فأنزل الله تعالى فيه: (عبس وتولى أن جاءه الأعمى ... إلى قوله تعالى: في صحف مكرمة، مرفوعة مطهرة) أي إنما بعثتك بشيرا ونذيرا، لم أَخُصّ بك أحدًا دون أحد، فلا تمنعه ممن ابتغاه، ولا تتصدّ به لمن لا يريده.
سيرة ابن هشام
سيرة ابن هشام
الشيخ محمود خليل الحصري - من سورة الأنعام (وربك الغني) - مقام النهاوند
Ahmed Othman
﴿قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون﴾ هذا تهديد شديد، ووعيد أكيد، أي: استمروا على طريقكم وناحيتكم إن كنتم تظنون أنكم على هدى، فأنا مستمر على طريقتي ومنهجي، كما قال تعالى: ﴿وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون * وانتظروا إنا منتظرون﴾
(ابن كثير)
(ابن كثير)
عن عبد الله قال: كان رسول الله ﷺ إذا أمسى، قال: (أمسينا وأمسى الملك لله، والحمد لله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، رب أسألك خير ما في هذه الليلة وخير ما بعدها. وأعوذ بك من شر ما في هذا الليلة وشر ما بعدها، وأعوذ بك من الكسل وسوء الكبَر، رب أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر).
في هذا الحديث خير وبركة وتعليم لهذا الكلمات وهي تشمل على معان منها أنه إذا أمسى وإذا أصبح يقر بأن الملك لله، وأن كل ملك في يد مالك الملك فإنما هو على سبيل المجاز، والملك حقيقة لله عز وجل، وأن الملك لله عز وجل ملكا وولاية واستحقاقا.
فإذا قال العبد ذلك واعتقده بقلبه خرج من قلبه تعظيم ملوك الدنيا، ثم أتبع ذلك بالحمد لله، وذلك على نعمه الكثيرة التي لا تحصى، منها: انفراد الله تعالى بالملك، فإن الملك يغار من أن يكون الملك إلا له وحده، فإذا قضى سبحانه وتعالى بما يوافق محبة المؤمن تعين على المؤمن أن يحمد الله تعالى على ذلك القضاء،
ثم أتبع ذلك بقوله: (لا إله إلا الله وحده) فنفى الإلهية عموما وأثبتها لله تعالى وأنه في ذلك وحده، ووكده بقوله: (لا شريك له) ثم أتبعه بقوله: (له الملك وله الحمد) فإنه لا يملك ان يخلص الحمد إلا الله عز وجل، ثم أثبت له القدرة بقوله (وهو على كل شيء قدير) حتى أنه ليعترف المؤمن عند توفيق الله تعالى له، أن الله سبحانه قد كان على خذلانه ومنعه قديرا.
وقوله: (رب أسألك خير ما في هذه الليلة) قوله (رب) بحذف النداء يدل على استشعار القرب، فإن المنادي إذا علم قرب المنادى حذف حرف النداء إلا في موضعين اقتضيا الاستحثاث وهما قوله: (وقال الرسول يا رب) وقوله: (وقيل يا رب).
وفي هذا الحديث دليل على أن الإنسان ينبغي أن يجدد الدعاء في كل صباح ومساء لأنه خلق جديد، فيؤتى له بذكر جديد، وقوله: رب أعوذ بك من الكسل، إنما استعاذ من الكسل لأنه من أهم ما استعيذ منه إذ هو سبب للتواني في الطاعات.
وقوله: (وسوء الكبر) إنما استعاذ في الكبر مما يسمى سوءا فإذا كان الكبر في طاعة الله وخدمته كان حسنا لا سوءا.
الإفصاح لابن هبيرة
في هذا الحديث خير وبركة وتعليم لهذا الكلمات وهي تشمل على معان منها أنه إذا أمسى وإذا أصبح يقر بأن الملك لله، وأن كل ملك في يد مالك الملك فإنما هو على سبيل المجاز، والملك حقيقة لله عز وجل، وأن الملك لله عز وجل ملكا وولاية واستحقاقا.
فإذا قال العبد ذلك واعتقده بقلبه خرج من قلبه تعظيم ملوك الدنيا، ثم أتبع ذلك بالحمد لله، وذلك على نعمه الكثيرة التي لا تحصى، منها: انفراد الله تعالى بالملك، فإن الملك يغار من أن يكون الملك إلا له وحده، فإذا قضى سبحانه وتعالى بما يوافق محبة المؤمن تعين على المؤمن أن يحمد الله تعالى على ذلك القضاء،
ثم أتبع ذلك بقوله: (لا إله إلا الله وحده) فنفى الإلهية عموما وأثبتها لله تعالى وأنه في ذلك وحده، ووكده بقوله: (لا شريك له) ثم أتبعه بقوله: (له الملك وله الحمد) فإنه لا يملك ان يخلص الحمد إلا الله عز وجل، ثم أثبت له القدرة بقوله (وهو على كل شيء قدير) حتى أنه ليعترف المؤمن عند توفيق الله تعالى له، أن الله سبحانه قد كان على خذلانه ومنعه قديرا.
وقوله: (رب أسألك خير ما في هذه الليلة) قوله (رب) بحذف النداء يدل على استشعار القرب، فإن المنادي إذا علم قرب المنادى حذف حرف النداء إلا في موضعين اقتضيا الاستحثاث وهما قوله: (وقال الرسول يا رب) وقوله: (وقيل يا رب).
وفي هذا الحديث دليل على أن الإنسان ينبغي أن يجدد الدعاء في كل صباح ومساء لأنه خلق جديد، فيؤتى له بذكر جديد، وقوله: رب أعوذ بك من الكسل، إنما استعاذ من الكسل لأنه من أهم ما استعيذ منه إذ هو سبب للتواني في الطاعات.
وقوله: (وسوء الكبر) إنما استعاذ في الكبر مما يسمى سوءا فإذا كان الكبر في طاعة الله وخدمته كان حسنا لا سوءا.
الإفصاح لابن هبيرة
Forwarded from إنه القرآن ( القناة الرسمية )
Please open Telegram to view this post
VIEW IN TELEGRAM
وَآمَنَتْ بِهِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَصَدَّقَتْ بِمَا جَاءَهُ مِنْ الله، وَوَازَرَتْهُ عَلَى أَمْرِهِ، وَكَانَتْ أَوَّلَ مَنْ آمَنْ بالله وَبِرَسُولِهِ، وَصَدَّقَ بِمَا جَاءَ مِنْهُ. فَخَفَّفَ الله بِذَلِكَ عَنْ نَبِيِّهِ ﷺ، لَا يَسْمَعُ شَيْئًا مِمَّا يَكْرَهُهُ مِنْ رَدٍّ عَلَيْهِ وَتَكْذِيبٍ لَهُ، فَيُحْزِنُهُ ذَلِكَ، إلَّا فَرَّجَ الله عَنْهُ بِهَا إذَا رَجَعَ إلَيْهَا، تُثَبِّتُهُ وَتُخَفِّفُ عَلَيْهِ، وَتُصَدِّقُهُ وَتُهَوِّنُ عَلَيْهِ أَمْرَ النَّاسِ، رَحِمَهَا الله تَعَالَى.
سيرة ابن هشام
سيرة ابن هشام
Forwarded from قناة | مؤمن المشتاوي
النصيحة بين المسلمين واجبةٌ، وهي في زماننا هذا مِن أوجب الواجبات؛ لكثرةِ ما فيه مِن الفِتَن، وقُربِها، وشيوع التساهل فيها، مع ما جُبِل عليه البَشَر مِن الضعف والهوى، فإذا رأيتَ مِن أخيك شيئًا فلا يمنعك التحرُّجُ مِن نُصحِه، مع مراقبة نِيَّتِك وغرضك من النصيحة، واختيار الأسلوب المناسب، إلى آخِر ذلك مِن آداب النصيحة، ولا تغفل عن أخيك وتَدَعه أسيرَ هواه وشيطانه كما تُحِبُّ أنْ يَستنقذَك لو كنتَ مكانه، فالمرء ضعيفٌ قليلٌ بنفسِه قويٌّ كثيرٌ بإخوانه.
يحتاج الإنسان إلى معاني ومشاعر تثبته في المواقف العصيبة التي تمر به.
فقد يتعرض المؤمن لإيذاء من إخوانه، أو تخويف من أعدائه، أو تُعرض عليه الدنيا، أو غير ذلك من المواقف التي يحتاج فيها إلى طاقة شعورية وإيمانية تثبته وتُبصّره.
ومن رحمة الله بالمؤمن أن هذه المعاني الإيمانية مبثوثة في كتاب الله، والمُوفّق من يغترف من الوحي ما يناسب حاله واحتياجه.
وعلاقة المؤمن بالقرآن علاقة عجيبة وفيها بعد غيبي، فهي علاقة بالله من خلال كلامه سبحانه وتعالى :كذلك لنُثبّت به فؤادك، ورتلناه ترتيلا)*.
..................................................................................
*راجع تفسير هذه الآية عند ابن باديس وفريد الأنصاري.
فقد يتعرض المؤمن لإيذاء من إخوانه، أو تخويف من أعدائه، أو تُعرض عليه الدنيا، أو غير ذلك من المواقف التي يحتاج فيها إلى طاقة شعورية وإيمانية تثبته وتُبصّره.
ومن رحمة الله بالمؤمن أن هذه المعاني الإيمانية مبثوثة في كتاب الله، والمُوفّق من يغترف من الوحي ما يناسب حاله واحتياجه.
وعلاقة المؤمن بالقرآن علاقة عجيبة وفيها بعد غيبي، فهي علاقة بالله من خلال كلامه سبحانه وتعالى :كذلك لنُثبّت به فؤادك، ورتلناه ترتيلا)*.
..................................................................................
*راجع تفسير هذه الآية عند ابن باديس وفريد الأنصاري.
Forwarded from قناة مَسَار | محمود أبو عادي
جَرَت العادة عندي أثناء السفر أن ألاحظ بعناية ما يفعله النّاس حين تضرب المطبّات الهوائية جسم الطائرة لفترة متواصلة، فتتصاعد شدّتها وفُجائيتها ويعجز الرُكّاب عن التنبّؤ بالضربة القادمة، مكانها وشدّتها.
بطبيعة الحال، يفترق كلّ فرد بطريقة استجابته للشعور بالخطر، أحدهم يُمسك جيدًا بمقعده ويتشبّث محاولًا تثبيت نفسه، وقد تمسك الزوجة بيد زوجها إلى جانبها، وقد يصرخ الأب على طفله طالبًا منه البقاء ساكنًا.. مُحوّلًا خوفه إلى غضب، وآخرون يتمتمون بشفاههم بما يُشبه الدعاء أو الصلوات على اختلاف دينهم ومعتقداتهم. ومنهم مَن يُشتّت نفسه بالحديث إلى مَن يجلس إلى جانبه، وغيرهم ممّن تظهر عليهم علامات اللامبالاة، إمّا تظاهرًا أو صدقًا.
وأكثر ما يلفتني عمومًا، هو حالة الصمت الشديد والهدوء المُريب التي تُخيّم على الطائرة، حين يذهب المضيفون والمضيفات لتثبيت أنفسهم في مقاعدهم في منتصف الرحلة، وتُضيء إشارات الأحزمة، فيُدرِك الجميع أنّ الأمر جادّ هذه المرّة ويهرب كلّ إنسان إلى مُلتَجئه السلوكيّ. وتسود الطائرة صمتٌ شديد، يتخلّله تأوّهات وصرخات حين تضرب إحدى المطبّات بغتة.
وفي اللحظة التي تنتهي فيها موجة المطبّات، وتنطفئ إشارة ربط الأحزمة، يعود المضيفون لخدمة الركّاب، فجأة وبشكلٍ جماعيّ تعود الأصوات المرتفعة، وغالبًا ستسمع بعض الضحك المُتعالي، وبعضًا من محاولات الاستظراف وإلقاء النكات، وكأنّ الإنسان لا يُعجبه أن يُقرّ بخوفه وجدّيته في مواجهة الخطر فيُسارع لإلقاء النكات والمِزاح في إشارة إلى تبدّد الفزع وانتهاء الذعر. (التقط عالم الاجتماع غوفمان بذكاء هذه الظاهرة وأطلق عليها "إدارة الانطباع").
من المعروف بالتحليل النفسي أنّ السخرية والضحك إحدى طرق تنفيس التوتر الحادّ، وهي استجابة نفسية فطرية تذكّرنا بتلعيب الأطفال، إذ حين نُلقي طفلًا في الهواء، سيصعد وعيناه مليئة بالدهشة والخوف، وسنلتقطه فينتهي الخوف فجأة ويبدأ بالضحك تنفيسًا للتوتّر الذي أحدثه رعب الإلقاء بالهواء، وقد يطلب منكَ الطفل مزيدًا من الرمي والالتقاط بحثًا عن ثنائية الخوف والاطمئنان، والتناوب السريع بين الإثارة المُقلِقة والشعور بالأمان.
يُذكّرني هذا المشهد بالإنسان، بحياته اليومية، لكن على نطاق كثيف ومصغّر زمنيًا. الإنسان الذي إذا انتابه الذعر التجأ إلى ما يُطمأنه (ركن الاطمئنان)، وسرعان ما يكفر بمُلتجآته ويترك الركن وراءَه إذا ما اطمأنّ وشعر بالأمان وتبيّن له أنّ مخاوفه ليست سوى إنذارات كاذبة.
يذكّرنا هذا بآيات كثيرة تصف طبيعة الإنسان الآثمة حول التذكّر والنسيان، (إنّ الإنسانَ خُلِقَ هلوعا .. إذا مسّه الشرّ جزوعا) وكذا آيات الابتلاء في البحر والتصوير القرآني البديع لمناجاة الله حين يجيءُ الموجُ من كلّ مكان، والابتهال والتضرّع عند الحاجة والبغي في الأرض عقب النجاة.
يكفرُ الإنسان حين يشعر بالاطمئنان، وهذا يُشبهك كثيرًا، في عباداتك، وفي علاقاتك مع أصدقائك وزوجتك وأمّك وأبيك، تُسرفُ بإهمالهم حين تطمئن لدوام وجودهم، لصحّتهم وسلامة أحوالهم، وتأخذ قربهم منك على هيئة مضمونة لا تتبدّل، ثمّ تأتي صفعات الدهر لتُريكَ تبدّل الأحوال، وحين تشعر أنّك ستخسرُ مَن يُحبُّك أو أنّ سلامتهم يتهدّدها المرض أو الانفصال تعود للالتصاق بهم وتُفني نفسك ومالك لاستعادة الأمان المفقود.
وأعظم من هذا كلّه علاقتك مع ربّك وقد تنبّه العلماء لهذا الباب وسرّه في الوصول إلى مقامات القبول وقالوا:
العارفُ لا يزول اضطراره!
أيّ أنّ اضطرارك إلى الله عزّ وجلّ، ووقوفك على عتبة أبوابه، ترجو رحمته وتخشى عذابه، ولزومك للذكر والدّعاء، أمرٌ غير منوطٍ بحاجاتك الظرفية ولكن مرهون بافتقارك الذاتيّ.
والافتقار الذاتيّ يأتي لازمًا للهشاشة الوجودية التي تُحدثها معرفة الإنسان بنفسه، فمن عرف نفسه.. عرف ربّه، ومن عرف نفسه بالفقر عرف ربّه بالغنى، ومن عرف نفسه بالشحّ عرف ربّه بالكَرَم، ومن عرَف نفسه بالضعف عرف ربّه بالكفاية (فسيكفيكهم الله) ومَن عرف نفسه بالفناء عرفَ ربّه بالبقاء.
والافتقار والشعور بالفقر شرط أساسي لورود العطايا الإلهية، التقطها أهل الذوق بعناية (إنّما الصدقاتُ للفقراء)، وفي مدارج السالكين كلامٌ بديع عن باب الفقر والافتقار.
لا يبتلعكَ النسيان ولا يكن من طبعك التذبذب والتقلّب والطغيان، وتذكّر أنّ الثباتَ في الأمرِ ولزوم باب الفقر عادةُ الصادقين المُخلصين، وقد تورّمت بالعبادة قدما أبي القاسم الشريفيتين ﷺ، وهو الذي غُفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، لأنّه يصدق في الحبّ، يعرف مقامه ومقام ربّه، ويعرف أنّ الشكر والامتنان يُثبّته دوامُ الاتّصال وحُسنُ الوِصال.
تذكّر هذا جيدًا عند قضاء حوائجك وانفراج كُرَبِك وزوال همومِك، تذكّر أن تُبقي شعورك بالفقر والافتقار، حين توهمك الحياة غناكَ المُزيّف واكتفاءَكَ المُؤقّت. تذكّر أن تحافظ على اضطرارِك وأن تُداوِم على حُسنِ وصِالك ودوام اتّصالِك.
بطبيعة الحال، يفترق كلّ فرد بطريقة استجابته للشعور بالخطر، أحدهم يُمسك جيدًا بمقعده ويتشبّث محاولًا تثبيت نفسه، وقد تمسك الزوجة بيد زوجها إلى جانبها، وقد يصرخ الأب على طفله طالبًا منه البقاء ساكنًا.. مُحوّلًا خوفه إلى غضب، وآخرون يتمتمون بشفاههم بما يُشبه الدعاء أو الصلوات على اختلاف دينهم ومعتقداتهم. ومنهم مَن يُشتّت نفسه بالحديث إلى مَن يجلس إلى جانبه، وغيرهم ممّن تظهر عليهم علامات اللامبالاة، إمّا تظاهرًا أو صدقًا.
وأكثر ما يلفتني عمومًا، هو حالة الصمت الشديد والهدوء المُريب التي تُخيّم على الطائرة، حين يذهب المضيفون والمضيفات لتثبيت أنفسهم في مقاعدهم في منتصف الرحلة، وتُضيء إشارات الأحزمة، فيُدرِك الجميع أنّ الأمر جادّ هذه المرّة ويهرب كلّ إنسان إلى مُلتَجئه السلوكيّ. وتسود الطائرة صمتٌ شديد، يتخلّله تأوّهات وصرخات حين تضرب إحدى المطبّات بغتة.
وفي اللحظة التي تنتهي فيها موجة المطبّات، وتنطفئ إشارة ربط الأحزمة، يعود المضيفون لخدمة الركّاب، فجأة وبشكلٍ جماعيّ تعود الأصوات المرتفعة، وغالبًا ستسمع بعض الضحك المُتعالي، وبعضًا من محاولات الاستظراف وإلقاء النكات، وكأنّ الإنسان لا يُعجبه أن يُقرّ بخوفه وجدّيته في مواجهة الخطر فيُسارع لإلقاء النكات والمِزاح في إشارة إلى تبدّد الفزع وانتهاء الذعر. (التقط عالم الاجتماع غوفمان بذكاء هذه الظاهرة وأطلق عليها "إدارة الانطباع").
من المعروف بالتحليل النفسي أنّ السخرية والضحك إحدى طرق تنفيس التوتر الحادّ، وهي استجابة نفسية فطرية تذكّرنا بتلعيب الأطفال، إذ حين نُلقي طفلًا في الهواء، سيصعد وعيناه مليئة بالدهشة والخوف، وسنلتقطه فينتهي الخوف فجأة ويبدأ بالضحك تنفيسًا للتوتّر الذي أحدثه رعب الإلقاء بالهواء، وقد يطلب منكَ الطفل مزيدًا من الرمي والالتقاط بحثًا عن ثنائية الخوف والاطمئنان، والتناوب السريع بين الإثارة المُقلِقة والشعور بالأمان.
يُذكّرني هذا المشهد بالإنسان، بحياته اليومية، لكن على نطاق كثيف ومصغّر زمنيًا. الإنسان الذي إذا انتابه الذعر التجأ إلى ما يُطمأنه (ركن الاطمئنان)، وسرعان ما يكفر بمُلتجآته ويترك الركن وراءَه إذا ما اطمأنّ وشعر بالأمان وتبيّن له أنّ مخاوفه ليست سوى إنذارات كاذبة.
يذكّرنا هذا بآيات كثيرة تصف طبيعة الإنسان الآثمة حول التذكّر والنسيان، (إنّ الإنسانَ خُلِقَ هلوعا .. إذا مسّه الشرّ جزوعا) وكذا آيات الابتلاء في البحر والتصوير القرآني البديع لمناجاة الله حين يجيءُ الموجُ من كلّ مكان، والابتهال والتضرّع عند الحاجة والبغي في الأرض عقب النجاة.
يكفرُ الإنسان حين يشعر بالاطمئنان، وهذا يُشبهك كثيرًا، في عباداتك، وفي علاقاتك مع أصدقائك وزوجتك وأمّك وأبيك، تُسرفُ بإهمالهم حين تطمئن لدوام وجودهم، لصحّتهم وسلامة أحوالهم، وتأخذ قربهم منك على هيئة مضمونة لا تتبدّل، ثمّ تأتي صفعات الدهر لتُريكَ تبدّل الأحوال، وحين تشعر أنّك ستخسرُ مَن يُحبُّك أو أنّ سلامتهم يتهدّدها المرض أو الانفصال تعود للالتصاق بهم وتُفني نفسك ومالك لاستعادة الأمان المفقود.
وأعظم من هذا كلّه علاقتك مع ربّك وقد تنبّه العلماء لهذا الباب وسرّه في الوصول إلى مقامات القبول وقالوا:
العارفُ لا يزول اضطراره!
أيّ أنّ اضطرارك إلى الله عزّ وجلّ، ووقوفك على عتبة أبوابه، ترجو رحمته وتخشى عذابه، ولزومك للذكر والدّعاء، أمرٌ غير منوطٍ بحاجاتك الظرفية ولكن مرهون بافتقارك الذاتيّ.
والافتقار الذاتيّ يأتي لازمًا للهشاشة الوجودية التي تُحدثها معرفة الإنسان بنفسه، فمن عرف نفسه.. عرف ربّه، ومن عرف نفسه بالفقر عرف ربّه بالغنى، ومن عرف نفسه بالشحّ عرف ربّه بالكَرَم، ومن عرَف نفسه بالضعف عرف ربّه بالكفاية (فسيكفيكهم الله) ومَن عرف نفسه بالفناء عرفَ ربّه بالبقاء.
والافتقار والشعور بالفقر شرط أساسي لورود العطايا الإلهية، التقطها أهل الذوق بعناية (إنّما الصدقاتُ للفقراء)، وفي مدارج السالكين كلامٌ بديع عن باب الفقر والافتقار.
لا يبتلعكَ النسيان ولا يكن من طبعك التذبذب والتقلّب والطغيان، وتذكّر أنّ الثباتَ في الأمرِ ولزوم باب الفقر عادةُ الصادقين المُخلصين، وقد تورّمت بالعبادة قدما أبي القاسم الشريفيتين ﷺ، وهو الذي غُفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، لأنّه يصدق في الحبّ، يعرف مقامه ومقام ربّه، ويعرف أنّ الشكر والامتنان يُثبّته دوامُ الاتّصال وحُسنُ الوِصال.
تذكّر هذا جيدًا عند قضاء حوائجك وانفراج كُرَبِك وزوال همومِك، تذكّر أن تُبقي شعورك بالفقر والافتقار، حين توهمك الحياة غناكَ المُزيّف واكتفاءَكَ المُؤقّت. تذكّر أن تحافظ على اضطرارِك وأن تُداوِم على حُسنِ وصِالك ودوام اتّصالِك.
Forwarded from محمد مصطفى عبد المجيد
Please open Telegram to view this post
VIEW IN TELEGRAM
عن أنس، عن النبي ﷺ قال: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»
لما نفى النبي ﷺ الإيمان عمن لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه دل على أن ذلك من خصال الإيمان، بل من واجباته، فإن الإيمان لا ينفي إلا بانتفاء بعض واجباته،
وإنما يحب الرجل لأخيه ما يحب لنفسه إذا سلم من الحسد والغل والغش والحقد، وذلك واجب كما قال النبي ﷺ: «لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا»، فالمؤمن أخو المؤمن يحب له ما يحب لنفسه ويحزنه ما يحزنه كما قال ﷺ: «مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى سائر الجسد بالحمى والسهر»
فإذا أحب المؤمن لنفسه فضيلة من دين أو غيره= أحب أن يكون لأخيه نظيرها من غير أن تزول عنه، كما قال ابن عباس: إني لأمر بالآية من القرآن فأفهمها فأود أن الناس كلهم فهموا منها ما أفهم. وقال الشافعي: وددت أن الناس كلهم تعلموا هذا العلم ولم ينسب إلي منه شيء.
فأما حب التفرد عن الناس بفعل ديني أو دنيوي: فهو مذموم، قال الله تعالى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا﴾* وقد قال علي وغيره: هو أن لا يحب أن يكون نعله خيرا من نعل غيره ولا ثوبه خيرا من ثوبه، وفي الحديث المشهور في السنن: »من تعلم العلم ليباهي به العلماء أو يماري به السفهاء أو يصرف به وجوه الناس إليه فليتبوأ مقعده من النار.
وأما الحديث الذي فيه أن رجلا سأل النبي ﷺ فقال: إني أحب الجمال، وما أحب أن يفوقني أحد بِشِراك أو بشسع نعلي، فقال له النبي ﷺ «ليس ذلك من الكبر»،
فإنما فيه أنه أحب أن لا يعلو عليه أحد، وليس فيه محبة أن يعلو هو على الناس، بل يصدق هذا أن يكون مساويا لأعلاهم فما حصل بذلك محبة العلو عليه والانفراد عنهم، فإن حصل لأحد فضيلة خصصه الله بها عن غيره فأخبر بها على وجه الشكر، لا على وجه الفخر كان حسنا، كما كان النبي ﷺ يقول: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأنا أول شافع ولا فخر». وقال ابن مسعود: لو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله مني تبلغه الإبل لأتيته.
فتح الباري لابن رجب
..............................................................
*راجع تفسير ابن كثير لهذه الآية.
لما نفى النبي ﷺ الإيمان عمن لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه دل على أن ذلك من خصال الإيمان، بل من واجباته، فإن الإيمان لا ينفي إلا بانتفاء بعض واجباته،
وإنما يحب الرجل لأخيه ما يحب لنفسه إذا سلم من الحسد والغل والغش والحقد، وذلك واجب كما قال النبي ﷺ: «لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا»، فالمؤمن أخو المؤمن يحب له ما يحب لنفسه ويحزنه ما يحزنه كما قال ﷺ: «مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى سائر الجسد بالحمى والسهر»
فإذا أحب المؤمن لنفسه فضيلة من دين أو غيره= أحب أن يكون لأخيه نظيرها من غير أن تزول عنه، كما قال ابن عباس: إني لأمر بالآية من القرآن فأفهمها فأود أن الناس كلهم فهموا منها ما أفهم. وقال الشافعي: وددت أن الناس كلهم تعلموا هذا العلم ولم ينسب إلي منه شيء.
فأما حب التفرد عن الناس بفعل ديني أو دنيوي: فهو مذموم، قال الله تعالى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا﴾* وقد قال علي وغيره: هو أن لا يحب أن يكون نعله خيرا من نعل غيره ولا ثوبه خيرا من ثوبه، وفي الحديث المشهور في السنن: »من تعلم العلم ليباهي به العلماء أو يماري به السفهاء أو يصرف به وجوه الناس إليه فليتبوأ مقعده من النار.
وأما الحديث الذي فيه أن رجلا سأل النبي ﷺ فقال: إني أحب الجمال، وما أحب أن يفوقني أحد بِشِراك أو بشسع نعلي، فقال له النبي ﷺ «ليس ذلك من الكبر»،
فإنما فيه أنه أحب أن لا يعلو عليه أحد، وليس فيه محبة أن يعلو هو على الناس، بل يصدق هذا أن يكون مساويا لأعلاهم فما حصل بذلك محبة العلو عليه والانفراد عنهم، فإن حصل لأحد فضيلة خصصه الله بها عن غيره فأخبر بها على وجه الشكر، لا على وجه الفخر كان حسنا، كما كان النبي ﷺ يقول: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأنا أول شافع ولا فخر». وقال ابن مسعود: لو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله مني تبلغه الإبل لأتيته.
فتح الباري لابن رجب
..............................................................
*راجع تفسير ابن كثير لهذه الآية.
Forwarded from جوامع الكَلِم
لقاؤنا بإذن الله مع د. أحمد عبدالمنعم، حسب ما هو موضح في الإعلان
كونوا في الموعد ..
كونوا في الموعد ..
عن عروة بن الزبير عن امرأة من بني النجار قالت: «كان بيتي من أطول بيت حول المسجد، فكان بلال يؤذن عليه الفجر، فيأتي بسَحَر، فيجلس على البيت ينظر إلى الفجر، فإذا رآه تَمطَّى ثم قال: اللهم إني أحمدك، وأستعينك على قريش أن يقيموا دينك، قالت: ثم يؤذن، قالت: واللَّه ما علمته كان تركها ليلةً واحدةً، هذه الكلمات»
Forwarded from جوامع الكَلِم
Telegram
جوامع الكَلِم
@Jawame_Alkalem_bot
قال السهيلي: آخى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، ليُذهب عنهم وحشةَ الغُربة، ويتأنسوا من مفارقة الأهل والعشيرة، ويشدّ بعضهم أزر بعض، فلما عز الإسلام واجتمع الشمل وذهبت الوحشة= أبطل المواريث، وجعل المؤمنين كلهم إخوة، وأنزل {إنما المؤمنون إخوة} يعني في التوادد وشمول الدعوة.
وقد بيّن اللهُ تفاضلَ المؤمنين في مواضع أخر، وأنه من أتى بالإيمان الواجب استحق الثواب، ومن كان فيه شعبة نفاق وأتى بالكبائر، فذاك من أهل الوعيد، وإيمانه ينفعه الله به، ويخرجه به من النار ولو أنه مثقال حبة خردل، لكن لا يستحق به الاسم المُطْلَق المُعلّق به وعد الجنة بلا عذاب.
وتمام هذا أن الناس قد يكون فيهم من معه شعبة من شعب الإيمان، وشعبة من شعب الكفر أو النفاق، ويسمى مسلمًا، كما نص عليه أحمد.
(ابن تيمية)
فالناسُ متفاوتون في إيمانهم، وليسوا على درجة واحدة، حتى لو كان أحدهم يعمل أعمالا شريفة كالعلم والدعوة، فقد يتلبّس ببعض شُعب الشر، والعاقل يرضى بالخير الذي عند أخيه، ويحاول أن يفتحَ له أبوابا من التوبة والارتقاء، وأن يكونَ عونا له على الزيادة في الخير والتخلص من الشر، وأن ينصحه نصيحة مُحب مُشفق يخشى على نفسه أن يُبتلى.
ولقد كان سيد الناس صلى الله عليه وسلم في تعامله مع الناس خير أسوة، أخذ منهم العفو وأمرهم بالعُرف وأعرض عن جاهلهم، وصبر عليهم، حتى أخرج الله به أناسا من ظلمات الجهل والكفر إلى النور والهدى والرحمة.
اللهم اجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر، في نفوس الناس وفي واقعهم وحياتهم.
وتمام هذا أن الناس قد يكون فيهم من معه شعبة من شعب الإيمان، وشعبة من شعب الكفر أو النفاق، ويسمى مسلمًا، كما نص عليه أحمد.
(ابن تيمية)
فالناسُ متفاوتون في إيمانهم، وليسوا على درجة واحدة، حتى لو كان أحدهم يعمل أعمالا شريفة كالعلم والدعوة، فقد يتلبّس ببعض شُعب الشر، والعاقل يرضى بالخير الذي عند أخيه، ويحاول أن يفتحَ له أبوابا من التوبة والارتقاء، وأن يكونَ عونا له على الزيادة في الخير والتخلص من الشر، وأن ينصحه نصيحة مُحب مُشفق يخشى على نفسه أن يُبتلى.
ولقد كان سيد الناس صلى الله عليه وسلم في تعامله مع الناس خير أسوة، أخذ منهم العفو وأمرهم بالعُرف وأعرض عن جاهلهم، وصبر عليهم، حتى أخرج الله به أناسا من ظلمات الجهل والكفر إلى النور والهدى والرحمة.
اللهم اجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر، في نفوس الناس وفي واقعهم وحياتهم.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمَرَّ شَاسُ بْنُ قَيْسٍ، وَكَانَ شَيْخًا قَدْ عَسَا، عَظِيمَ الْكُفْرِ شَدِيدَ الضَّغَنِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، شَدِيدَ الْحَسَدِ لَهُمْ، عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ فِي مَجْلِسٍ قَدْ جَمَعَهُمْ، يَتَحَدَّثُونَ فِيهِ، فَغَاظَهُ مَا رَأَى مِنْ أُلْفَتِهِمْ وَجَمَاعَتِهِمْ، وَصَلَاحِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ، بَعْدَ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمْ مِنْ الْعَدَاوَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَقَالَ: قَدْ اجْتَمَعَ مَلَأُ بَنِي قَيْلَةَ بِهَذِهِ الْبِلَادِ، لَا وَاَلله مَا لَنَا مَعَهُمْ إذَا اجْتَمَعَ مَلَؤُهُمْ بِهَا مِنْ قَرَارٍ. فَأَمَرَ فَتًى شَابًّا مِنْ يَهُودَ كَانَ مَعَهُمْ، فَقَالَ: اعْمِدْ إلَيْهِمْ، فَاجْلِسْ مَعَهُمْ، ثُمَّ اُذْكُرْ يَوْمَ بُعَاثَ وَمَا كَانَ قَبْلَهُ وَأَنْشِدْهُمْ بَعْضَ مَا كَانُوا تَقَاوَلُوا فِيهِ مِنْ الْأَشْعَارِ.
وثمرة الرِّضا: الفرح والسُّرور بالربِّ.
ورأيت شيخ الإسلام ابن تيمية ــ قدَّس الله روحه ــ في المنام، وكأنِّي ذكرت له شيئًا من أعمال القلب وأخذت في تعظيمه ومنفعته، لا أذكره الآن، فقال: أمَّا أنا فطريقتي: الفرحُ بالله والسُّرور به، أو نحو هذا من العبارة.
وهكذا كانت حاله في الحياة، يبدو ذلك على ظاهره وينادي به عليه حالُه.
(ابن القيم)
ورأيت شيخ الإسلام ابن تيمية ــ قدَّس الله روحه ــ في المنام، وكأنِّي ذكرت له شيئًا من أعمال القلب وأخذت في تعظيمه ومنفعته، لا أذكره الآن، فقال: أمَّا أنا فطريقتي: الفرحُ بالله والسُّرور به، أو نحو هذا من العبارة.
وهكذا كانت حاله في الحياة، يبدو ذلك على ظاهره وينادي به عليه حالُه.
(ابن القيم)