Telegram Web Link
ونحن في يوم عرفة..هذه محاضرة عن اليقين في الدعاء وشهود القلب عظمة ربه تعالى..
لقد أُخِفتُ في اللَّهِ وما يُخافُ أحدٌ . ولقد أوذيتُ في اللَّهِ وما يُؤذى أحدٌ . ولقد أتت عليَّ ثلاثونَ من بينِ يومٍ وليلةٍ وما لي ولبلالٍ طعامٌ يأْكلُهُ ذو كبدٍ إلاَّ شيءٌ يواريهِ إبطُ بلالٍ
هذا كلام سيد الخلق ﷺ

من أعظم البواعث على الاستقامة الوفاء ببيعة الإيمان لنبينا وسيدنا ﷺ الذي أقام حياته كلها دعوة وصبرا وجهادًا؛ ليستنقذ النفوس من أصفاد النار، ويؤثرهم على نفسه فيخبأ دعوته لأمته يوم القيامة، ولا يتعجَّلها لنفسه، بأبي هو وأمي ﷺ !
فالمرابطون من بعده من أمته مستمسكون بغرزه، لا يغادرون هديه وسنته ودينه وما كان عليه، فإن لحقتهم عثرة، أو غلبتهم نفوسهم، فابتعدوا، آبوا سراعا تائبين مستغفرين، كأنَّ في أنفسهم أصداء صوته ﷺ : فاصبروا حتى تلقوني على الحوض!
فلا يتركون هديه إلى غيره، ولا يوالون عدوا له، ولا ينهزمون أمام فكرة جاءت متبرجة بخيلها ورجلها واحتشدت من ورائها زُمَر الباطل!
هؤلاء إخوانه الذين تشوق إليهم، عليهم سيماء الصدق، وبياض غُرَّة الوفاء له بأبي هو وأمي ﷺ !
يعلمون حقًّا وصدقًا أنه أولى بهم من نفوسهم، فيحبونه حبًّا لا يلتفت عنه، ولا يصبر عن اللحاق برَكْبِه، ولا يرتضي غيره سيدا ونبيا وإمامًا، عليه صلوات الله وسلامه!
هو عيدهم وفرحة قلوبهم وعزهم وشرفهم، عليه وعلى آله صلوات الله وسلامه أبدا سرمدا!
رُوي عنه ﷺ : الموت تُحفة المؤمن!
وهذا الحديث قد يكون عجيبًا لمن قاس الأمور بما يكون في هذه الدنيا، فظن أن الانقطاع عنها والارتحال إلى الآخرة انتهاء لسير الإنسان واحتجاب عن لذائذ ما كان فيه!
والحقيقة التي لا تحسن نفوسنا تصورها أن كل ما يقع في هذه الدار الدنيا فهو صورة، لا تحجب القلب الذي يؤمن بالغيب عما هنالك من الحياة، فكل ما نحن فيه عبور لا يستقر!
يقول الإمام المناوي في شرح هذا الأثر:

التحفة : ما يُتحف به المؤمن من العطية ، مبالغة في بِره وإلطافه؛ لأن الدنيا محنته وسجنه وبلاؤه؛ إذ لا يزال فيه في عناء من مقاساة نفسه ، ورياضة شهواته، ومدافعة شيطانه، والموت إطلاقٌ له من هذا العذاب، وسببٌ لحياته الأبدية، وسعادته السرمدية، ونيله للدرجات العلية، فهو تحفة في حقه، وهو وإن كان فناء واضمحلالا ظاهرا ، لكنه بالحقيقة ولادة ثانية ، ونقلة من دار الفناء إلى دار البقاء .
ولو لم يكن الموتُ، لم تكن الجنة ، ولهذا منَّ الله علينا بالموت، فقال : (خلق الموت والحياة) قدم الموت على الحياة ، تنبيها منه على أنه يُتوصَّل منه إلى الحياة الحقيقية ، وعدَّه علينا من الآلآء في قوله (كل من عليها فان) ، ونبه بقوله (ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين * ثم إنكم بعد ذلك لميتون * ثم إنكم يوم القيامة تُبعثون) على أن هذه التغييرات لخلق أحسن ، فنقض هذه البنية لإعادتها على وجه أشرف ".
انتهى من كلامه رحمه الله
الإنسان ضعيف. يصعب عليه أن يتجاوز منظوره المحدود جدًا عن العالم. إذا دهمه الفرح تغيّر كل شيء في نظره. تصبح الحياة جميلة فجأة، كل شيء فيها يبرق، والألوان من حوله تزداد تألقًا، الشمس تصبح ودودة، والقمر يطلّ بحنان أخّاذ. تجتاحه عاطفة جياشة تجاه البشر، ويكاد يحتضن كل من يمرّ بطريقه. وإذا حزن اسوّد كل شيء في عينيه، وصار كأنه يتنفس من رأس إبرة، وينسى كل مبرر للضحك، ويحنّ للعدم الأول، ويشعر أن التعاسة هي طبيعة الأشياء. أما إذا كان المرء -وقاك الله- مبتلى بتقلّب المزاج، فإنه يعيش كل هذا الصخب الوجداني في اليوم الواحد، بل ربما في الساعة الواحدة.
ماذا إذًا؟ يمكن للإنسان أن يطوّر إدراكه بدوام تأمل المنظورات الآتية:

- منظور الحجم: هذا الشعور الكلي المهيمن يرافقه تضخم في رؤية الذات، الإنسان حينها ينسى أنه لا يشغل حيزًا ذا بال في أي سياق، فبالنسبة للمجرات هو أقل من هباءة لا تُرى حتى بالمناظير، وفي محيط الأرض هو أشبه بنملة أو ذرة ضئيلة. تستطيع التأكد من ذلك بمشاهدة أي وثائقي يشرح تمدد الكون.

- منظور الزمن: كل عمر الإنسان مهما طال أشبه بثانية في عمر التاريخ العام، فماذا يعني أن تضيق نفسه في ليلة أو يشقى في صبح عارض في ميزان القرون المتطاولة من لدن آدم إلى قيام الساعة؟. لا شيء في أية مقاييس موضوعية، بل حتى في ميزان عمره القصير، تظل ضئيلة للغاية وإن استطالت. ومن جهة أخرى فكل زمن -وإن بدا طويلًا- فهو لايذكر في منظور زمن الخلود الأخروي.

- منظور الموت: تأمل الموت يصغّر كل التضخّمات العارضة، كل ما يسعد أو يبهج، كل ما يخيف، كل ما يؤلم، كل طموح مجهض، كل إحباط، كل خيبة أمل غائرة، كل ذلك يتلاشى أمام الحقيقة الأخيرة. في القبر لا شيء يستحق الاهتمام ولا الفرح ولا الألم إلا ركعة خاشعة، وصدقة خفيّة، وقلب مملوء بحبّ الله وحده وإجلاله.
إن الاستحضار الدائم للموت ليس عرضًا اكتئابيًا، ولا نزوة سوداوية عابرة، بل ضرورة عقلانية لاحتمال الوجود، وحتمية روحانية لترتيب الأولويات النفسية.

جزى الله عنا ⁦الموت⁩ خيرًا فإنه
أبرُّ بنا من كل برٍّ وأرأفُ

يعجّل تخليص النفوس من الأذى
ويدني من الدار التي هي أشرفُ

وهكذا، فالحيز الذي يشغله الفرد في الزمان والمكان قريب من العدم، وكل الأنظمة الربانية للوجود تسير بمعزل عن إرادته، وليس أمامه إلا أن «يبادر لعمله، ويسوّف بأمله، ويستعدّ لأجله» كما يقول يحيى بن معاذ رحمه الله.⁩
الإسراف في الصور، باعد بين الناس وبين غايتهم التي إليها يرحلون، وحجبهم عن تفقد أرواحهم وتلمس قلوبهم، فلا تكاد قلوبهم تبصر إلا بآذانهم" قيل وقال"، ولا تكاد أعينهم تميز الخبيث من الطيب؛ لأن للعيون صلةً بما في القلوب نورا وظلمة.
فمن تراكمت فيه أطنان الصور، مصحوبة باللغو واللهو والقيل والقال، هام قلبه في صحراء مبهمةٍ من التيه، فإذا ما حضر الحق قرآنا وسنةً وهدْيًا إلهيا=وجد في القلب زحاما هائلا من الثرثرة واللغو والإخلاد إلى الأرض!
فلابد من الفرار من ذلك التكاثر، والعودة إلى الصدق وحقائق الأشياء، وليس ذلك إلا في الوحي الذي أنزله رب العالمين على النبي ﷺ ، ونطق به من النور والهدى بأبي هو وأمي ﷺ
وإذا اتسعت النفوس في الصور وفرغت من المعنى، واستحوذت عليها المادة بشهواتها ونيرانها، كانت مهيأة لقبول الدجال، وخَدَمِه من حملة الزور والكذب اللامع، وزخارف الدنيا الكَذُوب!
وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور!
جملة مما في مصنف الإمام ابن أبي شيبة رحمه الله من أدعية الشيخين خير هذه الأمة بعد نبيها ﷺ :
ذكر بسنده أن أبا بكر رضي الله عنه كان يقول : اللهم اجعل خير عمري أخيرَه ، وخيرَ عملي خواتمَه ، وخيرَ أيامي يومَ ألقاك!
-قال : وكان عمر رضي الله عنه يقول : اللهم اعصمني بحبلك، وارزقني من فضلك، واجعلني أحفظ أمرَك .

-و عن جامع بن شداد عن أبيه قال : كان أولَ كلام تكلم به عمر أن قال : اللهم إني ضعيف فقوِّني، وإني شديدٌ ، فليِّنِّي، وإني بخيل فسَخِّني .

-وبسنده عن حسان بن فائد العبسي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يدعو : اللهم اجعل غَنائي في قلبي، ورغِّبني فيما عندك ، وبارك لي فيما رزقتني، وأغنني مما حرمتَ عليَّ .

-وبسنده إلى الفاروق رضي الله عنه أنه كان يقول : اللهم أستغفرك لذنبي ، وأستهديك لمراشد أمري ، وأتوب إليك فتُب علي ، إنك أنت ربي .
من كلام حازم القرطاجني رحمه الله، وهو كما ترى يصدق على كثير ممن اقتحم العلم ولم يتحقق بقانون أهله ولم يطلبه على وجهه.
الدعاء حياة، واستنقاذ للنفس من سجن اليأس، والخضوع للحال، وسطوة الهم، وخروجٌ من رِقِّ الشيطان وحبائل وسوسته وهمزه ونفخه ونفثه وتثبيطه وتحزينه!
وذلك أن في الدعاء ضعفًا يدخل بالإنسان على ربه سبحانه وبحمده فيشهده ربا عظيما، وإلها معبودا لا شريك له، ويتعرف إليه بأسمائه وصفاته عرفانًا يمحو من قلبه كل شرك ورقٍّ ودخَن وظُلمة وكدر وضلال!

فإذا بالذي دخل بوابةَ الدعاء كسيرا مُثقَلًا بعيوبه وذنوبه وهمومه وكلومه=عبدٌ حديث عهدٍ بربه، توبةً وإنابةً وتعرفا وتحببا، وشهودا ويقينا، عليه سيماء الميلاد وأنوار الصبح إذا تنفس!

ومن ذاق معنى الدعاء في سجوده وخلوته، ونعِم بالذل لربه، تعالى، والثناء عليه=لم ينقطع يوما عن الدعاء، والدخول على ربه ليلًا ونهارا، في الخلوة والجلوة، والسر والعلانية، والسحر والضحى!

وطوبى لعبدٍ وُفِّق لسؤال من لا أكرم منه، ولا أرحم منه، ربنا الرحمن الرحيم، خالق كل شيء، ومالك كل شيء، وبيده ملكوت كل شيء، سبحانه وبحمده!

وهنالك تلوح له أنوار الأسماء الحسنى: القريب، المجيب، الرحمن، الرحيم، السميع، العليم، القادر، المقتدر، القاهر، الحيي الكريم الستير، الجواد، الحي القيوم، الملك، العلي، العظيم، الوهاب، المنان، الفتاح ، الرزاق، القوي، المتين!
هو طواف للقلب لا ينتهي، حتى يلقى ربه محرما من كل ما سواه، قاصدًا وجهه وحده!

سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت!
‏الزم بابه، كن معه، لا تغادر الطريق وإن أخطأت، تنفس من جديد معنى الحياة بالتوبة، وهرولة القلب إلى ربه سبحانه وبحمده!
‏تعبده بأسمائه تعالى، وتعرف على معانيها، وانظرها في قلبك وحياتك..
‏اسجد طويلا..
‏لا تنقطع..لا تقنط..لا تُشرك بربك أحدًا، وكن واحدا له خالصا له..سبحانه وبحمده
" وقد وقفتُ مرةً على شخصٍ يقوِّم الرماحَ على النار تُجاه مدرسة السلطان حسن بمصر، وكان مشهورًا بالصلاح، فقال لي: انظر يا ولدي! ما يُعرَضُ على النار إلا الأعوجُ! وأما المستقيمُ فلا يُعرض على النار ، إلا إن كان فيه بعض عِوَج!
فلم يزل كلامه في ذهني من حين كنتُ أمرد إلى الآن"

الإمام أبو المواهب الشعراني رحمه الله
|من صور حسن الخاتمة|
الأمور بالخواتيم، فمن ختم له بخير صار إليه، وحسن الخاتمة: أن يدرك الإنسان أجل فراقه للدنيا على طاعة لله تعالى، فتارة يدركه على إثرها بعد تمامها، وتارة يدركه وهو فيها، ومبدؤ شروعه فيها يكون بالعزم عليها، فإن حال بينه وبين الفعل ما لا اختيار له فيه كان بمثابة الفاعل.
وقد قال تعالى:"ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله".

ومن لطيف أخبار ذلك: ما ذكره الحافظ الشيخ أحمد بن محمد بن الصديق الغماري رحمه الله تعالى في مواضع من كتبه، وهذا لفظه في "المداوي لعلل الجامع الصغير وشرحَي المناوي" (4: 36) لما ذكر الحديث الموضوع في أنين المريض وتشبيهه بالتسبيح:
"بعض الشاذلية بمصر يستدلون بهذا الحديث على الذكر الذي يذكرون به، ويسمونه اسم الصدر وهو (آه آه).
والحديث كما ترى.
وقد كان شيخنا أبو ثابت محمد بخيت المطيعي المصري -رحمه اللَّه- سئل عن الذكر بهذا الاسم فشرع في الجواب في إبطاله وإبطال كون آه اسما من أسماء اللَّه تعالى، إلا أنه توقف في الجواب ولم يُمضه لتوقفه في الحديث وعدم اهتدائه للجواب عنه لظنه أنه ثابت.
فاتفق أني زرته يوما مع حفيد الشيخ الفاسي المكي - وأصحابُه هم الذين يذكرون بذلك الاسم- فلما استقر بنا المجلس وعرَّفْتُ الشيخ أن الذي معي هو حفيد الشيخ الفاسي، قال له: هل لازلتم تذكرون باسم آه؟ فقال له: نعم، فشرع يتكلم عليه، وذكر أنه سئل عنه وأنه أجاب بالإبطال إلا أنه توقف في الحديث وذكر عن الحفني كلاما نسيته الآن، فبادرته وقلت له: إن الحديث غير صحيح، فلما سمع مني هذا طار فرحا وفُرج عنه هم كبير من جهة الحديث، وطلب مني أن اكتب له بيان ضعفه ليعتمد عليه في الجواب.
فلما خرجنا من عنده طلب مني حفيد الفاسي ألا أذكر له ذلك؛ لئلا يتجيش بفتواه أعداؤهم عليهم، فتشاغلت عنه مدة لا لكلام الفاسي، فكتب إليَّ كتابا مع قيم خزانته يستحثني فيه على الجواب عن الحديث، وأرسل معه نسخة من "حاشيته على شرح الإسنوى على منهاج البيضاوى"، فكتبت له بيان وضعه وعدم صحته ودفعته للقيم، وقلت له: إذا تم تأليف الشيخ في الجواب عن المسألة فليتحفنا منه بنسخة، فلما مضت على ذلك نحو خمسة عشر يوما لم يرعنا إلا خبر وفاته وذلك في منتصف شعبان سنة أربع وخمسين وثلاثمائة وألف".
ولفظه في آخر ترجمة العلامة المطيعي من "معجم شيوخه" المسمى بـ"البحر العميق": "وزرته يوماً مع الشيخ محمد بن إبراهيم الفاسي حفيد الشيخ محمد بن مسعود الفاسي شيخ الطريقة الشاذلية بالمشرق، فعرفته به، فقال له: وأنت تذكرون أيضاً باسم (آه)، فقال: نعم، فقال الشيخ: قد جاءني سؤال من فلسطين عن هذا فألفتُّ رسالة أنكرت فيها أن يكون (آه) اسماً من أسماء الله تعالى، ثم توقفت لما رأيت الحفني ذكر حديثاً لفظه: (دعوه يئن فإن الأنين اسم من أسماء الله)، وما عرفتُ مرتبته، فقلت له: إنه موضوع، فكاد يطير فرحاً، فقال لي: لابد أن تكتب ذلك في ورقة وتبعث بها إلى، فقلت: نعم، فلما خرجنا قال لي الفاسي: لا تفعل فإنه سيحاربنا برسالته، وكان لي صديقاً، فسكتُّ أياماً، ثم كتب إليَّ الشيخ رسالة وأرسلها مع قيم مكتبته ومعها حاشيته على الإسنوي، يُلحُّ عليَّ في إرسال الجواب، فكتبته له في ورقة وأرسلته إليه، وبينما أنا أنتظر ظهور الرسالة إذ فاجأنا خبر موته -رحمه الله تعالى-".

وقد سمعنا حاصل هذه الحكاية من الشيخ الفاسي المذكور فيها، وهو الأصيل الوجيه المعمر الصوفي المسند محمد بن إبراهيم بن شمس الدين (1317- 1318)، رحمه الله تعالى، ورحم صديقه المحدث الغماري (1320- 1380)، ورحم شيخهما مفتي الديار المصرية وفقيهها النحرير وعلامتها الكبير الشيخ محمد بخيت المطيعي، وهنأه الله تعالى على هذه الخاتمة الحسنة، ونية المؤمن أبلغ من عمله، وختم لنا بخير.

https://www.tg-me.com/arrewayahalthkafh
" ويتصلَّب الباطن-[أي يقوى ويشتد ويرسخ فيه النور]- برزين العلم، ويتمكَّن الصدق بطروق هبوب الآفات، ثم التخلص منها بالإيمان".
شيخ الإسلام السهروردي في العوارف، رحمه الله ورضي عنه، وما بين المعقوفتين من كلامي.

وشرح كلامه رضي الله عنه: أن الآفة تعرض للعبد في نفسه، فيعاين الأمراض ورداءتها، فيوفقه الله تعالى بنوره للخلاص من الآفات، والسير إلى ربه على بصيرة من طريقه وآفاته، والنفس وعللها، والقلب وأمراضه!
وقد قال العارفون: إذا قضى الله أن تكون طبيبًا مرَّ بك على العلل؛ حتى تكون بصيرا بمراد الله، ومخاتلات النفس، وخدع إبليس، فإذا وصفت أو نصحت كان كلام متحقق عارف بما يقول!
وبالله الاستعانة، ومنه الهداية، عائذين به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا!
Forwarded from إسلام عفيفي
من حِيَل الشيطان بابن آدم: أنه متى ما فتح الله سبحانه وتعالى عليه في باب من أبواب الخير = أن يعظمه الشيطان في نفسه جدا، ويصغر في نفسه بقية أبواب الخير التي هي من شعب الإيمان، حتى إنه لو سمع بأحد يكثر في عمل غير ما هو مشغول به لتقالّه ولم يره شيئا، ثم هو ما زال يستحضر ما جاء في فضله، ويعمى عن غيره؛ حتى إذا جاءه أحد وكلمه أن يرفق بنفسه؛ سرد له ذلك كله، وهو عن موطن الداء لَعَمِي!
والله ﷻ هو الذي يعلم منزلة عباده عنده، ومنتهى حالهم.
وشأن ابن آدم جميعا: أن من شغل بشيء وحذقه وأتقنه؛ فإنه ينتبه لليسير من الخطأ فيه ما لا ينتبه له غيره، فيقع منه التمحيص والتدقيق ليسير النقص في صنيع الناس من ذلك العمل؛ لِما عنده من مزية حذق.
وأما تفاضل الأعمال في ذاتها؛ فتلك مسألة أخرى تبحث في بابها، وليس كل متلبس بعمل قد فتح له فيه = مقبولا منه
ومتى علم العبد حاقّ أمره، وما يعتري عمله من نقص. = تصاغرت نفسه، وعظم رجاؤه في فضل ربه وكان هو باعثَه على عمل، وأنه محض منة من ربه تفضل به عليه، كان المعول على فضل الله وعفوه، وفضله وكرمه في قبوله منه على ما فيه.
‏مما يقع على ألسنة الناس، وليس بحسن: اللهم اجعلها آخر الأحزان، أو ما ينسبونه لبعض الصحابة رضي الله عنهم: اللهم اجعلها آخر ذنوبه!
‏وهذا دعاء على صاحبك وليس دعاء له؛ فإن الذنب كما قال العلماء؛ كالحتم، والكيس من إذا أذنب استغفر، وإذا ابتُلي صبر، وإذا أُنعِم عليه شكر!
‏وهذه الدنيا مفعمة بالحزن، والعبد الصالح يفر من أحزانه إلى ربه، ويستدفع بربه سبحانه كل همومه، فيدفع القدر بالقدر، والمعصية بالاستغفار والتوبة، والحزن بالعبادة والتسبيح والاستعانة والفرار إلى الصلاة!
‏وما يزال المؤمن في كَبَد الدنيا وخريفها، حتى يلقي ربه فرحًا مسرورًا، " فلا تعلم نفسٌ ما أُخفِيَ لهم من قُرَّة أعينٍ جزاء بما كانوا يعملون".
‏" يا عبادِ لا خوفٌ عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون"
توجه إلى ربك، واقصده، منيبا حنيفا، مائلا عن غيره، فارغا مما سواه!
لا تلتفت!
اخرج من الرق، ومحبس الثناء والمدح، والذم والقدح، وفضول الخلطة، وسجن الطين والتشويش والتحريش!
ذمَّها ونغَّصها صيانة لقلبك، وإعانة له على صدق الفرار إليه!
فرَّ..لا تسكن إليها، ولا تعول عليها..
فرَّ واخلُ بربك، ساجدًا عابدا..
لا تكن وحدك، كن مع ربك، وخلف نبيك صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
لا تشرك ..ولا تتعدد..
كن له..ولن تكون له إلا به..
انفرد..معه.." ورجل ذكر الله خاليًا": صورة وسريرة!
الخلطة تشويش..وأذى، وضيق لصدرك، ووقوع في رِقِّ استرضاء المخلوقين!
فإن صحبت فاصحب سايرا إليه تعالى، يعينك، أو يحملك، ولا تصحب غيره فيقطعك أو يحجبك! والسلام
بينما تبتدئ الحياةَ هكذا طفلا لا يحسن تدبير أمره، ولا البصر بخفيات النفوس وأخاديد الدنيا=إذ تعود شيخا كبيرًا يحمل أثر الدنيا والناس في قلبه وعلى وجهه! والمهم في الصورتين والوجهتين: لا تتوقف، ولا تمسخ قلبك إذا لقيت الأذى! لا يسلم المرء من ضدٍّ وإن|| طلب العزلةَ في رأس جبلْ!
عن زيد بن أسلم أنه دخل على ابن أبي دجانة وهو مريض، وكان وجهه يتهلل، فقال له: ما لكَ يتهلَّلُ وجهك؟ قال: ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنتين، أما إحداهما: فكنت لا أتكلم بما لا يعنيني، وأما الأخرى: فكان قلبي للمسلمين سليمًا".
2025/10/27 10:01:53
Back to Top
HTML Embed Code: