لي سنوات ما أذكر مرة مر بي شهر رمضان وأنا أجلس وأراجع الجزء الذي أريد أن أصلي به في الليل، حاشا لله، لايمكن، أنا أدخل في الصلاة على طول، والحمد لله القرآن سلس على لساني لسببين الأول : حب القرآن، الجد والاجتهاد في الليل والنهار والصباح والمساء.
(ش عبد الرشيد صوفي)
Media is too big
VIEW IN TELEGRAM
(بركة القرآن ) وأثرها في عون صاحبها!!
أصحاب (المشروع الواحد) أكثر الناس تركيزاً وأقواهم أثراً، وأعجلهم نجاحاً فيمم كل ما تملك من طاقات وأوقات وأفكار تجاه فكرة ملهمة ومشروع يتيم ثم حدثنا عن فصول الجمال والأحداث والآثار التي تحققت لك خلال عام واحد وقل لنا حينها كيف يطوي التركيز أهدافاً كبرى في زمان قصير!!
واحدة من صور الشعث في حياتك أن تظل تجهد وتعمل وتلهث ثم تتفاجأ بعد زمان من عمرك الطويل أنك لاتملك منجزاً يُبقي لك أثراً ويصنع لك لسان صدق في الآخرين.
يمكنك أن تجعل (التعليم في المدرسة، أو التربية في المحاضن، أو تعليم كتاب الله تعالى،أو إمامة المسجد، أو العلم الشرعي، أو العمل في الإعلام، أو تأهيل الطاقات القادمة، أو الإصلاح بين الناس، أو بناء الأسرة، أو العمل الاجتماعي، أو الدعوة إلى الله مشروعاً في حياتك بشرط أن تتفرّغ له، وتصرف له كل أوقاتك، وتوجه قراءاتك، وتتعلم فيه وتتدرب له وتتحلّق حوله حتى تصنع فيه إبداعاً وتترك فيه أثراً صالحاً مع الأيام.
الشيخ محمد صالح العثيمين رحمه الله تعالى من أدهش الشخصيات التي علمتنا أثر فكرة المشروع الواحد في النجاح، ودور التركيز في خلق الإبداعات من خلال مشروعه العلمي حتى ترك لنا تراثاً مرتباً وممنهجاً، وصنع لنا علماء يقومون على أفكاره ويعيدون مشاهد قدوته ويصنعون واقعاً ملهماً بالجمال، وحين ترى (كتبه ، وقناته، وبرامجه العلمية) بعد وفاته تشعر أنك أمام مشهد ضخم من مشاهد التركيز (ولقد رأيته بعيني وهو يحرص على تسجيل دروسه غاية الحرص، وتنسخ تلك الدروس مباشرة، وسمعته بإذني في إجازة الصيف وهو يعتذر من حضور جلسة هيئة كبار العلماء لوجود طلاب العلم) وكذلك القدوات.
كل الذين لم يضبطوا القرآن، أو لم يتقنوا مهارة ما، أو لم يبلغوا آمالهم في متن من متون العلم لم يجعلوا ما يريدون مشروعهم اليتيم وفكرتهم الأساسية وأوليتهم الكبرى، وإنما خلطوا تلك الأماني بغيرها، وقسموا لها بعضاً من أوقاتهم وزاحموها بكثير من المشتات ومضت أعمارهم وهم يراوحون في ذات المكان ولم يجدوا بعد شيئاً يستحق الأفراح.
إذا أردت أن تحقق منجزاً ضخماً وحلماً رائداً ومشروعاً مبهجاً وأمنية تبقى حية لزمان طويل في الحياة (فركّز ولا تزاحمه بغيره وادفع له بهمومك وفكرك ووقتك ودعائك زماناً من عمرك) وسترى في النهاية ما لم يخطر لك على بال، وما عدا ذلك فشتات وضياع.
دفع الحافظ بن حجر على فتح الباري قريباً من الثلاثين عاماً فجاء الشوكاني بعده بمئات السنين فقال (لاهجرة بعد الفتح) وقال الشيخ عبد الكريم الخضير : نَفَسُ الحافظ بن حجر في حديث النية أول حديث في الكتاب كنفسه تماًماً في آخر حديث في الكتاب (كلمتان حبيبنان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان)، وبذل ابن عاشور أربعين عاماً من عمره ليصنع للأمة (التحرير والتنوير) فيمم وجهك للحياة ودعك من بنيات الطريق.
اطلعت على إجازة في كتاب الله تعالى لفتاة يقول الشيخ الذي كتب الإجازة : عرضت علىّ فلانة القرآن الكريم كاملاً برواية حفص عن عاصم من أوله إلى آخره غيباً عن ظهر قلب في قرابة عشر ساعات في يوم واحد وقد كان حفظها غاية في الاتقان لدرجة أبهرتني حيث لم تخطئ أي خطأ طوال الختمة) .
( رسالة في أثر التركيز في صناعة الإبداع)
ماذا لو أن طالب علم قرر أن يكون علماً ورمزاً ومرجعاً من خلال التركيز على مشروع تأليف، أو تخصص دقيق، أو فكرة ملهمة بنهاية عام (١٤٥٠) ؟ وصنع للأمة فألاً وترك لها إرثاً، وصنع لنفسه ذكريات تبقى ما بقي الزمان؟ ما أسرع مضي الأوقام! وما أعمق أثر التركيز !
سألته يوماً فقلت له : الذي يختم كل أسبوع ويشعر بأنه يحتاج النظر في المصحف عدداً من المرات هل تتوقع أن يحين زمان لا يحتاج فيه إلى العودة لمصحفه ؟ فقال لي : بنسبة (٩٨٪) ثم دارت الأيام فإذا بالحقيقة كما قال.
(التكرار وكثرة المراجعة وإدمان النظر وملاحقة النقص وتحويله إلى صلاة النافلة وقيام الليل مؤذن بالأفراح.
قال لي : جربت كل اللذات على اختلافها فلم أجد لذة تقارب تلك الختمة الأسبوعية التي لا أحتاج فيها النظر إلى مصحف، ثم تنهّد قليلاً وقال مجرد تصوّري أن أدخل قبري وفي جوفي كتاب الله تعالى، وأقف بين يدي الله تعالى يوم القيامة ويكرمني الله تعالى أن أكون في زُمَرِ من يقال له (يقال لقارئ القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتّل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها) حكاية تحتاج أن أبقى عمري كله في تصوّر مباهجها)
قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم﴾.

‏ولا أخطر من الزهد البارد على صاحبه في مثل هذا المعنى، وكم من جهات كانت تتوق إلى أصحاب رايات يملكون كل شيء، وهي ثغورهم على وجه الخصوص، ثم تأخروا عنها فتعطلت تلك الفروض الكفائية وأثم الجميع.

‏[ فصول من الحياة، ص٢٨٠، ⁦ @Malfala7i⁩ ]
(أورادك العبادية)
سواء كانت أذكار الصباح والمساء، أو تلاوة من كتاب الله، أو نوافل من الصلاة،أو صدقة من الصدقات،أو زيارة رحم،أو حتى كلمة طيبة ورسالة إيجابية تحلّق حولها ورابط عليها واجعلها جزءاً من يومك،وتدرّب على ألا تتخلى عنها مهما كانت ظروفك،وسترى من النعيم في قلبك ومشاعرك والتوفيق في حياتك، والصحة والعافية في بدنك مالم يكن لك على بال.
رأيت الشيخ بن عثيمين رحمه الله تعالى في جامعه بعنيزه لايسمح لبشر أن يقاطعه مطلقاً وهو يردد أوراده بعد السلام من الصلاة، ويرفع صوته بها وما يزال على تلك الحال حتى يفرغ منها، وجرّبت زماناً من عمري لا أقوم من مكاني حتى آتي بأذكار الصباح والمساء، وإذا تساهلت وقمت عنها لأي عارض كانت عرضة للنسيان أو النقص أو خلل بقية الأوقات، ومن فقهك أن تتدرّب ألا تقوم من مقعد صلاتك حتى تفرغ منها.
واحدة من مشكلاتنا أننا في غمرة الحياة وطول الزمان وكثرة المتغيرات ننسى أولئك الذين وقفوا معنا يوماً من الزمان، ودفعوا لنا مشاعرهم، وبذلوا لنا من أوقاتهم، وشاركونا أفراحنا، أو وقفوا معنا في حوادث الزمان، ومن حق هؤلاء علينا أن نشركهم في دعائنا، ونصنع لهم وفاء مقابلاً، ونتشبّث بهم ما بقي الزمان، وما الحياة لولا هؤلاء ؟! وفي مثل هؤلاء قال الأول:
ولا بد من شكوى إلى ذي مروءة
يواسيك أو يسليك أو يتوجع .
من فضل الله تعالى علىّ ونعمته وكرمه ومنّه أنني لا أعلم أحداً من الناس أسدى إلىّ معروفاً ولو كان بسيطاً ثم مات إلا وهو شريكي في دعائي من ليلة وفاته لا أتخلّف عن الدعاء له في وتر ، أو ساعة جمعة، أو على الصفا في وقت عمرة، ولبعضهم سنوات، وهذا قليل للذين طوُقوا أعناقنا بجميلهم يوماً من الزمان!
2024/04/29 10:37:42
Back to Top
HTML Embed Code: