Telegram Web Link
وجهكِ عيدٌ فيه دواءُ الغُربة.
في بنت فاضلة تتابعني من الجزائر أخبرتني أنها ستزور مصر للمرة الأولى؛ بعد أن استخارت للتطوع "بقافلة الصمود البرية" المتجهة صوب معبر رفح لتقديم المساعدات الطبية والغذائية لأهلنا في القطاع.

لم أكن أعرف بهذه القافلة لكن المشرفين عليها هم جمعيات المجتمع المدني بتونس، وستتحرك منها عبر الأراضي الليبية متجهة صوب القاهرة ومنها إلى المعبر. قالت أن نصف المتطوعين من الجزائر هم نساء، لكنها تواجه بعض الصعوبات لإقناع الأهل بالفكرة، لذا ستسافر جوًا مباشرةً إلى القاهرة على حسابها الخاص وتنتظر للتحرك معهم.

لا أخفي عليكم قد شعرت بالعجز والأسى الشديد كرجل لم يقدم ما عليه تجاه إخوانه، متخفيًا خلف أعذار وحججه، وهذه فتاة تفصلها عنهم آلاف الأميال وتبذل ما بوسعها كأنثى وصفعتني جملتها: لأول مرة أشعر أنني إنسان ينتمي لباقي البشر.

أسأل الله لها ولهم التوفيق في رحلتهم، وأن يعجل الله بنصره على أهلنا ويغفر لنا تقصيرنا.
وكانت -أعزها الله- في ظاهرها هادئةَ الطالع، ساكنةَ النفس، كأن السكون خُلقٌ من أخلاقها، والرَّوية طبعٌ جبلت عليه، ولكن في أعماقها هديرٌ مكتومٌ وصخبٌ خفيٌّ، ما يلبث أن يثور حين تُستفزّ أنوثتها أو يغشاها طائفٌ من أهوائها. فكان إذا رآها وقد تبدّل وجهُ سكينتها، واضطربت عواطفها، وعصفت بها ريحُ الجنون الرقيق، تعجّب وتحيّر: كيف اجتمع في هذه النفس الواحدة عقلٌ وقّادٌ كالسيف، ونزقٌ متمرّدٌ كالريح!
يَرق قلبي دائمًا لثلاثةٍ من الناس: أسير ذنبٍ يُقيده؛ يتوب منه ويعود إليه ويجاهد فيما بينهما، والوحيد المغترب في نفسه بلا رفيقٍ يحدثه ويُفضي إليه، والمندفعُ بعواطفه في مَطالِع المَودَّات.
أحسبُ أن الجمالَ لا يتجسد في الشيءِ لذاته، قبل أن يكون في النفسِ التي تُبصره، وفي القلبِ الذي يندهش له، وفي الذائقةِ التي تتلقّاه كما تتلقّى الزهرةُ النسيم. فإن خلت النفس من معاني الجمال، فكل ما في الحياة — وإن زها وتزيّن — لا يزيد في عيني صاحبها عن صورةٍ صمّاء لا روح فيها، ولا حياة وراءها.
لو لم تبادر المقاومة أو تباطأت قليلًا قبل أن تطلق طوفان 7 أكتوبر، لسبقها الكيان إليه كما فعل بإيران اليوم. دوافع المحتل أبدًا لا تحتاج إلى مبرر؛ كانت الخطة قد اكتملت واستوت على سوقها لإنهاء حماس وقادتها عن بكرة أبيهم. إيران اليوم ضحية لا جانٍ في نظر العالم، لكن منذ متى يجدي التعاطف أمام الظلم؟ ومتى نُصر الضعيف على القوي في عالم يحركه الشر؟ المقاومة تعي جيدًا الحروب وفلسفة الاحتلال والاستعمار، فاختارت أن تأكل قبل أن تؤكل وتضحي قبل أن يُضحى بها بلا فعل.
‏كل كلامٍ هَمَمتُ أن أقوله فحبسني الخوف عنه، سيظل عالقًا على طرف لساني إلى أن أموت، وكل كلمةٍ خرجت في غير موضعها أورثتني الندم. كل ما فاتني يأبى أن يدعني كظلي، والفرص التي ظننتها ضاعت أفلتتها يداي. في جسدي ألف ندبةٍ صنعتها التجارب، ولي نابان قد نَتِئا بفعل اليأس، قلبي مُثقل، ووحدي أسير.
رحم الله السنوار هذا وصفٌ يليق بمن مثله.
عبد الرحمن القلاوي
رحم الله السنوار هذا وصفٌ يليق بمن مثله.
إِذا بَدا حَجَبَت عَينَيكَ هَيبَتُهُ
وَلَيسَ يَحجُبُهُ سِترٌ إِذا اِحتَجَبا

وَسَيفُ عَزمٍ تَرُدُّ السَيفَ هِبَّتُهُ
رَطبَ الغِرارِ مِنَ التَأمورِ مُختَضِبا

عُمرُ العَدوِّ إِذا لاقاهُ في رَهَجٍ
أَقَلُّ مِن عُمرِ ما يَحوي إِذا وَهَبا

- الأبيات للمتنبي.

- اللوحة لحسن روح الأمين، تُجسد فروسية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
من الكلمات الداعمة للاتزان التي أقولها لنفسي: لا تتوقف، تعلم أن تسير على الشوك ولو بقدمين حافيتين، فالطريق ليست ممهدة طيلة الوقت. وتذكرت للتو كلمات حكيمة للشاعر "راينر ماريا ريلكى"، إذ يقول:

"دعَ كل شيء يحدث لك،
جميلًا كان أو مريعًا،
فقط استمر بالحركة،
لا شعور يدوم".

وهذا أدعى بالإنسان بحسن التوكل والسعي، فكل الأشياء تمضي، حسنها وقبيحها، وحريٌ بالقافلة أن تسير وإن تباطأ الركب.
حانقٌ على الدنيا، وأحبك.
ألقى عصاه، ورحل.
والعصا تَلقفُ الآن ما يأفكُ العالم بأسره.
هناك من أستلطفهم واقعيًا وألعن وجودَهم الافتراضي، وأستلطف آخرين خلف الشاشات وأعلنُ عداوتي لهم عند اللقاء. وهناك من تجبرني انطوائيتي على تجنبهم درءًا لكثير من الحرج، وآخرون يأسُرهم بريقٌ لامعٌ حولي. وهناك العالم ينقسم إلى كِفتين: أنتِ، وهؤلاء جميعًا.

هناك قلبي عالقٌ في كِفتكِ، فكفىٰ بها واكتفىٰ.
أقدٌّر من الناس من لا يحمله الفراقُ على نكران وُدٍّ قديمٍ.
أحبُّ من الناس كل صفوانٍ رقيق القلب، صافي السريرة، ذا الذي يتعثر في شِراك حزنه ويحمل غير متأفِّفٍ حزن صاحبه كأنما يقرأه من سَمت وجهه. إذا تراءىٰ لك قادمًا تُسَر، وإذا فارقك عددت الليالي لأجل لقائه.

هو لطيفُ الطبع، خفيف الظل، ثقيل المكانة، كريم المنبت، شديد الإنصاف، من إذا نطق صدق، وإذا فرغ أنصت، إن أصبت زكَّاك، وإن أخطأت أقام ما اعوجّ من أمرك دون أن يوبّخك، فإن أحسنتَ إليه ذكرك بالجميل، وإن أسأتَ لم يبادر إلى العتاب؛ بل أصلحك بالحكمة أو عذرك بالرفق، وإن سألته الشيء أعطاك من غير مَنٍّ أو اعتذر بوجهٍ لا تشوبه مساءة.

مثل ذا الرفيق، خليلًا كان أو زوجًا، كمثل غصن شجرةٍ تستظل به من فيح الحَرّ ويجود عليك بأطيب الثمر إذا أقفرت أرضك، فتروم رفقته في الحالين: تحبه في الرخاء لطيب عشرته، وتلوذ به في البلاء لصدق مودّته، فلا يسأمك ولا تسأمه، فبأيِّ حقٍّ يهون الرفاق؟!
خصلتان ما اجتمعتا في إنسانٍ إلا ونالَ بهما حظًا من الكمال؛ الصدق والشجاعة.
أقدر أصحاب مشاريع العمل الدعوي/العلمي الذين ينشغلون بالغاية الكبرى لأهدافهم ولا يلتفتون للمعارك والمناوشات التي تُساق إليهم عنوةً. أحسب صدق هؤلاء في سعيهم لغرس فسائلهم، سواء أثمرت في الحال أو تأجل إثمارها. وممن أعاصرهم أذكر أ. أحمد السيد مع الجيل الصاعد، وكذلك د. أحمد عبد المنعم مع تدبر القرءان.
Back to basics!
أحب أن أحدث الله حديثًا صادقًا في عزلةٍ آخر الليل، بلا تكلف أو تورية أو خجل، أبسط ذنوبي وأحزاني وخوفي وقلقي بين يديه، وأعدد نعمه التي لا أحصيها ولا أستحقها. هذا الحديث البسيط ينقذني، يعيد ترتيب مواضع الأشياء في نفسي، ويذكرني دائمًا بأني إنسان خاضع لشيء أكبر منه وأعظم منه وأكثر منه حكمة وعلمًا ولا نجاة لي بسواه.
أشعر أحيانًا، على غير عادتي، برضًا عجيبٍ عن الدنيا، كل الأشياء تبدو في مكانها الصحيح لبضع دقائق؛ يذهب عني القلق وفرط التفكير في التفاصيل، حتى الكائنات والجمادات تكاد تبتسم لي. فأنظر حينها إلى السماء بعينين بارقتين، في تأملٍ تامٍ، مرددًا بيت جبران: ولقد ذكرتك والنهار مودعٌ، والقلب بين مهابةٍ ورجاءٍ.

لا شيء ينقصني إلا أنتِ.
2025/07/13 17:38:24
Back to Top
HTML Embed Code: