المسائل الدينية والقطيعة:
قد تعد المسائل الدينية أو بالخصوص المسائل الفرعية من أصول الدين من أكثر الأمور التي يحصل فيها الجدال والمقاطعة والتضليل والتفسيق!

ولكن ينبغي أن يكون الحوار فيها بعيدًا عن تلك اللغة التي تعبر عن ثوران المشاعر العاطفية على حساب المسائل العلمية، فينبغي ذكر عدة نقاط يتفهمها غير مشحون عاطفيًا لطرف دون آخر.

#النقطة_الأولى: من تابع روايات أهل البيت (عليهم السلام) يجد هذا الأسلوب من الحياة بين طالب العلم والعلماء موجودًا، وورد فيه عدة الروايات ذكرتها مرات عديدة منها:

١ـ عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قيل له: تركت مواليك مختلفين، يتبرأ بعضهم من بعض؟ فقال: (ما أنت وذاك، إنَّما كُلّف النَّاس ثلاثة، معرفة الأئمة والتسليم فيما يرد عليهم والردّ إليهم فيما اختلفوا فيه) [الكافي ج ١ ص ٣٩٠].

فهذه الأصول الثلاثة: معرفة الأئمة، والتسليم لهم، وجعلهم هم مدار الحق حين الاختلاف... من خرج عنها يمكن أن يتبرأ منه ويخرج عن التشيع وإلا فهو ضمن الدائرة.

٢ـ عن الإمام الباقر (عليه السلام) : (ما لكم وللبراءة بعضكم من بعض؟ إنما أخذتم أخذ #الخوارج، ضيقوا على أنفسهم حتى برأ بعضهم من بعض، إن أمرنا أوسع مما بين السماء والأرض، وإذا أبغضت الرجل فقد برئت منه) [الأصول الستة عشر ص ٢٢٩].

#النقطة_الثانية: مثال للقطيعة بين أعلام المذهب وأعاظم أصحاب الأئمة (عليهم السلام) وهما: ابن أبي عمير وهشام بن الحكم الذي حصلت بينهم #قطيعة بسبب مسألة فرعية قد نقلها الكليني في الكافي.

فعن السري بن الربيع قال: (لم يكن ابن أبي عمير يعدل بهشام بن الحكم شيئًا وكان لا يغب إتيانه، ثم انقطع عنه وخالفه وكان سبب ذلك أن أبا مالك الحضرمي كان أحد رجال هشام ووقع بينه وبين أبن أبي عمير ملاحاة [مخاصمة] في شيء من الإمامة.

قال ابن أبي عمير: الدنيا كلها للإمام (عليه السلام) على جهة الملك وأنه أولى بها من الذين هي في أيديهم، وقال أبو مالك: ليس كذلك أملاك الناس لهم إلا ما حكم الله به للإمام من الفيئ والخمس والمغنم فذلك له وذلك أيضًا قد بين الله للإمام أين يضعه وكيف يصنع به.

فتراضيا بهشام بن الحكم وصار إليه، فحكم هشام لأبي مالك على ابن أبي عمير #فغضب ابن أبي عمير #وهجر هشامًا بعد ذلك) [الكافي ج ١ ص ٤١٠].

فسواء كان رأي هشام أو ابن أبي عمير صحيحًا فهو لا يستدعي #المقاطعة والتضليل والتفسيق والهجر وإلخ... ولا يظن من مثل هذا أو ذاك أنّ الإمام المعصوم الذي يمثل الحجة لو حكم بينهما أن تكون تلك القطيعة؛ لأن كلا منهما من أهل التسليم له (عليه السلام).

#النقطة_الثالثة: كشخص قارئ لكلا العالمين قد تكون لك ميول للسيد فضل الله أو للسيد جعفر مرتضى العاملي وكما قد تلاحظ بعض الأخطاء عند السيد العاملي أو السيد فضل الله... هنا يمكنك عرض هذا الخلاف والقناعة في حدود المعقول ودون تجاوز أو استفزاز لمحب هذا أو ذاك.

وشخصيًا قرأت ردود السيد جعفر مرتضى العاملي على السيد فضل الله فوجدت فيها التحامل والخروج عن الإنصاف وتصدى للرد عليها جملة من أهل العلم، ولكن هذا لا يعني أنّ السيد العاملي ليس له خدمات علمية يشكر عليها غير مسألة تصديه للسيد فضل الله.

كما أنّ جعل فكر السيد فضل الله عبارة عن (ضلال) ليس صحيحًا ولا يقول به إنسان منصف وواعي؛ لأن السيد العاملي نفسه كان يمتدح فكر السيد فضل الله كثيرًا قبل أن يحصل الخلاف بينهما.

ففي (الصحيح من سيرة النبّي الأعظم ج ١ ص ١٣٣ طبعة جماعة المدرسين)، في الفصل الأول، من الجزء الأول، وقد كان بعنوان (الجهاد في الإسلام)، حيث يتساءل في نهاية الفصل: هل الإسلام قام بالسيف؟

وبعد أن يُجيب عن السؤال بصورة موجزة، يقول السيد العاملي: (وقد صدر مؤخرًا كتاب #للعلامة_الجليل السيد محمّد حسين فضل الله باسم: (الإسلام ومنطق القوة) ولم تتوفّر لي الفرصة للاطّلاع عليه بعد، ولكنّي #على_ثقةٍ بأنّ فيه ما ينفع الغلّة، #ويشفي_الغليل في هذا المجال.. فمَن أراده فليراجعه).

نسأل الله تعالى العافية...