[ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ ]الفرقان:58. الآيةُ تتَضمَّنُ أمرَاً، ونَهيَاً؛ أَمراً بأن تتوكَّلَ على مَن هو مَعَك، لَا يُحيلُ بينَه وبينَك موتٌ، ولَا حائِلٌ آخَر .. قادِرٌ على أن يُغِيثَك في كلِّ زمَانٍ، ومَكانٍ، وحَالٍ .. ونَهياً عن أن تتَوكَّلَ على مَن يَنقطِعُ عنك بالموتِ، ويُحِيل بينَه وبينَك الموتُ .. فهذا ضَعيفٌ؛ حياتُه مُنقطعةٌ بالموتِ، والعِلَلِ، لَا يَستطيعُ أن يَدفعَ عن نفسِه الموتَ، ولَا الآفَات .. ومَن كان هذا وصفُه لا يجوزُ التَّوكلُ عليه، أو أن تتعلَّقَ به القُلُوب.
[ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ ]الفرقان:74. كم مِن صَالحٍ يُبتَلَى بذريَّةٍ طَالِحين؛ ليَعلمَ أن لَا غِنَى له عِن اللهِ، وعَن دُعائِه، واللجوءِ إليه، في صَلاحِ أبنَائِه .. وحتَّى لَا يَركنُ إلى عَزَمَاتِه، وصَلاحِه، ويَظن أن الصَّلاحَ يُورَّث للأبناءِ كما يُورَّثُ المتَاع .. وقَولُه:[ قُرَّةَ أَعْيُنٍ ]؛ أي اهدِهِم يا رَب، واجعَلْهُم مِن أهلِ الإيمانِ، والطاعَةِ، والاستِقَامَةِ؛ فتَقَرّ العينُ وتَهنأ برؤيَتِهم على الاستِقَامَةِ، والنَّهجِ السَّلِيم.
[ وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ]الرحمن:7. وضَعَ اللهُ الميزَانَ؛ والميزَانُ له كفَّتَان: كَفَّةٌ يُوضَعُ فِيها المقيَاسُ الثَّابتُ الذي به تُقَدَّر قِيمَةُ الأشَياءِ، والأعمَالِ، وهو الكتابُ، والسُّنَّة .. والكَفَّةُ الثانية تَوضَع فيها الأعمالُ الظَّاهِرَةِ مِنها والباطِنَةِ، تُعرَض قِيمتُها الحقيقيَّة على المقيَاسِ الثَّابتِ في الكفَّةِ الأُخرَى .. هذا هو مِيزَانُ العَدْلِ، والحقِّ .. ومَا سِوَاه من الموَازِين فهي موازينٌ باطِلةٌ لا تخلُو مِن التَّطفِيفِ، والغشِّ، والكَذِب.
[ وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى ]؛ مَهمَا بلَغَت قوةُ الإعجَازِ في القُرآنِ الكريمِ .. فإنَّ الكافِرين المعاندِين المستكبرِين يُطالِبُون بالمزِيد، لكي يُؤمِنُوا، وهم كاذِبُون .. ولو أُعطُوا هذا المزِيد الذي يَسألونَه، لمَا آمنُوا، ولطَالبُوا بمزيدٍ آخَر، وآخَر .. وهذَا دَيْدَنهم في كلِّ زمَانٍ، وليسَ في زمانٍ دُونَ زَمَانٍ .. وكان ممَّا طالبُوا به، قولهم أنَّهم يُريدُون قُرآناً يحرّكُ الجبالَ، وينقلُها مِن مكانٍ إلى مكانٍ، ويَشقُّ الأرضَ مروجَاً، وينابيعَ، وأنهارَاً، ويُكلمون به مَن ماتَ قبلهم من آبائِهم .. ولو أُعطُوا ما سَألُوه، لسألُوا غيرَه، ولمَا آمنُوا .. فالقضيَّةُ بالنسبةِ لهؤلاءِ الكافرِين المعَاندِين، ليسَ العِلم، ولا الإعجَاز؛ فالقُرآنُ الكَريم قد اجتمَعَت فيه جميعُ معَاني الإعجَازِ، والجمَالِ، والعِلم .. وإنما القَضيَّةُ تنحصر في نفوسِهم المريضَةِ بالكِبرِ، والعَنادِ، والحقدِ، الذي يُعمِي بَصِيرَتهم، والذي به يُواجِهُون حججَ وبرَاهِين القُرآن .. [ بَل لِّلّهِ الأَمْرُ جَمِيعاً ]؛ فالأمرُ كله لله، إن شاءَ فعلَ ذلك، وغيرَه، وإن لم يَشَأ لا يَفعل .. فأفعالُه كلها تَصدرُ عن حكمتِه، ومَشيئتِه .. وحكمتُه لا تخضعُ للتحدِّي، والتَّجرِيبِ، ولَا مُكرهَ لها على شيءٍ، [ أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَن لَّوْ يَشَاءُ اللّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً ]؛ ألم يأَن للمؤمنِين أن يَعلمُوا، ويتبين لهم أن لا سَبيل لهم لهدايةِ جميعِ الناسِ؛ لأن هذا بخلافِ حكمةِ الله من الخلْقِ، والوجُودِ، ويتنَافى مع مَبدأ ومتطلبات التَّكليفِ، والبلاء الذي فُطرَت الحياةُ الدُّنيا عليه .. ولو شاءَ اللهُ بأمرٍ كَوني؛ كُن فيكُون، لهدَى الناسَ جميعاً، وجعلَهم على أتقَى قَلبِ رجلٍ .. وقَهرهم على ما يُرِيد .. لكن هذا يتنَافى مع حكمتِه من إيجادِ الحياةِ الدنيا، وأنه تعالى خلَقها دارَ اختيَارِ، واختِبارِ، وعمَل .. ثم يوم القِيامةِ يَكونُ الجزاءُ والحسابُ؛ فيرَى الناسُ سبيلَهم ـ بناء على أعمالِهم ـ إمَّا إلى الجنَّةِ، وإمَّا إلى النَّارِ، [ وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ ]؛ مِن ظلمٍ، وفسَادٍ، وتَكذيبٍ للحقِّ، [ قَارِعَةٌ ]؛ عذابٌ شديدٌ يقرعُهم، ويَقرعُ دِيَارَهم، بين الفينَة والأُخرَى .. اللهُ تعَالى أعلمُ بماهيةِ، ونوعِ، وحجمِ هذه القَارِعَةِ، وشدَّةِ ألمها، وأثَرِها، [ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ ]؛ لعَلَّهم يتَّعِظُون؛ فمن لم تؤدبه الحججُ والبراهِينُ، عسَاهُ أن تؤدِّبَه القَوارعُ، والمصَائِبُ، [ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ]الرعد:31. فهم على هذا الوصفِ والحالِ في حياتِهم الدُّنيا، إلى أن يَأتيَهم وعدُ اللهِ لهم بالموتِ، وقِيامِ السَّاعةِ، حيثُ تتكشَّفُ الحقَائقُ، ويكونُ كلُّ شيءٍ عينَ اليَقِين.
السُّلطةُ غِشَاوةٌ، وعَمَى!
كثيرٌ من الحُكَّامِ لَا يَنطقون بالحكمَةِ، ولا يُنصِفُونَ الحَقَّ؛ إلا بعدَ مفَارَقتِهم للسُّلْطَةِ!
كثيرٌ من الحُكَّامِ لَا يَنطقون بالحكمَةِ، ولا يُنصِفُونَ الحَقَّ؛ إلا بعدَ مفَارَقتِهم للسُّلْطَةِ!
المالُ في عَالَم السِّياسَةِ؛ يَعني الاسْتقْلَالَ أو الاستِعبَادَ!
اهتِمامُك بأحْوَالِ المسلِمِين، هو المقيَاسُ الذي بِه يُعرَفُ إيمانُك.
إذَا أرَدتَ أن تعرِفَ أينَ أنتَ مِن اللهِ، فانظُرْ أينَ أنتَ مِن عِبَادِه.
إذَا أرَدتَ أن تعرِفَ أينَ أنتَ مِن اللهِ، فانظُرْ أينَ أنتَ مِن عِبَادِه.
[ قُلْ ]؛ الأمرُ موجَّهٌ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولورَثتِه مِن العُلماءِ المؤمنِين .. بأن يقُولُوا للمخَالِفِين المشركِين، [ إِنَّمَا أُمِرْتُ ]؛ أَمَرَنَا اللهُ سُبحانه وتعالى، [ أَنْ أَعْبُدَ اللّهَ ]؛ أن نوحِّدَه بالعِبَادَةِ، ونَعبُدَه وَحدَه، فَلا نَستَنكِفُ عَن عبَادَتِه، وتَوحِيدِه، ظَاهِرَاً وباطِناً، [ وَلا أُشْرِكَ بِهِ ]؛ ونَبرأُ إلى اللهِ تعالى ظَاهِرَاً، وبَاطِناً من كلِّ شِركٍ؛ فلَا نُشركُ باللهِ شَيئاً، [ إِلَيْهِ أَدْعُو ]؛ إلى عبَادَتِه وتَوحِيدِه، واجتنَابِ الشِّركِ والطَّواغِيت، نَدعُو، [ وَإِلَيْهِ مَآبِ ]الرعد:36. وإلى اللهِ المرجعُ، وعنده يَكُونُ الملتَقَى .. ويَكُونُ الحِسَابُ، والجزَاء.
[ وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ]النحل:9. على اللهِ بيَانُ سَبيلِ الحقِّ، وبيانُ حَلالِه، وحرَامِه، وبيَانُ الخيرِ، والشَّرِّ .. بيانُ الصِّراطِ المستَقِيم الموصِل إليه، وإلى رِضَاه .. وعلينا اتباعُ هذا السَّبيلِ الواحِدِ، ونَقصُدُه، مِن غَيرِ انحرافٍ عنه إلى غَيرِه مِن السُّبُل!
[ وَمِنْهَا جَآئِرٌ ]النحل:9. ومِنها سُبُلٌ عَديدةٌ ظالمةٌ، باطلةٌ، متعدِّدةُ التَّوجُّهَات، والمشَارِب، والمسمَّيَات .. خارجةٌ عن الصِّراطِ المستَقِيم .. تجورُ على الحقِّ، وتخالِفُه .. تُلقِي بمن يَسلكُها في نَارِ جهنَّم .. جميعُها تَصبُّ في عبادَةِ وخِدمَةِ الشَّيطَان .. وقَد ذُكِرَت السُّبُل الباطِلَةُ الشيطانيَّةُ بصيغةِ الجمْعِ؛ لأنَّ الشيطانَ يَفترشُ أمامَ الناسِ سُبُلاً عَديدَةً، يَصطَادُ بها ضحَايَاه، فمن نَفَدَ مِن سَبيلٍ، ولم يَستَهْوِهِ سَبيلٌ، صَادَه في سَبيلٍ آخَر، وفي السُّبُلِ الأُخْرَى!
[ وَمِنْهَا جَآئِرٌ ]النحل:9. ومِنها سُبُلٌ عَديدةٌ ظالمةٌ، باطلةٌ، متعدِّدةُ التَّوجُّهَات، والمشَارِب، والمسمَّيَات .. خارجةٌ عن الصِّراطِ المستَقِيم .. تجورُ على الحقِّ، وتخالِفُه .. تُلقِي بمن يَسلكُها في نَارِ جهنَّم .. جميعُها تَصبُّ في عبادَةِ وخِدمَةِ الشَّيطَان .. وقَد ذُكِرَت السُّبُل الباطِلَةُ الشيطانيَّةُ بصيغةِ الجمْعِ؛ لأنَّ الشيطانَ يَفترشُ أمامَ الناسِ سُبُلاً عَديدَةً، يَصطَادُ بها ضحَايَاه، فمن نَفَدَ مِن سَبيلٍ، ولم يَستَهْوِهِ سَبيلٌ، صَادَه في سَبيلٍ آخَر، وفي السُّبُلِ الأُخْرَى!
[ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ]الرعد:41. الطَّلَبُ بأن يَنظرُوا بأبصَارِهم وبصَائرِهِم، يُفيدُ أن هذا النُّقصان للأرضِ من أطرافِها مُستمرٌّ، لم يتَوقَّفْ .. وقَد اختلَفَ المفسِّرُون الأوائل حولَ معنى نُقصَان الأرضِ الوارِد في الآيةِ الكريمةِ، فريقٌ مِنهم، قال: نُقصَانُها؛ تَوسُّعُ دار الإسلامِ، ونُقصانُ دار وأرض الكفرِ والحربِ، وهذا قولٌ غير منضَبطٍ؛ فالأرضُ التي تكون اليوم تبَعاً لدارِ الإسلام، فغداً قد تكونُ تبَعاً لدار الكفرِ والحرب، في حال تنكَّب المسلمُون الأخذَ بسنن التَّدَافُع .. وهذا واقعٌ مُلاحَظ .. ومَا كان هذا وصفُه؛ يَذهبُ ثم يعُود، وقَد يعُودُ مضَاعَفاً لا يُسمَّى نُقصَاناً .. وفريقٌ آخَر، قال: يُراد بالنقصَانِ خرابُ أطرافِ الأرضِ، وهذا القولُ يُرَد عليه: بأن الخرابَ الذي يصيبُ بعضَ القُرَى والمدُن، يُقابلُه عمرانٌ مضَاعَفٌ، وهذا واقعٌ ملاحظٌ، فالمدنُ والقُرَى في توسُّعٍ وتمدُّدٍ، وما كان هذا وصفُه، لا يَصحُّ أن يُعتبَر نُقصاناً .. وفريقٌ آخَر قال: النُّقصَانُ؛ هو بموتِ الناسِ .. والواقعُ الملاحَظ؛ أن عدَد الناسِ في الأمصار في ازديادٍ، فالذي يُولَدُ مِنهم أكثرُ من الذين يموتُون، ومَا كان هذا وصفُه، لا يصحُّ أن يعتبرَ نُقصَاناً .. بقي القَولُ الراجحُ والمنضبطُ المطَّردُ لمعنى النُّقصَان الوارد في الآيَةِ الكريمةِ، وهو ما ذَهبَ إليه جميعُ علماءِ الطبيعة المعَاصِرِين، وأكَّدته الأبحاثُ العلميَّةُ، والواقعُ المشَاهَد بالعينِ المجرَّدة .. وهو أن مياهَ البَحرِ تَزحفُ ببطءٍ نحو اليَابِسَةِ ـ المناطقُ الساحليَّةُ المطلَّة على البحرِ ـ فتنقصُ من اليابِسةِ كل سنةٍ قَدْراً مُعيَّناً، بحسبِ ارتفَاعِ المنسُوب الذي يَطرَأ على مياهِ البَحرِ، وهو في ارتفَاعٍ مُستمرٍّ، وبَطيءٍ، قد قُدِّر بـ " 30 " سم، كل مائة سَنَة .. هذا الواقعُ المشَاهَد، والثَّابتُ، يُفسِّر بوضُوحٍ لا لبسَ فيه، ولا مُعَارض له، معنَى نُقصَان الأرضِ مِن أطرَافِها الوارِدِ في الآيةِ الكَريمةِ .. ويُقال أيضَاً أن اليَابِسَةَ لَا تَكونُ طَرَفاً لليَابِسَةِ؛ فلا يُقالُ الصَّحراءُ طَرَفاً للصَّحرَاءِ، وإنما الماءُ الذي تَنتَهي عندَه اليَابِسَةُ هو الذي يكونُ طَرَفاً لليَابِسَةِ، واليابسة تكون طرفاً له .. وعليه فهذه الآيةُ مِن جملة الأدِلَّةِ والبرَاهين العلميَّةِ الكثيرةِ الدَّالَّةِ على إعجَازِ القُرآنِ الكريم، وأن القُرآنَ الكَريم هو كلامُ العَليم الَخبِير، وليسَ مِن كلامِ البَشَر.
[ وَاللّهُ يَحْكُمُ ]؛ في خَلْقِه مَا يَشَاءُ، فحكمُه نافِذٌ لَا محَالَة، [ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ]الرعد:41. لا رَادَّ، ولا مُبطِلَ، ولَا مَانِعَ لَه .. فإن قِيل: ولكن حكمَ اللهِ الشَّرعِي؛ المتعَلِّق بالحلَالِ والحرَامِ، وبما يجبُ ولا يجِب، وبما يجوزُ، ولا يجُوز .. يُوجَدُ مِن المنافِقِين والكافِرِين مَن يردَّ حكمَ اللهِ بحكمٍ آخَر من عندِ أنفُسِهم .. فكيفَ يكونَ الجوابُ، والتَّوفِيق؟ أقول: هؤلاء لا يَردُّون بحقٍّ، ولا يردون بحكمٍ مُكَافئ لحكمِ اللهِ .. وردُّهم باطِلُ لا وزنَ له، ولَا قِيمَةٍ؛ لا يجعلُ من الحَلالِ حرَاماً، ولا مِن الحرامِ حَلالاً، ولا من الحقِّ باطِلاً، ولا مِن الباطِلِ حَقَّاً .. ومَا كان باطِلاً من كلِّ وجهٍ لَا يَصحُّ أن يُعتبَرَ رَدَّاً .. كالذي يدَّعي الألوهيَّةَ لنفسِه أو للآخَرين .. فادِّعاؤه الباطل هذا لا يجعَلُ مِنه، وممن يَنسب لهم الألُوهيَّةَ آلهةً بحقٍّ، فيَكونُ بذلك، الإدِّعاءُ وعدَمُه سَواء.
[ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ ]؛ حدُودُ الحَلالِ، ومَا هو مُبَاحٌ، [ فَلاَ تَعْتَدُوهَا ]؛ فلا تتَجاوزُوها إلى الحرامِ، [ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ ]؛ ومَن يتجاوَزها إلى الحرامِ، [ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ]البقرة:229. الظالمون لأنفُسِهم، ولغَيرِهم .. المعتَدُون على الحقُوقِ .. ومَن يتجاوزُ حدُودَ اللهِ إلى الحرامِ استهزاءً، وجحُوداً، واستحلالاً فقَد وقَعَ في الظُّلمِ الأكبرِ الموازِي للشركِ الأكبَر، وما سِوَى ذلك فهو ظُلمٌ أصغَر؛ ظلمٌ دُون ظُلمٍ.
الحدُودُ تُطلَق في الشريعَةِ لمعانٍ عِدَّة: مِنها، لبيانِ حُدُود الحلالِ ومَا هو مُباحٌ كما تَقدَّم في الآيةِ أعلَاه، ومِنها، لبيَانِ حدُود الحرَامِ؛ لاجتنابِه، وعدَم الاقترابِ مِنه، كما في قوله تعالى:[ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا ]البقرة:187. أي تِلكَ الحدُود قَد حرَّمَها اللهُ، [ فَلاَ تَقْرَبُوهَا ]؛ لم يَقُل:" فلا تقعُوا فيها "؛ وإنما قَال:[ فَلاَ تَقْرَبُوهَا ]؛ زيادَةً في التَّنفِيرِ، والتَّحذِيرِ؛ أي لا تَقربُوا الأسبابَ المبَاحةِ المتشَابهةِ التي قد تُؤدِّي إلى الوقُوعِ فِيها .. كمن يَرعَى غنمه حولَ الحِمى يُوشِكُ أن يواقِعَه، كما في الحديث:" ومَنِ اجْتَرَأَ علَى ما يَشُكُّ فيه مِنَ الإثْمِ، أوْشَكَ أنْ يُواقِعَ ما اسْتَبَانَ، والمَعاصِي حِمَى اللَّهِ مَن يَرتَعْ حولَ الحِمَى يُوشِكُ أَن يواقِعَهُ "البخاري. من هذه النصوصُ أُخِذَت قاعدةُ سَدُّ الذَّرائعِ. ومِنها، تُطلق كلمة الحدُود كتعبيرٍ عن العقُوبات الشرعيَّةِ، كحدِّ القَتلِ، والزِّنى، والسَّرقةِ، وغيرِها، كما في الحديث المتفق عليه، لما أرادَ أسامَةُ بنُ زَيدٍ أن يشفع للمرأةِ المخزومية التي سَرقَت، قال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم:" أتشفَعُ في حدٍّ من حدُودِ اللهِ ؟!". ومِنها، كتعبيرٍ عن الأحكَامِ والشرائعِ، كما قال تعالى:[ الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ ]التوبة:97. أي أنهم لَا يَعلمُون أحكامَه وشرَائعَه. وقال تعالى:[ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ ]التوبة:112. أي الحافِظُون لأحكَامِه وشرائعِه، العالمون العامِلُون بها؛ فلا يُفرِّطُون بواجِبٍ، ولا يتَجاوَزُون الحَلالَ إلى الحَرامِ، ولَا يَقتربُون مِن الحرَامِ.
الحدُودُ تُطلَق في الشريعَةِ لمعانٍ عِدَّة: مِنها، لبيانِ حُدُود الحلالِ ومَا هو مُباحٌ كما تَقدَّم في الآيةِ أعلَاه، ومِنها، لبيَانِ حدُود الحرَامِ؛ لاجتنابِه، وعدَم الاقترابِ مِنه، كما في قوله تعالى:[ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا ]البقرة:187. أي تِلكَ الحدُود قَد حرَّمَها اللهُ، [ فَلاَ تَقْرَبُوهَا ]؛ لم يَقُل:" فلا تقعُوا فيها "؛ وإنما قَال:[ فَلاَ تَقْرَبُوهَا ]؛ زيادَةً في التَّنفِيرِ، والتَّحذِيرِ؛ أي لا تَقربُوا الأسبابَ المبَاحةِ المتشَابهةِ التي قد تُؤدِّي إلى الوقُوعِ فِيها .. كمن يَرعَى غنمه حولَ الحِمى يُوشِكُ أن يواقِعَه، كما في الحديث:" ومَنِ اجْتَرَأَ علَى ما يَشُكُّ فيه مِنَ الإثْمِ، أوْشَكَ أنْ يُواقِعَ ما اسْتَبَانَ، والمَعاصِي حِمَى اللَّهِ مَن يَرتَعْ حولَ الحِمَى يُوشِكُ أَن يواقِعَهُ "البخاري. من هذه النصوصُ أُخِذَت قاعدةُ سَدُّ الذَّرائعِ. ومِنها، تُطلق كلمة الحدُود كتعبيرٍ عن العقُوبات الشرعيَّةِ، كحدِّ القَتلِ، والزِّنى، والسَّرقةِ، وغيرِها، كما في الحديث المتفق عليه، لما أرادَ أسامَةُ بنُ زَيدٍ أن يشفع للمرأةِ المخزومية التي سَرقَت، قال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم:" أتشفَعُ في حدٍّ من حدُودِ اللهِ ؟!". ومِنها، كتعبيرٍ عن الأحكَامِ والشرائعِ، كما قال تعالى:[ الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ ]التوبة:97. أي أنهم لَا يَعلمُون أحكامَه وشرَائعَه. وقال تعالى:[ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ ]التوبة:112. أي الحافِظُون لأحكَامِه وشرائعِه، العالمون العامِلُون بها؛ فلا يُفرِّطُون بواجِبٍ، ولا يتَجاوَزُون الحَلالَ إلى الحَرامِ، ولَا يَقتربُون مِن الحرَامِ.
[ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّراً ]؛ لمن آمَن، وأطَاعَ، ووحَّدَ اللهَ تعالى، واجتنَب الشِّرْكَ، بالجنَّةِ، [ وَنَذِيراً ]الفرقان:56. لمن كَفَر، وعَصَى، وأعرَضَ، وأشرَكَ باللهِ، بالنَّارِ .. فإن قِيلَ: كيفَ نُوفِّقُ بينَ هذه الآيةِ؛ التي تَتكلم عن الوَعْدِ بالجنَّةِ لمن آمَن، والوَعيدِ بالنَّارِ لمن كفَرَ وأشرَكَ، وبين قوله تَعالى:[ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ]الأنبياء:107.؟ أقُولُ: مِن أعظَمِ معَاني الرَّحمَةِ التي بُعِثَ بها النبيُّ محمد صلى الله عليه وسلم للعَالَمين، إخراجُ النَّاسِ مِن الشِّركِ إلى التَّوحِيدِ، ومِن عبَادَةِ العِبادِ، إلى عبَادَةِ ربِّ العِبادِ، ومِن الانعتَاق مِن العبُوديَّةِ للمخلُوقِ، إلى الحريَّةِ التي تحقِّقُ للإنسانِ كرامَتَه، وعِزَّتَه .. ومِن عَارِ الجهلِ إلى نُورِ العِلمِ .. ومِن ضِيقِ الدُّنيَا إلى سَعَةِ الدُّنيَا والآخِرَةِ .. فيَكُونُ بذلك رحمةً لهم في الدُّنيَا، وفي الآخِرَة .. وأيُّ رحمَةٍ تُوَازِي هذه الرَّحمَة؟!
" أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجِيم "؛ اعلَمْ أنَّ عدوَّك الأول والأكبَر هو الشَّيطانُ الرَّجيم، وهو لك بالمرصَادِ؛ يتربَّصُ بك الشرَّ، والمكائدَ، والدوائرَ، همّهُ الأكبر كيف يُضِلُّك عن الصراطِ المستقِيم، ويَصرفُك عن عبادَةِ اللهِ تعالى وتَوحِيدِه، إلى الشركِ، وإلى عبادَتِه، وعبادَةِ الأصنامِ، والطَّواغِيت؛ وهو إمِامُهم وكبيرُهم .. لذا أنتَ بحاجةٍ ماسَّةٍ أن تَقي نَفسَك مِنه، وأن تلُوذَ بعزيزٍ قَديرٍ قوي يحميك من شرِّهِ، ومكائدِه .. وحاجَتُك هذه تجدُها في الاستعاذَةِ باللهِ .. ومعنَى الاستِعاذَةِ؛ أي ألُوذُ وأستجِيرُ وأحتَمي باللهِ العظيم، بمن له الأسماء الحُسنى، والصِّفَات العُليَا، مِن الشيطانِ الملعُون، المطرُود من رحمةِ اللهِ، ومِن شرِّهِ، ومكائدِه، ووسَاوسِه، وحِباله التي يُضلُّ بها الناسُ عن الصِّراطِ المستقيم، وعن عبادَةِ اللهِ تعالى وتَوحِيدِه .. ومَن استَعاذَ، ولَاذَ، واستعصَمَ باللهِ، فقد لاذَ بعظِيمٍ، لا سُلطان للشيطانِ عليه، وكان الشيطانُ ضَعيفاً، وفي مَنأى عنه .. ويُستَحسَنُ للمرءِ أن يَستعيذَ باللهِ من الشيطانِ الرَّجِيم عند تلاوتِه للقُرآنِ الكريم، سواءٌ كانت هذه التِّلاوةُ في الصلاةِ، أو خارِجِها .. كما تُستَحسَن الاستعاذَةُ عند الغضَبِ .. وعندما يَرَى الإنسانُ حِلماً يَكرهُهُ .. وعند الوسْوسَةِ في الصَّلَاةِ؛ فيتعوَّذُ المصلي، مع تَفْلٍ يَسِيرٍ ثلاثَ مرَّاتِ على شمالِه .. وكذلك في كلِّ موضعٍ تكونُ النفسُ فيه مَشدُودةً لفعلِ حرامٍ، أو تركِ واجِبٍ، ومُستَحَب.
((صفة الكفر بالطاغوت)) بعد أن عرفنا معنى "الطاغوت" في كلمة سابقة بعنوان( معنى الطاغوت) أصبح من المفيد لنا أن نعرف كيف يكون الكفر بالطاغوت..ليعرف كل واحد منا هل هو ممن يكفر بالطاغوت حقا،أم أنه يكفر بالطاغوت زعما باللسان فقط..
أقول: صفة الكفر بالطاغوت حقا أن نكفر به اعتقادا،وقولا،وعملا : ١- صفة الكفر الاعتقدي: أن نضمر له العداوة في القلب،ونعتقد كفره وكفر من يدخل في عبادته من دون الله تعالى.وهذا الحد من الكفر بالطاغوت لا يعذر أحد بتركه لأنه أمر مقدور عليه. ٢- صفة الكفر القولي بالطاغوت: يكون ذلك بإظهار كفره وتكفيره باللسان،وإظهار البراءة منه،ومن دينه،وأتباعه،وعبيده،وبيان ما هم عليه من باطل. قال تعالى:[وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون.إلا الذي فطرني فإنه سيهدين] الزخرف: ٢٦-٢٧ ٣- صفة الكفر بالطاغوت عملا: يكون ذلك باعتزاله،وجهاده،وجهاد أتباعه،وقتالهم إن أبوا إلا القتال ،وعدم اتخاذهم أعوانا وأولياء،كما قال تعالى:[ والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد] الزمر: ١٦
وبعد ،هذه صفة الكفر بالطاغوت فمن أتى بها كاملة فهو الذي يكون قد كفر بالطاغوت حقا.ومن لم يأت بها لا يكون قد كفر بالطاغوت،وإن زعم بلسانه ألف مرة أنه كافر بالطاغوت.( من الكتاب القيم"شروط لا إله إلا الله"للشيخ الفاضل عبد المنعم مصطفى حليمة- أبي بصير- حفظه الله تعالى)
أقول: صفة الكفر بالطاغوت حقا أن نكفر به اعتقادا،وقولا،وعملا : ١- صفة الكفر الاعتقدي: أن نضمر له العداوة في القلب،ونعتقد كفره وكفر من يدخل في عبادته من دون الله تعالى.وهذا الحد من الكفر بالطاغوت لا يعذر أحد بتركه لأنه أمر مقدور عليه. ٢- صفة الكفر القولي بالطاغوت: يكون ذلك بإظهار كفره وتكفيره باللسان،وإظهار البراءة منه،ومن دينه،وأتباعه،وعبيده،وبيان ما هم عليه من باطل. قال تعالى:[وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون.إلا الذي فطرني فإنه سيهدين] الزخرف: ٢٦-٢٧ ٣- صفة الكفر بالطاغوت عملا: يكون ذلك باعتزاله،وجهاده،وجهاد أتباعه،وقتالهم إن أبوا إلا القتال ،وعدم اتخاذهم أعوانا وأولياء،كما قال تعالى:[ والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد] الزمر: ١٦
وبعد ،هذه صفة الكفر بالطاغوت فمن أتى بها كاملة فهو الذي يكون قد كفر بالطاغوت حقا.ومن لم يأت بها لا يكون قد كفر بالطاغوت،وإن زعم بلسانه ألف مرة أنه كافر بالطاغوت.( من الكتاب القيم"شروط لا إله إلا الله"للشيخ الفاضل عبد المنعم مصطفى حليمة- أبي بصير- حفظه الله تعالى)
[ وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ ]؛ أَصْلُ النَّزْغِ الإفسَادُ؛ أي إذا أرادَ الشيطانُ أن يُفسِدَ عليك دِينَك، وآخِرتك .. هذا النَّزغُ مِن الشيطانِ قد يكونُ في اتجاهِ حملِك على فعلِ محرَّم، وقد يكونُ في اتجاهِ حملك على تركِ واجِبٍ، ومُستَحَب، ففي كِلَا الحَالَتَين:[ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ ]؛ فقُل: أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرَّجِيم، فإن استَعذْتَ باللهِ من الشيطانِ الرجيم ومِن نزغَاتِه، فقد استَعذْت بعَظِيمٍ، ولِذْت بقَوي، لم يُصِبْك من الشيطانِ أَذَى، وبَطُلَت نزغَاتُه، ومكائِدُه،[ إِنَّهُ سَمِيعٌ ]؛ بتعوِّذِك به من الشيطانِ الرَّجِيم، ومِن نزغَاتِه،[ عَلِيمٌ ]الأعراف:200. بنزغَاتِ الشيطانِ، ومَكائدِه، ومحيط بها.
" بسمِ اللهِ الرحمن الرَّحِيم "؛ اعلَم أنَّ اللهَ تعالى خَالقُ كُلِّ شَيءٍ، ومَالِكُ كلِّ شَيءٍ .. والأرضُ ما فيها مِن مخلوقاتٍ وأشياءٍ هي مِن خَلْقِ ومُلْكِ الله تعالى .. وأنت في حياتِك الدُّنيَا لا بدَّ لك من أن تتَعاطَى معَ الأشياءِ التي تخصُّك، وتُعنيك، وتُهمك .. وأيُّ شيءٍ تريدُ تنَاولَه، والتمتعَ به؛ كان مَالاً، أو طعَاماً، أو مَلبَساً، أو شرَاباً، أو نِكاحَاً، أو غيرَ ذلك .. لا بدَّ لك ابتداءً من أن تستأذنَ الله فيمَا تُريدُه، وتحتَاجُه، وتتَعاطَاه .. واستئذانُك يتلخص بقولِك:" بسم الله "؛ فأنت ـ مَثَلاً ـ عندما تذبحُ شاةً لتأكلها؛ فإنك تذبحها باسمِ اللهِ، باسم خالِقها ومالِكِها؛ الذي أجازَ لك ذبحَها، وأكلَها .. وهي بذلك تُصبح حَلالاً لك .. لا يَستطيعُ أحدٌ أن يمنعَك هذا الحقِّ؛ لأنَّك ذبحتها باسمِ اللهِ .. ولو قِيل لك: اذبحها باسمِ الصَّنم، أو القَبرِ، أو الطَّاغُوت، أو المخلُوق كائن من كان هذا المخلُوق .. لما جازَ لك فعلُ ذلك .. ولو فعَلت؛ ذبيحتُك تتحوَّل مبَاشَرةً إلى جِيفةٍ لا يجوزُ الأكلُ مِنها؛ والسرُّ في ذلك أنك أقدَمت على ذبحِها بغيرِ اسمِ اللهِ؛ باسمِ مَن لا يخلقُ، ولا يملكَ، باسمِ من ليسَ له هذا الحقّ .. هذا مِثَالٌ يوضحُ المُرَاد، يُقاسُ عليه جميعُ الأشياءِ الأخرَى، مما يحتاجُه الإنسانُ ويتَعَاطَاه في حيَاتِه .. وقولُك " بسمِ اللهِ الرحمن الرحيم "؛ يعني جملةً من الأمُورِ: مِنها، أن هذا الذي تُقدِمَ عليه باسمِ اللهِ؛ هو ابتداءٌ مما أجازَه وأباحَهُ اللهُ تعالى، فمثَلاً ـ وبالأمثلة يتضحُ المرَاد ـ أنت لا تستطيع أن تأكلَ الميتَةَ، أو لحمَ الخنزيرِ، أو أن تشربَ الخمرَ باسمِ اللهِ .. أو عندما تُقدِم على تناولِ شيءٍ من ذلك أن تقُولَ: بسمِ اللهِ .. لأنَّ اللهَ لم يُبِح لك ذلك .. وقولُك بسم اللهِ على هذه الأشياءِ، وفي مثلِ هذه المواضِع لا يجعلُها لك مُباحَةً .. كما أنه أقربُ للتهكُّمِ، والاستهزاءِ، واستحلالِ الحرَامِ. ومِنهَا، أنك بقولِك على شيءٍ ممَّا أباحه اللهُ " بسمِ الله "، فأنتَ بذلك تملكُ تفويضَاً مِن اللهِ، مِن الخالقِ المالِك، لا يستطيعُ أحدٌ أن يمنعَك إيَّاه، أو أن يحيلَ بينَك وبينَ ما قَد فوَّضَك اللهُ إيَّاه .. ولو وُجِدَ من يمنعُك؛ فهو يمنعُك بظلمٍ، وبغي، وعدوانٍ، ومنعه باطلٌ لا يُقَرُّ ولا يُتابَع عليه، وفي المقابل ما مَنعه اللهُ عنك، فهو ممنوعٌ عنك باسمِ الله؛ الخالِقِ المالِك، لا يُوجدُ مخلُوقٌ كائن مَن كَان، وأيَّاً كانَت صِفتُه، يقدرُ أن يُجيزَه لك، ويقولُ لك قد فوضُّتك، لا حَرجَ عليك بإمكانِك أن تَتَناولَه، وتتمتَّعَ به باسمي أنا الحاكم فُلان، أو المشرِّع عِلَّان .. فهذا الحقُّ ليسَ له، ولا لغَيرِه، وإنما هو حَصْراً لله تَعالى وحدَه. ومِنها، الأنبياءُ فقَط دونَ غَيرِهم يحقُّ لهم أن يَأمروا بأشياء باسمِ اللهِ، أو أن يَنهوا عن أشيَاء باسمِ الله، أو أن يَفعلُوا أشياء باسمِ الله، وما سِواهُم يَفعلُون ذلك طاعَةً وتَبعاً للأنبياءِ، لأنَّ الأنبياءَ لا يتَصرَّفُون، ولا يَنطقُون إلا بوحيٍ مِن اللهِ، ومن هنا كانت طاعَتهم مِن طاعةِ الله، ومَعصيتُهم من معصيَةِ اللهِ، كما في الحديث:" من أطَاعَني فقد أطاعَ اللهَ، ومَن عصَاني فقَد عصَى اللهَ "البخاري. ومَن يَقتحم هذا الحق، ويَستقل به مِن عند نفسِه من غَيرِ متابعةٍ للأنبيَاءِ؛ فأنه بذلك يتَألَّى على اللهِ بغيرِ عِلمٍ، ويَدخلُ تحتَ طائلة ووعيدِ التَّألِّي والتَّقَوّلِ على اللهِ بغيرِ عِلم.
اللهم تمم لأهلنا في غزة فرحتهم .. ففرحتهم فرحتنا .. وفرحة كل مسلم .. وكل حر شريف .. اللهم تقبل شهداءهم .. واشف مرضاهم، وجرحاهم .. اللهم آمين، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أقصَى ما يُريدُ البَاطلُ من الحقِّ أن يُعِيقَ حَرَكتَه، إذْ لا سُلطانَ له على إلغَائِه، مَهمَا أُوتي مِن قُوّة!
مهما وارَوا الحقَّ، وعَلَوهُ بالتُّرَابِ، فسوف يَنبتُ، ويَفلُقُ الأرضَ بجمالِه، وعطَائِه.
مهما وارَوا الحقَّ، وعَلَوهُ بالتُّرَابِ، فسوف يَنبتُ، ويَفلُقُ الأرضَ بجمالِه، وعطَائِه.
