Telegram Web Link
انتهى شهر الصيام هل انتهى الصوم؟ الصوم لا يزال مشروعاً -والحمد لله- في كل وقت، وأعلاه وأفضله ما أرشد إليه النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أن يصوم الإنسان يوماً ويفطر يوماً، وهذا هو صيام داود، ثم يليه بعد ذلك ما كان أكثر فأكثر، ومن هذا صيام أيام الست من شوال، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها: «من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر». وهذه الأيام لا يدرك فضلها إلا إذا أتم الإنسان رمضان كاملاً، وعلى هذا فمن كان عليه قضاء وصامها قبل القضاء فإنه لا ينال الثواب الذي ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- ورتبه على صيام رمضان كاملاً «من صام رمضان ثم أتبعه».

الشيخ ابن العُثيمين- لقاء الباب المفتوح[117]- مواسم الخير بعد رمضان.
👍4
موقع الإمام الآجري
Photo
#جمع_القرآن_في_عهد_أبي_بكر_الصديق رضي الله عنه

عندما تولى الصديق الخلافة ارتدَّت بعض القبائل العربية الحديثة العهد بالإسلام، وفي السنة الحادية عشرة وقعت معركة اليمامة بين المرتدين بقيادة مسيلمة الكذاب، والمسلمين بقيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه، واستشهد في المعركة عدد كبير من قراء المسلمين قدر عددهم بسبعين قارئاً¹، ففزع عمر بن الخطاب رضي الله عنه من هذا الـمُصاب؛ لأنه خاف ذهاب القرآن الكريم بسبب كثرة القتل في القراء، فأسرع إلى الخليفة الصدِّيق وأشار عليه بجمع القرآن الكريم في مصحف واحد.

بَـيْدَ أن الصديق تردد ورفض الفكرة من الوهلة الأولى، وخاف أن يضعَ نفسه في منزلة من يزيدُ احتياطه للدين على احتياط رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يزل عمر يحاوره حتى شرح الله صدره، وكلّف زيد بن ثابت [رضي الله عنه] الذي شهد العرضة الأخيرة، وكان شاباً ثقةً مأموناً عاقلاً، وكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة وقال له: "إنك رجل شاب عاقل لا نَـتَّهمك، وقد كنت تكتب الوحى لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه"².
ولكن زيداً تردد قائلاً [وهو تتمة الحديث السابق]: "فوالله لو كلَّفوني نَـقْلَ جبل من الجبال، ما كان أثقل عليَّ مما أمرني به من جمع القرآن"، ولكن الله شرح صدره، ومضى يتتبع القرآن آية آية وسورة سورة، وجمعه من العُسُب واللّخاف والرقاع [القطعة من الجلد يكتب عليها]، وغير ذلك من الأدوات التي كان الصحابة يكتبون القرآن عليها أيام الرسول صلى الله عليه وسلم، كما كان يجمعه من صدور الرجال، فقال رضي الله عنه: "فتتبعتُ القرآن أجمعه من العُسُب واللّخاف وصدور الرجال".
[العسب: الجريدة من النخل، وهي السعفة مما لا ينبت عليه الخوص]،
[اللّخاف: حجارة بيض رقاق].
وكان لا يكتب شيئاً حتى يشهد شاهدان فأكثر على كتابته وسماعه من الرسول صلى الله عليه وسلم³؛ مما يدلُّ على حرصه رضي الله عنه على الجمع بين الحفظ والكتابة زيادة في التوثيق والاحتياط، ورتَّبه على وَفق العرضة الأخيرة التي سمعها من الرسول صلى الله عليه وسلم.

وقد راعى زيد في كتابة الصحف أن تكون مشتملة على ما ثبتت قرآنيته بطريق التواتر، وما استقر في العرضة الأخيرة ولم تُـنْسخ تلاوته بإجماع الصحابة، وحَرَصَ على ترتيب السور والآيات جميعاً⁴؛ لذلك قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "أعظم الناس أجراً في المصاحف أبو بكر؛ فإنه أول من جمع بين اللوحين"⁵.

وبقيت صحف القرآن⁶ المجموعة في رعاية أبي بكر، ثم عمر، ثم انتقلت إلى حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها⁷.

ص 70 - 71

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 - وقيل: كانوا خمسمئة. انظر: فضائل القرآن لابن كثير (26).

2 - رواه البخاري في صحيحه ح (4986)، [والترمذي في جامعه] والإمام أحمد في المسند ح(21644)، وغيرهما.

3 - أخرجه ابن أبي داود في المصاحف (168/1 -169). وانظر: جمال القراء للسخاوي (86/1) ، والمرشد الوجيز (55).
[قال ابن أبي داود: حدثنا عبد الله بن محمد بن النعمان قال: حدثنا محمد [بن سعيد بن سابق] قال: حدثنا أبو جعفر [عيسى بن ماهان الرازي]، عن ربيع [بن أنس البكري البصري]، عن أبي العالية [رفيع بن مهران الرباحي البصري]، أنهم ‌جمعوا ‌القرآن ‌في ‌مصحف في خلافة أبي بكر الصديق، فكان رجال يكتبون ويملي عليهم أبي بن كعب، فلما انتهوا إلى هذه الآية من سورة براءة: {نْصَرَفُوا ۚ صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ} [سورة التوبة: 127]، فظنوا أن هذا آخر ما أنزل من القرآن فقال أبيٌّ: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقرأني بعدهن آيتين: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (12 فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ۖ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)}[سورة التوبة: 128-129] "
قال: فهذا آخر ما أنزل من القرآن، فختم الأمر بما فتح به، لقول الله جل ثناؤه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [سورة الأنبياء: 25].،
ومدار الحديث على على أبي جعفر عيسى بن ماهان الرازي وهو صدوق سيء الحفظ والربيع بن أنس البكري صدوق له أوهام يتقون ما كان من رواية أبي جعفر فالحديث ضعيف لا يصح،
ومن طريق أبي جعفر عيسى الرازي رواه ثلاث رواة:
* عمر بن أسماء الجرمي أخرج حديثه عبد الله بن أحمد بن حنبل [ومن طريقه الضياء في المختارة] في زوائد المسند ...
* محمد بن سعيد بن سابق أخرج حديثه ابن أبي داود في المصاحق وابن ضريس في فضائل القرآن.
* عبد الله بن عيسى الرازي ابنه وأخرج حديثه ابن أبي حاتم في تفسيره والضياء في المختارة [من طريق ابن مردويه] والخطيب في تالي تلخيص المتشابه في الرسم وابن أبي داود في المصاحف.]
👍3
موقع الإمام الآجري
Photo
4 - انظر رأياً في تحديد المدة الزمنية التي استغرقها هذا العمل الجليل في كتاب: أضواء على سلامة المصحف الشريف من النقص والتحريف (71-72).

5 - أخرجه [عبد الله بن أحمد في زوائد فضائل الصحابة وأبي عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن والآجري في الشريعة والسلفي في المشيخة البغدادية] ابن أبي داود في المصاحف [ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق] (165/1)، وابن أبي شيبة في المصنف (148/6)، [وأورده] وابن كثير في فضائل القرآن (165)، وقال: هذا إسناد صحيح.
وقال رحمه الله: وهذا من أحسن وأجل وأعظم ما فعله الصديق رضي الله عنه، فإنه أقامه الله بعد النبي صلى الله عليه وسلم مُقاماً لا ينبغي لأحد بعده؛ قاتل الأعداء من مانعي الزكاة، والمرتدين، والفرس والروم، ونفّذ الجيوش، وبعث البعوث والسرايا، ورد الأمر إلى نصابه بعد الخوف من تفرقه وذهابه، وجمع القرآن العظيم من أماكنه المتفرقة حتى تمكن حفظه كله، وكان هذا من سر قوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَفِظُونَ} [سورة الحجر: 9] فجمع الصديق الخير وكفَّ الشرور رضي الله عنه.

6 - فكتابة القرآن الكريم وقعت في هذا الجمع على الصحف، بخلاف جمعه في عهد النبوة.
قال الحافظ ابن حجر: إنما كان في الأديـم والعسب أولاً قبل أن يجمع في عهد أبي بكر، ثم جمع في الصحف في عهد أبي بكر، كما دلت عليه الأخبار الصحيحة المترادفة. فتح الباري (633/8 .

7 - انظر صحيح البخاري ح (4982)، والمصاحف لابن أبي داود (177/1 - 179).
👍3
موقع الإمام الآجري
Photo
#جمع_القرآن_في_عهد_عثمان_بن_عفان رضي الله عنه

[لما انتشر الإسلام، وبدأ المسلمون في التفقه في الدين وتعلم القرآن، وانتشرت نسخ القرآن في الأمصار فقرأ كل كما تلقاه في بلده، ولما التقوا استمع بعضهم قراءة بعض، فانتبهوا للاختلاف في وجوه القراءة بينهم، وكل تمسك بقراءته التي بلغته من الصحابة، فنشب الخلاف.
قال البخاري في صحيحه: حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُ أَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ قَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ وَكَانَ يُغَازِى أَهْلَ الشَّأْمِ فِى فَتْحِ إِرْمِينِيَةَ وَأَذْرَبِيجَانَ مَعَ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَأَفْزَعَ حُذَيْفَةَ اخْتِلاَفُهُمْ فِى الْقِرَاءَةِ فَقَالَ حُذَيْفَةُ لِعُثْمَانَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَدْرِكْ هَذِهِ الأُمَّةَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِفُوا فِى الْكِتَابِ اخْتِلاَفَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَى حَفْصَةَ أَنْ أَرْسِلِى إِلَيْنَا بِالصُّحُفِ نَنْسَخُهَا فِى الْمَصَاحِفِ ثُمَّ نَرُدُّهَا إِلَيْكِ فَأَرْسَلَتْ بِهَا حَفْصَةُ إِلَى عُثْمَانَ فَأَمَرَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فَنَسَخُوهَا فِى الْمَصَاحِفِ وَقَالَ عُثْمَانُ لِلرَّهْطِ الْقُرَشِيِّينَ الثَّلاَثَةِ إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِى شَىْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ فَفَعَلُوا حَتَّى إِذَا نَسَخُوا الصُّحُفَ فِى الْمَصَاحِفِ رَدَّ عُثْمَانُ الصُّحُفَ إِلَى حَفْصَةَ وَأَرْسَلَ إِلَى كُلِّ أُفُقٍ بِمُصْحَفٍ مِمَّا نَسَخُوا وَأَمَرَ بِمَا سِوَاهُ مِنَ الْقُرْآنِ فِى كُلِّ صَحِيفَةٍ أَوْ مُصْحَفٍ أَنْ يُحْرَقَ.1

وبذلك أدرك الصحابة -وفي مقدمتهم الخليفة عثمان بن عفان- خطورة الوضع، والأمر يتعلق بأهم مصدر للمسلمين وأنهم إن لم يعالجوا الأمر بحكمة وسرعة تفرقت الأمة،
فقام الخليفة عثمان بن عفان في أواخر سنة 24 وأوائل سنة 25 بمشاورة إخوانه من الصحابة رضي الله عنهم، واتخذ الخطوات التالية:]*

1 - دعوة الصحابة إلى كتابة مصحف إمام يجتمع المسلمون في بلدانهم على القراءة فيه، فخاطبهم بقوله: "اجتمعوا يا أصحاب محمد واكتبوا للناس إماماً"2.

۲ - اختيار أربعة3 من أجلاء الصحابة الاولى لكتابة المصحف، وهم:
زید بن ثابت من الأنصار، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام من قريش،
وكانوا على قدر كبير من العلم والفصاحة؛ ومن تأمل سيرتهم، وما تحلَّوا به من قدرات علمية وأخلاق عالية أدرك أن اختيارهم صاحبته عناية الله الذي تعهَّد بحفظ كتابه ثم الحرص الشديد من الخليفة الراشد عثمانَ وإخوانه الصحابة رضي عنهم أجمعين.

3 - تحديد منهج دقيق للكتابة:
إذ رسم الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه لهؤلاء النفر المختارين منهجاً علمياً يسيرون عليه في كتابة المصحف، وهيَّأ لهم الأسباب الكفيلة لتنفيذ عملهم بدقة، وإخراجه على أتم وجه:
فقد أحضر لهم الصُّحُف التي جمعها أبو بكر رضي الله عنه، من عند أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنها؛ لتكون الأساس الذي يعتمدون عليه في كتابة المصحف1.

وفي الوقت ذاته وجّه هؤلاء الأئمة كيف يتعاملون عند وقوع اختلاف بينهم، فقال للرَّهْط القرشيين الثلاثة: "إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم"1، ففعلوا.

وكان يتعاهدهم ويتابع سير عملهم، وكان من حرصهم واحتياطهم رضي لله عنهم أنهم كانوا يهتمون بملاحظة العَرْضة الأخيرة وهي:
عَرْضُ الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم على جبريل مرتين في عام وفاة النبي صلى الله عليه وسلم4.
وكان زيد بن ثابت رضي الله عنه قد شهد هذه العرضة، وهذا ما أهله ليختاره أبو بكر وعمر في الجمع الأول للقرآن، وعثمان في الجمع الثاني.
وكان من منهجهم رضي الله عنهم في نسخهم للمصاحف كتابة اللفظ المحتمل لأكثر من قراءة برسم واحد دون نَقْط أو شَكْل؛ ليحتمل رسمها القراءات التي فيها، نحو: (نُنشِزُهَا) و(نُنشُرُهَا)، و(فَتَبَيَّنُوا) و(فَتَثبَّتوا)، وما لا يمكن كتابته بصورة تحتمل أكثر من قراءة فإنهم عمدوا إلى توزيع كتابة تلك الألفاظ على المصاحف نحو: (تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) و(تَجْرِى تَحتَهَا الأَنْهَرُ).
وكان هذا الجمع مرتَّبَ الآيات والسور على الوجه المعروف، الذي عليه المصاحف الآن، وعلى اللفظ الذي استقر عليه في العرضة الأخيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم5.
وهكذا جُمِعَ المصحف في عهد الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه في غاية من الدقة والضبط، وبقي نصُّة محفوظاً من التحريف، ولم يتطرق إليه شك من الزيادة فيه أو النقص منه.
👍5
موقع الإمام الآجري
Photo
ولا ريب أن انتساخ المصحف قد استغرق وقتاً ليس بالقليل، كما أن الصحابة قد تضافرت جهودهم مع إخوانهم المختارين لهذه المهمة في إنجاز هذا العمل العظيم على أتم صورة، وحظي بإجماع الصحابة كلهم على قبوله، فرضي الله عنهم وجزاهم عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.

وأرسل عثمان رضي الله عنه مصحفاً إلى كل مصر من الأمصار الإسلامية آنذاك.
والصحيح أنها سنة مصاحف أرسلت إلى مكة، والشام، والكوفة، والبصرة، وبقي واحد منها بالمدينة ويسمى المدني العام، وأمسك عثمان واحداً منها لنفسه ويسمى المدني الخاص، أو مصحف الإمام، وقد كان في حجره رضي الله عنه وأرضاء حين قُتل، وانتشر دمه الزكي عليه6.

واشتملت هذه المصاحف على ما يحتمله رسمها من الأحرف السبعة، جامعة للعرضة الأخيرة التي عرضها النبي صلى الله عليه وسلم على جبريل عليه السلام.
وهو قول جمهور العلماء من السلف والأئمة، والأحاديث والآثار المشهورة المستفيضة تدل عليه7.

وزيادة في الاحتياط، ولكي يحقق هذا الجمع أهدافه أرسل عثمان رضي الله عنه مع كل مصحف قارئاً فأمر زيد بن ثابت أن يُقرئ بالمصحف المدني، وبعث عبد الله السائب مع المكي، والمغيرة بن أبي شهاب المخزومي مع الشامي، وأبا عبد الرحمن السلمي مع الكوفي، وعامر بن عبد قَـيْس مع البصري، ثم تناقل المسلمون هذا التلقي خلفاً عن سلف إلى اليوم.

ومن حرص عثمان رضي الله عنه على وَحْدة المسلمين حول القرآن الكريم، وكي لا يحدث أي خلاف يتنافى مع الجهد العظيم الذي بذله الصحابة رضي الله عنهم في جمع المصحف بالطريقة التي سبقت الإشارة إليها، وليحقق هذا العمل مقاصده العامة اتخذ عثمان رضي الله عنه قراراً حازماً -بعد أن أتمَّ نسخ المصاحف، وأعاد الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل مصر مصحفاً وقارناً- إذ أمر بما سواء من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يُحَرَّق1، وقد كان هذا القرار بمشاورة الصحابة وموافقتهم، يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "لا تقولوا في عثمان، إلا خيراً، فو الله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا جميعاً"8.
ومن هنا جاء عمل عثمان رضي الله عنه امتداداً للمقاصد النبيلة التي سعى إليها أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
إذ حفظ جَمْعُ أبي بكر رضي الله عنه القرآن الكريم من أن يذهب منه شيء بذهاب حملته، وذلك بجمعه القرآن في صحف، مرتب الآيات وفق ما أخذوه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جاء عثمان رضي الله عنه فنقل ما في الصحف التي أمر بجمعها أبو بكر رضي الله عنه، وجعلها في مصاحف، مع ترتيب سور القرآن وآياته؛ إطفاء لفتنة الاختلاف في القراءة، وجمعاً لشمل المسلمين، وحفاظاً على كتاب الله من أن يطرأ عليه تحريف أو تبديل.

ص72 - 76

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 - رواه البخاري في صحيحه ح(4987)، والترمذي في جامعه ح(3104)، وابن أبي داود في كتاب المصاحف (204/1 - 205)، وغيرهم [النسائي في الكبرى وابن حبان في صحيحه وأبي يعلى في المسند والطبراني في مسند الشاميين].

* بتصرف.

2 - أخرجه ابن أبي داود في المصاحف (211/1 - 212)، والداني في المقنع (6 - 7) .

3 - روى الداني عن ابن شهاب أنهم خمسة، بزيادة عبد الله بن عباس. انظر: المقنع (4) .
وروى ابن أبي داود أنهم كانوا اثني عشر رجلاً من قريش والأنصار، فيهم أبي بن كعب وزيد بن ثابت. انظر: المصاحف (221/1).
ورواية البخاري وغيره على أنهم الأربعة المذكورون.

4 - رواه البخاري في صحيحه ح(6285،6286).
وقد أرفقت لكم ثلاث بحوث متنوعة عن الأعرضة الأخيرة:
الأحاديث والآثار الواردة في العرضة الأخيرة رواية ودراية محمد بازمول.
العرضة الأخيرة دلالتها وأثرها ناصر القثامي.
العَرضة الأخيرة للقرآن الكريم والأحاديث والآثار الواردة فيها أسامة الحياني.

5 - صرح بذلك غير واحد من أئمة السلف؛ كمحمد بن سيرين، وعبيدة السلماني، وعامر الشعبي. انظر: المرشد الوجيز (170-171)، والنشر (8/1).

6 - انظر: الوسيلة للسخاوي (74-81) ، وفتح الباري (637/، والإتقان (393/2) ومقدمة شريفة كاشفة للمخللاتي (68.

7 - انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (395/13)، والنشر (31/1).

8 - أخرجه ابن أبي داود في المصاحف (214/1)، والبيهقي في السنن الكبرى (42/2)، وصحح إسناده كل من ابن حجر في فتح الباري (18/9)، والسيوطي في الإتقان (390/2)، والقسطلاني في لطائف الإشارات (61/1).
👍5
قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على العاقل لزوم التواضع ومجانبة التكبر ولو لم يكن في التواضع خصلة تحمله إلا أن المرء كلما كثر تواضعه ازداد بذلك رفعة لمكان الواجب عليه أن لا يتزيا بغيره.

روضةُ العُقلاء- محمد ابن حبَّان البُستي- ص59
👍52
والتواضع تواضعان أحدهما محمود والآخر مذموم والتواضع المحمود ترك التطاول على عباد الله والإزراء بهم والتواضع المذموم هو تواضع المرء لذي الدنيا رغبة في دنياه.

روضةُ العُقلاء- محمد ابن حبَّان البُستي-رحمه الله- ص59.
👍8
قال تعالى : ( وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾
[ سورة الفرقان: 63]

التفسير:

العبودية لله نوعان: عبودية لربوبيته فهذه يشترك فيها سائر الخلق مسلمهم وكافرهم، برهم وفاجرهم، فكلهم عبيد لله مربوبون مدبرون { إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا } وعبودية لألوهيته وعبادته ورحمته وهي عبودية أنبيائه وأوليائه وهي المراد هنا ولهذا أضافها إلى اسمه " الرحمن " إشارة إلى أنهم إنما وصلوا إلى هذه الحال بسبب رحمته، فذكر أن صفاتهم أكمل الصفات ونعوتهم أفضل النعوت، فوصفهم بأنهم { يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا }- أي: ساكنين متواضعين لله والخلق فهذا وصف لهم بالوقار والسكينة والتواضع لله ولعباده.
{ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ }- أي: خطاب جهل بدليل إضافة الفعل وإسناده لهذا الوصف، { قَالُوا سَلَامًا }- أي: خاطبوهم خطابا يسلمون فيه من الإثم ويسلمون من مقابلة الجاهل بجهله.
وهذا مدح لهم، بالحلم الكثير ومقابلة المسيء بالإحسان والعفو عن الجاهل ورزانة العقل الذي أوصلهم إلى هذه الحال.
-تفسير السعدي.
👍7
موقع الإمام الآجري
Photo
#اهتمام_المسلمين_بالخط_وكتابة_المصاحف

اهتم المسلمون بالخط وكتابة المصاحف اهتماماً عظيماً، ومَهَرَ جماعة من الخطاطين على مرِّ العصور في هذا الجانب، وكان بعضُهم خطه بارع وجميل جداً، وممَّن اشتهر من المبكرين في كتابة الخط رجل يسمى: خالد بن أبي الهياج، الذي ذاعت شهرته، وكان كاتباً للوليد بن عبد الملك يكتب له المصاحف والأخبار والأشعار، وكتب على جدار قبلة المسجد النبوي بالذهب أربعاً وعشرين سورة، تحوي ثلاثاً وتسعين آية من القرآن الكريم تبدأ من سورة "الشمس" إلى آخر القرآن الكريم1.

ثم جاء بعد خالدِِ أبو يحى مالك بن دينار الوراق (۱۳۱)، واشتهر بتجويد الخط، وكان يكتب المصاحف مقابل أجر2.

وفي آخر عهد الأمويين ذاع صيت كاتب اشتهر بجمال الخط يسمى "قطبة المحرّر" (١٥٤)، وكان أكتب أهل زمانه، إذ مثَّل مرحلة كبيرة من مراحل تاريخ الخط العربي، بدأت في تحويل الخط من الشكل الكوفي اليابس إلى الشكل اللين3.

ص 88

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 - الفهرست للنديم (9)، وإنباه الرواة (43/1) ، وتاريخ الخط العربي وآدابه (325).

2 - المعارف لابن قتيبة (577،470)، والفهرست (10) ، والأعلام (134/6).

3 - الفهرست للنديم (10)، وتاريخ الخط العربي وآدابه (349).
👍6
فالعاقل إذا رأى من هو أكبر سنا منه تواضع له وقال سبقني إلى الإسلام وإذا رأى من هو أصغر سنا تواضع له وقال سبقته بالذنوب وإذا رأى من هو مثله عده أخا فكيف يحسن تكبر المرء على أخيه ولا يجب استحقار أحد لأن العود المنبوذ ربما انتفع به فحك الرجل به أذنه.

روضة العُقلاء- محمد ابن حبان البستي- رحمه الله- ص62.
👍52
ذكر الزجر عَن تهاجر المسلمين كافة
حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ الْوَاسِطِيُّ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تَبَاغَضُوا وَلا تَنَافَسُوا وَلا تَحَاسَدُوا وَلا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا.

روضة العُقلاء- ابن حبّان- رحمه الله- ص204
👍53
قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه لا يحل التباغض ولا التنافس ولا التحاسد ولا التدابر بين المسلمين والواجب عليهم أن يكونوا إخوانا كما أمرهم اللَّه ورسوله فإذا تألم واحد منهم تألم الآخر بألمه وإذا فرح فرح الآخر بفرحه ينفي الغش والدغل مع استسلام الأنفس لله عز وجل مع الرضا بما يوجب القضاء في الأحكام كلها ولا يجب الهجران بين المسلمين عند وجود زلة من أحدهما بل يجب عليهما صرفها إلى الإحسان والعطف عَلَيْهِ بالإشفاق وترك الهجران.

روضة العُقلاء- ابن حبّان- رحمه الله- ص204.
👍7
موقع الإمام الآجري
Photo
وكان من الخطاطين المشهورين رجل من علماء العربية البارعين، معروف بــأبي عمرو الشيباني (206)، له معجم مطبوع بين الأيدي، يسمى كتاب "الجيم"، -شبيه بالديباج، وهو نوع من ثياب الحرير؛ لحسنه- طبع في مصر¹، فهذا العالم كان خطاطاً يكتب المصاحف، ويقال: إنه كتب بخطه البديع أكثر من ثمانين مصحفاً².

وظلَّ الخط العربي يتطور قليلاً قليلاً، ومع بزوغ فجر القرن الثالث الهجري انتهت رئاسة الخط إلى الوزير أبي علي محمد بن علي بن مُقْلة (328، الذي طوّر الخط العربي، وأضاف إليه بعض التحسينات، ويقال: إنه أوصل أنواع الخط إلى ستة خطوط، هي: الثلث، والنَّسْخ، والتوقيع، والرَّيحان (نسبة إلى أعواد الرَّيحان؛ لتداخل حروفه)، والمحقَّق (خط الورَّاقين)، والرّقاع (وهو قريب من الثُّـلُث واستعمل في ديوان الإنشاء)، وأكمل ما بدأه قطبة المحرّر من تحويل الخط الكوفي إلى ما يقارب الشكل الذي هو عليه الآن، وهو أول من قدر مقاييس النُّقط وأبعادها، وأحكم ضبطها وهندسها، وكتب آنذاك مصحفين، أحدهما ظلَّ في إشبيلية زمناً، والآخر كان محفوظاً في مكتبة بهاء الدولة البويهي (379 - 403) في شيراز، وقد قام ابن البواب بإكمال الجزء الذي فُقد من هذا المصحف، بحيث لا يشعر الإنسان بأن هنالك اختلافاً بين الخطين³.

وعلى الرغم من خُلو المكتبات من وثائق أكيدة من النماذج التي تنسب لابن مقلة، إلا أنه يمكن القول بوجود مَنْ حاكَوْه وجروا على طريقته، والمؤكد أن النماذج الخطية الناضجة من القرن الرابع الهجري، والتي كتبت بالخط المستدير خاصة، تحمل طابع مدرسة ابن مقلة⁴.

ص89 - 90
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 - انظر: معجم المعاجم (243 - 244) .
[تحميل كتاب الجيم: https://www.ajurry.com/vb/filedata/fetch?id=254784&d=1713655035]

2 - جمهرة الخطاطين البغداديين (14/1).

3 - وفيات الأعيان (115/5)، وتاريخ الخط العربي للكردي (70)، وتحقيقات وتعليقات على كتاب الخطاط البغدادي ابن البواب لبهجة الأثري (51).

4 - فن الخط: تاريخه ونماذج من روائعه على مر العصور (22).
👍6
وعَنْ أَبِي أَيُّوبَ رضي الله عنه : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ, فَيُعْرِضُ هَذَا، ويُعْرِضُ هَذَا، وخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
👍7
وأنشدني الأبرش ...
أبل الرجال إذا أردت إخاءهم ... وتوسمن أمورهم وتفقد
فإذا ظفرت بذي اللبابة والتقى ... فبه اليدين قرير عين فاشدُد
فمتى يزِلّ ولا محالة زلَّة ... فعلى أخيك بفضل حلمك فاردُد
وإذا الخنى نقض الحبى في مجلس ... ورأيت أهل الطيش قاموا فاقعُد ..

روضة العُقلاء- ابن حبّان- ص205
👍8
قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه السبب المؤدي إلى الهجران بين المسلمين ثلاثة أشياء إما وجود الزلة من أخيه ولا محالة يزل فلا يغضي عنها ولا يطلب لها ضدها وإبلاغ واش يقدح فيه ومشي عاذل بثلب له فيقبله ولا يطلب لتكذيبه سببا ولا لأخيه عذرا وورود ملل يدخل على أحدهما فإن الملالة تورث القطع ولا يكون لملول صديق.

روضة العُقلاء- محمد ابن حبَّان البستي- رحمه الله- ص206
👍43
وعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ[6021]
👍53
ذكر الحث على لزوم الحلم عند الأذى

فالحليم عظيم الشأن رفيع المكان محمود الأمر مرضي الفعل والحلم اسم يقع على زم النفس عَن الخروج عند الورود عليها ضد مَا تحب إلى مَا نهي عنه.

روضة العُقلاء- محمد ابن حبّان البستي- ص208
👍5
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( البِرُّ حُسنُ الخُلُقِ ، والإِثْمُ ما حاكَ في صدْرِكَ ، وكرِهْتَ أنْ يَطلِعَ عليه الناسُ).

أخرجه مسلم [2553]
المحدث: الألباني/صحيح الجامع[2880].
👍4
وظهر في القرن السابع الهجري أبرزُ الخطاطين أبو المجد جمال الدين ياقوت بن عبد الله المستعصمي (698)، وكان أديباً شاعراً خازناً بدار الكتب المستنصرية. وكان لطريقته في تغيير شكل قطع رأس القلم تأثير واضح في أنواع الخطوط الستة التي اخترعها ابن مقلة، وقد برزت الخدمة التي قام بها في تجويده للخط المحقق والرَّيحاني بصورة خاصة.
وكثير من الأعمال التي بقيت حتى اليوم بخط ياقوت هي المصاحف.​

ص 94
👍6
2025/10/24 13:58:49
Back to Top
HTML Embed Code: