غَنَائِمُ الدَّاعِينَ (6)
✍️أ.د. سَلْمَانُ بنُ نَصْرٍ الدَّايَه
رَابِعًا: آدَابُ الدُّعَاءِ
3. حُسْنُ الظَّنِّ بِاللَّهِ:
يَنْبَغِي لِلدَّاعِي أَنْ يَجْتَهِدَ فِي الدُّعَاءِ وَيَكُونَ عَلَى رَجَاءِ الْإِجَابَةِ، وَلَا يَقْنَطَ مِنَ الرَّحْمَةِ؛ فَإِنَّهُ يَدْعُو كَرِيمًا، بِهَذَا تَوَاتَرِت الْآثَارُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ مِنْهَا: مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي). [أخرجه: البخاري/ صحيحه (7405 ) (9/ 121)]
وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: (لَا يَمُوتَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ). [صحيح، أخرجه: ابن ماجه/ سننه (4167)(2/ 1395)]
فِي الْحَدِيثَيْنِ فَوَائِدُ:
الْأُولَى: قَوْلُهُ: (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي) قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ رحمه الله فِي الْمُفْهِمِ: قِيلَ: مَعْنَى (ظَنِّ عَبْدِي بِي) أَيْ: ظَنُّ الْإِجَابَةِ عِنْدَ الدُّعَاءِ، وَظَنُّ الْقَبُولِ عِنْدَ التَّوْبَةِ، وَظَنُّ الْمَغْفِرَةِ عِنْدَ الِاسْتِغْفَارِ، وَظَنُّ الْمُجَازَاةِ عِنْدَ فِعْلِ الْعِبَادَةِ بِشُرُوطِهَا تَمَسُّكًا بِصَادِقِ وَعْدِهِ. قَالَ: وَيُؤَيِّدُهُ: قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: (ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ). قَالَ: وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي الْقِيَامِ بِمَا عَلَيْهِ، مُوقِنًا بِأَنَّ اللَّهَ يَقْبَلُهُ وَيَغْفِرُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ وَعَدَ بِذَلِكَ وَهُوَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ، فَإِنِ اعْتَقَدَ الْعَبْدُ أَوْ ظَنَّ أَنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُهَا، وَأَنَّهَا لَا تَنْفَعُهُ؛ فَهَذَا هُوَ الْيَأْسُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ، وَمَنْ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ؛ وُكِلَ إِلَى مَا ظَنَّ، كَمَا فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ: (فَلْيَظُنَّ بِي عَبْدِي مَا شَاءَ). قَالَ: وَأَمَّا ظَنُّ الْمَغْفِرَةِ مَعَ الْإِصْرَارِ؛ فَذَلِكَ مَحْضُ الْجَهْلِ وَالْغِرَّةُ. [أبو العباس القرطبي/المفهم(7/5)، ابن حجر/فتح الباري(13/ 386)]
✍️أ.د. سَلْمَانُ بنُ نَصْرٍ الدَّايَه
رَابِعًا: آدَابُ الدُّعَاءِ
3. حُسْنُ الظَّنِّ بِاللَّهِ:
يَنْبَغِي لِلدَّاعِي أَنْ يَجْتَهِدَ فِي الدُّعَاءِ وَيَكُونَ عَلَى رَجَاءِ الْإِجَابَةِ، وَلَا يَقْنَطَ مِنَ الرَّحْمَةِ؛ فَإِنَّهُ يَدْعُو كَرِيمًا، بِهَذَا تَوَاتَرِت الْآثَارُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ مِنْهَا: مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي). [أخرجه: البخاري/ صحيحه (7405 ) (9/ 121)]
وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: (لَا يَمُوتَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ). [صحيح، أخرجه: ابن ماجه/ سننه (4167)(2/ 1395)]
فِي الْحَدِيثَيْنِ فَوَائِدُ:
الْأُولَى: قَوْلُهُ: (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي) قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ رحمه الله فِي الْمُفْهِمِ: قِيلَ: مَعْنَى (ظَنِّ عَبْدِي بِي) أَيْ: ظَنُّ الْإِجَابَةِ عِنْدَ الدُّعَاءِ، وَظَنُّ الْقَبُولِ عِنْدَ التَّوْبَةِ، وَظَنُّ الْمَغْفِرَةِ عِنْدَ الِاسْتِغْفَارِ، وَظَنُّ الْمُجَازَاةِ عِنْدَ فِعْلِ الْعِبَادَةِ بِشُرُوطِهَا تَمَسُّكًا بِصَادِقِ وَعْدِهِ. قَالَ: وَيُؤَيِّدُهُ: قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: (ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ). قَالَ: وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي الْقِيَامِ بِمَا عَلَيْهِ، مُوقِنًا بِأَنَّ اللَّهَ يَقْبَلُهُ وَيَغْفِرُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ وَعَدَ بِذَلِكَ وَهُوَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ، فَإِنِ اعْتَقَدَ الْعَبْدُ أَوْ ظَنَّ أَنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُهَا، وَأَنَّهَا لَا تَنْفَعُهُ؛ فَهَذَا هُوَ الْيَأْسُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ، وَمَنْ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ؛ وُكِلَ إِلَى مَا ظَنَّ، كَمَا فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ: (فَلْيَظُنَّ بِي عَبْدِي مَا شَاءَ). قَالَ: وَأَمَّا ظَنُّ الْمَغْفِرَةِ مَعَ الْإِصْرَارِ؛ فَذَلِكَ مَحْضُ الْجَهْلِ وَالْغِرَّةُ. [أبو العباس القرطبي/المفهم(7/5)، ابن حجر/فتح الباري(13/ 386)]
الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: (لَا يَمُوتَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ) أَيْ: دُومُوا عَلَى حُسْنِ الظَّنِّ بِاللَّهِ، وَاثْبُتُوا عَلَيْهِ حَتَّى يَجِيئَكُمُ الْمَوْتُ وَأَنْتُمْ عَلَى ذَلِكَ، عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِحُسْنِ الظَّنِّ يَسْتَلْزِمُ الْأَمْرَ بِحُسْنِ الْعَمَلِ؛ إِذْ لَا يَحْسُنُ الظَّنُّ إِلَّا عِنْدَ حُسْنِ الْعَمَلِ.
الثَّالِثَةُ: قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: مَعْنَى: (حُسْنِ الظَّنِّ بِاَللَّهِ) أَنْ يَظُنَّ حُصُولَ رَحْمَتِهِ وَعَفْوِهِ، فَإِذَا كَانَ فِي حَالِ الصِّحَّةِ؛ كَانَ خَوْفُهُ وَرَجَاؤُهُ سَوَاءً، وَقِيلَ: بَلْ يَكُونُ الْخَوْفُ أَرْجَحَ مِنَ الرَّجَاءِ، وَإِذَا كَانَ فِي حَالِ النَّزْعِ وَالِاحْتِضَارِ؛ كَانَ الرَّجَاءُ غَالِبًا لِلْخَوْفِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْخَوْفِ الِانْكِفَافُ عَنِ الْمَعَاصِي وَالْقَبَائِحِ، وَالْحِرْصُ عَلَى الْإِكْثَارِ مِنَ الطَّاعَاتِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ أَوْ مُعْظَمُهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ، فَاسْتُحِبَّ مِنْهُ إحْسَانُ الظَّنِّ الْمُتَضَمِّنِ لِلِافْتِقَارِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالْإِذْعَانِ لَهُ. [الهرري/شرح سنن ابن ماجه(25/276)]
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: "وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ؛ مَا أُعْطِيَ عَبْدٌ مُؤْمِنٌ شَيْئًا خَيْرًا مِنْ حُسْنِ الظَنِّ بِاللَّهِ عز وجل، وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ لَا يُحْسِنُ عَبْدٌ بِاللَّهِ عز وجل الظَّنَّ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ عز وجل ظَنَّهُ؛ ذَلِكَ بِأَنَّ الْخَيْرَ فِي يَدِهِ". [أخرجه: ابن أبي الدنيا/حسن الظن بالله(83)(ص96)]
وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ رحمه الله: "لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدًا الدُّعَاءَ مَا يَعْلَمُ فِي نَفْسِهِ، -يَعْنِي: مِنَ التَّقْصِيرِ- فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَجَابَ دُعَاءَ شَرِّ خَلْقِهِ وَهُوَ إِبْلِيسُ حِينَ قَالَ: رَبِّ ﴿أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [الأعراف: 14]". [ابن بطال/ شرح صحيح البخاري (10/ 99)]
الثَّالِثَةُ: قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: مَعْنَى: (حُسْنِ الظَّنِّ بِاَللَّهِ) أَنْ يَظُنَّ حُصُولَ رَحْمَتِهِ وَعَفْوِهِ، فَإِذَا كَانَ فِي حَالِ الصِّحَّةِ؛ كَانَ خَوْفُهُ وَرَجَاؤُهُ سَوَاءً، وَقِيلَ: بَلْ يَكُونُ الْخَوْفُ أَرْجَحَ مِنَ الرَّجَاءِ، وَإِذَا كَانَ فِي حَالِ النَّزْعِ وَالِاحْتِضَارِ؛ كَانَ الرَّجَاءُ غَالِبًا لِلْخَوْفِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْخَوْفِ الِانْكِفَافُ عَنِ الْمَعَاصِي وَالْقَبَائِحِ، وَالْحِرْصُ عَلَى الْإِكْثَارِ مِنَ الطَّاعَاتِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ أَوْ مُعْظَمُهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ، فَاسْتُحِبَّ مِنْهُ إحْسَانُ الظَّنِّ الْمُتَضَمِّنِ لِلِافْتِقَارِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالْإِذْعَانِ لَهُ. [الهرري/شرح سنن ابن ماجه(25/276)]
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: "وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ؛ مَا أُعْطِيَ عَبْدٌ مُؤْمِنٌ شَيْئًا خَيْرًا مِنْ حُسْنِ الظَنِّ بِاللَّهِ عز وجل، وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ لَا يُحْسِنُ عَبْدٌ بِاللَّهِ عز وجل الظَّنَّ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ عز وجل ظَنَّهُ؛ ذَلِكَ بِأَنَّ الْخَيْرَ فِي يَدِهِ". [أخرجه: ابن أبي الدنيا/حسن الظن بالله(83)(ص96)]
وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ رحمه الله: "لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدًا الدُّعَاءَ مَا يَعْلَمُ فِي نَفْسِهِ، -يَعْنِي: مِنَ التَّقْصِيرِ- فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَجَابَ دُعَاءَ شَرِّ خَلْقِهِ وَهُوَ إِبْلِيسُ حِينَ قَالَ: رَبِّ ﴿أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [الأعراف: 14]". [ابن بطال/ شرح صحيح البخاري (10/ 99)]
غَنَائِمُ الدَّاعِينَ (7)
✍️أ.د. سَلْمَانُ بنُ نَصْرٍ الدَّايَه
رَابِعًا: آدَابُ الدُّعَاءِ
4. اسْتِحْضَارُ أَنَّ اللهَ قَرِيبٌ مُجِيبٌ:
قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186].
أَيْ: وَإِذَا سَأَلَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عِبَادِي عَنْ ذَاتِي أَوْ صِفَاتِي أَوْ أَفْعَالِي، فَقُلْ لَهُمْ: إِنِّي قَرِيبٌ بِالْعِلْمِ وَالْحِفْظِ، لَا يَخْفَى عَلَيَّ شَيْءٌ، أَسْمَعُ دُعَاءَ عَبْدِي إذَا دَعَانِي، وَأُلَبِّي دَعْوَةَ الدَّاعِي، وَأُسْعِفُ السَّائِلَ إِذَا الْتَجَأَ إلَيَّ، فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي بِعِبَادَتِي وَطَاعَتِي، وَلْيُؤْمِنُوا بِي الْإِيمَانَ الصَّحِيحَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِمْ، بِالثَّبَاتِ وَالدَّوَامِ عَلَيْهِ، رَغْبَةَ أَنْ يَهْتَدُوا إِلَى مَصَالِحِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَيَسِيرُوا فِي طَرِيقِ الرَّشَادِ الَّذِي لَا عِوَجَ فِيهِ، فَيَصْلُحُونَ، وَيُصْلِحُونَ. [مجد مكي/ تفسير المعين (ص28)]
وعَنْ سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ). [صحيح، أخرجه: الترمذي/سننه(3556)(5/ 556)]
فِي الْحَدِيثِ فَوَائِدُ:
الْأُولَى: فِيهِ تَأْكِيدٌ أَنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ، أَيْ: كَامِلُ الْحَيَاءِ، وَالْحَيَاءُ فِي الْعَبْدِ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ، وَالْوَقَاحَةُ مِنْ صِفَاتِ النَّقْصِ، وَلَمَّا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى مُتَكَرِّمًا عَلَى سَائِرِ عِبَادِهِ، وَقَاضِيًا حَوَائِجَ دَاعِيهِ، لَا يَرُدُّهُمْ بِكَرَمِهِ؛ وَصَفَ نَفْسَهُ بِالْحَيَاءِ الَّذِي يُوصَفُ بِهِ مَنْ كَرُمَتْ نَفْسُهُ، وَكَانَتْ لَهُ سَجِيَّةٌ حَيِيَّةٌ، وَكُلُّ وَصْفٍ كَانَ لِلْمَخْلُوقِ حَسَنًا؛ فَلِلَّهِ مِنْهُ الْحَظُّ الْأَكْمَلُ، وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ يَسْتَحْيِي مِنَ الْعَبْدِ، وَوَصَفَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، وَإِنَّ هَذَا يَرْجِعُ إلَى صِفَةِ عَدْلِهِ الْقَادِرَةِ بِجَرَيَانِ الْحَقِّ عَلَى أَهْلِهِ، وَالْحَيِيُّ مِنْ أَوْصَافِ الْأَفْعَالِ؛ إذْ بِهِ إِظْهَارُ كَرَمِ اللَّهِ وَإِدْرَارُ نِعَمِهِ عَلَى عِبَادِهِ. [القرطبي/الأسنى(1/534)]
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رحمه الله: "وَإِذَا كَانَ الْحَيَاءُ مِنْ صِفَاتِ كَمَالِ الْإِنْسَانِ؛ فَلَا يَجُوزُ سَلْبُهَا عَمَّنْ هُوَ أَحَقُّ بِالْكَمَالِ الْمُطْلَقِ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ". [ابن القيم/ الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة (4/500)]
✍️أ.د. سَلْمَانُ بنُ نَصْرٍ الدَّايَه
رَابِعًا: آدَابُ الدُّعَاءِ
4. اسْتِحْضَارُ أَنَّ اللهَ قَرِيبٌ مُجِيبٌ:
قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186].
أَيْ: وَإِذَا سَأَلَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عِبَادِي عَنْ ذَاتِي أَوْ صِفَاتِي أَوْ أَفْعَالِي، فَقُلْ لَهُمْ: إِنِّي قَرِيبٌ بِالْعِلْمِ وَالْحِفْظِ، لَا يَخْفَى عَلَيَّ شَيْءٌ، أَسْمَعُ دُعَاءَ عَبْدِي إذَا دَعَانِي، وَأُلَبِّي دَعْوَةَ الدَّاعِي، وَأُسْعِفُ السَّائِلَ إِذَا الْتَجَأَ إلَيَّ، فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي بِعِبَادَتِي وَطَاعَتِي، وَلْيُؤْمِنُوا بِي الْإِيمَانَ الصَّحِيحَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِمْ، بِالثَّبَاتِ وَالدَّوَامِ عَلَيْهِ، رَغْبَةَ أَنْ يَهْتَدُوا إِلَى مَصَالِحِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَيَسِيرُوا فِي طَرِيقِ الرَّشَادِ الَّذِي لَا عِوَجَ فِيهِ، فَيَصْلُحُونَ، وَيُصْلِحُونَ. [مجد مكي/ تفسير المعين (ص28)]
وعَنْ سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ). [صحيح، أخرجه: الترمذي/سننه(3556)(5/ 556)]
فِي الْحَدِيثِ فَوَائِدُ:
الْأُولَى: فِيهِ تَأْكِيدٌ أَنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ، أَيْ: كَامِلُ الْحَيَاءِ، وَالْحَيَاءُ فِي الْعَبْدِ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ، وَالْوَقَاحَةُ مِنْ صِفَاتِ النَّقْصِ، وَلَمَّا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى مُتَكَرِّمًا عَلَى سَائِرِ عِبَادِهِ، وَقَاضِيًا حَوَائِجَ دَاعِيهِ، لَا يَرُدُّهُمْ بِكَرَمِهِ؛ وَصَفَ نَفْسَهُ بِالْحَيَاءِ الَّذِي يُوصَفُ بِهِ مَنْ كَرُمَتْ نَفْسُهُ، وَكَانَتْ لَهُ سَجِيَّةٌ حَيِيَّةٌ، وَكُلُّ وَصْفٍ كَانَ لِلْمَخْلُوقِ حَسَنًا؛ فَلِلَّهِ مِنْهُ الْحَظُّ الْأَكْمَلُ، وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ يَسْتَحْيِي مِنَ الْعَبْدِ، وَوَصَفَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، وَإِنَّ هَذَا يَرْجِعُ إلَى صِفَةِ عَدْلِهِ الْقَادِرَةِ بِجَرَيَانِ الْحَقِّ عَلَى أَهْلِهِ، وَالْحَيِيُّ مِنْ أَوْصَافِ الْأَفْعَالِ؛ إذْ بِهِ إِظْهَارُ كَرَمِ اللَّهِ وَإِدْرَارُ نِعَمِهِ عَلَى عِبَادِهِ. [القرطبي/الأسنى(1/534)]
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رحمه الله: "وَإِذَا كَانَ الْحَيَاءُ مِنْ صِفَاتِ كَمَالِ الْإِنْسَانِ؛ فَلَا يَجُوزُ سَلْبُهَا عَمَّنْ هُوَ أَحَقُّ بِالْكَمَالِ الْمُطْلَقِ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ". [ابن القيم/ الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة (4/500)]
الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: (كَرِيمٌ) أَيِ: الَّذِي يُعْطِي مِنْ غَيْرِ مِنَّةٍ، وَلَا يُؤَيِّسُ الْعُصَاةَ مِنْ قَبُولِ تَوْبَتِهِمْ، وَيَتُوبُ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَتِهِمْ، وَهُوَ الَّذِي لَا يُبَالِي مَنْ أَعْطَى، وَلَا يُضَيِّعُ مَنْ تَوَسَّلَ إلَيْهِ، وَلَا يَتْرُكُ مَنِ الْتَجَأَ إلَيْهِ، وَهُوَ الَّذِي إِذَا أَبْصَرَ خَلَلًا جَبَرَهُ وَمَا أَظْهَرَهُ، وَإِذَا أَوْلَى فَضْلًا أَجْزَلَهُ، ثُمَّ سَتَرَهُ، وَهُوَ النَّفَاعُ؛ لِكَثْرَةِ مَنَافِعِهِ لِخَلْقِهِ.
وَمِنْ مَظَاهِرِ كَرَمِهِ سُبْحَانَهُ: أَنَّهُ يَبْتَدِئُ بِالنِّعْمَةِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ، وَيَتَبَرَّعُ بِالْإِحْسَانِ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ.
وَمِنْ مَظَاهِرِ كَرَمِهِ سُبْحَانَهُ: أَنَّهُ يُخْفِي ذُنُوبَ الْمُسِيئِينَ، وَيَسْتُرُ عُيُوبَهُمْ.
وَمِنْ مَظَاهِرِ كَرَمِهِ سُبْحَانَهُ: أَنَّهُ يُعْطِي عَلَى الطَّاعَةِ الْيَسِيرَةِ الثَّوَابَ الْجَزِيلَ.
وَمِنْ مَظَاهِرِ كَرَمِهِ سُبْحَانَهُ: أَنَّهُ جَعَلَ اَلدُّنْيَا مِلْكًا لِعِبَادِهِ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾ [البقرة: 29]، وَجَعَلَ الْآخِرَةَ مِلْكَاً لَهُمْ؛ فَقَالَ: ﴿وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: 133].
وَمِنْ مَظَاهِرِ كَرَمِهِ: أَنَّهُ سَخَّرَ لِعِبَادِهِ كُلَّ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ؛ فَقَالَ: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ﴾ [الجاثية: 13].
الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: (إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ) ذُكِرَ الرَّجُلُ لِلتَّغْلِيبِ وَشَرَفِ الذُّكُورَةِ، وَإِلَّا فَالْجَزَاءُ جَارٍ عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ سَوَاءٌ.
وَقَوْلُهُ: (صِفْرَاً) أَيْ: خَالِيَةً، يُقَالُ: صَفُرَ الشَّيْءُ إِذَا خَلَا، وَالْمَعْنَى: إِذَا رَفَعَ الْعَبْدُ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ لِيُعْرِبَ عَنْ تَذَلُّلِهِ وَافْتِقَارِهِ لِلَّهِ تَعَالَى؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَسْتَحْيِي أَنْ يَرُدَّهُمَا فَارِغَتَيْنِ خَالِيَتَيْنِ مِنْ عَطَائِهِ وَفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ. [انظر: الطيبي/ شرح المشكاة (5/ 1715)]
وَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ الَّذِي يَمُدُّ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ وَيَرْفَعُهُمَا إلَى اللَّهِ مُتَذَلِّلًا لَهُ فِي الطَّلَبِ؛ يُرْجَى إجَابَةُ دُعَائِهِ. [انظر: ابن رجب/جامع العلوم والحكم، (ص270)]
وَمِنْ مَظَاهِرِ كَرَمِهِ سُبْحَانَهُ: أَنَّهُ يَبْتَدِئُ بِالنِّعْمَةِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ، وَيَتَبَرَّعُ بِالْإِحْسَانِ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ.
وَمِنْ مَظَاهِرِ كَرَمِهِ سُبْحَانَهُ: أَنَّهُ يُخْفِي ذُنُوبَ الْمُسِيئِينَ، وَيَسْتُرُ عُيُوبَهُمْ.
وَمِنْ مَظَاهِرِ كَرَمِهِ سُبْحَانَهُ: أَنَّهُ يُعْطِي عَلَى الطَّاعَةِ الْيَسِيرَةِ الثَّوَابَ الْجَزِيلَ.
وَمِنْ مَظَاهِرِ كَرَمِهِ سُبْحَانَهُ: أَنَّهُ جَعَلَ اَلدُّنْيَا مِلْكًا لِعِبَادِهِ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾ [البقرة: 29]، وَجَعَلَ الْآخِرَةَ مِلْكَاً لَهُمْ؛ فَقَالَ: ﴿وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: 133].
وَمِنْ مَظَاهِرِ كَرَمِهِ: أَنَّهُ سَخَّرَ لِعِبَادِهِ كُلَّ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ؛ فَقَالَ: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ﴾ [الجاثية: 13].
الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: (إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ) ذُكِرَ الرَّجُلُ لِلتَّغْلِيبِ وَشَرَفِ الذُّكُورَةِ، وَإِلَّا فَالْجَزَاءُ جَارٍ عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ سَوَاءٌ.
وَقَوْلُهُ: (صِفْرَاً) أَيْ: خَالِيَةً، يُقَالُ: صَفُرَ الشَّيْءُ إِذَا خَلَا، وَالْمَعْنَى: إِذَا رَفَعَ الْعَبْدُ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ لِيُعْرِبَ عَنْ تَذَلُّلِهِ وَافْتِقَارِهِ لِلَّهِ تَعَالَى؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَسْتَحْيِي أَنْ يَرُدَّهُمَا فَارِغَتَيْنِ خَالِيَتَيْنِ مِنْ عَطَائِهِ وَفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ. [انظر: الطيبي/ شرح المشكاة (5/ 1715)]
وَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ الَّذِي يَمُدُّ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ وَيَرْفَعُهُمَا إلَى اللَّهِ مُتَذَلِّلًا لَهُ فِي الطَّلَبِ؛ يُرْجَى إجَابَةُ دُعَائِهِ. [انظر: ابن رجب/جامع العلوم والحكم، (ص270)]
وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَا عَلَى الأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ إِلَّا آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا أَوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ)، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: إِذًا نُكْثِرُ، قَالَ: (اللَّهُ أَكْثَرُ). [حسن صحيح، أخرجه: الترمذي/سننه(3573)(5/ 566)]
فِي الْحَدِيثِ فَوَائِدُ:
الْأُولَى: قَوْلُهُ: (مَا عَلَى الأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ) دَلِيلٌ عَلَى سَعَةِ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَرَمِهِ وَرَحْمَتِهِ بِعِبَادِهِ، فَلَا يَدْعُوهُ مُسْلِمٌ أَيًّا كَانَ وَصْفُهُ وَلُغَتُهُ وَلَوْنُهُ بِدَعْوَةٍ مَهْمَا عَظُمَتْ وَكَثُرَتْ.
الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: (إِلَّا آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا) أَيْ: إِلَّا آتَاهُ عَيْنَ مَا سَأَلَ.
الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: (أَوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا) أَيْ: دَفَعَ عَنْهُ مِنَ الْبَلَاءِ عِوَضًا مِمَّا سَأَلَ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ رحمه الله: "أَيْ: يَدْفَعُ اللَّهُ عَنْهُ سُوءًا تَكُونُ الرَّاحَةُ فِي دَفْعِهِ بِقَدْرِ الرَّاحَةِ الَّتِي تَحْصُلُ لَهُ لَوْ أُعْطِيَ ذَلِكَ الْمَسْئُولَ". [القاري/مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (4/ 1529)]
وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ رحمه الله: "فَكُلُّ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ، لَكِنْ تَتَنَوَّعُ الْإِجَابَةُ، فَتَارَةً يَقَعُ بِعَينِ مَا دَعَا بِهِ، وَتَارَةً يَعُوضُهُ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ". [المناوي/التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 356)]
الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: (مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ) أَيْ: بِمَعْصِيَةٍ، بِأَنْ يَقُولَ: الْلَّهُمَّ انْصُرْنِي عَلَى قَتْلِ فُلَانٍ، وَهُوَ مُسْلُمٌ، وَلَيْسَ مُسْتَوْجِبَاً لِلْقَتْلِ، أَوْ: الْلَّهُمَّ ارْزُقْنِي خَمْرَاً أَوْ آلِهَةَ لَهْوٍ، أَوْ قَيْنَةً مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ؛ لِيَزْنِيَ بِهَا. [المُظْهِري/المفاتيح في شرح المصابيح (3/ 120)]
الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ: (أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ) تَخْصِيصٌ بَعْدَ تَعْمِيمٍ، أَيْ: يَدْعُو بِالْقَطْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَقَارِبِهِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: الْلَّهُمَّ أَبْعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي أَوْ أُمِّي أَوْ أَخِي، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. [القاري/مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (4/ 1529)، المُظْهِري/المفاتيح في شرح المصابيح (3/ 120)]
قَالَ ابْنُ عَلَّانَ رحمه الله: "أَيْ: فَلَا تُجَابُ تِلْكَ الدَّعْوَةُ الْمُقْتَرِنَةُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ بِدَلِيلِ الْوَحْيِ". [ابن علان/دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (7/ 304)، بتصرف]
السَّادِسَةُ: قَوْلُهُ: (فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: إِذًا نُكْثِرُ) أَيْ: إِذَا كَانَ اللهُ تَعَالَى يَسْتَجِيبُ كُلَّ دَعْوَةٍ مَهْمَا عَظُمَتْ وَكَثُرَتْ؛ إِذَنْ نُكْثِرُ مِنْ سُؤَالِ خَيْرَيِ الدَّارَيْنِ؛ لِتَحْصِيلِهِمَا بِالْوَعْدِ الَّذِي لَا يُخْلَفُ. [ابن علان/دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (7/ 304)، بتصرف]
السَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: (قَالَ: اللَّهُ أَكْثَرُ) أَيْ: أَكْثَرُ إِحْسَانَاً وَنَوَالَاً مِمَّا تَطْلُبُونَ وَتَسْأَلُونَ. [ابن علان/دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (7/ 304)]
فِي الْحَدِيثِ فَوَائِدُ:
الْأُولَى: قَوْلُهُ: (مَا عَلَى الأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ) دَلِيلٌ عَلَى سَعَةِ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَرَمِهِ وَرَحْمَتِهِ بِعِبَادِهِ، فَلَا يَدْعُوهُ مُسْلِمٌ أَيًّا كَانَ وَصْفُهُ وَلُغَتُهُ وَلَوْنُهُ بِدَعْوَةٍ مَهْمَا عَظُمَتْ وَكَثُرَتْ.
الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: (إِلَّا آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا) أَيْ: إِلَّا آتَاهُ عَيْنَ مَا سَأَلَ.
الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: (أَوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا) أَيْ: دَفَعَ عَنْهُ مِنَ الْبَلَاءِ عِوَضًا مِمَّا سَأَلَ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ رحمه الله: "أَيْ: يَدْفَعُ اللَّهُ عَنْهُ سُوءًا تَكُونُ الرَّاحَةُ فِي دَفْعِهِ بِقَدْرِ الرَّاحَةِ الَّتِي تَحْصُلُ لَهُ لَوْ أُعْطِيَ ذَلِكَ الْمَسْئُولَ". [القاري/مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (4/ 1529)]
وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ رحمه الله: "فَكُلُّ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ، لَكِنْ تَتَنَوَّعُ الْإِجَابَةُ، فَتَارَةً يَقَعُ بِعَينِ مَا دَعَا بِهِ، وَتَارَةً يَعُوضُهُ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ". [المناوي/التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 356)]
الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: (مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ) أَيْ: بِمَعْصِيَةٍ، بِأَنْ يَقُولَ: الْلَّهُمَّ انْصُرْنِي عَلَى قَتْلِ فُلَانٍ، وَهُوَ مُسْلُمٌ، وَلَيْسَ مُسْتَوْجِبَاً لِلْقَتْلِ، أَوْ: الْلَّهُمَّ ارْزُقْنِي خَمْرَاً أَوْ آلِهَةَ لَهْوٍ، أَوْ قَيْنَةً مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ؛ لِيَزْنِيَ بِهَا. [المُظْهِري/المفاتيح في شرح المصابيح (3/ 120)]
الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ: (أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ) تَخْصِيصٌ بَعْدَ تَعْمِيمٍ، أَيْ: يَدْعُو بِالْقَطْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَقَارِبِهِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: الْلَّهُمَّ أَبْعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي أَوْ أُمِّي أَوْ أَخِي، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. [القاري/مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (4/ 1529)، المُظْهِري/المفاتيح في شرح المصابيح (3/ 120)]
قَالَ ابْنُ عَلَّانَ رحمه الله: "أَيْ: فَلَا تُجَابُ تِلْكَ الدَّعْوَةُ الْمُقْتَرِنَةُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ بِدَلِيلِ الْوَحْيِ". [ابن علان/دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (7/ 304)، بتصرف]
السَّادِسَةُ: قَوْلُهُ: (فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: إِذًا نُكْثِرُ) أَيْ: إِذَا كَانَ اللهُ تَعَالَى يَسْتَجِيبُ كُلَّ دَعْوَةٍ مَهْمَا عَظُمَتْ وَكَثُرَتْ؛ إِذَنْ نُكْثِرُ مِنْ سُؤَالِ خَيْرَيِ الدَّارَيْنِ؛ لِتَحْصِيلِهِمَا بِالْوَعْدِ الَّذِي لَا يُخْلَفُ. [ابن علان/دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (7/ 304)، بتصرف]
السَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: (قَالَ: اللَّهُ أَكْثَرُ) أَيْ: أَكْثَرُ إِحْسَانَاً وَنَوَالَاً مِمَّا تَطْلُبُونَ وَتَسْأَلُونَ. [ابن علان/دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (7/ 304)]
قَالَ ابْنُ هُبَيْرَة رحمه الله: "فِي الْحَدِيثِ إِشْعَارُ الْعَبْدِ بِأَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ يُجِيبُ كُلَّ دَاعٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ؛ إِلَّا أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ سُوءُ اخْتِيَارِ الدَّاعِي مَا لَا يُرْضِي اللهَ، لِفَضْلِهِ أَنْ يَجْعَلَهُ تَبَعَاً لِسُوءِ ذَلِكَ الِاخْتِيَارِ، فَيَكُونُ إِمَّا يَدْعُو بِإِثْمٍ قَدْ شَرَعَ اللهُ فِيمَا أَوْجَبَ عَلَى عَبْدِهِ أَلَّا يَأْتِيَهُ، فَكَيْفَ يَصْلُحُ لِعَبْدٍ أَنْ يَسْأَلَ اللهَ سُبْحَانَهُ أَنْ يُؤْتِيَهُ مَا هُوَ نَهَى عَنْهُ؛ أَوْ يَكُونُ قَدْ أَدَّاهُ سُوءُ اخْتِيَارِهِ إِلَى طَلَبِ الْأَدْنَى بَدَلًا مِنَ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ؛ فَيَكُونُ مَنْ نَظَرَ اللهُ لَهُ أَنْ يُسْرِعَ إِجَابَتَهُ، أَوْ يَكُونُ قَدْ دَعَا عَبْدٌ عَلَى عَبْدٍ، وَقَدْ دَعَا ذَلِكَ الْمَدْعُو عَلَيْهِ عَلَى الدَّاعِي عَلَيْهِ، فَتَرْتَفِعُ الدَّعْوَتَانِ إِلَى اللهِ عز وجل فَيَتَعَارَضُ السُّؤُالَانِ، فَيَكُونُ مِنْ جُودِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَفَضْلِهِ أَلَّا يَرُدَّ هَذَا وَلَا هَذَا؛ وَلَكِنْ يَتَرَفَّقُ بِهِمَا مَعَاً إِلَى أَمَدٍ: إِمَّا بِأَنْ يُصْلِحَ بَيْنَهُمَا أَوْ يُؤَخِّرَهُمَا لِيَصْطَلِحَا، فَتَرْدِيدُ الْخُصُومِ يُفْضِي إِلَى صُلْحِهِمْ، أَوْ يَكُونُ حِينَ دَعَا الدَّاعِيَانِ أَحَدُهُمَا أَرْحَمُ وَأَرْفَقُ بِالْآخَرِ، فَيُسْرِعُ إِجَابَةَ الْأَرْفَقِ وَالْأَرْحَمِ نَظَرًا مِنْهُ سُبْحَانَهُ لَهُمَا كَلَيْهِمَا؛ أَوْ يَدْعُو وَالِدٌ عَلَى وَلَدِهِ فِي غَيْظِهِ أَوْ ضَجَرِهِ، فَيُؤَخِّرُ اللهُ إِجَابَتَهُ عَالِمًا سُبْحَانَهُ مِنَ الْوَالِدِ أَنْ سَيَشْكُرُ بَعْدَ قَلِيلٍ تَرْكَ الْإِجَابَةِ". [ابن هُبَيْرَة/الإفصاح عن معاني الصحاح (6/ 245)]
وَقَالَ الْمُظْهِريُّ رحمه الله: "مَنْ كَانَ لَهُ مَلَالَةٌ مِنَ الدُّعَاءِ لَا يُقْبَلُ دُعَاؤُهُ؛ لِأَنَّ الدُّعَاءَ عِبَادَةٌ؛ حَصَلَتِ الْإِجَابَةُ، أَوْ لَمْ تَحْصُلْ، فَلَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَمَلَّ مِنَ الْعِبَادَةِ.
وَتَأْخِيرُ الْإِجَابَةِ إِمَّا لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ وَقْتُهُ، فَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ وَقْتَاً مُقَدَّرًا فِي الْأَزَلِ، فَمَا لَمْ يَأْتِ وَقْتُهُ لَا يَكُونُ ذَلِكَ الشَّيْءُ مَوْجُودَاً، وَإِمَّا لِأَنَّهُ لَمْ يُقَدَّرْ فِي الْأَزَلِ قَبُولُ دُعَائِهِ، وَإِذَا لَمْ يُقْبَلْ دُعَاؤُهُ يُعْطِيهِ اللهُ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الثَّوَابِ عِوَضَهُ، وَإِمَّا يُؤَخَّرُ قَبُولُ دُعَائِهِ؛ لِيُلِحَّ وَيُبَالِغَ فِي الدُّعَاءِ؛ فَإِنَّهُ تَعَالَى يُحِبُّ الْإِلْحَاحَ فِي الدُّعَاءِ، فَإِذَا كَانَ تَأْخِيرُ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ لِأَحَدِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، فَلَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَتْرُكَ الدُّعَاءَ". [المُظْهِري/المفاتيح في شرح المصابيح (3/ 121)]
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رحمه الله: "اعْلَمْ أَنَّ اللهَ عز وجل لَا يَرُدُّ دُعَاءَ الْمُؤْمِنِ، غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ تَكُونُ الْمَصْلَحَةُ فِي تَأْخِيرِ الْإِجَابَةِ، وَقَدْ لَا يَكُونُ مَا سَأَلَهُ مَصْلَحَةٌ فِي الْجُمْلَةِ فَيَعُوضُهُ عَنْهُ مَا يُصْلِحُهُ، وَرُبَّمَا أَخَرَّ تَعْوِيضَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. فَيَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَلَّا يَقْطَعَ الْمَسْأَلَةَ لِامْتِنَاعِ الْإِجَابَةِ؛ فَإِنَّهُ بِالدُّعَاءِ مُتَعَبَّدٌ، وَباِلتَّسْلِيمِ إِلَى مَا يَرَاهُ الْحَقُّ لَهُ مَصْلَحَةُ مُفَوِّضٍ". [ابن الجوزي/كشف المشكل من حديث الصحيحين (3/ 401)]
وَقَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله: "فِيهِ اسْتِحْبَابُ كَثْرَةِ الدُّعَاءِ، وَانْتِظَارِ الْإِجَابَةِ وَاحْتِسَابِ ذَلِكَ". [النجدي/ تطريز رياض الصالحين (ص821)]
وَقَالَ الْمُظْهِريُّ رحمه الله: "مَنْ كَانَ لَهُ مَلَالَةٌ مِنَ الدُّعَاءِ لَا يُقْبَلُ دُعَاؤُهُ؛ لِأَنَّ الدُّعَاءَ عِبَادَةٌ؛ حَصَلَتِ الْإِجَابَةُ، أَوْ لَمْ تَحْصُلْ، فَلَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَمَلَّ مِنَ الْعِبَادَةِ.
وَتَأْخِيرُ الْإِجَابَةِ إِمَّا لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ وَقْتُهُ، فَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ وَقْتَاً مُقَدَّرًا فِي الْأَزَلِ، فَمَا لَمْ يَأْتِ وَقْتُهُ لَا يَكُونُ ذَلِكَ الشَّيْءُ مَوْجُودَاً، وَإِمَّا لِأَنَّهُ لَمْ يُقَدَّرْ فِي الْأَزَلِ قَبُولُ دُعَائِهِ، وَإِذَا لَمْ يُقْبَلْ دُعَاؤُهُ يُعْطِيهِ اللهُ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الثَّوَابِ عِوَضَهُ، وَإِمَّا يُؤَخَّرُ قَبُولُ دُعَائِهِ؛ لِيُلِحَّ وَيُبَالِغَ فِي الدُّعَاءِ؛ فَإِنَّهُ تَعَالَى يُحِبُّ الْإِلْحَاحَ فِي الدُّعَاءِ، فَإِذَا كَانَ تَأْخِيرُ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ لِأَحَدِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، فَلَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَتْرُكَ الدُّعَاءَ". [المُظْهِري/المفاتيح في شرح المصابيح (3/ 121)]
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رحمه الله: "اعْلَمْ أَنَّ اللهَ عز وجل لَا يَرُدُّ دُعَاءَ الْمُؤْمِنِ، غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ تَكُونُ الْمَصْلَحَةُ فِي تَأْخِيرِ الْإِجَابَةِ، وَقَدْ لَا يَكُونُ مَا سَأَلَهُ مَصْلَحَةٌ فِي الْجُمْلَةِ فَيَعُوضُهُ عَنْهُ مَا يُصْلِحُهُ، وَرُبَّمَا أَخَرَّ تَعْوِيضَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. فَيَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَلَّا يَقْطَعَ الْمَسْأَلَةَ لِامْتِنَاعِ الْإِجَابَةِ؛ فَإِنَّهُ بِالدُّعَاءِ مُتَعَبَّدٌ، وَباِلتَّسْلِيمِ إِلَى مَا يَرَاهُ الْحَقُّ لَهُ مَصْلَحَةُ مُفَوِّضٍ". [ابن الجوزي/كشف المشكل من حديث الصحيحين (3/ 401)]
وَقَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله: "فِيهِ اسْتِحْبَابُ كَثْرَةِ الدُّعَاءِ، وَانْتِظَارِ الْإِجَابَةِ وَاحْتِسَابِ ذَلِكَ". [النجدي/ تطريز رياض الصالحين (ص821)]
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي؛ غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً). [صحيح، أخرجه: الترمذي/سننه(3540)(5/ 548)]
فِي الْحَدِيثِ فَوَائِدُ:
الْأُولَى: قَوْلُهُ: (يَا ابْنَ آدَمَ) خِطَابٌ مِنَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ بِلَفْظِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى جَمِيعِ وَلَدِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ ذُكُورٍ وَإِنَاثٍ، وَلَمْ يُرَدْ بِهِ وَاحِدَاً بِعَيْنِهِ، وَآدَمُ: اسْمٌ عَرَبِيٌّ مُشْتَقٌّ مِنَ أَدِيمِ الْأَرْضِ، أَيْ: وَجْهَهَا، وَقِيلَ: أَعْجَمِيٌّ، وَقَدْ مُنِعَ صَرْفُهُ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالْعُجْمَةِ، وَأُضِيفَ إِلَيْهِ الْمُنَادَى؛ لِإِفَادَةِ الْعُمُومِ.
الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: (إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي؛ غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي) الدُّعَاءُ: طَلَبُ الْحَاجَةِ مِنَ اللهِ مِنْ جَلْبِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضُرٍّ، وَالرَّجَاءُ: تَأْمِيلُ الْخَيْرِ، وَهُوَ اعْتِقَادُ قُرْبِ وُقُوعِهِ، وَالرَّجَاءُ يَتَضَمَّنُ حُسْنَ الظَّنِّ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالْمَعْنَى: إِنَّكَ مَا دُمْتَ تَدْعُونِي مُخْلِصَاً صَادِقَاً بِطَلَبِ الرَّغَائِبِ، وَالْعَفْوِ عَنِ الزَّلَّةِ، وَاجْتِنَابِ الرَّهَائِبِ، وَتَرْكِ الْعُقُوبَةِ وَالْمُؤَاخَذَةِ عَلَى الذَّنْبِ، وَتَرْجُونِي وَأَنْتَ مُعْتَقِدٌ قُدْرَتِي عَلَى إِجَابَةِ دُعَائِكَ، مُحْسِنٌ الظَّنَّ بِي فِي إِجَابَتِهِ مَهْمَا عَظُمَتْ مَسْأَلَتُكَ أَوْ كَبَرُ ذَنْبُكَ غَيْرَ قَانِطٍ مِنْ رَحْمَتِي؛ فَإِنِّي أَغْفِرُ لَكَ، وَلَا يَعْظُمُ عَلَيَّ مَغْفِرَتُكَ وَإِنْ كَانَ ذَنْبُكَ كَبِيَراً؛ فَإِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي.
الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: (يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي) الْعَنَانُ: السَّحَابُ، الْوَاحِدَةُ: عَنَانَةٌ، مِنْ عَنَّ: إِذَا اعْتَرَضَ، وَأَضَافَهُ إِلَى السَّمَاءِ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَرَضٌ دُونَهَا.
وَقَدْ يُقَالُ: عَنَانُ السَّمَاءِ بِمَعْنَى: أَعْنَانُ السَّمَاءِ، وَهِيَ صَفَائِحُهَا وَمَا اعْتَرَضَ مِنْ أَقْطَارِهَا، وَلَعَلَّهُ الْمُرَادُ مِنَ الْحَدِيثِ، إِذْ رُوِيَ: (أَعْنَانُ السَّمَاءِ).
وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ لَوْ كَثُرَتْ ذُنُوبُكَ كَثْرَةً تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ بِحَيْثُ تَبْلُغُ أَقْطَارَهَا وَتَعُمُّ نَوَاحِيَهَا، ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي؛ غَفَرْتُ لَكَ جَمِيعَهَا غَيْرَ مُبَالٍ بِكَثْرَتِهَا، فَإِنَّ اسْتِدْعَاءَ الِاسْتِغْفَارِ لِلْمَغْفِرَةِ يَسْتَوِي فِيهِ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ، وَالْجَلِيلُ وَالْحَقِيرُ. [انظر: البيضاوي/تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة(2/ 74)]
قَالَ ابْنُ عَلَّانَ رحمه الله: (غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي) وَإِنْ تَكَرَّرَ الذَّنْبُ وَالتَّوْبَةُ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ، وَالذُّنُوبُ وَإِنْ تَكَاثَرَتْ وَبَلَغَتْ مَا عَسَى تَبْلُغُ، فَتَلَاشَتْ عِنْدَ حِلْمِهِ وَعَفْوِهِ، فَإِذَا اسْتَقَالَ مِنْهَا الْعَبْدُ بِالِاسْتِغْفَارِ؛ غُفِرْتْ؛ لِأَنَّهُ طَلَبَ الْإِقَالَةَ مِنْ كَرِيمٍ، وَالْكَرِيمُ مَحِلُّ إِقَالَةِ الْعَثَرَاتِ وَغَفْرِ الزَّلَاتِ.
فِي الْحَدِيثِ فَوَائِدُ:
الْأُولَى: قَوْلُهُ: (يَا ابْنَ آدَمَ) خِطَابٌ مِنَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ بِلَفْظِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى جَمِيعِ وَلَدِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ ذُكُورٍ وَإِنَاثٍ، وَلَمْ يُرَدْ بِهِ وَاحِدَاً بِعَيْنِهِ، وَآدَمُ: اسْمٌ عَرَبِيٌّ مُشْتَقٌّ مِنَ أَدِيمِ الْأَرْضِ، أَيْ: وَجْهَهَا، وَقِيلَ: أَعْجَمِيٌّ، وَقَدْ مُنِعَ صَرْفُهُ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالْعُجْمَةِ، وَأُضِيفَ إِلَيْهِ الْمُنَادَى؛ لِإِفَادَةِ الْعُمُومِ.
الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: (إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي؛ غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي) الدُّعَاءُ: طَلَبُ الْحَاجَةِ مِنَ اللهِ مِنْ جَلْبِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضُرٍّ، وَالرَّجَاءُ: تَأْمِيلُ الْخَيْرِ، وَهُوَ اعْتِقَادُ قُرْبِ وُقُوعِهِ، وَالرَّجَاءُ يَتَضَمَّنُ حُسْنَ الظَّنِّ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالْمَعْنَى: إِنَّكَ مَا دُمْتَ تَدْعُونِي مُخْلِصَاً صَادِقَاً بِطَلَبِ الرَّغَائِبِ، وَالْعَفْوِ عَنِ الزَّلَّةِ، وَاجْتِنَابِ الرَّهَائِبِ، وَتَرْكِ الْعُقُوبَةِ وَالْمُؤَاخَذَةِ عَلَى الذَّنْبِ، وَتَرْجُونِي وَأَنْتَ مُعْتَقِدٌ قُدْرَتِي عَلَى إِجَابَةِ دُعَائِكَ، مُحْسِنٌ الظَّنَّ بِي فِي إِجَابَتِهِ مَهْمَا عَظُمَتْ مَسْأَلَتُكَ أَوْ كَبَرُ ذَنْبُكَ غَيْرَ قَانِطٍ مِنْ رَحْمَتِي؛ فَإِنِّي أَغْفِرُ لَكَ، وَلَا يَعْظُمُ عَلَيَّ مَغْفِرَتُكَ وَإِنْ كَانَ ذَنْبُكَ كَبِيَراً؛ فَإِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي.
الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: (يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي) الْعَنَانُ: السَّحَابُ، الْوَاحِدَةُ: عَنَانَةٌ، مِنْ عَنَّ: إِذَا اعْتَرَضَ، وَأَضَافَهُ إِلَى السَّمَاءِ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَرَضٌ دُونَهَا.
وَقَدْ يُقَالُ: عَنَانُ السَّمَاءِ بِمَعْنَى: أَعْنَانُ السَّمَاءِ، وَهِيَ صَفَائِحُهَا وَمَا اعْتَرَضَ مِنْ أَقْطَارِهَا، وَلَعَلَّهُ الْمُرَادُ مِنَ الْحَدِيثِ، إِذْ رُوِيَ: (أَعْنَانُ السَّمَاءِ).
وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ لَوْ كَثُرَتْ ذُنُوبُكَ كَثْرَةً تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ بِحَيْثُ تَبْلُغُ أَقْطَارَهَا وَتَعُمُّ نَوَاحِيَهَا، ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي؛ غَفَرْتُ لَكَ جَمِيعَهَا غَيْرَ مُبَالٍ بِكَثْرَتِهَا، فَإِنَّ اسْتِدْعَاءَ الِاسْتِغْفَارِ لِلْمَغْفِرَةِ يَسْتَوِي فِيهِ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ، وَالْجَلِيلُ وَالْحَقِيرُ. [انظر: البيضاوي/تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة(2/ 74)]
قَالَ ابْنُ عَلَّانَ رحمه الله: (غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي) وَإِنْ تَكَرَّرَ الذَّنْبُ وَالتَّوْبَةُ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ، وَالذُّنُوبُ وَإِنْ تَكَاثَرَتْ وَبَلَغَتْ مَا عَسَى تَبْلُغُ، فَتَلَاشَتْ عِنْدَ حِلْمِهِ وَعَفْوِهِ، فَإِذَا اسْتَقَالَ مِنْهَا الْعَبْدُ بِالِاسْتِغْفَارِ؛ غُفِرْتْ؛ لِأَنَّهُ طَلَبَ الْإِقَالَةَ مِنْ كَرِيمٍ، وَالْكَرِيمُ مَحِلُّ إِقَالَةِ الْعَثَرَاتِ وَغَفْرِ الزَّلَاتِ.
قَالَ صَاحِبُ الْفَتْحِ الْمُبِينِ: وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِغْفَارِ التَّوْبَةُ لَا مُجَرَّدَ لَفْظِهِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْقَوَاعِدِ بِالنِّسْبَةِ لِلْكَبَائِرِ؛ إِذْ لَا يُكَفِّرُهَا إِلَّا التَّوْبَةُ، بِخِلَافِ الصَّغَائِرِ؛ فَإِنَّ لَهَا مُكَفِّرَاتٍ أُخَرَ كَاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ، وَالْوُضُوءِ، وَالصَّلَاةِ، وَغَيْرِهَا، فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِغْفَارُ مُكَفِّرَاً لَهَا أَيْضَاً، وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى هَذَا أَيْضَاً تَقْيِيدُ بَعْضِهِمْ جَمِيعَ مَا جَاءَ فِي نُصُوصِ الِاسْتِغْفَارِ الْمُطْلَقَةِ بِمَا فِي آيَةِ آلِ عِمْرَانَ مِنْ عَدَمِ الْإِصْرَارِ*؛ فَإِنَّهُ تَعَالَى وَعَدَ فِيهَا بِالْمَغْفِرَةِ مَنِ اسْتَغْفَرَهُ مِنْ ذُنُوبِهِ وَلَمْ يُصِرَّ عَلَى مَا فَعَلَهُ، قَالَ: فَتُحْمَلُ نُصُوصُ الِاسْتِغْفَارِ الْمُطْلَقَةُ كُلُّهَا عَلَى هَذَا الْقَيْدِ" اهـ. [ابن علان/دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين(8/ 722)]
*[يشير إلى قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: 135]]
الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: (يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً) أَيْ: لَوْ أَتَيْتَنِي بِمِلْءِ الْأَرْضِ أَوْ بِمِثْلِهَا خَطَايَا، ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا؛ لَأَتَيتُكَ بِمِثْلِهَا مَغْفِرَةً؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِيمَانَ بِهِ تَعَالَى شَرْطٌ فِي الْعَفْوِ عَنِ الذَّنْبِ غَيْرِ الشِّرْكِ؛ لِأَنَّهُ أَصْلٌ يُبْنَى عَلَيْهِ قَبُولُ الطَّاعَةِ وَالْعَفْوُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ، بِخِلَافِ الشِّرْكِ إذْ لَا أَصْلَ مَعَهُ يُبْنَى عَلَيْهِ الْعَفْوُ عَنْهُ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَضُمَّ إلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ تَعَالَى الْإِيمَانَ بِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَبِمَا جَاءَ بِهِ هَذَا. [ابن علان/دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين(4/ 355)]
*[يشير إلى قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: 135]]
الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: (يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً) أَيْ: لَوْ أَتَيْتَنِي بِمِلْءِ الْأَرْضِ أَوْ بِمِثْلِهَا خَطَايَا، ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا؛ لَأَتَيتُكَ بِمِثْلِهَا مَغْفِرَةً؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِيمَانَ بِهِ تَعَالَى شَرْطٌ فِي الْعَفْوِ عَنِ الذَّنْبِ غَيْرِ الشِّرْكِ؛ لِأَنَّهُ أَصْلٌ يُبْنَى عَلَيْهِ قَبُولُ الطَّاعَةِ وَالْعَفْوُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ، بِخِلَافِ الشِّرْكِ إذْ لَا أَصْلَ مَعَهُ يُبْنَى عَلَيْهِ الْعَفْوُ عَنْهُ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَضُمَّ إلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ تَعَالَى الْإِيمَانَ بِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَبِمَا جَاءَ بِهِ هَذَا. [ابن علان/دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين(4/ 355)]
غَنَائِمُ الدَّاعِينَ (8)
✍️أ.د. سَلْمَانُ بنُ نَصْرٍ الدَّايَه
رَابِعًا: آدَابُ الدُّعَاءِ
5. طِيبُ الْمَطْعَمِ وَالْمَلْبَسِ:
إِذَا تَحَرَّى الْعَبْدُ الْحَلَالَ فِي مَطْعَمِهِ وَمَشْرَبِهِ وَمَلْبَسِهِ؛ كَانَ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا، إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ [المؤمنون: (51)]، وَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ [البقرة: 172] ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟). [أخرجه: مسلم/صحيحه(1015)(2/703)]
فِي الْحَدِيثِ فَوَائِدُ:
الْأُولَى: قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله: هَذَا الْحَدِيثُ أَحَدُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي هِيَ قَوَاعِدُ الْإِسْلَامِ وَمَبَانِي الْأَحْكَامِ. [النووي/ شرحه على مسلم (7/ 100)]
الثَّانِيَةُ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطِّيبَ هُوَ الَّذِي يُطَيِّبُهُ الشَّرْعُ؛ لِأَكْلِهِ بِالْإِبَاحَةِ وَالْحِلِّ –أَيْ: لِامْتِلَاكِهِ وَالِانْتِفَاع بِهِ بِالسُّبُلِ الْمُبَاحَةِ الْحَلَالِ-، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ طَيِّبًا فِي الطَّعْمِ، فَإِذَا أَنْفَقَ الْعَبْدُ نَفَقَةً طَيِّبَةً، كَانَتْ هِيَ الَّتِي تَزْكُو وَتُثْمِرُ، وَإِذَا أَنْفَقَ نَفَقَةً لَمْ يُطَيِّبْهَا الشَّرْعُ؛ فَإِنَّهَا إِنْ كَانَتْ مِنْ غَصْبٍ فَهِيَ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا، فَتَصَدُّقُ الْغَاصِبِ بِهَا لَمْ يُؤْجَرْ عَلَيْهِ؛ بَلْ يَكُونُ آثِمًا بِالتَّصَرُّفِ فِيهَا. [ابن هبيرة/ الإفصاح عن معاني الصحاح (8/ 129)]
الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: (إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ) أَيْ: إِنَّ اللهَ تَعَالَى بَرِيْءٌ مِنَ النَّقْصِ، بَرِيْءٌ مِنَ السُّوءِ. [ابن قرقول/ مطالع الأنوار على صحاح الآثار (3/ 288)]
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رحمه الله: هَذَا إِخْبَارٌ عَنْ كَمَالِ صِفَاتِهِ الَّتِي لَا يَدْخُلُهَا نَقْصٌ وَلَا عَيْبٌ. [ابن الجوزي/ كشف المشكل(3/ 572)]
وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ رحمه الله: الطَّيِّبُ فِي الْأَصْلِ: خِلَافُ الْخَبِيثِ، وَإِذَا وُصِفَ بِهِ الْعَبْدُ فَهُوَ الْمُتَعَرِّي عَنِ الْجَهْلِ وَالْفِسْقِ الْمُتَحَلِّي بِالْعِلْمِ وَالصَّلَاحِ، وَقَدْ يُوْصَفُ بِهِ الرَّبُّ تَعَالَى عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْمُتَنَزِّهُ عَنْ رَذَائِلِ الصِّفَاتِ، وَقَبَائِحِ الْأَفْعَالِ. [التوربشتي/ الميسر في شرح مصابيح السنة (2/ 655)]
✍️أ.د. سَلْمَانُ بنُ نَصْرٍ الدَّايَه
رَابِعًا: آدَابُ الدُّعَاءِ
5. طِيبُ الْمَطْعَمِ وَالْمَلْبَسِ:
إِذَا تَحَرَّى الْعَبْدُ الْحَلَالَ فِي مَطْعَمِهِ وَمَشْرَبِهِ وَمَلْبَسِهِ؛ كَانَ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا، إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ [المؤمنون: (51)]، وَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ [البقرة: 172] ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟). [أخرجه: مسلم/صحيحه(1015)(2/703)]
فِي الْحَدِيثِ فَوَائِدُ:
الْأُولَى: قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله: هَذَا الْحَدِيثُ أَحَدُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي هِيَ قَوَاعِدُ الْإِسْلَامِ وَمَبَانِي الْأَحْكَامِ. [النووي/ شرحه على مسلم (7/ 100)]
الثَّانِيَةُ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطِّيبَ هُوَ الَّذِي يُطَيِّبُهُ الشَّرْعُ؛ لِأَكْلِهِ بِالْإِبَاحَةِ وَالْحِلِّ –أَيْ: لِامْتِلَاكِهِ وَالِانْتِفَاع بِهِ بِالسُّبُلِ الْمُبَاحَةِ الْحَلَالِ-، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ طَيِّبًا فِي الطَّعْمِ، فَإِذَا أَنْفَقَ الْعَبْدُ نَفَقَةً طَيِّبَةً، كَانَتْ هِيَ الَّتِي تَزْكُو وَتُثْمِرُ، وَإِذَا أَنْفَقَ نَفَقَةً لَمْ يُطَيِّبْهَا الشَّرْعُ؛ فَإِنَّهَا إِنْ كَانَتْ مِنْ غَصْبٍ فَهِيَ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا، فَتَصَدُّقُ الْغَاصِبِ بِهَا لَمْ يُؤْجَرْ عَلَيْهِ؛ بَلْ يَكُونُ آثِمًا بِالتَّصَرُّفِ فِيهَا. [ابن هبيرة/ الإفصاح عن معاني الصحاح (8/ 129)]
الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: (إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ) أَيْ: إِنَّ اللهَ تَعَالَى بَرِيْءٌ مِنَ النَّقْصِ، بَرِيْءٌ مِنَ السُّوءِ. [ابن قرقول/ مطالع الأنوار على صحاح الآثار (3/ 288)]
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رحمه الله: هَذَا إِخْبَارٌ عَنْ كَمَالِ صِفَاتِهِ الَّتِي لَا يَدْخُلُهَا نَقْصٌ وَلَا عَيْبٌ. [ابن الجوزي/ كشف المشكل(3/ 572)]
وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ رحمه الله: الطَّيِّبُ فِي الْأَصْلِ: خِلَافُ الْخَبِيثِ، وَإِذَا وُصِفَ بِهِ الْعَبْدُ فَهُوَ الْمُتَعَرِّي عَنِ الْجَهْلِ وَالْفِسْقِ الْمُتَحَلِّي بِالْعِلْمِ وَالصَّلَاحِ، وَقَدْ يُوْصَفُ بِهِ الرَّبُّ تَعَالَى عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْمُتَنَزِّهُ عَنْ رَذَائِلِ الصِّفَاتِ، وَقَبَائِحِ الْأَفْعَالِ. [التوربشتي/ الميسر في شرح مصابيح السنة (2/ 655)]
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رحمه الله: الطَّيِّبُ فِي صِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَعْنَى الْمُنَزَّهُ عَنِ النَّقَائِصِ وَهُوَ بِمَعْنَى الْقُدُّوسِ، وَأَصْلُ (الطَّيِّبُ) الزَّكَاةُ وَالطَّهَارَةُ وَالسَّلَامَةُ مِنَ الْخَبَثِ. [القاضي عياض/إكمال المعلم(3/535)، النووي/ شرحه على مسلم (7/ 100)]
وَقَالَ الطُّوفِيُّ رحمه الله: وَاعْلَمْ أَنَّ الطَّيِّبَ يُطْلَقُ بِمَعَانٍ:
أَحَدُهَا: المُستَلَذُّ طَبْعًا، نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: 3].
وَالثَّانِي: بِمَعْنَى الْحَلَالِ، وَيُقَابِلُهُ الْخَبِيثُ نَحْوَ قَوْلِهِ: ﴿قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ﴾ [المائدة: 100].
وَالثَّالِثُ: الطَّيِّبُ بِمَعْنَى الطَّاهِرِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ عز وجل: ﴿فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ [النساء: 43]، وَقَوْلُهُ: ﴿وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ﴾ [النور: 26]، أَيْ: الطَّاهِرُونَ مِنَ الْعُيُوبِ لِلطَّاهِرَاتِ، واللهُ عز وجل طَيِّبٌ بِهَذَا الْمَعْنَى، أَيْ: هُوَ طَاهِرٌ مُنَزَّهٌ عَنْ جَمِيعِ النَّقَائِصِ. [الطوفي/ التعيين في شرح الأربعين (1/ 114-115)]
وَقِيلَ: طَيِّبُ الثَّنَاءِ، وَعَلَى هَذَا فَهُوَ مِنْ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى الْمَأْخُوذَةِ مِنَ السُّنَّةِ، كَالْجَمِيلِ. [ابن الملقن/ المعين على تفهم الأربعين (ص: 185)]
الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: (لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا) يَعْنِي بِهِ: الْحَلَالَ.
قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ رحمه الله: "وَالْمَعْنَى: لَا يَقْبَلُ اللهُ إِلَّا الشَّيْءَ الطَّيِّبَ، وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُتَقَرَّبَ بِغَيْرِ ذَلِكَ إِلَيْهِ؛ إِذْ لَيْسَ مِنْ صِفَتِهِ قَبُولُ الشَّيْءِ الْخَبِيثِ وَالرِّضَا بِالْمُنْكَرِ". [التوربشتي/ الميسر في شرح مصابيح السنة (2/ 655)]
وَقَالَ ابْن رَجَبٍ رحمه الله: "وَالْمُرَادُ: أَنَّهُ تَعَالَى لَا يَقْبَلُ مِنَ الصَّدَقَاتِ إِلَّا مَا كَانَ طَيِّبًا حَلَالًا.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ مِنَ الْأَعْمَالِ إِلَّا مَا كَانَ طَيِّبًا طَاهِرًا مِنَ الْمُفْسِدَاتِ كُلِّهَا، كَالرِّيَاءِ وَالْعُجْبِ، وَلَا مِنَ الْأَمْوَالِ إِلَّا مَا كَانَ طَيِّبًا حَلَالًا؛ فَإِنَّ الطَّيِّبَ يُوصَفُ بِهِ الْأَعْمَالُ وَالْأَقْوَالُ وَالِاعْتِقَادَاتُ، فَكُلُّ هَذِهِ تَنْقَسِمُ إِلَى طِيِّبٍ وَخَبِيثٍ...
وَالْمُؤْمِنُ كُلُّهُ طَيِّبٌ.. قَلْبُهُ وَلِسَانُهُ وَجَسَدُهُ بِمَا سَكَنَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْإِيمَانِ، وَظَهَرَ عَلَى لِسَانِهِ مِنَ الذِّكْرِ، وَعَلَى جَوَارِحِهِ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي هِيَ ثَمَرَةُ الْإِيمَانِ، وَدَاخِلَةٌ فِي اسْمِهِ؛ فَهَذِهِ الطَّيِّبَاتُ كُلُّهَا يَقْبَلُهَا اللَّهُ عز وجل.
وَمِنْ أَعْظَمِ مَا يَحْصُلُ بِهِ طِيبَةُ الْأَعْمَالِ لِلْمُؤْمِنِ: طِيبُ مَطْعَمِهِ، وَأَنْ يَكُونَ مِنْ حَلَالٍ، فَبِذَلِكَ يَزْكُو عَمَلُهُ". [ابن رجب/ جامع العلوم والحكم (1/ 259-260)]
وَقَالَ الطُّوفِيُّ رحمه الله: وَاعْلَمْ أَنَّ الطَّيِّبَ يُطْلَقُ بِمَعَانٍ:
أَحَدُهَا: المُستَلَذُّ طَبْعًا، نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: 3].
وَالثَّانِي: بِمَعْنَى الْحَلَالِ، وَيُقَابِلُهُ الْخَبِيثُ نَحْوَ قَوْلِهِ: ﴿قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ﴾ [المائدة: 100].
وَالثَّالِثُ: الطَّيِّبُ بِمَعْنَى الطَّاهِرِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ عز وجل: ﴿فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ [النساء: 43]، وَقَوْلُهُ: ﴿وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ﴾ [النور: 26]، أَيْ: الطَّاهِرُونَ مِنَ الْعُيُوبِ لِلطَّاهِرَاتِ، واللهُ عز وجل طَيِّبٌ بِهَذَا الْمَعْنَى، أَيْ: هُوَ طَاهِرٌ مُنَزَّهٌ عَنْ جَمِيعِ النَّقَائِصِ. [الطوفي/ التعيين في شرح الأربعين (1/ 114-115)]
وَقِيلَ: طَيِّبُ الثَّنَاءِ، وَعَلَى هَذَا فَهُوَ مِنْ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى الْمَأْخُوذَةِ مِنَ السُّنَّةِ، كَالْجَمِيلِ. [ابن الملقن/ المعين على تفهم الأربعين (ص: 185)]
الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: (لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا) يَعْنِي بِهِ: الْحَلَالَ.
قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ رحمه الله: "وَالْمَعْنَى: لَا يَقْبَلُ اللهُ إِلَّا الشَّيْءَ الطَّيِّبَ، وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُتَقَرَّبَ بِغَيْرِ ذَلِكَ إِلَيْهِ؛ إِذْ لَيْسَ مِنْ صِفَتِهِ قَبُولُ الشَّيْءِ الْخَبِيثِ وَالرِّضَا بِالْمُنْكَرِ". [التوربشتي/ الميسر في شرح مصابيح السنة (2/ 655)]
وَقَالَ ابْن رَجَبٍ رحمه الله: "وَالْمُرَادُ: أَنَّهُ تَعَالَى لَا يَقْبَلُ مِنَ الصَّدَقَاتِ إِلَّا مَا كَانَ طَيِّبًا حَلَالًا.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ مِنَ الْأَعْمَالِ إِلَّا مَا كَانَ طَيِّبًا طَاهِرًا مِنَ الْمُفْسِدَاتِ كُلِّهَا، كَالرِّيَاءِ وَالْعُجْبِ، وَلَا مِنَ الْأَمْوَالِ إِلَّا مَا كَانَ طَيِّبًا حَلَالًا؛ فَإِنَّ الطَّيِّبَ يُوصَفُ بِهِ الْأَعْمَالُ وَالْأَقْوَالُ وَالِاعْتِقَادَاتُ، فَكُلُّ هَذِهِ تَنْقَسِمُ إِلَى طِيِّبٍ وَخَبِيثٍ...
وَالْمُؤْمِنُ كُلُّهُ طَيِّبٌ.. قَلْبُهُ وَلِسَانُهُ وَجَسَدُهُ بِمَا سَكَنَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْإِيمَانِ، وَظَهَرَ عَلَى لِسَانِهِ مِنَ الذِّكْرِ، وَعَلَى جَوَارِحِهِ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي هِيَ ثَمَرَةُ الْإِيمَانِ، وَدَاخِلَةٌ فِي اسْمِهِ؛ فَهَذِهِ الطَّيِّبَاتُ كُلُّهَا يَقْبَلُهَا اللَّهُ عز وجل.
وَمِنْ أَعْظَمِ مَا يَحْصُلُ بِهِ طِيبَةُ الْأَعْمَالِ لِلْمُؤْمِنِ: طِيبُ مَطْعَمِهِ، وَأَنْ يَكُونَ مِنْ حَلَالٍ، فَبِذَلِكَ يَزْكُو عَمَلُهُ". [ابن رجب/ جامع العلوم والحكم (1/ 259-260)]
الْخَامِسَةُ: قِيلَ: وَإِنَّمَا لَمْ تُقْبَلِ الصَّدَقَةُ مِنَ الْمَالِ الْحَرَامِ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهِ؛ وَلِأَنَّ أَكْلَهُ يُفْسِدُ الْقَلْبَ، فَيُحْرَمُ الرِّقَّةَ وَالْإِخْلَاصَ. [ابن الملقن/ المعين على تفهم الأربعين (ص: 186)]
السَّادِسَةُ: قَوْلُهُ: (وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرُّسُلَ وَأُمَمَهُمْ سَوَاءٌ فِي عِبَادَةِ اللهِ عز وجل، وَالدُّخُول تَحْتَ خِطَابِهِ إِلَّا مَا قَامَ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ مِنِ اخْتِصَاصِهِمْ عَلَى الْأُمَمِ بِبَعْضِ الْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ عَبِيدُ اللهِ، وَمَأْمُورُونَ بِعِبَادَةِ اللهِ عز وجل. [الطوفي/ التعيين في شرح الأربعين (1/ 115)]
قَالَ الْمُظْهِرِيُّ رحمه الله: "يَعْنِي: لَا فَرْقَ بَيْنَ الرُّسُلِ وَبَيْنَ الْأُمَمِ فِي طَلَبِ الْحَلَالِ، وَاجْتِنَابِ الْحَرَامِ؛ بَلْ يَجِبُ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ طَلَبُ الْحَلَالِ وَاجْتِنَابُ الْحَرَامِ". [المظهري/ المفاتيح في شرح المصابيح (3/ 385)]
السَّابِعَةُ: قَوْلُهُ فِي الْآيَةِ: ﴿مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ معنى: ﴿رَزَقْنَاكُمْ﴾ هُنَا: مَلَّكْنَاكُمْ، وَقَدْ تَكُونُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِمَعْنَى: نَفَعْنَاكُمْ. [ابن الملقن/ المعين على تفهم الأربعين (ص: 186)]
وَقَالَ الْقَارِي رحمه الله: "قَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا﴾ [المؤمنون: 51] هَذَا النِّدَاءُ خِطَابٌ لِجَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ لَا عَلَى أَنَّهُمْ خُوطِبُوا بِذَلِكَ دُفْعَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُمْ أُرْسِلُوا فِي أَزْمِنَةٍ مُخْتَلِفَةٍ، بَلْ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ خُوطِبَ بِهِ فِي زَمَانِهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا النِّدَاءُ يَوْمَ الْمِيثَاقِ لِخُصُوصِ الْأَنْبِيَاءِ، أَوْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَعَالَى لَيْسَ عِنْدَهُ صَبَاحٌ وَلَا مَسَاءٌ.
وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ إِبَاحَةَ الطَّيِّبَاتِ شَرْعٌ قَدِيمٌ، وَاعْتِرَاضٌ عَلَى الرَّهْبَانِيَّةِ فِي رَفْضِهِمُ اللَّذَّاتِ، وَإِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ أَكْلَ الطَّيِّبَاتِ مُوَرِّثٌ لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَهُوَ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى.
وَقَولُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا﴾ [البقرة: 172]: الْأَمْرُ لِلْإِبَاحَةِ أَوْ لِلْوُجُوبِ، كَمَا لَوْ أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ، أَوْ لِلنَّدْبِ كَمُوَافَقَةِ الضَّيْفِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِ عَلَى الطَّاعَةِ، ﴿مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ [البقرة: 172]: أَيْ: حَلَالَاتِهِ أَوْ مُسْتَلَذَّاتِهِ". [القاري/ مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (5/ 1889)]
الثَّامِنَةُ: قَوْلُهُ: (ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ) أَرَادَ بِـ (الرَّجُلِ) الْحَاجَّ الَّذِي أَثَّرَ بِهِ السَّفَرُ، وَأَخَذَ مِنْهُ الْجَهْدُ وَالْبَلَاءُ، وَأَصَابَهُ الشَّعَثُ، وَعَلَاهُ الْغُبْرَةُ، فَطَفِقَ يَدْعُو اللهَ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ، وَعِنْدَهُ أَنَّهَا مِنْ مَظَانِّ الْإِجَابَةِ؛ فَلَا يُسْتَجَابُ لَهُ، وَلَا يُعْبَأُ بِبُؤْسِهِ وَشَقَائِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَلَبِّسٌ بِالْحَرَامِ، صَارِفٌ النَّفَقَةَ مِنْ غَيْرِ حِلِّهَا. [التوربشتي/ الميسر في شرح مصابيح السنة (2/ 655)]
السَّادِسَةُ: قَوْلُهُ: (وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرُّسُلَ وَأُمَمَهُمْ سَوَاءٌ فِي عِبَادَةِ اللهِ عز وجل، وَالدُّخُول تَحْتَ خِطَابِهِ إِلَّا مَا قَامَ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ مِنِ اخْتِصَاصِهِمْ عَلَى الْأُمَمِ بِبَعْضِ الْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ عَبِيدُ اللهِ، وَمَأْمُورُونَ بِعِبَادَةِ اللهِ عز وجل. [الطوفي/ التعيين في شرح الأربعين (1/ 115)]
قَالَ الْمُظْهِرِيُّ رحمه الله: "يَعْنِي: لَا فَرْقَ بَيْنَ الرُّسُلِ وَبَيْنَ الْأُمَمِ فِي طَلَبِ الْحَلَالِ، وَاجْتِنَابِ الْحَرَامِ؛ بَلْ يَجِبُ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ طَلَبُ الْحَلَالِ وَاجْتِنَابُ الْحَرَامِ". [المظهري/ المفاتيح في شرح المصابيح (3/ 385)]
السَّابِعَةُ: قَوْلُهُ فِي الْآيَةِ: ﴿مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ معنى: ﴿رَزَقْنَاكُمْ﴾ هُنَا: مَلَّكْنَاكُمْ، وَقَدْ تَكُونُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِمَعْنَى: نَفَعْنَاكُمْ. [ابن الملقن/ المعين على تفهم الأربعين (ص: 186)]
وَقَالَ الْقَارِي رحمه الله: "قَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا﴾ [المؤمنون: 51] هَذَا النِّدَاءُ خِطَابٌ لِجَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ لَا عَلَى أَنَّهُمْ خُوطِبُوا بِذَلِكَ دُفْعَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُمْ أُرْسِلُوا فِي أَزْمِنَةٍ مُخْتَلِفَةٍ، بَلْ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ خُوطِبَ بِهِ فِي زَمَانِهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا النِّدَاءُ يَوْمَ الْمِيثَاقِ لِخُصُوصِ الْأَنْبِيَاءِ، أَوْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَعَالَى لَيْسَ عِنْدَهُ صَبَاحٌ وَلَا مَسَاءٌ.
وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ إِبَاحَةَ الطَّيِّبَاتِ شَرْعٌ قَدِيمٌ، وَاعْتِرَاضٌ عَلَى الرَّهْبَانِيَّةِ فِي رَفْضِهِمُ اللَّذَّاتِ، وَإِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ أَكْلَ الطَّيِّبَاتِ مُوَرِّثٌ لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَهُوَ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى.
وَقَولُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا﴾ [البقرة: 172]: الْأَمْرُ لِلْإِبَاحَةِ أَوْ لِلْوُجُوبِ، كَمَا لَوْ أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ، أَوْ لِلنَّدْبِ كَمُوَافَقَةِ الضَّيْفِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِ عَلَى الطَّاعَةِ، ﴿مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ [البقرة: 172]: أَيْ: حَلَالَاتِهِ أَوْ مُسْتَلَذَّاتِهِ". [القاري/ مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (5/ 1889)]
الثَّامِنَةُ: قَوْلُهُ: (ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ) أَرَادَ بِـ (الرَّجُلِ) الْحَاجَّ الَّذِي أَثَّرَ بِهِ السَّفَرُ، وَأَخَذَ مِنْهُ الْجَهْدُ وَالْبَلَاءُ، وَأَصَابَهُ الشَّعَثُ، وَعَلَاهُ الْغُبْرَةُ، فَطَفِقَ يَدْعُو اللهَ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ، وَعِنْدَهُ أَنَّهَا مِنْ مَظَانِّ الْإِجَابَةِ؛ فَلَا يُسْتَجَابُ لَهُ، وَلَا يُعْبَأُ بِبُؤْسِهِ وَشَقَائِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَلَبِّسٌ بِالْحَرَامِ، صَارِفٌ النَّفَقَةَ مِنْ غَيْرِ حِلِّهَا. [التوربشتي/ الميسر في شرح مصابيح السنة (2/ 655)]
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رحمه الله: "الْأَشْعَثُ: الَّذِي قَدْ تَغَيَّرَ شَعَرُ رَأْسِهِ وَتَلَبَّدَ؛ لِبُعْدِ عَهْدِهِ بِالدَّهْنِ وَالِامْتِشَاطِ". [ابن الجوزي/ كشف المشكل من حديث الصحيحين (3/ 572)]
وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ رحمه الله: "وَأَمَّا ذِكْرُ (الْأَشْعَثُ الْأَغْبَرُ) فَالْمُرَادُ بِهِ مَنْ يَحُجُّ أَوْ يَغْزُو أَوْ يُسَافِرُ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ؛ فَإِنَّهُ لَا يَجْبُرُهُ شَعَثُهُ وَغُبَارُهُ مِنْ إِثْمِ مَطْعَمِهِ وَمَشْرَبِهِ". [ابن هبيرة/ الإفصاح عن معاني الصحاح (8/ 129)]
الثَّامِنَةُ: قَوْلُهُ: (يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِنْ أَدَبِ الدُّعَاءِ: رَفْعُ الْيَدَيْنِ إِلَى السَّمَاءِ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبِطَيْهِ، وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ: (إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ، أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا). [صحيح، أخرجه: أبو داود/ سننه (1488) (2/ 78)، وانظر: الطوفي/التعيين في شرح الأربعين (1/ 116)]
التَّاسِعَةُ: قَوْلُهُ: (يَا رَبِّ يَا رَبِّ) فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الدُّعَاءَ بِلَفْظِ الرَّبِّ مُؤَثِّرٌ فِي الْإِجَابَةِ لِإِيذَانِهِ بِالِاعْتِرَافِ بِأَنَّ وَجُودَهُ فَائِضٌ عَنْ تَرْبِيَتِهِ وَإِحْسَانِهِ وَجُودِهِ وَامْتِنَانِهِ. [القاري/مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (5/ 1890)]
الْعَاشِرَةُ: قَوْلُهُ: (ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟) هَذَا الْكَلَامُ أَشَارَ فِيهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى آدَابِ الدُّعَاءِ، وَإِلَى الْأَسْبَابِ الَّتِي تَقْتَضِي إِجَابَتَهُ، وَإِلَى مَا يَمْنَعُ مِنْ إِجَابَتِهِ، فَذَكَرَ مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي تَقْتَضِي إِجَابَةَ الدُّعَاءِ أَرْبَعَةً: أَحَدُهَا: إِطَالَةُ السَّفَرِ، وَالسَّفَرُ بِمُجَرَّدِهِ يَقْتَضِي إِجَابَةَ الدُّعَاءِ، وَمَتَى طَالَ السَّفَرُ، كَانَ أَقْرَبَ إِلَى إِجَابَةِ الدُّعَاءِ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ حُصُولِ انْكِسَارِ النَّفْسِ بِطُولِ الْغُرْبَةِ عَنِ الْأَوْطَانِ، وَتَحَمُّلِ الْمَشَاقِّ، وَالِانْكِسَارِ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ.
وَالثَّانِي: حُصُولُ التَّبَذُّلِ فِي اللِّبَاسِ وَالْهَيْئَةِ بِالشَّعَثِ وَالِاغْبِرَارِ، وَهُوَ -أَيْضًا- مِنَ الْمُقْتَضِيَاتِ لِإِجَابَةِ الدُّعَاءِ.
الثَّالِثُ: مَدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَهُوَ مِنْ آدَابِ الدُّعَاءِ الَّتِي يُرْجَى بِسَبَبِهَا إِجَابَتُهُ.
وَالرَّابِعُ: الْإِلْحَاحُ عَلَى اللَّهِ بِتَكْرِيرِ ذِكْرِ رُبُوبِيَّتِهِ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ مَا يُطْلَبُ بِهِ إِجَابَةُ الدُّعَاءِ. [ابن رجب/ جامع العلوم والحكم (1/ 269،270،273)]
وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ رحمه الله: "وَأَمَّا ذِكْرُ (الْأَشْعَثُ الْأَغْبَرُ) فَالْمُرَادُ بِهِ مَنْ يَحُجُّ أَوْ يَغْزُو أَوْ يُسَافِرُ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ؛ فَإِنَّهُ لَا يَجْبُرُهُ شَعَثُهُ وَغُبَارُهُ مِنْ إِثْمِ مَطْعَمِهِ وَمَشْرَبِهِ". [ابن هبيرة/ الإفصاح عن معاني الصحاح (8/ 129)]
الثَّامِنَةُ: قَوْلُهُ: (يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِنْ أَدَبِ الدُّعَاءِ: رَفْعُ الْيَدَيْنِ إِلَى السَّمَاءِ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبِطَيْهِ، وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ: (إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ، أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا). [صحيح، أخرجه: أبو داود/ سننه (1488) (2/ 78)، وانظر: الطوفي/التعيين في شرح الأربعين (1/ 116)]
التَّاسِعَةُ: قَوْلُهُ: (يَا رَبِّ يَا رَبِّ) فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الدُّعَاءَ بِلَفْظِ الرَّبِّ مُؤَثِّرٌ فِي الْإِجَابَةِ لِإِيذَانِهِ بِالِاعْتِرَافِ بِأَنَّ وَجُودَهُ فَائِضٌ عَنْ تَرْبِيَتِهِ وَإِحْسَانِهِ وَجُودِهِ وَامْتِنَانِهِ. [القاري/مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (5/ 1890)]
الْعَاشِرَةُ: قَوْلُهُ: (ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟) هَذَا الْكَلَامُ أَشَارَ فِيهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى آدَابِ الدُّعَاءِ، وَإِلَى الْأَسْبَابِ الَّتِي تَقْتَضِي إِجَابَتَهُ، وَإِلَى مَا يَمْنَعُ مِنْ إِجَابَتِهِ، فَذَكَرَ مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي تَقْتَضِي إِجَابَةَ الدُّعَاءِ أَرْبَعَةً: أَحَدُهَا: إِطَالَةُ السَّفَرِ، وَالسَّفَرُ بِمُجَرَّدِهِ يَقْتَضِي إِجَابَةَ الدُّعَاءِ، وَمَتَى طَالَ السَّفَرُ، كَانَ أَقْرَبَ إِلَى إِجَابَةِ الدُّعَاءِ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ حُصُولِ انْكِسَارِ النَّفْسِ بِطُولِ الْغُرْبَةِ عَنِ الْأَوْطَانِ، وَتَحَمُّلِ الْمَشَاقِّ، وَالِانْكِسَارِ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ.
وَالثَّانِي: حُصُولُ التَّبَذُّلِ فِي اللِّبَاسِ وَالْهَيْئَةِ بِالشَّعَثِ وَالِاغْبِرَارِ، وَهُوَ -أَيْضًا- مِنَ الْمُقْتَضِيَاتِ لِإِجَابَةِ الدُّعَاءِ.
الثَّالِثُ: مَدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَهُوَ مِنْ آدَابِ الدُّعَاءِ الَّتِي يُرْجَى بِسَبَبِهَا إِجَابَتُهُ.
وَالرَّابِعُ: الْإِلْحَاحُ عَلَى اللَّهِ بِتَكْرِيرِ ذِكْرِ رُبُوبِيَّتِهِ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ مَا يُطْلَبُ بِهِ إِجَابَةُ الدُّعَاءِ. [ابن رجب/ جامع العلوم والحكم (1/ 269،270،273)]
الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ: (فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ) مَعْنَاهُ: كَيْفَ يُسْتَجَابُ لَهُ؟ فَهُوَ اسْتِفْهَامٌ وَقَعَ عَلَى وَجْهِ التَّعَجُّبِ وَالِاسْتِبْعَادِ، وَلَيْسَ صَرِيحًا فِي اسْتِحَالَةِ الِاسْتِجَابَةِ، وَمَنْعِهَا بِالْكُلِّيَّةِ، فَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ التَّوَسُّعَ فِي الْحَرَامِ وَالتَّغَذِّيَ بِهِ مِنْ جُمْلَةِ مَوَانِعِ الْإِجَابَةِ، وَقَدْ يُوجَدُ مَا يَمْنَعُ هَذَا الْمَانِعَ مِنْ مَنْعِهِ، وَقَدْ يَكُونُ ارْتِكَابُ الْمُحَرَّمَاتِ الْفِعْلِيَّةِ مَانِعًا مِنَ الْإِجَابَةِ أَيْضًا، وَكَذَلِكَ تَرْكُ الْوَاجِبَاتِ. [ابن رجب/ جامع العلوم والحكم (1/ 275)]
قَالَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ رحمه الله: "لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللهُ لَهُ تَفَضُّلًا وَلُطْفًا وَكَرَمًا". [ابن الملقن/ المعين على تفهم الأربعين (ص: 188)]
الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: فِيهِ أَنَّ تَنَاوُلَ الْحَلَالِ فِي الْمَطْعَمِ، وَالْمَشْرَبِ، وَالْمَلْبَسِ، وَنُشُوءِ الْجَسَدِ عَلَى الْغِذَاءِ الْحَلَالِ -وَبِالْجُمْلَةِ اجْتِنَابُ الْحَرَامِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ- شَرْطٌ فِي إِجَابَةِ الدُّعَاءِ، وَأَنَّ تَنَاوُلَ الْحَرَامِ مَانِعٌ مِنْهُ؛ لِقَوْلِهِ: (فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ) وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَبْدَأَ إِرَادَةِ الدُّعَاءِ الْقَلْبُ، ثُمَّ تَفِيضُ تِلْكَ الْإِرَادَةُ عَلَى الْلِّسَانِ فَيَنْطِقُ بِهِ، وَالْقَلْبُ يَفْسُدُ بِتَنَاوُلِ الْحَرَامِ، وَهُوَ مُدْرَكٌ بِالنَّظَرِ وَالْوُجْدَانِ، وَإِذَا أَفْسِدَ الْقَلْبُ؛ فَسَدَ الْجَسَدُ وَجَوَارِحُهُ، وَالدُّعَاءُ نَتِيجَةُ الْجَسَدِ الْفَاسِدِ، وَنَتِيجَةُ الْفَاسِدِ فَاسِدَةٌ، فَالدُّعَاءُ فَاسِدٌ، وَالْفَاسِدُ لَيْسَ بِطَيِّبٍ، وَاللَّهُ عز وجل لَا يَقْبَلُ إِلَّا الطَّيِّبَ، فَاللَّهُ عز وجل لَا يَقْبَلُ دُعَاءَ مَنْ أَكَلَ الْحَرَامَ وَغُذِيَ بِهِ. [الطوفي/ التعيين في شرح الأربعين (1/ 116)]
قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله: "فِيهِ الْحَثُّ عَلَى الْإِنْفَاقِ مِنَ الْحَلَالِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْإِنْفَاقِ مِنْ غَيْرِهِ، وَفِيهِ أَنَّ الْمَشْرُوبَ وَالْمَأْكُولَ وَالْمَلْبُوسَ وَنَحْوَ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَلَالًا خَالِصًا لَا شُبْهَةَ فِيهِ، وَأَنَّ مَنْ أَرَادَ الدُّعَاءَ كَانَ أَوْلَى بِالِاعْتِنَاءِ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ". [النووي/ شرحه على مسلم (7/ 100)]
قَالَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ رحمه الله: "لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللهُ لَهُ تَفَضُّلًا وَلُطْفًا وَكَرَمًا". [ابن الملقن/ المعين على تفهم الأربعين (ص: 188)]
الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: فِيهِ أَنَّ تَنَاوُلَ الْحَلَالِ فِي الْمَطْعَمِ، وَالْمَشْرَبِ، وَالْمَلْبَسِ، وَنُشُوءِ الْجَسَدِ عَلَى الْغِذَاءِ الْحَلَالِ -وَبِالْجُمْلَةِ اجْتِنَابُ الْحَرَامِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ- شَرْطٌ فِي إِجَابَةِ الدُّعَاءِ، وَأَنَّ تَنَاوُلَ الْحَرَامِ مَانِعٌ مِنْهُ؛ لِقَوْلِهِ: (فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ) وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَبْدَأَ إِرَادَةِ الدُّعَاءِ الْقَلْبُ، ثُمَّ تَفِيضُ تِلْكَ الْإِرَادَةُ عَلَى الْلِّسَانِ فَيَنْطِقُ بِهِ، وَالْقَلْبُ يَفْسُدُ بِتَنَاوُلِ الْحَرَامِ، وَهُوَ مُدْرَكٌ بِالنَّظَرِ وَالْوُجْدَانِ، وَإِذَا أَفْسِدَ الْقَلْبُ؛ فَسَدَ الْجَسَدُ وَجَوَارِحُهُ، وَالدُّعَاءُ نَتِيجَةُ الْجَسَدِ الْفَاسِدِ، وَنَتِيجَةُ الْفَاسِدِ فَاسِدَةٌ، فَالدُّعَاءُ فَاسِدٌ، وَالْفَاسِدُ لَيْسَ بِطَيِّبٍ، وَاللَّهُ عز وجل لَا يَقْبَلُ إِلَّا الطَّيِّبَ، فَاللَّهُ عز وجل لَا يَقْبَلُ دُعَاءَ مَنْ أَكَلَ الْحَرَامَ وَغُذِيَ بِهِ. [الطوفي/ التعيين في شرح الأربعين (1/ 116)]
قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله: "فِيهِ الْحَثُّ عَلَى الْإِنْفَاقِ مِنَ الْحَلَالِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْإِنْفَاقِ مِنْ غَيْرِهِ، وَفِيهِ أَنَّ الْمَشْرُوبَ وَالْمَأْكُولَ وَالْمَلْبُوسَ وَنَحْوَ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَلَالًا خَالِصًا لَا شُبْهَةَ فِيهِ، وَأَنَّ مَنْ أَرَادَ الدُّعَاءَ كَانَ أَوْلَى بِالِاعْتِنَاءِ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ". [النووي/ شرحه على مسلم (7/ 100)]
وَعَنْ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (أَطِبْ مَطْعَمَكَ؛ تَكُنْ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ). [ضعيف، أخرجه: الطبراني/المعجم الأوسط(6495)(6/ 311)]
وَرَوَى عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَصْفَرُ، قَالَ: قِيلَ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه: تُسْتَجَابُ دَعْوَتُكَ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: (مَا رَفَعْتُ إِلَى فَمِي لُقْمَةً إِلَّا وَأَنَا عَالِمٌ مِنْ أَيْنَ مَجِيئُهَا، وَمِنْ أَيْنَ خَرَجَتْ).
وَعَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ رحمه الله قَالَ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ دَعَوْتَهُ، فَلْيُطِبْ طُعْمَتَهُ".
وَعَنْ سَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رحمه الله قَالَ: "مَنْ أَكَلَ الْحَلَالَ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا أُجِيبَتْ دَعْوَتُهُ".
وَعَنْ يُوسُفَ بْنِ أَسْبَاطٍ رحمه الله قَالَ: "بَلَغَنَا أَنَّ دُعَاءَ الْعَبْدِ يُحْبَسُ عَنِ السَّمَاوَاتِ بِسُوءِ الْمَطْعَمِ". [انظر: ابن رجب/جامع العلوم والحكم(1/ 275)]
وَرَوَى عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَصْفَرُ، قَالَ: قِيلَ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه: تُسْتَجَابُ دَعْوَتُكَ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: (مَا رَفَعْتُ إِلَى فَمِي لُقْمَةً إِلَّا وَأَنَا عَالِمٌ مِنْ أَيْنَ مَجِيئُهَا، وَمِنْ أَيْنَ خَرَجَتْ).
وَعَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ رحمه الله قَالَ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ دَعَوْتَهُ، فَلْيُطِبْ طُعْمَتَهُ".
وَعَنْ سَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رحمه الله قَالَ: "مَنْ أَكَلَ الْحَلَالَ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا أُجِيبَتْ دَعْوَتُهُ".
وَعَنْ يُوسُفَ بْنِ أَسْبَاطٍ رحمه الله قَالَ: "بَلَغَنَا أَنَّ دُعَاءَ الْعَبْدِ يُحْبَسُ عَنِ السَّمَاوَاتِ بِسُوءِ الْمَطْعَمِ". [انظر: ابن رجب/جامع العلوم والحكم(1/ 275)]
غَنَائِمُ الدَّاعِينَ (9-10)
✍️أ.د. سَلْمَانُ بنُ نَصْرٍ الدَّايَه
رَابِعًا: آدَابُ الدُّعَاءِ
6. الدُّعَاءُ عَلَى طَهَارَةٍ:
الطَّهَارَةُ قَبْلَ طَلَبِ الْحَاجَةِ أَدَبٌ جَمٌّ، وَذَوْقٌ رَفِيعٌ، فِيهِ أُسْوَةٌ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَتَعْظِيمٌ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ؛ فَعَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه، قَالَ: دَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ بِهِ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ) وَرَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ، فَقَالَ: (اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ مِنَ النَّاسِ). [أخرجه: البخاري/صحيحه (6383)(8/81)، مسلم/صحيحه (2498) (4/1943)]
الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي اسْتِعْمَالِ الْوُضُوءِ عِنْدَ الدُّعَاءِ، وَعِنْدَ ذِكْرِ اللهِ؛ وَذَلِكَ مِنْ كَمَالِ أَحْوَالِ الدَّاعِي وَالذَّاكِرِ، وَمِمَّا يُرْجَى لَهُ بِهِ الْإِجَابَةُ؛ لِتَعْظِيمِهِ للهِ تَعَالَى وَتَنْزِيهِهِ لَهُ حِينَ لَمْ يَذْكُرْهُ إِلَّا عَلَى طَهَارَةٍ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى تَيَمَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْجِدَارِ عِنْدَ بِئْرِ جَمَلٍ حِينَ سَلَّمَ عَلَيْهِ الرَّجُلُ، وَكَذَلِكَ رَدَّ السَّلَامَ عَلَى حَالِ تَيَمُّمٍ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ سَبِيلٌ إِلَى الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ، وَعَلَى هَذَا مَضَى صلى الله عليه وسلم وَمَضَى سَلَفُ الْأُمَّةِ، كَانُوا لَا يُفَارِقُونَ حَالَ الطَّهَارَةِ مَا قَدِرُوا؛ لِكَثْرَةِ ذِكْرِهِمْ للهِ تَعَالَى، وَكَثْرَةِ تَنَفُّلِهِمْ، وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَنِ اسْتَحَبَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاءِ. [ابن بطال/ شرح صحيح البخاري (10/ 123)]
7. اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ سَيِّدًا، وَإِنَّ سَيِّدَ الْمَجَالِسِ قُبَالَةَ الْقِبْلَةِ). [حسن، أخرجه: الطبراني/ معجمه الأوسط(2354)(3/25)]
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ الأَنْصَارِيَّ رضي الله عنه: (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلَى المُصَلَّى يُصَلِّي، وَأَنَّهُ لَمَّا دَعَا - أَوْ أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ اسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ). [أخرجه: البخاري/صحيحه(1028)(2/31)، مسلم/صحيحه (894)(2/611)]
قَالَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ رحمه الله: "فِيهِ: سُنَّةٌ لِمَنْ بَرَزَ إِلَى الِاسْتِسْقَاءِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِبَعْضِ دُعَائِهِ.
وَفِيهِ: سُنَّةٌ لِمَنْ خَطَبَ النَّاسَ مُعَلِّمَاً لَهُمْ وَوَاعِظَاً أَنْ يَسْتَقْبِلَهُمْ بِوَجْهِهِ أَيْضَاً، ثُمَّ يَعُودُ عِنْدَ دُعَاءِ الِاسْتِسْقَاءِ فَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ؛ لِأَنَّ الدُّعَاءَ مُسْتَقْبِلَهَا أَفْضَلُ". [ابن الملقن/ التوضيح لشرح الجامع الصحيح (8/ 268)]
✍️أ.د. سَلْمَانُ بنُ نَصْرٍ الدَّايَه
رَابِعًا: آدَابُ الدُّعَاءِ
6. الدُّعَاءُ عَلَى طَهَارَةٍ:
الطَّهَارَةُ قَبْلَ طَلَبِ الْحَاجَةِ أَدَبٌ جَمٌّ، وَذَوْقٌ رَفِيعٌ، فِيهِ أُسْوَةٌ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَتَعْظِيمٌ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ؛ فَعَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه، قَالَ: دَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ بِهِ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ) وَرَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ، فَقَالَ: (اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ مِنَ النَّاسِ). [أخرجه: البخاري/صحيحه (6383)(8/81)، مسلم/صحيحه (2498) (4/1943)]
الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي اسْتِعْمَالِ الْوُضُوءِ عِنْدَ الدُّعَاءِ، وَعِنْدَ ذِكْرِ اللهِ؛ وَذَلِكَ مِنْ كَمَالِ أَحْوَالِ الدَّاعِي وَالذَّاكِرِ، وَمِمَّا يُرْجَى لَهُ بِهِ الْإِجَابَةُ؛ لِتَعْظِيمِهِ للهِ تَعَالَى وَتَنْزِيهِهِ لَهُ حِينَ لَمْ يَذْكُرْهُ إِلَّا عَلَى طَهَارَةٍ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى تَيَمَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْجِدَارِ عِنْدَ بِئْرِ جَمَلٍ حِينَ سَلَّمَ عَلَيْهِ الرَّجُلُ، وَكَذَلِكَ رَدَّ السَّلَامَ عَلَى حَالِ تَيَمُّمٍ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ سَبِيلٌ إِلَى الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ، وَعَلَى هَذَا مَضَى صلى الله عليه وسلم وَمَضَى سَلَفُ الْأُمَّةِ، كَانُوا لَا يُفَارِقُونَ حَالَ الطَّهَارَةِ مَا قَدِرُوا؛ لِكَثْرَةِ ذِكْرِهِمْ للهِ تَعَالَى، وَكَثْرَةِ تَنَفُّلِهِمْ، وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَنِ اسْتَحَبَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاءِ. [ابن بطال/ شرح صحيح البخاري (10/ 123)]
7. اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ سَيِّدًا، وَإِنَّ سَيِّدَ الْمَجَالِسِ قُبَالَةَ الْقِبْلَةِ). [حسن، أخرجه: الطبراني/ معجمه الأوسط(2354)(3/25)]
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ الأَنْصَارِيَّ رضي الله عنه: (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلَى المُصَلَّى يُصَلِّي، وَأَنَّهُ لَمَّا دَعَا - أَوْ أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ اسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ). [أخرجه: البخاري/صحيحه(1028)(2/31)، مسلم/صحيحه (894)(2/611)]
قَالَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ رحمه الله: "فِيهِ: سُنَّةٌ لِمَنْ بَرَزَ إِلَى الِاسْتِسْقَاءِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِبَعْضِ دُعَائِهِ.
وَفِيهِ: سُنَّةٌ لِمَنْ خَطَبَ النَّاسَ مُعَلِّمَاً لَهُمْ وَوَاعِظَاً أَنْ يَسْتَقْبِلَهُمْ بِوَجْهِهِ أَيْضَاً، ثُمَّ يَعُودُ عِنْدَ دُعَاءِ الِاسْتِسْقَاءِ فَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ؛ لِأَنَّ الدُّعَاءَ مُسْتَقْبِلَهَا أَفْضَلُ". [ابن الملقن/ التوضيح لشرح الجامع الصحيح (8/ 268)]
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: (اللهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ)، فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ، مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ، فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ [الأنفال: 9]. [أخرجه: البخاري/صحيحه (1763)(3/1383)]
فِيهِ: اسْتِحْبَابُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ عِنْدَ الدُّعَاءِ.
فِيهِ: اسْتِحْبَابُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ عِنْدَ الدُّعَاءِ.