Telegram Web Link
علاقة الكلام ونفي الصفات بالشرك ...

قال شيخ الإسلام :

وليس المراد بالتوحيد مجرد توحيد الربوبية، وهو اعتقاد أن الله وحده خلق العالم، كما يظن ذلك من يظنه من أهل الكلام والتصوف
ويظن هؤلاء أنهم إذا أثبتوا ذلك بالدليل فقد أثبتوا غاية التوحيد..!
ويظن هؤلاء أنهم إذا شهدوا هذا وفنوا فيه فقد فنوا في غاية التوحيد..!

وكثير من أهل الكلام يقول: التوحيد له ثلاث معان، وهو:
واحد في ذاته لا قسيم له، أو لا جزء له، وواحد في صفاته لا شبيه له، وواحد في أفعاله لا شريك له.

وهذا المعنى الذي تتناوله هذه العبارة فيها ما يوافق ما جاء به الرسول صلي الله عليه وسلم
وفيها ما يخالف ما جاء به الرسول، وليس الحق الذي فيها هو الغاية التي جاء بها الرسول

بل التوحيد الذي أمر به أمر يتضمن الحق الذي في هذا الكلام وزيادة أخري، فهذا من الكلام الذي لبس فيه الحق بالباطل وكتم الحق.

وذلك أن الرجل لو أقر بما يستحقه الرب تعالي من الصفات، ونزهه عن كل ما ينزه عنه، وأقر بأنه وحده خالق كل شيء ـ لم يكن موحداً، بل ولا مؤمناً !
حتى يشهد أن لا إله إلا الله، فيقر بأن الله وحده هو الإله المستحق للعبادة، ويلتزم بعبادة الله وحده لا شريك له.

والإله هو بمعني المألوه المعبود الذي يستحق العبادة، ليس هو الإله بمعني القادر علي الخلق

فإذا فسر المفسر الإله بمعني القادر علي الاختراع، واعتقد أن هذا أخص وصف الإله، وجعل إثبات هذا التوحيد هو الغاية في التوحيد
كما يفعل ذلك من يفعله من [ متكلمة الصفاتية ] وهو الذي ينقلونه عن أبي الحسن وأتباعه( الذين ) لم يعرفوا حقيقة التوحيد الذي بعث الله به رسوله
فإن مشركي العرب كانوا مقرين بأن الله وحده خالق كل شيء، وكانوا مع هذا مشركين.

وقال تعالى {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون}
قال طائفة من السلف: تسألهم من خلق السماوات والأرض فيقولون الله، وهم مع هذا يعبدون غيره

وقال تعالي {قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون * سيقولون لله قل أفلا تذكرون * قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم * سيقولون لله قل أفلا تتقون * قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون * سيقولون لله قل فأنى تسحرون}

وقال تعالى {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله}

فليس كل من أقر أن الله ربُّ كل شيء وخالقه يكون عابداً له دون ما سواه، داعياً له دون سواه، راجيا له خائفا منه دون ما سواه، يوالي فيه، ويعادي فيه، ويطيع رسله، ويأمر بما أمر به، وينهى عما نهي عنه.
وقد قال تعالى {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله}

وعامة المشركين أقروا بأن الله خالق كل شيء وأثبتوا الشفعاء الذين يشركونهم به وجعلوا له أنداداً
قال تعالى {أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أو لو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون * قل لله الشفاعة جميعا}

وقال تعالى {ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون}

وقال تعالى {ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون}

وقال تعالى {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله}

ولهذا كان من أتباع هؤلاء ( المتكلمين ) من يسجد للشمس والقمر والكواكب، ويدعوها كما يدعو الله تعالي، ويصوم لها، وينسك لها، ويتقرب إليها، ثم يقول: إن هذا ليس بشرك ! وإنما الشرك إذا اعتقدت أنها هي المدبرة لي، فإذا جعلتها سبباً وواسطة لم أكن مشركاً.
ومن المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام أن هذا شرك
فهذا ونحوه من التوحيد الذي بعث الله به رسله، وهم لا يدخلونه في مسمي التوحيد الذي اصطلحوا عليه، وأدخلوا في ذلك نفي صفاته ..

[ درء تعارض العقل والنقل 1 / 229 وما بعدها ]
قال شيخ الإسلام في توصياته في التعامل مع المتكلمين :

فإن كانوا في مقام دعوة الناس إلى قولهم وإلزامهم به ، أمكن أن يقال لهم :
لا يجب على أحد أن يجيب داعيا إلا إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم
فما لم يثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا الخلق إليه لم يكن على الناس إجابة الداعي إليه ،ولا دعوة الناس إلى ذلك.
ولو قدّر أن هذا المعنى حق.

وهذه الطريق تكون أصلح إذا لبس ملبس منهم على ولاة الأمور وأدخلوه في بدعتهم

وبهذا ناظر الإمام أحمد رحمه الله تعالى

[ درء تعارض العقل والنقل 1 / 231 ]
قال شيخ الإسلام في مبحث الرؤية :

ولهذا صار الحذّاق من متأخري الأشعرية على نفي الرؤية وموافقة المعتزلة
فإذا أطلقوها إطلاق موافقة لأهل السنة ، فسروها بما تفسرها به المعتزلة
وقالوا : النزاع بيننا وبين المعتزلة لفظي ..

[ درء تعارض العقل والنقل 1 / 243 ]
قال شيخ الإسلام :

الجهمية يقولون : إن الله لم يتكلم في الحقيقة بل خلق كلاماً في غيره
ومن أطلق منهم ( يعني هؤلاء الأشاعرة المتأخرون ) أن الله تكلم حقيقة ، فإن هذا مراده
فالنزاع بينهم لفظي

[ درء تعارض العقل والنقل 1 / 248 ]
سئل شيخ الإسلام : في رجل تزوج امرأة من إحدى عشرة سنة وأحسنت العشرة معه
ثم في هذا الزمان تأبى العشرة معه وتناشزه فما يجب ؟

قال رحمه الله : لا يحل لها أن تنشز عنه ولا تمنع نفسها
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم [ ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى تصبح ]
فإذا أصرت على النشوز فله أن يضربها
وإذا كانت المرأى لا تقوم بما يجب عليها للرجل فليس له عليها أن يطلقها ويعطيها الصداق !
بل هي التي تفتدي نفسها منه ، فتبذل له ليفارقها
كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم امراة ثابت بن قيس بن شماس
وإذا كان معسراً في الصداق لم تجب مطالبته بإجماع المسلمين ..

[ الكبرى 3 / 335 ]
قال ابن رجب الحنبلي :

فإنَّ من تفقَّه لغير العملِ يقسُو قلبُه فلا يشتغلُ

بالعملِ، بل بتحريفِ الكلم، وصرفِ ألفاظِ الكتابِ والسنةِ عن مواضِعِها.

والتلطفِ في ذلكَ بأنواع الحيلِ اللطيفةِ، من حمْلِهَا على مجازاتِ اللغةِ

المستبعدَةِ ونحوِ ذلك، والطعنُ في ألفاظِ السنن حيثُ لم يمكنْهم الطعنُ في

ألفاظِ الكتابِ، ويذمُّونَ من تمسَّكَ
بالنصوصِ وأجْرَاها على ما يُفهمُ منها

ويسمونه جاهلاً أو حسودًا.

وهذا يوجدُ في المتكلمينَ في أصولِ الدياناتِ، وفي فقهاءِ الرأي، وفي صوفيةِ الفلاسفةِ والمتكلمينَ.

تفسير ابن رجب ص٤١٩
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

كان السلف يسمون الرجل المغني : مخنثاً ، لتشبهه بالنساء

[ الاستقامة 277 ]
تلاعب المعتزلة والجهمية وأفراخهم بالعبارات ..

قال شيخ الإسلام :

وكانت المعتزلة تقول : [ إن الله منزه عن الأعراض والأبعاض والحوادث والحدود ]
ومقصودهم من هذا : نفي الصفات ونفي الأفعال ونفي مباينته لخلقه - عزوجل - وعلوه على العرش
وكانوا يعبرون عن مذاهب أهل الإثبات من أهل السنة بالعبارات المجملة التي تشعر الناس بفساد المذهب

فإنهم إذا قالوا : [ إن الله منزه عن الأعراض ] لم يكن في ظاهر هذه العبارة ما ينكر ! لأن الناس يفهمون من ذلك أنه منزه عن الاستحالة والفساد
كالأعراض التي تعرض لبني آدم من الأمراض والأسقام ، ولا ريب أن الله - عزوجل - منزه عن ذلك

ولكن مقصودهم : أنه ليس له علم ولا قدرة ولا حياة ولا كلام قائم به ولا غير ذلك من الصفات التي يسمونها أعراضاً

وكذلك إذا قالوا : [ إن الله منزه عن الحدود والأحياز والجهات ] أوهموا الناس أن مقصودهم بذلك : أنه لا تحصره المخلوقات ولا تحوزه مصنوعات وهذا المعنى صحيح

ولكن مقصودهم : أنه ليس مباينا للخلق ولا منفصلا عنه ، وأنه ليس فوق السماوات رب ! ، ولا على العرش إله ، وأن محمدا لم يعرج به إليه
ولم ينزل منه شيء ولا يصعد إليه شيء ولا يتقرب إليه شيء ولا يتقرب إلى شيء ولا ترفع إليه الأيدي في الدعاء ولا غيره
ونحو ذلك من معاني الجهمية.

وإذا قالوا : [ إنه ليس بجسم ] أوهموا الناس أنه ليس من جنس المخلوقات ولا مثل أبدان الخلق ، وهذا المعنى صحيح .

ولكن مقصودهم بذلك : أنه لا يُرى ولا يتكلم بنفسه ، ولا تقوم به صفة ولا هو مباين للخلق وأمثال ذلك .

وإذا قالوا : [ لا تحله الحوادث ] أوهموا الناس أن مرادهم أن لا يكون محلا للتغيرات والاستحالات ونحو ذلك من الأحداث التي تحدث للمخلوقين فتحيلهم وتفسدهم
وهذا معنى صحيح .

ولكن مقصودهم بذلك : أنه ليس له فعل اختياري يقوم بنفسه ، ولا له كلام ولا فعل يقوم بهيتعلق بمشيئته وقدرته وأنه لا يقدر على استواء ولا نزول أو إتيان أو مجيء
وأن المخلوقات التي خلقها لم يكن منه عند خلقها فعلٌ أصلا ! ، بل عين المخلوقات هي عين الفعل !
ليس هناك عندهم فعل ومفعول وخلق ومخلوق بل المخلوق عين الخلق ! والمفعول عين الفعل !
ونحو ذلك ...



[ درء التعارض المجلد الأول - القسم الثاني صفحة رقم 345 وما بعدها ]
قال شيخ الإسلام عن الجويني ومن تبعه من متأخري الأشاعرة :

وهذه الطرق التي سلكها من وافق المعتزلة كصاحب الإرشاد ( يعني الجويني ) وأتباعه
وهؤلاء
-يردون دلالات الكتاب والسنة
فتارة يصرحون : بأنا ولو علمنا مراد الرسول -صلى الله عليه وسلم - فليس قوله مما يجوز أن يحتج به في مسائل الصفات
لأن قوله إنما يدل بعد ثبوت صدقه الموقوف على مسائل الصفات
وتارة يقولون : إنما لم يدل لأننا لا نعلم مراده لتطرق الاحتمالات إلى الأدلة السمعية !
- وتارة يطعنون في الأخبار

فهذه الطرق التي وافقوا عليها [ الجهمية ] ونحوهم :
1- أسقطوا بها حرمة الكتاب والرسول عندهم
2- ( وأسقطوا ) حرمة الصحابة والتابعين لهم بإحسان حتى يقولوا : إنهم لم يحققوا أصول الدين كما حققناها !
وربما اعتذروا عنهم بأنهم كانوا منشغلين بالجهاد !

ولهم من جنس هذا الكلام الذي يوافقون به [ الرافضة ]ونحوهم من أهل البدع ، ويخالفون به الكتاب والسنة والاجماع
مما ليس هذا موضع بسطه

وإنما نبهنا على أصول دينهم وحقائق أقوالهم وغايتهم أنهم يدعون في أصول الدين الأمور المخالفة للكتاب والسنة والمعقول والكلام !
وكلامهم فيه من التناقض والفساد ما ضارعوا به أهل الإلحاد

فهم من جنس الرافضة لا عقل صريح ولا نقل صحيح ، بل منتهاهم إلى السفسطة في العقليات والقرمطة في السمعيات

وهذا منتهى كل مبتدع حالف شيئا الكتاب والسنة ، حتى في المسائل العلمية والقضايا الفقهية


[ درء التعارض المجلد الأول - القسم الثاني صفحة رقم 347 وما بعدها ]
قال شيخ الإسلام :

وأما تصنيف أقوال العلماء من غير آثار تُروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة والتابعين، فهذا مما أحدثه المتأخرون، لم يكن شيء منه في عهد السلف

[ الرد على السبكي 2 / 733 ]

https://www.tg-me.com/athar_t_q
قال ابن القيم رحمه الله :

أعلم أن القلوب إذا اشتغلت بالبدع أعرضت عن السنن .

إغاثة اللهفان (١/٣٣١)
الواجب على ولاة الأمور من المسلمين
مختارات من كتاب الطرق الحكمية لابن القيم

قال ابن القيم في الطرق الحكمية [ 2 / 625 وما بعدها ط عالم الفوائد ] :

وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَلِيِّ أَمْرٍ أَنْ يَسْتَعِينَ فِي وِلَايَتِهِ بِأَهْلِ الصِّدْقِ وَالْعَدْلِ، وَالْأَمْثَلِ فَالْأَمْثَلِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ كَذِبٌ وَفُجُورٌ، فَـ [ إنَّ اللَّهَ يُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ ] وَ [ بِأَقْوَامٍ لَا خَلَاقَ لَهُمْ ] .

قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: [ مَنْ قَلَّدَ رَجُلًا عَلَى عِصَابَةٍ، وَهُوَ يَجِدُ فِي تِلْكَ الْعِصَابَةِ مَنْ هُوَ أَرْضَى لِلَّهِ مِنْهُ، فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمَاعَةَ الْمُؤْمِنِينَ ] .

وَالْغَالِبُ : أَنَّهُ لَا يُوجَدُ الْكَامِلُ فِي ذَلِكَ ، فَيَجِبُ تَحَرِّي خَيْرِ الْخَيْرَيْنِ ، وَدَفْعُ شَرِّ الشَّرَّيْنِ.

وَقَدْ كَانَ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يَفْرَحُونَ بِانْتِصَارِ الرُّومِ وَالنَّصَارَى عَلَى الْمَجُوسِ عُبَّادِ النَّارِ؛ لِأَنَّ النَّصَارَى أَقْرَبُ إلَيْهِمْ مِنْ أُولَئِكَ.

وَكَانَ يُوسُفُ الصِّدِّيقُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَائِبًا لِفِرْعَوْنَ مِصْرَ، وَهُوَ وَقَوْمُهُ مُشْرِكُونَ، وَفَعَلَ مِنْ الْخَيْرِ وَالْعَدْلِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ، وَدَعَا إلَى الْإِيمَانِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ.

وقال : وَجَمِيعُ هَذِهِ الْوِلَايَاتِ فِي الْأَصْلِ وِلَايَاتٌ دِينِيَّةٌ، وَمَنَاصِبُ شَرْعِيَّةٌ، فَمَنْ عَدَلَ فِي وِلَايَةٍ مِنْ هَذِهِ الْوِلَايَاتِ، وَسَاسَهَا بِعِلْمٍ وَعَدْلٍ، وَأَطَاعَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، فَهُوَ مِنْ الْأَبْرَارِ الْعَادِلِينَ.
وَمَنْ حَكَمَ فِيهَا بِجَهْلٍ وَظُلْمٍ، فَهُوَ مِنْ الظَّالِمِينَ الْمُعْتَدِينَ ، وَ {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ}

وقال : فَعَلَى مُتَوَلِّي الْحِسْبَةِ أَنْ يَأْمُرَ الْعَامَّةَ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي مَوَاقِيتِهَا.

وَيُعَاقِبَ مَنْ لَمْ يُصَلِّ بِالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ , وَأَمَّا الْقَتْلُ : فَإِلَى غَيْرِهِ.

وَيَتَعَاهَدُ الْأَئِمَّةَ وَالْمُؤَذِّنِينَ ، فَمَنْ فَرَّطَ مِنْهُمْ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ حُقُوقِ الْأُمَّةِ وَخَرَجَ عَنْ الْمَشْرُوعِ أَلْزَمَهُ بِهِ، وَاسْتَعَانَ فِيمَا يَعْجَزُ عَنْهُ بِوَالِي الْحَرْبِ وَالْقَاضِي.
وَاعْتِنَاءُ وُلَاةِ الْأُمُورِ بِإِلْزَامِ الرَّعِيَّةِ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ أَهَمُّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، فَإِنَّهَا عِمَادُ الدِّينِ، وَأَسَاسُهُ وَقَاعِدَتُهُ، وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَكْتُبُ إلَى عُمَّالِهِ: [ إنَّ أَهَمَّ أَمْرِكُمْ عِنْدِي الصَّلَاةُ، فَمَنْ حَفِظَهَا وَحَافَظَ عَلَيْهَا حَفِظَ دِينَهُ، وَمَنْ ضَيَّعَهَا كَانَ لِمَا سِوَاهَا أَشَدُّ إضَاعَةً ].

وَيَأْمُرُ وَالِي الْحِسْبَةِ بِالْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَالصِّدْقِ، وَالنُّصْحِ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ.

وَيَنْهَى عَنْ الْخِيَانَةِ، وَتَطْفِيفِ الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ، وَالْغِشِّ فِي الصِّنَاعَاتِ وَالْبِيَاعَاتِ.

وَيَتَفَقَّدُ أَحْوَالَ الْمَكَايِيلِ وَالْمَوَازِينِ، وَأَحْوَالِ الصُّنَّاعِ الَّذِينَ يَصْنَعُونَ الْأَطْعِمَةَ وَالْمَلَابِسَ وَالْآلَاتِ.
فَيَمْنَعُهُمْ مِنْ صِنَاعَةِ الْمُحَرَّمِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، كَآلَاتِ الْمَلَاهِي، وَثِيَابِ الْحَرِيرِ لِلرِّجَالِ.
وَيَمْنَعُ مِنْ اتِّخَاذِ أَنْوَاعِ الْمُسْكِرَاتِ.

وَيَمْنَعُ صَاحِبَ كُلِّ صِنَاعَةٍ مِنْ الْغِشِّ فِي صِنَاعَتِهِ.

وَيَمْنَعُ مِنْ إفْسَادِ نَقْدِ النَّاسِ وَتَغْيِيرِهَا.

وَيَمْنَعُ مِنْ جَعْلِ النُّقُودِ مَتْجَرًا، فَإِنَّهُ بِذَلِكَ يُدْخِلُ عَلَى النَّاسِ مِنْ الْفَسَادِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ.

بَلْ الْوَاجِبُ: أَنْ تَكُونَ النُّقُودُ رُءُوسَ أَمْوَالٍ، يَتَّجِرُ بِهَا، وَلَا يَتَّجِرُ فِيهَا، وَإِذَا حَرَّمَ السُّلْطَانُ سِكَّةً أَوْ نَقْدًا مُنِعَ مِنْ الِاخْتِلَاطِ بِمَا أَذِنَ فِي الْمُعَامَلَةِ بِهِ.

وَمُعْظَمُ وِلَايَتِهِ وَقَاعِدَتُهَا: الْإِنْكَارُ عَلَى هَؤُلَاءِ الزَّغَلِيَّةِ، وَأَرْبَابِ الْغِشِّ فِي الْمَطَاعِمِ وَالْمَشَارِبِ وَالْمَلَابِسِ وَغَيْرِهَا، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يُفْسِدُونَ مَصَالِحَ الْأُمَّةِ، وَالضَّرَرُ بِهِمْ عَامٌّ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ.
فَعَلَيْهِ أَلَّا يُهْمِلَ أَمْرَهُمْ، وَأَنْ يُنَكِّلَ بِهِمْ وَأَمْثَالِهِمْ، وَلَا يَرْفَعُ عَنْهُمْ عُقُوبَتَهُ.
فَإِنَّ الْبَلِيَّةَ بِهِمْ عَظِيمَةٌ، وَالْمَضَرَّةَ بِهِمْ شَامِلَةٌ .
وَلَا سِيَّمَا هَؤُلَاءِ الْكِيمَاوِيِّينَ الَّذِينَ يَغُشُّونَ النُّقُودَ وَالْجَوَاهِرَ، وَالْعِطْرَ وَالطِّيبَ وَغَيْرَهَا.

وقال : وَيَدْخُلُ فِي الْمُنْكَرَاتِ ( يعني التي يجب منعها ) : مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ مِنْ الْعُقُودِ الْمُحَرَّمَةِ، مِثْلُ عُقُودِ الرِّبَا، صَرِيحًا وَاحْتِيَالًا، وَعُقُودِ الْمَيْسِرِ، كَبُيُوعِ الْغَرَرِ، وَكَحَبْلِ الْحَبَلَةِ. وَالْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ، وَالنَّجْشِ. وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ فِي السِّلْعَةِ مَنْ لَا يُرِيدُ شِرَاءَهَا، وَتَصْرِيَةِ الدَّابَّةِ اللَّبُونِ، وَسَائِرِ أَنْوَاعِ التَّدْلِيسِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْحِيَلِ الْمُحَرَّمَةِ عَلَى أَكْلِ الرِّبَا

وقال : وَمِنْ الْمُنْكَرَاتِ: تَلَقِّي السِّلَعِ قَبْلَ أَنْ تَجِيءَ إلَى السُّوقِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ ذَلِكَ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَغْرِيرِ الْبَائِعِ، فَإِنَّهُ لَا يَعْرِفُ السِّعْرَ، فَيَشْتَرِي مِنْهُ الْمُشْتَرِي بِدُونِ الْقِيمَةِ، وَلِذَلِكَ أَثْبَتَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخِيَارَ إذَا دَخَلَ إلَى السُّوقِ، وَلَا نِزَاعَ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهُ مَعَ الْغَبْنِ . ...

وقال : وَمِنْ هَذَا: تَلَقِّي سُوقَةِ الْحَجِيجِ الْجَلْبَ مِنْ الطَّرِيقِ، وَسَبَقُهُمْ إلَى الْمَنَازِلِ يَشْتَرُونَ الطَّعَامَ وَالْعَلَفَ، ثُمَّ يَبِيعُونَهُ كَمَا يُرِيدُونَ، فَيَمْنَعُهُمْ وَالِي الْحِسْبَةِ مِنْ التَّقَدُّمِ لِذَلِكَ، حَتَّى يَقْدَمَ الرَّكْبُ،
لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مَصْلَحَةِ الرَّكْبِ
، وَمَصْلَحَةِ الْجَالِبِ، وَمَتَى اشْتَرَوْا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مَنَعَهُمْ مِنْ بَيْعِهِ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ.

وقال : وَمِنْ ذَلِكَ: [ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ، دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ ]
[ قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا مَعْنَى قَوْلِهِ: لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ ؟ قَالَ: لَا يَكُونُ لَهُ سِمْسَارًا ]
وَهَذَا النَّهْيُ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرِ الْمُشْتَرِي، فَإِنَّ الْمُقِيمَ إذَا وَكَّلَهُ الْقَادِمُ فِي بَيْعِ سِلْعَةٍ يَحْتَاجُ النَّاسُ إلَيْهَا، وَالْقَادِمُ لَا يَعْرِفُ السِّعْرَ: أَضَرَّ ذَلِكَ بِالْمُشْتَرِي كَمَا أَنَّ النَّهْيَ عَنْ تَلَقِّي الْجَلْبِ فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْبَائِعِينَ.

وَمِنْ ذَلِكَ: الِاحْتِكَارُ لِمَا يَحْتَاجُ النَّاسُ إلَيْهِ ...

وقال : وَمِنْ ذَلِكَ: أَنْ يُلْزِمَ النَّاسَ أَلَّا يَبِيعَ الطَّعَامَ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْأَصْنَافِ إلَّا نَاسٌ مَعْرُوفُونَ، فَلَا تُبَاعُ تِلْكَ السِّلَعُ إلَّا لَهُمْ، ثُمَّ يَبِيعُونَهَا هُمْ بِمَا يُرِيدُونَ، فَلَوْ بَاعَ غَيْرُهُمْ ذَلِكَ مُنِعَ وَعُوقِبَ، فَهَذَا مِنْ الْبَغْيِ فِي الْأَرْضِ وَالْفَسَادِ، وَالظُّلْمِ الَّذِي يُحْبَسُ بِهِ قَطْرُ السَّمَاءِ.
وَهَؤُلَاءِ يَجِبُ التَّسْعِيرُ عَلَيْهِمْ، وَأَلَّا يَبِيعُوا إلَّا بِقِيمَةِ الْمِثْلِ، وَلَا يَشْتَرُوا إلَّا بِقِيمَةِ الْمِثْلِ، بِلَا تَرَدُّدٍ فِي ذَلِكَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ.
لِأَنَّهُ إذَا مَنَعَ غَيْرَهُمْ أَنْ يَبِيعَ ذَلِكَ النَّوْعَ أَوْ يَشْتَرِيَهُ، فَلَوْ سَوَّغَ لَهُمْ أَنْ يَبِيعُوا بِمَا شَاءُوا أَوْ يَشْتَرُوا بِمَا شَاءُوا: كَانَ ذَلِكَ ظُلْمًا لِلنَّاسِ: ظُلْمًا لِلْبَائِعِينَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ بَيْعَ تِلْكَ السِّلَعِ، وَظُلْمًا لِلْمُشْتَرِينَ مِنْهُمْ.
فَالتَّسْعِيرُ فِي مِثْلِ هَذَا وَاجِبٌ بِلَا نِزَاعٍ، وَحَقِيقَتُهُ: إلْزَامُهُمْ بِالْعَدْلِ، وَمَنْعُهُمْ مِنْ الظُّلْمِ

وقال : وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ هَذِهِ الْأَعْمَالَ مَتَى لَمْ يَقُمْ بِهَا إلَّا شَخْصٌ وَاحِدٌ صَارَتْ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَيْهِ، فَإِذَا كَانَ النَّاسُ مُحْتَاجِينَ إلَى فِلَاحَةِ قَوْمٍ، أَوْ نِسَاجَتِهِمْ، أَوْ بِنَائِهِمْ، صَارَتْ هَذِهِ الْأَعْمَالُ مُسْتَحَقَّةً عَلَيْهِمْ، يَجْبُرُهُمْ وَلِيُّ الْأَمْرِ عَلَيْهَا بِعِوَضِ الْمِثْلِ، وَلَا يُمَكِّنُهُمْ مِنْ مُطَالَبَةِ النَّاسِ بِزِيَادَةٍ عَنْ عِوَضِ الْمِثْلِ، وَلَا يُمَكِّنُ النَّاسَ مِنْ ظُلْمِهِمْ، بِأَنْ يُعْطُوهُمْ دُونَ حَقِّهِمْ.
كَمَا إذَا احْتَاجَ الْجُنْدُ الْمُرْصَدُونَ لِلْجِهَادِ إلَى فِلَاحَةِ أَرْضِهِمْ وَأَلْزَمَ مَنْ صِنَاعَتُهُ الْفِلَاحَةُ أَنْ يَقُومَ بِهَا: أَلْزَمَ الْجُنْدَ بِأَلَّا يَظْلِمُوا الْفَلَّاحَ، كَمَا يُلْزِمُ الْفَلَّاحَ بِأَنْ يُفْلِحَ.
وَلَوْ اعْتَمَدَ الْجُنْدُ وَالْأُمَرَاءُ مَعَ الْفَلَّاحِينَ: مَا شَرَعَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، وَجَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ ، وَفَعَلَهُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ ، لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ، وَلَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ.
وَكَانَ الَّذِي يَحْصُلُ لَهُمْ مِنْ الْمُغَلِّ أَضْعَافَ مَا يُحَصِّلُونَهُ بِالظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ .
وَلَكِنْ يَأْبَى جَهْلُهُمْ وَظُلْمُهُمْ إلَّا أَنْ يَرْتَكِبُوا الظُّلْمَ وَالْإِثْمَ ، فَيُمْنَعُوا الْبَرَكَةَ وَسَعَةَ الرِّزْقِ ، فَيَجْتَمِعُ لَهُمْ عُقُوبَةُ الْآخِرَةِ، وَنَزْعُ الْبَرَكَةِ فِي الدُّنْيَا .
فَإِنْ قِيلَ: وَمَا الَّذِي شَرَعَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَفَعَلَهُ الصَّحَابَةُ، حَتَّى يَفْعَلَهُ مَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ؟
قِيلَ: الْمُزَارَعَةُ الْعَادِلَةُ، الَّتِي يَكُونُ الْمُقْطِعُ وَالْفَلَّاحُ فِيهَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ مِنْ الْعَدْلِ، لَا يَخْتَصُّ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الرُّسُومِ الَّتِي مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ، وَهِيَ الَّتِي خَرَّبَتْ الْبِلَادَ وَأَفْسَدَتْ الْعِبَادَ، وَمَنَعَتْ الْغَيْثَ، وَأَزَالَتْ الْبَرَكَاتِ، وَعَرَّضَتْ أَكْثَرَ الْجُنْدِ وَالْأُمَرَاءِ لِأَكْلِ الْحَرَامِ، وَإِذَا نَبَتَ الْجَسَدُ عَلَى الْحَرَامِ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ.
وَهَذِهِ الْمُزَارَعَةُ الْعَادِلَةُ: هِيَ عَمَلُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَهْدِ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، وَهِيَ عَمَلُ آلِ أَبِي بَكْرٍ وَآلِ عُمَرَ، وَآلِ عُثْمَانَ، وَآلِ عَلِيٍّ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ بُيُوتِ الْمُهَاجِرِينَ، وَهِيَ قَوْلُ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ، كَابْنِ مَسْعُودٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَغَيْرِهِمْ، وَهِيَ مَذْهَبُ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ، كَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ، وَدَاوُد بْنِ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ الْمُنْذِرِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ، وَهِيَ مَذْهَبُ عَامَّةِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ

وقال : وَمَا احْتَاجَ إلَيْهِ النَّاسُ، حَاجَةً عَامَّةً، فَالْحَقُّ فِيهِ لِلَّهِ، وَذَلِكَ فِي الْحُقُوقِ وَالْحُدُودِ. فَأَمَّا الْحُقُوقُ: فَمِثْلُ حُقُوقِ الْمَسَاجِدِ وَمَالِ الْفَيْءِ وَالْوَقْفِ عَلَى أَهْلِ الْحَاجَاتِ وَأَمْوَالِ الصَّدَقَاتِ، وَالْمَنَافِعِ الْعَامَّةِ.
وَأَمَّا الْحُدُودُ: فَمِثْلُ حَدِّ الْمُحَارَبَةِ، وَالسَّرِقَةِ، وَالزِّنَا، وَشُرْبِ الْخَمْرِ الْمُسْكِرِ.
وَحَاجَةُ الْمُسْلِمِينَ إلَى الطَّعَامِ وَاللِّبَاسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ: مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ، لَيْسَ الْحَقُّ فِيهَا لِوَاحِدٍ بِعَيْنِهِ

وقال في مسألة تسعير السلع : وَجِمَاعُ الْأَمْرِ: أَنَّ مَصْلَحَةَ النَّاسِ إذَا لَمْ تَتِمَّ إلَّا بِالتَّسْعِيرِ ,سَعَّرَ عَلَيْهِمْ تَسْعِيرَ عَدْلٍ، لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ، وَإِذَا انْدَفَعَتْ حَاجَتُهُمْ وَقَامَتْ مَصْلَحَتُهُمْ بِدُونِهِ: لَمْ يَفْعَلْ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ .

وقال : وَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّ وَلِيَّ الْأَمْرِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَمْنَعَ اخْتِلَاطَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ فِي الْأَسْوَاقِ، وَالْفُرَجِ، وَمَجَامِعِ الرِّجَالِ.
قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرَضِيَ عَنْهُ: أَرَى لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَى الصُّيَّاغِ فِي قُعُودِ النِّسَاءِ إلَيْهِمْ، وَأَرَى أَلَا يَتْرُكَ الْمَرْأَةَ الشَّابَّةَ تَجْلِسُ إلَى الصُّيَّاغِ فَأَمَّا الْمَرْأَةُ الْمُتَجَالَّةُ وَالْخَادِمُ الدُّونُ، الَّتِي لَا تُتَّهَمُ عَلَى الْقُعُودِ، وَلَا يُتَّهَمُ مَنْ تَقْعُدُ عِنْدَهُ: فَإِنِّي لَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا، انْتَهَى.
فَالْإِمَامُ مَسْئُولٌ عَنْ ذَلِكَ، وَالْفِتْنَةُ بِهِ عَظِيمَةٌ.
قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: [ مَا تَرَكْت بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ ] .
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ [ بَاعِدُوا بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ] .
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: أَنَّهُ قَالَ لِلنِّسَاءِ: [ لَكُنَّ حَافَّاتُ الطَّرِيقِ ] .

وَيَجِبُ عَلَيْهِ مَنْعُ النِّسَاءِ مِنْ الْخُرُوجِ مُتَزَيِّنَاتٍ مُتَجَمِّلَاتٍ.

وَمَنْعُهُنَّ مِنْ الثِّيَابِ الَّتِي يَكُنَّ بِهَا كَاسِيَاتٍ عَارِيَّاتٍ، كَالثِّيَابِ الْوَاسِعَةِ وَالرِّقَاقِ.

وَمَنْعُهُنَّ مِنْ حَدِيثِ الرِّجَالِ، فِي الطُّرُقَاتِ، وَمَنْعُ الرِّجَالِ مِنْ ذَلِكَ.
* وَإِنْ رَأَى وَلِيُّ الْأَمْرِ أَنْ يُفْسِدَ عَلَى الْمَرْأَةِ - إذَا تَجَمَّلَتْ وَتَزَيَّنَتْ وَخَرَجَتْ - ثِيَابَهَا بِحِبْرٍ وَنَحْوِهِ، فَقَدْ رَخَّصَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ وَأَصَابَ، وَهَذَا مِنْ أَدْنَى عُقُوبَتِهِنَّ الْمَالِيَّةِ.

* وَلَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْمَرْأَةَ إذَا أَكْثَرَتْ الْخُرُوجَ مِنْ مَنْزِلِهَا، وَلَا سِيَّمَا إذَا خَرَجَتْ مُتَجَمِّلَةً، بَلْ إقْرَارُ النِّسَاءِ عَلَى ذَلِكَ إعَانَةٌ لَهُنَّ عَلَى الْإِثْمِ وَالْمَعْصِيَةِ، وَاَللَّهُ سَائِلٌ وَلِيَّ الْأَمْرِ عَنْ ذَلِكَ.

وَقَدْ مَنَعَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - النِّسَاءَ مِنْ الْمَشْيِ فِي طَرِيقِ الرِّجَالِ، وَالِاخْتِلَاطِ بِهِمْ فِي الطَّرِيقِ. فَعَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ فِي ذَلِكَ.
وَقَالَ الْخَلَّالُ فِي جَامِعِهِ [ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْكَحَّالُ: أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: أَرَى الرَّجُلَ السُّوءَ مَعَ الْمَرْأَةِ؟ قَالَ: صِحْ بِهِ] .

وَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: [ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا تَطَيَّبَتْ وَخَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ ]

وَ يَمْنَعُ الْمَرْأَةَ إذَا أَصَابَتْ بَخُورًا أَنْ تَشْهَدَ عِشَاءَ الْآخِرَةِ فِي الْمَسْجِدِ .
فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: [ الْمَرْأَةُ إذَا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ ].

وَلَا رَيْبَ أَنَّ تَمْكِينَ النِّسَاءِ مِنْ اخْتِلَاطِهِنَّ بِالرِّجَالِ: أَصْلُ كُلِّ بَلِيَّةٍ وَشَرٍّ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ نُزُولِ الْعُقُوبَاتِ الْعَامَّةِ، كَمَا أَنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ فَسَادِ أُمُورِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، وَاخْتِلَاطُ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ سَبَبٌ لِكَثْرَةِ الْفَوَاحِشِ وَالزِّنَا، وَهُوَ مِنْ أَسْبَابِ الْمَوْتِ الْعَامِّ، وَالطَّوَاعِينِ الْمُتَّصِلَةِ.

وَلَمَّا اخْتَلَطَ الْبَغَايَا بِعَسْكَرِ مُوسَى، وَفَشَتْ فِيهِمْ الْفَاحِشَةُ: أَرْسَلَ اللَّهُ إلَيْهِمْ الطَّاعُونَ، فَمَاتَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ سَبْعُونَ أَلْفًا، وَالْقِصَّةُ مَشْهُورَةٌ فِي كُتُبِ التَّفَاسِيرِ.

فَمِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الْمَوْتِ الْعَامِّ: كَثْرَةُ الزِّنَا، بِسَبَبِ تَمْكِينِ النِّسَاءِ مِنْ اخْتِلَاطِهِنَّ بِالرِّجَالِ، وَالْمَشْيِ بَيْنَهُمْ مُتَبَرِّجَاتٍ مُتَجَمِّلَاتٍ، وَلَوْ عَلِمَ أَوْلِيَاءُ الْأَمْرِ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ فَسَادِ الدُّنْيَا وَالرَّعِيَّةِ - قَبْلَ الدِّينِ - لَكَانُوا أَشَدَّ شَيْءٍ مَنْعًا لِذَلِكَ.

وَعَلَيْهِ أَنْ يَمْنَعَ اللَّاعِبِينَ بِالْحَمَامِ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ، فَإِنَّهُمْ يَتَوَسَّلُونَ بِذَلِكَ إلَى الْإِشْرَافِ عَلَيْهِمْ، وَالتَّطَلُّعِ عَلَى عَوْرَاتِهِمْ.
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّهُ [ رَأَى رَجُلًا يَتْبَعُ حَمَامَةً فَقَالَ: شَيْطَانٌ يَتْبَعُ شَيْطَانَةً ]
وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: [ مَنْ لَعِبَ بِالْحَمَائِمِ الطَّيَّارَةِ: لَمْ يَمُتْ حَتَّى يَذُوقَ أَلَمَ الْفَقْرِ ].
وَقَالَ الْحَسَنُ: [ شَهِدْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ يَخْطُبُ، يَأْمُرُ بِذَبْحِ الْحَمَامِ، وَقَتْلِ الْكِلَابِ ] ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ.
وَقَالَ خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ: قَالَ: [ كَانَ تَلَاعُبُ آلِ فِرْعَوْنَ بِالْحَمَامِ ].
وَكَانَ شُرَيْحٌ لَا يُجِيزُ شَهَادَةَ صَاحِبِ حَمَّامٍ وَلَا حَمَامٍ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ سُفْيَانَ: [ سَمِعْنَا أَنَّ اللَّعِبَ بالجلاهق وَاللَّعِبَ بِالْحَمَامِ مِنْ عَمَلِ قَوْمِ لُوطٍ ] .
وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: [ شَهِدْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَأْمُرُ بِالْحَمَائِمِ الطَّيَّارَةِ فَيُذْبَحْنَ، وَيَتْرُكُ الْمُقَصَّصَاتِ ].
هذا ما انتقيته من كلامه رحمه الله وفي الكتاب أمور أخرى وتبيهات واستطرادات تراجع في الكتاب المذكور , والله الموفق
قال ابن القيم رحمه الله تعالى [ إغاثة اللهفان 1 / 359 ] :
ومن جمع بين سنة رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في القبور ، وما أمر به ونهى عنه
وما كان عليه أصحابه ، وبين ما عليه أكثر الناس اليوم رأى أحدهما مضاداً للآخر، مناقضاً له
بحيث لا يجتمعان أبداً.


فنهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عن الصلاة إلى القبور
وهؤلاء يصلون عندها.
ونهى عن اتخاذها مساجد
وهؤلاء يبنون عليها المساجد ، ويسمونها مشاهد , مضاهاة لبيوت الله تعالى.
ونهى عن إيقاد السرج عليها، وهؤلاء يوقفون الوقوف على إيقاد القناديل عليها.
ونهى أن تتخذ أعياداً
وهؤلاء يتخذونها أعياداً ومناسك ، ويجتمعون لها كاجتماعهم للعيد أو أكثر.

وأمر بتسويتها، كما روى مسلم في صحيحه عن أبى الهياج الأسدي قال: قال على بن أبى طالب رضي الله عنه: [ أَلا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِى عليهِ رَسُولُ صلّى اللهُ تَعالَى عَليْهِ وآله وَسلّم أَنْ لا تَدَعَ تِمْثَالاً إِلا طَمَسْتَهُ، وَلا قَبْرًا مُشْرِفاً إِلا سَوَّيْتَهُ ]
وفى صحيحه أيضاً عن ثمامة بن شُفَى قال: [ كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم برودس. فتوفى صاحب لنا، فأمر فضالة بقبره فسوى، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يأمر بتسويتها ] .

وهؤلاء يبالغون في مخالفة هذين الحديثين. ويرفعونها عن الأرض كالبيت، ويعقدون عليها القباب .

ونهى عن تجصيص القبر والبناء عليه، كما روى مسلم في صحيحه عن جابر قال: [ نَهَى رَسُولُ اللهِ صلّى اللهُ تعالى عليهِ وآله وسلم عَنْ تَجْصِيصِ الْقَبْرِ، وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ، وَأنْ يُبْنَى عَلَيْهِ بِنَاءٌ ]

ونهى عن الكتابة عليها، كما روى أبو داود والترمذي في سننهما عن جابر رضي الله عنه : [ أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: نَهَى أنْ تُجَصَّصَ الْقُبُورُ، وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهَا ]
قال الترمذى: حديث حسن صحيح
وهؤلاء يتخذون عليها الألواح ، ويكتبون عليها القرآن وغيره.

ونهى أن يزاد عليها غير ترابها، كما روى أبو داود من حديث جابر أيضاً: [ أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم نهى أن يجصص القبر، أو يكتب عليه، أو يزاد عليه ]
وهؤلاء يزيدون عليه سوى التراب الآجر والأحجار والجص !

ونهى عمر بن عبد العزيز [ أن يبنى القبر بأجر، وأوصى أن لا يفعل ذلك بقبره ] .
وأوصى الأسود بن يزيد: [ أن لا تجعلوا على قبري آجرا ] .
وقال إبراهيم النخعي: [ كانوا يكرهون الأجر على قبورهم ] .
وأوصى أبو هريرة حين حضرته الوفاة: [ أن لا تضربوا على قبري فسطاطاً ]
وكره الإمام أحمد [ أن يضرب على القبر فسطاطاً ].
والمقصود: أن هؤلاء المعظمين للقبور، المتخذينها أعياداً، الموقدين عليها السرج، الذين يبنون عليها المساجد والقباب.
مناقضون لما أمر به رسول الله صلى الله تعالى عليها وسلم، محادّون لما جاء به.
وأعظم ذلك اتخاذها مساجد، وإيقاد السرج عليها. وهو من الكبائر. وقد صرح الفقهاء من أصحاب أحمد وغيرهم بتحريمه.
قال أبو محمد المقدسي: ولو أبيح اتخاذ السرج عليها لم يلعن النبي صلى الله تعالى عليه من فعله.
ولأن فيه تضييعا للمال في غير فائدة، وإفراطاً في تعظيم القبور، أشبه تعظيم الأصنام .
قال: "ولا يجوز اتخاذ المساجد على القبور لهذا الخبر. ولأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال: [ لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر ما صنعوا ] متفق عليه.
وقالت عائشة: [ إنما لم يبرز قبر رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لئلا يتخذ مسجداً ]
لأن تخصيص القبور بالصلاة عندها يشبه تعظيم الأصنام بالسجود لها والتقرب إليها.
وقد روينا أن ابتداء عبادة الأصنام تعظيم الأموات باتخاذ صورهم، والتمسح بها، والصلاة عندها.انتهى
وقد آل الأمر بهؤلاء الضلال المشركين إلى أن شرعوا للقبور حجاً !
ووضعوا له مناسك ! حتى صنف بعض غلاتهم في ذلك كتاباً وسماه [ مناسك حج المشاهد] مضاهاة منه بالقبور للبيت الحرام.
ولا يخفى أن هذا مفارقة لدين الإسلام، ودخول في دين عباد الأصنام.
فانظر إلى هذا التباين العظيم بين ما شرعه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وقصده من النهى عما تقدم ذكره في القبور، وبين ما شرعه هؤلاء وقصدوه.
ولا ريب أن في ذلك من المفاسد ما يعجز العبد عن حصره.
فمنها: تعظيمها المواقع في الافتتان بها.
ومنها: اتخاذها عيدا. ومنها: السفر إليها.
ومنها: مشابهة عبادة الأصنام بما يفعل عندها: من العكوف عليها، والمجاورة عندها.
وتعليق الستور عليها وسدانتها، وعبادها يرجحون المجاورة عندها على المجاورة عند المسجد الحرام
ويرون سدانتها أفضل من خدمة المساجد، والويل عندهم لقيّمها ليلة يطفئ القنديل المعلق عليها. ومنها: النذر لها ولسدنتها.
ومنها: اعتقاد المشركين بها أن بها يكشف البلاء، وينصر على الأعداء، ويستنزل غيث السماء، وتفرج الكروب، وتقضى الحوائج، وينصر المظلوم، ويجار الخائف، وإلى غير ذلك.
ومنها: الدخول في لعنة الله تعالى ورسوله باتخاذ المساجد عليها، وإيقاد السرج عليها
ومنها: الشرك الأكبر الذي يفعل عندها.
ومنها: إيذاء أصحابها بما يفعله المشركون بقبورهم، فإنهم يؤذيهم بما يفعل عند قبورهم. ويكرهونه غاية الكراهة.
كما أن المسيح يكره ما يفعله النصارى عند قبره. وكذلك غيره من الأنبياء والأولياء والمشايخ يؤذيهم ما يفعله أشباه النصارى عند قبورهم. ويوم القيامة يتبرءون منهم.
كما قال تعالى: { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتمْ عِبَادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كانَ يَنْبَغِي لَنَا أنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياَءَ وَلكِنْ مَتَّعْتهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذكْرَ وَكَانُوا قَوْماً بُورًا} .
قال الله للمشركين {فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً} الآية.
وقال تعالى {وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمي إِلهَينْ مِنْ دُونِ الله قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍ} الآية.
وقال تعالى {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءٍ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ، أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِم مُؤْمِنُونَ} .
ومنها: مشابهة اليهود والنصارى في اتخاذ المساجد والسرج عليها
ومنها: محادة الله ورسوله ومناقضة ما شرعه فيها.
ومنها: التعب العظيم مع الوزر الكثير، والإثم العظيم.
ومنها: إماتة السنن وإحياء البدع.
ومنها: تفضيلها على خير البقاع وأحبها إلى الله.
فإن عباد القبور يقصدونها مع التعظيم والاحترام والخشوع ورقة القلب والعكوف بالهمة على الموتى بما لا يفعلونه في المساجد. ولا يحصل لهم فيها نظيره ولا قريب منه.
ومنها: أن ذلك يتضمن عمارة المشاهد وخراب المساجد. ودين الله الذي بعث به رسوله بضد ذلك.
ولهذا لما كانت الرافضة من أبعد الناس عن العلم والدين، عمروا المشاهد، وأخربوا المساجد.
ومنها: أن الذي شرعه الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم عند زيارة القبور:
إنما هو تذكر الآخرة، والإحسان إلى المزور بالدعاء له، والترحم عليه، والاستغفار له
وسؤال العافية له , فيكون الزائر محسناً إلى نفسه وإلى الميت
فقلب هؤلاء المشركون الأمر، وعكسوا الدين وجعلواً المقصود بالزيارة الشرك بالميت، ودعاءه والدعاء به، وسؤاله حوائجهم، واستنزال البركات منه، ونصره لهم على الأعداء ونحو ذلك. فصاورا مسيئين إلى نفوسهم وإلى الميت
ولو لم يكن إلا بحرمانه ( يعني الميت ) بركة ما شرعه الله تعالى من الدعاء له والترحم عليه والاستغفار له. ( يعني لكفى بذلك مفسدة )

ثم ذكر رحمة الله زيارة القبور المشروعة وما ورد في الأخبار والآثار في زيارتها وكيفية ذلك .
2025/07/09 11:18:22
Back to Top
HTML Embed Code: