Telegram Web Link
هذا هو نوع الموت الذي يُخيفني، أن يقترب ظل الموت ببطء، وببطء يلتهم بقية الحياة، وقبل أن تعرف، يظلم كل شيء، فلا ترى، ويعتقد الناس حواليك أنك ميت أكثر منك حياً، أكره هذا ولا أستطيع احتماله أبداً .
‏أرممُ الزوايا
‏أردمُ الحُفر
‏أنثر البذور في كل مكان
‏أتتبع اللافتات
‏أعبر أزقة الخوف
‏أتجاهل صفوف الإغراءت كلها
أتأبطُ إخلاصي
‏و أكمل الطريق إليك .
تقتضي منكَ الحياةُ أن تشعُرَ بكُلّ شيءٍ بقوةٍ قد تكونُ كافيةً لقطعٍ أنفاسك، ستتألّم جدًا، وستُجرح، وستتلاعبُ بكَ الحيرة، ستفقدُ إحساسكَ بالأمانِ، وستقعُ في براثن الخوف مرارًا، ستنتشلُكَ لحظةُ يقين، وربما بصيصُ أملٍ يؤرجحُكَ نحوَ القمةِ قليلًا، وقد يسقُطُ بكَ بعدها، فتُصيبُكَ الخيبة ستكونُ بخيرٍ على أيّ حال، لن تقتُلكَ الكلمةُ الجارحة، لكنّها ستورِثكَ التحيُّر بين المسامحةِ والانتقام، وبينَ التعافي والضغينة، لن يقتُلكَ رحيلُ الأحبّة لكنّهُ سيورثكُ ألف سؤالٍ لا إجابةَ له، ولن تقتُلكَ كل هذه الجروح التي لا يعلمُ عنها أحد شيئًا، لكنّها ستورثكُ الألم، الألمُ الذي يوقظكُ من النومِ ليلًا للاطمئنانِ على قلبكَ المُستغيث، لا شيءَ من هذا سيقتُلكَ ما دُمتَ تعرفُ طريقًا للتعافي، والنهوض من جديد، لكنّكَ ستتألّمُ في رحلتك بالتأكيد، ولا مفرّ من ذلك، ستمرُّ بكَ أيامٌ سِتتساءل كثيرًا إن كان هناكَ من جدوي لكُلِّ هذه الصراعات، وكل هذه الحيرة، وتوديعِ الأصدقاءِ لأجلِ معارك وهمية، ستتساءل عن جدوى العتاب، وجدوى الضغينة، هل في الحياةِ حقًا مُتّسَعُ لكُل هذا الحُزن! أم أنّك تسحبُ من رصيد الأيام الهادئة العادية لتلق بهِ في جحيمِ الحُزنِ والتعب، خلال حياتِك ستوضعُ مرارًا أمامَ نفس الدرس، سيمرُّ عليكَ كالعاصفة، يزلزلُ أركانك ويبعثرُ نفسك إلى أن تتعلمه، حينها فقط سيمرَّ من أمامك في هدوء في المرة التالية، بلا عواصف، ولا خسائر حتى لا تكادُ تشعُر به، أمّا هذاَ الدرس الذي تأبى أن تتعلّمه، فسيظلِّ يُطاردُك دومًا، كعاصفةٍ أبديّةٍ لا تهدأ .
وأنتِ تسألين عن حالي، وعن خاطري، وعن الأمور التي تشغلني، أما حالي فهو مثل حالك، مثل حالك تماماً، أما خاطري فلم يزل في الضباب حيث اجتمعنا - أنتِ وأنا - منذ زمنٍ بعيد، أما الأمور التي تشغلني في هذهِ الأيام فهي من الأمور المُضطربة والمُشوشة، تلك الأمور التي لا بُدّ لمن كان مثلي من اجتيازها، رغب فيها، أو لم يرغب .
الحياة أغنية جميلة، فبعضنا يجيء نبرةً في تلك الأغنية، وبعضنا يجيء قراراً، ويبدو لي أنني لستُ بالنبرة، ولستُ بالقرار، يبدو لي أنني لم أزل في الضباب، في ذلك الضباب الذي لا زلتُ عالقاً به .
لا أزعم أنني قادر على الإحتفاظ بهذهِ الهيئة الهادئة المُنعزلة طوال الوقت، فأحياناً يتهاوى الجدار الذي بنيته من حولي، لا يحدث هذا كثيراً، لكن أحياناً، وقبل أن أنتبه للأمر حتى، أجد نفسي عارياً وعاجزاً ومرتبكاً جداً، وفي مثل هذهِ الأوقات أشعر بنذير شؤم يُناديني، كبركة ماء مظلمة تحاصرني .
بعد هذا الموسم الخصب من الألم، حاولتُ بألف طريقةٍ لأتخلَّص منك، ذاكرةً، ووجعاً، وحلماً، أنا الذي لا تقتلني أحزاني بقدر ما تقتلني أحلامي، آمنتُ أنه يجبُ أن أتخلَّص من الأحلام الزجاجية التي انكسرت وإلا آذتني شظاياها .
كان الأمل كذبة ممزوجة بفضائل المسكّنات، لكي نتجاوزه كان علينا أن نستعد كل يوم لما هو أسوأ، و مَن لم يُدرك ذلك كان يغرق في يأسٍ عنيف، ويموت من جرّائه .
لكن أين كُنا؟ كُنا بَلغنا المكان من دون أبصارنا، أكان الليل؟ الأرجح أنه كان كذلك، فالليل سيكون بصحبتنا، ومرتعنا وعالمنا ومقبرتنا، كانت تلك أول معلومة بلغتني، فبقائي حياً، وتعذيبي واحتضاري، أمورّ مدوَّنة على غشاء الليل، أدركتُ ذلك على الفور، كأني طالما أدركتُ ذلك، الليل، آه! ملحفتي المنسوجة من غبار مجمّد، فسحتي المشغولة من أشجارٍ سودٍ لا ترجّحها ربحُ الصقيع إلاَّ لتؤلم ساقيّ، وأصابعي المسحوقة بأخمص رشَّاش، ما كان الليل يهبطُ، كما يُقال، بل كان هناك، مكتنفاً، طوال الوقت، وُليّ عذاباتنا يعرِّضها لحساسيّتنا إذا ما أفلحنا في أن نُبطل إحساسنا، كما كان يفعل بعض من عُذِّبوا إذ يغادرون أجسادهم بمقدارٍ فائقٍ من التركيز ما يتيح لهم ألاً يشعروا بالألم، كانوا يتركون أجسادهم لجلاّديهم ويمضون في نسيان كلُّ شيءٍ، منصرفين إلى صلاةٍ أو تأمَّل، كان الليل كسوتَنا، وربَّما قِيل في عالم آخر إنه كان يُحيطنا برعايته، لا أثرَ لنور، لا أثر لبصيص ضياء، لكنَّ أعيننا، وإنّ فَقَّدَتِ البَصَر، اعتادته، كنَّا نبصر في الظلمات، أو نظن أننا نُبصر، كانت صورنا ظلالاً مُتنقَّلة في العتمة، بعضُها يعثر بالبعض، أو يعثر بكرّاز الماء، أو يطيحُ بكسرةٍ الخبز اليابس التي يحتفظ بها البعضُ اتقاءَ لتشنّجات المعدة، كان الليلُ قد كفّ عن أن يكون هو الليل، فما عاد له نهار ولا نجوم ولا قمر ولا سماء، كنَّا، نحن، الليل، وإلى الأبدِ ليليةً أجسادُنا وأنفاسُنا وخفق قلوبنا وتلمسات أيدينا، متنقّلةً من جدار إلى آخر دونما جهد تبذله، فالليل في قلوبنا وليس في العالم الخارجي .
عندما تهتم بأشياء أكثر عددًا مما يجب، وعندما تهتم بكل شيء، وبكل شخص، فسوف تشعر بأن من حقك أن تكون مرتاحًا، سعيدًا، وبأن كل شيء ينبغي أن يكون مثلما تريده تمامًا، لكن هذه حالة مَرَضية، وسوف تأكُلك حيًا، سوف ترى في كل نزاعٍ معك ظلمًا واقعًا عليك، وسوف ترى في كل تحدٍّ فشلا لك، وفي كل إزعاج إهانة شخصية، وفي كل اختلاف خيانة، سوف تكون محصورًا داخل جدران رثائك لنفسك، ضمن جحيم على قياس رأسك، ليس وقوده شيئًا غير تبجّحك بنفسك وما تظن أنك تستحقه، جحيمٌ يُكرر و يُعيد تلك الحلقة الجحيمية التي تُكرر نفسها في حركة مستمرة لا تصل بك إلى أي مكان .
من وقتٍ لآخر أُذكر نفسي بأنّني لستُ المحور ولا الغَاية والمَقصَد، وأنَّ مَن أظنه يَقصدني لا يفعل، وحتى وإن كنتُ المرجو، فيُفترض أننا اتفقنا على عدم افتراض شيء لم يُصرح به الآخر صراحةً، لأنّ أسوأً ما قد يفعله المرء لنفسه أن يتركها للاحتمالات، ويتركها تعيش على أملٍ قد يكون زائف، أحيانًا يُنكر الإنسان ما يرغب بأن يُصدقه، لأنّ الاختباء خلف الإنكار يحميه مِن تَبعات الأمل .
في نهاية المطاف، عندما يعبُر من خلالنا كل هذا التّعب أو نعبره نحن، أود أن أكون شخصًا راضيًا فحسب .
‏المعارك التي بُترت فيها أطراف سعادتي، صنعت مني روح لا تخسر .. لكنها حزينة .
أريد أن تهدأ، أن يخف هذا الشغف الذي يعتريك، وأريدك أن تعلم بأن الأشياء التي نتمناها دائمًا لا يتوجب عليها الحدوث، وبأن الذكريات التي تُحاول صنعها لن تكون سوى في دماغك، أنا لا أنسى، ولكني لا أُريد أيًا مما تفعله، لا أريد سماع الأغنيات التي تحبها، ولا أريد جعلك من أولوياتي، ولا أريد منك أن نتعلق في شيءٍ لن يزيدك إلا ألماً، أريدك أن تهدأ، وتقرأ كُل هذا بقلبٍ صبور، أنا لا أهتم حقًا إن كان مكاني في صدرك مهمًا أم إن كان في هامشٍ لا تقرأه، أنا لا أهتم إن كان سؤالك عني بدافعٍ إيجابي أو سلبي، أنا لا أريدك أن تستمر في هذا، هذهِ المساحة مساحتي، ولا أجد أي كرسيٍ يتسع لك هنا، لا أريدك أن تحمل حزنًا على عاتقيك بسببي، وأعلم بأن الفرح يتلبّسك حين تُحادثني ولكني لا أرى أيّ جدوى من كُل هذا، إنه يزيد النفس ألماً دون أن نشعر، لا أريد أيًا من هذه المحبة، أتركها لنفسك، أو فرّغها في الأوراق إلى أن يجف الحبر من يدك، أريدك ان تبتعد عني، وعن جميع الأشياء التي تخصني، وأريدك أن تهدأ في ذات الوقت، لا أُريد ان تجرحك الكلمات في ذهابي، ولكني لا أُريد أن أُجرح كذلك .
إن المرور بأزمات الحياة يجعلنا أكثر إنسانية وأكثر تعاطفاً وأكثر تقبلاً وتفهماً لأنفسنا وللآخرين، فنتوقف عن إشباع رغباتنا من خلال جعل الآخرين أو أنفسنا على خطأ، فالتعامل مع أزمة عاطفية يُؤدي إلى حكمة أكبر وإلى نتائج مثمرة على مدى الحياة، فالخوف من الحياة ما هو في الحقيقة إلا خوف من المشاعر فهي ليست مخاوفنا وإنما شعورنا تجاهها، وما أن نسيطر على مشاعرنا حتى تتلاشى مخاوفنا تجاه الحياة، فنشعر بثقة بالنفس أكبر وتصبح لدينا الرغبة بانتهاز فرص أكبر لأننا نشعر الآن أننا يمكننا التعامل مع العواقب النفسية مهما كانت، وذلك لأن الخوف هو أساس كل مُثبط، في حين أن السيطرة على المشاعر تعني تمهيد الطريق لتجارب الحياة التي كان يتم تجنبها في وقتٍ سابق .
2025/07/06 15:09:54
Back to Top
HTML Embed Code: