في الاصطياد بدون ترخيص

السؤال:

إنَّ الحاكم عندنا وضع قوانين تمنع صيد الغزال وظبي الصحراء، وعندنا بعض الناس يخالفون هذا الأمر، وبعضهم يصطادونهما من أجل التمتُّع، والبعض الآخر من أجل القوت، والصيد يكون بكميَّةٍ قليلةٍ أو كبيرةٍ أحيانًا، ووقع بعض الشباب من أهل السنَّة في هذا الأمر، وهذا الصيد يترتَّب عليه ضررٌ عظيمٌ ومنه: السجن وحلق اللحى وغرامةٌ ماليةٌ، وبعضهم يصطادون بأسلحةٍ غير مرخَّصةٍ، وهذا قد يسبِّب مشاكل مع الأمن.
لهذا نرجو من فضيلتكم أن توضِّحوا لنا الحكم الشرعي في هذه المسألة وتقديم نصيحةٍ للشباب من أهل السنَّة الذين وقعوا في هذا الأمر، وهل يدخل في الحكم قطعُ الأشجار من الغابات؟
وجزاكم الله كلَّ الخير.

الجواب:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فاصطياد الحيوان الحلال المتوحِّش بطبعه غيرِ المقدور عليه إلاَّ بالاقتناص مباحٌ شرعًا إذا كان الاصطياد لحاجة الأكل والانتفاع، ويدلُّ عليه قوله تعالى: ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾ [المائدة: ٢]، وقولُه تعالى: ﴿وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ﴾ [المائدة: ٤]، وقولُه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ، وَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ فَكُلْ»، وأجمع المسلمون على إباحة الصيد.
أمَّا إذا كان اصطياده هوايةً وتمتُّعًا من غير حاجةٍ تدفعه إلى صيده، فإذا صاد تخلَّى عنه؛ فحكمُه عدم الجواز، لأنه عبثٌ بنِعَمِ الله وإضاعةٌ للمجهود باللهو واللعب فضلاً عن إضاعة الوقت والمال.
فإن كان الصائد -في تتبُّع صيده- يعتدي على أملاك الناس بالدخول في حقولهم ومزارعهم، وينتهك حرمتهم ويُزعجهم ويشوِّش على راحتهم؛ فإنَّ اصطياده بهذا الأسلوب يَحْرُم ولو كان للحاجة إلى الأكل والانتفاع، لِما فيه من مفسدة إذاية المسلمين في مالهم وعرضهم، لقوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ»، وقولِه صلَّى الله عليه وآله وسلم: «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ»، والمعلوم -تقعيدًا- أنَّ «الوَسَائِلَ لَهَا حُكْمُ المَقَاصِدِ» ﻓ«كُلُّ مَا أَدَّى إِلَى حَرَامٍ فَهُوَ حَرَامٌ».
هذا، وإذا تقرَّرت الإباحة الشرعية عند انتفاء موانع الاصطياد؛ فإنَّ وليَّ الأمر (الحاكمَ)، وإن كان لا يملك -شرعًا- المنعَ من المباح أو إيجابَ فعله على وجه التشريع العامِّ، لأنه بذلك التصرُّف ينافي شرْعَ الله تعالى، وذلك غير مأذونٍ فيه لقوله تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ﴾ [الشورى: ٢١]، وقولِه تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ﴾ [يونس: ٥٩]، إلاَّ أنَّ لوليِّ الأمر الحقَّ في تقييد بعض أفراد المباح بالمنع أو الإلزام إذا اقتضت المصلحة العامَّة ذلك، ويتمُّ التقييد في حالاتٍ استثنائيةٍ مخصوصةٍ، وذلك بغرض تحقيق مقصدٍ شرعيٍّ -من وراء تقييد المباح- يرمي إليه الحاكم بهذا التصرُّف، إذ إنَّ من وظائف وليِّ الأمر وسلطاتِه مراعاةَ مصالحِ المسلمين العامَّةِ، ومنْعَ ما يلحق بمجتمعهم من مفاسدَ وأضرارٍ.
غيرَ أنَّ تقييد المباح المخوَّلَ لوليِّ الأمر ينضبط بشرطين هامَّين:
أحدهما: أن يكون الفعل المباح يجرُّ ضررًا أو يؤدِّي إلى حرامٍ، فيمنعه الحاكم سدًّا لذريعة المحرَّم وعملاً بقوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ».
والثاني: أن يكون المباح -في حدِّ ذاته- متعلِّقًا بالأموال العامَّة المباحة التي يشترك فيها المسلمون، فإنَّ هذه الأموال العامَّةَ تتكفَّل بها سلطات الحاكم بهدف تنظيم المرافق والأموال العامَّة والحفاظ عليها على وجهٍ يكفل تحقيقَ المقصد الشرعي بالانتفاع العامِّ وصلاح التوزيع، ومنه يُعلم خروج الأموال الخاصَّة والأراضي المملوكة للأفراد، فإنها تبقى مباحةً لهم لا يشْمَلها تقييد المباح، لأنه خاصٌّ بالأموال العامَّة.
وعليه، فإذا توفَّرت شروط تقييد المباح مراعاةً للمصلحة العامَّة الظاهرة، فلوليِّ الأمر أن يمنع من الاصطياد سواءً كان برِّيًّا أو بحريًّا في أوقاتٍ زمنيةٍ أو في مواقيتَ مكانيةٍ معيَّنةٍ حفاظًا على الثروة الحيوانية من الإتلاف والتضييع وسوء التسيير والتوزيع، وينسحب الحكم على أشجار الغابات العامَّة في الأراضي غير المملوكة للأشخاص إبقاءً على الثروة الشجرية أو الغابية المفيدة، ويأثم بالاصطياد من خالف طاعةَ وليِّ الأمر فيما أمر به رعايةً للمصلحة العامَّة، ويستحقُّ التعزيرَ لمخالفته له.
غيرَ أنَّ إثم مخالفته لا يؤثِّر في إباحة صيده لانتفاء موجِب التحريم، وقد اتَّفق العلماء على أنَّ ما صاده الإنسان من حيوانٍ فإنه يملكه، سواءً أذن الإمام أو لم يأذن، وسواءً كان الحيوان برِّيًّا أو بحريًّا.
أمَّا إذا لم تتوفَّر شروط تقييد المباح بحيث منع وليُّ الأمر من المباح كتشريعٍ عامٍّ، أو قيَّده بقيدٍ مؤبَّدٍ، أو انتفى الضرر عنه، أو انعدمت المصلحة الظاهرة في تقييده، أو خلا المقصد الشرعيُّ من عدلٍ في التنظيم والتوزيع: كالترخيص في الصيد لفئةٍ دون أخرى، فإنه -والحال هذه- يبقى المباح على أصله الشرعي غيرَ مقيَّدٍ لانتفاء موجِبات التقييد ولا إثم على الصائد، وما صاده من حيوانٍ يملكه، والأكل من صيده مباحٌ بإجماع أهل العلم، غيرَ أنَّ من خَشِيَ مِن تصرُّفِه بفعل المباح أن يوقعه في المهالك أو يجرَّه إلى متابعاتٍ قضائيةٍ تحطُّ من عزَّته الدينية فإنَّ المسلم مطالَبٌ بتجنُّب أسبابِ الذلَّة وتحقيق أسباب العزَّة الدينية.

والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ١٩ ربيع الأوَّل ١٤٣٢ﻫ
الموافق ﻟ: ١١ فـبرايـر ٢٠١٢م

الشيخ محمد علي فركوس -حفظه الله-
        [ الفتوى رقم: ١١٢٨ ]
[بعنوان : في الاصطياد بدون ترخيص]
 
🌐 رابط الفتوى من الموقع الرسمي:
https://ferkous.com/home/?q=fatwa-1128

فوائد الشيخ محمد علي فركوس -حفظه اللّه-
📮 https://www.tg-me.com/fawaidferkous
من أحكام المصحف الإلكتروني | الشيخ محمد علي فركوس -حفظه اللّه-
https://youtu.be/hQj4zUfu0fc
📍لا تنس الاشتراك في قناتنا على اليوتيوب
وجــزاك الـلـه خـيـرًا
Media is too big
VIEW IN TELEGRAM
في حكم المسح على الجوربين
|الشيخ محمد علي فركوس -حفظه اللّه-|
https://youtu.be/UsIogXwOm0E
📍لا تنس الاشتراك في قناتنا على اليوتيوب
وجــزاك الـلـه خـيـرًا
Media is too big
VIEW IN TELEGRAM
في حكم بناء مسجدٍ على أرضٍ مُتنازَعٍ عليها
| الشيخ محمد علي فركوس -حفظه اللّه-

https://youtu.be/0UqsKwrrsls

📍لا تنس الاشتراك في قناتنا على اليوتيوب
وجــزاك الـلـه خـيـرًا
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
في حكم عبارة: «يجيب ربِّي»
| الشيخ محمد علي فركوس -حفظه اللّه-
https://youtu.be/iVHfGBzhEqQ
📍لا تنس الاشتراك في قناتنا على اليوتيوب
وجــزاك الـلـه خـيـرًا
▪️إعلان

حساب قناة فوائد الشيخ
محمد علي فركوس -حفظه اللّه- على تويتر

https://twitter.com/fawaidferkous


📍نرجو منكم المـتـابـعـة جزاكم الله خيرا
‏"ولا يخفى أن الهوى مرضٌ عُضالٌ يجعل صاحبه يفقدُ آلة التمييز والضبط، فيضطرب في الفهم والإدراك وينحرف في القصد والإرادة، فيرى الحق باطلاً والنور ظُلمةً والصحيح سقيما والعليل سليما، ويُعميه هواه فيركب من المهالك ما كان به قبل ذلك بصيرا."

          الشيخ محمد علي فركوس -حفظه الله-
📖 الفتح الرباني في الرد على شبهات الجاني (صـ١٠)
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
في حكم قولهم: «عَيْبٌ خَلْقي»
| الشيخ محمد علي فركوس -حفظه اللّه-
https://youtu.be/xLHf4EY9UWI
📍لا تنس الاشتراك في قناتنا على اليوتيوب
وجــزاك الـلـه خـيـرًا
«ولهذا صفات الله تعالى تُثبت على وجه التفصيل، وتُنفى على وجه الإجمال الصفات المنفية التي يتنزه عنها، كنفي المثلية في قوله تعالى: {لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ} الآية.
فأهل السُنَّة لا يتجاوزون النصوص الشرعية الواردة في باب الأسماء والصِفات نفيًا واثباتًا، ويتوقفون في لم يرد به الكتاب والسنة بنفيه ولا إثباته كالعَرَض والجسم والجوهر وغيرها من المصطلحات بناءً على هذا الأصل العظيم ».انتهى

        الشيخ محمد علي فركوس -حفظه الله-
📋 الحُلل الذَّهبية على العقائد الإسلامية ص(٤٦٧)
فينبغي ـ بادِئَ ذي بَدءٍ ـ أَنْ يُعلَمَ: أنَّ مِنْ شرطِ الدَّاعية أَنْ يكونَ على قدرٍ متميِّزٍ وجانبٍ مُعتَبرٍ مِنَ البَصيرةِ والعِلمِ بما يَدعو إليه مِنَ التَّوحيدِ ونبذِ الشِّرك، وبيانِ الحلالِ والحرامِ، والتَّحلِّي بمَكارِم الأخلاقِ، وأَنْ يكونَ على بصيرةٍ وعلمٍ بشرعيَّةِ ما يُوجِّه به المَدعوِّين ويُذكِّرهم ويَنصحهم به؛ ليكونَ ـ هو والمَدْعوُّون ـ على بيِّنةٍ وبصيرةٍ مِنْ أمرهم؛ فلا يأمر إلَّا بحقٍّ ولا ينهى إلَّا عن مُنكَرٍ أو باطلٍ يَعلَمُه بدليله؛ لأنَّ العِلمَ ما قام عليه الدَّليلُ وأيَّدَتْه الحجَّةُ عن الله ورسوله صلَّى الله عليه وسلَّم؛ وأَنْ تكونَ دعوتُه إلى الله لا إلى غيرِه؛ لقوله تعالى: ﴿قُلۡ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيٓ أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ‌ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي‌ۖ وَسُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ١٠٨﴾ [يوسف]

الشيخ محمد علي فركوس -حفظه الله-
مقتطف من الفتوى رقم: ١٢٨٤ بعنوان :
📖 في الموقفِ الشَّرعيِّ، ومسؤولية الدَّاعيةِ 📖

فوائد الشيخ محمد علي فركوس -حفظه اللّه-
📮 https://www.tg-me.com/fawaidferkous
Media is too big
VIEW IN TELEGRAM
حكم عبارة: الشريعة صالحة لكل زمان ومكان
| الشيخ محمد علي فركوس -حفظه اللّه-

https://youtu.be/N-897sVPtGk

📍لا تنس الاشتراك في قناتنا على اليوتيوب
                   وجــزاك الـلـه خـيـرًا
🌐 رابط المقطع على اليوتيوب :
https://youtu.be/XzVTj0vXel0
قناة فوائد الشيخ محمد علي فركوس -حفظه الله-
📜 فـائدة لـغـويـة:

تُجْمع كلمةُ «نيَّةٍ» على «نيَّات»، ولكِنْ أجاز مجمعُ اللُّغة المصريُّ جَمْعَها على «‌نوايا» حَمْلًا لها على «طَوَايَا» في جمع «طويَّة» التي ترتبط بكلمةِ «نيَّة» في الدلالة، وحملًا ـ أيضًا ـ على نظائرَ أخرى كثيرةٍ جُمِعَتْ فيها «فِعْلة» على «فعائل»، وقد أجاز عددٌ مِنَ المعاجم الحديثةِ هذا الجمعَ كالأساسيِّ والمُنجِد».

الشيخ محمد علي فركوس -حفظه الله-

📋 فـتـوى : في الاعتراض على عدمِ
ورودِ لفظةِ «نوايا» في معاجم اللغة القديمة
أبو رافعٍ القبطيُّ مولى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
هو أبو رافعٍ القبطيُّ مولى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، اختُلف في اسمه فقيل: إبراهيم، وقيل: أسلم، كان عبدًا للعبَّاس رضي الله عنه فوهبه للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لَمَّا بشَّره بإسلام العبَّاس، شهد غزوةَ أحدٍ وما بعدها، وكان ذا علمٍ وفضلٍ، تُوفِّي ـ على الأرجح ـ في خلافة عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه(١).

الشيخ محمد علي فركوس -حفظه الله-
[تحقيق «المفتاح» (٦٨٤)]
 ___ _ ___
(١) انظر ترجمته وأحاديثه في: «الطبقات الكبرى» لابن سعد (٤/ ٧٣)، «المسند» لأحمد (٦/ ٨، ٣٩٠، ٣٩٣)، «المعارف» لابن قتيبة (١٤٥، ١٤٦)، «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (٢/ ١٤٩)، «المستدرك» للحاكم (٣/ ٥٩٧)، «الاستيعاب» لابن عبد البرِّ (٤/ ١٦٥٦)، «أسد الغابة» لابن الأثير (٥/ ١٩١)، «سير أعلام النبلاء» (٢/ ١٦) و«الكاشف» (٣/ ٣٣٤) كلاهما للذهبي، «الإصابة» (٤/ ٦٧) و«تهذيب التهذيب» (١٢/ ٩٢) و«تقريب التهذيب» (٢/ ٤٢١) كلُّها لابن حجر، «الرياض المستطابة» للعامري (٢٧٥).
جديد فتاوى شيخنا العلامة الأصولي
أبي عبد المعز محمد علي فركوس -حفظه الله-



الفتوى رقم: ١٣٥٠

🚫 👈 في الاختلاف في اعتبار الخالِ وليًّا شرعيًّا في الزَّواج

السؤال:

بالاختصار المفيدِ، هل الخالُ يُعتبَر وليًّا شرعيًّا في النِّكاحِ؟ وجزاكم اللهُ خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فمذهبُ جماهيرِ أهل العلمِ مِنَ السَّلفِ والخلفِ، وهو مذهبُ مالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ وأهلِ الظاهر: اشتراطُ الوليِّ لصِحَّةِ النِّكاح، وأنَّ إذنَه مُعتبَرٌ، خلافًا لأبي حنيفةَ(١)، ومِنْ أَصْرَحِ الأدلَّة على شرطيَّتِه: قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ»(٢)، وقولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ـ ثَلَاثًا ـ وَلَهَا مَهْرُهَا بِمَا أَصَابَ مِنْهَا، فَإِنِ اشْتَجَرُوا فَإِنَّ السُّلْطَانَ وَليُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ»(٣).

إلَّا أنَّ العلماءَ الذين يشترطون الوليَّ لصِحَّةِ النِّكاحِ يختلفونَ فيما بينهم في تحديد الوليِّ الذي تتخلَّف صِحَّةُ النِّكاحِ بِتَخلُّفِ موافقتِه وإذنِه، فعند الجمهورِ الولايةُ في النِّكاح خاصَّةٌ بالعَصَباتِ، وهم القَرابةُ مِنْ جهةِ الأب، وتَرتيبُهم في أحقِّيَّة الولاية في النِّكاح كترتيبهم في جهة العَصَبات في الإرث(٤).

والذي عليه أبو حنيفةَ في روايةٍ وطائفةٌ مِنَ المحقِّقين: أنَّ الوليَّ في النِّكاح غيرُ محصورٍ بالعَصَبات، بل يجوز لِغيرِهم مِنْ أصحاب السِّهام وذوي الأرحام كابنِ البنت، والعمِّ للأمِّ، والخال، أَنْ يتولَّوْا تزويجَ مُولِّيَتِهم، ولو مع وجودِ مَنْ هو أَقرَبُ إلى البنت منهم نسبًا(٥).

علمًا أنَّه ليسَ مع الجمهور دليلٌ مُعتبَرٌ قويٌّ سوى ما يُروَى عنه صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال: «النِّكَاحُ إِلَى الْعَصَبَات»، وقد قال عنه ابنُ حجرٍ ـ رحمه الله ـ: «لم أَجِدْه»(٦)، ولو صحَّ فهو محمولٌ على الأولويَّة لا على الشرطيَّة.

وثَمَّةَ للجمهورِ مُستنَدٌ عقليٌّ متمثِّلٌ في أنه ما دام أنَّ الرَّأيَ وتدبيرَ القبيلةِ وصيانتَها عمَّا يُوجِبُ العارَ والشَّيْنَ هو إلى أهل العَصَبات، فهُم الذين يحرّزون(٧) في أمر النكاح وهم مُستعِدُّون له، فكانوا هم الأحقَّ بالولاية.

وهذا النظرُ مُقابَلٌ بنظرٍ آخَرَ لا يَقِلُّ عنه أهمِّيَّةً وهو أنَّ العارَ والغضاضةَ(٨) في عدم تزويج البنت أو في تزويجها مِنْ غيرِ كُفءٍ أو في اقترافها لفاحشةٍ كما تلحق الغضاضةُ العَصَباتِ فكذلك تلحق قرابتَها مِنْ جهة الأمِّ، فليسوا أخصَّ بتزويجها منهم ما داموا مُشترِكين في لحوق الغضاضة، وإِنْ كانوا يتفاوتون في درجتها.

كما أنَّ مُطلَقَ القرابةِ الحاملةِ على الشفقة في حقِّ القريب داعيةٌ إليها، وقد يكون هذا المعنى في ذوي الأرحام أَظهَرَ منه في أهل العَصَبات.

قال صدِّيق حسن خان ـ رحمه الله ـ: «أقول: الذي ينبغي التعويلُ عليه ـ عندي ـ هو أَنْ يقال: إنَّ الأولياءَ هم قرابةُ المرأة الأدنى فالأدنى الذين يلحقهم الغضاضةُ إذا تزوَّجَتْ بغيرِ كفءٍ وكان المزوِّجُ لها غيرَهم، وهذا المعنى لا يختصُّ بالعَصَبات، بل قد يوجد في ذوي السِّهام كالأخ لأمٍّ وذوي الأرحام كابن البنت، وربَّما كانت الغضاضةُ معهما أشدَّ منها مع بني الأعمام ونحوِهم، فلا وجهَ لتخصيص ولاية النكاح بالعَصَبات كما أنه لا وجهَ لتخصيصها بمَنْ يَرِثُ، ومَنْ زعَمَ ذلك فعليه الدليلُ أو النقلُ بأنَّ معنى الوليِّ في النكاح شرعًا أو لغةً هو هذا»(٩).

ويتأيَّد مذهبُ الموسِّعين في وليِّ النكاح بعمومِ قوله تعالى: ﴿وَأَنكِحُواْ ‌ٱلۡأَيَٰمَىٰ مِنكُمۡ وَٱلصَّٰلِحِينَ مِنۡ عِبَادِكُمۡ وَإِمَآئِكُمۡ﴾ [النور: ٣٢]، فليس في الآية فصلٌ بين العَصَبات وغيرِهم.

كما أنَّ تحقيقَ معنَى «الوليِّ» في النصوص الشرعيَّةِ شاملٌ ـ بمعناه اللغويِّ ـ قرابةَ الأمَّهات(١٠).

وبناءً عليه فالخالُ يصحُّ تولِيَتُه في النكاح، والعقدُ صحيحٌ إذا عقَدَه ولو كان للمرأةِ وليٌّ مقدورًا عليه هو أَوْلى بها منه، وكذلك يصحُّ تولِيَةُ الخالِ في النِّكاح إذا أَذِن له الوليُّ الأقرَبُ أو أجاز إنكاحَه.

هذا؛ وجديرٌ بالتَّنبيه أنَّه ليس للمرأة أَنْ تتخيَّر مِنْ أوليائها مَنْ يُسوِّغ لها التَّزوُّجَ ممَّنْ ليس بكفءٍ لها، إذا عزَفَ عن تزويجها أَقرَبُ العَصَباتِ لأسبابٍ شرعيَّةٍ مُعتبَرةٍ، ما لم يكن العضلُ صدَرَ عن ظلمٍ وهضمٍ لحقِّها(١١).

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٣٠ ذي الحِجَّة ١٤٤٤ﻫ
المُـوافق ﻟ: ١٨ يـوليو ٢٠٢٣م

🌐 الفـتـوى مـن الـمـوقـع الـرسـمـي :
https://ferkous.com/home/?q=fatwa-1350
2024/05/15 15:54:30
Back to Top
HTML Embed Code: