Telegram Web Link
Forwarded from مدونة خطّاب
صلوات النهار : الظهر والعصر والضحى : سرية؛ لأن السعي في النهار والعمل والاختلاط بالناس يناسبه أن يهدأ المرء ويسكن ويناجي ربه بمفرده في سره .. وصلوات الليل : المغرب والعشاء والفجر وقيام الليل : جهرية؛ لأن النفوس تهدأ في الليل والطباع ترق فتصبح مستعدة لاستقبال ما يُلقى عليها والتأثر به .. وكلما زاد السكون قبل الصلاة، كلما سُنَّ أن تطول القراءة لاستعداد النفس لها .. العشاء أطول من المغرب والفجر أطول من العشاء ..

وقد يكون من أسباب عدم خشوعنا في الصلاة اختلال نظام النوم، فسكون الصلوات السرية مع سكوننا في النهار المفتقر للتنشيط لا للسكون = يؤدي إلى عدم الخشوع، وكذلك الجهر في الليل مع انشغال أذهاننا فيه .. وبمفهوم المخالفة : ضبط نظام النوم يؤدي إلى الخشوع في الصلاة
••
|• معاقل الوحي |•

كنتُ أقلب نظري في مشهد هذا الزمن المتسارع، وأتأمل ذاتي في خلوة السكون، فجرى على خاطري سؤالٌ قديمٌ جديد: كيف تُبنى الأمم؟ سؤالٌ ما أزال أعود إليه كلما اختلطت عليّ الأصوات، واضطربت المعايير.

فوجدتني أُحدث نفسي: إنّ كل أمة لا تُبنى على مشاريعها الظاهرة ولا على موازناتها الصاخبة، بل على ما تُغرس في وجدان ناشئتها من المعاني الأولى، والمفاهيم المؤسسة، والموازين الفطرية.

فإن غُرست فيهم لغة السوق، تشكّلت نفوسهم على مقادير الأرباح والخسائر، وإن سُقوا الترفيه، ترسّخت فيهم هشاشةُ اللهو، وإن نُفث في أرواحهم من الوحي، استقامت الوجهة، وتعلّقت القلوب بالسماء، وصار للقرآن في حياتهم مقام المرجع والبوصلة.

ثم نظرتُ إلى طوفان المشاريع الإعلامية، وحراك المبادرات الجماهيرية، فإذا هي تُدهش العين في لحظتها، ثم لا تلبث بعضها أن تخفت وتغيب، أما الذي يمكث، فهو ذاك العمل البعيد عن الأضواء، البعيد عن لافتات التسويق، القريب من أصل الإنسان.

هو ذاك المجلس القرآني الصغير في مسجدٍ هادئ، حيث يُتلى القرآن لا لأجل المسابقة، بل لتتشرّب به النفس وتستقيم به الحياة، هو عملٌ لا تفتنه الشهرة، ولا يُغريه التصفيق، لأنه ببساطة: لا ينتمي لهذه الأرض، بل يتصل بالسماء.

حلقات القرآن في القرى والمدن ليست مشروعات تعليمية فحسب، بل هي مواطن إحياء، تُعيد للناس صلتهم بخالقهم، وتُعيد تشكيل الوعي على معيار الوحي، لا على موجات الرأي العام، من هذه الحلقات تخرج الفطرةُ من ركامها، وتُسقى الأرواح التي أرهقها الضجيج، وتُبنى الهوية من جذورها، لا من قشور الانفعال.

حين تنعقد حلقة في مسجد صغير بأطراف قرية، أو في زاوية مدرسة، قد لا يُحدث ذلك ضجيجًا في الواقع الظاهر، لكنك إن تأملتَ آثارها بعد سنوات، رأيتَ رجولةً تُبنى، وبصائر تُشحذ، وقلوبًا تتشكل على موازين الوحي، لا على هوى الواقع.

تأمل هذا الأثر البعيد في ضوء كلمةٍ جامعة قالها الإمام مالك:“فُتحت المدينة بالقرآن، يعني: أنَّ أهلها إنما دخلوا في الإسلام بسماع القرآن.” [تفسير ابن رجب الحنبلي: ١ / ٩٠]

ليس الحديث هنا عن مدينةٍ جغرافية فحسب، بل عن مدينة القلب، قلب الطفل الذي يبدأ الانتماء فيه من أول “ألف لام ميم”، قلب الشاب الذي لم تحصّنه أطروحات الحداثة، فحصّنه القرآن، قلب الفتاة التي لم تُقنعها الشعارات النسوية، لكن أبكتها آية.

المعلم في حلقة القرآن لا يُدرّس فقط، بل يُعيد تشكيل الإدراك، ويغرس مفاهيم الولاء، ويُعيد تعريف النصر، ويزرع في النفوس أن العاقبة للمتقين، معلّمو القرآن ومعلماته لا يعملون على نص جامد، بل يحيون النفوس بما أحيا الله به القلوب، هم يبنون الجدار الأعمق في معركة الهوية، يصنعون الوعي الذي لا يُغيّره الرأي العام، ويُقيمون سوق الآخرة في زمنٍ طغى فيه سوق الشهرة والهوى.

أما أولئك الذين ظنوا أن الحلقات تكرارٌ لما حُفِظ، أو تقليدٌ لما سبق، فقد غفلوا عن أن هذه الحلقات هي من أعظم مشروع لبناء الأمة، منها يخرج جيل يعرف من أين يبدأ، وإلى أين يتجه، وبماذا يرتبط.

فيا من رزقك الله مكانًا في تعليم كتابه، لا تظن أن دورك صغير، كل آية تُرسخ في قلب صغير، هي لبنة في بناء أمة، وكل حرفٍ يتعلمه تلميذك، قد يكون فارقًا يوم تُرفع الموازين، ويا من مررت على مسجد فيه حلقة قرآن، فلا تنظر إليه كأنه هامش في مشهد المدينة، ولربما كانت الهوامش في أعيينا هي مراكز التغيير الحقيقة.

وفي زمان الفوضى، كل بيتٍ يُخرّج حافظًا، وكل مسجد يُقيم حلقة، هو جدار صدّ في معركة الهوية الكبرى.

اللهم يا مؤنسَ أهل القرآن، ومُوقِدَ أنوار القلوب بكلامك، اجعل لمعلّمي كتابك نصيبًا من جلالك، وذخرًا من كرمك، وأثرًا لا يندثر في صدور العباد، وارفعهم مقاماتٍ لا تبلغها الألسن، بما علّموا من حروفك، وبما غرسوا من هُداك، فإنهم عمّار مساجدك، وسُقاة رياضك، وأمناءُ نورك في الأرض.
••
Forwarded from نديم
📖🛋️
تعود لكم #أريكة_وكتاب بتحدي جديد، ومنافسة قوية تمتد لـ ١٠ أيام

🗓️🔥
بدايتنا: ٥ شوال ١٤٤٦ - ٣ أبريل ٢٠٢٥

حمّل تطبيق نديم وكن على استعداد😍
https://nadeemapp.com
Forwarded from نديم
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
في ٣ أيام صنعت #أريكة_وكتاب مع القراء أرقاماً استثنائية، وللمنجزات بقية! 🤩🔥
••
•| غزة وخرائط الولاء |•

حين نتحدث عن غزة، فنحن لا نتحدث عن نوبةٍ عاطفية تُداهم القلب فتسوقه إلى تغريدة، أو تنهيدةٍ عابرة تكتفي بإثبات “الموقف” في عالم الشاشات، ثم تنصرف، بل نتحدث عن ذلك الألم العميق، المتجذّر، الذي ينشأ من يقينٍ إيماني بأن ما يجري في غزة ليس تفصيلاً في الواقع، بل محورًا في ميزان السماء، ومعيارًا دقيقًا لتمحيص القلوب، وتحديد المواقع.

غزة اليوم ليست تلك المدينة التي تُقصف، بل هي امتحانٌ معلن للضمائر، وتكليفٌ مفتوح للنفوس: من الذي سينهض؟ من الذي سيتجاهل؟ من الذي سيبكي لله، لا للناس؟ ومن الذي سيصوغ من مشاعره مشروعًا، لا منشورًا؟

غزة اليوم ليست حدثًا سياسيًا فحسب، وليست مجرد قضية تُتلى في المؤتمرات أو تُستعرض في المجالس، غزة اليوم اختصارٌ لكلّ ابتلاءات الأمة: في الإيمان، والصدق، والولاء، والخذلان، والبصيرة، وهي اختبارٌ يتنقّل بين الناس، لا يقتصر على من هم تحت القصف، بل يشمل من هم خارجه؛ يُمتحن فيه صدقهم، ومواقفهم، وحدود استجابتهم، ومدى حضور القضية في تصوراتهم، وأحاديثهم، وقراراتهم، وتربيتهم، وقلوبهم.

الحزن الشريفة هو الذي يورث الدعاء لا الدعاية، ويثمر البكاء في السجود لا التباكي على المنصّات، هذا الحزنٌ له جذورٌ تمتدّ في القلب المؤمن، وتثمر في العقل المتأمل، وتُترجم في الواقع بأثرٍ وبصيرة.

ومن ضمن تلك الحلول:

إعادة ضبط بوصلة الولاء.
فالأمر لا يقتصر على مواجهة من رفع السلاح، بل يبدأ من وعيٍ يُدرك أن العدوّ هو كل من نازع الأمة في دينها، وخاصم أولياءها، ولبّس على أبنائها، وسوّق لخطابٍ يُهوِّن من شأن قضاياها الكبرى، والعداء العقدي لا يُعلَن دومًا من فوهات البنادق، بل كثيرًا ما يتسلّل من بين السطور، وفي زوايا الشاشة، وعلى ألسنة “المؤثرين”.

وثانيها: تثبيت اليقين في النصر.
نُربِّي النفوس على أن هذه الأمة قد تنكسر في موطن، لكنها لا تنهار، وقد تُبتلى، لكنها لا تفنى، وأنّ الاستضعاف مرحلةٌ في طريق النهوض، لا علامة على السقوط، فالتاريخ لم تصنعه يومًا نشرات الأخبار، بل كتبه أولئك الذين صدقوا الله فصدّقهم، ووهبوا أرواحهم لراية لا تُطوى.

وثالثها: بناء الوعي.
وعيٌ لا يتغذّى على العاطفة العاجلة، ولا تجرّه موجات التعاطف المؤقتة، بل يملك البصيرة التي تُدرك أبعاد المعركة، وعيٌ يعرف أن ركام غزة لا ينفصل عن اختياراتنا اليومية، ولا عن صمتنا حين يُعاد تشكيل القيم أمام أعيننا ونحن نبتسم!

ورابعها: تحويل الألم إلى مشروع.
فالمتألم الصادق لا يكتفي بالدمعة، بل يجعلها بداية لحركة، و إن كنت معلّمًا، فاجعل من حصتك منبر وعي. وإن كنت أبًا، فبين يديك أرواحٌ تتشكّل. وإن كنت كاتبًا، فالكلمة سهمٌ، إما أن تُصيب أو تُخيب. وإن لم تملك إلا الدعاء، فأخلص، وقل: يا ربّ، إنك تعلم ما لا نُبديه، فاجعل في هذا الرجاء سهم نصرٍ لا يُخطئ.

وربّ دمعة في ثلث الليل الأخير، أثقل في ميزان السماء من ألف تغريدة، ثم إن هذا الزمن الذي تتسابق فيه الخطابات، وتتشابه فيه المواقف، تبقى النية الصادقة، والمسؤولية التربوية، والعمل المنضبط، هي الثوابت التي لا ينبغي أن تغيب، فإن لم نستطع أن نُغيّر مجريات الأحداث، فبإمكاننا أن نُغيّر أنفسنا، وأن نُعيد تشكيل الجيل، وأن نكتب في هذه المصيبة سطورًا من الوفاء، تحفظها السماء وإن تجاهلها التاريخ.

لسنا نطلب أن تتعاطف معنا الدنيا، بل أن نتعاطف نحن مع ديننا كما ينبغي، أن نستعيد موقعنا في خارطة الولاء، أن نسأل أنفسنا: ما الذي قدّمه كلٌّ منا؟
••
••
أيها الكرام متابعو هذه القناة، ما مثلكم يُنسى، ولا كلماتكم تُهمَل، ولقد ازدحمت الرسائل في الأشهر الماضية حتى عجز القلم عن مجاراتها، وضاعت بعض الردود في زحام العجز لا في نكران الجميل، وفي ضيق الوقت لا في ضيق الصدر، وإنِّي –واللهِ– ما رأيت سؤالاً إلا توقّفت عنده، ولا دعوة إلا فرحت بها، غير أن التقصير يلبسني، لكن ما أنا إلا عبدٌ يعتريه النسيان، وتخذله الطاقة، ويقصر عن إدراك كل فضل.

فكلّ من كتب ولم يصله ردّ، فأنا أستوهب عذره، وأرجو أن يُعيد رسالته –مُكرمًا لا آمرًا– فإنّ النفس توجّعت لفوات بعض الردود، ولعلّ الله يكتب في إعادة الكلمة نورًا أو أثرًا.

💬بوت التلقرام أفضل | @twaaq22Bot |

📍وهنا من دون ظهور هوية المرسل |
وأرجوا الابتعاد عن الأسئلة الشخصية.
tellonym.me/user.Twaaq2
••
Please open Telegram to view this post
VIEW IN TELEGRAM
••
دورة علمية نافعة
|• الأداء القرآني و أثره في المعنى •|

تقديم أ.د. محمد برهجي
إمام المسجد النبوي الشريف.

https://youtube.com/playlist?list=PLSY19X_iYpq4BjjvbV5HXhYfWaBrJT7LB&si=7H4-Xm7NK6-rf6Il
••
••
حين يُطرح الحديث عن “التغيير”، فإن أول ما ينبغي أن يُفكّك هو ذاك القيد الخفي الذي يكبّل كثيرًا من النفوس: الوهم.

وهم أن الحال لا يتبدّل، وأن ما أنت عليه اليوم، هو ما كُتب لك أن تبقى فيه غدًا، لكن الحقيقة: أن الله يختبر فينا القدرة على الخروج من التكرار، والتحرر من السكون، والتمرّد على الروتين.

فالتغيير ليس فكرةً تُحكى على مقاعد التأمل، بل قرار داخلي يُشعل روحًا جديدة في القلب: قرار أن تكون أكثر من نسخة باهتة تكرر روتينها بلا وعي، أن تعلن التمرد، لا على الجسد وحركته، بل على شهواتك المألوفة، وعاداتك الخفية، ومناطقك الرمادية التي تتسلل منها أسباب السقوط.

أصدقك القول: العبور الحقيقي يبدأ عندما تعقد العزم على الانقياد لشرع الله لا لنفسك، وعلى الاستقامة لا الاسترسال، وعلى المنهج لا المزاج، حينها فقط، يتحول حديث “التغيير” من حالة وجدانية عاطفية، إلى قرار إيماني مصيري، أم غير ذلك فهي أحاديث سُمّار.
••
نهم.pdf
8.1 MB
📚 قائمة “نهم” لا غِنى عنها لكلّ محبّ للقراءة.
Please open Telegram to view this post
VIEW IN TELEGRAM
••
•| أغرقه بالحسنات |•

الذنبُ الذي لا تقوى على كسر شوكته، ولا تقدر على اجتثاث جذوره من قلبك، لا تبرح عند بابه تندب، ولا تُمضِ عُمرك في دائرة النكسة، فإنّ الشيطان لا يريدك عاصيًا فقط، بل يرضى بك يائسًا منكسًا.

فما دام في القلب حياة، وفي الجوارح طاقة، وفي السماء ربٌّ كريم، فإنّ الحسنات إذا تراكمت، ثقلت الكفّة، وخنقت الذنب حتى يذبل من حياء القلب، لا من قوة النفس، وما دام فيك نفسٌ يتردد، وفي قلبك حياءٌ يتلجلج، فاعلم أن الله أقرب إليك من ذنبك، وأرحم بك من نفسك.

أغرقه بالحسنات، لا تترك الذنب وحده، بل حاصرْه من الجهات كلّها، أثقل كفّتك في كل مرّةٍ تضعف فيها، حتى يشعر ذلك الذنب - ذات يوم - أنّه غريبٌ بين كثرة الطاعات، وأنه دخيلٌ في أرضٍ طاهرةٍ لا تحتمله.

ولو علم الشيطان أن كل عثرةٍ منك تولّد دعاءً، وكل ضعفٍ يوقظ فيك استغفارًا، لأقسم أن يتركك وشأنك!، وإنّ النفوس لا تُطهّرها المقاطعة الجافة، وإنما يُزكّيها الإلحاح على أبواب الله؛ فكما أن الماء يغلب النار إذا تدفّق، فإن الحسنات إذا كثرت، كسَت الذنب حتى يُمحى أثره.

فليكن الذنب مدخلًا لا مخرجًا، سببًا في الإقبال لا في الانهيار، ولا يطول عليك الطريق، فالله يراك تقاوم، ويسمع شهقتك حين تسقط، ويعلم صدق حنينك إلى الطهارة، وإن لم تنلها بعد، أغرقه بالحسنات، فإن الماء إذا فاض على النجاسة، طهرت الأرض.

﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ [هود: ١١٤]
••
••
ومع الأيام.. لا تلبث أن تبصرَ بعينٍ جديدة كم كنتَ غريبًا عن نفسك، كم كنتَ بعيدًا وأنت في الداخل، ترجو سكينةً من الخارج ولم تُشيدها في قلبك بعد.

تُبصر أن ما آلمك لم يكن وقع الناس، بل تفريطك في ترتيب أولويات قلبك، وأن ما أرهقك ليس طول الطريق، بل انشغالك عن الوجهة، وأن أقسى الأوجاع، هي تلك التي بدأت من لحظةٍ صمتَّ فيها عن صوت الفطرة، حين ناداك القرآن وأعرضت، وألقى إليك النور فحدت، ولم تفتح له منافذ القلب.

ستدرك أن القرآن لم يُنزَل ليُقرأ بصوتٍ حزين فحسب، بل ليهتف في أعماقك، ليقلب موازيينك، ويبعث فيك حقيقتك التي دفنتها تحت ركام الهوى، ستدرك أن كل تغافلٍ كان انسحابًا من طريق النور، وأن كل فجرٍ أطفأت فيه منبه قلبك، وستبكي، لا لأنك انكسرت، بل لأنك حين وجب أن تنهض، رضيت بالمكث في الظل.

سترى أن العبادة ليست حركات جسد، بل ركوع قلب، وسجود عقل، وانكسار روح، وأن كل تكبيرةٍ إن لم تُكبّر الله فيك فقد كبرت هواك.

ستوقن أن أكثر من خذلك هو من جعلته إلهك دون أن تسجد له، نفسك، شهوتك، رأيك، وهم الناس عنك. وستتلمّس في صدرك يقينًا خافتًا ما لبث أن صار نورًا، يقودك إلى الله لا إلى نفسك، إلى المعنى لا إلى الزيف، إلى القرآن لا إلى كلامك الكثير.

كل موقفٍ كسره قدر الله فيك، إنما رمّمه الله على مقاس قربك منه، وكل ألمٍ دبّ فيك، إنما نبض ليوقظك، وكل تأخرٍ، لم يكن حرمانًا، بل تهيئةً لأن تلقى ما يليق بك، أو تلقى أنت ما يليق به.

ستعلم أن التوبة ليست فعلاً لحظيًّا، بل حياة، وأن الهداية لا تطرق الأبواب العالية، بل تأتي خفية، تمامًا كما يأتي الليل، ساكنًا، مطمئنًا، ثم يُلقي على القلب سُترًا من السكينة.

فتمسّك، لا بما يصفّقون له، بل بما يصفّيك. لا بما يرفعك عند الخلق، بل بما يرفعك عند الحقّ، ثم لا تَمُت، إلا وقد سجد قلبك قبل جبينك، وابتسمت روحك قبل وجهك، وتطهّر صدرك من كل ما سوى الله، فإن الحياة كلها عابرة، إلا ما عَبَر بك إلى الله.
••
••
من عظيم رحمة الله أن النسيان جُعل حارسًا على أبواب الذاكرة، لا يطرد الخير، بل يُهذّب الوَجع. فالنسيان ليس خيانةً للذاكرة، بل رحمة بها، إذ لو اجتمعت علينا الآلام دفعةً واحدة لهلكنا من ثقلها، لكنه يُذيقنا منها القليل، ويطوي عنّا ما لا يُحتمل.

فهو لا يمحو الألم، ولكنه يروّضه، يجعله قابلاً للاحتمال؛ يترك لك وجع اليوم، وينزع عنك تراكم الأمس، كأن الرحمة خُبّئت في طيّات التخفيف لا الزوال، ولو أنّك تذكّرت كل شيءٍ كما وقع، بذات حرارته، لأنهدّ القلب، وانكفأ العقل، فما منّا من يحمل ماضيه كاملًا ويبقى قائمًا.

فتأمّل كيف أن النسيان – في ظاهره نقص – وفي حقيقته كمالُ عناية.
••
••
الإنسان لا يطيق مواجهة ضعفه، وإذا لم يُربّ نفسه على الصدق والافتقار إلى الله، بحث عن قوالب أخرى يختبئ فيها.
••
••
كم من بليةٍ قد فتحت أبواب النعم، وكم من دمعةٍ قد ساقت كنزًا من الرضا، وكم من شِدةٍ قد ألقت في القلب برد اليقين، فخفّت على النفس أثقالُ الأيام، وإن وراء كل قدرٍ يأنف منه الطبع، سرًّا لا تراه الأبصار، ولا تهتدي إليه العقول المتعجلة، وإنما تُبصره البصائر التي أَدبَها الحزن، وربّاها الرجاء، وسقتها لوعة السؤال.

ولذا تفاوتت العقول، وتباينت القلوب، في فقه هذه الخيرة الإلهية.
فمنهم من رأى بعين الطبع، فأنكر،
ومنهم من رأى بعين العقل، فصبر،
ومنهم من رأى بعين البصيرة، فشكر ورضي وسجد.
••
••
من أساسيات وعي الإنسان أن يحتفظ في داخله بجذوة السؤال، ذاك النور الذي يفضح العادة، ويوقظ القلب من رقدة التلقين، لكنّ الحياة المعاصرة ـ بماديتها الصاخبة، وعجلتها الطاحنة ـ تحاول أن تُخدّر الإنسان عن السؤال، وتغريه بالاكتفاء بما يُلقى إليه، لا بما يُوقظ فيه، وهي تُحسن أن تُسكتك لا أن تُجيبك؛ تُغريك بالمشهد لا بالمغزى، وبالمنتج لا بالمبدأ، وبالسطح لا بالغور، تُخدّرك بعجلة التفاصيل، وتروّضك على القبول، حتى تنسى أن تسأل: لماذا؟ وإلى أين؟

وحين يخفت صوت السؤال، يبدأ الانقياد الصامت، وتتحول من فاعل إلى منفعل، من مختار إلى تابع، فالنجاة كلّ النجاة: أن تسأل أن تصون بصيرتك من الزوال، وتحفظ وهج السؤال من الذبول.
••
••
ما أكثر ما نتحدث عن ضعف الإيمان، وخمول القلب، وغياب لذة الطاعة، ثم نمضي نتساءل: لِمَ هذا الجفاف؟ وما منشأ هذا التصحُّر الروحي؟ولا نكاد ننتبه أن في حياتنا نافذة صغيرة، تُطلّ منها نظرة، ثم ثانية، ثم سلسلةٌ من الانهيارات الصامتة، حتى يغدو القلب كفتيل المصباح الذي أنهكه الدخان، فلا نور، ولا دفء، ولا أثر.

النظر المحرّم ليس تفصيلًا صغيرًا في منظومة الإيمان، بل هو أحد مفاتيح الانحدار، هو الثقب الأسود الذي يلتهم حيوية القلب، ويُضعف بوصلة الطريق، ويجعل المؤمن يستهلك “الجميل الممنوع” حتى يفقد ذائقته للجميل المشروع، ومع الهواتف الذكية، صرنا نحمل “رفيق السوء” في جيوبنا لا يطرق الباب، بل يسكن اليد والعين والذاكرة، والمصيبة أن هذا الباب لا يَدخل منه الشيطان فقط، بل يَخرج منه الإيمان.

وكل محاولات التبرير، وكل التأويلات النفسية، وكل “التطبيع العاطفي” لهذا الذنب، تتهاوى أمام الآية الحاسمة: “قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم”
فالأمر واضح، والموقف محسوم، ولا شيء أبلغ من نصٍ قرآني يربط الإيمان بالبصر.

العفّة ليست ثقافة، ولا سلوكًا اجتماعيًا، بل نورٌ داخلي، مصباحٌ من مصابيح القلب، فإن انطفأ هذا المصباح، ساد الظلام، واضطربت الخطى، والعاقل لا يُطفئ نوره بيده.
••
••
كل نصيحة تُقال، هي رسالة عائدة بالزمن، ما هي إلا صوتُ إنسان يُحادث نسخة قديمة منه، يوبخها، يُرشدها، أو يُهدهد وجعها.

حين يُلقي أحدهم نصيحته إليك، فهو لا يراك بوضوح، أنت مرآةٌ لتجربةٍ مرَّ بها، أو خطأٍ ارتكبه، كل نصيحة تُلقى هي في حقيقتها شهادة ذاتية، قد كُتبت بمداد التجربة وختمت بالندم أو الفهم المتأخر، و هي ليست موجهة لك وحدك لتسقط مقامك، بل هي اعترافٌ غير معلن، وبحثٌ عن تطهير داخلي.

من ينصحك، هو فعلاً يخوض صراعًا مع نفسه السابقة، يُعيد قراءة ماضيه من خلالك، يُفصّل الدرس الذي تعلمه على مقاس أوجاعه لا أوجاعك.

وهنا عليك أن تُحسن فهمها، لا أن تأخذها كما هي، بل أن تقرأها قراءة العاقل الذي يأخذ العبرة دون أن يُثقل كاهله بماضي غيره.
••
2025/07/04 20:31:24
Back to Top
HTML Embed Code: