Telegram Web Link
"في ليلة كهذه كنت سأكون العروس، كنت سأدخل الى بيتك الى عائلتك الى حضنك مثلما دخلت حياتك، شاركتك لياليك، تعمقت في أفكارك ومخاوفك وسعيت معك نحو أهدافك، انسل خيط العمر مني دون ان أشعر، تتكدس أعوام على الهامش كنت قد بذرتها في سبيلك. كم أحتفينا بانتصاراتنا معًا وكم بكيت معك! كم بكيت من أجلك! كم بكيت عليك! كم سهرت على وجعك! وكم سهرت من وجعي عليك، كم ناجيت الله من أجلك كم أحببتك وكم أوجعتني! كم انطفأت لتضيء أنت! كم تنازلت كي لا أخسرك! وكم تخليت علي أحافظ عليك.. كنت سأدخل بيتك بقدمي اليمنى بلسان يلهج بالحمد أن انتصرنا وكسرنا قيد التقاليد وغل القبيلة.
كنت سأرتدي الأبيض الذي اخترته ذات يوم قائلاً: سيليق بكِ كثيرًا وكم تقت لان تراني ارتديه!
كنت غارقة بك أوضح وأنقى من أن أدرك انك تحيك كفنًا من ورائي! كم أندب حظي أندب أحلامي أندب عمري على أطلال الذكريات.. كم انا يائسة ومشفقة ليس علي ولا عليها بل عليك أنت، لأنني لن أعفو عنك ولن تحل عليك مغفرتي يومًا، معصيتك لا تغتفر. اتطلع في ملامح عروسك في ابتسامتها المضيئة وأتمنى ان لا تكسرها بقدري أن لا يطفئها ظلامك. عروسك التي لن تحبك يومًا مثلما أحببتك أنا، ولن أغفرلك بقدر جهلها. كنا سنكون معًا في ليلة كهذه كان سيتوج حبنا بشكل يليق بي.. كان سينتهي المطاف بنا نرقص في زفاف يربط مصيرينا ببعض ويمزج دمائنا في طفل، طفل يشبهك في الملامح ويشبهني في الصفات.. طالما دعوت الله ان لا يتحلى بصفاتك فتضحك أنت كأنها نكتة!
ذات موت كنت شاردًا، حل مكان نظرتك الساخرة دموع لمحتها تتجمع وتطفو دون أن تتساقط، كم كنت ذو كبرياء وأنت تمسك بيدي غارقًا في خطوطها وفي حسرتك في كم ستكون مجحفًا وحقيرًا هذه المرة أكثر من عادتك، بأي طريقة ستنتزعني منك بأي يد ستعتصر قلبي ثم تلقيه عرض الحائط نازفًا! لم تعثر على الجرأة الكافية للنظر الى عيناي التي طالما أحتوت أحلامك، بأي قسوة وبلادة تخنق أحلامي وتخرس عصافيرًا تغرد هناك وأنت تبكيني! كيف تترك اثر جرحك في وجهي هكذا! كيف توصم روحي بخنجرك! هل تعمدت ترك أثرك لكم كان مريعًا لو علمت.
كنت تدرك انني سأتحطم بقدر ما كنت شامخة سيكسر قلبي الذي تسكنه منذ أعوام وسيهدم فوق رأسك، سأدفنك هناك بلا جنازة ولا مشيعين.. كنت على يقين أن الينابيع ستتفجر ويغرقك الطوفان وتندثر حتى في احسن الاحوال كنت تعرف حقيقة أنني سأنخرط في نوبة يئس قد لا تنتهي الا بنهايتي! كم كنت تعرفني وكم كنت مجحفًا بحق، كنت تدرك مقدار الفجيعة التي سأرتديها رغمًا عني وأن هذه الخيبة سترافقني ماحييت كندبة، وكنت أعرفك عنيدًا بالرغم إنني فيك، في لبّ قلبك في ماء عينيك في عروقك أجري وفي أطرافك أسكن لكنك أجبن من أن يقودك قلبك أصغر من أن تقف في وجه عائلتك. أدركت انه مهما طال وشهق عشقك لي عنان السماء كان جبنك أعتى وأقوى وأصرم كأي رجل من هذه البلاد ذو رأس صلب وطبيعة معقدة.
كيف تبكيني وانت الجاني! عجبًا كيف لقاتل ان يرثي القتيل!
قلت يوم ذاك أن أقدارنا مترابطة وستنعكف الطرق يومًا وتلين الحياة معنا. قلت الكثير الذي لم يعد يعنيني بشيء.. أن قلبك لن تسكنه امرأة سواي وانني سأظل يمامتك البيضاء التي تجوب سماوات روحك و إن كان في بيتك عروس! هل إعتقدت ان في هذا عزاء لي كم كنت مفترس وبطريقة همجية تواسيني، اي مواساة هذه ان تسكنني جوفك وتسكن آخرى بيتك، اي ضماد هذا! انا وانت ندرك انه ما من علاج لتدهور هذا الورم سوا البتر. لكم أشفق عليك لأنك ستحملني في قلبك ماحييت وسأدفنك أنا.
كنت ترجوني بدموع حارقة مدرارة وانت رجل لا يبكي عادة متجرد المشاعر ليس لديه اي احساس بالذنب منذ خلق ولم يسمع يومًا بعقدة الضمير، اتطلع الى وجهك يثيرني وجعك، وجه أجهله اليوم! ترجوني ان لا أقسو عليك وانت الجلاد! وتقول ايضًا انك ستموت ان هجرتك وانت من أغلق الأبواب في وجهي يالك من دجال! كنا نبحر في الحلم معًا أنت من أيقضني على الكابوس وبث الخبر في ارجائي حتى دب الرعب أطرافي وسكنتني الخيبة.
ها أنا أغادر زفافك وقد انتهيت منك، عاقبتك بالنفي، غربتك عن بلادي، توضأت بدموعي صليت لله وتطهرت منك.. أدعوا الله ان لا أتعثر بك يومًا ولا تتقاطع طرقنا عل الغياب يشفيني أنا المريضة بك."
لم أتوقف عن الكتابة، توقفت عن النشر..
‏"الأمر كلّه، أن التفاصيل الصّغيرة التي تملأ نهارِي باستمرار، تعود أيضًا في اللّيل بطريقة لافِتة؛ للحد الذي تتغيّر فيه هيأة القلب، واطمئنانه."
من يروض فينا رغبة الحلم؟
الأحلام فضفاضة، شاسعة وجريئة، جارحة أحيانًا وبعيدة المنال أحيانًا أخرى.
‏ونحن! مثل مشنقة تتدلى من خلالنا الفرص الضائعة، وتضيق تضيق حتى تكاد تخنقنا. فمن يروض فينا رغبة الحلم الجموح؟ ومن يحكم قبضته حول الحبل الخفي! ومن منا يتشبث بإرثه، بالزمان المشرد، بالحلم المقطوف!
مساء الحنين.. للبدايات، للأيدي المتشققة، للحناجر المدوية، للأصوات الضائعة، للجباه العزيزة وإن أنهكت، للأرواح المعطاءه وإن استنزفت، لرغيف الأمهات وقبلاتهم، للشيب الغزير في رؤوس الاباء، لغزو التجاعيد وآثار السنين. مساء الذين مسهم الحنين.. لأغاني الأطفال وصدى ضحكاتهم، للضفائر والشرائط، للدمى والدبابات المبعثرة، للزوايا والحكايات، للذكرى الشحيحة، للماضي السحيق، لهتاف الضمير، للرفاق وإن غادروا، للغروب على اي حال.
ماذا عسى المرء أن يكتب في رسالة الوداع الأخيرة؟
‏أصلي أن أرتاح، أرتاح فحسب، أنشد الراحة عل هذا القلب يطمئنّ من كل ما يقلقه، أن أنعم على الأقل بليلةٍ واحدة دون التقلب على نار الأفكار او الصراع مع القلق والألم. أرجوا الاستلقاء ولا شيء آخر، لقد استنزفتني الأشياء بما فيه الكفاية، ولم يعد بمخزوني أي طاقة لمحاولة النجاة بعد الآن.
لكل منا قدر مختلف، تفرعت الطرق وتشتت الخطى، والتقينا في إحدى النهارات.. عكفنا الطريق عنوة، هدهدنا الذكريات وضحكنا جهارًا على مرأى من الشمس والشجر والسماوات، بقيت جراحنا تستريح في الجوار، تلتهب وتكبر، تعترض طريق البهجة وتخيب.. لأنكم هنا!
قلوبنا سياج منيع، واضلعنا بمثابة ملجأ أخير، والسخرية طالما كانت انتصارنا الوحيد، اذ لا نستطيع أن نفعل أكثر من الضحك، عل الجراح تضمر والأيام تهاب نضحك كأننا على مشارف السبعين نسترجع مغامرات الصبا والهفوات، عل الحنين يهدأ ثم يدنوا المغيب بوداعة.. شعرت أن ما بيننا أكبر من أعوام لا حصر لها وإن تلك الذكريات هي طفولتنا البريئة، ذاكرتنا الاولى، صورتنا النقية الكاملة، ضحكنا مثل طفلين معًا ولم يستطع شيء جعلنا نكف عن اللحاق بذلك العصفور لأخر العالم سوى عقرب الساعة الذي اعترض طريقنا ..
الليلة تحديدًا أستطيع أن أقول ما يشجيك، أن أتلو على مسامعك مايثير رغبتك الدفينة في العويل الطويل، والتكور على ذاتك رغبة في الاختباء والاختلاء. ولعلمك لا أشك بقدرتي على سرد أشد القصص وحشية لأنني الناجية منها، ولا اشك بمهارتي في انتقاء أكثر الكلمات حدة لأنني صداها ومستودعها. وبلا ندم او رأفة أتقن التغلغل كالسرطان في لحظاتك المحمومة ومناطقك المحظورة والانتشار هناك. أيضًا من خصالي انني أتماهى بروية مع اضطرابك وقلقك وأنغمس كغواص ماهر في أعماقك المعتمة ومشاعرك الدفينة لأنني أقطن في قبو الذاكرة… أستطيع ان اجعلك تتذوق الحسرة والخيبة ما إن أشرع لك صدري، لأنني الفت طعمها بل استسغته لا رغبة بل مرغمة.
‏"وكيف يقصد النَّهر
‏من جاوَر البحر؟
‏ويحتاج إلى النَّجم
‏من يسري في ضوءِ البدر؟
‏فأستهز عطف جودك
‏وأستمطِرُ سحابة كرَمك
‏كيف لا؟ وأنتَ قِبلة المعروف
‏وملاذ الملهوف
‏إليك تُشدّ الرِّحال
‏وبكَ تناط الآمال
‏أولياؤك منك
‏في ظلٍّ ممدود"
‏اللهم إني اسألك من فضلك ورحمتك فإنه لا يملكه إلا أنت.
‏"وكلّما قابلته موجة شديدة، قابلها ببرودٍ جارِف.."
‏"إنَّ الإنسان ليُناضل في الدُّنيا ألفَ عامٍ في سبيل الوصول إلى مسارٍ واحد: مُستقِرٌ آمن، يمشي فيه مطمئنًا، لا يُخيفه الغد، ولا تُحيّره الظنون"
2024/05/17 02:46:59
Back to Top
HTML Embed Code: