Telegram Web Link
وعلى هذا النَّحوِ أقمتُ على الشتاتِ،
لي حياةٌ مبعثرةٌ بين النّاسِ والأمكنة، وبعضها كان يضيعُ كَمِثلِ الصَّدى بين التِّلالِ، وبعضها يسقطُ في النسيان. وما تَبقى قليلٌ لا يكفي، كَيْما أقول ذات يومٍ إنني كنتُ أحدًا، إنَّني كنتُ شيئًا، طيفًا يستريح على قارعة هذا العالم.
أعرفكِ،
تعرفينني،
أرى وجهكِ،
تلمسين وجهي،
أمسكُ يديكِ،
تمسكين يديّ،
أُقبّلكِ،
تُقبّلينني،
جميعها أسباب كافية؛
للعيش.
ولستُ أدري حين يشكو لي حزنه
‏أكان في قلبهِ أم في قلبيَ الوجعُ.
ولحظة إنتهاء العاصفة، لن تتذكر كيف تدبرت أمرك لتنجو، ولن تُدرك هل انتهت العاصفة أم لا. ستكون مُتيقنًا من أمر واحد فقط: حين تخرج من العاصفة، لَن تعود الشخص نَفسهُ الذي دخلها، ولهذا السبب وحده، كانت العاصفة.
لا توجد أية وسيلة لنتحقق أي قرار هو الصحيح، لأنه لا سبيل لأية مقارنة. كل شيء نعيشه دفعة واحدة، مرةً أولى ودون تحضير. مثل ممثل يظهر على الخشبة دون أي تمرين سابق. ولكن ما الذي يمكن أن تساويه الحياة إذا كان التمرين الأول الحياة نفسها؟ هذا ما يجعل الحياة شبيهة دائمًا بالخطوط الأولى لعمل فني، ولكن حتى كلمة خطوط أولى لا تفي بالغرض. فهي تبقى دائمًا مسودة لشيء ما، رسمًا أوليًا للوحة ما. أما الخطوط الأولى هي حياتنا فهي خطوطٌ للاشيء ورسم دون لوحة.
أُخبرها أنّي أرغب في أن أموت أولًا، أنا معتاد عليها لدرجة أنّي سأشعر بفراغٍ فظيع، نحن صورتانِ للشخص ذاته، سأمضي بقية حياتي في الإلتفات للتحدث معها، وهناك سيكون، لا أحد، فراغ في الزمان والمكان. بينما هي تقول أن موتي سيترك فراغًا أكبر في حياتها من الفراغ الذي سيتركه موتها في حياتي.
هذا هو المستوى المعتاد في أحاديثنا.
لكن حين جلست أراقبُه بانتباهٍ متجدد، انتبهتُ إلى شيء، لقد بدا كل من رأيتهُ أمامي سعيدًا بطريقته الخاصة. ولا أستطيع أن أجزم ما إذا كان سعيدًا حقًا، أم أنه يبدو سعيدًا في الظاهر. ولكنهم بدوا سعداء في أوائل هذه الظهيرة السارّة من أواخر سبتمبر، وبسبب ذلك انتابني نوعٌ من الشعور بالوحدة، وكأنني الشخص الوحيد هنا، الذي لا يشكل جزءًا حقيقيًا من المشهد.
معظمنا، نحن البشر الفانين، لا نتوصّل إلى معرفة قدرنا الحقيقي؛ لأنه بكلّ بساطة يدهسنا. وعندما نرفع رأسنا ونراه مبتعدًا على امتداد الطريق، يفوت الأوان، فنضطرّ إلى متابعة ما تبقى من الرحلة على شفير ما يسمِّيه الحالمون “النضج”. وما الأمل إلّا الإيمان بأن تلك اللحظة الفارقة لم تحن بعد، وأنه ما يزال في وسعنا أن نرى قدرنا الحقيقيّ وهو يقترب وأن نقفز على متنه لاغتنام الفرصة في أن نكون ما نريد قبل أن تتلاشى إلى الأبد فيُحكَم علينا بحياةٍ فارغة، نتحسّر فيها على ما كان ينبغي أن يكون ولم يكن.
أحيانًا تثبت عينيها على عيني دون سبب واضح كأن يبدو أنها تبحث عن شيءٍ ما، وهذا ما يعطيني شعورًا بالغربة والوحدة والخذلان.
آه، إنها العيون نفسها
التي استقبلتني فيما مضى بحبٍ
والشفاه نفسها
التي حلَّت حياتي ذات مرة
أيضًا الصوت نفسه
الذي عشقتُ سماعه ذات مرة
فقط أنا لستُ كما كنت
عدتُ لبيتي متغيرًا
‏خلال ليالي الأرق الطويلة، ونحن نعود بالزمن إلى الوراء، نستعيد حالات الرعب وأفراحنا القديمة، نستعيد أحداث ما قبل تاريخنا، ما قبل ذكرياتنا. يجبرنا الأرق على العودة للأصول وينتقل بنا إلى فجر البدايات؛ يطردنا خارج الزمن ويفرض علينا الإصغاء لآخر ذكرياتنا، والتي هي البدايات.
بين الأقنعة أضاع وجهه، إنه يبحث
القناع الأحمر والأزرق والأسود والأصفر
وهذا..
ذو اللونِ البنفسجي، بزركشاتٍ حول الفم والعينين
وهذا آخر بلحيةِ المجاز الطويلة، في العاشرة أرتدى القناع
إنه يناسبك للغاية "وتقريبًا صارَ حقيقةً كاملة"
عينان محفورتان، وأنفُ مجدوع، حد الإعتقاد
إنه يحمل موته، هذا القناع يريحه، ويرتديه غالبًا،
آه لو لم يكن..
هذه النداوة من الجبسِ، وهذا الغبار الرهيف، إنه خائف
من أن يلتصق القناع بلحمه، رأوه على أنه وجهه الحقيقي،
ها هو معلق على الجدار. إنه يضع له بين أسنانه غُليون حجارٍ.
وعلى عينيه يضع نظاراتٍ سوداء.
نظرةٌ عميقة تحدق في عينيه تشجعه على اختيارٍ جديد
أحمر كذلك أو أصفر أو..
صورة
هل أنا كنتُ طفلاً
أم أن الّذي كان طفلاً سواي
هذه الصورة العائلية
كانت أمي واقفة ، وأنا واقفُ .. تتدلى يداي
أو كان الصبيُّ الصغيرُ أنا؟
أم ترى كان غيري؟
أحدق
لكن تلك الملامح ذات العذوبة
لاتنتمي إليّ الآن
صرتُ عني غريباً
ولم يتبقَ من السنوات الغريبة
إلا صدى إسمي
وأسماء مَنْ أتذكرّهم -فجأة-
بين أعمدة النعي
أولئك الغامضون: رفاق صباي.
2024/05/17 22:53:28
Back to Top
HTML Embed Code: