🟠"ما بعد الصدمة: كيف ترى إسرائيل نفسها بعد طوفان الأقصى؟"

📶 بقلم: رامي أبو زبيدة – باحث في الشأن العسكري والأمني

في واحدة من أكثر المقالات الإسرائيلية جرأة واعترافًا بعمق الفشل، نشر الكاتب الإسرائيلي آفي أشكينازي في صحيفة معاريف مقالة بعنوان: «حماس انتصرت على إسرائيل قبل 7 تشرين الأول بوقت طويل»، قدّم فيها مراجعة صريحة لجوهر ما جرى في حرب "السيوف الحديدية" طوفان الأقصى، كاشفًا عن أبعاد الانهيار الإسرائيلي ليس فقط في الميدان، بل في البنية السياسية والمؤسساتية والفكرية التي قادت إلى تلك الهزيمة.

المقال يقدّم رؤية لافتة حول كيفية إدراك النخبة الإسرائيلية لما حدث، وكيف تحاول تفسير الصدمة الكبرى التي شكّلها السابع من تشرين الأول. لكن الأهم من ذلك أنه يكشف، بوضوح غير مسبوق، عن التحولات التي جرت في وعي المؤسسة العسكرية والسياسية الإسرائيلية تجاه المقاومة الفلسطينية، وتحديدًا حركة حماس، وعن شعور داخلي عميق بأن إسرائيل لم تُهزم في ذلك اليوم فحسب، بل كانت قد هُزمت قبل سنوات طويلة.


اعتراف بالهزيمة قبل الحرب

يرى أشكينازي أن الحرب لم تبدأ فجر السابع من تشرين الأول 2023، بل قبل ذلك بعقد من الزمن تقريبًا، وتحديدًا في السادس والعشرين من آب 2014، يوم انتهاء حرب العصف المأكول "الجرف الصامد". فذلك اليوم – كما يقول – كان بداية التحول الحقيقي في عقيدة حماس، إذ خرجت من الأنفاق بعد الحرب وهي تدرك أن "البقاء في وجه الغزو الإسرائيلي هو بحد ذاته نصر"، وأنها قادرة على الانتقال من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم.

ومن هنا، بدأت الحركة وفق الكاتب في بناء ما أسماه "جيش حماس"، بتشكيلات منظمة تضم فرقًا وألوية وسرايا، وجهاز استخبارات، ومنظومة قيادة وسيطرة متطورة، وشبكة تحت أرضية واسعة. هذه المنظومة، بنظره، هي التي مكنت الحركة من شن عملية بحجم وطبيعة السابع من تشرين الأول، بما تحمله من عنصر مفاجأة وتفوق ميداني.

إسرائيل… التي صدّقت كذبتها

يستخدم أشكينازي تشبيهًا أدبيًا ساخرًا ليصف الحالة الذهنية التي سبقت الحرب في إسرائيل، فيستحضر قصة "ملابس الإمبراطور الجديدة"، حيث يعيش الجميع وهمًا جماعيًا ويخشون قول الحقيقة. هذه القصة، كما يراها، تجسد ما حدث في إسرائيل: دولة روَت لنفسها قصة الردع والتفوق، وصدّقتها دون أن تواجهها أو تراجعها.

ويضيف أن القيادة الإسرائيلية – السياسية والعسكرية – ظنت أنها "روّضت النمر"، وأن حماس أصبحت مردوعة ومنشغلة بإدارة غزة، لكنها في الحقيقة كانت تبني قوتها بهدوء، بينما كانت إسرائيل تغرق في غطرستها وثقتها المفرطة بنفسها.

الاعتراف بالفشل المركّب

في قراءة أشكينازي، لا يمكن حصر ما جرى في فشل استخباراتي أو عسكري فحسب، بل هو فشل شامل في بنية الدولة والمجتمع الإسرائيليين.
المقال يُحمّل المسؤولية لكل المستويات:

السياسية: قيادة غارقة في الفساد، منقسمة، تتعامل مع الدولة كملكية شخصية.

العسكرية: غياب للجاهزية، وانشغال بمظاهر القوة أكثر من جوهرها.

المجتمعية: ثقافة عامة استندت إلى الغرور الوطني والاستخفاف بالخصم.


ويقرّ الكاتب بأن "حماس انتصرت في الحرب، حتى لو اختفت يوماً من الوجود"، لأنها نجحت في الصمود لعامين، وكسبت تعاطفًا عالميًا واسعًا، بينما غدت إسرائيل أكثر عزلة من أي وقت مضى.

تحول في ميزان الإدراك الإسرائيلي

المقال لا يكتفي بالنقد الذاتي، بل يرسم ملامح أزمة وجودية أعمق:
فإسرائيل – كما يقول – لا تعاني فقط من حرب على سبع جبهات، بل من حرب على جبهتها الداخلية. إنها تواجه خطر الانهيار من الداخل نتيجة تفكك الثقة بين الحكم والمجتمع، وانعدام الكفاءة لدى نخبها السياسية.

هذا الوعي الجديد في الإعلام الإسرائيلي يعكس إدراكًا بأن التفوق العسكري وحده لم يعد كافيًا، وأن القوة لا تُقاس بعدد الطائرات والدبابات، بل بقدرة الدولة على إدراك ذاتها، وعلى بناء مؤسسات قوية ومجتمع متماسك. وهي المعادلة التي فشلت فيها إسرائيل بامتياز، في حين نجحت المقاومة في تحقيق العكس، رغم الحصار والدمار.

ما يميز هذا المقال أنه لا يكتبه يساري أو ناشط معارض، بل كاتب من داخل المنظومة الإعلامية الإسرائيلية التقليدية، مما يجعله مؤشرًا على تحول نوعي في الخطاب الإسرائيلي بعد عامين من الحرب.

هو اعتراف بأن إسرائيل هُزمت أولاً على مستوى الوعي والإدراك، قبل أن تُهزم ميدانيًا. وأن ما أنقذها مؤقتًا هو فقط شجاعة الأفراد، لا كفاءة المؤسسة.
وفي المقابل، فإن "حماس" – وفق تعبيره – انتصرت لأنها أدركت مبكرًا خلل العدو، واستثمرت في بناء عقل استراتيجي طويل النفس، حول الصمود ذاته إلى أداة نصر.