Telegram Web Link
••
إذا وجدتَ القلوب تُفتح لك دون طرق، والوجوه تُشرق برؤيتك بلا تكلّف، وإذا أحسستَ أن الأرواح ترتاح لقربك دون سببٍ ظاهر، فاعلم أنك تحمل في داخلك نورًا يُرى ولا يُفسَّر، وأن لك نصيبًا من الودّ الذي يغرسه الله في القلوب الطاهرة.

فالقبول رزق، والمحبة الصادقة هبة، وليس أعظم من أن يحبّك الناس بلا تصنّع، وأن تجد مكانك في قلوبهم بلا سعيٍ منك ولا مجاملةٍ منهم. تلك بركةٌ يُلقيها الله في أرواح عباده الصالحين، كما قال تعالى: “إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودًّا”.

فإن كنتَ من الذين تحبّهم القلوب بلا استئذان، ومن الذين يُستراح إليهم بلا سبب، فابشر.. لقد مسَّك شيءٌ من عطاء الله الذي لا يُوهب إلا لمن اختارهم بلُطفه.
••
••
التوفيقُ ليس سوى ثمرة افتقار العبد إلى ربه، وتحرره من فتنة الاتكاء على نفسه الهشة، تلك النفس التي شُيِّدت بلبنات الضعف والعجز. فكل من ركن إلى ربه وجده كافياً، ومن استند إلى منسأة نفسه أكلتها أرضة الغفلة والتردد، فظل يتخبط في ظلمات الحيرة.
••
••
ثَمَّةَ هَيبةٌ خفيّةٌ تتوشّح بها وجوه العابدين، نورٌ لا تراه العيون، لكنه يُلامس القلوب، كأنما مَسَّتها نفحةٌ من سكينة السماء، أولئك الذين أَنِسوا بمناجاة الله حتى صارت أرواحهم معلقةً بين الأرض والسماء، لا تراهم إلا متأهبين للطاعة، أو متهجدين في الأسحار، أو غارقين في تراتيل القرآن كأنهم يستمعون إليه لأول مرة.

إذا مررت بهم، شدّك سمتهم، وأسرَك سكونهم، كأنهم قومٌ ليست أرواحهم هنا، بل ولدت في مقامٍ أعلى، حيث لا يُلتفت إلى الدنيا إلا بعين الزاهد الفاني، حتى تميراتهم، ورشفات الماء بين أيديهم، تكتسي معنىً آخر، كأنما تباركت بأيديهم التي اعتادت الرفع بالدعاء!

أيكون هذا حنين المشابهة، أم رغبة الالتحاق، أم شوقًا إلى مقامات لم يكتب لنا المرور بها؟ لا أدري، لكني أتمتم كما تمتم الصدّيق-رضي الله عنه- يوم رأى أحدهم يبكي: “هكذا كنا..”
••
••
﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ﴾

تأمل كل ضيق يعترض طريقك، وكل بابٍ يوصد في وجهك، وكل لحظة شعرت فيها أنك محاصرٌ بلا مهرب، قد كُتب لها في الغيب مخرجٌ لا تعلمه، لكنه سيأتي في وقته المقدّر.

ليس شرطًا أن ترى الفرج في الحال، فبعض المنافذ لا تُفتح إلا حين يكتمل الصبر، وبعض الأبواب لا تُدق إلا حين تنضج القلوب لطرقها. لكن يكفيك أن تعلم أن تقواك، تلك التي لا يراها أحدٌ سواك، قد سُجلت في صحائف لا تُنسى، وأن الله الذي لا تخفى عليه خفقةُ قلب، قد تكفّل لك بطريق يُفضي إلى النجاة.

لا تجهد روحك في التساؤل: كيف؟ ومتى؟ فالأقدار تجري بميزانٍ لا تدركه العقول، وسنن الله تأتي برحماتها من حيث لا تحتسب، يكفيك أن تسير في الدرب مستقيمًا، مطمئن القلب، واثق الخطى، فحين يشتد الضيق، يأتي اللطف من مأمن لم يخطر لك على بال، وحين تظن أن الأبواب قد أُوصدت، يفتح الله لك مخرجًا يكون نجاةً لقلبك قبل أن يكون لخُطاك.
••
••
ما مِن موسمٍ للطاعة، ولا نفحةٍ للعبادة، إلا ورسول الله ﷺ حاضرٌ فيه بهديه، فهو الميزان الذي تُوزن به الأعمال، والنور الذي يُستضاء به في مدارج السالكين، فكل طاعةٍ مهما عظمت، وكل قربةٍ مهما سمت، فإنها لا تُجتنى ثمارها إلا بمتابعته والائتساء به.

وتأمل كيف كان القرآن العظيم أوثقَ شاهدٍ على مكانته، فهو المخاطب الأول به، والمبيّن لحقائقه، وتفصيله منبثٌّ في ثناياه، من ذكرِ أوصافه وشمائله، إلى بيان مآثر أصحابه وأزواجه وأتباعه، إلى تعظيم أمره، وتوقير مقامه، بل حتى أدب خطابه محفوظٌ في آياته، فكيف يكون للعبد في هذا الشهر نصيبٌ وافٍ من القرآن، وهو لم يستغرق قلبه في الصلاة على من نزل عليه، والتمسّك بهديه الذي هو البيان الأمثل للكتاب؟!
••
ربّنا آتنا ما نحبّ، على الوجه الذي تُحب .
••
تسير الحياة بك وكأنها بلا سقف، خياراتٌ ممتدة، وطرقٌ متشعبة، وأبوابٌ تُفتح لك حيثما اتجهت، يخيَّل إليك أن الأمر بيدك، وأنك تمضي حيث تشاء، تختار وتُجرّب، تبني وتُخطط، ثم فجأة، تتقلَّص المساحة، تنحسر الطرق، تضيق الدائرة، حتى تجد نفسك في مواجهة الحتميات التي لا مفرّ منها.

وهذا الامتحان الحقيقي، حيث تُسلب منك كل حيلة، ويحيط بك الكرب من كل صوب، ويخيَّل إليك أن لا مخرج، ثم تُدرك متأخرًا أن السبيل الوحيد هو ما غفلت عنه طويلًا: ﴿وَجاءَهُمُ المَوجُ مِن كُلِّ مَكانٍ وَظَنّوا أَنَّهُم أُحيطَ بِهِم دَعَوُا اللَّهَ مُخلِصينَ لَهُ الدّينَ﴾، فإما أن تنهار، فتُسحق تحت وطأة الابتلاء، أو أن تعود، فتجد في الضيق فُسحة، وفي الألم أمل، وفي البلاء طريقًا لم يكن ليُفتح لك إلا بهذه الشدَّة.

انحسار الخيارات لا يبقي للمرء متَّسعًا للمراوغة، ولا مهربًا للمكابرة، ولا سندًا يتكئ عليه من دون الله، إلا أن يرفع بصره إلى السماء أو يخرَّ ساجدًا.
••
••
أدرتَ وجهك قليلًا، فإذا بنصف الشهر قد رحل! كأن الأيام لا تنتظر المُتأخر، ولا تلتفت للغافل، تتذكر قبل بداية الهلال كنتَ تُحدِّث نفسك ببدايات جديدة، مضى نصف الشهر، وكأن الأيام تسير بوتيرةٍ لا تُمهل أحدًا، ولا زالت همتنا تتعثّر، لكن مواسم العتق لا تزال قائمة، والعبرة بمن ينتفض الآن، لا بمن يندب ضياع البدايات.
••
اللهم أمدَّ قلوبَنا بمدَد تُطلق به ألسنتَنا لحُسن مسألتِك.
••
•| إدانة التدين |•

﴿ قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا ۖ أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٌ ﴾

تأمل كيف يكون الرجاء في المرء رهينًا بموافقة الهوى، وكيف يصبح المرء مرجُوًّا في أعين قومه، حتى إذا نطق بالحق انقلب الرجاء خيبة، وأضحى المأمول مكروهًا منبوذًا.

لقد كان لصالح -عليه السلام- في قومه موضع رجاء، ظنوه ركنًا مكينًا في بنيانهم، وسندًا مأمونًا لتقاليدهم، رأوا فيه العقل الراجح، والحكمة البالغة، والمكانة الرفيعة، فكانوا يأملون أن يكون امتدادًا لمنهجهم، وأن يمضي على خطى الأسلاف دون التفات، لكن الخيبة لدغت أفئدتهم حين سمعوا منه كلمة لم تكن في حساباتهم:

﴿ أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ﴾

كل شيء يا صالح إلا هذا! لقد كنا نظن فيك رجاحة، ولم نحسب أنك ستنقلب على إرث الآباء! لقد خذلت رجاءنا حين دعوتنا إلى التوحيد، إلى عبادة الله وحده!

هنا يتجلى عجب القوم، ووجومهم أمام الحق، لا لأنهم رأوا في دعوته لبسًا، ولا لأنهم وجدوا فيها شبهة، بل لأنهم ألفوا طريقًا لا يخرج عنه أحد إلا كان شاذًا في أعينهم، وليس الأمر بحثًا في الحقائق، ولا طلبًا للبينات، بل هو انغلاق على تقاليد موروثة، وتقليد للآباء في أخصّ أمر في الوجود: العقيدة!

﴿ وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٌ ﴾

وهكذا تحوَّل النور إلى ريبة في عيونهم، وأصبح الحق مدعاة للشك، فقط لأنه لم يكن على صورة ما اعتادوا! و ما أقسى أن يكون العقل رهن الموروث، لا يخطو خطوة إلا على آثار السابقين، وما أشد غربة التوحيد حين ينبت في أرض أكلتها التقاليد، فأنبتت رؤوسًا لا ترى في الحق إلا خروجًا، ولا ترى في الباطل إلا مسلكًا آمِنًا، لأنه طريق الآباء والأجداد.

وهكذا، لا تزال سُنّة القوم باقية تتكرر في كل عصر، فيُلام الشاب اليوم على تدينه، وتُعاتب الفتاة على حجابها، لأنهما كانا “مرجوّين” في بيئتهما أن يكونا شيئًا آخر، أن يسيرا في طريق “المألوف”، أن يذوبا في قوالب المجتمع دون أن يتميزا بإيمان أو استقامة.

كم من شاب قيل له: “لقد كنا نرجوك صاحب منصب، ذا طموح دنيوي، متفتحًا على الحياة! أما هذا التدين الذي تقيدت به، أما هذا السمت الذي اخترته، فهو ليس ما كنا ننتظره منك!”
وكم من فتاة لامها أهلها أو صويحباتها: “لقد كنا نرجوك متألقة كما هن، سائرة في ذات الطريق، ولكنك غدوت متزمتة، بعيدة عن هذا العصر، متحفظة أكثر مما ينبغي!”

وكأنما كان يُنتظر من المؤمن أن يكون مرجُوًّا في غير ما خُلق له، أن يكون نسخة من محيطه، يذوب فيه دون أن ينفصل عنه بمبدأ، أو يتميز عليه بغاية، فإن خالف التوقعات، ورفع لواء الاستقامة، جاء العتاب المغلف بخيبة الرجاء، ويا لعمق القاسم المشترك بين نبي الله صالح في زمانه، وشاب صالح في زماننا! لم يكن الاعتراض يومًا على منطقه، ولا على وضوح حجته، بل على أنه لم يوافق السائد، ولم يَسِر في تيار العادة، ولم يكن “كما كنا نريد!

وهكذا يبقى ميزان الحق عند من حُرِم البصيرة معلقًا بموروث العادات، حتى يعجب من النور، ويستنكر الهدى، ويحارب الحق، ويرى في الانقياد لما كان عليه الآباء أمانًا، وفي الاستجابة لدعوة الحق هلاكًا!
••
إنا لله وإنا إليه راجعون…

رحم الله الشيخ أبا إسحاق الحويني، الرجل الصادق التقي، الذي أفنى عمره في نصرة دينه ورفع الجهل عن عباد الله، اللهم اجزه بصدق نيته، واغفر له، وأكرم نزله، وارفع درجته، كما رفع راية العلم في حياتِه.
••
هؤلاء الشهداء قاموا إلى السحور على الأرض، فأتمّه الله لهم في الجنة.
••
••
•| ندبة الودّ |•

ما أشدّ قسوة الجراح التي تأتي من حيث ينبغي أن يكون السند، وما أقسى أن يكون الألم ممن كان يُرتجى منه الأمان، وأشدّ ما يفتّ في العضد ليس العداء الظاهر، ولا الخصومة الجهرية، وإنما ذلك الصدع الخفي الذي يتسلل إلى روابط القربى.

ندبة الودّ تعني جرحٌ لا يندمل بسهولة، وألمٌ يأبى أن يرحل، إذ ليس كل ألمٍ يُنسى، وليس كل جرحٍ يُشفى، وما أقسى أن يجد المرء نفسه غريبًا في داره، متوجسًا في بيته، يتكئ على جدار المودة وهو آيلٌ للسقوط، فلا يجد إلا خواءً يمتد في أعماقه، ويقلب نظره فيمن حوله فلا يرى إلا بقايا ألفة تتداعى.

و ما أكثر ما يتكتم الإنسان على جراحه، لا لضعفٍ في فؤاده، ولكن لأن بعض الآلام عصيّةٌ على البيان، تتغلغل في الروح حتى تصير جزءًا منها، فلا هو قادرٌ على البوح بها، ولا على محو أثرها، وما أشدّ ما يكون الابتلاء حين يأتي ممن يُفترض أن يكون سكنًا، ممن يجاورك في البيت، ويشاركك الاسم والنسب، فتجد بينك وبينهم حواجز من الجفاء، أو ركامًا من الكلمات القاسية، أو سدودًا من الصمت الذي هو أشد وقعًا من القول.

في زوايا البيوت، في أروقة العائلة، حيث كان ينبغي أن تكون السكينة مأوى، وربما يكون ذلك في شدة الوالد فوق ما يقتضيه المقام، فيتقوّس ظهر الأبناء تحت وطأة التوجيه العنيف، الذي لا يُدرك معه الموجّه أن الإصلاح لا يكون دائمًا بالشدّة، أو حين يُثقل الابن بطموحاته والده الوظيفية، وهو أعلم بنفسه، وربما يكون من الأم، حين تنطق بما تظنه عتابًا عابرًا، وهو في حقيقة الأمر طعنةٌ في خاصرة الشعور، وقد يكون من الأخ أو الأخت حين يغدو مزاحه تندّرًا جارحًا، يضعف معه الحبل الذي يشدّ القلوب، بل قد يكون البلاء في تلك الحروف الجارحة التي تُلقى على مسامعك وأنت لا تملك ردّها، أو في تلك النظرات التي تكسر هيبة نفسك دون أن يتنبه لها أصحابها، أو في ذلك الصمت الذي يتلبس ثوب التجاهل.

وقد يكون الابتلاء في الزوج، حين يغدو القوامة سيفًا مسلطًا، لا رأفة فيه ولا رحمة، أو حين يظن أن الطاعة تُشترى بالخوف، فيُغلق أبواب الأُنس، ويكسر قلبًا كان يظنه مُلكًا له، فإذا به أقرب إلى الوحشة منه إلى السكن. أو قد يكون البلاء في الزوجة، حين يكون السَّفه ديدنها، فلا ترضى ولا تشكر، ولا ترى من النعمة إلا ما ينقصها، فتُنهك زوجها بالطلبات والتذمر، وكأنما السكينة حقٌ لها لا يُنال منه نصيب.

وقد يكون من الدائرة الأوسع من الأسرة، حيث تتكاثر الكلمات المسمومة، والهمز واللمز، وليس في هذه الدنيا أوجع من أن يشعر المرء بالغربة وهو بين أهله، أن يستمع فلا يُفهم، أن يبوح فلا يُحترم، أن يمضي في الحياة وكأن عليه أن يكون صلبًا طوال الوقت، رغم أن روحه تهتز تحت وطأة التعب.

هذه من منازل الصابرين، حيث يمتحن الله عباده بصنوفٍ من الأذى، لا تُرى على الجسد، والمخرج من ذلك أن يردّ العبد شكواه إلى الله، فهو الذي يسمع أنين القلوب وإن لم يُنطق به، ويعلم خفايا الظلم وإن لم تُكشف، وأن ينظر بعين العذر، فكم من قسوةٍ كان وراءها جهل، فيقابل الإساءة بالحلم، ويحتمل الأذى بصبرٍ جميل، ولا يجعل ابتلاء القريب حاجزًا بينه وبين البر.

إذا ضاقت أواصر القرب وخنق الجفاء الروح، فهناك أبواب لا تُغلق. الصبر الجميل يحفظ الكرامة ويصلح الود، والكلمة الطيبة تداوي الجراح قبل أن تستفحل. والتماس العذر يوسع الصدر، فخلف القسوة ضعف، وخلف الجفاء انشغال. وإصلاح النية يسبق إصلاح القلوب، فمن أراد البركة في أهله، بدأ بنفسه. وأخيرًا، الدعاء، فهو الملاذ حين تعجز الحيلة، والباب الذي لا يُغلق، وإذا اشتد الأمرُ فليس أوسع من باب السماء، وليس شيءٌ أدفع للبلاء من دعوةٍ صادقةٍ في جوف الليل، تُرفع بها اليد، ويُبث بها الشكوى إلى الله أن يسخر فلان ويهديه ويكفيك شره.

فيا لسعادة من كان له بيتٌ يستريح فيه، وأهلٌ تفيض أعينهم بالمودة، وكلماتٌ لا تُحسن إلا الرفق، وقلوبٌ لا تعرف إلا الصفح، فيحيا في كنف الأمان، ويأنس بقرب من يُدرك أن السكينة رزقٌ لا يعوّض، ونعم من يعيش في ظل هدوء نعيم الأسرة وطمأنينة القريب.

اللهم إنا نسألك صبرًا لا تنفد أيامه، وثباتًا لا تميل به الأعاصير، وقلبًا لا تحني قامته كثرة الجراح، وأُنسًا منك يعوضنا عن كل مُصاب، وسكينةً تطفئ في صدورنا كل ما أوقده الخلق فيها من نيران.
••
••
#نشرة_تواق_البريدية
العدد الرابع
•| العُزلة |•
بين غياب الجسد واعتكاف القلب

_____________
بمناسبة العشر
الأواخر.

ضع بريدك هنا
••
••
يا كرامَ الأرواح، ويا سادةَ الحضور،

من عظيمِ مَنَنِ اللهِ على العبد أن يُحيطَ به قومٌ نُبلاءُ، يفيضون عليه من ودّهم دون كَلَف، ويشاركونه سعيَه في مضمار الكلمة، ونُصرة المعنى، وإحياء الفكرة. وما أنتم في هذا الفضاء إلا قبسٌ من ذلك النور، وشذى من طيب ذلك الوفاء.

وإني، في هذه السويعاتِ المباركة، من ليالٍ تُرجى فيها النفحات، وأوقاتٍ تتنزل فيها الرحمات، أرفع كفّيَّ إلى مَن لا يُخيّبُ راجيه، ولا يردّ داعيه؛ أسأله – جلَّ شأنُه – أن يجزيكم عني خيرَ ما يُجزى به أهلُ الفضل، وأن يفتح لكم من أبواب الرضا ما يُدهش القلوب، ويُبهج الأرواح، ويملأ الحياة طمأنينةً ويقينًا.

رزقكم اللهُ سكينةً تُغني عن الدنيا، ونورًا يُزيلُ العتمةَ من القلب، وبركةً في الخُطى والأثر، ورفعكم في الدارين، وجعل لكم من كل همٍّ فرجًا، ومن كل ضيقٍ مخرجًا، وكتبنا وإياكم من الفائزين بلحظةِ القبول، ودمعةِ الخشوع، ونورِ الفجر الصادق، ومرافقةِ الأحبة في دارِ الكرامة عندَ مَن لا يخيبُ لديه الرجاء.
••
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أسعد الله مساءكم وطيّب الله أوقاتكم
عيدكم مبارك، وتقبّل الله مني ومنكم.

اشتقت للطيبين هنا، واشتقت لمجالس المدارسة والمذاكرة، وأرجو أن يكتب الله عودًا قريبًا في خير وعافية، لكني لا أعلم متى يحين هذا؛ فقد ألِفتُ العزلة الإلكترونية، وحمدتُ عاقبتها، وحين أعود فسيكون لحاجتي لهذه المجالس لا لحاجة النّاس إليّ، فالخير لا يتوقف عليّ ولا على أحد، والناس بخير، وحالي كحال كل من مرّ يومًا هنا ثم رحل: "تُنسى كأنك لم تكن".
وهذه طبيعة الحياة، كتب الله لنا الخير فيها وحسن الختام.

أعكف هذه الأيام على مرحلة الصف والمراجعة لعشرة إصدارات، أسأل الله نفعها في الدنيا والآخرة، علّها تدرك معرض الرياض، فإن لم فالقاهرة على أبعد مدى إن شاء الله -ما لم يعق عائق-، وحين أحدد الدار الناشرة أخبركم بحول الله:

الأول: صرح الجمائل في شرح الشمائل:
وهو شرح مبسوط شرفت بكتابته لكتاب الترمذي المبارك في الشمائل النبوية، وسيخرج إن أذِن الله في ثلاث مجلدات.
عشتُ معه أجمل الليالي، وأرجو أن يكرمني ربي بالبقاء موصولًا بهذه المباحث المنيفة والنفحات الشريفة.

الثاني: هداية الإنسان إلى الاستغناء بالقرآن:
وهو كتاب ليوسف بن حسن بن عبدالهادي الحنبلي الشهير بابن المبرد (ت: ٩٠٩هـ)، حققته على نسخة بخط المؤلف وسيخرج في ثلاث مجلدات إن شاء الله.

الثالث: المباحث التفسيرية في كتب الأمالي، ويليها المستدرك على أمالي العز بن عبدالسلام:
وهو كتاب جرّدت فيه التفاسير المنطوية في كتب الأمالي قبل العز بن السلام مطبوعها ومخطوطها، ودرست مناهجها، ثم ألحقت بدراسة أمالي العز، مع ملحق فيه تحقيق لأربع مستدركات خطّية عليه: لابن حجر الهيتمي (ت: ٩٧٤هـ)، وسريّ الدين ابن الصائغ (ت: ١٠٦٦هـ)، وأحمد بن عبدالرحمن الوارثي الصديقي (ت: ١٠٧٥هـ)، ومحمد حياة السندي (ت: ١١٦٣هـ).
وسيخرج في مجلدين بإذن الله.

الرابع: وسيلة الراغب نظم عمدة الطالب ومعه عَرفُ الخميلة على نظم الوسيلة:
وهو كتاب حققت به نظم الشيخ صالح بن حسن البهوتي الحنبلي (ت: ١١٢١ هـ) لكتاب عمّه -شيخ أصحابنا في زمانه الشيخ منصور- عمدة الطالب، على نسختين خطيتين، وهو نظم مطوّل، ثم كتبت عليه حاشية حنبلية كاشفة لمقاصده، مع الاهتمام بضبط ما يُشكل من وهَن عروضي.
وسيخرج في مجلدين إن شاء الله.

الخامس: حاشية الشيخ طاهر الجزائري(ت: ١٣٣٨هـ) على تفسير البيضاوي (ت: ٦٨٥هـ):
وقد جرّدتها من نسخته التي كتبها بخطه على تفسير القاضي البيضاوي، وخدمتها بما يليق إن شاء الله من التقدمة والعزو والتوجيه والتحرير ووضع الحاشية في الموضع المناسب من التفسير.
وستخرج بحول ربي ومدده في خمس مجلدات.

السادس: جمع الجوامع في الفقه ويليه قطعة من شرح نظم المفردات:
كلاهما للحافظ ابن المبرد الحنبلي، حققتهما على نسخٍ بخطه.
وستخرج في مجلد ضخم بحول الله.

السابع: كتاب الأذكياء :
وهو للحافظ ابن المبرد أيضًا، كتاب لطيف حققته على نسخة بخطّه.

الثامن: صبغتنا .. عودة إلى الجذور الأولى:
وهو كتاب حاولت كتابته بطريقة مبتكرة، فيه أساسيات مفاهيم الإسلام وعقائده وأحكامه، وقسمته بطريقة دراسية، ومع كل درس (QR code) يحيل لشرح صوتي للمادة، وجعلته يُقرأ على مدى سنتين، بواقع ساعة أسبوعيًا، يصلح للحلقات ومجاميع التربية ومجالس الأخيار.
وسيخرج في مجلد بحول الله.

التاسع: عُلالة الأذهان من هداية الإنسان:
وهو كتاب اختصرته من (هداية الإنسان) لابن المبرد، وأضفت ما لم يتمه من أبواب نصّ عليها في البداية ولم يكملها، وشرحته بشرح متوسط يصلح لمبتدئي الطلاب أمثالي.
وسيخرج في مجلد إن شاء الله.

العاشر: رسالةٌ في شرف الصيام وآدابه ومعانيه:
وهو كتاب تتبعتُ فيه ما فتح الله به من فضائل الصيام وآدابه وخفيّ معانيه وحِكَمه ومقاصده، واجتهدتُ في استنباط مادته وترتيبها، أسأل الله الإخلاص والقبول والنفع.

وما بكم من نعمة فمن الله، وقد كنت عجّلت بأحدها وهو "طليعة الاستهداء بالقرآن" ربما بلغكم أنه طُبع.
ولمن تكرم بالسؤال عني طوال الثلاث سنوات الماضيات: أنا بخير، وأرجو أن يتقبل مني ما يعلم من عمل في هذه الكتب وغيرها، ويا ويلي إن قصدت وجه غيره؛ فلا أنا الذي عشتُ ما خفّ من لهو أتلذذ به، ولا أنا الذي أخلصت لأجد حلاوة العاقبة في الآخرة.
2025/07/04 09:19:43
Back to Top
HTML Embed Code: