Forwarded from قناة سليمان بن ناصر العبودي
تجربة يسيرة ..
لي تجربةٌ يسيرةٌ في تدريسِ بعضِ العلومِ الشَّرعية، وخرجت ببعضِ الخُلاصات التي أزعمُ أنها تزيد من فائدةِ التعليم، وأحبُّ أن أكتبَ بعضها في نُقاطٍ مرتَّبةٍ، فربَّ معلِّمٍ يقرؤها وينتفع بها مع طلبته، وربَّما كنتُ مقصِّرًا في امتثالِها أو امتثالِ بعضِها:
- حضِّر مادَّتَك العلمية: مهما كانت المسائل واضحةً وبيِّنة وفي غايةِ الظهور، للتحضير الجيِّد فوائد جمّة؛ فأولًا التحضير يزيدك فهمًا وعمقًا في أغوارِ مادَّتِك العلمية، فالفهم ليس درجةً واحدةً وإنما هو يتراكم ويتجذَّرُ شيئًا فشيئًا بطولِ النظر، وثانيًا التحضير يعينك على حسن الترتيب وجمالِ العرض، وثالثًا التحضير يدفع كثيرًا من الأوهام العلمية المترسِّبة دون وعي في قاعِ الذهن، فالقراءة المتجددة في المادَّة العلمية تشبه الدِّينمو الذي يولِّد الطاقة اللازمة للتشغيل، والمجلس النافع هو الذي لا ينقسم الحضور فيه إلى مُلقي ومستفيدين، وإنما يستفيد منه الملقي والمستمع معًا.
- اشرح من البداية: كل فكرةٍ أو مفهوم تريد شرحَه فلا تفترض أن الذي أمامَك يعرف مقدِّماته فتنتقل فورًا للنتائج، وإنما مهما كان مستوى مَن أمامَك؛ فاشرح المفهوم من بدايَتِه، وانتقل شيئًا فشيئًا من المفهوم المستقرّ إلى المفهوم الذي يراد شرحُه، وكثير من المفاهيم التي تفترضها مستقرةً هي في أحسن أحوالها كأنها جمرة فوقها رماد، وإذا تيقَّنتَ أن الطرف المقابِل يعرف المقدِّمات والمفاهيم الأولية، فهذا لا يعفيك من ذكرها -ولو بشكلٍ مختصر- ثم تبني فوقها ما أردتّ، فالانتقالات المفاجئة تربِك الذهن. وهذه الطريقة ترتِّب الأذهان، وتدفع الأوهام، وتجعل الحاضرين في تحليقٍ واحد وبمستوى متقاربٍ، فعلى سبيل المثال: إذا أردتَّ شرح مفهومٍ مبنيٍّ على مفهومٍ في بابٍ آخر سبق ذِكره، فمرَّ على الأول سريعًا، ثم اشرح الآخَر المتفرِّع عنه.
- بيِّن منهجك العلمي في أوَّل الشرح: المنهج العلمي هو الشرط اللازم بين المعلِّم والحاضرين، وهو الذي يرسم خارطة الدرس، وبه تُعلم نهايته الزمنية تقريبًا، وتُدرك مدى المحصِّلة المعرفيَّة النهائية منه، وبه يُحفظ المجلس من طفرات النمو المفاجئة، ويُصان من ظاهرتي المدّ والجزر المزاجي.
- أكثر من ضرب الأمثلة: أحسن المدرسين أثرًا أقدرُهم على ضرب الأمثلة المناسبة، وهي أحسن ما يعين على الفهم ابتداءً، وربَّما غاب المفهوم عن ذهن الطالب مع مرور الزمن ثم استدعاه ذهنه باستذكار المثال، يقول أبو حامد: (أحسن علاج الأفهام الضعيفة؛ الاستدراج والاستجرار إلى الحق بعكازة الأمثلة)، والأمثلة أنفع ما يكون في التعلُّمِ للأفهام الضعيفة والقوية معًا.
- لا تجب عن هذه الأسئلة: يحسن بالمعلِّم أن يستمع إلى الأسئلة ويجيب عن الإشكالات، لكن هناك أنواع من الأسئلة لا يحسن به سماعُها ولا الإجابة عنها، وهي أسئلة الخواطر العابرة، وقد كان الشيخ عبدالله بن غديان رحمه الله يسميها: (سؤال الخاطر)، والمراد بها وريثة اليقظة المفاجئة من السَّرَحان، أو تلك الناشئة عن الانتباه المفاجئ من الهواجس، أو كانت بسبب كون المفهوم جديدًا لم يستقر بعد، ولم يتميَّز عن أشباهه تميزًا تامًا، فالأفضل هو تأجيل الأسئلة لآخر المجلس لهذه الأسباب وغيرها، والقاعدة عندي: كلُّ إشكالٍ لم يبقَ مدةً طويلةً فليسَ بإشكالٍ.
- اقتدِ بأضعفهم: أكثر المعلِّمين إنما يحرص على الطلبة النابهين في حلقته، فَرَحًا بهم وتأميلا فيهم أن سيكون لهم شأنٌ في العلم، فيوليهم اهتمامًا مضاعفًا أكثرَ من غيرهم، وهذه نظر حسنٌ لا بأسَ به، وبعض المعلِّمين ينظر لزاوية أخرى، فيحرص على الطالبِ ذي الملكات الضعيفة ويمنحه اهتمامًا خاصًّا، فقد جاء في ترجمة الإسنوي صاحب كتاب المهمَّات بأنه كان: (يحرص على إيصال الفائدة للبليد، وكان ربَّما ذكر عنده المبتدئ الفائدة المطروقة؛ فيصغي إليه كأن لم يسمعها جبرًا لخاطره).
والحقيقة أن مراعاة المستويات المتفاوتة تفاوتًا كبيرًا في المجلس الواحد من العسر بمكانٍ، ولذلك إذا رأيت من لا يستفيد منك لكون فهمه فاضلا أو قاصرًا فوجِّهْه لغيرك.
ثمة أمور أخرى؛ إن أتيحت فرصة نشرتها بإذن الله.
لي تجربةٌ يسيرةٌ في تدريسِ بعضِ العلومِ الشَّرعية، وخرجت ببعضِ الخُلاصات التي أزعمُ أنها تزيد من فائدةِ التعليم، وأحبُّ أن أكتبَ بعضها في نُقاطٍ مرتَّبةٍ، فربَّ معلِّمٍ يقرؤها وينتفع بها مع طلبته، وربَّما كنتُ مقصِّرًا في امتثالِها أو امتثالِ بعضِها:
- حضِّر مادَّتَك العلمية: مهما كانت المسائل واضحةً وبيِّنة وفي غايةِ الظهور، للتحضير الجيِّد فوائد جمّة؛ فأولًا التحضير يزيدك فهمًا وعمقًا في أغوارِ مادَّتِك العلمية، فالفهم ليس درجةً واحدةً وإنما هو يتراكم ويتجذَّرُ شيئًا فشيئًا بطولِ النظر، وثانيًا التحضير يعينك على حسن الترتيب وجمالِ العرض، وثالثًا التحضير يدفع كثيرًا من الأوهام العلمية المترسِّبة دون وعي في قاعِ الذهن، فالقراءة المتجددة في المادَّة العلمية تشبه الدِّينمو الذي يولِّد الطاقة اللازمة للتشغيل، والمجلس النافع هو الذي لا ينقسم الحضور فيه إلى مُلقي ومستفيدين، وإنما يستفيد منه الملقي والمستمع معًا.
- اشرح من البداية: كل فكرةٍ أو مفهوم تريد شرحَه فلا تفترض أن الذي أمامَك يعرف مقدِّماته فتنتقل فورًا للنتائج، وإنما مهما كان مستوى مَن أمامَك؛ فاشرح المفهوم من بدايَتِه، وانتقل شيئًا فشيئًا من المفهوم المستقرّ إلى المفهوم الذي يراد شرحُه، وكثير من المفاهيم التي تفترضها مستقرةً هي في أحسن أحوالها كأنها جمرة فوقها رماد، وإذا تيقَّنتَ أن الطرف المقابِل يعرف المقدِّمات والمفاهيم الأولية، فهذا لا يعفيك من ذكرها -ولو بشكلٍ مختصر- ثم تبني فوقها ما أردتّ، فالانتقالات المفاجئة تربِك الذهن. وهذه الطريقة ترتِّب الأذهان، وتدفع الأوهام، وتجعل الحاضرين في تحليقٍ واحد وبمستوى متقاربٍ، فعلى سبيل المثال: إذا أردتَّ شرح مفهومٍ مبنيٍّ على مفهومٍ في بابٍ آخر سبق ذِكره، فمرَّ على الأول سريعًا، ثم اشرح الآخَر المتفرِّع عنه.
- بيِّن منهجك العلمي في أوَّل الشرح: المنهج العلمي هو الشرط اللازم بين المعلِّم والحاضرين، وهو الذي يرسم خارطة الدرس، وبه تُعلم نهايته الزمنية تقريبًا، وتُدرك مدى المحصِّلة المعرفيَّة النهائية منه، وبه يُحفظ المجلس من طفرات النمو المفاجئة، ويُصان من ظاهرتي المدّ والجزر المزاجي.
- أكثر من ضرب الأمثلة: أحسن المدرسين أثرًا أقدرُهم على ضرب الأمثلة المناسبة، وهي أحسن ما يعين على الفهم ابتداءً، وربَّما غاب المفهوم عن ذهن الطالب مع مرور الزمن ثم استدعاه ذهنه باستذكار المثال، يقول أبو حامد: (أحسن علاج الأفهام الضعيفة؛ الاستدراج والاستجرار إلى الحق بعكازة الأمثلة)، والأمثلة أنفع ما يكون في التعلُّمِ للأفهام الضعيفة والقوية معًا.
- لا تجب عن هذه الأسئلة: يحسن بالمعلِّم أن يستمع إلى الأسئلة ويجيب عن الإشكالات، لكن هناك أنواع من الأسئلة لا يحسن به سماعُها ولا الإجابة عنها، وهي أسئلة الخواطر العابرة، وقد كان الشيخ عبدالله بن غديان رحمه الله يسميها: (سؤال الخاطر)، والمراد بها وريثة اليقظة المفاجئة من السَّرَحان، أو تلك الناشئة عن الانتباه المفاجئ من الهواجس، أو كانت بسبب كون المفهوم جديدًا لم يستقر بعد، ولم يتميَّز عن أشباهه تميزًا تامًا، فالأفضل هو تأجيل الأسئلة لآخر المجلس لهذه الأسباب وغيرها، والقاعدة عندي: كلُّ إشكالٍ لم يبقَ مدةً طويلةً فليسَ بإشكالٍ.
- اقتدِ بأضعفهم: أكثر المعلِّمين إنما يحرص على الطلبة النابهين في حلقته، فَرَحًا بهم وتأميلا فيهم أن سيكون لهم شأنٌ في العلم، فيوليهم اهتمامًا مضاعفًا أكثرَ من غيرهم، وهذه نظر حسنٌ لا بأسَ به، وبعض المعلِّمين ينظر لزاوية أخرى، فيحرص على الطالبِ ذي الملكات الضعيفة ويمنحه اهتمامًا خاصًّا، فقد جاء في ترجمة الإسنوي صاحب كتاب المهمَّات بأنه كان: (يحرص على إيصال الفائدة للبليد، وكان ربَّما ذكر عنده المبتدئ الفائدة المطروقة؛ فيصغي إليه كأن لم يسمعها جبرًا لخاطره).
والحقيقة أن مراعاة المستويات المتفاوتة تفاوتًا كبيرًا في المجلس الواحد من العسر بمكانٍ، ولذلك إذا رأيت من لا يستفيد منك لكون فهمه فاضلا أو قاصرًا فوجِّهْه لغيرك.
ثمة أمور أخرى؛ إن أتيحت فرصة نشرتها بإذن الله.
••
في سرديات الحياة، تتكاثر الأوصاف وتتباين العقول، فبعضهم يصوغها فردوسًا مترفًا، وبعضهم يَنسجها جحيمًا لا يُطاق، وبين هذين الوصفين تيهٌ لا يُستهان به.
الانغماس المستمر في عمق كلّ مشهد ليس دائمًا فضيلة؛ فثمة أشياء لا عمق فيها أصلًا، ونحن من ينسج لها قاعًا وهميًّا ثم يغرق في ملوحة المعنى الخاطئ، نحن -أحيانًا- ضحايا الحاجة إلى العمق، لا ضحايا العمق نفسه.
والعقل المسلم حين يُنير بصيرته بالوحي يدرك أن (الحياة الدنيا) ليست محل التقييم الأخير، بل هي موضع الاختبار والعبور، يدرك أنّ فقه العبور أولى من فلسفة الإقامة، ولا تستقيم رؤيتك للدنيا، حتى تعاينها من شرفة الآخرة.
••
في سرديات الحياة، تتكاثر الأوصاف وتتباين العقول، فبعضهم يصوغها فردوسًا مترفًا، وبعضهم يَنسجها جحيمًا لا يُطاق، وبين هذين الوصفين تيهٌ لا يُستهان به.
الانغماس المستمر في عمق كلّ مشهد ليس دائمًا فضيلة؛ فثمة أشياء لا عمق فيها أصلًا، ونحن من ينسج لها قاعًا وهميًّا ثم يغرق في ملوحة المعنى الخاطئ، نحن -أحيانًا- ضحايا الحاجة إلى العمق، لا ضحايا العمق نفسه.
والعقل المسلم حين يُنير بصيرته بالوحي يدرك أن (الحياة الدنيا) ليست محل التقييم الأخير، بل هي موضع الاختبار والعبور، يدرك أنّ فقه العبور أولى من فلسفة الإقامة، ولا تستقيم رؤيتك للدنيا، حتى تعاينها من شرفة الآخرة.
••
••
العبدُ إذا أكرمه الله بحياةٍ كريمة، وانشغل بعمارة دنياه وآخرته، ضاق وقته عن التفرّغ لصغائر الناس، وارتفعت همّته عن مكائد التوافه ومناكفات السخفاء، فلا يجد في قلبه فراغًا يُتيح لمكائد الحسد أو غوايات الخصام أن تتسرّب إليه؛ إذ هو مشغولٌ بعمارٍ داخلي، ومرابطٌ على ثغور نفسه، مستكفٌّ بحاله عن الناس.
وأما من أُفرغت حياته من المعنى، وتجردت أيامه من البذل الصادق، فإنه لا يجد ذاته إلا في التطفّل على حيوات الآخرين؛ فتارةً يتصيّد الزلات، وتارةً يفتعل المناكفات، وتارةً يفتش عن الخصومة لينتزع بها شعور الوجود، ويهوّن عليه أن يُؤذي غيره، ما دام لا يملك ما ينفع به نفسه.
والفقيه في معارج السلوك يعلم أن مدار الكرامة لا يكون في ردّ الأذى، بل في كفّه، ولا في التشظي، بل في الترفّع، فالعاقل لا يلوّث مروءته بمستنقعات السفه، ولا يُقايض كرامته بردود لا تزيده إلا ضياعًا.
وهؤلاء – في طبائعهم – لا تحدّهم خرائط، ولا يُقيدهم زمن، فهم في كل عصر، وتحت كل سقف، فسل الله العافية، وجانب أهل الفراغ، تُصن لك المروءة، ويصفو لك العمر.
••
العبدُ إذا أكرمه الله بحياةٍ كريمة، وانشغل بعمارة دنياه وآخرته، ضاق وقته عن التفرّغ لصغائر الناس، وارتفعت همّته عن مكائد التوافه ومناكفات السخفاء، فلا يجد في قلبه فراغًا يُتيح لمكائد الحسد أو غوايات الخصام أن تتسرّب إليه؛ إذ هو مشغولٌ بعمارٍ داخلي، ومرابطٌ على ثغور نفسه، مستكفٌّ بحاله عن الناس.
وأما من أُفرغت حياته من المعنى، وتجردت أيامه من البذل الصادق، فإنه لا يجد ذاته إلا في التطفّل على حيوات الآخرين؛ فتارةً يتصيّد الزلات، وتارةً يفتعل المناكفات، وتارةً يفتش عن الخصومة لينتزع بها شعور الوجود، ويهوّن عليه أن يُؤذي غيره، ما دام لا يملك ما ينفع به نفسه.
والفقيه في معارج السلوك يعلم أن مدار الكرامة لا يكون في ردّ الأذى، بل في كفّه، ولا في التشظي، بل في الترفّع، فالعاقل لا يلوّث مروءته بمستنقعات السفه، ولا يُقايض كرامته بردود لا تزيده إلا ضياعًا.
وهؤلاء – في طبائعهم – لا تحدّهم خرائط، ولا يُقيدهم زمن، فهم في كل عصر، وتحت كل سقف، فسل الله العافية، وجانب أهل الفراغ، تُصن لك المروءة، ويصفو لك العمر.
••
••
في السفر تنكشف الطبائع، ويُغربل الداخل من شوائب التكرار، وتصفو النفس لتلقّي ما لم تكن تبصره تحت سقف الاعتياد، هو مدرسة تربوية بلا جدران، يُلقى فيها العبد على صحراء السؤال: من أنا خارج دوائري المألوفة؟
كثيرون يسافرون ويعودون كما ذهبوا، لأنهم غفلوا عن حمل أعظم زاد: دفتر يُقيّد وميض الفكرة، فالأثر لا تتركه الخطى، بل يتركه السطر حين يُكتب بصدق اللحظة وحرارة الانكشاف، والغنيمة الكبرى في الطريق، ليست ما تراه العين، بل ما يُبصره القلب حين يتخفف من كل ما سوى الله.
••
في السفر تنكشف الطبائع، ويُغربل الداخل من شوائب التكرار، وتصفو النفس لتلقّي ما لم تكن تبصره تحت سقف الاعتياد، هو مدرسة تربوية بلا جدران، يُلقى فيها العبد على صحراء السؤال: من أنا خارج دوائري المألوفة؟
كثيرون يسافرون ويعودون كما ذهبوا، لأنهم غفلوا عن حمل أعظم زاد: دفتر يُقيّد وميض الفكرة، فالأثر لا تتركه الخطى، بل يتركه السطر حين يُكتب بصدق اللحظة وحرارة الانكشاف، والغنيمة الكبرى في الطريق، ليست ما تراه العين، بل ما يُبصره القلب حين يتخفف من كل ما سوى الله.
••
Forwarded from *سوانح الخواطر* (منال العتيبي)
أبرز_النماذج_اللغوية_في_الذكاء_الاصطناعي.pdf
249 KB
هذه أبرز النماذج اللغوية في الذكاء الاصطناعي
إعداد المصمم: د. ماجد الروقي
بارك الله في جهده ونفع به
إعداد المصمم: د. ماجد الروقي
بارك الله في جهده ونفع به
Forwarded from قناة كريم حلمي
لمن لم يدخل بعدُ في أجواء العشر فهذا لقاء (خير الأيام: يوتيوب | ساوند كلاود | تيليجرام) حول اغتنام العشر من ذي الحجة، وكان جزءًا من أنشطة سقيا العشر فيما سبق، وهذان لقاءان حول تفسير بعض الآيات المتعلقة بالحج ضمن أنشطة سقيا العشر فيما سبق كذلك (اللقاء الأول | اللقاء الثاني).
وهذا لقاء (مشاعر المشاعر) الذي كان من جملة النفثات، حول قصد القلب إلى بيت الرب سبحانه وبعض محطات سيره، وأضع كذلك حلقة ملخصة حول ذلك كانت ضمن برنامج (معارج الإيمان)
تقبل الله منا، وأعاننا جميعًا على ذكره وشكره وحُسن عبادته، وكل عام وأنتم بخير وعافية وسلامة!
وهذا لقاء (مشاعر المشاعر) الذي كان من جملة النفثات، حول قصد القلب إلى بيت الرب سبحانه وبعض محطات سيره، وأضع كذلك حلقة ملخصة حول ذلك كانت ضمن برنامج (معارج الإيمان)
تقبل الله منا، وأعاننا جميعًا على ذكره وشكره وحُسن عبادته، وكل عام وأنتم بخير وعافية وسلامة!
YouTube
خير الأيام | اغتنام عشر ذي الحجة | الشيخ كريم حلمي
0:00 تقدمة
2:07 عبودية الاكتراث
4:20 ما الذي يجب أن نخرج به من اللقاء؟
6:06 ما المقصود من العبادات؟
9:12 فلسفة مواسم العبادة
12:53 من فضائل العشر: 1- غفلة الناس عنها
15:51 2- والفجر
21:01 3- أيامٌ معلومات
21:57 عبوديَّة الشكر
31:07 تعظيم النّبي ﷺ لهذه الأيام…
2:07 عبودية الاكتراث
4:20 ما الذي يجب أن نخرج به من اللقاء؟
6:06 ما المقصود من العبادات؟
9:12 فلسفة مواسم العبادة
12:53 من فضائل العشر: 1- غفلة الناس عنها
15:51 2- والفجر
21:01 3- أيامٌ معلومات
21:57 عبوديَّة الشكر
31:07 تعظيم النّبي ﷺ لهذه الأيام…
Forwarded from جوامع الكَلِم
بسم الله الرحمن الرحيم
نعلن عن إطلاق مبادرة حفظ الدعاء الوارد عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (جوامع الكلم) خلال هذه العشر المباركة؛ عشر ذي الحجة
-سنحفظ خلال هذه الرحلة ما يقارب ٦٠ دعاءً صحيحًا واردًا عن الرسول صلى الله عليه وسلم، مقسّمًا على ثمانية أيام، بمعدل ٧-٨ أدعية يوميًا، ثم اليوم التاسع يوم عرفة للمراجعة والتفرغ للدعاء ..
-سيرسل الورد اليومي المحدد كل يوم ابتداءً من ١ ذو الحجة، مع روابط للشرح أسفل كل حديث، مع التعليق على ما يلزم؛ تدبرًا وتأمّلًا وتثويرًا ودفعًا للاستشكالات، بالإضافة إلى إقامة لقاءات تفاعلية مثرية مع قامات علمية متمكنة تعمق علاقتنا مع الدعاء
-أحثكم جميعًا على المشاركة والانضمام، ثم نشر هذه الرسالة ومحاولة إيصالها لأكبر عدد ممكن، حتى تعم الفائدة ويعم الأجر
بارك الله فينا وفيكم، وجعلنا وإياكم من العاملين العابدين.
نعلن عن إطلاق مبادرة حفظ الدعاء الوارد عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (جوامع الكلم) خلال هذه العشر المباركة؛ عشر ذي الحجة
-سنحفظ خلال هذه الرحلة ما يقارب ٦٠ دعاءً صحيحًا واردًا عن الرسول صلى الله عليه وسلم، مقسّمًا على ثمانية أيام، بمعدل ٧-٨ أدعية يوميًا، ثم اليوم التاسع يوم عرفة للمراجعة والتفرغ للدعاء ..
-سيرسل الورد اليومي المحدد كل يوم ابتداءً من ١ ذو الحجة، مع روابط للشرح أسفل كل حديث، مع التعليق على ما يلزم؛ تدبرًا وتأمّلًا وتثويرًا ودفعًا للاستشكالات، بالإضافة إلى إقامة لقاءات تفاعلية مثرية مع قامات علمية متمكنة تعمق علاقتنا مع الدعاء
-أحثكم جميعًا على المشاركة والانضمام، ثم نشر هذه الرسالة ومحاولة إيصالها لأكبر عدد ممكن، حتى تعم الفائدة ويعم الأجر
بارك الله فينا وفيكم، وجعلنا وإياكم من العاملين العابدين.
•| الفُلكلور التعبدي |•
ثمّة مشهد تعبّدي شعبيّ يتكرر كل عام مع قدوم رمضان، حيث يمتزج الإيماني بالاحتفالي، والشرعيّ بالموروث، فيُفتح للناس باب الإقبال لا من محراب النصوص فقط، بل من نوافذ الطقوس الجمعية: فانوس يُضاء، ومدفعٌ رمزيّ يصمت بعد أن كان يومًا يدوّي، ومائدة رمضانية تُعدّ وكأنها تُفطّر عامًا بأكمله، ومسحراتيّ يطوف الأزقّة، لا ليستحثّ النيام فحسب، بل ليوقظ فيهم ذاكرة الطفولة، وصدى الشهر المبارك.
وفي ظل هذا الزخم الجمعيّ، تنشط العزائم، وتتيسر العبادات، فيصوم الناس ويقومون، وكأن الجماعة تُسند الفرد، والجوّ يُلزم القلب. لكنّ تأمل الحال يوقفنا عند مفارقة لافتة: إذا كانت العشر الأواخر من رمضان تُشتعل فيها الأنوار، فإن العشر الأُول من ذي الحجة – وهي الأيام التي شهد لها النصّ بأنها “خير أيام الدنيا” – لا تحظى بذات التوهّج في الوجدان العام، ولا بذات التفاعل الشعائري. والسبب؟ أنّ عباداتها فردية، لا يواكبها صخبٌ جماعيّ، ولا تُرفع لها الرايات، بل تستبطن حضورًا خافتًا، لا يسمعه إلا من أنصت لنفسه.
وهنا يكمن السرّ: فالعشر الأُول من ذي الحجة ليست موسم استعراض، بل موسم استئنافٍ للعهد، تجديد للميثاق المنقوض في ليالي رمضان، وتصحيح للوجهة بعد أن تخثّر النبض خلف زخارف الطقوس.
إنها عشر البصيرة لا البهرجة، فيها تصوم النفس في وَضح النهار، وتُبصر حقيقة الدنيا من خلال مشهدٍ أخرويٍّ مُعجّل يُختصر في عرفات: خلوة جماعية في صعيدٍ واحد، تحت شمس واحدة، يتسابق الناس فيه إلى الله وكأنهم تجرّدوا من كل ما سواهم، وهذا هو الحج الأكبر لمن أبصر.
في هذه العشر، لا نطوف بأجسادنا، بل تطوف أفئدتنا بكعبة القرب، ونرتدي لا إحرام القطن بل إحرام النيّة والصدق، ونسعى بين صفا القرار ومروة التوبة، نبحث عن زمزم يروي ظمأ عامٍ كامل من التقصير والغفلة والركض بلا جهة.
وإذا كان ختام السنة الهجرية هو هذه العشر، فإنها المسك الذي تُعطر به الأيام، والغسل الأخير من أدران عامين، والمقام الذي سئل فيه النبي ﷺ عن صيام يومه الأعظم، فقال: يكفّر السنة الماضية والباقية، أي عبورٌ هذا الذي يغسل ما لم يقع بعد؟ وأي رحمة تلك التي تمحو الذنوب قبل أن تُكتَب؟
اللهم جدّد في قلوبنا الإيمان، كما يُجدد المطر الحياة في الأرض المقفرة، واجعل لنا من هذه العشر مقامًا إلى عرفات القلب، ووضوحًا في البصيرة، وثباتًا في الاستعانة، ونجاة من فتن الغرور والاكتفاء، وهب لنا توبةً تهدينا إليك، وتحرسنا من التيه في شعاب الهوى.
اللهم آمين.
ثمّة مشهد تعبّدي شعبيّ يتكرر كل عام مع قدوم رمضان، حيث يمتزج الإيماني بالاحتفالي، والشرعيّ بالموروث، فيُفتح للناس باب الإقبال لا من محراب النصوص فقط، بل من نوافذ الطقوس الجمعية: فانوس يُضاء، ومدفعٌ رمزيّ يصمت بعد أن كان يومًا يدوّي، ومائدة رمضانية تُعدّ وكأنها تُفطّر عامًا بأكمله، ومسحراتيّ يطوف الأزقّة، لا ليستحثّ النيام فحسب، بل ليوقظ فيهم ذاكرة الطفولة، وصدى الشهر المبارك.
وفي ظل هذا الزخم الجمعيّ، تنشط العزائم، وتتيسر العبادات، فيصوم الناس ويقومون، وكأن الجماعة تُسند الفرد، والجوّ يُلزم القلب. لكنّ تأمل الحال يوقفنا عند مفارقة لافتة: إذا كانت العشر الأواخر من رمضان تُشتعل فيها الأنوار، فإن العشر الأُول من ذي الحجة – وهي الأيام التي شهد لها النصّ بأنها “خير أيام الدنيا” – لا تحظى بذات التوهّج في الوجدان العام، ولا بذات التفاعل الشعائري. والسبب؟ أنّ عباداتها فردية، لا يواكبها صخبٌ جماعيّ، ولا تُرفع لها الرايات، بل تستبطن حضورًا خافتًا، لا يسمعه إلا من أنصت لنفسه.
وهنا يكمن السرّ: فالعشر الأُول من ذي الحجة ليست موسم استعراض، بل موسم استئنافٍ للعهد، تجديد للميثاق المنقوض في ليالي رمضان، وتصحيح للوجهة بعد أن تخثّر النبض خلف زخارف الطقوس.
إنها عشر البصيرة لا البهرجة، فيها تصوم النفس في وَضح النهار، وتُبصر حقيقة الدنيا من خلال مشهدٍ أخرويٍّ مُعجّل يُختصر في عرفات: خلوة جماعية في صعيدٍ واحد، تحت شمس واحدة، يتسابق الناس فيه إلى الله وكأنهم تجرّدوا من كل ما سواهم، وهذا هو الحج الأكبر لمن أبصر.
في هذه العشر، لا نطوف بأجسادنا، بل تطوف أفئدتنا بكعبة القرب، ونرتدي لا إحرام القطن بل إحرام النيّة والصدق، ونسعى بين صفا القرار ومروة التوبة، نبحث عن زمزم يروي ظمأ عامٍ كامل من التقصير والغفلة والركض بلا جهة.
وإذا كان ختام السنة الهجرية هو هذه العشر، فإنها المسك الذي تُعطر به الأيام، والغسل الأخير من أدران عامين، والمقام الذي سئل فيه النبي ﷺ عن صيام يومه الأعظم، فقال: يكفّر السنة الماضية والباقية، أي عبورٌ هذا الذي يغسل ما لم يقع بعد؟ وأي رحمة تلك التي تمحو الذنوب قبل أن تُكتَب؟
اللهم جدّد في قلوبنا الإيمان، كما يُجدد المطر الحياة في الأرض المقفرة، واجعل لنا من هذه العشر مقامًا إلى عرفات القلب، ووضوحًا في البصيرة، وثباتًا في الاستعانة، ونجاة من فتن الغرور والاكتفاء، وهب لنا توبةً تهدينا إليك، وتحرسنا من التيه في شعاب الهوى.
اللهم آمين.
••
#نشرة_تواق_البريدية
العدد السابع
•| خسوف النية |•
العبادة حين يُطفئها جليد العادة.
_____________
ضع بريدك هنا
••
#نشرة_تواق_البريدية
العدد السابع
•| خسوف النية |•
العبادة حين يُطفئها جليد العادة.
_____________
ضع بريدك هنا
••
••
📝 زيف الانشغال
تأمل في وجوه كثيرة تمرّ بك كل يوم، وانظر إلى ملامحهم المكدّسة بتعبٍ لا تعلم مصدره، إلى نبراتهم التي تشي بأنهم “مشغولون جدًا”، إلى ألسنتهم التي تردد كمن يُلقّن: “والله ما لحقت”، “مضغوط جدًا”، “ما قدرت أكمل”.. ثم قف لحظةً واسأل: هل هذا الانشغال كلّه في ما يستحق؟ أم هو “تهرّب شرعي” من مواجهة الواجب الحقيقي؟ والإنسان في هذا الزمان قد اخترع “درعًا” يحميه من تبكيت الضمير اسمه: (الانشغال).
فالطالب الذي يؤجل بناء ملكته العلمية، ويغرق في مراجعاتٍ عشوائية ومتابعة بثوثٍ متفرقة، يردد في داخله: “أنا مشغول”، بينما هو في الحقيقة يهرب من الخطوة الأصعب: الانضباط.
والداعية الذي يتنقل بين الفعاليات واللقاءات، ويشعر بالرضا كلما تكرّر اسمه في اللافتات، يردّد لنفسه: “ليس لدي وقت للكتابة”، لكنه لم يصرّح لنفسه بأن الكتابة تحتاج عُزلةً، ومكابدةً، وتجريدًا عن الضجيج، وهو لم يُرد أن يدفع هذا الثمن.
إننا حين نخاف من العمل الحقيقي؛ نلوذ بما يُشبهه، ونُشغل أنفسنا بـ”أعمال جانبية” تمنحنا جرعة مؤقتة من الإنجاز، لكننا نعلم يقينًا في قرارة أنفسنا: هذا ليس هو الطريق، أليس عجيبًا أن ترى أحدهم يمضي يومه بين ملفات ومواعيد، وحين يُسأل: أين مشروعك الأساسي؟ يخفت صوته، وتتوارى الإجابة خلف “أعذار مزخرفة”؟
لقد صار “زيف الانشغال” هو الواجهة الاجتماعية الجديدة للمتحايل على الوقت، لا يريد أن يُتهم بالكسل، لكنه لا يريد أن يدفع ثمن التقدم الحقيقي، وما أكثر ما تغدو “الانشغالات” ذريعة لدفن الأسئلة المؤلمة التي تطرق على أبواب العقل: أين أنا من إصلاح نفسي؟ ما موقعي من قضايا أمتي؟
وهكذا، يبيت العبد وقد ظن أنه مجتهد، فإذا وزن يومه في ميزان الآخرة، لم يجد ما يرجى، فإن العمل الحقيقي ليس ما يتراكم في رزنامات الهاتف، بل ما يتراكم في صحيفة العمل الصالح، وفي عمق الأثر، وفي تجريد القلب لله.
وشتّان بين مشغولٍ بالله، ومشغولٍ عن الله.
••
📝 زيف الانشغال
تأمل في وجوه كثيرة تمرّ بك كل يوم، وانظر إلى ملامحهم المكدّسة بتعبٍ لا تعلم مصدره، إلى نبراتهم التي تشي بأنهم “مشغولون جدًا”، إلى ألسنتهم التي تردد كمن يُلقّن: “والله ما لحقت”، “مضغوط جدًا”، “ما قدرت أكمل”.. ثم قف لحظةً واسأل: هل هذا الانشغال كلّه في ما يستحق؟ أم هو “تهرّب شرعي” من مواجهة الواجب الحقيقي؟ والإنسان في هذا الزمان قد اخترع “درعًا” يحميه من تبكيت الضمير اسمه: (الانشغال).
فالطالب الذي يؤجل بناء ملكته العلمية، ويغرق في مراجعاتٍ عشوائية ومتابعة بثوثٍ متفرقة، يردد في داخله: “أنا مشغول”، بينما هو في الحقيقة يهرب من الخطوة الأصعب: الانضباط.
والداعية الذي يتنقل بين الفعاليات واللقاءات، ويشعر بالرضا كلما تكرّر اسمه في اللافتات، يردّد لنفسه: “ليس لدي وقت للكتابة”، لكنه لم يصرّح لنفسه بأن الكتابة تحتاج عُزلةً، ومكابدةً، وتجريدًا عن الضجيج، وهو لم يُرد أن يدفع هذا الثمن.
إننا حين نخاف من العمل الحقيقي؛ نلوذ بما يُشبهه، ونُشغل أنفسنا بـ”أعمال جانبية” تمنحنا جرعة مؤقتة من الإنجاز، لكننا نعلم يقينًا في قرارة أنفسنا: هذا ليس هو الطريق، أليس عجيبًا أن ترى أحدهم يمضي يومه بين ملفات ومواعيد، وحين يُسأل: أين مشروعك الأساسي؟ يخفت صوته، وتتوارى الإجابة خلف “أعذار مزخرفة”؟
لقد صار “زيف الانشغال” هو الواجهة الاجتماعية الجديدة للمتحايل على الوقت، لا يريد أن يُتهم بالكسل، لكنه لا يريد أن يدفع ثمن التقدم الحقيقي، وما أكثر ما تغدو “الانشغالات” ذريعة لدفن الأسئلة المؤلمة التي تطرق على أبواب العقل: أين أنا من إصلاح نفسي؟ ما موقعي من قضايا أمتي؟
وهكذا، يبيت العبد وقد ظن أنه مجتهد، فإذا وزن يومه في ميزان الآخرة، لم يجد ما يرجى، فإن العمل الحقيقي ليس ما يتراكم في رزنامات الهاتف، بل ما يتراكم في صحيفة العمل الصالح، وفي عمق الأثر، وفي تجريد القلب لله.
وشتّان بين مشغولٍ بالله، ومشغولٍ عن الله.
••
••
•| حجاب المرأة.. المئذنة المتنقّلة |•
حين تدبّ خُطاك في أروقة المطارات، وتُحطّك رحلتك في مدنٍ متباعدة الأطراف، ثم تقع عينك على امرأة متحجبة تمضي في طريقها بسكينةٍ ووقار، تشعر أن نداء “الله أكبر” قد صدح، ولكن بلا مئذنة.. كأنها – بحجابها – تحمل على رأسها علَمًا يُعلن عن وجود الإسلام في هذا المكان.
ففي الوقت الذي يمكن أن يتخفّى الرجل المسلم خلف بدلة أنيقة أو قميص عصري، تبقى المرأة المسلمة بحجابها راية لا تُخفى، وشعارًا لا يضمحل، هي العلامة البصرية الأوضح لوجود الإسلام في الفضاء العام، ولهذا، لم تكن الحملة الغربية على الحجاب مجرّد صدامٍ ثقافي مع لباسٍ تقليدي، بل كانت – في جوهرها – صراعًا مع الشهادة العلنية على وجود هذا الدين.
لقد أدركوا – بعمقٍ سياسي وثقافي – أن حجاب المرأة ليس مجرد قطعة قماش، بل هو “الشعيرة المتحرّكة”، وأنه بحدّ ذاته إعلانٌ يوميٌ حيّ عن الإسلام في زمنٍ يُراد فيه للدين أن يُحبس في زوايا القلب، ويُمنع من التعبير عن نفسه في الشارع العام.
وفي معمار الحضارة الغربية، كل شيء قابل للذوبان والتفكيك: الأسرة، الدين، اللغة، والهوية. لكنّ الحجاب، ذلك الشعار اليومي العلني، يشقُّ هذا السياق المتحلل، فالمرأة المتحجبة – وهي تمشي بين الناس – تُفسد على خصوم الإسلام وهْم الانتصار، لأن في هيئتها البسيطة استعادةً لحق الإسلام في الوجود، وفي مظهرها الجليل تذكيرٌ صامتٌ بمنهج السماء في حضرة الازدحام الأرضي.
ولهذا؛ لا غرو أن يتواطأ الإعلام، وتُحفّز القوانين، وتُحرّك الحملات، لاقتلاع هذا الرمز من الوعي والسلوك، فخصوم الدين، إذ عجزوا عن النيل من جوهر الرسالة، اتجهوا إلى تمزيق شعائرها الظاهرة، هم لا يطيقون “مَعْلَمًا” يعلن بجلاء: هنا الإسلام، فلما عجزوا عن إسكات الوحي، حاولوا حجب صدى الشعار.
فيا أختاه، لستِ ترتدين ثوبًا فحسب، بل تحملين لواء الرسالة في زمن التمييع، وتُشيرين للمارة أن الإسلام لا يزال نابضًا في هذا العالم، بثباتك، ينهزم المشروع الذي أراد أن يجعل الإسلام متحفًا لا مظهرًا.
••
•| حجاب المرأة.. المئذنة المتنقّلة |•
حين تدبّ خُطاك في أروقة المطارات، وتُحطّك رحلتك في مدنٍ متباعدة الأطراف، ثم تقع عينك على امرأة متحجبة تمضي في طريقها بسكينةٍ ووقار، تشعر أن نداء “الله أكبر” قد صدح، ولكن بلا مئذنة.. كأنها – بحجابها – تحمل على رأسها علَمًا يُعلن عن وجود الإسلام في هذا المكان.
ففي الوقت الذي يمكن أن يتخفّى الرجل المسلم خلف بدلة أنيقة أو قميص عصري، تبقى المرأة المسلمة بحجابها راية لا تُخفى، وشعارًا لا يضمحل، هي العلامة البصرية الأوضح لوجود الإسلام في الفضاء العام، ولهذا، لم تكن الحملة الغربية على الحجاب مجرّد صدامٍ ثقافي مع لباسٍ تقليدي، بل كانت – في جوهرها – صراعًا مع الشهادة العلنية على وجود هذا الدين.
لقد أدركوا – بعمقٍ سياسي وثقافي – أن حجاب المرأة ليس مجرد قطعة قماش، بل هو “الشعيرة المتحرّكة”، وأنه بحدّ ذاته إعلانٌ يوميٌ حيّ عن الإسلام في زمنٍ يُراد فيه للدين أن يُحبس في زوايا القلب، ويُمنع من التعبير عن نفسه في الشارع العام.
وفي معمار الحضارة الغربية، كل شيء قابل للذوبان والتفكيك: الأسرة، الدين، اللغة، والهوية. لكنّ الحجاب، ذلك الشعار اليومي العلني، يشقُّ هذا السياق المتحلل، فالمرأة المتحجبة – وهي تمشي بين الناس – تُفسد على خصوم الإسلام وهْم الانتصار، لأن في هيئتها البسيطة استعادةً لحق الإسلام في الوجود، وفي مظهرها الجليل تذكيرٌ صامتٌ بمنهج السماء في حضرة الازدحام الأرضي.
ولهذا؛ لا غرو أن يتواطأ الإعلام، وتُحفّز القوانين، وتُحرّك الحملات، لاقتلاع هذا الرمز من الوعي والسلوك، فخصوم الدين، إذ عجزوا عن النيل من جوهر الرسالة، اتجهوا إلى تمزيق شعائرها الظاهرة، هم لا يطيقون “مَعْلَمًا” يعلن بجلاء: هنا الإسلام، فلما عجزوا عن إسكات الوحي، حاولوا حجب صدى الشعار.
فيا أختاه، لستِ ترتدين ثوبًا فحسب، بل تحملين لواء الرسالة في زمن التمييع، وتُشيرين للمارة أن الإسلام لا يزال نابضًا في هذا العالم، بثباتك، ينهزم المشروع الذي أراد أن يجعل الإسلام متحفًا لا مظهرًا.
••
••
حجاب النفس عن فقه التكبير؛ خللٌ في ميزان النظر، واحتجاب عن أعظم بابٍ للطمأنينة والإيمان، يُناجي فيه العبد ربَّه من مقام التعظيم والإجلال، ويُعيد من خلاله ترتيب الأشياء كما يريد الله، لا كما تهوى النفوس. قال تعالى: ﴿وَقُلِ الحَمدُ لِلَّهِ الَّذي لَم يَتَّخِذ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَهُ شَريكٌ فِي المُلكِ وَلَم يَكُن لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرهُ تَكبيرًا﴾ [الإسراء: ١١١]، وهل من عافيةٍ أجلّ من عافية التوحيد الخالص؟ نسأله تعالى أن يرزقنا مقام التكبير، وأن يطهر قلوبنا من تعظيم غيره.
••
حجاب النفس عن فقه التكبير؛ خللٌ في ميزان النظر، واحتجاب عن أعظم بابٍ للطمأنينة والإيمان، يُناجي فيه العبد ربَّه من مقام التعظيم والإجلال، ويُعيد من خلاله ترتيب الأشياء كما يريد الله، لا كما تهوى النفوس. قال تعالى: ﴿وَقُلِ الحَمدُ لِلَّهِ الَّذي لَم يَتَّخِذ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَهُ شَريكٌ فِي المُلكِ وَلَم يَكُن لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرهُ تَكبيرًا﴾ [الإسراء: ١١١]، وهل من عافيةٍ أجلّ من عافية التوحيد الخالص؟ نسأله تعالى أن يرزقنا مقام التكبير، وأن يطهر قلوبنا من تعظيم غيره.
••
••
في أيامٍ تتسابق فيها الجوارح، يلوح للمتأمّل أن من أعظم الميادين في هذه العشر ليست حركة البدن، بل حركة القلب، فأعمال القلوب هي محل نظر الرب، ومصدر تصحيح المسار، ومكمن سرّ القبول.
التوكل، الإخلاص، الخشية، المحبة، الرجاء، الرضا، هذه ليست أحوالاً روحية، بل هي الأوتاد الخفية التي تشدّ بناء العبادة من الداخل، وكلما وُطّن القلب على واحدة منها، استقامت بقية الأعمال تبعًا لها.
فانتخب من هذه الكنوز ما يلامس علّتك، فثمّة قلبٌ غافل يفتقر للخشية، وآخر متكلّ على الأسباب يحتاج للتوكّل، وثالث قد أرهقته الأحزان فدواؤه الرجاء.
اقرأ فيها كثيرًا، واسمع عنها مرارًا، وقل دائمًا: “اللهم أصلح قلبي وعملي”، فكل صلاحٍ بعده يتبعه، واستحضر هذا المعنى في تفاصيل يومك، فإن القلب إذا استقام، لم يعسر عليه عملٌ ولا تقوى.
••
في أيامٍ تتسابق فيها الجوارح، يلوح للمتأمّل أن من أعظم الميادين في هذه العشر ليست حركة البدن، بل حركة القلب، فأعمال القلوب هي محل نظر الرب، ومصدر تصحيح المسار، ومكمن سرّ القبول.
التوكل، الإخلاص، الخشية، المحبة، الرجاء، الرضا، هذه ليست أحوالاً روحية، بل هي الأوتاد الخفية التي تشدّ بناء العبادة من الداخل، وكلما وُطّن القلب على واحدة منها، استقامت بقية الأعمال تبعًا لها.
فانتخب من هذه الكنوز ما يلامس علّتك، فثمّة قلبٌ غافل يفتقر للخشية، وآخر متكلّ على الأسباب يحتاج للتوكّل، وثالث قد أرهقته الأحزان فدواؤه الرجاء.
اقرأ فيها كثيرًا، واسمع عنها مرارًا، وقل دائمًا: “اللهم أصلح قلبي وعملي”، فكل صلاحٍ بعده يتبعه، واستحضر هذا المعنى في تفاصيل يومك، فإن القلب إذا استقام، لم يعسر عليه عملٌ ولا تقوى.
••
••
غزة و إعادة التعريف.
ما الذي يحدث حين تعلن المستضعفة أن لا مكانَ لها في جدول المقاييس المجرّدة، وأنّ الحسابات التي تتغافل عن (معادلة العقيدة) ناقصة، بل مضلِّلة؟
يحدث أن تنفجر الطاقة المكبوتة في رحم الحصار، وتخترق جدران التحليل الصلد؛ لا بوصفها ردّ فعل سياسيٍّ هش، بل بوصفها لحظة قهرٍ تاريخيّ يَستدعي سُنن الإحياء من بعد الموات، يحدث أن يُحرَج الواقع بنفسه، حين يُفاجَأ أن من ظنّهم موتى، قد كتب الله لهم الحياة مرة أخرى، فبعثوا من تحت الأنقاض إرادةً لا تُقهر، وارتفعوا من أرض الجغرافيا إلى ذروة التاريخ.
غزة في هذه اللحظة ليست “كيانًا مقاومًا” فحسب، بل “حُجّة ربانية” على من تبلدت بصيرتهم، هي الكفّ المجرّدة التي تفضح وهم القبضة الحديدية، واليقين الطفولي الذي يُبطل سحر الاستراتيجية المتعجرفة.
هي التساؤل المُرعب: وماذا لو انتصرت الفكرة رغم اختلال الموازين؟ بل ماذا لو كان اختلال الموازين هو شرطُ انتصارها؟ هي لحظة كشفٍ حاسمة، تُعيد تعريف المصطلحات: فـ”الفاعلية” ليست ما تنتجه القوة، بل ما تصنعه العبودية لله حين تشتد، و”الواقعية” ليست ما تفرضه التوازنات الدولية، بل ما يثبّته الصدق في الميدان.
في غزة، تنكشف حقيقة العالم: أين يقف، وماذا يخشى، وماذا يعني أن تكون مُحاصرًا لا تُقهَر، في غزة، يتجلّى قول الله: ﴿كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ فاللحظة التي يتجلّى فيها صدق العقيدة، تَنفُذ إلى التاريخ أكثر من ألف مؤتمرٍ صحفي.
••
غزة و إعادة التعريف.
ما الذي يحدث حين تعلن المستضعفة أن لا مكانَ لها في جدول المقاييس المجرّدة، وأنّ الحسابات التي تتغافل عن (معادلة العقيدة) ناقصة، بل مضلِّلة؟
يحدث أن تنفجر الطاقة المكبوتة في رحم الحصار، وتخترق جدران التحليل الصلد؛ لا بوصفها ردّ فعل سياسيٍّ هش، بل بوصفها لحظة قهرٍ تاريخيّ يَستدعي سُنن الإحياء من بعد الموات، يحدث أن يُحرَج الواقع بنفسه، حين يُفاجَأ أن من ظنّهم موتى، قد كتب الله لهم الحياة مرة أخرى، فبعثوا من تحت الأنقاض إرادةً لا تُقهر، وارتفعوا من أرض الجغرافيا إلى ذروة التاريخ.
غزة في هذه اللحظة ليست “كيانًا مقاومًا” فحسب، بل “حُجّة ربانية” على من تبلدت بصيرتهم، هي الكفّ المجرّدة التي تفضح وهم القبضة الحديدية، واليقين الطفولي الذي يُبطل سحر الاستراتيجية المتعجرفة.
هي التساؤل المُرعب: وماذا لو انتصرت الفكرة رغم اختلال الموازين؟ بل ماذا لو كان اختلال الموازين هو شرطُ انتصارها؟ هي لحظة كشفٍ حاسمة، تُعيد تعريف المصطلحات: فـ”الفاعلية” ليست ما تنتجه القوة، بل ما تصنعه العبودية لله حين تشتد، و”الواقعية” ليست ما تفرضه التوازنات الدولية، بل ما يثبّته الصدق في الميدان.
في غزة، تنكشف حقيقة العالم: أين يقف، وماذا يخشى، وماذا يعني أن تكون مُحاصرًا لا تُقهَر، في غزة، يتجلّى قول الله: ﴿كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ فاللحظة التي يتجلّى فيها صدق العقيدة، تَنفُذ إلى التاريخ أكثر من ألف مؤتمرٍ صحفي.
••
••
•| نحت الوعي المعاصر |•
في طريق عودتي الليلة، والمدينة تتنفس زحامها الشديدة كصدرٍ مكدود، اختلطتْ الوجوه واللغات، وتمازجت اللهجات، حتى غدت الأرصفة لوحةً فوضوية بريشة العولمة، ركبتُ التاكسي كمن يلجأ إلى ظلّ من ضجيج، فإذا بالمذياع يهمس بصوتٍ مخمليٍّ يسترخي على أذنيّ، لا ليفيدني بخبر، بل ليختطفني بنبرة، هناك في المقعد الخلفي، كنت أسمع بعينيّ تلك الحروف تندلق على قلبي لا من فم المذيع، بل من مرجلٍ خفيٍّ خلف الأثير، يُعيد تشكيل الذائقة بهدوء، ويهندس الانفعال بحنكة، ويَسحب النفس برفقٍ مريب إلى مساراتٍ لم تخترها.
في هذا العصر الذي أُشربت فيه العقول فتنة الصورة، وتسللت إلى الروح غواية الضوء والصوت، لم تَعُد الشاشة مجرّد نافذة، بل غدت أداة نَحتٍ للوعي، تُشكّل الإنسان على نحوٍ خفيٍّ، ناعمٍ، ونافذٍ في آنٍ معًا، ما الذي يحدث حين تُفتَح الشاشة؟ يُغدَق عليك زخم بصريّ كثيف: ألوانٌ دافئة، تصاميم تسرّ الناظر، انتقالات مدروسة، وجوهٌ تبتسم بلغة تسويقية صامتة. حتى حين يُغلَق البصر، ويُدار المذياع، تنهمر عليك طبقات صوتية منتقاة: طبقة فرائحية لإشعارك بالحياة، وأخرى مخملية لتُغريك بالاسترسال، وثالثة صارمة تُوحي بالثقة والهيبة، كل هذه أدوات جذب مدروسة بعناية نفسية، الغاية منها: كسر الحذر الفطري، وإخضاعك للإنصات قبل أن تفكر.
تتحوّل الشاشة من نافذة إلى مصهر، ومن وسيلة إلى مِعول يعيد تشكيل الإنسان ذاته: كيف يرى، ماذا يستحسن، أين يضع قلقه، وما معيار القُرب والبعد لديه، وحين يتكرّر التعرّض، تنسحب السلطة من العقل إلى العين، ومن التأمّل إلى الانفعال، ويغدو الإنسان أسيرًا لما أُريد له أن يعشقه، لا لما اختاره بحرّيته.
كما تؤكده دراسات الإعلام المعاصر، وخصوصًا في أطروحات الفيلسوف جان بودريار في “Simulacra and Simulation”، حيث يرى أن الإعلام لا يَنقل الواقع، بل يُعيد تشكيله وصناعته رمزيًا وبصريًا، مُنتجًا ما يُعرف بـ”الواقع الزائف” (Hyperreality) ومع كل مشهدٍ ساحر، وكل تعليقٍ معلّب، تتراجع قدرة الإنسان على أن يسائل، ليتقدّم بدلًا عنها: الإعجاب، ثم التقليد، ثم الامتثال الصامت.
وحين يُفرَغ الإنسان من محتواه الداخلي، يصبح قابلاً للحشو؛ وهنا تتجلّى خطورة الإعلام كـ”مُهندس معنويّ”، لا يعبث بالخبر فقط، بل يعبث بالمعنى ذاته: بـ”نورانية الحياة”، و”وجهتها”، و”محورها” وإذا لم يتحوّط الإنسان، ويُجدد صلته بالوحي كمرجعية كبرى فوق السرديات الإعلامية، فإنه سيغدو نسخةً صوتية بصريّة مما أرادوه له أن يكون: كائنًا رخوًا، يتبع الوميض، ويستهلك ما يُعرض، ثم يتشكّل دون أن يشعر. قال تعالى: ﴿فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ [فصلت: 17]، وفي عصر الشاشة، هذا العمى قد لا يكون فقدانًا للبصر، بل انبهارًا به!
••
•| نحت الوعي المعاصر |•
في طريق عودتي الليلة، والمدينة تتنفس زحامها الشديدة كصدرٍ مكدود، اختلطتْ الوجوه واللغات، وتمازجت اللهجات، حتى غدت الأرصفة لوحةً فوضوية بريشة العولمة، ركبتُ التاكسي كمن يلجأ إلى ظلّ من ضجيج، فإذا بالمذياع يهمس بصوتٍ مخمليٍّ يسترخي على أذنيّ، لا ليفيدني بخبر، بل ليختطفني بنبرة، هناك في المقعد الخلفي، كنت أسمع بعينيّ تلك الحروف تندلق على قلبي لا من فم المذيع، بل من مرجلٍ خفيٍّ خلف الأثير، يُعيد تشكيل الذائقة بهدوء، ويهندس الانفعال بحنكة، ويَسحب النفس برفقٍ مريب إلى مساراتٍ لم تخترها.
في هذا العصر الذي أُشربت فيه العقول فتنة الصورة، وتسللت إلى الروح غواية الضوء والصوت، لم تَعُد الشاشة مجرّد نافذة، بل غدت أداة نَحتٍ للوعي، تُشكّل الإنسان على نحوٍ خفيٍّ، ناعمٍ، ونافذٍ في آنٍ معًا، ما الذي يحدث حين تُفتَح الشاشة؟ يُغدَق عليك زخم بصريّ كثيف: ألوانٌ دافئة، تصاميم تسرّ الناظر، انتقالات مدروسة، وجوهٌ تبتسم بلغة تسويقية صامتة. حتى حين يُغلَق البصر، ويُدار المذياع، تنهمر عليك طبقات صوتية منتقاة: طبقة فرائحية لإشعارك بالحياة، وأخرى مخملية لتُغريك بالاسترسال، وثالثة صارمة تُوحي بالثقة والهيبة، كل هذه أدوات جذب مدروسة بعناية نفسية، الغاية منها: كسر الحذر الفطري، وإخضاعك للإنصات قبل أن تفكر.
تتحوّل الشاشة من نافذة إلى مصهر، ومن وسيلة إلى مِعول يعيد تشكيل الإنسان ذاته: كيف يرى، ماذا يستحسن، أين يضع قلقه، وما معيار القُرب والبعد لديه، وحين يتكرّر التعرّض، تنسحب السلطة من العقل إلى العين، ومن التأمّل إلى الانفعال، ويغدو الإنسان أسيرًا لما أُريد له أن يعشقه، لا لما اختاره بحرّيته.
كما تؤكده دراسات الإعلام المعاصر، وخصوصًا في أطروحات الفيلسوف جان بودريار في “Simulacra and Simulation”، حيث يرى أن الإعلام لا يَنقل الواقع، بل يُعيد تشكيله وصناعته رمزيًا وبصريًا، مُنتجًا ما يُعرف بـ”الواقع الزائف” (Hyperreality) ومع كل مشهدٍ ساحر، وكل تعليقٍ معلّب، تتراجع قدرة الإنسان على أن يسائل، ليتقدّم بدلًا عنها: الإعجاب، ثم التقليد، ثم الامتثال الصامت.
وحين يُفرَغ الإنسان من محتواه الداخلي، يصبح قابلاً للحشو؛ وهنا تتجلّى خطورة الإعلام كـ”مُهندس معنويّ”، لا يعبث بالخبر فقط، بل يعبث بالمعنى ذاته: بـ”نورانية الحياة”، و”وجهتها”، و”محورها” وإذا لم يتحوّط الإنسان، ويُجدد صلته بالوحي كمرجعية كبرى فوق السرديات الإعلامية، فإنه سيغدو نسخةً صوتية بصريّة مما أرادوه له أن يكون: كائنًا رخوًا، يتبع الوميض، ويستهلك ما يُعرض، ثم يتشكّل دون أن يشعر. قال تعالى: ﴿فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ [فصلت: 17]، وفي عصر الشاشة، هذا العمى قد لا يكون فقدانًا للبصر، بل انبهارًا به!
••
••
|• ردّ الاعتبار •|
إذا علّقت قلبك بالآخرة، أدركت أن الجنة ليست مأوى الخالدين فحسب، بل مقامُ الإنصاف المؤجَّل، وعرشُ الكرامة المستردَّة، حيث تُجبر كسورُك الخفية، وتُروى ظمأاتُك القديمة، ستُردّ لك الجنةُ اعتبارك عن تلك المرارات التي تجرّعتها في صمت، عن نظراتٍ كظمتَها أدبًا، وأحزانٍ كفنتها في صدرك، عن اللحظات التي كنتَ فيها يوسفَ الصبر، وأيوبَ الاحتمال، وموسى الغريب في قصر لا يُشبهه.
الجنةُ ستجبرُ فيك انحناءةَ الروح التي شاخت قبل أوانها، وتُعيد لوجدانك نضارته التي سرقها الألم، وتَغسل عنك غبار السنين التي مضت وأنت تقاتل بصمتٍ لا يسمعه إلا الله.
••
|• ردّ الاعتبار •|
إذا علّقت قلبك بالآخرة، أدركت أن الجنة ليست مأوى الخالدين فحسب، بل مقامُ الإنصاف المؤجَّل، وعرشُ الكرامة المستردَّة، حيث تُجبر كسورُك الخفية، وتُروى ظمأاتُك القديمة، ستُردّ لك الجنةُ اعتبارك عن تلك المرارات التي تجرّعتها في صمت، عن نظراتٍ كظمتَها أدبًا، وأحزانٍ كفنتها في صدرك، عن اللحظات التي كنتَ فيها يوسفَ الصبر، وأيوبَ الاحتمال، وموسى الغريب في قصر لا يُشبهه.
الجنةُ ستجبرُ فيك انحناءةَ الروح التي شاخت قبل أوانها، وتُعيد لوجدانك نضارته التي سرقها الألم، وتَغسل عنك غبار السنين التي مضت وأنت تقاتل بصمتٍ لا يسمعه إلا الله.
••
••
|• خيانة الخلوة |•
في مضمار التربية الإيمانية، ثمّة ابتلاء لا يراه الناس، ولا يُدوَّن في دفتر الجرائم المرئية، ولكنه أخطر مسارات الانهيار الباطني: ذنوب الخلوات، تلك اللحظات التي يختلي فيها المرء بمعصيته بعيدًا عن أعين الخلق، لكنها لا تغيب عن عين “الرقيب”.
إن تكرار الذنب في الخفاء يُنتج ما يُسميه أهل السلوك: سُكر الغفلة؛ حيث تفقد الروح توازنها، ويضعف استنكار القلب، وتبدأ هندسة المبررات في تشييد منطقٍ يُجمّل القبيح ويُؤطّر الزلل كـ”نزوة عابرة”، وهذا الانزلاق الخفي لا يطفئ نور الطاعة فقط، بل يفرّغها من مضمونها، فتصير الصلاة عادةً، والذكر تكرارًا آليًا، والقرآن صوتًا لا يتجاوز الحنجرة.
والمعضلة أن ذنوب الخلوة لا تُعاقَب على الفور، بل يُؤجَّل العقاب في سلسلةٍ من “النزع الهادئ”، حيث تُسلَب لذة المناجاة، ويذبل الحياء من الله، ويتيبّس الخوف، حتى إذا أدمن العبد معصيته في الخفاء، خُتم على قلبه بختم لا يُرى، وابتُلي بـالحرمان الصامت.
في ظاهر الأمر، العبد على حاله، يصلي كما كان، يصوم كما اعتاد، يبتسم كما يُحبّ الناس، لكن في باطنه: تهشّمت مهابة الذنب، وذبلت حرارة الخشية، وذابت صلة السرّ بالله، فما كان سقوطه في لحظة، بل كان نخرًا بطيئًا بدأ يوم استرخص نظر الله، وغلّب لذته على مراقبة “الذي يعلم السر وأخفى”.
ولأجل هذا، كانت وصية النبي ﷺ الصادقة المزلزِلة: “لأعلمنّ أقوامًا من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء، فيجعلها الله هباءً منثورًا… إنهم إذا خَلَوا بمحارم الله انتهكوها”.
فمن رام أن يُبعث بقلبٍ سليم، فليستصحب مراقبة “الذي يراك حين تقوم”، وليجعل بينه وبين الذنب سترًا من الحياء، لا من الناس، بل من رب الناس.
••
|• خيانة الخلوة |•
في مضمار التربية الإيمانية، ثمّة ابتلاء لا يراه الناس، ولا يُدوَّن في دفتر الجرائم المرئية، ولكنه أخطر مسارات الانهيار الباطني: ذنوب الخلوات، تلك اللحظات التي يختلي فيها المرء بمعصيته بعيدًا عن أعين الخلق، لكنها لا تغيب عن عين “الرقيب”.
إن تكرار الذنب في الخفاء يُنتج ما يُسميه أهل السلوك: سُكر الغفلة؛ حيث تفقد الروح توازنها، ويضعف استنكار القلب، وتبدأ هندسة المبررات في تشييد منطقٍ يُجمّل القبيح ويُؤطّر الزلل كـ”نزوة عابرة”، وهذا الانزلاق الخفي لا يطفئ نور الطاعة فقط، بل يفرّغها من مضمونها، فتصير الصلاة عادةً، والذكر تكرارًا آليًا، والقرآن صوتًا لا يتجاوز الحنجرة.
والمعضلة أن ذنوب الخلوة لا تُعاقَب على الفور، بل يُؤجَّل العقاب في سلسلةٍ من “النزع الهادئ”، حيث تُسلَب لذة المناجاة، ويذبل الحياء من الله، ويتيبّس الخوف، حتى إذا أدمن العبد معصيته في الخفاء، خُتم على قلبه بختم لا يُرى، وابتُلي بـالحرمان الصامت.
في ظاهر الأمر، العبد على حاله، يصلي كما كان، يصوم كما اعتاد، يبتسم كما يُحبّ الناس، لكن في باطنه: تهشّمت مهابة الذنب، وذبلت حرارة الخشية، وذابت صلة السرّ بالله، فما كان سقوطه في لحظة، بل كان نخرًا بطيئًا بدأ يوم استرخص نظر الله، وغلّب لذته على مراقبة “الذي يعلم السر وأخفى”.
ولأجل هذا، كانت وصية النبي ﷺ الصادقة المزلزِلة: “لأعلمنّ أقوامًا من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء، فيجعلها الله هباءً منثورًا… إنهم إذا خَلَوا بمحارم الله انتهكوها”.
فمن رام أن يُبعث بقلبٍ سليم، فليستصحب مراقبة “الذي يراك حين تقوم”، وليجعل بينه وبين الذنب سترًا من الحياء، لا من الناس، بل من رب الناس.
••
••
في دهاليز هذه الحياة، لا يُوزَن المسير بكثرة التحرك ولا يُقاس بالضجيج، بل يُوزن بوجهة القلب: إلى من يتوجه؟ وبماذا يتزود؟ فالغاية التي يُربّي عليها القرآن هي غاية النجاة بتحقيق العبودية، لا التماس الظهور في مشهد الاصطفاف البشري ولا تسلّق سلالم المجد الزائف، وإنما النجاة كل النجاة، أن يُكرمك الله بانكسارٍ دائم له، واستقامة باطنة، ومقام خفيّ بين يديه لا يعلمه إلا هو.
فإن امتدّ لأحدهم الأثر، ورُزق الرسوخ في ضمير الأمة، فذاك اصطفاء ربانيّ، لا يُنال بكدّ الفكر وحده، بل بصدق الانطراح على أعتاب الله، في سرٍّ لا يشهده إلا علام الغيوب، فالمسألة – كما يعبّر أهل السير – ليست مسألة مآثر تُشيَّد، بل منازل تُقطع، ومن نزل في مقام العبودية، بلّغه الله من الفضل ما لم يخطر له على بال.
••
في دهاليز هذه الحياة، لا يُوزَن المسير بكثرة التحرك ولا يُقاس بالضجيج، بل يُوزن بوجهة القلب: إلى من يتوجه؟ وبماذا يتزود؟ فالغاية التي يُربّي عليها القرآن هي غاية النجاة بتحقيق العبودية، لا التماس الظهور في مشهد الاصطفاف البشري ولا تسلّق سلالم المجد الزائف، وإنما النجاة كل النجاة، أن يُكرمك الله بانكسارٍ دائم له، واستقامة باطنة، ومقام خفيّ بين يديه لا يعلمه إلا هو.
فإن امتدّ لأحدهم الأثر، ورُزق الرسوخ في ضمير الأمة، فذاك اصطفاء ربانيّ، لا يُنال بكدّ الفكر وحده، بل بصدق الانطراح على أعتاب الله، في سرٍّ لا يشهده إلا علام الغيوب، فالمسألة – كما يعبّر أهل السير – ليست مسألة مآثر تُشيَّد، بل منازل تُقطع، ومن نزل في مقام العبودية، بلّغه الله من الفضل ما لم يخطر له على بال.
••
Forwarded from جوامع الكَلِم
ها قد حططنا رِحالنا في آخر المحطات، نستمطر من الدعاء معانٍ تُغاثُ بها القلوب المنهكة، وتُزهِر بها الأرواح الشاحبة..
نلتقيكم أصدقاءنا الكِرام في آخر لقاءاتنا مع الأستاذ توّاق بعنوان: «عرفة | بين جفاف الروح وغيث الدعاء..»
غدًا الأربعاء في تمام الـ 09:00 مساءً إن شاء الله بتوقيت مكة المكرمة.
كونوا على الموعد..🍃🤍
نلتقيكم أصدقاءنا الكِرام في آخر لقاءاتنا مع الأستاذ توّاق بعنوان: «عرفة | بين جفاف الروح وغيث الدعاء..»
غدًا الأربعاء في تمام الـ 09:00 مساءً إن شاء الله بتوقيت مكة المكرمة.
كونوا على الموعد..🍃🤍