يبلغ الثدي، ومنها ما يبلغ دون ذلك، ومر علي عمر عليه قميص يجره". قالوا: ما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: "الدين".

قال أنس: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أرحم أمتي أبو بكر، وأشدها في دين الله عمر".
وقال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "دخلت الجنة فرأيت قصرًا من ذهب فقلت: لمن هذا؟ فقيل: لشاب من قريش، فظننت أني أنا هو، فقيل: لعمر بن الخطاب".
وفي الصحيح أيضًا من حديث جابر مثله.

وقال أبو هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "بينا أنا نائم رأيتني في الجنة، فإذا امرأة توضأ إلى جانب قصر، فقلت: لمن هذا القصر؟ قالوا: لعمر، فذكرت غيرة عمر، فوليت مدبرًا". قال: فبكى عمر، وقال: بأبي أنت يا رسول الله أعليك أغار؟

قال علي -رضي الله عنه-: بينما أنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ طلع أبو بكر وعمر، فقال: "هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين لا تخبرهما يا علي".

عن أبي سعيد، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن أهل الدرجات العلا ليرون من فوقهم كما ترون الكوكب الدري في أفق السماء، وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما".

وقال علي -رضي الله عنه- بالكوفة على منبرها في ملأ من الناس أيام خلافته: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، وخيرها بعد أبي بكر عمر، ولو شئت أن أسمي الثالث لسميته.
رضي الله عنه، فقبح الله الرافضة.

وقالت عائشة: قال أبو بكر: ما على ظهر الأرض رجل أحب إلي من عمر.

وقالت: دخل ناس على أبي بكر في مرضه، فقالوا: يسعك أن تولي علينا عمر وأنت ذاهب إلى ربك فماذا تقول له؟ قال: أقول: وليت عليهم خيرهم.


📜 علمه:
قال ابن مسعود: إذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر؛ إن عمر كان أعلمنا بكتاب الله، وأفقهنا في دين الله.

وقال ابن مسعود: لو أن علم عمر وضع في كفة ميزان، ووضع علم أحياء الأرض في كفة، لرجح علم عمر بعلمهم.


عن حذيفة، قال: كأن علم الناس كان مدسوسًا في جحر مع عمر.

وقال ابن عمر: تعلم عمر البقرة في اثنتي عشرة سنة، فلما تعلمها نحر جزورًا.

وقال طارق بن شهاب: إن كان الرجل ليحدث عمر بالحديث فيكذبه الكذبة فيقول: احبس هذه، ثم يحدثه بالحديث فيقول: احبس هذه، فيقول له: كل ما حدثتك حق إلا ما أمرتني أن أحبسه.






📜خلافتـه:
قال الليث بن سعد: استخلف عمر فكان فتح دمشق، ثم كان اليرموك سنة خمس عشرة، ثم كانت الجابية سنة ست عشرة، ثم كانت إيلياء وسرغ لسنة سبع عشرة، ثم كانت الرمادة وطاعون عمواس سنة ثماني عشرة، ثم كانت جلولاء سنة تسع عشرة، ثم كان فتح باب ليون وقيسارية بالشام، وموت هرقل سنة عشرين؛ وفيها فتحت مصر، وسنة إحدى وعشرين فتحت نهاوند، وفتحت الإسكندرية سنة اثنتين وعشرين؛ وفيها فتحت إصطخر وهمذان؛ ثم غزا عمرو بن العاص أطرابلس المغرب؛ وغزوة عمورية، وأمير مصر وهب بن عمير الجمحي، وأمير أهل الشام أبو الأعور سنة ثلاث وعشرين.

وقال الزهري: فتح الله الشام كله على عمر، والجزيرة ومصر والعراق كله، ودون الدواوين قبل أن يموت بعام، وقسم على الناس فيئهم.

قال الزهري: أول من حيا عمر بأمير المؤمنين: المغيرة بن شعبة.

وقال عروة: حج عمر بالناس إمارته كلها.



📜زهــده:
قال معاوية: أما أبو بكر فلم يرد الدنيا ولم ترده، وأما عمر فأرادته الدنيا ولم يردها.

قال الأحنف بن قيس: سمعت عمر يقول: لا يحل لعمر من مال الله إلا حلتين: حلة للشتاء وحلة للصيف، وما حج به واعتمر، وقوت أهلي كرجل من قريش ليس بأغناهم، ثم أنا رجل من المسلمين.


وقال عكرمة بن خالد، وغيره: إن حفصة وعبد الله وغيرهما كلموا عمر، فقالوا: لو أكلت طعامًا طيبًا كان أقوى لك على الحق. قال: أكلكم على هذا الرأي؟ قالوا: نعم قال: قد علمت نصحكم، ولكني تركت صاحبي على جادة، فإن تركت جادتهما لم أدركهما في المنزل.


قال: وأصاب الناس سنة فما أكل عامئذ سمنًا ولا سمينًا.


وقال ابن أبي مليكة: كلم عتبة بن فرقد عمر في طعامه، فقال: ويحك آكل طيباتي في حياتي الدنيا وأستمتع بها؟!


وقال مبارك، عن الحسن: دخل عمر على ابنه عاصم وهو يأكل لحمًا فقال: ما هذا؟ قال: قرمنا إليه. قال: أوكلما قرمت إلى شيء أكلته! كفى بالمرء سرفًا أن يأكل كل ما اشتهى.


قال أنس: رأيت بين كتفي عمر أربع رقاع في قميصه.


وقال أبو عثمان النهدي: رأيت على عمر إزارًا مرقوعا بأدم.


وقال عبد الله بن عامر بن ربيعة: حججت مع عمر، فما ضرب فسطاطا ولا خباء، كان يلقي الكساء والنطع على الشجرة ويستظل تحته.

وعن الحسن، قال: كان عمر يمر بالآية من ورده فيسقط حتى يعاد منها أيامًا.

وقال أنس: خرجت مع عمر فدخل حائطًا فسمعته يقول وبيني وبينه جدار: عمر بن الخطاب أمير المؤمنين بخ، والله لتتقين الله أو ليعذبنك.

وقال عبد الله بن عامر بن ربيعة: رأيت عمر أخذ تبنة من الأرض، فقال: يا ليتني هذه التبنة، ليتني لم أك شيئًا، ليت أمي لم تلدني.

وقال حذيفة: كنا جلوسًا عند عمر فقال: أيكم يحفظ قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الفتنة؟
قلت: أنا قال: إنك لجريء، قلت: فتنة الرجل في أهله وماله وولده تكفرها الصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال: ليس عنها أسألك، ولكن الفتنة التي تموج موج البحر. قلت: ليس عليك منها بأس، إن بينك وبينها بابًا مغلقًا. قال: أيكسر أم يفتح؟ قلت: بل يكسر قال: إذا لا يغلق أبدًا. قلنا لحذيفة: أكان عمر يعلم من الباب؟
قال: نعم، كما يعلم أن دون غد الليلة، إني حدثته حديثًا ليس بالأغاليط. فسأله مسروق: من الباب؟ قال: الباب عمر. أخرجه البخاري.


وقال إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف: أتى عمر بكنوز كسرى، فقال عبد الله بن الأرقم: أتجعلها في بيت المال حتى تقسمها؟ فقال عمر: لا والله لا آويها إلى سقف حتى أمضيها، فوضعها في وسط المسجد وباتوا يحرسونها، فلما أصبح كشف عنها فرأى من الحمراء والبيضاء ما يكاد يتلألأ، فبكى فقال له أبي: ما يبكيك يا أمير المؤمنين فوالله إن هذا ليوم شكر ويوم سرور! فقال: ويحك إن هذا لم يعطه قوم إلا ألقيت بينهم العداوة والبغضاء.


وقال أنس: تقرقر بطن عمر من أكل الزيت عام الرمادة؛ كان قد حرم نفسه السمن، قال: فنقر بطنه بإصبعه، وقال: إنه ليس عندنا غيره حتى يحيا الناس.


وعن أسلم، قال: كنا نقول: لو لم يرفع الله المحل عام الرمادة لظننا أن عمر يموت.



📜استشهاده:
قال كعب لعمر: أجدك في التوراة تقتل شهيدًا،
قال: وأنى لي بالشهادة وأنا بجزيرة العرب؟!

وقال أسلم، عن عمر أنه قال: اللهم ارزقني شهادة في سبيلك، واجعل موتي في بلد رسولك. أخرجه البخاري.

وقال معدان بن أبي طلحة اليعمري: خطب عمر يوم جمعة وذكر نبي الله وأبا بكر، ثم قال: رأيت كأن ديكًا نقرني نقرة أو نقرتين، وإني لا أراه إلا لحضور أجلي، وإن قومًا يأمروني أن أستخلف وإن الله لم يكن ليضيع دينه ولا خلافته، فإن عجل بي أمر فالخلافة شورى بين هؤلاء الستة الذين توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو عنهم راض.
قال الزهري: كان عمر لا يأذن لسبي قد احتلم في دخول المدينة حتى كتب المغيرة بن شعبة، وهو على الكوفة يذكر له غلامًا ويستأذنه أن يدخل المدينة ويقول: إن عنده أعمالًا كثيرة فيها منافع للناس: إنه حداد نقاش نجار، فأذن له أن يرسل به، وضرب عليه المغيرة مائة درهم في الشهر، فجاء إلى عمر يشتكي شدة الخراج، قال: ما خراجك بكثير، فانصرف ساخطًا يتذمر، فلبث عمر ليالي، ثم دعاه فقال: ألم أخبر أنك تقول: لو أشاء لصنعت رحى تطحن بالريح؟ فالتفت إلى عمر عابسًا، وقال: لأصنعن لك رحى يتحدث الناس بها. فلما ولى قال عمر لأصحابه: أوعدني العبد آنفًا. ثم اشتمل أبو لؤلؤة على خنجر ذي رأسين نصابه في وسطه، فكمن في زاوية من زوايا المسجد في الغلس.

وقال عمرو بن ميمون الأودي: إن أبا لؤلؤ عبد المغيرة طعن عمر بخنجر له رأسان طعن معه اثنا عشر رجلًا، مات منهم ستة، فألقى عليه رجل من أهل العراق ثوبًا، فلما اغتم فيه قتل نفسه.

وقال عامر بن عبد الله بن الزبير، قال: جئت من السوق وعمر يتوكأ علي، فمر بنا أبو لؤلؤة، فنظر إلى عمر نظرة ظننت أنه لولا مكاني بطش به، فجئت بعد ذلك إلى المسجد الفجر فإني لبين النائم واليقظان، إذ سمعت عمر يقول: قتلني الكلب، فماج الناس ساعة، ثم إذا قراءة عبد الرحمن بن عوف.


عن أبي رافع: كان أبو لؤلؤة عبدًا للمغيرة يصنع الأرحاء، وكان المغيرة يستغله كل يوم أربعة دراهم، فلقي عمر، فقال: يا أمير المؤمنين إن المغيرة قد أثقل علي فكلمه، فقال: أحسن إلى مولاك، ومن نية عمر أن يكلم المغيرة فيه، فغضب وقال: يسع الناس كلهم عدله غيري، وأضمر قتله واتخذ خنجرًا وشحذه وسمَّه، وكان عمر يقول:
"أقيموا صفوفكم" قبل أن يكبر، فجاء فقام حذاءه في الصف وضربه في كتفه وفي خاصرته، فسقط عمر، وطعن ثلاث عشر رجلًا معه، فمات منهم ستة، وحمل عمر إلى أهله، وكادت الشمس أن تطلع، فصلى ابن عوف بالناس بأقصر سورتين، وأتى عمر بنبيذ فشربه فخرج من جرحه فلم يتبين، فسقوه لبنا فخرج من جرحه، فقالوا: لا بأس عليك، فقال: إن يكن بالقتل بأس فقد قتلت. فجعل الناس يثنون عليه ويقولون: كنت وكنت، فقال: أما والله وددت أني خرجت منها كفافًا لا علي ولا لي وأن صحبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
سلمت لي.
وأثنى عليه ابن عباس، فقال: لو أن لي طلاع الأرض ذهبًا لافتديت به من هول المطلع، وقد جعلتها شورى في عثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن وسعد. وأمر صهيبًا أن يصلي بالناس، وأجل الستة ثلاثًا.

وعن عمرو بن ميمون أن عمر قال: "الحمد لله الذي لم يجعل منيتي بيد رجل يدعي الإسلام". ثم قال لابن عباس: كنت أنت وأبوك تحبان أن يكثر العلوج بالمدينة. وكان العباس أكثرهم رقيقًا.
ثم قال: يا عبد الله! انظر ما علي من الدين، فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفًا أو نحوها، فقال: إن وفى مال آل عمر فأده من أموالهم وإلا فاسأل في بني عدي، فإن لم تف أموالهم فسل في قريش؛ اذهب إلى أم المؤمنين عائشة فقل: يستأذن عمر أن يدفن مع صاحبيه. فذهب إليها فقالت: كنت أريده -تعني المكان- لنفسي ولأؤثرنه اليوم على نفسي.
قال: فأتى عبد الله، فقال: قد أذنت لك، فحمد الله.
ثم جاءت أم المؤمنين حفصة والنساء يسترنها، فلما رأيناها قمنا، فمكثت عنده ساعة، ثم استأذن الرجال فولجت داخلًا ثم سمعنا بكاءها. وقيل له: أوص يا أمير المؤمنين واستخلف.
قال: ما أرى أحدًا أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر الذين توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو عنهم راض، فسمى الستة، وقال: يشهد عبد الله بن عمر معهم وليس لهم من الأمر شيء -كهيئة التعزية له- فإن أصابت الإمرة سعدًا فهو ذاك، وإلا فليستعن به أيكم ما أمر، فإني لم أعزله من عجز ولا خيانة، ثم قال: أوصي الخليفة من بعدي بتقوى الله، وأوصيه بالمهاجرين والأنصار، وأوصيه بأهل الأمصار خيرًا، في مثل ذلك من الوصية.

فلما توفي خرجنا به نمشي، فسلم عبد الله بن عمر، وقال: عمر يستأذن، فقالت عائشة: أدخلوه فأدخل فوضع هناك مع صاحبيه.

وقال المسور بن مخرمة: لما أصبح عمر بالصلاة من الغد، وهو مطعون، فزعوه فقالوا: الصلاة. ففزع وقال: نعم ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة. فصلى وجرحه يثعب دمًا.


وعن ابن عباس قال: كان أبو لؤلؤة مجوسيًا.


وقال ابن عمر: كان رأس عمر في حجري، فقال: ضع خدي على الأرض، فوضعته، فقال: ويل لي وويل أمي إن لم يرحمني ربي.

عن نافع عن ابن عمر قال: وضع عمر بين القبر والمنبر، فجاء علي حتى قام بين الصفوف، فقال: رحمة الله عليك، ما من خلق أحب إلي من أن ألقى الله بصحيفته بعد صحيفة النبي صلى الله عليه وسلم- من هذا المسجى عليه ثوبه.


عن جرير بن عبد الله أنه سمع معاوية يخطب ويقول: مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو ابن ثلاث وستين، وأبو بكر وعمر وهما ابنا ثلاث وستين.

وقال يحى بن سعيد: سمعت سعيد بن المسيب، قال: قبض عمر وقد استكمل ثلاثا وستين.

وأكثر ما قيل قول ابن جريج، عن أبي الحويرث، عن ابن عباس: قبض عمر وهو ابن ست وستين سنة، والله أعلم
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
عثمان -رضي الله عنه-


📜اسمه ونسبه:
عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، أمير المؤمنين، أبو عمرو، وأبو عبد الله، القرشي الأموي.

وأمه أروى بنت كريز بن حبيب بن عبد شمس، وأمها البيضاء بنت عبد المطلب بن هاشم.

وكان عثمان فيما بلغنا لا بالطويل، ولا بالقصير، حسن الوجه كبير اللحية، أسمر اللون، عظيم الكراديس، بعيد ما بين المنكبين، يخضب بالصفرة، وكان قد شد أسنانه بالذهب.

وعن أبي عبد الله مولى شداد، قال: رأيت عثمان يخطب، وعليه إزار غليظ ثمنه أربعة دراهم، وريطة كوفية ممشقة، ضرب اللحم -أي خفيفه- طويل اللحية، حسن الوجه.
وعن عبد الله بن حزم، قال: رأيت عثمان فما رأيت ذكرًا ولا أنثى أحسن وجهًا منه.

وعن السائب، قال: رأيته يصفر لحيته، فما رأيت شيخًا أجمل منه.



📜فضله
أحد السابقين الأولين، وذو النورين، وصاحب الهجرتين، وزوج الابنتين. قدم الجابية مع عمر. وتزوج رقية بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل المبعث، فولدت له عبد الله، وبه كان يكنى، وبابنه عمرو. مات ابنه عبد الله، وله ست سنين، سنة أربع من الهجرة.

هاجر برقية إلى الحبشة، وخلَّفه النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزوة بدر ليداويها في مرضها، فتوفيت بعد بدر بليال، وضرب له النبي -صلى الله عليه وسلم- بسهمه من بدر وأجره، ثم زوجه بالبنت الأخرى أم كلثوم.

عن الحسن قال: إنما سمي عثمان "ذا النورين"؛ لأَناَّ لا نعلم أحداً أغلق بابه على ابنتي نبي غيره.

روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعن الشيخين.
قال الداني: عرض القرآن على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعرض عليه أبو عبد الرحمن السلمي، والمغيرة بن أبي شهاب، وأبو الأسود، وزر بن حبيش.

وعن أبي ثور الفهمي قال: قدمت على عثمان فقال: لقد
اختبأت عند ربي عشرًا:
إني لرابع أربعة في الإسلام، وما تعتيت ولا تمنيت، ولا وضعت يميني على فرجي منذ بايعت بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا مرت بي جمعة منذ أسلمت إلا وأنا أعتق فيها رقبة، إلا أن لا يكون عندي فأعتقها بعد ذلك، ولا زنيت في جاهلية ولا إسلام قط.

وقال ابن عمر: كنا نقول على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أبو بكر ثم عمر، ثم عثمان.

وعن طلحة بن عبيد الله، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لكل نبي رفيق، ورفيقي عثمان".

وعن ابن عمر، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
"إنا نشبه عثمان بأبينا إبراهيم -صلى الله عليه وسلم-".

عن علي، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "رحم الله عثمان تستحييه الملائكة".

وقالت عائشة: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مضطجعًا في بيته، كاشفًا عن ساقيه، فاستأذن أبو بكر، ثم عمر، وهو على تلك الحال فتحدثا، ثم استأذن عثمان، فجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسوَّى ثيابه، فدخل فتحدث، فلما خرج قلت: يا سول الله دخل أبو بكر، فلم تجلس له، ثم دخل عمر، فلم تهش له، ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك! قال: "ألا أستحيي من رجل تستحيي منه الملائكة"؟. رواه مسلم.

وقال أنس: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في دين الله عمر، وأصدقهم حياءً عثمان".


وعن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أتى عثمان عند باب المسجد، فقال: "يا عثمان هذا جبريل يخبرني أن الله زوجك أم كلثوم بمثل صداق رقية، وعلى مثل صحبتها". أخرجه ابن ماجه.


ويروى عن أنس أو غيره قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أبو أيم، ألا أخو أيم يُزوج عثمان، فإني قد زوجته ابنتين، ولو كان عندي ثالثة لزوجته وما زوجته إلا بوحي من السماء".

عن أبي سعيد، قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رافعًا يديه يدعو لعثمان.

وعن عبد الرحمن بن سمرة قال: جاء عثمان إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بألف دينار في ثوبه، حين جهز جيش العسرة، فصبها في حجر النبي -صلى الله عليه وسلم-، فجعل يقلبها بيده ويقول: "ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم".


وفي "مسند أبي يعلى"، من حديث عبد الرحمن بن عوف أنه جهز جيش العسرة بسبع مائة أوقية من ذهب.


وقال خليد، عن الحسن قال: جهز عثمان بسبع مائة وخمسين ناقة، وخمسين فرسًا، يعني في غزوة تبوك.


وقال المحاربي، عن أبي مسعود، عن بشر بن بشير الأسلمي، عن أبيه، قال: لما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء، وكانت لرجل من بني غفار عين يقال لها: رومة، وكان يبيع منها القرية بمد، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تبيعها بعين في الجنة"؟ فقال: ليس لي يا رسول الله عين غيرها، لا أستطيع ذلك. فبلغ ذلك عثمان فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم، ثم أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: أتجعل لي مثل الذي جعلت
له عينًا في الجنة إن اشتريتها؟ قال: "نعم".
قال: قد اشتريتها وجعلتها للمسلمين.

وعن أبي هريرة قال: اشترى عثمان من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الجنة مرتين: يوم رومة، ويوم جيش العسرة.
وقال شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، قال: قال الوليد بن سويد: إن رجلًا من بني سليم، قال: كنت في مجلس فيه أبو ذر، وأنا أظن في نفسي أن في نفس أبي ذر على عثمان معتبة لإنزاله إياه بالربذة، فلا ذكر له عثمان عرض له بعض أهل المجلس بذلك، فقال أبو ذر: لا تقل في عثمان إلا خيرًا، فإني أشهد لقد رأيت منظرًا، وشهدت مشهداً لا أنساه، كنت التمست خلوات النبي -صلى الله عليه وسلم- لأسمع منه، فجاء أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، قال: فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم_ على حصيات، فسبحن في يده حتى سمع لهن حنين كحنين النحل، ثم ناولهن أبا بكر، فسبحن في كفه، ثم وضعهن في الأرض فخرسن، ثم ناولهن عمر، فسبحن في كفه، ثم أخذهن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوضعن في الأرض فخرسن، ثم ناولهن عثمان فسبحن في كفه ثم أخذهن منه، فوضعهن فخرسن.


وقال سليمان بن يسار: أخذ جهجاه الغفاري عصا عثمان التي كان يتخصر بها، فكسرها على ركبته، فوقعت في ركبته الأكلة.


وقال ابن سيرين: كان أعلمهم بالمناسك عثمان، وبعده ابن عمر.

وصح من وجوه، أن عثمان قرأ القرآن كله في ركعة.

وقال عبد الله بن المبارك، عن الزبير بن عبد الله، عن جدته، أن عثمان كان يصوم الدهر.



📜خلافته.
لما قُتِل عمر -رضي الله عنه- قتله المجوسي أبو لؤلؤة المجوسي غدراً وهو يصلي بالمسلمين صلاة الفجر، عند ذلك لما أحس بالوفاة -رضي الله عنه- فقيل له: أوصي يا أمير المؤمنين عهد إلى ستة من بقية العشرة المبشرين بالجنة، عهد إليهم أن يختاروا خليفة من بعده للمسلمين، وهم عثمان وعلي وطلحة والزبير، وسعد بن أبي وقاص -رضي الله عنهم-، تشاور هؤلاء الستة فيما بينهم فيمن يتولى منهم الخلافة، تشاوروا فيما بينهم ووقع اختيارهم على عثمان  -رضي الله عنه-؛ لأنه هو أفضلهم، فبايعوه بالخلافة وتتابع المسلمون بعدهم على مبايعته -رضي الله عنه- فكانت خلافته بإجماع من أصحاب الشورى الستة، بمبايعة بقية الأمة له؛ يعني أهل الحل والعقد بايعوه -رضي الله عنه- فتمت بيعته وصار خليفة المسلمين الثالث، وسار على سيرة من سبقه من الصحابة.(1)

قال أبو هلال: سمعت الحسن يقول: عمل عثمان اثنتي عشرة سنة، ما ينكرون من إمارته شيئًا.

وقال سعيد بن جمهان، عن سفينة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم يكون ملكًا".

ومن فضائله -رضي الله عنه- أنه جمع المسلمين على مصحف واحد يسمى بالمصحف العثماني، وذلك لأن الصحابة تفرقوا في الأمصار، وكل واحد منهم معه مصحف كتبه خاصا به وكانوا مختلفين في القراءات كل يقرأ بما روى عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينهم اختلاف في القراءات، وعند ذلك أدرك حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- أدرك هذا الاختلاف في قراءة القرآن بين الصحابة، وهذا الاختلاف في المصاحف التي معهم، فخشي على الأمة أن تختلف في القرآن، فجاء إلى عثمان -رضي الله عنه- فقال له: أدرك الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى، فجمعهم عثمان -رضي الله عنه- على مصحف واحد يوافق العرضة الأخيرة التي عرضها جبريل على النبي -صلى الله عليه وسلم- والتي هي على لغة قريش، التي نزل القرآن بها، فأمر زيد بن ثابت وجماعة معه من الثقات صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكتبوا المصحف العثماني على الرسم المعهود الآن، وأمر ببقية المصاحف فحرقت وبقي هذا المصحف الذي هو مصحف المسلمين إلى اليوم وإلى ما شاء الله -عز وجل-، فجمع الأمة على مصحف واحد خشية التفرق بينهم فهذا من فضائله -رضي الله تعالى عنه- ومن مشاريعه العظيمة، هذا بعض مناقب عثمان -رضي الله عنه-، وسار بالمسلمين السيرة الحسنة.(2)

قال أنس: إن حذيفة قدم على عثمان، وكان يغزو مع أهل العراق قبل أرمينية، فاجتمع في ذلك الغزو أهل الشام وأهل العراق، فتنازعوا في القرآن حتى سمع حذيفة من اختلافهم ما يكره، فركب حتى أتى عثمان فقال: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في القرآن اختلاف اليهود والنصارى في الكتب. ففزع لذلك عثمان فأرسل إلى حفصة أم المؤمنين: أن أرسلي بالصحف التي جمع فيها القرآن، فأرسلت إليه بها، فأمر زيد بن ثابت، وسعيد بن العاص وعبد الله بن الزبير، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، أن ينسخوها في المصاحف وقال: إذا اختلفتم أنتم وزيد في عربية فاكتبوها بلسان قريش، فإن القرآن إنما نزل بلسانهم. ففعلوا حتى كتبت المصاحف، ثم رد عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل جند من أجناد المسلمين بمصحف، وأمرهم أن يحرقوا كل مصحف يخالف المصحف الذي أرسل إليهم به، فذلك زمان حرقت فيه المصاحف بالنار.

وقال مصعب بن سعد بن أبي وقاص: خطب عثمان الناس، فقال: أيها الناس، عهدكم بنبيكم بضع عشرة، وأنتم تمترون في القرآن، وتقولون: قراءة أُبي، وقراءة عبد الله، يقول الرجل: والله ما تقيم قراءتك، فأعزم على كل رجل منكم كان معه من كتاب الله شيء لما جاء به.
فكان الرجل يجيء بالورقة والأديم فيه القرآن، حتى جمع من ذلك كثيرًا، ثم دخل عثمان، فدعاهم رجلًا رجلًا، فناشدهم: أسمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو أمله عليك؟ فيقول: نعم، فلما فرغ من ذلك قال: من أكتب الناس؟ قالوا: كاتب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زيد بن ثابت، قال: فأي الناس أعرب؟ قالوا: سعيد بن العاص، قال عثمان: فليمل سعيد وليكتب زيد، فكتب مصاحف ففرقها في الناس.



📜 مقتله -رضي الله عنه وأرضاه-

قال قتادة، عن عبد الله بن شقيق، عن مرة البهزي، قال: كنت عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "تهيج فتنة كالصياصي، فهذا ومن معه على الحق". قال: فذهبت وأخذت بمجامع ثوبه فإذا هو عثمان.

وفي حديث القف: ثم جاء عثمان، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه".

عن عائشة، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جعل يُسار عثمان، ولون عثمان يتغير، فلما كان يوم الدار وحصر فيها، قلنا: يا أمير المؤمنين ألا تقاتل؟
قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عهد إلي عهدًا، وإني صابر نفسي عليه.


وقال الجريري: حدثني أبو بكر العدوي، قال: سألت عائشة: هل عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى أحد من أصحابه عند موته؟ قالت: معاذ الله إلا أنه سارَّ عثمان، أخبره أنه مقتول، وأمره أن يكف يده.



توسعت المملكة الإسلامية في عهده، انتشرت الفتوحات، وفاضت الأموال، فغاظ ذلك اليهود، غاظ اليهود انتشار الإسلام: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)، فدسوا على المسلمين واحدًا منهم يقال له عبدالله بن سبأ اليهودي، أظهر الإسلام خدعة تظاهر بالإسلام فجاء إلى المدينة، فجعل يشكك المسلمين في أمر عثمان ويلتمس له المعايب، فلما انتبه له هرب عن المدينة إلى بلاد أخرى، وصار ينشر رأيه الفاسد، ويشكك في خلافة عثمان وفي تصرفاته، ويثير المسلمين عليه، فاجتمع عليه أهل الفتنة من صغار السن، ومن الجهال ومن الحاقدين اجتمعوا عليه، ثم جاءوا إلى عثمان -رضي الله عنه- يريدون التفاوض معه في الظاهر، في الأمور التي انتقدوه عليه، فحاصروا بيته على أنهم يريدون التفاوض معه هذا ظاهرهم، وهم يضمرون غير هذا يضمرون قتل عثمان -رضي الله عنه-، فلما صار في الليل إحدى الليالي تسوروا عليه بيته فقتلوه -رضي الله عنه- شهيدًا، قتلوه شهيدًا وصبر -رضي الله عنه- على الفتنة، ولقي ربه راضيًا مرضيًا شهيدًا في سبيل الله، اختار الله له ما عنده، وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن مقتله، فأخبر عن هذه الفتنة حين بشره بالجنة، فقال له: على بلوى تصيبك ، أخبره أنه سيبتلى فوقع ما أخبر به -صلى الله عليه وسلم- فقتل شهيدًا -رضي الله عنه- مغدورًا به، والمسلمون في الحج يعني اختاروا هذا الوقت وقت ذهاب المسلمين للحج ليغدروا بأمير المؤمنين، نفذ قضاء الله وقدره واختار الله له الشهادة في سبيله.(3)


قال قتادة: ولي عثمان اثنتي عشرة سنة، غير اثني عشر يومًا


وقال أبو معشر السندي: قتل لثماني عشرة خلت من ذي الحجة، يوم الجمعة. زاد غيره فقال: بعد العصر، ودفن بالبقيع بين العشاءين، وهو ابن اثنتين وثمانين سنة وهو الصحيح.

وعن عبد الله بن فروخ، قال: شهدته ودفن في ثيابه بدمائه، ولم يغسل.


وقال كعب بن مالك:
يا للرجال لأمر هاج لي حزنًا ... لقد عجبت لمن يبكي على الدمن
إني رأيت قتيل الدار مضطهدًا ... عثمان يهدى إلى الأجداث في كفن

_________
📚المصدر:
سير أعلام النبلاء للذهبي -رحمه الله-.
(1)،(2)،(3): سيرة الخليفتين عثمان وعلي -رضي الله عنهما- للشيخ العلامة صالح الفوزان -حفظه الله-
https://www.alfawzan.af.org.sa/ar/node/14100

💬
https://www.tg-me.com/Seiar_Al_Nubala
السؤال: هل من منهج السلف نقد الولاة من فوق المنابر؟ وما منهج السلف في نصح الولاة؟


الجواب: ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة، وذكر ذلك على المنابر؛ لأن ذلك يفضي إلى الفوضى وعدم السمع والطاعة في المعروف، ويفضي إلى الخوض الذي يضر ولا ينفع، ولكن الطريقة المتبعة عند السلف: النصيحة فيما بينهم وبين السلطان، والكتابة إليه، أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجه إلى الخير.
أما إنكار المنكر بدون ذكر الفاعل: فينكر الزنا، وينكر الخمر، وينكر الربا من دون ذكر من فعله، فذلك واجب؛ لعموم الأدلة.
ويكفي إنكار المعاصي والتحذير منها من غير أن يذكر من فعلها لا حاكمًا ولا غير حاكم.

ولما فتح الخوارج الجهال باب الشر في زمان عثمان -رضي الله عنه-، وأنكروا على عثمان علنًا عظمت الفتنة والقتال والفساد الذي لا يزال الناس في آثاره إلى اليوم، وقتل عثمان وعلي رضي الله عنهما- بأسباب ذلك، وقتل جمع كثير من الصحابة وغيرهم بأسباب الإنكار العلني، وذكر العيوب علنُا، حتى أبغض الكثيرون من الناس ولي أمرهم وقتلوه،

وقد روى عياض بن غنم الأشعري، أن رسول الله ﷺ قال:

من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية، ولكن يأخذ بيده فيخلو به فإن قبل منه فذاك، وإلا كان قد أدى الذي عليه.

نسأل الله العافية والسلامة لنا ولإخواننا المسلمين من كل شر، إنه سميع مجيب.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وآله وصحبه.



📚مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز (8/ 210).
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
سيرة أبي الحسنين علي -رضي الله عنه-


📜اسمه ونسبه
علي بن أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف.
أمير المؤمنين، أبو الحسن القرشي الهاشمي.
وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف الهاشمية، وهي بنت عم أبي طالب. كانت من المهاجرات، توفيت في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة.

قال عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن علي: قلت لأمي اكفي فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سقاية الماء والذهاب في الحاجة، وتكفيك هي الطحن والعجن. وهذا يدل على أنها توفيت بالمدينة.


كان يكنى أبا تراب أيضًا؛ قال عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل قال: ما كان لعلي اسم أحب إليه منه، إن كان ليفرح إذا دعي به، فقال له: أخبرنا عن قصته لم سمي أبا تراب؟ فقال: جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيت فاطمة، فلم يجد عليًّا في البيت، فقال: "أين ابن عمك"؟ قالت: قد كان بيني وبينه شيء فغاظني، فخرج ولم يقل عندي، فقال لإنسان: "اذهب انظر أين هو". فجاء فقال: يا رسول الله هو راقد في المسجد، فجاءه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقه، فأصابه تراب، فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح عنه التراب ويقول: "قم أبا تراب، قم أبا تراب". أخرجه مسلم.


وهو ابن عم الرسول -صلى الله عليه وسلم- تربى عند الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأن أبا طالب كان فقيراً فضمه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى بيته، ورباه -رضي الله عنه-، فتربى في بيت الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وزوجه النبي -صلى الله عليه وسلم- ابنته فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأنجبت له الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة رضي الله عن الجميع.(1)



📜إسلامه وفضله
كان من السابقين الأولين، شهد بدرًا وما بعدها،
قال عروة: أسلم علي وهو ابن ثمان.
وقال الحسن بن زيد بن الحسن: أسلم وهو ابن تسع.
وقال المغيرة: أسلم وله أربع عشرة سنة، رواه جرير عنه.
وثبت عن ابن عباس، قال: أول من أسلم علي.
وعن محمد القرظي، قال: أول من أسلم خديجة، وأول رجلين أسلما أبو بكر وعلي، وإن أبا بكر أول من أظهر الإسلام، وكان علي يكتم الإسلام فرقًا من أبيه، حتى لقيه أبو طالب، فقال: أسلمت؟ قال: نعم، قال: وازر ابن عمك وانصره. وأسلم علي قبل أبي بكر.

روى الكثير عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعرض عليه القرآن وأقرأه.

قال قتادة: إن عليًّا كان صاحب لواء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم بدر، وفي كل مشهد.

شهد المعارك كلها مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا غزوة تبوك؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- خلفه عند أهله في المدينة، وإلا فقد شهد المشاهد كلها مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكان فاتكًا شجاعًا فارسًا قويًا، له مواقف في المعارك مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معروفة، هو أيضًا الذي قتل بالمبارزة، بارز المشركين مع حمزة ومع أبي عبيدة في بدر، بارزوا جماعة من فرسان المشركين فنصرهم الله عليهم.(2)

قال أبو هريرة وغيره: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال يوم خيبر: "لأعطين الراية رجلًا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، ويفتح الله على يديه".
قال عمر: فما أحببت الإمارة قبل يومئذ. قال: فدعا عليًّا فدفعها إليه، وذكر الحديث.

عن عبد الله بن أبي ليلى، قال: كان أبي يسمر مع علي، وكان علي يلبس ثياب الصيف في الشتاء، وثياب الشتاء في الصيف، فقلت لأبي: لو سألته. فسأله فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم- بعث إلي وأنا أرمد العين يوم خيبر، فقلت: يا رسول الله إني أرمد، فتفل في عيني، وقال: "اللهم أذهب عنه الحر والبرد". فما وجدت حرًا ولا بردًا منذ يومئذ.

عن مغيرة عن أم موسى: سمعت عليًّا يقول: ما
رمدت ولا صدعت منذ مسح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجهي، وتفل في عيني.

عن جابر بن عبد الله، أن عليًّا حمل الباب على ظهره يوم خيبر، حتى صعد المسلمون عليه ففتحوها يعني خيبر، وأنهم جروه بعد ذلك، فلم يحمله أربعون رجلًا. تفرد به إسماعيل ابن بنت السدي، عن المطلب.


وقال ابن إسحاق في "المغازي": حدثني عبد الله بن الحسن، عن بعض أهله، عن أبي رافع مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: خرجنا مع علي حين بعثه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- برايته، فلما دنا من الحصن، خرج إليه أهله، فقاتلهم، فضربه رجل من اليهود فطرح ترسه من يده، فتناول علي بابًا عند الحصن، فتترس به عن نفسه، فلم يزل في يده، وهو يقاتل، حتى فتح الله علينا، ثم ألقاه، فلقد رأيتنا ثمانية نفر، نجهد أن نقلب ذلك الباب، فما استطعنا أن نقلبه.


عن البراء، وزيد بن أرقم، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لعلي: "أنت مني كهارون من موسى، غير أنك لست بنبي".

عن عامر بن سعد عن أبيه، قيل له:
ما يمنعك أن تسب أبا تراب؟
قال: أما ما ذكرت: ثلاثًا قالهن له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلن أسبه؛ لأن تكون لي واحدًا منهن أحب إلي من حمر النعم، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول، وخلَّف عليًّا في بعض مغازيه، فقال: يا رسول الله أتخلفني مع النساء والصبيان!؟ قال: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي". وسمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول يوم خيبر: لأعطين الراية رجلًا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، فدفعها إليه ففتح الله عليه. ولما نزلت هذه الآية: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُم} [آل عمران: ٦١] ، دعاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وفاطمة، وحسنًا وحسينًا، فقال: "اللهم هؤلاء أهلي".

عن زر، عن علي، قال: إنه لعهد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلي أنه: "لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق". أخرجه مسلم، والترمذي وصححه.




📜علمه وزهده
عن علي، قال: بعثني النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى اليمن، وأنا حديث السن، ليس لي علم بالقضاء، فضرب صدري، وقال: "اذهب فإن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك". قال: فما شككت في قضاء بين اثنين بعد.

قال عمر: علي أقضانا، وأُبَي أقرؤنا.

وقال ابن مسعود: كنا نتحدث أن أقضى أهل المدينة علي.

عن عمر، قال: أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن.

وقال ابن عباس: إذا حدثنا ثقة بفتيا عن علي لم نتجاوزها.

عن جسرة، قالت: ذكر عند عائشة صوم عاشوراء،
فقالت: من يأمركم بصومه؟
قالوا: علي قالت: أما إنه أعلم من بقي بالسنة.

عن أبي البختري، عن علي، قال:
وأبردها على الكبد إذا سئلت عما لا أعلم أن أقول: الله أعلم.

وقال خيثمة بن عبد الرحمن: قال علي:
من أراد أن ينصف الناس من نفسه فليحب لهم ما يحب لنفسه.

وقال محمد بن كعب القرظي: قال علي: لقد رأيتني مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإني لأربط الحجر على بطني من الجوع، وإن صدقة مالي لتبلغ اليوم أربعين ألفًا.
أخرجه أحمد في "مسنده".

وعن الشعبي: قال: قال علي: ما كان لنا إلا إهاب كبش ننام على ناحية، وتعجن فاطمة على ناحية. يعني: ننام على وجه، وتعجن على وجه.

وقال أبو عمرو بن العلاء، عن أبيه، قال: خطب علي -رضي الله عنه- فقال: أيها الناس، والله الذي لا إله إلا هو، ما رزأت من مالكم قليلًا ولا كثيرًا، إلا هذه القارورة، وأخرج قارورة فيها طيب، ثم قال: أهداها إلي دهقان.

وقال عباد بن العوام، عن هارون بن عنترة، عن أبيه، قال: دخلت على علي بالخورنق، وعليه سمل قطيفة، فقلت: يا أمير المؤمنين إن الله قد جعل لك ولأهل بيتك في هذا المال نصيبًا، وأنت تفعل هذا بنفسك!
فقال: إني والله ما أرزؤكم شيئًا، وما هي إلا قطيفتي التي أخرجتها من بيتي.



📜مقتله -رضي الله عنه-
عن أبي وائل، قال: قيل لعلي: ألا توصي؟ قال: ما أوصى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأوصي، ولكن إن يرد الله بالناس خيرًا سيجمعهم على خيرهم، كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم.

عن ثعلبة بن يزيد الحماني، قال: سمعت عليًّا يقول: أشهد أنه كان يسر إلي النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لتخضبن هذه من هذه -يعني لحيته من رأسه- فما يحبس أشقاها".

عن زيد بن وهب، قال: قدم على علي قوم من البصرة من الخوارج، فقال منهم الجعد بن بعجة: اتق الله يا علي فإنك ميت، فقال علي: بل مقتول؛ ضربة على هذه تخضب هذه، عهد معهود وقضاء مقضي، وقد خاب من افترى.


قال فطر، عن أبي الطفيل؛ أن عليًّا -رضي الله عنه- تمثل:
اشدد حيازيمك للموت ... فإن الموت لاقيكا
ولا تجزع من القتل ... إذا حل بواديكا


عن أبي حرب بن أبي الأسود الدؤلي، عن أبيه، عن علي، قال: أتاني عبد الله بن سلام، وقد وضعت قدمي في الغرز، فقال لي: لا تقدم العراق، فإني أخشى أن يصيبك بها ذباب السيف. قلت: وايم الله لقد أخبرني به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. قال أبو الأسود: فما رأيت كاليوم قط محاربًا يخبر بذا عن نفسه.

وقال يونس بن بكير: حدثني علي بن أبي فاطمة قال: حدثني الأصبغ الحنظلي، قال: لما كانت الليلة التي أصيب فيها علي -رضي الله عنه- أتاه ابن النباح حين طلع الفجر، يؤذنه بالصلاة، فقام يمشي، فلما بلغ الباب الصغير، شد عليه عبد الرحمن بن ملجم، فضربه.

وقال جعفر بن محمد، عن أبيه، أن عليًّا -رضي الله عنه- كان يخرج إلى الصلاة، وفي يده درة يوقظ الناس بها، فضربه ابن ملجم.
أما نهايته -رضي الله عنه- فهو أن الخوارج الذي قتل آباءهم وإخوانهم في النهروان أرادوا الثأر منه، فتآمروا على قتل الثلاثة: علي، ومعاوية، وعمرو بن العاص أن يقتلوهم في صلاة الفجر، وندبوا لكل واحد منهم واحدًا من الخوارج، فأما علي -رضي الله عنه- فنفذ فيه قضاء الله وقدره؛ قتله الخارجي عبدالرحمن بن ملجم، قتلوه وهو ينادي للصلاة ويوقظ النيام لصلاة الفجر، تخبأ له وضربه على رأسه -رضي الله عنه-، عند ذلك أصيب -رضي الله عنه- بجراح عظيمة على أثرها توفي شهيدًا بأيدي الخوارج، هم كانوا معه في الأول ثم خرجوا عليه، ثم قتلوه، وأما الذي ذهب إلى معاوية فإنه طعنه في موضع غير مقتل ونجا منه معاوية، وأما عمرو بن العاص -رضي الله عنه- أنه ما حضر هذه الليلة، وكان خلفه خارجه يصلي بالمسلمين فصلى بهم، فقتله الخارجي بصلاة الفجر، قتل خارجه وهو يصلي بالمسلمين، هذه قصة نهاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب واستشهاده في سبيل الله -عز وجل- راضيًا،مرضيًا، وفيًّا لدينه ولأمته -رضي الله تعالى عنه-.(3)

التشيع دسيسة يهودية، ودسيسة مجوسية أيضًا؛ لأن الشيعة يتقسمون إلى قسمين إلى شيعة من قبل اليهود وشيعة من قبل المجوس، كلهم يريدون الحقد على الإسلام والمسلمين، والقضاء على الإسلام؛ ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره، فالله ناصر دينه إلى أن تقوم الساعة مهما حاول هؤلاء، والإسلام ينتشر ويزيد ويدخل الناس فيه أفواجاً، رغم محاولة اليهود والنصارى والمجوس وسائر الكفرة، الإسلام ولله الحمد يأخذ طريقه إلى القلوب، ولا يزال يدخل فيه الأعداد الكبيرة الذين يسلمون لا طمعًا في مال ولا طمعًا في رئاسة، وإنما يسلمون اختيارًا لأن الإسلام يأخذ قلوبهم فيرغبون فيه عن رغبة وعن طواعية، ومحبة لله ولرسوله، فالحمدلله هذا الدين بخير ولو كاد له المشركون، هؤلاء الخلفاء الثلاثة كلهم قُتلوا: عمر بن الخطاب على يد المجوس، وعثمان على يد الخوارج، وعلي أيضاً على يد الخوارج، كلهم وإن قتلوا هؤلاء فإن الإسلام لم ينقتل، الإسلام باقي ولله الحمد، وهذا شيء أراده الله لهؤلاء: الكرامة الشهادة، ولحقوا بربهم والحمد لله على مَنِّه وفضله. (4).


_________
📚المصدر:
سير أعلام النبلاء للذهبي -رحمه الله-.
(1)،(2)،(3)، (4): سيرة الخليفتين عثمان وعلي -رضي الله عنهما- للشيخ العلامة صالح الفوزان -حفظه الله-


💬
https://www.tg-me.com/Seiar_Al_Nubala
2025/07/04 20:34:08
Back to Top
HTML Embed Code: