Telegram Web Link
-☁️🍂

كم جاء الثواب يسعى إليك فوقف بالباب فردّه بوابُ: "سوف" و"لعل" و"عسى" !

كيف الفلاح بين إيمان ناقص، وأمل زائد، ومرض لا طبيب له ولا عائد، وهوى مستيقظ، وعقل راقد، ساهيًا في غمرته،عمِهًا في سكرته، سابحًا في لجة جهله، مستوحشًا من ربه مستأنسًا بخلقه، ذِكر الناس فاكهته وقوته، وذكر الله حبسه وموته، لله منه جزء يسير من ظاهره وقلبه ويقينه لغيره ؟!

الفوائد | ابن القيم | ص٧٤.
-📝🖇️

في البدايات قد يبدو الطريق موحشًا فيرى طالب العلم نفسه يسير في دربٍ لا انبساط فيه ولا نسيم، وكما يزهر الربيع بعد انقضاء الشتاء القارس؛ فإن ثمار التعلم تظهر بعد طول عناء.

أدركتُ شخصيًا أنَّ حلاوة العلم لا تُحتسى من أول شربة؛ فأجد دروسَهُ أحيانًا كقطعةٍ يابسةٍ من غصن زيتونٍ تؤكل بلا ملح ولا زيت، ولكنْ مع كلِّ إحياءٍ للهمّة واستنهاضٍ للعزيمة، يتكوَّنُ من تلك القطعة قُبلةُ سحرٍ عذبة، حتى يكاد القلب يتراقص فرحًا حينما يُطلُّ على بحار الحكمة بعد طول أنين.

وقد علِمتُ أنَّ أقدامًا كثيرة توقَّفت عن السعي لصعوبة الطريق؛ ظنَّ أصحابها أنَّ كلَّ نكهة في الحياة تُنال في لحظةٍ واحدة.

ولكنَّ طالبَ العلم المجاهد لا يركن إلى التمني الفارغ، بل يُثابرُ في دربه ويعلم أن شقوةَ البدايات مفتاحٌ لأبوابِ الغنى في النهاية، فإذا ثبت القلب على الإرادة، وجد راحةً تنمو في صحراء الطريق؛ تنضحُ أوراقها عشقًا بأقوال الصالحين وسير الأبرار وورد الآيات.

وإنَّما نعبرُ من خشونة البداية إلى لذة العلم بتكرار السعي وبالجدِّ والمصابرة، وبقلبٍ عامرٍ بالذكر والدعاء: «رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا»؛ فهذا الدعاء نور يفيض على من يحمله، يشقُّ ظلمات العقل فتوحًا على محاور الحكمة، فيصفو باطن النفس ويعانق الحواس.

وإنَّ تربيةَ القلب بالمجاهدة أشهى من عسلِ الدنيا الزائف؛ فبذلُ النفس في دروب الحقّ يُثمر وجدانًا وأنسًا متينًا، فإذا ما انشغلت خواطرُ القلب بجلال الحكمة، يغدو مدادُ الفقه كنورٍ يأسر الضمائر، فتجلو المعرفة به أسقام الجهل، ويستيقظ السرُّ في خلوة العبد.

أختم هذه الرسالة بأصدق نصيحةٍ: لا تهزمنك قساوة الطُّلُوع، فإنَّ ثمر الجهد لا يُحصَلُ عليه في الحينِ، بل يحلُّ بعد السهرات الطوال.

اصبر إذن دهرًا تفضي به إلى شرفِ العلم وتعدُّ ثماره، وتذكَّر أنّ الأذى في منازل البداية بابٌ لا يُغلقُ إلا بالرضا بعده.

والله العَزيز الحكيم وَعَدَ المخلصين في سعيهم بأن يجعل لهم في الليلِ نورًا، وفي القلب بريقًا؛ فَلا تَدَعِ العزم يغادرُك حين تضيقُ بك السبل، بل دع العزمَ يصل إلى رأس النخلة رغم قسوة الفصول، حتى تحوَّل تلك النخلةُ مُزهرةً بعودها، وتصنع ثمارًا صلاحًا للناس.

كن موقنًا بأنّ كلَّ خطوةٍ في هذه الدروب العسيرة تصقلُ فيك معدنًا مُبينًا وتعززُ ثمنكَ عند الله؛ فتجارتك معه سبحانه والسلعة غالية والوعد حق، وكل قرض حسن يرده لك أضعافًا.

نمضي صابرين نجني لذة العلم من بذور المثابرة، ونعلم أنّ النعيم الحقيقي لا يُنال بعجلة، بل يُوهَبُ للصابرين والجادين بإذن الله.

وإنَّ صدقَ المسعى يشدُّنا إلى سويداءِ النُّفوس؛ فنتعاهدها بالإصلاح والتزكية، إذ أن الالتزام المخلص منارةُ الوجدان، والسيرُ على طريق العلم لأجل وجه الله يُنير لنا الصدورَ والعقول، ولن نرضى إلا بالنور التام الكامل.
-☁️🌙

الساهر في طلب العلم، وإن أجهده الليل وأضناه السُهد، فإنما يقتبس نورًا لا يخبو، ويغترف من معينٍ لا ينضب.

كل صفحة تقرؤها في سكون الليل ستشهد لك يوم القيامة، وكل جهد تبذله في ظلمة السَحر سيورثك نورًا في القلب ورفعةً عند الله.

فاصبر على السهر؛ فإن وراءه لذة لا يُدركها إلا من ذاق، ومنفعة لا يبلغها إلا من جاهد.

يُضيءُ ليلَ المجدِ مَن سَهِرَ الدُّجى
فلا يُرى التاجُ على رأسِ الوَكَس
-☁️🌿

ما طابت لحظةٌ لطلب العلم كأول النهار؛ حيث الذهن صافٍ لم تُكدّره أصواتُ الناس، والروح هادئة لم تزدحم فيها الهموم، والعزيمة في أوجها كفرسٍ جامحة على أطراف الغدير.

ساعات الصباح الأولىٰ هي رأس المال، وزبدة اليوم، وعصارة القوة، من قدّم فيها غيرَ العلم أضاع أثمن ما لديه، ومن جعلها له حاز البركة في عقله وفهمه وعمره.

طلب العلم لا يُترك لبقايا اليوم، ولا يُؤجّل إلى حين ترتخي العزائم وتخفت النفوس، إنما يُوضع في أول الجدول لا في هامشه، وتُجعل له الصفوة من الوقت لا فتاته.

رأيتُ من جرّب هذا فغنم، ومن فرّط فيه فندم؛
وإنك لتقرأ في ساعة الصباح ما لا تقرأه في ثلاثٍ بعدها، وتفهم في نصفها ما تعجز عن إدراكه لاحقًا ولو قرأت أضعافه.

من علِم أنّ بركة العلم تُمنح في أول اليوم، لم يرضَ أن يهدرها في تصفّح أو تشتت أو كسل.

فخذ بقلبك نحو تلك الساعات، واجعل عهداً بينك وبين نفسك أن تكون لبناءك العلمي.

وتذكّر دائمًا: من لم يجعل لطلب العلم صدرَ يومه، فلن يجد له صدرًا في مستقبله.
"وإنَّكَ تنتهي لمنـــاكَ دومًا
إذا القُـرآن تعطيه البداية..

تمسَّك صالحًــا بكتاب ربي
فقول الله أولى بالعنايــــة"
-📝🌿

دواء التشتّت… في صدق الاتجاه !

ما أكثر ما يشكو الطالب من تشتت قلبه، وتفرّق ذهنه، وتذبذب خطاه…يتنقّل بين أبواب العلم بلا نظام، وبين الكتب بلا ضابط، وبين الأهداف بلا يقين...ولو فتّش في أصل علّته، لوجد أن قلبه لم يُعطِ العلم مقامه بعد.

فالتشتت ليس عارضًا بالضرورة، بل هو في الغالب عرضٌ لقلّة الإخلاص، أو ضعف التصوّر، أو شدة التعلّق بالدنيا.

ولن يُشفى قلبٌ مشتّت ما دام يتعامل مع العلم على أنه عادة لا عبادة، ولن تهتدي الخطوات العشوائية ما دام صاحبها يرى العلم وسيلة ليقال: “قرأ وتعلّم” لا قُربة يسعى بها إلى الله.

السر في البدء بعلاج القلب…سلِّم النية لله، وأعد ترتيب أولوياتك، واسأل نفسك بصدق: لمن أقرأ؟ ولماذا؟ وما الذي أرجوه من علمي؟ فمن صحّ قصده، جمع الله له قلبه، وثبّت خطاه، وسهّل عليه سُبل التعلُّم.

ثم خُذ بالأسباب:حدد لنفسك خطةً واضحة لا تكثر فيها، بل اثبت على قليل دائم فهو خير من كثير منثور.

ثم اعمد إلى الملهيات الملهيات واحذفها، والتفت إلى المشتتات فأبعدها: لا تبدأ كتابًا حتى تنهي ما قبله، ولا تفتح بابًا حتى تُغلق الذي بين يديك.

واعلم أن تركيز العقل ثمرة صفاء القلب، وأن السكينة المعينة على الفهم لا تُستجلب بكثرة الفِكر بل بكثرة الذكر.

فإن رأيت نفسك تائها، فعد إلى أصل الطريق: خذ وردًا من القرآن، ناجِ الله بعد كل مجلس علم، واستعن به على تنظيم وقتك، واستقبل كل صباح بـ: اللهم اجعل لي في العلم نورًا، وثبّت قلبي على مقاصده، واجعل عملي خالصًا لوجهك لا يداخله الهوى.

وأخيرًا: انظر للتشتت على أنه إعادةُ ضبطٍ للبوصلة لا ذريعة لأن تهوم على وجهك في صحاري اليأس.
-📝🖇️

كثيرون يبدؤون بدافع الشغف، قلة من يُتمّون بدافع المسؤولية؛ فالشغف برقٌ خاطف يُبهر في اللحظة الأولى ثم يخبو، أما المسؤولية فهي جذرٌ عميق يثبتك حين تتقلّب دواخلك.

لا تُنجز المشاريع بالكلمات الحماسيّة، بل بالثبات في أيام الفتور، والإصرار في لحظات الملل، والعمل حين لا تشتهي.

الشغف قد يختار لك البداية، لكن المسؤولية تختار لك الاستمرار، وهي التي تُنهضك فجرًا وتدفعك حين يتباطأ الحماس.

العظماء لم يسيروا كل الطريق بأجنحة الشغف، بل مشوا أكثره بأقدام الصبر والالتزام والوفاء بما بدأوه.

فلا تجعل مشاعرك ربّانك بل اجعلها رفيقًا، لكن ليكن القبطان: المسؤولية.
-

المنقطع لا يبلغ، والمُتقلّب لا يُنتج، والخطوة التي لا تليها خطوة توقف مُخزٍ.

الاستمراريةُ هي الفيصل بين من بدأ ومَن بلغ، هي دليل الصدق، وعنوان العزيمة، وسرّ الوصول.

من ثبت… ثبت له الفتح، ومن تهاون… تهاوى في أول المنعطف.

فلا تغتر بالشرارة ما لم تستحل شعلةً لا تنطفئ !
-☁️

أعلمُ أن ضجيج الخارج يزعجك، أن جسدك متعب، أن الجهذ المبذول يهّدك...لكن...


السكون لا يأتي إلا بعد العواصف، وأهازيج الفرح لا تكون إلا بعد ولولة الأحزان، والراحة يا صديقي...لا تأتي بالراحة !
-📖🌸

العِلمُ ما وقرَ في الصدر، لا ما سكن السطر، فما استقرّ في صدرك فهو لك، وما لم تحفظه فليس ملكك.

احرص على الحفظ لأنه العُدة عند الغفلة، والعصمةُ من النسيان، وإن استصعبت الطريق فاحفظ ولو آية، أو حديثًا، أو سطرًا من كلام الأعلام.

قال ابن المبارك رحمه الله:
“من تهاون بالحفظ، فاتَه رأسُ العلم.”

فثبّت علمك بالحفظ، واجعل قلبك خزانةً لا تُسرق، فما من عالمٍ رُفع، ولا طالبٍ نفع، إلا وكان الحفظُ معينه ومعوله.
-🌸☁️

علاج التكاسل في طلب العلم ليس في لوم النفس ليل نهار، ولا في انتظار هِمّة عجيبة تنزل من السماء، بل في المجاهدة والمداومة… وتبديل البيئة، لا تبديل النية!

عوّد نفسك الوقت الثابت، والمكان الثابت، والكتاب الثابت، فالقلّة مع الاستمرار تُنبت البركة، ومن أكثَر وأطال الفارق لا ثبت ولا نبت.

غيّر أدواتك إن جمدت، جرّب طريقة جديدة، اصحب من يحرّكك بفعله لا بقوله، وانظر في سير السالفين… فإن لم تبكِ حرقة على حالك، فابكِ على قلبك!

ولا تنتظر الحماسة بل اصنعها،فالذي جلس ينتظر “النشاط" بقي عمره على الرصيف.

العلم لا يُعطى لمتكاسل بل لمن لا يمل قرع الباب كلّ يوم حتى يُفتح له.
-☁️📎

لا ينتظر التصفيق، ولا يخشى طول الطريق !

يحاول أن يصنع عِزًّا في زمنٍ يئس فيه الناس تحصيل الكرامة ويحاول أن يُقيم مجدًا وسط رُكام الغفلة.

يقف وحده، يحمل في صدره يقينًا أن العزّ لا يُورَّث، بل يُنتَزع، وأن المجد لا يُهدى، بل يُصنع، يكتب قصته سطرًا بسطر، ويشق سبيله خطوة بخطوة.

لا يعبأ بالمثبّطين، ولا يؤثر فيه ضحك الساخرين، ولا يثنيه همز المشككين، لأنه على يقين أن المجد لا يُعطى لأصحاب النفوس الرخوة.

فإن رأيتَه يسير وفي عينيه شرر، فاعلم أن في صدره نارًا لا تخبو، وفي قلبه هِمّة لا تُشترى…وأنه –بعون الله– سيبلغ!
2025/06/30 01:24:18
Back to Top
HTML Embed Code: