Telegram Web Link
••
إن كنت تجود بمالك فقط ليُشار إليك بالبنان، فليس في يدك إلا عطاء اسمه الرياء؛ وإن كنت تُحسن للناس لِتُثقلهم بالمنّ والأذى، فليس لخيرك إلا اسم النفاق؛ وإن كنت تتصدق ليُقال كريمً، فأنت فقير أمام نفسك مهما امتلأت خزائنك؛ أما إن كنت تُنفق في خفاء، وتُعين في صمت، وتمنح بسخاء دون انتظار ثناء، ففي قلبك العطاء الذي اسمه الإخلاص.
••
••
القرآن هنا يُسمّيه ربّنا “نبأ عظيم”، وهو وصف يهزّ الفؤاد ويستوقف البصيرة، إذ النبأ العظيم لا يُشبهه خبر، ولا يبلغه صوت، ولا تدانيه حقيقة.

لكن المفارقة الموجعة، والمشهد الذي يدمى له القلب، أن هذا النبأ العظيم يُتلى ويُدعى إليه، و “أنتم عنه معرضون”. وهي صورة من صور الغفلة البشرية المتكررة؛ حيث تُعرض النفوس عن أعظم ما يُحيا لأجله، وأجلّ ما تُطلب به النجاة.

في هذه الآية يضعك القرآن أمام حقيقتين عظيمتين:

1. عظمة النبأ: كلام الله الذي يحوي نور الهداية، وجواب الأسئلة الكبرى، ومنهج النجاة، و يُملّك مفتاح الفلاح الأبدي.
2. إعراض البشر: ذلك الإعراض الذي يأتي إما بالإنكار، أو بالتغافل، أو بانشغال النفس بزخارف الدنيا حتى تُلهيها عن أعظم رسالة ينادى بها.
••
••
“اللحظة الحاسمة” لا تُولد من ترف الأفكار أو خمول الأماني، بل تُنتزع من بين أنياب الشدائد حين يشحذ الإصرار إرادته، وفي العادة تنبثق كشرارةٍ من رماد التعب، حين يُسكب الجهد صادقًا على نار الطموح، وتُضرب الأرض بمعاول الإرادة حتى تتصدّع وتُثمر.
••
••
كلما وجدت في نفسك ميلاً للرفق والتسامح مع من يهونون من شأن الأحكام الشرعية، ويرفعون راية الخلاف لتبرير المنكرات، فتذكر هذه الحقيقة الجليلة التي أبانها الله في كتابه: {هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}. والدين أعظم من أن يُرَقَّع على هوى أحد.
••
••
تظل قلوب الآخرين مسرحاً لتوقعاتنا، بينما تظل قلوبنا ميداناً لأحكامهم، وبين هذين الطرفين تتأرجح كفّة العلاقات، تارة ترفعها الثقة، وتارة تهوي بها الظنون.
••
نقل الإمام البهوتي في شرح منتهى الإرادات(١/٥٦٧) عن ابن عقيل الحنبلي وكانَ من أشهر أئمّة الحنابلة رحمهم الله جميعاً أنّهُ قال:

‏"سألني سائل: أيّما أفضل، حجرة النبي صلّى الله عليه وسلّم أو الكعبة؛ فقلت: إن أردتَ مُجرّد الحجرة فالكعبة أفضل، وإن أردتَ الحجرة ورسول الله فيها، فلا والله، لا العرش وحَمَلَتُه، ولا جنّة عَدَن، ولا الأفلاك الدائرة؛ لأنَّ بالحجرة جسداً لو وُزِنَ بالكَونين لرَجح"

قال القاضي عياض في كتابه الشفا (ولا خلاف أن موضع قبره صلى الله عليه وسلم أفضل بقاع الأرض) .

جِـوَارُكَ فِي جِنَانِ الخُلْدِ حُلمٌ
‏وَلَم أَحلُمْ بِأَعظَمَ مِنْ جِوَارِك

‏وَمَـا غَـيرُ الصَّلاةِ لِنَيْلِ حُـلمِي
‏فَـصَلِّ عَـلَيـهِ يَـا رَبِّـي... وَبَارِك
••
السير مع التيار يغري النفس بالسكينة المؤقتة، لكنه يخفي اختبار الثبات خلف ستار الخمول، والنفوس تنساب غالبًا مع حركة السيل؛ إذ يبدو لهم أنه موطن الأمان والقبول الاجتماعي.

ولكن السباحة عكس التيار ليست مجرد فعل شاق أو مجازفة، بل هي الميدان الذي تُختبر فيه النوايا وتُمحص فيه المبادئ، والأمر يتطلب بصيرة في الاتجاه الحق؛ لأن الموج الهادر لا يرحم من فقد دليله، والموفق من يعرف وجهته، فلا تُغريه الراحة، ولا تُغويه المغامرة.
••
••
برزخ الحق

إن مخاطبة الناس بالحسنى للوصول بهم إلى ما تعتقده من الحق هو منهج مأمور به، فالرفق سبيلٌ مأذون بالطاعة ومع ذلك، فإن من طبيعة الحق أن يُحدث تمايزًا ويثير خلافًا، وعلى المرء أن يدرك أن الحق ليس دائمًا موضع إجماع، والحق بطبيعته يُحدث الفرقة، لا تجتمع أمواجه مع مستنقعات الباطل في سلام.

بل هو مفرق للآراء، باعث للخلاف، والقرآن من أسمائه «الفرقان»، وقد كان نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم سببًا لتفريق الأواصر العائلية في قريش، فهذه سيما الحق، فلا تُغَرِّنَّك محاولات الجمع القسري بين الحق والباطل، ودمج الضلال بالهدى، فالاشتغال بمحاولة الجمع بين المتناقضات يُنهك صاحبه، وهو خداع للنفس قبل أن يكون زينة للآخرين، ولن يلبث أن يخيب سعيه ويتبدد جهده، وليس من الحكمة أن يسكت صاحب الحق اتقاءً للشقاق، بل الفقه في التعامل مع الناس هو أن تبلغهم الحق وإن كانوا لم يألفوه، فتخرجهم من ظلمات العادات وأسر الأفكار الموروثة إلى نور الوحي، فإن لم تكن على حق، بان لك ما خفي عنك.

﴿وَما تَفَرَّقوا إِلّا مِن بَعدِ ما جاءَهُمُ العِلمُ بَغيًا بَينَهُم وَلَولا كَلِمَةٌ سَبَقَت مِن رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَينَهُم وَإِنَّ الَّذينَ أورِثُوا الكِتابَ مِن بَعدِهِم لَفي شَكٍّ مِنهُ مُريبٍ﴾ [الشورى: ١٤]

﴿وَما تَفَرَّقَ الَّذينَ أوتُوا الكِتابَ إِلّا مِن بَعدِ ما جاءَتهُمُ البَيِّنَةُ﴾ [البينة: ٤]

وقد كان سفيان الثوري -رحمه الله- مثالًا لهذا النهج : "كان إذا دخل البصرة حدّث بفضائل علي، وإذا دخل الكوفة حدّث بفضائل عثمان"، يُداوي كل موضع بما يناسبه. وهو الذي أوصى بقوله: "واعلم أنه من طلب الخير صار غريبًا في زمانه، ولا تستوحش، واستقم على سبيل ربك، فإنك إن فعلت ذلك، كان مولاك الله تعالى وجبريل وصالحي المؤمنين".
••
••
مدونة شيخنا د. سليمان العبودي
حروفٌ تنبضُ بعلمٍ يروي العقول، ورواء ينعش الأرواح، ورافد يثري الفكر، ومنهل يعانقُ جمال الأدب.

https://al-aboudiblog.com/
••
••
لو أنَّ كلَّ امرئٍ عكف على زوايا حاله، وأجهد فكره في إصلاح شأنه، وجمع شعث قلبه على ما يعنيه، وأعطى نصيبه من الصبر والتأمل لأوداج حياته، وأعرض عن فضول القول، وأمسك لسانه عن متعجّل الرأي؛ لأُغلِق باب التنازع، وانقشعت سحابة الظنّ القاتم، ولما نشأ في الأرض شرّ يتغذّى على زلل العقول وسوء المقاصد، ولهدأت زوابع الاختلاف.

ثم أراح نفسه والناس من ثقل التعميم وسوء التقدير. فإن النفوس إذا قنعت بما في أيديها، وتفرغت لحقائقها، واستقامت على واجبها، وعكفت على إصلاح أعطابها، اندفعت إلى نور اليقين، وأثمرت فيها مكامن الصدق والطمأنينة، وصار القلب رحبًا لا تُثقله حزازات الظنون، ولا تُكدره شائبة الهوى.
••
••
أذكار الصباح

ما أصفى الصباح حين يبدأ بنبض الذكر، وما أنقى اللحظات حين تُخضّبها كلمات التسبيح والحمد، فأذكار الصباح ليست مجرد كلمات تُنسَج على أطراف الشفاه، بل هي نداء الروح إلى بارئها، ومواثيق خفية تتعاهد بها النفس على السير في دروب الطاعة.

هذه الأذكار تسترد بها الأرواح توازنها بعد ليلٍ من الهواجس والأفكار المرهقة.

وأيّ ملاذ يُضاهي أمان من جعل ذكره حصنه، فاستعاذ بالله، واستودع يومه عند الحي القيوم؟ هذه الأذكار، هي سياج يومكِ من همّ يتسلل، وهي النور الذي يسبق خطواتك، فلا تتعثّر في شقوق الشيطان.

و هي ليست طقوسًا مكرورة، بل هي نبعٌ متجدد، يسقي قلبك من الطمأنينة بمقدار صدقك في الانصهار بين المعنى والمبنى.
••
••
﴿إِنَّ اللَّهَ بِالنّاسِ لَرَءوفٌ رَحيمٌ﴾ [البقرة: ١٤٣]

ومن لطف الله أن يمنحك الإحساس برحمته، فالرحمة ليست في وجودها فقط، بل في استيعابك لها، وشعورك بأنها تحيط بك حيثما كنت، وكم من نفسٍ غمرتها عناية الله، لكنها لم تُدركها، وكم من قلبٍ نبض بلطفه، لكنه لم يشعر بدفئه.

يالله ما أجمله من شعور أن تحيا وأنت تستشعر أن الله أقرب إليك من نفسك، وأن رحمته تسبق همومك وتحتضن آمالك وتداوي آلامك، هذا هو النعيم الحقيقي، وهو الزاد الذي يقيم النفس على أقدام الصبر في طريق الحياة.
••
••
#كتاب_الأسبوع
🖋سليمان بن عبد الله الماجد
📖منهجيَّة التعامُل مع المخالفين - نظراتٌ في فِقه الائتلاف.

الاختلاف بين البشر، ذلك السِّفر الممتد منذ أن أرسى الله الخليقة على وجه البسيطة، وهو سُنّة كونية أرادها الله لحكمة بالغة، تنعكس في الأجناس والطِّباع والرؤى.

فقه الخلاف: فريضة وضرورة
يشير الكاتب إلى أن تحقيق فقه الخلاف كما أراده الله هو مفتاح لبناء النفوس وإصلاح المجتمعات، إذ به تتحقق العبودية الحقّة، ويتحرر العقل من ربقة التقليد.

قواعد عمل القلب
يبدأ المؤلف بإرجاع معظم الخلافات المذمومة إلى القلوب المريضة، ثم يسرد خمس قواعد لمعالجة هذه الآفة:
1. صدق الالتجاء إلى الله طلبًا للهداية.
2. قصد الانتفاع من المخالف بالتعلم.
3. الحرص على هداية المخالف ونشر العلم.
4. التجرّد من الهوى كشرط للحكم العادل.
5. تحقيق الخوف من الله الذي ينير البصيرة ويصون العدل.

قواعد العلم واليقين
يتحدث المؤلف عن أهمية المعرفة الرصينة عند التعامل مع المخالف، ويضع ثلاث قواعد أساسية:
1. تحقيق المسائل العلمية بدقة وفق خطوات منهجية.
2. نبذ التقليد في الأحكام لضمان الإنصاف.
3. التثبّت والتبيّن لتجنب الظلم والخطأ.

قواعد العدل والإنصاف
يرى الكاتب أن العدل هو الميزان الذي تُفهم به الكلمات ويُفهَّم به المخالف، ويضع ست قواعد لتحقيق العدل:
1. حمل كلام المخالف على أحسن وجه.
2. تجنّب البغي والفجور في الخصومة.
3. عدم المساواة بين المخالفين دون تمييز.
4. مقارنة الأخطاء بعدالة.
5. موازنة الحسنات والسيئات.
6. تجنّب التصنيف المُسبق للمخالف.

السياسة الشرعية في التعامل مع المخالفين
ومقصدها مراعاة المصلحة العامة وتزن الأمور بميزان دقيق، ومن أبرز قواعدها:
1. الموازنة بين المصالح والمفاسد.
2. التفرقة بين القول المخالف وصاحبه.
3. التعاون مع المخالف على البر والتقوى.
4. الحفاظ على السكينة الاجتماعية.

الأخلاق في التعامل مع المخالف
في مضيق الخلاف ومعترك الخصومات، يكمن اختبار الأخلاق، ثم يضع المؤلف هنا سبع قواعد:
1. صفاء القلب تجاه المخالف.
2. أداء الحقوق للمخالف.
3. الامتناع عن الدعاء بهلاك المسلم.
4. الصبر على أذى المخالف.
5. المعاملة بالرحمة والرّفق.
6. نصرة المخالف إذا بُغي عليه.
7. احترام أسماء المخالف.
••
Please open Telegram to view this post
VIEW IN TELEGRAM
••
في غربة هذه الدار، حيث تئن الروح تحت أشواك الوحشة وهجير الكدح، يرسل الله لعباده أنوارًا تمشي على الأرض، أرواحًا تنساب من حضورها السكينة، ومن قربها الطمأنينة، أولئك البشر الذين جعلهم الله مفاتيح للقلوب، يُخفف بهم العناء، ويُهدى بهم التائه.

ومن أوتي منهم صاحبًا، فكأنما أوتي واحة في صحراء قلبه، أو ظلاً في نهج حياته، فليُحسن الصحبة، وليصن ودّه، وليُمسكه بقلبه قبل كفّه، فإنهم ذخائر العمر، ومنن لا تُعوّض.
••
قناة | توّاق
•• في غربة هذه الدار، حيث تئن الروح تحت أشواك الوحشة وهجير الكدح، يرسل الله لعباده أنوارًا تمشي على الأرض، أرواحًا تنساب من حضورها السكينة، ومن قربها الطمأنينة، أولئك البشر الذين جعلهم الله مفاتيح للقلوب، يُخفف بهم العناء، ويُهدى بهم التائه. ومن أوتي منهم…
••
ولولا خشيتُ إملال القارئ، أو أن يتعاظم الحياء على المذكور، لنسجت من حروف الفخر قائمةً تطول، أعدّد فيها من زانت حياتي بصحبتهم، وازدهرت أيامي بقربهم، إذ هم زينة المجالس، ورحيق الزمان، وملاذ الروح في نوائب الأيام.

اللهم اجزِ عني أحبتي خير الجزاء، وبارك لهم في أعمارهم وأعمالهم، واجعلهم نورًا لمن حولهم، وذخرًا في الدنيا والآخرة، وأدم بيننا الودّ والوفاء، يا واسع الفضل والعطاء.
••
"واعلم أنه ليس من علم تذكره عند غير أهله إلا عابوه، ونصبوا له ونقضوه عليك، وحرصوا على أن يجعلوه جهلا، حتّى إنّ كثيرا من اللّهو واللّعب الّذي هو أخفّ الأشياء على النّاس ليحضره من لا يعرفه فيثقل عليه ويغتمّ به".

- ابن المقفّع -
أصدقاء منصت 💚

استعدادا لشهر رمضان المبارك نطلق الختمة الصوتية الرابعة للقرآن لشهري الزرع والسقيا (رجب وشعبان) 📖🎧

انضم معنا وشارك من تحب.

قناة الختمة : https://www.tg-me.com/monsit3

.
2025/07/08 07:29:00
Back to Top
HTML Embed Code: