محرّر المذهب ومهذبه، ومحققه ومرتبه، إمام أهل عصره عِلْماً وعبادة وسيد أوانه وَرَعاً وسيادة، العلم الفرد، فدونه واسطة الدرّ والجوهر، السراج الوهاج فعنده يخفى الكوكب الأزهر. عابد العلماء وعالم العباد، وزاهد المحققين ومحقق الزهّاد لم تسمع بعد التابعين بمثله أذن، ولم تَرَ ما يدانيه عين، وجمع له في العلم والعبادة مُحكم النوعين . راقب الله في سره وجهره، ولم يبرح طرفة عين عن امتثال أمره، ولم يُضيع من عُمره ساعةً في غير طاعة مَوْلاه، إلى أن صار قطب عصره وحوى من الفضل ما حواه، وبلغ ما نواه، فتشرفَتْ به نَواه، ولم يكن له من ناواه .

لا فرق بين الاحتفال عند ختم حفظ القرآن الكريم، أو عند إتمام تصنيف كتاب علمي، أو عند إكمال تدريسه ونحو ذلك، وبين الاحتفال بالمولد النبوي الشريف . فكل ذلك لم يرد فيه نص شرعي ولا فعله النبي الكريم صلى الله عليه وسلم. لكنْ لمّا كان الجميع خيرا وشكرا لله تعالى جاز فعلها جميعها دون تفريق. ومن فرق بينها فاستحسنها كلها
وأنكر الاحتفال بالمولد النبوي بحجة أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- لم يفعله فقد أبعد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا لم يحتفل عند ختم نزول القرآن الكريم عليه ، ولا عند ختم أحد أصحابه له.

تَسْلِيطُ الْجُهَّالِ عَلَى تَكْفِيرِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَعْظَمِ الْمُنْكَرَاتِ، وَإِنَّمَا أَصْلُ هَذَا مِنَ الْخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ الَّذِينَ يُكَفِّرُونَ أَئِمَّةَ الْمُسْلِمِينَ

قال أسعد الميهني: لا يصل إلى معرفة علم الغزالي وفضله إلا من بلغ أو كاد يبلغ الكمال في عقله. قلت: يعجبني هذا الكلام فإن الذي يحب أن يطلع على منزلةِ مَن هو أعلى منه في العلم يحتاج إلى العقل والفهم، فبالعقل يميز، وبالفهم يقضي، ولما كان علم الغزالي في الغاية القصوى احتاج من يريد الاطلاع على مقداره فيه أن يكون هو تام العقل. وأقول: لا بد مع تمام العقل من مداناة مرتبته في العلم لمرتبة الآخر، وحينئذ فلا يعرف أحد ممن جاء بعد الغزالي قدر الغزالي ولا مقدار علم الغزالي إلا بمقدار علمه، أما بمقدار علم الغزالي فلا! إذ لم يجيء بعده مثله ثم المُداني له إنما يعرف قدره بقدر ما عنده لا بقدر الغزالي في نفسه