Telegram Web Link
سلسلة الدروس الرمضانية
أ.د. عبد الله بن عمر الدميجي
الحلقة(14)
[الصيام سبب لتزكية النفس والتربية على الأخلاق الفاضلة]
الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، المبعوث رحمة للعالمين، الذي أدّبه ربه فأحسن تأديبه، وبعثه ليتمم صالح الأخلاق، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فلا يزال الحديث متعلقاً بذكر فضائل وثمرات الصيام ومزاياه العظام.
الفضيلة السابعة: الصيام مدرسة لتزكية النفس والتربية على الأخلاق الفاضلة.
فالصيام من أعظم الأسباب المؤدية إلى تزكية النفس وغرس التقوى في القلوب، والتحلي بمكارم الأخلاق، وضبط النفس والصبر والعفو، وهذه من مقاصد الصيام وحكمه العظيمة؛ ولذا قال صلى الله عليه وسلم: ((الصيام جنّة، فإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث يومئذ ولا يسخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم)) البخاري ومسلم. وفي رواية: ((.. فلا يرفث ولا يجهل وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم)).
فنهى النبي صلى الله عليه وسلم الصائم عن الرّفث وهو الفحش في الكلام، وعن الصخب وهو الصراخ ورفع الصوت في الخصومة، وعن الجهل وهو السفه على نفسه أو على غيره.
فإذا ابتلي الصائم بمن يجهل عليه فلا يجهل كجهله، وإنما يتحلّى بصفات عباد الرحمن الذين امتدحهم الله تعالى بقوله: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} [سورة الفرقان: 63]، وقوله تعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ}[القصص:55] وقوله سبحانه: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[سورة آل عمران: 134].
وامتثل أمر ربّه تعالى لنبيّه صلى الله عليه وسلم:{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [سورة الأعراف: 199].
فحريّ بالمسلم الذي أدّبه القرآن والصيام أن يُرى هذا الأدب في سلوكه، وخاصة في مواسم الخيرات والبركات في شهر الصيام وتزكية النفوس وتربيتها، فيبقى قلبه أبيض نقيًّا، يحرّكه الإيمان وشعب الخير المتعددة.. يأتي رمضان والصيام ليغسل ما ران عليه الأوساخ والدّنس فلا يبقى للأعمال والأخلاق المشينة إلى قلبه سبيلا.
فمن فضائل الصيام أنه يُذهب وَحَرَ الصدر؛ أي الغلّ والحقد والغشّ ووساوس الشيطان، وما يحصل في القلب من كدرة وقسوة. فعن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :(( صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر يذهبن بوَحَر الصدر )).
وفي رواية عند النسائي: قال صلى الله عليه وسلم:(( ألا أخبركم بما يذهب وحَر الصدر؟ صوم ثلاثة أيام من كل شهر )).
وحقٌّ على الصائم ألّا يجهل مطلقا، لا مبتدئاً ولا مجاوباً، و(إن امرؤ قاتله أو شاتمه) فليصبر، فليس الشديد بالصرعة كما قال صلى الله عليه وسلم ((وإنما الشديد من يملك نفسه عن الغضب)) . ولا يزيد عن أن يقول بلسان حاله ومقاله: (إني امرؤ صائم) أو ( إني صائم ) يكررها مرتين كما في الصحيحين ولا يزيد عليها ( اللهم ).
وقول: (إني امرؤ صائم، إني امرؤ صائم). يحتمل وجهين كما قال الخطابي رحمه الله تعالى:
أحدها: أن يقولها فيما بينه وبين نفسه لئلّا تحمله النفس على مجازاة الشاتم فيفسد بذلك صومه.
والآخر: أن يقول ذلك بلسانه ليمتنع الشاتم من شتمه إذا علم أنه معتصم بالصيام فلا يؤذيه ولا يجهل عليه.
أو ليشعره أنه غير عاجز عن الرّد بالمثل، لكنه يصون صيامه، وأعظمه طاعة ربه في عدم الرد عليه، وهذا تلقين درس عظيم لهذا المعتدي فلعل ذلك يحجزه عن جهله، ويعظم شعيرة ربه.
ولا شكّ أن هذا أمر يحتاج إلى صبر ومجاهدة، فإن الأخلاق الفاضلة لا يوفّق لها إلا أهل العزائم العالية الذين أدّبهم الإسلام بشرائعه وشعائره حتى سمت وارتفعت عن أخلاق التشفِّي والانتقام وعدم العفو عن المسيء والكذب وأخلاق السفهاء، قال تعالى: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}[فصلت:35].
ثم إن الصيام لم يشرع لأجل الامتناع عن الطعام والشراب ونحوهما من المباحات في الأصل، وإنما شرع لتربية النفس وتهذيبها وتزكيتها بالأخلاق الفاضلة وتحقيق التقوى في كل شؤونها ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)) رواه البخاري.
فقول الزور يعني الكذب وقول الباطل. والعمل به أي: الباطل. ومعنى الجهل أي: السفه سواء كان سفها على النفس أو على الآخرين.
ويدخل في الجهل جميع المعاصي لأنها من الجهل بالله تعالى، والجهل بقدره تعالى وشرعه، قال تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}[النساء:17].
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: ( من عمل السوء فهو جاهل، من جهالته عمل السوء).
وهذا الحديث يدل على أمرين:
الأول: أنه يتأكد على الصائم ترك الذنوب والمعاصي أكثر من غيره، وإلا لم يكن لصيامه معنى.
الثاني: أن الذنوب والمعاصي بجميع أنواعها من ذنوب القلب واللسان وسائر الجوارح تؤثر في الصوم فتجرحه وتنقص ثوابه وثمرته، وقد عبّر النبي صلى الله عليه وسلم عن المعاصي القولية بقوله: (قول الزور) وعن الفعلية بقوله: (والعمل به) وعن عموم المعاصي بما فيها القلبية بقوله:(والجهل) فكل معصية تقع من الصائم فإن تخدش الصيام وتنقص أجره، وإن كانت تحصل به براءة الذمة؛ فلا يطالب بقضاء ذلك اليوم لأنّه قد أمسك عن المفطرات الحّسية.
الثالث: كما أن الذنوب تؤثر سلباً على الصيام فتنقص ثوابه وثمرته. ففي المقابل الصيام يؤثر إيجاباً في تربية النفوس وضبط انفعالاتها وردّها إلى الجادّة عندما تحيد. فكما أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي فكذلك الصيام، وهذا أمر مشاهد؛ فيضبط الانفعالات ويهذّب النفوس.
وخير دليل على ذلك أن الله تعالى شرع الصيام كفارة لمن انفلتت عليه نفسه وتحكم فيه غضبه ومن ذلك:
- كفارة القتل الخطأ؛ فجعل الكفارة صيام شهرين متتابعين لمن لم يتمكن من تحرير رقبة قال تعالى :{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً..} إلى أن قال: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}[النساء:92].
-كفارة الظهار قال تعالى: { فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}[المجادلة:4].
- ومثل كفارة اليمين.
- ⁠وفدية الأذى للمحرم.
- ⁠وبدل هدي التّمتع لمن لم يجد الهدي.
- والظاهر أن الصيام شرع لضبط النفس عن تلك الانتهاكات والتجاوزات لترويضها والعودة بها إلى الجادة المستقيمة الآمنة المستقرة.
كما يدل الحديث على أنه يجب أن يكون الصائم متميّزا عن غيره أثناء صيامه بتقوى الله، والبعد عمّا اعتاده من التقصير في الواجبات وارتكاب المنكرات، وعليه الترفع عن سافل الأخلاق وبذيء العبارات، ولذا قال جابر رضي الله عنه: "إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك من الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة، ولا تجعل يوم صومك ويم فطرك سواء".
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيّئها لا يصرف عنا سيّئها إلا أنت.
اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين.
اللهم تقبل صيامنا وقيامنا وسائر أعمالنا.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سلسلة الدروس الرمضانية
أ.د. عبد الله بن عمر الدميجي
الحلقة(15)
[للصائم دعوة لا ترد]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فلا يزال الحديث مستمرا عن فضائل الصيام وثمراته.
الفضيلة التاسعة: للصائم دعوة لا ترد.
الدعاء من أفضل العبادة وأحبّها إلى الله تعالى، قال صلى الله عليه وسلم: (( الدعاء هو العبادة)) وقال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}[غافر:60].
وقال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}[البقرة:186]. وهذا وعد إلهي مؤكد والله لا يخلف الميعاد.
وقد ذكر الله تعالى هذه الآية بين آيات الصيام:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ) [سورة البقرة: 183] وآية: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ}[البقرة:187]، وفي ذلك إشارة إلى أهمية الدّعاء عند القيام بهذه الشعيرة، وحريّ بالدّاعي فيها أن يستجاب له كما وعد الله تبارك وتعالى؛ ولذلك قال ابن الجوزي رحمه الله عن شهر الصوم، شهر رمضان: " لا دعاء فيه إلا مسموع، ولا عمل إلا مرفوع، ولا خير إلا مجموع، ولا ضرر إلا مدفوع".
وهذه الآية الكريمة فيها من اللطائف والإشارات للمتأمّل ما يبهر العقول ويحفّز الهمم في المزيد من التضرع والدعاء، ومن هذه اللطائف:
1- أنها جاءت بين آيات الصيام مشعرة بأن الصيام مظنة الإجابة كما تقدم.
2- أن الله تبارك وتعالى تولّى الإجابة بنفسه العليّة فقال: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب..} على خلاف غيرها من الآيات التي أشار الله تعالى فيها إلى الواسطة: {يسألونك عن..}.
3- تقديم القُرْب على الدعاء (فإني قريب) ليطمئن الداعي إلى أنه في مكانة عظمى من المدعو؛ فيطمئن قلبه ويثق بقبول الدعاء، وقد سأل الصحابة.
4- تقديم الإجابة على الدعاء {أجيب دعوة الداعي إذا دعان} مشعر بتحقّق وسرعة الاستجابة.
5- في الآية ثلاثة شروط ونتيجة؛ فإذا حقّق العبد الشروط كانت النتيجة.
أ- أما الشرط الأول ففي قوله تعالى: {إذا دعان} فعلى العبد الدعاء وليوقن بالإجابة كما قال عمر رضي الله عنه: (إني لا أحمل همّ الإجابة ولكن أحمل همّ الدعاء) يعني: لأن الإجابة مضمونة.
ب- أما الشرط الثاني ففي قوله تعالى: {فليستجيبوا لي} فشرط إجابة الدعاء؛ الاستجابة لله وللرسول قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ[الأنفال:24].
ففيها إشارة إلى أن عليكم أن تجيبوا دعوتي ودعوة رسولي حتى أجيب دعاءكم.
ج- الثالث: الإيمان بالله {وليؤمنوا بي} فشرط قبول كل عمل صالح الإيمان بالله تعالى.
د- أما النتيجة ففي قوله تعالى: {لعلهم يرشدون} ولعل هنا للتحقيق. أي: يعدهم تعالى إذا دعوا الله عز وجل واستجابوا وآمنوا أن يحقّق لهم الرشد والفوز والفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة.
وقال صلى الله عليه وسلم: (( ليس شيء أكرم على الله من الدعاء)).
وأرجى ما يكون الدعاء في الأوقات الشريفة، وفي أثناء الصيام.
وقد ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ثلاثة لا ترد دعوتهم، الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، ويفتح لها أبواب السماء ويقول الرب: وعزّتي لأنصرنّك ولو بعد حين)).
وهذا دليل على أن دعاء الصائم ليس عند الإفطار فقط، بل طيلة صيامه(الصائم حتى يفطر) فيكثر الصائم من الدعاء في أثناء صيامه وعند إفطاره، وبعده.
ومن حديث عبد الله بن أبي مليكة قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إن للصائم عند فطره دعوة لا تردّ)).
فالدعاء يكون قبل الإفطار وبعده، لأن كلمة (عند) تشمل الحالتين.
قال ابن أبي مليكة وسمعت عبد الله بن عمرو يقول إذا أفطر: (اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي).
وعنه من حديث ابن عمر قال: (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال: (( ذهب الظمأ وابتلّت العروق وثبت الأجر إن شاء الله)).
وهذا دعاء ورجاء أن ينال بصومه وتعبه الأجر والثواب على تلك العبادة، وفيه استبشار بأنه قد فاز ونال مطلوبه بعد التعب والنّصب بثبوت الأجر من الله تعالى.
وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها إن هي وافقت ليلة القدر بأن تقول: (( اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني)).
فالصيام الواجب والنفل مظنّة استجابة الدعاء، فعلى الحريص على نجاة نفسه استثمار هذه الشعيرة وكثرة التضرع والانكسار والدعاء بين يدي الله عز وجل، وخاصة في أثناء الصيام الواجب من رمضان المبارك الذي جمع الله فيه بين شرف الزمان وشرف العبادة وتعدد مناسبات الدعاء في أثناء الصيام وعند الإفطار وبعده، وعند القيام والقنوت وختم القرآن وعند السحور، وفي الثلث الآخر من الليل عند النزول الإلهي، وبين الأذان والإقامة، وساعة الجمعة، وغيرها من مواطن مظنة الإجابة.

اللهم تقبل صيامنا وقيامنا ودعاءنا وسائر أعمالنا، واجعلها خالصة لوجهك الكريم، موافقة لسنّة نبيك الكريم، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، الأحياء منهم والميّتين، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سلسلة الدروس الرمضانية
أ.د. عبد الله بن عمر الدميجي
الحلقة(16)
[تتمّة الفضيلة التاسعة: للصائم دعوة لا ترد]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فاستكمالًا لما يتعلق بالفضيلة السابقة وهي أن للصائم دعوة لا ترد، نقول:
إن إجابة دعوة الداعي متحققة بإذن الله تعالى عند توفر شروطها وانتفاء موانعها، ومن أهمّ شروط القبول:
1- تحقيق التوحيد. فهو شرط صحة لكل عبادة قال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ}[[الأنبياء:94]. وقال تعالى عن الكافرين: { فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ}[غافر:50].
2- صدق التوجه، وحضور القلب، والإخلاص في الدعاء لله تعالى.
3- عدم الاعتداء في الدعاء كسؤال العبد الله ما لا يجوز له أن يسأله. وعدم التكلف في السجع والمبالغات، قال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}[الأعراف:55].
4- عدم التلبّس بالحرام، والحرص على الطعام الحلال، ففي الحديث: ((.. وذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك". وقال صلى الله عليه وسلم لسعد رضي الله عنه: (( أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة)).
5- إحسان الظّن بالله تعالى واليقين بالإجابة، كما قال صلى الله عليه وسلم: (( ادعوا ربكم وأنتم موقنون بالإجابة)).
6- عدم الاستعجال، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول دعوت فلم يستجب لي".
7- عدم تعليق الدعاء بالمشيئة، لحديث: " إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة ولا يقولن: اللهم إن شئت فأعطني..".
وليعلم الداعي أن هذه الإجابة متنوّعة؛ فقد يتحقق عين المطلوب تفضّلاً من الله وكرماً، وقد يتحقق غيره، كما في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله إحدى ثلاث؛ إما أن يعجّل له دعوته، وإما أن يدّخرها له في الآخرة، وإما أن يكف عنه من الشر مثلها. قالوا: إذاً نكثر. قال: الله أكثر)).
قال ابن الجوزي رحمه الله: "اعْلَم أَن الله عز وَجل لَا يرد دُعَاء الْمُؤمن، غير أَنه قد تكون الْمصلحَة فِي تَأْخِير الْإِجَابَة، وَقد لَا يكون مَا سَأَلَهُ مصلحَة فِي الْجُمْلَة فيعوضه عَنهُ مَا يصلحه. وَرُبمَا أخّر تعويضه إِلَى يَوْم الْقِيَامَة. فَيَنْبَغِي لِلْمُؤمنِ أَلّا يقطع الْمَسْأَلَة لِامْتِنَاع الْإِجَابَة". قال تعالى:{وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ}[البقرة:216]. وهذا في إجابة دعاء المسألة. أمّا دعاء الثناء فهو بإثابة المثني على ثنائه. وهذا الدعاء بنوعيه الطّلبي والثّناء من الأعمال الصالحات والعبادات الجليلة التي يثاب عليها العبد سواء قُبِل الدعاء أو لم يقبل؛ لأنها عبادة، أما القبول فله شأن آخر ، وقد قال الله تعالى : { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}[المائدة:27].
كما ننبه إلى أمر آخر وهو ما أشار إليه الشيخ ابن سعدي رحمه الله تعالى، وهو أن الإنسان حين يدعو الله لا يجعل هدفه وغايته هو تحقيق مطلوبه، بل يراعي أن الدعاء عبادة لله تعالى يحتسب الأجر عند الله عليها ... الخ.
ثم إن هناك من الوسائل والأحوال والأزمان والأمكنة ما يكون معيناً على إجابة الدعاء بإذن الله تعالى، دل عليها الشارع الحكيم، وبين أن الإجابة ترجع إلى الأسباب الآتية أو بعضها:
1-الوسيلة: وخير ما يتوسل به إلى الله تعالى الثناء عليه ودعاؤه بأسمائه الحسنى، قال الله عز وجل:{ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[ سورة الأعراف:180]ومن هذه الأسماء الحسنى؛ الاسم الأعظم موضوع الدراسة.
2-حال الداعي: كالمضطر، وقد قال الله تعالى:{ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ}[النمل:62].
-والمظلوم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:((.. واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)).
والمسافر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ثلاث دعوات مستجابات، لا شك فيهن: دعوة الوالد، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم)).
3-زمان الدعاء: كثلث الليل الآخر من كل ليلة، لما في حديث أبي هريرة، عن النبي  قال: «ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له»( ).
وكساعة الجمعة: لما ورد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي  ذكر الجمعة قال: ((فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو يصلي، يسأل الله شيئاً إلاّ أعطاه الله إياه))( ).
4-مكان الدعاء: وذلك كالمساجد والمشاعر المقدسة؛ كعرفة والمشعر الحرام والجمرتين الصغرى والوسطى وجوف الكعبة والصفا والمروة والملتزم( ).
فهذه وغيرها كثير من الوسائل التي وعد الله عندها إجابة الداعين، نسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومن المسلمين.
وأكمل الدعاء وأتمه ما اشتمل على أمور ثلاثة:
1-بيان حال المسئول: وهو أن يسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته، ويتوسل إليها بها، ويبين كمال عظمته، وغناه سبحانه وتعالى.
2- بيان حال السائل: وهو أن يتوسل العبد إلى الله تعالى بضعفه وعجزه وحاجته، كأن يقول: أنا العبد الفقير المسكين البائس الذليل المستجير؛ ونحو ذلك.
3-بيان الحاجة والمطلوب: وهو الدعاء الطلبي.
قال ابن القيم: (فإذا جمع الدعاء الأمور الثلاثة كان أكمل. وهذه عامة أدعية النبي  ، وفي الدعاء الذي علّمه صدِّيق الأمة ذكرُ الأقسام الثلاثة) ويعني به قوله  لأبي بكر حينما قال يا رسول الله؛ علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال : قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، وإنه لا يغفر الذنوب إلاّ أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم) ( ).
قال ابن القيم: (فإنه قال في قوله «ظلمت نفسي (ظلماً) كثيراً» وهذا حلا السائل. ثم قال: «وإنه لا يغفر الذنوب إلاّ أنت» وهذا حال المسئول، ثم قال: «فاغفر لي» ذكر حاجته ختم الدعاء باسمين من الأسماء الحسنى، تناسب المطلوب وتقتضيه) ( ) والله أعلم.
وسيد الاستغفار الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم قد جمع هذه الخصال الثلاثة: (( اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء لك بذنبي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)). وهذه جمعت الثناء على الله تعالى بتوحيده وتعظيمه وعبودية السائل لمولاه.
وفي قوله: ( أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء لك بذنبي) يبيّن حال السائل وضعفه وافتقاره والاعتراف بذنبه.
وفي قوله: (فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) بيان المطلوب مع الختام بالثناء على الله بما هو أهله.
ومثل الدعاء -المتقدم- الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم أبابكر. فإن فيه بيان حال العبد وضعفه واعترافه بذنبه.
وقوله: (فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) هذا ثناء على الله تعالى بما هو أهله.
وقوله: (فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم) فيه جمع بين السؤال الطلبي والثناء.
وذكر شيخ الإسلام رحمه الله بعد آية: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}[الأعراف:55]. فوائد قيّمة استهلّها بقول الحسن: بين دعوة السّر ودعوة العلانية سبعون ضعفا، ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت أي ما كانت إلا همسا بينهم وبين ربهم عز وجل؛ وذلك أن الله عز وجل يقول:{ ادعوا ربكم تضرعا وخفية}.
وفي إخفاء الدعاء فوائد عديدة:
أحدها: أنه أعظم إيمانا؛ لأن صاحبه يعلم أن الله يسمع الدعاء الخفي.
ثانيها: أنه أعظم في الأدب والتعظيم لأن الملوك لا ترفع الأصوات عندهم ومن رفع صوته لديهم مقتوه ولله المثل الأعلى.
ثالثها: أنه أبلغ في التضرع والخشوع الذي هو روح الدعاء ولبه ومقصوده.
رابعها: أنه أبلغ في الإخلاص.
خامسها: أنه أبلغ في جمعية القلب على الذلة في الدعاء فإن رفع الصوت يفرقه فكلما خفض صوته كان أبلغ في تجريد همته وقصده للمدعو سبحانه.
سادسها: - وهو من النكت البديعة جدا - أنه دال على قرب صاحبه للقريب لا مسألة نداء البعيد للبعيد؛ ولهذا أثنى الله على عبده زكريا بقوله عز وجل: { إذ نادى ربه نداء خفيا}.
سابعها: أنه أدعى إلى دوام الطلب والسؤال فإن اللسان لا يملّ والجوارح لا تتعب بخلاف ما إذا رفع صوته فإنه قد يمل اللسان وتضعف قواه.
ثامنها: أن إخفاء الدعاء أبعد له من القواطع والمشوشات؛ فإن الداعي إذا أخفى دعاءه لم يدر به أحد فلا يحصل على هذا تشويش ولا غيره وإذا جهر به فرطت له الأرواح البشرية ولا بد ومانعته وعارضته ولو لم يكن إلا أن تعلقها به يفزع عليه همته؛ فيضعف أثر الدعاء.
تاسعها: أنه أعظم النعمة -ولكل نعمة حاسد على قدرها دقت أو جلت- ولا نعمة أعظم من هذه النعمة فإن أنفس الحاسدين متعلقة بها وليس للمحسود أسلم من إخفاء نعمته عن الحاسد؛ ولهذا يوصي العارفون والشيوخ بحفظ السر مع الله تعالى ولا يطلع عليه أحد.
عاشرها: أن الدعاء هو ذكر للمدعو سبحانه وتعالى متضمن للطلب والثناء عليه بأوصافه وأسمائه فهو ذكر وزيادة.
اللهم تقبل توبتنا واغسل حوبتنا، واختم بالصالحات أعمالنا وآجالنا.
اللهم أفرحنا بتمام الصيام والقيام، ومحو الذنوب والآثام، ودخول جنتك دار السلام، والنظر إلى وجهك الكريم يا ذا الجلال والإكرام.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سلسلة الدروس الرمضانية
أ.د عبد الله بن عمر الدميجي
الحلقة(17)
[الصيام يشفع لصاحبه يوم القيامة]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فلا يزال الحديث مسلسلًا بذكر فضائل الصيام:
الفضيلة العاشرة: أن الصيام يشفع لصاحبه يوم القيامة.
فمن فضائل الصيام أنه يأتي يوم القيامة شفيعاً للعبد، وهذا دليل على فضل الصيام فرضاً كان أو نفلًا، وجاء مقروناً بالقرآن، والصّلة بينهما وثيقة، ولذلك فإنهما يشفعان لصاحبهما يوم القيامة فيشفعان، كما في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الصيام والقرآن يشفعان للعَبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رَبِّ، مَنَعته الطعامَ والشهوات بالنهار، فشفِّعْني فيه، ويقول القرآن: منعته النومَ بالليل، فشَفِّعْني فيه"، قاَل: "فيشفعانِ)).
كما بيّن صلى الله عليه وسلم أن الصيام يحاجّ عن صاحبه ويدافع عنه ويقيه من العذاب في القبر، فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الميت ليسمعَ خَفْقَ نِعالهم حين يُوَلُّون عنه مدبرين. فإذا كان مؤمنًا، كانت الصلاة عند رأسه، والزكاةُ عن يمينه، وكان الصيام عن يساره، وكان فِعْلُ الخيرات من الصّدقة والصِّلة والمعروف والإحسان إلى الناس عند رجليه، فيؤتَى من عند رأسه فتقول الصلاة: ما قِبَلي مَدخلٌ. فيؤتى عن يمينه فتقول الزكاة: ما قِبَلي مَدخلٌ. فيؤتي عن يساره فيقول الصيام: ما قِبَلي مَدخلٌ. فيؤتى من عند رجليه فيقول فعل الخيرات من الصَّدقة والصِّلة والمعروف والإحسان إلى الناس: ما قِبَلي مدخلٌ. فيقال له: اجلسْ. فيجلسُ)).
الفضيلة الحادية عشرة: خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.
فمن فضائل الصيام وشرف الصائمين عند الله تعالى أن ما ينتُج عن هذه العبادة من آثار قد تكون مستقبحة عادة عند الناس إلا أنّ الله تعالى لمحبته لهذه العبادة فإنه يحب الأثر المترتب عليها، ويقْلب الرائحة الناتجة عن خلوّ معدة الصائم من الطعام إلى أن تكون عنده تعالى أطيب من ريح المسك، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( والذي نفسي بيده لخُلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)).
والخُلوف-بضمّ الخاء واللام-: هو تغيّر رائحة الفم التي تنشأ عادة عند الصائمين نتيجة خلوّ المعدة من الطعام.
فهذا الحديث يدلّ على شرف الصائم ومنزلة الصيام فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقسم وهو الصادق المصدوق على هذا الفضل العظيم للصائم والمنزلة الرفيعة للصيام، حتى إن الشيء المكروه المستخبث عند الناس يكون محبوبا طيباً عند الله؛ لكونه نشأ عن طاعته بالصيام.
وهذا نحو قوله صلى الله عليه وسلم في بيان فضل الجهاد في سبيل الله ومنزلة المجاهدين: ((ما من مكلوم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يدمى، اللون لون دم، والريح ريح مسك)).
ونظرا لشرف الصيام ومنزلته عند الله تعالى فقد جعل هذه الرائحة الزكية سمة وميزة يتميّز بها الصائمون عن غيرهم يوم القيامة، كما تميّزوا بتخصيص باب الريان لدخولهم دون غيرهم. والصوم من أعمال السرّ بين العبد وربّه، فجعل الله تعالى رائحة صومه علامة له يوم القيامة، والعلم عند الله.
قال ابن حبان رحمه الله: "شعار المؤمنين في القيامة التحجيل بوضوئهم في الدنيا فرقا بينهم وبين سائر الأمم، وشعارهم في القيامة بصومهم طيب خلوفهم أطيب من ريح المسك ليعرفوا بين ذلك الجمع بذلك العمل، نسأل الله بركة ذلك اليوم".
وهذا الفضل لخلوف فم الصائم لا يعارض مشروعية السواك للصائم قبل الزوال وبعده لحديث عامر بن ربيعة رضي الله تعالى عنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي يتسوّك وهو صائم).
ولم يثبت في كراهة السواك للصائم شيء، والخلوف ليس في محل السواك إنما هو أبخرة المعدة فلا يزيله السواك. ووجود الخلوف ليس مقصودا لذاته ولا مراداً لكنه إن وجد فإنه يكون أطيب عند الله من المسك.
ولذا فليس من المشروع تعمّد وجود الروائح الكريهة، وعدم النظافة للصائم، بل هذا خلاف مقصود الشارع، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبّ الطِّيب ولا يردّه، ويأمر بالاغتسال والتنظّف والسواك والتطيّب في الجمعة وغيرها، وعند الحاجة لذلك للصائم، ويأمر من أكل شيئا له رائحة كريهة كالثوم والبصل أن يعتزل المسجد.
اللهم تقبل صيامنا وقيامنا ودعاءنا وسائر أعمالنا، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سلسلة الدروس الرمضانية
أ.د. عبد الله بن عمر الدميجي
الحلقة(18)
[للصائم فرحتان]
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
لا زلنا نتنقل بين الفضائل العظيمة والثمار اليانعة لهذه الشعيرة العظيمة وهي الصيام.
ومحطتنا اليوم مع بشارتين نبويّتين أعدّهما الله تعالى للصائمين، يفرحون بها في الدنيا وفي الآخرة، {قل بفضل الله ورحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون}.
الفضيلة الثانية عشرة: للصائم فرحتان.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: ((للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه)).
والفرح كما يعبّر عنه أهل الاختصاص: "لذة في القلب بإدراك المحبوب".
وفي هذا الحديث بيان ثوابين جليلين، وأجرين عظيمين للصائمين الذين قاموا بحقوق الصيام وواجباته، سواء كان صيام رمضان أو غيره، أحدهما معجّل في الدنيا، والآخر مؤخّر في الآخرة.
أما المعجّل في الدنيا؛ فهو ما نبّه إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (فرحة عند فطره)، وهذا يشمل فطره اليومي، وفطره الشهري كما قال تعالى: {ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلم تشكرون}.
وهذا الفرح على نوعين:
1- فرح جبلي طبيعي، فالإنسان يفرح بالشيء يلائمه، وإذا منع منه شيء ثم منع من شيء ثم أذن له فيه فإنه يفرح به، خاصة إذا اشتدت الحاجة إليه كالعطش والجوع للصائم عادة فهو يفرح ويلتذ بفطره لأنه جاء على فاقة، ويؤيد ذلك ما ورد في زيادة عند مسلم: ((إذا أفطر فرح بفطره)).
2- فرح إيماني تعبدي، وهو الفرح باستكمال أداء عبادة الصيام لذلك اليوم بتمامها من غير نقص فيها يرجو ثواب الله تعالى، وهذان الفرضان الإيماني والطبيعي يشير إليهما دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إذا أفطر (ذهب الظمأ وابتلت العروق) وهذا الفرح الطبيعي و(ثبت الأجر إن شاء الله) هذا الفرح الإيماني.
والفطر عبادة، كما أن الصوم عبادة، والعادات تنقلب إلى عبادات بالنية الصالحة، فالصائم مثاب على فطره، يتقرب إلى الله تعالى بتعجيل إفطاره كما حثّ على ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك بتناول ما أباح الله تعالى له.
فالمؤمن يتقلب في مراضي الله تعالى في كل أحواله، فكما يمتنع عن الطعام والشراب والشهوة في نهار رمضان امتثالاً لأمر الله تعالى، فكذلك يتناول ما أباحه الله تعالى بعد غروب الشمس امتثالاً وتقرباً إلى الله تعالى قال أبو العالية رحمه الله: (الصائم في عبادة وإن كان نائماً على فراشه).
والناس في هذه المواقف يفترقون؛ فمنهم من يفرح تخلّصاً من العبادة والطاعة، ومنهم من يفرح بمنّة الله تعالى عليه بأداء تلك العبادة وتمامها ورجاء ثوابها. وعلى كلٍّ فالفرح بنوعيه حاصل للصائم عند فطره، وله من الحلاوة في القلب ما لا يعرفها ولا يجدها إلا صائم حقاً، والناس يتفاوتون في ذلك تفاوتاً بيّناً، فمنهم من يجتمع له الفرحان ومنهم من يقتصر على أحدهما.
وقد كانت حفصة رضي الله تعالى عنها تقول: (يا حبذا عبادة وأنا نائمة على فراشي) فالصائم في ليله ونهاره في عبادة، ويستجاب دعاؤه في صيامه وعند فطره، فهو في نهاره صائم صابر، وفي ليله طاعم شاكر، وفي الحديث عند الترمذي: ((الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم الصابر)) وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها)).
فهذا حال المؤمن، يتقلب في أنواع النعم فيحمد الله عليها.
أما الفرح المؤخر؛ وهو ما عناه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (وفرحة عند لقاء ربه).
وهذه أجلّ وأعظم من الفرحة الصغرى المعجّلة { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا][آل عمران:30] قال تعالى: { وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى }[الأعلى:4] وقال تعالى: { قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ } [سورة آل عمران: 15].
والمراد بلقاء الله تعالى هنا هذا المصير إلى الدار الآخرة وما فيها من النعيم المقيم، وأعلاه ملاقاة الله تعالى والنظر إلى وجهه الكريم، ولذا؛ فهذا الفرح على نوعين أيضاً:
1- إما فرح وسرور بلقاء ربه تعالى وخالقه، وهذا أعلى أمانيه، وأفضل نعيم الجنة أن يرى ربه تبارك وتعالى.
وكيف لا يفرح بذلك وهو الذي طالما دعا ربه: (وأسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة) وقد وعده ربه تبارك وتعالى بأن (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه).
2- وإما فرح وسرور بقبول صومه، وترتب الجزاء الوافر عليه، فيفرح بثواب الله تعالى له ودخوله الجنة من باب الريان الذي طالما أظمأ نهاره وأحيى ليله ابتغاء ما عند الله تعالى.
وكيف لا يفرح وقد غفر الله له ذنوبه وآثامه، وتقبل عبادته.
اللهم تقبل توبتنا واغسل حوبتنا، واختم بالصالحات أعمالنا وآجالنا.
اللهم أفرحنا بتمام الصيام والقيام، ومحو الذنوب والآثام، ودخول جنتك دار السلام، والنظر إلى وجهك الكريم يا ذا الجلال والإكرام.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سلسلة الدروس الرمضانية
أ.د. عبد الله بن عمر الدميجي
الحلقة(19)
[مخالفة أهل الكتاب في شعائر الصوم]
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
لا زلنا نتنقل بين الفضائل العظيمة والثمار اليانعة لهذه الشعيرة العظيمة وهي الصيام.
الفضيلة الثالثة عشرة: تأكيد مخالفة أهل الكتاب.
من مقاصد الإسلام وأصوله العظيمة مخالفة أهل الكتاب والمشركين؛ لما في ذلك من اعتزاز المسلم بدينه واستقلالية تشريعاته، والنصوص في الأمر بمخالفتهم مستفيضة ومشهورة، منها قوله صلى الله عليه وسلم على سبيل التحذير: ((لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَن قَبْلَكُمْ شِبْرًا بشِبْرٍ، وَذِراعًا بذِراعٍ، حتّى لو سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ، قُلْنا: يا رَسُولَ اللَّهِ، اليَهُودَ والنَّصارى؟ قالَ: فَمَنْ؟)).
فالمُسلم له هُويَّتُه التي تُميِّزُه عن غيرِه، وشَريعتُه التي فضَّلَه اللهُ بها على العالَمِين، وقدْ كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حَريصًا على بَقاءِ هذا التَّميُّزِ والتَّفضيلِ، ومِن ثَمَّ كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَأمُرُ بمُخالَفةِ أهلِ الكِتابِ مِن اليَهودِ والنَّصارَى، ويُحذِّرُ مِن مُتابعتِهم.
وجاء تأكيد ذلك في الشعائر التعبدية المشتركة كالصلاة والحج، ومن ذلك التأكيد على مشروعية مخالفتهم في الصيام أيضاً، ففي مسلم عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( إِنَّ فَصْلَ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السُّحُورِ)).
ومعلوم أن أهل الكتاب كان يلزمهم الإمساك عن الطعام والشراب والجماع إذا هم ناموا، فجاء التوجيه النّبوي الحاثّ على أكلة السحور التي تكون عادة بعد الاستيقاظ من النوم وقبيل الإمساك عند طلوع الفجر حين يلزم الإمساك.
وهذا الحديث يدل على مشروعية أكلة السحور؛ وتعليل ذلك بمخالفة أهل الكتاب.
كما جاء أيضاً هذا التعليل وهو مخالفة أهل الكتاب بتأخير السحور وتعجيل الفطر فقال صلى الله عليه وسلم : (( لا تزال أمتي بخير ما أخروا السحور وعجلوا الفطر)).
كما جاء الحثّ على تعجيل الفطر لعلّة المخالفة نفسها؛ فقد روى أبو داود وغيره بإسناده إلى أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :((لا يزال الدين ظاهراً ما عجّل الناس الفطر؛ لأن اليهود والنصارى يؤخرون )).
ولتأكيد مخالفة أهل الكتاب في أكلة السحور فقد أكد عليها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله:
- فقال صلى الله عليه وسلم :((تسحروا فإن في السحور بركة )).
وهذه البركة تحصل من عدة جهات:
-منها اتباع السنة.
-ومنها مخالفة أهل الكتاب، فالبركة في مخالفتهم.
-ومنها التقوي على العبادة، وغيرها.
ففيها منافع معنوية وحسية ونفسية.
- وأما فعله صلى الله عليه وسلم فكان يتسحّر قُبيل أذان الفجر، قال أنس رضي الله تعالى عنه: (إن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم وزيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه تسحرا؛ فلما فرغا من سحورهما قام النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة فصلّى، قلنا لأنس : كم كان بين فراغهما من سحورهما ودخولهما في الصلاة ؟ .قال : قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية).
فعلى المسلم ألّا يفرّط في هذه البركة ولو بشيء يسير؛ بتمرات ولبن، أو تمرات وماء وقد قال صلى الله عليه وسلم :(( نعم سحور المؤمن التمر)).
اللهم تقبل منا الصيام والقيام والصدقات، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، الأحياء منهم والميّتين، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سلسلة الدروس الرمضانية
أ.د. عبد الله بن عمر الدميجي
الحلقة(20)
[الصيام من أكبر أسباب تحفيز الهمم على البذل والعطاء والجود]
الحمد الله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فلا يزال الحديث متواصلا عن فضائل الصيام.
الفضيلة الرابعة عشرة: الصيام من أكبر أسباب تحفيز الهمم على البذل والعطاء والجود.
فإن الصيام من أكبر العوامل التي تعين المسلم على التغلّب على الشّحّ، وتساعد على البذل والعطاء والجود. فإضافةً إلى كون الصيام يزيد في الإيمان الدافع إلى السعي إلى ما يقرب إلى الدار الآخرة ونعيمها ويزهد في الدنيا وزخرفها الزائل، فإنه في أثناء صومه يشعر بضعفه وفقره وحاجته إلى مولاه تعالى.
كما يشعر بما يعانيه الفقراء والمحتاجون من الفاقة وقلّة ذات اليد.
فيكون سبباً في مزيد البذل والجود والعطاء، ولذلك عدّه بعض السلف من حِكم الصيام؛ فلما سئل: لم شرع الصيام؟ قال: " ليذوق الغني طعم الجوع فلا ينسى الجائع".
وجود الله تعالى وكرمه يزداد على العباد في رمضان، وهو يحبّ من عباده أن يجودوا ويتكرموا في هذا الشهر الكريم ليزداد جوده عليهم، والجزاء من جنس العمل.
وقدوتنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم قد ضرب أروع المثل في جوده وسخائه بكل ما يملك صلى الله عليه وسلم وفي كل الأوقات، فعن أنس بن مالك، قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وكان أجود الناس، وكان أشجع الناس)).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما:(ما رأيت أحدا أنجد، ولا أجود، ولا أشجع، ولا أضوأ من رسول الله صلى الله عليه وسلم).
وهذا مما جُبل عليه، عليه الصلاة والسلام، حتى قبل البعثة، قالت خديجة رضي الله تعالى عنها:(كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق). قال ابن عباس رضي الله عنهما، قال: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل عليه السلام يلقاه كل ليلة في رمضان، حتى ينسلخ، يعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، فإذا لقيه جبريل عليه السلام، كان أجود بالخير من الريح المرسلة)).
ويصور لنا ابن القيم رحمه الله تعالى شيئا من جوده وسخائه فيقول: "كان صلى الله عليه وسلم أعظم الناس صدقة بما ملكت يده، وكان لا يستكثر شيئا أعطاه لله تعالى، ولا يستقله، وكان لا يسأله أحد شيئا عنده إلا أعطاه، قليلا كان أو كثيرا، وكان عطاؤه عطاء من لا يخاف الفقر، وكان العطاء والصدقة أحب شيء إليه، وكان سروره وفرحه بما يعطيه أعظم من سرور الآخذ بما يأخذه، وكان أجود الناس بالخير، يمينه كالريح المرسلة.
وكان إذا عرض له محتاج آثره على نفسه، تارة بطعامه، وتارة بلباسه.
وكان ينوع في أصناف عطائه وصدقته، فتارة بالهبة، وتارة بالصدقة، وتارة بالهدية، وتارة بشراء الشيء ثم يعطي البائع الثمن والسلعة جميعا، كما فعل ببعير جابر... وكانت صدقته وإحسانه بما يملكه وبحاله وبقوله، فيخرج ما عنده، ويأمر بالصدقة، ويحض عليها، ويدعو إليها بحاله وقوله، فإذا رآه البخيل الشحيح دعاه حاله إلى البذل والعطاء، وكان من خالطه وصحبه ورأى هديه لا يملك نفسه من السماحة والندى.
وكان هديه صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الإحسان والصدقة والمعروف".
وإذا فهمت ما تقدم من أخلاقه ﷺ فينبغي للأمة التأسي به ﷺ في السخاء، والتمسك بالاقتداء به، والإكثار من ذلك في شهر رمضان لحاجة الناس فيه إلى مصالحهم، ولتشاغل الكثير منهم بالصوم والصلاة عن مكاسبهم، ولشرف الزمان ومضاعفة أجر العامل، وإدامة الصائمين والقائمين والمتعبدين على طاعتهم، فيكتب لهم مثل أجورهم.
هذا هو هدي رسول الله ﷺ مع الجود والكرم في رمضان، قال الشافعي رحمه الله: " أحبّ للرجل الزيادة بالجود في شهر رمضان، اقتداءً بالرسول صلى الله عليه وسلم، ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم، ولتشاغل كثير منهم بالصوم والصلاة عن مكاسبهم..".
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: " إعانة الفقراء بالإطعام في شهر رمضان من سنن الإسلام".
والجود على الصائمين وأصحاب الحاجات في رمضان يكون سببا في الحصول على مثل أجورهم كما قال صلى الله عليه وسلم: (( من فطّر صائما فله مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء)).
وهذا يشمل من يدفع قيمة التّفطير، كما يشمل من يقوم بالخدمة والإشراف على ذلك إذا احتسب الأجر.
ومن وفّقه الله للجميع بين القيام وإطعام الطعام فهذا له جزاء خاص من رب العالمين، قال صلى الله عليه وسلم: (( إن في الجنة غرفاً يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها)) قالوا: لمن يا رسول الله؟. قال: ((لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وصلى بالليل والناس نيام)).
كما أن ملائكة السماء تدعو في كل يوم لكل منفق، قال صلى الله عليه وسلم: ((ما من يوم يصبح العباد فيه، إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا)).
اللهم وفقنا للجود والإحسان، وجُد علينا بفضلك وجودك يا منان.
اللهم تقبل منا الصيام والقيام والصدقات، اللهم اغفر لنا ولوالدينا..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
2024/05/16 23:21:02
Back to Top
HTML Embed Code: