Telegram Web Link
👌 سر من أسرار التوفيق في القول والعمل؛ التفرقة بين الرضا بالأقدار، والرضا عن النفس!

من دقائق الشريعة المهمة في حياة المؤمن أنها لا تجعل الرضا كله واحدًا، بل توجب الرضا بالأقدار وتذم الرضا عن النفس، ومن فرق بينهما زال عن قلبه كل إشكالٍ وحيرة.

فالرضا بالأقدار يوجب التسليم، وعدم الرضا عن النفس يوجب السعي.

الرضا بالأقدار يوجب حُسن الظن بالله، وعدم الرضا عن النفس يوجب ألا تأمن مَكر الله.
الرضا بالأقدار يوجب التجلُّد في الصبر، وعدم الرضا عن النفس يوجب التجلُّد على العمل.

الرضا بالأقدار نقيضه السَّخط، وعدم الرضا عن النفس نقيضه الغفلة، قال ابن القيم: "آفة العبد رضاه عن نفسه"

عدم الرضا عن النفس= الشعور بالتقصير (في حق الله عز وجل، وحقوق الآخرين) في الأثر عن بعض السلف: وكيف يصح لعاقل الرضا عن نفسه والله تعالى يقول: (إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي)!

الرضا عن النفس يعني الغفلة عن أنها مُقصرة؛ لأن النفس بطبيعتها مقصرة وناقصة وأمارة بالسوء، ولذلك قال ابن عطاء فيما معناه: "الرضا عن النفس أصل كل معصية"

فعدم الرضا عن النفس، ليس من زواية استحقاقاتها عند الآخرين وفردانيتها ودورانها حول نفسها؛ إنما عن نظرة النفس لذاتها ولعملها وما صدر عنها، فالأصل ألا ترضى عن نفسها وبالتالي كيف تشعر مع ذلك بأنها -تستحق- الأفضل إذا كانت مُقصرة؟!
638- السلام عليكم
من المسوؤل بعناية الام المريضة هل الذكر مع العلم انه متزوج ام الانثى وهي مطلقة
الانثى ترفض خدمة امها وهي تقول ان الذكر هو المسوؤل بلعناية بالام
افيدونا افادكم الله
____
وعليكم السل
ام ورحمة الله وبركاته
الجواب:
إن خدمة الوالدين عموما عند الحاجة لكبر أو مرض ونحوهما واجبة على الأولاد سواء كانوا ذكوراً أم إناثاً، وخاصة الأم؛ لأن برها آكد من بر الوالد، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما سأله رجل: ( فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، مَن أحَقُّ النَّاسِ بحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قالَ: أُمُّكَ، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أبُوكَ) رواه البخاري.

وإذا لم يوجد لهذه الأم إلا هذا الولد وهذه البنت، فالواجب عليهما خدمتها معاً بالتعاون والتنسيق بينهما، ومن حسن البر خدمتها مباشرة، فإن صعب أو تعذر عليهما فيكون عن طريق استئجار خادمة تقوم على رعايتها، وهذا حق لها.

والأصل أنه لا ينتظر أحدهما من يقوم ببر أمه، وليبادر كل منهما بسبق الآخر ببر أمه، وهذا من علامات الوفاء. فإن كانت البنت مطلقة هذا يعني أن عندها وقت أوسع من الولد. والبر واحب عليهما معاً.
- أي حالة من الصراع هذه على خدمة أمهما؟!
كيف كانت هذه الأم تقوم على خدمتهما عندما كان كل واحد منهما طفلا صغيرا، هل كانت تستشير أحداً أو تختلف معه من أجل خدمتهما أم كانت تضحي بكل قوتها وطاقتها لخدمتهما!!!

إن من أكبر العار والخيانة أن يكون حال الأبناء هكذا عند كبر الوالدين أو أحدهما. ويزاد هذا الأمر بشاعة إن كان هذا الصراع أمامها؛ لذلك قال تعالى: ( وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا)
وفي تفسير الطبري: (عن مجاهد إما يَبْلُغانَّ عِندك الكبر فلا تَقُل لهما أف حين ترى الأذى، وتميط عنهما الخلاء والبول ، كما كانا يميطانه عنك صغيرا، ولا تؤذهما) انتهى. (تفسير الطبري - ج8 - دار الكتب العلمية - ص: 59).

فكلمة أف تدل على التذمر والتضجر والملل من خدمة الوالدين ورعايتهما، فإن حصل ذلك كان هو عين العقوق، وهو درجات.
اللهم أجرنا من العقوق.

فمن عق والديه فقد أعد الله له عقوبات متنوعة جاءت في نصوص صحيحة.

منها العقوبة في الحياة الدُّنيا:
فقد ورد عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (بابانِ مُعجَّلانِ عُقوبتُهما في الدنيا: البَغْيُ، والعقُوقُ). صحيح الجامع.
ومن العقوبات الدنيوية معاملة الابناء لك بالمثل عند كبر السن عندما تصير ضعيفا.

العقوق يكون سبب من أسباب الشقاء في الآخرة، والحرمان من دخول الجنّة:
ففي حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (ثلاثةٌ لا ينظرُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ إليهم يومَ القيامةِ ؛ العاقُّ لوالِدَيهِ، والمرأةُ المترجِّلةُ، والدَّيُّوثُ، وثلاثةٌ لا يدخُلونَ الجنَّةَ: العاقُّ لوالِدَيهِ، والمدمِنُ على الخمرِ، والمنَّانُ بما أعطى)، حسن صحيح.

كما أخرج الإمام مُسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (رَغِمَ أنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُ، قيلَ: مَنْ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: مَن أدْرَكَ أبَوَيْهِ عِنْدَ الكِبَرِ، أحَدَهُما، أوْ كِلَيْهِما فَلَمْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ)، رواه مسلم.

يكون سبب من أسباب غضب الله، والطرد من رحمته:
ففي الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (لعن اللهُ من عقَّ والديهِ). رواه أحمد باسناد صحيح.

يكون استجابة دعوة الوالدَين على ولدهما العاقّ، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (ثلاثُ دعوَاتٍ مُستجاباتٌ لا شَكَّ فيهنَّ: دعوَةُ المظلومِ، ودعوةُ المسافرِ، ودعوةُ الوالدِ على ولدِهِ). رواه الأمام أحمد في مسنده.

وعليه تكون خدمة الوالدين من أعظم العبادات، ففي ذلك فليتنافس المتنافسون؛ لا يختلفون أو يتقاتلون.

فيجب على الشباب المتزوج والبنت المطلقة أن يقوما على خدمة الأم. ويكون ذلك يوم للبنت ويوم للولد، فإن لم يستطع الولد القيام على خدمة أمه كما قلنا فليعطي أخته شيئاً من الأجرة بدلا منه، والخدمة منه أبر بأمه. وإن امتنع الولد عن ذلك فلا تنتظر أخته بره لأمه إن قصر. فلتبادر هي بخدمة والدتها طاعة لربها ووفاء لأمها.
والله تعالى أعلم.
2025/07/10 07:23:00
Back to Top
HTML Embed Code: