Telegram Web Link
[ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ]الحجر:9. يُحارِبُون الإسْلامَ، ولَا يَعرِفُون أن الإسْلامَ لا يُحَارَب، وأنَّهم كلَّما حارَبُوه، وحَاصَرُوه، ازدَادَ انتِشَاراً .. والسَّبَبُ في ذلك أنَّه دِينُ الله، واللهُ تَعالى قَد تَكَفَّل بحِفظِهِ، ومَن تَكَفَّل اللهُ بحفظِه فلَا ضَيْعَةَ عليه!
((الله-جل وعلا- لا يفعل فعلا إلا بعلم،ولحكمة)) كل ما سوى الله- جل وعلا- مخلوق،محدث،مسبوق بالعدم،خلقه الله بقدرته،ومشيئته،وأنه ما شاء كان،وما لم يشأ لم يكن. قال تعالى:[الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش] السجدة: الآية ٤ وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو-رضي الله عنهما- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال:[ إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء ]،أي: مقادير الخلائق التي خلقها في ستة أيام إلى أن يدخل أهل الجنة منازلهم،وأهل النار منازلهم
والله- جل وعلا- يخلق ما شاء أن يخلقه من سائر مخلوقاته باختيار منه من غير حاجة باعثة له على خلقه،ولا مكره له عليه،بل خلق المخلوقات،وأمر بالمأمورات لمحض المشيئة،وصرف الإرادة.
ولكنه- جل وعلا- لم يخلق الخلق هملا بلا أمر،ولا نهي،ولا علة،ولا حكمة،كما هو واضح في القرآن الكريم،والسنة النبوية الشريفة،والآثار السلفية مما هو كثير جدا،أن الله- جل وعلا - لا يفعل فعلا إلا بعلم ولحكمة،وهو العليم الحكيم،فما خلق شيئا،ولا قضاه،ولا شرعه،إلا لحكمة بالغة،وإن تقاصرت عنها عقول البشر..فاعلم ذلك- أخي المسلم- واتبع الهدى،باقتفاء المأثور،ولا تجحد حكمته وعلمه- جل وعلا- كما لا تجحد قدرته-سبحانه- فهو القدير
[ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ]؛ نعيشُ زماناً قد تراكمَت فيه على الناسِ الهمُومُ .. وامتلَأت عليهم نفوسُهم بالقَلَقِ، والأرَقِ، والكَآبَةِ .. ولهؤلاءِ أقُول: اصطلِحُوا معَ القُرآنِ الكريم .. أَقبِلُوا عليه تِلاوةً، وتَدَبُّراً، ودِراسَةً، وعمَلاً .. ففيهِ شِفَاءٌ لما يَعتَلي الصُّدُورَ مِن الهمِّ، والقَلَقِ، والكآبَةِ، وغيرِها من الأمراضِ النَّفسيَّةِ .. وقَولُه:[ لِّلْمُؤْمِنِينَ ]؛ حَصْراً؛ لأن المؤمنين أقبَلُوا على تناولِ الدَّواءِ بانتظامٍ، من غيرِ انقطاعٍ، وهُم بهِ مؤمنِين، ومُوقِنِين، [ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً ]الإسراء:82. لأنَّهم قابَلُوا القُرآنَ الكَريم، بالجحودِ، والإنكارِ، والإعراضِ، وهؤلاء لَا يَزيدُهم القُرآنُ الكريم إلا خسَاراً؛ كالمريضِ كلمَا قُدِّمَ له الدَّواءُ دَفَعَه ورَدَّه، وأعرَضَ عنه؛ فيزدَاد بذلك مَرضَاً وسُوءاً!
[ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ ]العنكبوت:51. يُطالِبُون بالبرَاهِين، والمعْجِزَات الدَّالَّةِ على أنَّ اللهَ حَقٌّ، وأنَّ محمداً رسُولُ اللهِ .. ألَا يَكفِيهم أنَّ اللهَ تَعالى أنزَلَ القُرآنَ الكريم؛ المعْجِزة الدَّائمَة؛ الذي فيه الآياتُ والبَراهِينُ البَاهِرَات والواضِحَات الدَّالَّةِ على أنَّ اللهَ تعالى حَقٌّ، وأنَّه تَعالى هو المعبُودُ بحقٍّ، لَا إله إلَا هو .. وأن محمداً صلى الله عليه وسلم عَبدُ اللهِ ورسُولُه .. أَيُريدُون مُعجزةً أكبَر، وأوضَح، وألزَمَ في الحجَّةِ مِن القُرآنِ الكَرِيم ...؟!!
[ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ]محمد:24. يُطَالِبُون بالأَدِلَّةِ والبَرَاهين الدَّالَّةِ على أنَّ اللهَ تعالى هو الحقُّ، وأنَّه تعالى هو المعبُود بحقٍّ؛ لا إله إلَّا هو .. والأَدِلَّةُ، والبرَاهينُ مَاثِلةٌ بينَ أيدِيهم، وأمَامَ أَعيُنِهم .. أفَلا يُقبلُون على القُرآنِ الكَريمِ؛ يَنظرُون فِيه بعقُولِهم، يتَدَبَّرون آيَاته، فيَصِلُهم الجوابُ عمَّا يَسألُون عنه، ويُريدُونه، بأقرَبِ، وأقصَرِ طَريقٍ .. أم على عقُولِهم الأقْفَال ـ أقفَالٌ، وليسَ قَفْلاً واحِداً؛ قَفْلُ الجهْلِ، وقَفْلُ الحقْدِ والكراهيَّةِ، وقفلُ الكِبْرِ، وقَفْلُ الإعْرَاضِ ـ التي تُحِيل بينَهم وبينَ فَهمِ القُرآنِ الكَريم؟!
[ وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ]ص:1. صَاحِب الشَّرَفِ العَظِيم، والمكَانَةِ الرَّفِيعَةِ، لَا تَصِلُه نَقِيصَةُ النَّاقِصِين، ذِكْرهُ ـ في السَّماءِ وفي الأرضِ ـ دَائمٌ لا يَنقَطِعُ، ما دَامَت السَّماوات والأرض .. محفُوظٌ في الصِّدُورِ، قَبلَ أن يُحفَظَ في السُّطُورِ .. خيرُه مَنشُورٌ، ومَبْسُوط للعَالَمين، غَير محجُوب .. فيه ذِكْرُ مَن قَبلنا، وذِكْرُ حَاضِرنا، ومُستَقبَلنا .. وذِكْرُ مَا يَنفعُنا، ومَا يَضرُّنا .. وهو حَبلُ اللهِ الممْدُودِ مِن السَّماءِ إلى الأرضِ، مَن استمسَكَ به نجَا، ومَن ترَكَه، وهجَرَهُ، وأعرَضَ عنه، هَلَك.
سؤال: هل الاختلاط بين الجنسين جائز، وما هو المباح منه، وما هو غير المباح ...؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين. الاختلاط ـ وبخاصَّة الاختلاط غير المنضبط ـ يترتب عليه مضار ومفاسد عديدة، لا تخفى على المراقب المنصف .. والفساد الحاصل في أوربا وغيرها من المجتمعات، سببه الأكبر الاختلاط المتفلت غير المنضبط؛ لذا الأصل اجتنابه، وعدم جوازه، إلا ما دعت له الضرورة، والحاجة، كطلب العلم؛ التعلم والتعليم .. وشهود الجمعة، والجماعات .. والتسَوق لمن لا بدَّ لها من ذلك .. والقيام بواجبات الضيافةِ، إن تعسر من يقوم بواجب الإضافة .. والحَد الذي يقتضيه التعامل مع الأرحام، ووصلهم بلباقة وأدب من غير توسع، ولا مصافحة، ولا خَلْوةٍ .. والعمل أحياناً ـ في مجالات محددة ـ لمن تضطرها ظروفها على العمل .. فجميع هذه الصور مباحة، ولا بد لها من نوع اختلاطٍ .. وفي كثير من المواطن التي قد يكون الأصل فيها الإباحة، وبحسب ما يتراءى للمفتي، ينبغي على المرأة المؤمنة العاقلة أن تستفتي نفسها، ولو أفتاها المفتون؛ فتجتنب المجالس والمواطن التي لا تستريح لها، وتجد فيها نوع فتنة لها، ولغيرها .. والله تعالى أعلم.
ما يُفرح أهلَ غزَّة يُفرحني، وما يُسيئهم، ويُحزنهم، يُسيئني ويُحزنني .. اللهم احفظ غزة، وأهلها .. واستبدل أحزانهم وآلامهم، وعسرهم، مسرات، وخير، وبركة.
[ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ ]الفرقان:58. الآيةُ تتَضمَّنُ أمرَاً، ونَهيَاً؛ أَمراً بأن تتوكَّلَ على مَن هو مَعَك، لَا يُحيلُ بينَه وبينَك موتٌ، ولَا حائِلٌ آخَر .. قادِرٌ على أن يُغِيثَك في كلِّ زمَانٍ، ومَكانٍ، وحَالٍ .. ونَهياً عن أن تتَوكَّلَ على مَن يَنقطِعُ عنك بالموتِ، ويُحِيل بينَه وبينَك الموتُ .. فهذا ضَعيفٌ؛ حياتُه مُنقطعةٌ بالموتِ، والعِلَلِ، لَا يَستطيعُ أن يَدفعَ عن نفسِه الموتَ، ولَا الآفَات .. ومَن كان هذا وصفُه لا يجوزُ التَّوكلُ عليه، أو أن تتعلَّقَ به القُلُوب.
[ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ ]الفرقان:74. كم مِن صَالحٍ يُبتَلَى بذريَّةٍ طَالِحين؛ ليَعلمَ أن لَا غِنَى له عِن اللهِ، وعَن دُعائِه، واللجوءِ إليه، في صَلاحِ أبنَائِه .. وحتَّى لَا يَركنُ إلى عَزَمَاتِه، وصَلاحِه، ويَظن أن الصَّلاحَ يُورَّث للأبناءِ كما يُورَّثُ المتَاع .. وقَولُه:[ قُرَّةَ أَعْيُنٍ ]؛ أي اهدِهِم يا رَب، واجعَلْهُم مِن أهلِ الإيمانِ، والطاعَةِ، والاستِقَامَةِ؛ فتَقَرّ العينُ وتَهنأ برؤيَتِهم على الاستِقَامَةِ، والنَّهجِ السَّلِيم.
[ وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ]الرحمن:7. وضَعَ اللهُ الميزَانَ؛ والميزَانُ له كفَّتَان: كَفَّةٌ يُوضَعُ فِيها المقيَاسُ الثَّابتُ الذي به تُقَدَّر قِيمَةُ الأشَياءِ، والأعمَالِ، وهو الكتابُ، والسُّنَّة .. والكَفَّةُ الثانية تَوضَع فيها الأعمالُ الظَّاهِرَةِ مِنها والباطِنَةِ، تُعرَض قِيمتُها الحقيقيَّة على المقيَاسِ الثَّابتِ في الكفَّةِ الأُخرَى .. هذا هو مِيزَانُ العَدْلِ، والحقِّ .. ومَا سِوَاه من الموَازِين فهي موازينٌ باطِلةٌ لا تخلُو مِن التَّطفِيفِ، والغشِّ، والكَذِب.
[ وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى ]؛ مَهمَا بلَغَت قوةُ الإعجَازِ في القُرآنِ الكريمِ .. فإنَّ الكافِرين المعاندِين المستكبرِين يُطالِبُون بالمزِيد، لكي يُؤمِنُوا، وهم كاذِبُون .. ولو أُعطُوا هذا المزِيد الذي يَسألونَه، لمَا آمنُوا، ولطَالبُوا بمزيدٍ آخَر، وآخَر .. وهذَا دَيْدَنهم في كلِّ زمَانٍ، وليسَ في زمانٍ دُونَ زَمَانٍ .. وكان ممَّا طالبُوا به، قولهم أنَّهم يُريدُون قُرآناً يحرّكُ الجبالَ، وينقلُها مِن مكانٍ إلى مكانٍ، ويَشقُّ الأرضَ مروجَاً، وينابيعَ، وأنهارَاً، ويُكلمون به مَن ماتَ قبلهم من آبائِهم .. ولو أُعطُوا ما سَألُوه، لسألُوا غيرَه، ولمَا آمنُوا .. فالقضيَّةُ بالنسبةِ لهؤلاءِ الكافرِين المعَاندِين، ليسَ العِلم، ولا الإعجَاز؛ فالقُرآنُ الكَريم قد اجتمَعَت فيه جميعُ معَاني الإعجَازِ، والجمَالِ، والعِلم .. وإنما القَضيَّةُ تنحصر في نفوسِهم المريضَةِ بالكِبرِ، والعَنادِ، والحقدِ، الذي يُعمِي بَصِيرَتهم، والذي به يُواجِهُون حججَ وبرَاهِين القُرآن .. [ بَل لِّلّهِ الأَمْرُ جَمِيعاً ]؛ فالأمرُ كله لله، إن شاءَ فعلَ ذلك، وغيرَه، وإن لم يَشَأ لا يَفعل .. فأفعالُه كلها تَصدرُ عن حكمتِه، ومَشيئتِه .. وحكمتُه لا تخضعُ للتحدِّي، والتَّجرِيبِ، ولَا مُكرهَ لها على شيءٍ، [ أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَن لَّوْ يَشَاءُ اللّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً ]؛ ألم يأَن للمؤمنِين أن يَعلمُوا، ويتبين لهم أن لا سَبيل لهم لهدايةِ جميعِ الناسِ؛ لأن هذا بخلافِ حكمةِ الله من الخلْقِ، والوجُودِ، ويتنَافى مع مَبدأ ومتطلبات التَّكليفِ، والبلاء الذي فُطرَت الحياةُ الدُّنيا عليه .. ولو شاءَ اللهُ بأمرٍ كَوني؛ كُن فيكُون، لهدَى الناسَ جميعاً، وجعلَهم على أتقَى قَلبِ رجلٍ .. وقَهرهم على ما يُرِيد .. لكن هذا يتنَافى مع حكمتِه من إيجادِ الحياةِ الدنيا، وأنه تعالى خلَقها دارَ اختيَارِ، واختِبارِ، وعمَل .. ثم يوم القِيامةِ يَكونُ الجزاءُ والحسابُ؛ فيرَى الناسُ سبيلَهم ـ بناء على أعمالِهم ـ إمَّا إلى الجنَّةِ، وإمَّا إلى النَّارِ، [ وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ ]؛ مِن ظلمٍ، وفسَادٍ، وتَكذيبٍ للحقِّ، [ قَارِعَةٌ ]؛ عذابٌ شديدٌ يقرعُهم، ويَقرعُ دِيَارَهم، بين الفينَة والأُخرَى .. اللهُ تعَالى أعلمُ بماهيةِ، ونوعِ، وحجمِ هذه القَارِعَةِ، وشدَّةِ ألمها، وأثَرِها، [ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ ]؛ لعَلَّهم يتَّعِظُون؛ فمن لم تؤدبه الحججُ والبراهِينُ، عسَاهُ أن تؤدِّبَه القَوارعُ، والمصَائِبُ، [ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ]الرعد:31. فهم على هذا الوصفِ والحالِ في حياتِهم الدُّنيا، إلى أن يَأتيَهم وعدُ اللهِ لهم بالموتِ، وقِيامِ السَّاعةِ، حيثُ تتكشَّفُ الحقَائقُ، ويكونُ كلُّ شيءٍ عينَ اليَقِين.
السُّلطةُ غِشَاوةٌ، وعَمَى!

كثيرٌ من الحُكَّامِ لَا يَنطقون بالحكمَةِ، ولا يُنصِفُونَ الحَقَّ؛ إلا بعدَ مفَارَقتِهم للسُّلْطَةِ!
المالُ في عَالَم السِّياسَةِ؛ يَعني الاسْتقْلَالَ أو الاستِعبَادَ!
اهتِمامُك بأحْوَالِ المسلِمِين، هو المقيَاسُ الذي بِه يُعرَفُ إيمانُك.

إذَا أرَدتَ أن تعرِفَ أينَ أنتَ مِن اللهِ، فانظُرْ أينَ أنتَ مِن عِبَادِه.
[ قُلْ ]؛ الأمرُ موجَّهٌ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولورَثتِه مِن العُلماءِ المؤمنِين .. بأن يقُولُوا للمخَالِفِين المشركِين، [ إِنَّمَا أُمِرْتُ ]؛ أَمَرَنَا اللهُ سُبحانه وتعالى، [ أَنْ أَعْبُدَ اللّهَ ]؛ أن نوحِّدَه بالعِبَادَةِ، ونَعبُدَه وَحدَه، فَلا نَستَنكِفُ عَن عبَادَتِه، وتَوحِيدِه، ظَاهِرَاً وباطِناً، [ وَلا أُشْرِكَ بِهِ ]؛ ونَبرأُ إلى اللهِ تعالى ظَاهِرَاً، وبَاطِناً من كلِّ شِركٍ؛ فلَا نُشركُ باللهِ شَيئاً، [ إِلَيْهِ أَدْعُو ]؛ إلى عبَادَتِه وتَوحِيدِه، واجتنَابِ الشِّركِ والطَّواغِيت، نَدعُو، [ وَإِلَيْهِ مَآبِ ]الرعد:36. وإلى اللهِ المرجعُ، وعنده يَكُونُ الملتَقَى .. ويَكُونُ الحِسَابُ، والجزَاء.
[ وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ]النحل:9. على اللهِ بيَانُ سَبيلِ الحقِّ، وبيانُ حَلالِه، وحرَامِه، وبيَانُ الخيرِ، والشَّرِّ .. بيانُ الصِّراطِ المستَقِيم الموصِل إليه، وإلى رِضَاه .. وعلينا اتباعُ هذا السَّبيلِ الواحِدِ، ونَقصُدُه، مِن غَيرِ انحرافٍ عنه إلى غَيرِه مِن السُّبُل!

[ وَمِنْهَا جَآئِرٌ ]النحل:9. ومِنها سُبُلٌ عَديدةٌ ظالمةٌ، باطلةٌ، متعدِّدةُ التَّوجُّهَات، والمشَارِب، والمسمَّيَات .. خارجةٌ عن الصِّراطِ المستَقِيم .. تجورُ على الحقِّ، وتخالِفُه .. تُلقِي بمن يَسلكُها في نَارِ جهنَّم .. جميعُها تَصبُّ في عبادَةِ وخِدمَةِ الشَّيطَان .. وقَد ذُكِرَت السُّبُل الباطِلَةُ الشيطانيَّةُ بصيغةِ الجمْعِ؛ لأنَّ الشيطانَ يَفترشُ أمامَ الناسِ سُبُلاً عَديدَةً، يَصطَادُ بها ضحَايَاه، فمن نَفَدَ مِن سَبيلٍ، ولم يَستَهْوِهِ سَبيلٌ، صَادَه في سَبيلٍ آخَر، وفي السُّبُلِ الأُخْرَى!
[ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ]الرعد:41. الطَّلَبُ بأن يَنظرُوا بأبصَارِهم وبصَائرِهِم، يُفيدُ أن هذا النُّقصان للأرضِ من أطرافِها مُستمرٌّ، لم يتَوقَّفْ .. وقَد اختلَفَ المفسِّرُون الأوائل حولَ معنى نُقصَان الأرضِ الوارِد في الآيةِ الكريمةِ، فريقٌ مِنهم، قال: نُقصَانُها؛ تَوسُّعُ دار الإسلامِ، ونُقصانُ دار وأرض الكفرِ والحربِ، وهذا قولٌ غير منضَبطٍ؛ فالأرضُ التي تكون اليوم تبَعاً لدارِ الإسلام، فغداً قد تكونُ تبَعاً لدار الكفرِ والحرب، في حال تنكَّب المسلمُون الأخذَ بسنن التَّدَافُع .. وهذا واقعٌ مُلاحَظ .. ومَا كان هذا وصفُه؛ يَذهبُ ثم يعُود، وقَد يعُودُ مضَاعَفاً لا يُسمَّى نُقصَاناً .. وفريقٌ آخَر، قال: يُراد بالنقصَانِ خرابُ أطرافِ الأرضِ، وهذا القولُ يُرَد عليه: بأن الخرابَ الذي يصيبُ بعضَ القُرَى والمدُن، يُقابلُه عمرانٌ مضَاعَفٌ، وهذا واقعٌ ملاحظٌ، فالمدنُ والقُرَى في توسُّعٍ وتمدُّدٍ، وما كان هذا وصفُه، لا يَصحُّ أن يُعتبَر نُقصاناً .. وفريقٌ آخَر قال: النُّقصَانُ؛ هو بموتِ الناسِ .. والواقعُ الملاحَظ؛ أن عدَد الناسِ في الأمصار في ازديادٍ، فالذي يُولَدُ مِنهم أكثرُ من الذين يموتُون، ومَا كان هذا وصفُه، لا يصحُّ أن يعتبرَ نُقصَاناً .. بقي القَولُ الراجحُ والمنضبطُ المطَّردُ لمعنى النُّقصَان الوارد في الآيَةِ الكريمةِ، وهو ما ذَهبَ إليه جميعُ علماءِ الطبيعة المعَاصِرِين، وأكَّدته الأبحاثُ العلميَّةُ، والواقعُ المشَاهَد بالعينِ المجرَّدة .. وهو أن مياهَ البَحرِ تَزحفُ ببطءٍ نحو اليَابِسَةِ ـ المناطقُ الساحليَّةُ المطلَّة على البحرِ ـ فتنقصُ من اليابِسةِ كل سنةٍ قَدْراً مُعيَّناً، بحسبِ ارتفَاعِ المنسُوب الذي يَطرَأ على مياهِ البَحرِ، وهو في ارتفَاعٍ مُستمرٍّ، وبَطيءٍ، قد قُدِّر بـ " 30 " سم، كل مائة سَنَة .. هذا الواقعُ المشَاهَد، والثَّابتُ، يُفسِّر بوضُوحٍ لا لبسَ فيه، ولا مُعَارض له، معنَى نُقصَان الأرضِ مِن أطرَافِها الوارِدِ في الآيةِ الكَريمةِ .. ويُقال أيضَاً أن اليَابِسَةَ لَا تَكونُ طَرَفاً لليَابِسَةِ؛ فلا يُقالُ الصَّحراءُ طَرَفاً للصَّحرَاءِ، وإنما الماءُ الذي تَنتَهي عندَه اليَابِسَةُ هو الذي يكونُ طَرَفاً لليَابِسَةِ، واليابسة تكون طرفاً له .. وعليه فهذه الآيةُ مِن جملة الأدِلَّةِ والبرَاهين العلميَّةِ الكثيرةِ الدَّالَّةِ على إعجَازِ القُرآنِ الكريم، وأن القُرآنَ الكَريم هو كلامُ العَليم الَخبِير، وليسَ مِن كلامِ البَشَر.
[ وَاللّهُ يَحْكُمُ ]؛ في خَلْقِه مَا يَشَاءُ، فحكمُه نافِذٌ لَا محَالَة، [ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ]الرعد:41. لا رَادَّ، ولا مُبطِلَ، ولَا مَانِعَ لَه .. فإن قِيل: ولكن حكمَ اللهِ الشَّرعِي؛ المتعَلِّق بالحلَالِ والحرَامِ، وبما يجبُ ولا يجِب، وبما يجوزُ، ولا يجُوز .. يُوجَدُ مِن المنافِقِين والكافِرِين مَن يردَّ حكمَ اللهِ بحكمٍ آخَر من عندِ أنفُسِهم .. فكيفَ يكونَ الجوابُ، والتَّوفِيق؟ أقول: هؤلاء لا يَردُّون بحقٍّ، ولا يردون بحكمٍ مُكَافئ لحكمِ اللهِ .. وردُّهم باطِلُ لا وزنَ له، ولَا قِيمَةٍ؛ لا يجعلُ من الحَلالِ حرَاماً، ولا مِن الحرامِ حَلالاً، ولا من الحقِّ باطِلاً، ولا مِن الباطِلِ حَقَّاً .. ومَا كان باطِلاً من كلِّ وجهٍ لَا يَصحُّ أن يُعتبَرَ رَدَّاً .. كالذي يدَّعي الألوهيَّةَ لنفسِه أو للآخَرين .. فادِّعاؤه الباطل هذا لا يجعَلُ مِنه، وممن يَنسب لهم الألُوهيَّةَ آلهةً بحقٍّ، فيَكونُ بذلك، الإدِّعاءُ وعدَمُه سَواء.
2025/10/20 02:50:12
Back to Top
HTML Embed Code: