Telegram Web Link
«إنَّ النصر مع الصبر»

يشمل النصرَ في الجهادين: جهادُ العدوِّ الظاهر، وجهادُ العدوِّ الباطن، فمن صبرَ فيهما، نُصِرَ وظفر بعدوِّه، ومن لم يصبر فيهما وجَزِعَ، قُهِرَ وصار أسيراً لعدوّه، أو قتيلاً له.

[جامع العلوم والحِكَم (ص/459) لابن رجب]
محبة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أصول الإيمان وهي مقارنة لمحبة الله عز وجل، وقد قرنها الله بها، وتوعد من قدم عليها شيء من الأمور المحبوبة طبعا من الأقارب والأموال والأوطان وغير ذلك، فقال تعالى: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ} [التوبة: ٢٤] .

ولما قال عمر للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي فقال: " لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك " فقال عمر: والله أنت الآن أحب إلي من نفسي، قال: " الآن يا عمر ".

فيجب تقديم محبة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على النفوس والأولاد والأقارب والأهلين والأموال والمساكين، وغير ذلك مما يحبه الناس غاية المحبة، وإنما تتم المحبة بالطاعة كما قال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ} [آل عمران: ٣١] وسئل بعضهم عن المحبة، فقال: الموافقة في جميع الأحوال. فعلامة تقديم محبة الرسول على محبة كل مخلوق: أنه إذا تعارض طاعة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أوامره وداع آخر يدعو إلى غيرها من هذه الأشياء المحبوبة، فإن قدم المرء طاعة الرسول وامتثال أوامره على ذلك الداعي: كان دليلا على صحة محبته للرسول وتقديمها على كل شيء.

[فتح الباري (49/1) لابن رجب]
حُكيَ عن الشيخ عفيف الدين البقّال -وقد كان صالحاً عالماً ورعاً زاهداً- أنّه قال:

كُنْتُ بِـ"مِصْرَ" زَمَنَ وَاقِعَةِ "بَغْدَادَ" فَبَلَغَنِي أَمْرُهَا.
فأنكرته بقلبي، وقلت: يا رب كَيْفَ هَذَا وفيهم الأطفال ومن لا ذنب لَهُ؟
فرأيت فِي المنام رجلًا، وَفِي يده كتاب. فأخذته فَإِذَا فِيهِ:

دع الاعْتِرَاضَ فَمَا الأمْرُ لَكْ … وَلَا الحُكْمُ فِي حَرَكَاتِ الفَلَكْ

وَلَا تَسْأَلِ اللهَ عَنْ فِعْلِهِ … فَمَنْ خَاضَ لُجَّةَ بَحْرٍ هَلَكْ

[ذيل طبقات الحنابلة (101/4) لابن رجب]
قالَ ابنُ رجَب:

وَقَدْ سَافَرَ الشَّيْخُ - ابن تيمية - مَرَّةً عَلَى البَريْدِ إِلَى الدِّيَارِ المِصْرِيَّةِ يَسْتَنْفِرُ السُّلْطَانَ عِنْدَ مَجِيْءِ التَّتَرِ سَنَةً مِنَ السِّنِيْنِ، وَتَلَا عَلَيْهِمْ آيَاتُ الجِهَادِ، وَقَالَ: إِنْ تَخَلَّيْتُمْ عَنِ "الشَّامِ" وَنُصْرَةِ أَهْلِهِ، وَالذَّبِّ عَنْهُمْ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يُقِيْمُ لَهُمُ مَنْ يَنْصُرُهُمْ غَيْرَكُمْ، وَيَسْتَبْدِلُ بِكُم سِوَاكُمْ، وَتَلَا قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}، وَقَوْلَهُ تَعَالَى: {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا}.
وَبَلَغَ ذلِكَ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّيْنِ بنَ دَقِيْقَ العِيْدِ - وَكَانَ هُوَ القَاضِي حِيْنَئِذٍ - فَاسْتَحْسَنَ ذلِكَ، وَأَعْجَبَهُ هَذَا الاسْتِنْبَاطَ، وَتَعَجَّبَ مِنْ مُوَاجَهَةِ الشَّيْخِ للسُّلْطَانِ بِمِثْلِ هَذَا الكَلَامِ.

[ذيل طبقات الحنابلة (510/4) لابن رجب]
لابدَّ للإنسان من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والوعظ والتذكير، ولو لم يعظ إلا معصوم من الزلل، لم يعظ الناس بعد رسول الله ﷺ أحد، لأنه لا عصمة لأحد بعده.

[لطائف المعارف (ص/19) لابن رجب]
ما أحسنَ قول بعض العارفينَ -وقد سُئلَ عن الصوفيّ- فقال: الصوفيّ

من لبسَ الصُّوفَ علَى الصَّفا
وسَلَكَ طريقَ المُصطفى

وذاق الهوى بعدَ الجفا
وكانت الدُّنيا منهُ خلفَ القَفَا

[مجموع الرسائل (80/1) لابن رجب]
‏ من دعاء النبي ﷺ :
"وَأَسْأَلُكَ الرِّضَا بَعَدَ الْقَضَاءِ"

قال الحافظ ابن رجب :

وإنَّما قال ﷺ: "الرضا بعد القضاء"
لأنّ ذلك هو الرضا حقيقة.

وأما الرضا بالقضاء قبل وقوعه
فهو عزمٌ عَلَى الرضا,
وقد تنفسخ العزائم عند وقوع الحقائق.

ومع هذا فلا ينبغي أن يستعجل العبدُ البلاءَ؛ بل يسأل الله العافية؛ فإنْ نزل البلاء تلقَّاه بالرضا.

[مجموع الرسائل (113/1) لابن رجب]
قد وصف اللَّه تعالى في كتابه أن المُحبِّين له يُجاهدون في سبيله ولا يخافون لومة لائم.

وفى ذلك يقولُ بعضُهم:

أَجِدُ الْمَلَامَةَ فِي هَوَاك لَذِيذَةً ... حُبًّا لِذِكرِك فَلْيَلُمْنِي اللُّوَّمُ

[مجموع الرسائل (78/1) لابن رجب]
فإنَّ معنى (لا إله إلا الله) أنَّه لا يؤلَّه غيرُه حباً، ورجاءً، وخوفاً، وطاعةً، فإذا تحقَّق القلبُ بالتَّوحيد التَّامِّ، لم يبق فيه محبةٌ لغير ما يُحبُّه الله، ولا كراهة لغير ما يكرهه الله، ومن كان كذلك، لم تنبعثْ جوارحُهُ إلاّ بطاعة الله، وإنَّما تنشأ الذُّنوب من محبَّة ما يكرهه الله، أو كراهة ما يُحبه الله، وذلك ينشأ من تقديم هوى النَّفس على محبَّة الله وخشيته، وذلك يقدحُ في كمال التَّوحيد الواجبِ، فيقعُ العبدُ بسببِ ذلك في التَّفريط في بعض الواجبات، أو ارتكابِ بعضِ المحظوراتِ، فأمَّا من تحقَّق قلبُه بتوحيدِ الله، فلا يبقى له همٌّ إلا في الله وفيما يُرضيه به.

[جامع العلوم والحِكَم (ص/785) لابن رجب]
كان ابن عيينة وغيره من العُلَمَاء يَقُولُونَ: من أراد علم السير فعليه بأهل الشام.

فإنهم لكثرة جهادهم أعلم الناس بأحكام الجهاد.

وعن الشافعي قال: من أراد علم الملاحم فعليه بأهل الشام.

‏وقد صنف أبو إسحاق الفزاري كتابًا كبيرًا في السير فيه علم كبير مما يتعلق بالجهاد لا يكاد يوجد في غيره مجموعًا.

[فضائل الشام (ص/98) لابن رجب]
"قال رجل عند الفُضيل: (إنا لله وإنا إليه راجعون)، فقال الفضيل: أتَعرِف تفسيرَه؟ تقول: أنا لله عَبدٌ، وإليه راجِعٌ".

‏[جامع العلوم والحكم(2/383) لابن رجب]
كان الإمام أحمد يدعو: اللهم أعزّنا بعزّ الطاعة ولا تُذلّنا بذلّ المعصية.

[مجموع الرسائل (243/1) لابن رجب]
جسد وروح

ابن آدم مركبٌ من جسد وروح، وكل منهما يحتاج إِلَى ما يتقوت به ويتنعم به، وذلك هو عيشه.

فالجسدُ عيشه: الأكلُ والشرب، والنكاح واللباس والطيب، وغير ذلك من اللذات الحسية.
ففيه بهذا الاعتبار مُشابهة بالحيوانات في هذه الأوصاف.

وأمَّا الروح: فهي لطيفة، وهي روحانية من جنس الملائكة. فقوتُها ولذتها وفرحها وسرورُها في معرفة خالقها وبارئها وفاطرها، وفيما يقرب منه مِن طاعته في ذكره ومحبّته، والأنس به والشوق إِلَى لقائه.
فهذا هو عيشُ النفس وقُوتُها، فَإِذَا فقدت ذلك مرضت وهلكت؛ أعظم مما يهلك الجسد بفقد طعامه وشرابه.

ولهذا يوجد كثير من أهل الغِنى والسعة يُعطي جسده حظِّه من التنعيم ثم يجد ألمًا في قلبه ووحشة، فيظنَّه الجهال أنَّ هذا يزول بزيادة هذه اللذات الحسية، وبعضُهم يظن أنه يزول بإزالة العقل بالسُّكر. وكلُّ هذا يزيد الألم والوحشة.
وإنما سببُه أنَّ الروح فقدت قوتها وغذاءها، فمرضت وتألَّمت.

[مجموع الرسائل (114/1) لابن رجب]
قُتل لبعضهم ولدان في الجهاد، فجاءه النّاس يعزُّونه بهما فبكى، وقال: ما أبكي على قتلهما، ولكن كيف كان رضاهُما عن الله عن أخذتهُما السّيُوف.

[مجموع الرسائل (114/1) لابن رجب]
سُئل بعضهم: من أنعم النّاس عيشاً؟ فَقَالَ: أجسامٌ في التُّراب قد أمنت العذاب، فانتظرت الثواب.

[مجموع الرسائل (122/1) لابن رجب]
(ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان..)

الإيمان له حلاوة وطعم يذاق بالقلوب كما يذاق حلاوة الطعام والشراب بالفم، فإن الإيمان هو غذاء القلوب وقوتها كما أن الطعام والشراب غذاء الأبدان وقوتها، وكما أن الجسد لا يجد حلاوة الطعام والشراب إلا عند صحته فإذا سقم لم يجد حلاوة ما ينفعه من ذلك، بل قد يستحلي ما يضره وما ليس فيه حلاوة لغلبة السقم عليه، فكذلك القلب إنما يجد حلاوة الإيمان من أسقامه وآفاته، فإذا سلم من مرض الأهواء المضلة والشهوات المحرمة وجد حلاوة الإيمان حينئذ، ومتى مرض وسقم لم يجد حلاوة الإيمان، بل يستحلي ما فيه هلاكه من الأهواء والمعاصي.
ومن هنا قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن"، لأنه لو كمل إيمانه لوجد حلاوة الإيمان فاستغنى بها عن استحلاء المعاصي.

[فتح الباري (50/1) لابن رجب]
قال الوزير ابن هبيرة ت506هـ:

(وَاللهِ مَا نَتْرُكُ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رضي الله عنه- مَعَ الرَّافِضَةِ؛ نَحْنُ أَحَقُّ بِهِ مِنْهُمْ؛ لأَنَّهُ مِنَّا وَنَحْنُ مِنْهُ).

[ذيل طبقات الحنابلة (156/2) لابن رجب]
نسبة الفضل لأهله:

قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: وَكَانَ الوَزِيْرُ [ابن هبيرة] إِذَا اسْتَفَادَ شَيْئًا قَالَ: أَفَادَنِيْهِ فُلَانٌ..
وَكَانَ يَقُولُ بَيْنَ الجَمْعِ الكَثِيْرِ: مَا كُنْتُ أَدْري مَعْنَى هَذَا الحَدِيْثَ حَتَّى عَرَّفَنِيْهِ ابْنُ الجَوْزِيِّ، فَكُنْتُ أَسْتَحْيِيْ مِنَ الجَمَاعَةِ.

[ذيل طبقات الحنابلة (125/2) لابن رجب]
مِمَّا جاء في ترجمة الوزير ابن هبيرة :

"وَكَانَ يُكْثِرُ مُجَالَسَةَ العُلَمَاءِ وَالفُقَرَاءِ، وَكَانَتْ أَمْوَالُهُ مَبْذُوْلَةً لَهُمْ، وَلِتَدْبِيرِ الدَّوْلَةِ، فَكَانَتْ السَّنَةُ تَدُوْرُ عَلَيْه وَعَلَيْهِ دُيُوْنٌ، وَقَالَ: مَا وَجَبَتْ عَلَى زكَاةٍ قَطٌّ..

وَفِي ذلِكَ يَقُولُ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ :

يَقُوْلُوْنَ يَحْيَى لَا زكَاةَ لِمَالِهِ … وَكيْفَ يُزَكِّي المَالَ مَنْ هُوَ بَاذِلُهْ

إِذَا دَارَ حَوْلٌ لَا يُرَى فِي بُيُوتِهِ … مِنَ المَالِ إِلَّا ذِكْرُهُ وَفَضَائِلُهْ

[ذيل طبقات الحنابلة (125/2) لابن رجب]
( لا ملجأ منك إلاّ إليك )

هو أرحم بعباده من الوالدة بولدها، وأفرح بتوبة عبده ممن فقد راحلته بأرض مهلكة حتى يئس من الحياة ثم وجدها.

[مجموع الرسائل (149/1) لابن رجب]
2025/07/09 22:34:31
Back to Top
HTML Embed Code: