مقالات مختارة
Photo
لَبِئْس ما قدمت أيديهم وعقولهم، أولئك الأفراد الحمقى الذين التمسوا المجد والشهرة والمال والسلطة ببيع الدين والأوطان، وفي التشغيب على راية الإسلام العظمى، حتى أوقعوا الناس في الريبة والشك في سلامة المنهج الإسلامي، تدعمهم أنظمة لا هَمّ لها سوى الحفاظ على العروش بالتبعية المُخلصة للغرب وبتقديم عروض المزيد من الانبطاح ضمن مسلسل التنازلات الذي يتسابق أغلب القوم في إثبات تفوّقهم في تقديمه على أكمل وجه مُسربل بالخزى والخيبة والعار، نسأل الله أن يطهر بلادنا منهم..
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
https://www.tg-me.com/menoathgafi
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
https://www.tg-me.com/menoathgafi
Telegram
مقالات مختارة
" رُبّ مقال كانت فائدته بوزن كتاب "
📝أيها الناس "حلوا عنا"
✍الكاتب الفلسطيني أدهم شرقاوي
أحياناً يُصاب المرءُ بعقم الكتابة، فيصبحُ القلم عاجزاً عن الكلام عجزَ عجوزٍ في الثمانين عن إنجاب طفل! ثمّ فجأةً تخطرُ لنا فكرة، فنشعر في تلك اللحظة بما شعر به أرخميدس عندما صرخ قائلاً: وجدتها، وهو مستلقٍ في البانيو! وبما شعر به نيوتن حين وقعتْ التّفاحة على مقربة منه، فسأل نفسه: لماذا يسقط التفاح بدل أن يطير؟! من الجيّد أنّ أحد قاطني هذا الكوكب قرر أخيراً أن يُفكّر بعقله بدل أن يُفكّر بمعدته! ومن المخزي أننا استغرقنا كلّ هذا الوقت لنعرف لماذا يسقط التّفاح بدل أن يطير!
كان فكر أرخميدس مُنصبّاً على مشكلته الشّخصيّة، فقد كلّفه الإمبراطور هيرون معرفة إن كان تاجه الجديد من الذّهب الخالص أم أنّ الصّائغ قد خدعه، فعندما يُركّز النّاس على شؤونهم الخاصة ويدعون النّاس وشأنهم يُبدعون! ونيوتن على ما يبدو لم يكن مهتماً بما تناوله جيرانه على الغداء، ولا من أين حصل أخوه على ثمن عربته الجديدة التي تجرّها الخيول، فعندما نتوقف عن النّظر لما في أيدي الآخرين يصبحُ لدينا وقت للتفكير بما في أيدينا!
أحياناً لا نريد من الآخرين سوى أن يدعونا و شأننا ، و لكنهم لا يسمحون لنا بمثل هذا الترف!
هناك أشخاص لا يأتيهم النوم إلا إذا تفقدوا صور الآخرين الشخصيه و حالاتهم في الواتساب ، كأن أحدهم عمر بن الخطاب لا يقر له جفن حتى يطمئن على رعيته! و ليته يريد أن يطمئن بقدر ما يريد أن يخرج "سيجموند فرويد" الكامن فيه و يحللك تحليلا نفسيا معتوها !
عندما نضع جملة عن الحب فهذا لا يعني أننا في حالة هيام!
وعندما نضع جملة عن الغدر فهذا لا يعني أننا قد تلقينا طعنة للتو!
وعندما نضع جملة عن قيام الليل فهذا لا يعني أننا امضينا الليلة على سجادة الصلاة!
وعندما نضع جملة عن صلاة الجماعة فهذا لا يعني أننا نحمل مفاتيح المسجد!
يحدث أن يقرأ الإنسان جملة فتعجبه فيقتبسها ، الأمر لا يعدو كونه استعذاب كلام لا أكثر! ثم إن الكلام حمال أوجه ، وجملة ك"داوها بالتي كانت هي الداء" أعمق من رغبة في الذهاب إلى حانة و احتساء الخمر كما كان يفعل أبو نواس.
والبعض لا يكتفون بمحاسبتك على ما تنشر ، وإنما يحاسبونك على ما لم تنشر أيضأ!
أطمئنوا فنحن بخير لا أشغل الله لكم بالا !
عندما لا نصور طعامنا في الفيسبوك فهذا لا يعني أننا لا نأكل!
و عندما لا نصور أنفسنا و نحن نسجد فهذا لا يعني أننا لا نصلي!
و عندما لا نصور أنفسنا في الرحلات و النزهات فهذا لا يعني أننا اقفلنا بيوتنا على أنفسنا و ابتلعنا المفاتيح!
و عندما لا نصور أنفسنا و نحن نقبل أيدي أمهاتنا فهذا لا يعني أننا عاقون!
و عندما لا نصور الكتب التي نقرأها فهذا لا يعني أننا جهاة لا نقرأ!
حتى عندما لا نخبركم أننا خرجنا للتو من الحمام فهذا لا يعني أننا لا نستحم!
كل ما في الأمر أننا نرى أن عيش اللحظات أجمل من توثيقها و أن حياتنا لنا لا لكم ، فحلوا عنا!
أدهم شرقاوي / كتاب وإذا الصحف نُشرت
https://www.tg-me.com/menoathgafi
✍الكاتب الفلسطيني أدهم شرقاوي
أحياناً يُصاب المرءُ بعقم الكتابة، فيصبحُ القلم عاجزاً عن الكلام عجزَ عجوزٍ في الثمانين عن إنجاب طفل! ثمّ فجأةً تخطرُ لنا فكرة، فنشعر في تلك اللحظة بما شعر به أرخميدس عندما صرخ قائلاً: وجدتها، وهو مستلقٍ في البانيو! وبما شعر به نيوتن حين وقعتْ التّفاحة على مقربة منه، فسأل نفسه: لماذا يسقط التفاح بدل أن يطير؟! من الجيّد أنّ أحد قاطني هذا الكوكب قرر أخيراً أن يُفكّر بعقله بدل أن يُفكّر بمعدته! ومن المخزي أننا استغرقنا كلّ هذا الوقت لنعرف لماذا يسقط التّفاح بدل أن يطير!
كان فكر أرخميدس مُنصبّاً على مشكلته الشّخصيّة، فقد كلّفه الإمبراطور هيرون معرفة إن كان تاجه الجديد من الذّهب الخالص أم أنّ الصّائغ قد خدعه، فعندما يُركّز النّاس على شؤونهم الخاصة ويدعون النّاس وشأنهم يُبدعون! ونيوتن على ما يبدو لم يكن مهتماً بما تناوله جيرانه على الغداء، ولا من أين حصل أخوه على ثمن عربته الجديدة التي تجرّها الخيول، فعندما نتوقف عن النّظر لما في أيدي الآخرين يصبحُ لدينا وقت للتفكير بما في أيدينا!
أحياناً لا نريد من الآخرين سوى أن يدعونا و شأننا ، و لكنهم لا يسمحون لنا بمثل هذا الترف!
هناك أشخاص لا يأتيهم النوم إلا إذا تفقدوا صور الآخرين الشخصيه و حالاتهم في الواتساب ، كأن أحدهم عمر بن الخطاب لا يقر له جفن حتى يطمئن على رعيته! و ليته يريد أن يطمئن بقدر ما يريد أن يخرج "سيجموند فرويد" الكامن فيه و يحللك تحليلا نفسيا معتوها !
عندما نضع جملة عن الحب فهذا لا يعني أننا في حالة هيام!
وعندما نضع جملة عن الغدر فهذا لا يعني أننا قد تلقينا طعنة للتو!
وعندما نضع جملة عن قيام الليل فهذا لا يعني أننا امضينا الليلة على سجادة الصلاة!
وعندما نضع جملة عن صلاة الجماعة فهذا لا يعني أننا نحمل مفاتيح المسجد!
يحدث أن يقرأ الإنسان جملة فتعجبه فيقتبسها ، الأمر لا يعدو كونه استعذاب كلام لا أكثر! ثم إن الكلام حمال أوجه ، وجملة ك"داوها بالتي كانت هي الداء" أعمق من رغبة في الذهاب إلى حانة و احتساء الخمر كما كان يفعل أبو نواس.
والبعض لا يكتفون بمحاسبتك على ما تنشر ، وإنما يحاسبونك على ما لم تنشر أيضأ!
أطمئنوا فنحن بخير لا أشغل الله لكم بالا !
عندما لا نصور طعامنا في الفيسبوك فهذا لا يعني أننا لا نأكل!
و عندما لا نصور أنفسنا و نحن نسجد فهذا لا يعني أننا لا نصلي!
و عندما لا نصور أنفسنا في الرحلات و النزهات فهذا لا يعني أننا اقفلنا بيوتنا على أنفسنا و ابتلعنا المفاتيح!
و عندما لا نصور أنفسنا و نحن نقبل أيدي أمهاتنا فهذا لا يعني أننا عاقون!
و عندما لا نصور الكتب التي نقرأها فهذا لا يعني أننا جهاة لا نقرأ!
حتى عندما لا نخبركم أننا خرجنا للتو من الحمام فهذا لا يعني أننا لا نستحم!
كل ما في الأمر أننا نرى أن عيش اللحظات أجمل من توثيقها و أن حياتنا لنا لا لكم ، فحلوا عنا!
أدهم شرقاوي / كتاب وإذا الصحف نُشرت
https://www.tg-me.com/menoathgafi
Telegram
مقالات مختارة
" رُبّ مقال كانت فائدته بوزن كتاب "
مقالات مختارة
Photo
📝 كيف كانت أوروبا تنظر إلى العثمانيين؟
✍بقلم : إحسان الفقيه
- فتوحات العثمانيين لبلاد البلقان ووسط أوروبا وفتح القسطنطينية والقواعد العسكرية في البحر المتوسط وغيرها من التحركات العسكرية في أوروبا، كلها كان الأوروبيون ينظرون إليها على أنها فتح إسلامي.
- تبنّت أوروبا هذه النظرة للعثمانيين - باعتبارهم يمثلون الجسد الإسلامي – طوال فترة الدولة العثمانية منذ تأسيسها وحتى تفكيكها، بل ولم تفارقها في النظر إلى تركيا الحديثة وتعسفها في ضمها للاتحاد الأوروبي.
يذكر المؤرخون أن الأوروبيين كانوا يطلقون على التركي "مسلم"، وإذا دخل أحد من مسيحيي أوروبا الإسلام قالوا: قد غدا تركيّا (مسلما).
لم يكن الغرب ينظر إلى العثمانيين باعتبارهم قومية أو عرقية، بل كانوا يخلطون بين العرب والأتراك، وكان خلطا طبيعيا، إذ إن الإسلام قد صهر في بوتقته جميع الأجناس والأعراق، وصار هو في حد ذاته دولة تحفظ لكل عرق أو جنس أو لغة خصوصيته ولا تلغيها. لكن الجميع يجتمعون تحت راية واحدة ومنهج واحد.
لذلك، اعتبر الغرب أن الفتوحات العثمانية التي اجتاحت أوروبا تمثل امتدادا للفتوحات الإسلامية التي قام بها العرب منذ أن اجتاز المسلمون مضيق جبل طارق إلى الأراضي الأوروبية، المتمثلة في إسبانيا والبرتغال، أو ما عرف بشبه الجزيرة الإيبيرية.
فتوحات العثمانيين لبلاد البلقان ووسط أوروبا، فضلاً عن فتح القسطنطينية والقواعد العسكرية في البحر المتوسط وغيرها من التحركات العسكرية في أوروبا، كلها كان الأوروبيون ينظرون إليها على أنها فتح إسلامي.
إذ مثل العثمانيون بالنسبة إليهم الرمز الحي المجسّد للإسلام، وحامل راية الدفاع عن الأمة الإسلامية، وتجلت هذه المسؤولية في مساندة الدولة العثمانية لعرب الشمال الإفريقي في كفاحهم ضد الإسبان، وتأمين الجزيرة العربية والبحر الأحمر من الخطر البرتغالي.
إضافة إلى إنقاذ طرابلس (الليبية) من فرسان القديس يوحنا الذين اتخذوا منها قاعدة لضرب الوجود البحري الإسلامي، وأقاموا فيها حكومة متطرفة لتغيير وجه الحياة الإسلامي في المدينة، بل وحماية شبه جزيرة سيناء المصرية من الاستيطان اليهودي.
وحتى في فترات الضعف الذي دب في الدولة العثمانية، لم تتخل الأخيرة عن مسؤوليتها في الدفاع عن الأمة الإسلامية.
ولعل أبرز هذه المواقف، هو صمود السلطان عبد الحميد الثاني أمام المد الصهيوني المدعوم أوروبيا لإقامة وطن قومي في فلسطين، ويحسب له تأخير هذه النكبة حوالي ثلاثين عاما بعدما رفض كل الإغراءات لبيع فلسطين.
تأسيسا على هذه النظرة الأوروبية للعثمانيين، كانت الروح الصليبية هي التي تغذي الحملات المستمرة التي قامت بها التحالفات الدولية.
يقول المؤرخ المصري عبد العزيز الشناوي في كتابه "الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها" إن "التحالفات الدولية التي تكونت ضد الدولة العثمانية عبر تاريخها الحافل، كانت تحالفات صليبية ضد الإسلام أملتها روح صليبية ووجهتها روح صليبية".
هذه النظرة الأوروبية للعثمانيين، على أنهم القيادة الجديدة للأمة الإسلامية، كانت موجودة بوضوح ورسوخ لدى العرب أنفسهم، فكانت الفرحة بالانتصارات العثمانية تعم أرجاء البلدان العربية وغير العربية، وترى تلك الشعوب في السلطان العثماني حامي حماها، لأنه لم تكن النعرات القومية قد ولدت بعد، ولم يكن هناك سوى الرابط الديني.
ولما كانت أوروبا تدرك ارتباط العثمانيين بالدين الإسلامي وتحركهم من خلاله، كانت الدعوة لفك الارتباط بين العثمانيين وبين العاطفة والتعاليم الإسلامية.
ولعل هذا أوضح ما يكون في رسالة البطريرك جريجوريوس إلى قيصر روسيا يبيّن له كيفية هدم الدولة العثمانية من الداخل. وقد أرفقت هذه الوثيقة الدكتورة ثريا شاهين في رسالة دكتوراه لها، قام الدكتور محمد حرب بترجمتها إلى العربية بعنوان "دور الكنيسة في هدم الدولة العثمانية"، ومن بين العبارات التي وردت في هذه الوثيقة:
" من المستحيل سحق وتدمير الأتراك العثمانيين بالمواجهة العسكرية، لأن العثمانيين ثوريون جدا ومقاومون وواثقون من أنفسهم، وهم أصحاب عزة نفس واضحة، وهذه الخصال التي يتمتعون بها، إنما تنبع من ارتباطهم بدينهم وتشبعهم بالعقيدة".
ويقول البطريرك أيضا: "إن كل مزايا العثمانيين هذه، بل وبطولاتهم وشجاعتهم، إنما تأتي من قوة تمسكهم بدينهم وارتباطهم بتقاليدهم وأعرافهم".
ويقول في بعض توصياته: "لا بد من كسر شعور الطاعة عندهم تجاه سلطانهم وتحطيم روحهم المعنوية وروابطهم الدينية، وأقصر الطرق لتنفيذ ذلك تعويدهم التعايش مع أفكار وسلوكيات غربية غريبة".
تبنّت أوروبا هذه النظرة للعثمانيين - باعتبارهم يمثلون الجسد الإسلامي – طوال فترة الدولة العثمانية منذ تأسيسها وحتى تفكيكها. بل إنها لا تزال تنظر إلى تركيا، وريثة الدولة العثمانية، على أنها دولة لم تنقطع صلتها بتاريخها العثماني الإسلامي.
https://www.tg-me.com/menoathgafi
✍بقلم : إحسان الفقيه
- فتوحات العثمانيين لبلاد البلقان ووسط أوروبا وفتح القسطنطينية والقواعد العسكرية في البحر المتوسط وغيرها من التحركات العسكرية في أوروبا، كلها كان الأوروبيون ينظرون إليها على أنها فتح إسلامي.
- تبنّت أوروبا هذه النظرة للعثمانيين - باعتبارهم يمثلون الجسد الإسلامي – طوال فترة الدولة العثمانية منذ تأسيسها وحتى تفكيكها، بل ولم تفارقها في النظر إلى تركيا الحديثة وتعسفها في ضمها للاتحاد الأوروبي.
يذكر المؤرخون أن الأوروبيين كانوا يطلقون على التركي "مسلم"، وإذا دخل أحد من مسيحيي أوروبا الإسلام قالوا: قد غدا تركيّا (مسلما).
لم يكن الغرب ينظر إلى العثمانيين باعتبارهم قومية أو عرقية، بل كانوا يخلطون بين العرب والأتراك، وكان خلطا طبيعيا، إذ إن الإسلام قد صهر في بوتقته جميع الأجناس والأعراق، وصار هو في حد ذاته دولة تحفظ لكل عرق أو جنس أو لغة خصوصيته ولا تلغيها. لكن الجميع يجتمعون تحت راية واحدة ومنهج واحد.
لذلك، اعتبر الغرب أن الفتوحات العثمانية التي اجتاحت أوروبا تمثل امتدادا للفتوحات الإسلامية التي قام بها العرب منذ أن اجتاز المسلمون مضيق جبل طارق إلى الأراضي الأوروبية، المتمثلة في إسبانيا والبرتغال، أو ما عرف بشبه الجزيرة الإيبيرية.
فتوحات العثمانيين لبلاد البلقان ووسط أوروبا، فضلاً عن فتح القسطنطينية والقواعد العسكرية في البحر المتوسط وغيرها من التحركات العسكرية في أوروبا، كلها كان الأوروبيون ينظرون إليها على أنها فتح إسلامي.
إذ مثل العثمانيون بالنسبة إليهم الرمز الحي المجسّد للإسلام، وحامل راية الدفاع عن الأمة الإسلامية، وتجلت هذه المسؤولية في مساندة الدولة العثمانية لعرب الشمال الإفريقي في كفاحهم ضد الإسبان، وتأمين الجزيرة العربية والبحر الأحمر من الخطر البرتغالي.
إضافة إلى إنقاذ طرابلس (الليبية) من فرسان القديس يوحنا الذين اتخذوا منها قاعدة لضرب الوجود البحري الإسلامي، وأقاموا فيها حكومة متطرفة لتغيير وجه الحياة الإسلامي في المدينة، بل وحماية شبه جزيرة سيناء المصرية من الاستيطان اليهودي.
وحتى في فترات الضعف الذي دب في الدولة العثمانية، لم تتخل الأخيرة عن مسؤوليتها في الدفاع عن الأمة الإسلامية.
ولعل أبرز هذه المواقف، هو صمود السلطان عبد الحميد الثاني أمام المد الصهيوني المدعوم أوروبيا لإقامة وطن قومي في فلسطين، ويحسب له تأخير هذه النكبة حوالي ثلاثين عاما بعدما رفض كل الإغراءات لبيع فلسطين.
تأسيسا على هذه النظرة الأوروبية للعثمانيين، كانت الروح الصليبية هي التي تغذي الحملات المستمرة التي قامت بها التحالفات الدولية.
يقول المؤرخ المصري عبد العزيز الشناوي في كتابه "الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها" إن "التحالفات الدولية التي تكونت ضد الدولة العثمانية عبر تاريخها الحافل، كانت تحالفات صليبية ضد الإسلام أملتها روح صليبية ووجهتها روح صليبية".
هذه النظرة الأوروبية للعثمانيين، على أنهم القيادة الجديدة للأمة الإسلامية، كانت موجودة بوضوح ورسوخ لدى العرب أنفسهم، فكانت الفرحة بالانتصارات العثمانية تعم أرجاء البلدان العربية وغير العربية، وترى تلك الشعوب في السلطان العثماني حامي حماها، لأنه لم تكن النعرات القومية قد ولدت بعد، ولم يكن هناك سوى الرابط الديني.
ولما كانت أوروبا تدرك ارتباط العثمانيين بالدين الإسلامي وتحركهم من خلاله، كانت الدعوة لفك الارتباط بين العثمانيين وبين العاطفة والتعاليم الإسلامية.
ولعل هذا أوضح ما يكون في رسالة البطريرك جريجوريوس إلى قيصر روسيا يبيّن له كيفية هدم الدولة العثمانية من الداخل. وقد أرفقت هذه الوثيقة الدكتورة ثريا شاهين في رسالة دكتوراه لها، قام الدكتور محمد حرب بترجمتها إلى العربية بعنوان "دور الكنيسة في هدم الدولة العثمانية"، ومن بين العبارات التي وردت في هذه الوثيقة:
" من المستحيل سحق وتدمير الأتراك العثمانيين بالمواجهة العسكرية، لأن العثمانيين ثوريون جدا ومقاومون وواثقون من أنفسهم، وهم أصحاب عزة نفس واضحة، وهذه الخصال التي يتمتعون بها، إنما تنبع من ارتباطهم بدينهم وتشبعهم بالعقيدة".
ويقول البطريرك أيضا: "إن كل مزايا العثمانيين هذه، بل وبطولاتهم وشجاعتهم، إنما تأتي من قوة تمسكهم بدينهم وارتباطهم بتقاليدهم وأعرافهم".
ويقول في بعض توصياته: "لا بد من كسر شعور الطاعة عندهم تجاه سلطانهم وتحطيم روحهم المعنوية وروابطهم الدينية، وأقصر الطرق لتنفيذ ذلك تعويدهم التعايش مع أفكار وسلوكيات غربية غريبة".
تبنّت أوروبا هذه النظرة للعثمانيين - باعتبارهم يمثلون الجسد الإسلامي – طوال فترة الدولة العثمانية منذ تأسيسها وحتى تفكيكها. بل إنها لا تزال تنظر إلى تركيا، وريثة الدولة العثمانية، على أنها دولة لم تنقطع صلتها بتاريخها العثماني الإسلامي.
https://www.tg-me.com/menoathgafi
مقالات مختارة
Photo
في الصورة أربع من أعظم سلاطين الدولة العثمانية
🔸 محمد الفاتح فاتح القسطنطينة والبانيا والبوسنه وكرواتيا والافلاق
🔸 سليم الأول موحد الامة وأول خليفة عثماني
🔸سليمان القانوني فاتح بلغرد والمجر وأقوى ملك في العالم آنداك
🔸 مراد الرابع هازم الاوربيين والذي اعاد للدولة الهيبة بعد ضعف
🔸 محمد الفاتح فاتح القسطنطينة والبانيا والبوسنه وكرواتيا والافلاق
🔸 سليم الأول موحد الامة وأول خليفة عثماني
🔸سليمان القانوني فاتح بلغرد والمجر وأقوى ملك في العالم آنداك
🔸 مراد الرابع هازم الاوربيين والذي اعاد للدولة الهيبة بعد ضعف
مقالات مختارة
Photo
عهِدَ الخليفة العثماني "عبد الحميد الثاني" إلى كثير من "(( العرب ))" بأعلى المناصب في الدولة !!
،
(( وهذا بالطبع ينفي ما يردده أعداء الدولة العثمانية ، والقول بأن الدولة العثمانية كانت تقصي العرب عن مناصب الدولة ))
،
وهنا نأتي على ذكرهم ، ومن هؤلاء العرب :
،
،
💢( أحمد عزة باشا العابد ) ، الكاتب الثاني في البلاط السلطاني ، وقد بلغ بنفوذه مبلغاً فاق الصدر الأعظم !! .
،
💢( شفيق بك المؤيد ) ، المفوض في الديون العامة .
،
💢( شفيق بك الكوراني ) ، رئيس الشرطة .
،
💢( عرب حقي باشا ، وسليم بك ملحمة ، ونجيب بك ملحمة ، وسليمان البستاني ) ، وكلهم قد بلغوا مرتبة الوزارة .
،
💢( طالب باشا النقيب ، ( وأحمد باشا الزهير) من أعضاء مجلس شورى الدولة .
،
💢الفريق ( محمد باشا ) والفريق ( محيي الدين باشا ) ، من مرافقي السلطان !! .
،
💢المشير أركان حرب ( شفيق باشا ) وأخوه الفريق ( وهيب باشا ) ، من أركان أساتذة المدارس العسكرية والحكومية .
،
💢( شكري باشا الأيوبي الدمشقي ) ، ناظر الأعمال العسكرية .
،
💢الدكتور ( يوسف رامي ) أمير لواء !! .
،
💢الدكتور ( إلياس مطر ) أستاذ التشريح في الكلية الطبية في استانبول .
،
💢الأستاذ ( سليم باز ) أستاذ في كلية الحقوق .
،
💢وقد اتخذ الخليفة حرساً خاصاً من العرب ، أنزلهم حول قصره وألبسهم عمائم خضراء .
،
💢وقد زوّج السلطان عدداً من أميرات البيت السلطاني لعرب !! ، ورفع أزواجهن لرتبة ( صهر ) ، وهم :
،
( الشريف علي حيدر ) ، ( وصالح بك خير الدين باشا التونسي ) ، ( وأحمد نامي ) .
،
،
**المصدر / "تاريخ الدولة العلية العثمانية" ، تأليف الأستاذ محمد فريد بك المحامي ، تحقيق الدكتور إحسان حقي ، الطبعة الأولى، صفحة 745-746 .
،
،
،
(( وهذا بالطبع ينفي ما يردده أعداء الدولة العثمانية ، والقول بأن الدولة العثمانية كانت تقصي العرب عن مناصب الدولة ))
،
وهنا نأتي على ذكرهم ، ومن هؤلاء العرب :
،
،
💢( أحمد عزة باشا العابد ) ، الكاتب الثاني في البلاط السلطاني ، وقد بلغ بنفوذه مبلغاً فاق الصدر الأعظم !! .
،
💢( شفيق بك المؤيد ) ، المفوض في الديون العامة .
،
💢( شفيق بك الكوراني ) ، رئيس الشرطة .
،
💢( عرب حقي باشا ، وسليم بك ملحمة ، ونجيب بك ملحمة ، وسليمان البستاني ) ، وكلهم قد بلغوا مرتبة الوزارة .
،
💢( طالب باشا النقيب ، ( وأحمد باشا الزهير) من أعضاء مجلس شورى الدولة .
،
💢الفريق ( محمد باشا ) والفريق ( محيي الدين باشا ) ، من مرافقي السلطان !! .
،
💢المشير أركان حرب ( شفيق باشا ) وأخوه الفريق ( وهيب باشا ) ، من أركان أساتذة المدارس العسكرية والحكومية .
،
💢( شكري باشا الأيوبي الدمشقي ) ، ناظر الأعمال العسكرية .
،
💢الدكتور ( يوسف رامي ) أمير لواء !! .
،
💢الدكتور ( إلياس مطر ) أستاذ التشريح في الكلية الطبية في استانبول .
،
💢الأستاذ ( سليم باز ) أستاذ في كلية الحقوق .
،
💢وقد اتخذ الخليفة حرساً خاصاً من العرب ، أنزلهم حول قصره وألبسهم عمائم خضراء .
،
💢وقد زوّج السلطان عدداً من أميرات البيت السلطاني لعرب !! ، ورفع أزواجهن لرتبة ( صهر ) ، وهم :
،
( الشريف علي حيدر ) ، ( وصالح بك خير الدين باشا التونسي ) ، ( وأحمد نامي ) .
،
،
**المصدر / "تاريخ الدولة العلية العثمانية" ، تأليف الأستاذ محمد فريد بك المحامي ، تحقيق الدكتور إحسان حقي ، الطبعة الأولى، صفحة 745-746 .
،
،
📝 لو كان المُطْعِمُ بن عَدِيٍّ حياً!
✍بقلم : أدهم شرقاوي
يا ليوم الطائف ما أقساه، حملَ الجنة يومذاك وذهبَ بها إلى هناك أَنْ آمنوا وادخلوها، ولكن ابن عبد ياليل سيد القوم قال له: أما وجدَ اللهُ غيركَ ليُرسله؟! ثم أطلقَ وراءه الغُلمان والسُّفهاء ليرجموه بالحجارة! كُذِّب بدعوته، وأُوذِيَ بجسده، وسالَ الدمُ الشريف، وما أجرأ الناس على الله، وما أحلمَ الله على الناس!
ولأنَّ المصائب لا تأتي فُرادى، ولأنَّ أشدَّ الناس ابتلاءً الأنبياء، وهو سيدهم، كان على موعد مع ابتلاءٍ جديد حتى قبل أن تلتئم الجراح في قدميه، أما عن جرح قلبه فكان ما زال ينزُّ حين قررتْ قُريش أن تمنعه من دخول مكة، وهكذا صار بين نارين لا الغريب قبِلَ منه دعوته، ولا القريب قبلَ عودته! فكان لا بُدَّ له أن يبحث عمَّن يُجيره ويحميه ويُدخله تحت كنفه إلى مكة، فذهب إلى المطعم بن عديٍّ، وقبلَ أن يُجيره، وباتَ عنده تلكَ الليلة، ثم لما كان الصباح، خرجَ المطعم وبنوه مُتقلِّدي السيوف، حتى أتوا الكعبة، وقال للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم: طُفْ بالبيت ما شئت!
فجاء أبو سُفيان فقال للمطعم: أمُجيرٌ أنتَ أم تابعٌ له؟
فقال: بل مُجير
فقال أبو سُفيان: قبلنا جواركَ، وخلَّينا بين محمد وما هو فيه!
ثم مكثَ أياماً في مكة، وأُذِنَ له بالهجرة، ودار الزمان قليلاً، ماتَ في دورته المِطْعَم بن عديٍّ، ثم كانتْ غزوة بدر التي انتهتْ بالنصر، ولما جِيء بأسرى قُريش إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: لو كان المُطْعِمُ بن عديٍّ حيَّاً وكلَّمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له!
رغمَ أن هؤلاء أسرى حرب، ولو أن أحداً استطاع أن يقتله ما تردَّد ثانية، ولكنه حَفِظ َللمطعم بن عديٍّ معروفه معه، ولم ينسه، وأخبرهم أنه لو كان حياً وشَفِعَ فيهم ما ردَّ طلبه، ولأطلقهم له عرفاناً بمعروفه الذي صنعه معه!
النُّبلاء لا ينسون مواقف الآخرين المشرِّفة معهم حتى ولو كانوا من غير مِلةٍ وعلى غير دين!
فهل حفظنا للناس معروفهم، وتحيَّنَّا الفُرص لنرد إليهم هذا الجميل عملاً بهَدْيِه وسُنَّته، أم أخذنا ومضينا؟!
العبدُ تُقيده السلاسل، أما الحُرُّ فيُقيده المعروف! فكُنْ حراً ولا تنسَ معروفاً أُسديَ إليكَ، صحيح أن الذي فعلَ المعروف هو في الغالب لا ينتظر سداداً، ولكن من العار أن تنسى أنتَ!
تقدَّم رجل لخطبة امرأةٍ، فقال له أبوها ما زوجتكَ إياها عن زُهد فيها، ولا عن ثُقلٍ في الإنفاق عليها، ولكنها سُنة الله في الناس، ما استطعتَ أن تُحضره من مهر وبيت وجهاز أحضره، وما قصَّرتَ به أنا أدفعه!
وتمَّ الزواج، ويقول الزوج بعدها: نحن معاً منذ عشرين عاماً ما أغضبتُها يوماً، وحتى حين كانت تُشاجرني كنتُ أتذكرُ معروف أبيها معي، فأُراضيها ولو كانتْ هي المُخطئة!
إنَّ المعروف لا يضيع، وإن ضاعَ عند الناس فلن يضيع عند الله، فاصنعْ المعروف صنع من لا ينتظر السداد، ولكن إن أسدى إليك أحدٌ معروفاً فاعتبره دَيْناً وابقَ طوال العمر مُتحيِّناً اللحظة التي تُتاح لك فيها سداده فهذا خُلق الأنبياء!
أدهم شرقاوي
https://www.tg-me.com/menoathgafi
✍بقلم : أدهم شرقاوي
يا ليوم الطائف ما أقساه، حملَ الجنة يومذاك وذهبَ بها إلى هناك أَنْ آمنوا وادخلوها، ولكن ابن عبد ياليل سيد القوم قال له: أما وجدَ اللهُ غيركَ ليُرسله؟! ثم أطلقَ وراءه الغُلمان والسُّفهاء ليرجموه بالحجارة! كُذِّب بدعوته، وأُوذِيَ بجسده، وسالَ الدمُ الشريف، وما أجرأ الناس على الله، وما أحلمَ الله على الناس!
ولأنَّ المصائب لا تأتي فُرادى، ولأنَّ أشدَّ الناس ابتلاءً الأنبياء، وهو سيدهم، كان على موعد مع ابتلاءٍ جديد حتى قبل أن تلتئم الجراح في قدميه، أما عن جرح قلبه فكان ما زال ينزُّ حين قررتْ قُريش أن تمنعه من دخول مكة، وهكذا صار بين نارين لا الغريب قبِلَ منه دعوته، ولا القريب قبلَ عودته! فكان لا بُدَّ له أن يبحث عمَّن يُجيره ويحميه ويُدخله تحت كنفه إلى مكة، فذهب إلى المطعم بن عديٍّ، وقبلَ أن يُجيره، وباتَ عنده تلكَ الليلة، ثم لما كان الصباح، خرجَ المطعم وبنوه مُتقلِّدي السيوف، حتى أتوا الكعبة، وقال للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم: طُفْ بالبيت ما شئت!
فجاء أبو سُفيان فقال للمطعم: أمُجيرٌ أنتَ أم تابعٌ له؟
فقال: بل مُجير
فقال أبو سُفيان: قبلنا جواركَ، وخلَّينا بين محمد وما هو فيه!
ثم مكثَ أياماً في مكة، وأُذِنَ له بالهجرة، ودار الزمان قليلاً، ماتَ في دورته المِطْعَم بن عديٍّ، ثم كانتْ غزوة بدر التي انتهتْ بالنصر، ولما جِيء بأسرى قُريش إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: لو كان المُطْعِمُ بن عديٍّ حيَّاً وكلَّمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له!
رغمَ أن هؤلاء أسرى حرب، ولو أن أحداً استطاع أن يقتله ما تردَّد ثانية، ولكنه حَفِظ َللمطعم بن عديٍّ معروفه معه، ولم ينسه، وأخبرهم أنه لو كان حياً وشَفِعَ فيهم ما ردَّ طلبه، ولأطلقهم له عرفاناً بمعروفه الذي صنعه معه!
النُّبلاء لا ينسون مواقف الآخرين المشرِّفة معهم حتى ولو كانوا من غير مِلةٍ وعلى غير دين!
فهل حفظنا للناس معروفهم، وتحيَّنَّا الفُرص لنرد إليهم هذا الجميل عملاً بهَدْيِه وسُنَّته، أم أخذنا ومضينا؟!
العبدُ تُقيده السلاسل، أما الحُرُّ فيُقيده المعروف! فكُنْ حراً ولا تنسَ معروفاً أُسديَ إليكَ، صحيح أن الذي فعلَ المعروف هو في الغالب لا ينتظر سداداً، ولكن من العار أن تنسى أنتَ!
تقدَّم رجل لخطبة امرأةٍ، فقال له أبوها ما زوجتكَ إياها عن زُهد فيها، ولا عن ثُقلٍ في الإنفاق عليها، ولكنها سُنة الله في الناس، ما استطعتَ أن تُحضره من مهر وبيت وجهاز أحضره، وما قصَّرتَ به أنا أدفعه!
وتمَّ الزواج، ويقول الزوج بعدها: نحن معاً منذ عشرين عاماً ما أغضبتُها يوماً، وحتى حين كانت تُشاجرني كنتُ أتذكرُ معروف أبيها معي، فأُراضيها ولو كانتْ هي المُخطئة!
إنَّ المعروف لا يضيع، وإن ضاعَ عند الناس فلن يضيع عند الله، فاصنعْ المعروف صنع من لا ينتظر السداد، ولكن إن أسدى إليك أحدٌ معروفاً فاعتبره دَيْناً وابقَ طوال العمر مُتحيِّناً اللحظة التي تُتاح لك فيها سداده فهذا خُلق الأنبياء!
أدهم شرقاوي
https://www.tg-me.com/menoathgafi
Telegram
مقالات مختارة
" رُبّ مقال كانت فائدته بوزن كتاب "
📝 "سقَطاتُ العلماء وامتحانُ الولاء"
✍بقلم : د.جمال الباشا
قد يتوهَّم بعضُ الطيبين أنَّ الإخلاص لله مع الشرِّ لا يجتمعان في عبد!!
وأنَّ السَّبقَ في العلم والدعوة وكثرة المحاضرات والتصنيفات لا يمكن أن تجتمع مع البدعة العقائدية الكبرى في شخص!!
وأنَّ الزهدَ والعبادة والبكاء من خشية الله عاصمةٌ للعبد من الزيغ وتمنحه حصانةً من النقد!!
وقد ينطلي على ضعاف البصيرة فذلَكةُ العبارة ولباقةُ الإشارة فيُعميه عن رؤية أوابد الفكر وزيغ القلب.
من قال إنَّ رؤوس أهل البدع كانوا شرًّا محضًا ليس عندهم خير قط؟!
من قال إنهم ليس لديهم علم وذكاء وفطنة؟!
من قال إنهم ليس فيهم الزهاد والعُباد والمخلصين لله يريدون وجهه، وإنهم لا يبكون من خشية الله؟!
من قال إنهم لا يجاهدون في سبيل الله ولا ينصرون دينه وليس لهم مواقف بطولية ضد أعداء الإسلام؟!
لقد حفظ لنا التاريخُ سيرَ عشرات المبتدعة الكبار وما كانوا عليه من صلاح ظاهر، ولم يمنع ذلك العلماءَ والأئمة من تصنيفهم في أهل البدع وتحذير الناس من بدعتهم وفتنتهم، لأنَّ الدين الحقَّ عند الصادقين أحبُّ إليهم من أنفسهم التي بين جنباتهم، وأغلى من آبائهم وأمهاتهم.
هل سمعتم بعبد الرحمن بن ملجم؟
هل تعلمون عنه شيئًا غير أنه رأس من رؤوس الخوارج، وأنه من قتل عليًّا رضي الله عنه؟!
هل علمتم أنه شهد فتح مصر، واختط بها مع الأشراف، وأنه قرأ القرآن على معاذ بن جبل، وكان من الفهاء والنُسَّاك؟!
هل علمتم أنَّ عمر بن الخطاب كتب إلى عمرو بن العاص: أن قرِّب دارَ عبد الرحمن بن ملجم من المسجد؛ ليُعلِّم الناس القرآن والفقه، فوسَّع له مكان داره؟!
هاؤم آخر ..
رجل حجَّ أربعين سنةً ماشيًا وبعيره يُقاد معه، يركبه الفقير والضعيف والمنقطع به.
رجل كان يُحيي الليل كله في ركعة، فعل ذلك غير مرَّةٍ في المسجد الحرام؟!
إنَّه "عمرو بن عبيد" أحد أخطر رؤوس المعتزلة وعلمائهم.
قال حفص بن غياث: ما لقيت أزهد منه.
وكان الخليفة المنصور يُثني على زهده وورعه فيقول: كلكم يمشي رويدًا .. كلكم يطلب صيد .. غير عمرو بن عبيد.
ويبين ذلك بقوله: ألقيتُ الحَبَّ للناس فلقطوا كلُّهم إلا عمرو بن عبيد ومعاذ بن معاذ، ثم إن معاذًا ثنى جناحه فلقط"
قال الذهبي في "السير" معلِّقًا: قلت: اغترَّ بزهده وإخلاصه، وأغفل بدعته.
هذا ما حكم الأئمة عليه:
قال عبد الله بن المبارك: دعا إلى القدر فتركوه.
وقال النسائي: ليس بثقة.
قال سلام بن أبي مطيع: أنا للحجاج أرجى مني لعمرو بن عبيد.
وإن أردتم - رعاكم الله - أن أختم لك بثالث فخذوا بِشرًا المريسي كبير المعتزلة وفقيههم..
كان من كبار الفقهاء، أخذ عن القاضي أبي يوسف وروى عن حماد بن سلمة وسفيان بن عيينة.
كان دَيِّنا ورِعًا متكلمًا، بلغ من ورعه أنه كان لا يطأ أهله ليلًا مخافةَ الشبهة، ولا يتزوج إلا مَن هي أصغرُ منه بعشر سنين مخافة أن تكون رضيعته.
هل تعلم أنَّ هذا الفقيه الورع هو الذي ترأس فتنة القول بخلق القرآن، وبتحريضه للسلطان تم قتلُ العلماء الكبار وحبسهم وتعذيبهم؟!
لقد تصدَّى العلماءُ لهذا الضال، وصنَّفوا في الرد على شبهاته التصانيف، وفي مقدمتهم الإمام عثمان بن سعيد الدارمي صاحب السنن، وقد قال في مقدمة نقضه مخاطبا المعارض:
فحسب امرئ من الخيبة والحرمان وفضحه في الكور والبلدان أن يكون إمامه في توحيد الله تعالى بشر بن غياث المريسي، الملحد في أسماء الله، المفتري المعطل لصفات ربه.
أقول ختامًا:
إنَّ الله لن يُصلح حال هذه الأمة حتى يكون الحقُّ أحبَّ إلينا من أنفسنا، وأن ندور مع الحق حيث دار،
وأن يُقدَّم على الآباء والأبناء والأشياخ.
وإنه وأيم الله لاختبار الولاء الأصعب.
لقد كان للمريسي أمًّا صالحة بالفطرة، عندها من عقيدة الولاء والبراء ما ليس عند كثير من المحسوبين على العلم في زماننا؟
يقول الشافعي: دخلت بغداد، فنزلت على بشر المريسي، فأنزلني في غرفة له، فقالت لي أمُّه:
لم جئت إلى هذا؟
قلت: أسمع منه العلم، فقالت: هذا زنديق.
فيا لله كم من زنديق انطلى على الناس فسادُ حاله بما اصطبغ به من حسن سمته ومقاله.
ذكرى لمن كان له قلب.
https://www.tg-me.com/menoathgafi
✍بقلم : د.جمال الباشا
قد يتوهَّم بعضُ الطيبين أنَّ الإخلاص لله مع الشرِّ لا يجتمعان في عبد!!
وأنَّ السَّبقَ في العلم والدعوة وكثرة المحاضرات والتصنيفات لا يمكن أن تجتمع مع البدعة العقائدية الكبرى في شخص!!
وأنَّ الزهدَ والعبادة والبكاء من خشية الله عاصمةٌ للعبد من الزيغ وتمنحه حصانةً من النقد!!
وقد ينطلي على ضعاف البصيرة فذلَكةُ العبارة ولباقةُ الإشارة فيُعميه عن رؤية أوابد الفكر وزيغ القلب.
من قال إنَّ رؤوس أهل البدع كانوا شرًّا محضًا ليس عندهم خير قط؟!
من قال إنهم ليس لديهم علم وذكاء وفطنة؟!
من قال إنهم ليس فيهم الزهاد والعُباد والمخلصين لله يريدون وجهه، وإنهم لا يبكون من خشية الله؟!
من قال إنهم لا يجاهدون في سبيل الله ولا ينصرون دينه وليس لهم مواقف بطولية ضد أعداء الإسلام؟!
لقد حفظ لنا التاريخُ سيرَ عشرات المبتدعة الكبار وما كانوا عليه من صلاح ظاهر، ولم يمنع ذلك العلماءَ والأئمة من تصنيفهم في أهل البدع وتحذير الناس من بدعتهم وفتنتهم، لأنَّ الدين الحقَّ عند الصادقين أحبُّ إليهم من أنفسهم التي بين جنباتهم، وأغلى من آبائهم وأمهاتهم.
هل سمعتم بعبد الرحمن بن ملجم؟
هل تعلمون عنه شيئًا غير أنه رأس من رؤوس الخوارج، وأنه من قتل عليًّا رضي الله عنه؟!
هل علمتم أنه شهد فتح مصر، واختط بها مع الأشراف، وأنه قرأ القرآن على معاذ بن جبل، وكان من الفهاء والنُسَّاك؟!
هل علمتم أنَّ عمر بن الخطاب كتب إلى عمرو بن العاص: أن قرِّب دارَ عبد الرحمن بن ملجم من المسجد؛ ليُعلِّم الناس القرآن والفقه، فوسَّع له مكان داره؟!
هاؤم آخر ..
رجل حجَّ أربعين سنةً ماشيًا وبعيره يُقاد معه، يركبه الفقير والضعيف والمنقطع به.
رجل كان يُحيي الليل كله في ركعة، فعل ذلك غير مرَّةٍ في المسجد الحرام؟!
إنَّه "عمرو بن عبيد" أحد أخطر رؤوس المعتزلة وعلمائهم.
قال حفص بن غياث: ما لقيت أزهد منه.
وكان الخليفة المنصور يُثني على زهده وورعه فيقول: كلكم يمشي رويدًا .. كلكم يطلب صيد .. غير عمرو بن عبيد.
ويبين ذلك بقوله: ألقيتُ الحَبَّ للناس فلقطوا كلُّهم إلا عمرو بن عبيد ومعاذ بن معاذ، ثم إن معاذًا ثنى جناحه فلقط"
قال الذهبي في "السير" معلِّقًا: قلت: اغترَّ بزهده وإخلاصه، وأغفل بدعته.
هذا ما حكم الأئمة عليه:
قال عبد الله بن المبارك: دعا إلى القدر فتركوه.
وقال النسائي: ليس بثقة.
قال سلام بن أبي مطيع: أنا للحجاج أرجى مني لعمرو بن عبيد.
وإن أردتم - رعاكم الله - أن أختم لك بثالث فخذوا بِشرًا المريسي كبير المعتزلة وفقيههم..
كان من كبار الفقهاء، أخذ عن القاضي أبي يوسف وروى عن حماد بن سلمة وسفيان بن عيينة.
كان دَيِّنا ورِعًا متكلمًا، بلغ من ورعه أنه كان لا يطأ أهله ليلًا مخافةَ الشبهة، ولا يتزوج إلا مَن هي أصغرُ منه بعشر سنين مخافة أن تكون رضيعته.
هل تعلم أنَّ هذا الفقيه الورع هو الذي ترأس فتنة القول بخلق القرآن، وبتحريضه للسلطان تم قتلُ العلماء الكبار وحبسهم وتعذيبهم؟!
لقد تصدَّى العلماءُ لهذا الضال، وصنَّفوا في الرد على شبهاته التصانيف، وفي مقدمتهم الإمام عثمان بن سعيد الدارمي صاحب السنن، وقد قال في مقدمة نقضه مخاطبا المعارض:
فحسب امرئ من الخيبة والحرمان وفضحه في الكور والبلدان أن يكون إمامه في توحيد الله تعالى بشر بن غياث المريسي، الملحد في أسماء الله، المفتري المعطل لصفات ربه.
أقول ختامًا:
إنَّ الله لن يُصلح حال هذه الأمة حتى يكون الحقُّ أحبَّ إلينا من أنفسنا، وأن ندور مع الحق حيث دار،
وأن يُقدَّم على الآباء والأبناء والأشياخ.
وإنه وأيم الله لاختبار الولاء الأصعب.
لقد كان للمريسي أمًّا صالحة بالفطرة، عندها من عقيدة الولاء والبراء ما ليس عند كثير من المحسوبين على العلم في زماننا؟
يقول الشافعي: دخلت بغداد، فنزلت على بشر المريسي، فأنزلني في غرفة له، فقالت لي أمُّه:
لم جئت إلى هذا؟
قلت: أسمع منه العلم، فقالت: هذا زنديق.
فيا لله كم من زنديق انطلى على الناس فسادُ حاله بما اصطبغ به من حسن سمته ومقاله.
ذكرى لمن كان له قلب.
https://www.tg-me.com/menoathgafi
Telegram
مقالات مختارة
" رُبّ مقال كانت فائدته بوزن كتاب "
مقالات مختارة
Photo
📝 تربية المحن!
.
✍بقلم الكاتبة إحسان الفقيه
«ما أشبه النكبة بالبيضة، تُحسب سجناً لما فيها وهي تحوطه وتربيه وتعينه على تمامه، وليس عليه إلا الصبر إلى مدة، والرضى إلى غاية، ثم تنقف البيضة فيُخرَج خلقا آخر».
عبارة أوردها الأديب الرافعي في وحي قلمه عن أحد البلغاء، تُجسّد حالة مطردة في الأمم على مرّ الزمان: إن المحن دائما تُسفر عن مِنح، ففي حرّها وسمومها تتربى الأجيال، فإذا هي الظلام الدامس الذي ينبلج منه ضوء الفجر، وهي العسر الذي يتمخض عن اليسر.
لطالما نظرنا إلى المحن والأزمات التي تكتنف حياتنا على أنها نهاية التاريخ، نتعاطى معها على أنها السطر الأخير في رواية العناء، وتجد هذه النظرة أقلاما وأصواتا مؤازِرة، تُربي بذور اليأس والتشاؤم بقصد أو بغير قصد.
فلئن كنا مطالبين بالموضوعية والشفافية في توصيف الواقع، وعدم إغراق الجماهير في الأحلام الوردية، إلا أننا بالتوازي مع ذلك مطالبون بالتعامل مع المحن والأزمات بشيء من التفاؤل، نبث الأمل في القانطين، انطلاقا من ذات الموضوعية والشفافية، المستلهَمة من صفحات التاريخ، التي أنبأت بميلاد المنح من قلب المحن، على مستوى الأفراد والأمم، فالحقيقة الظاهرة أن المحن والأزمات تربي الشعوب، فتغدو أكثر صلابة وصلادة ونضجا بما يكفي لعملية النهوض والانبعاث. التيه الذي دخله بنو إسرائيل على مدى أربعين سنة، رغم أنه جاء عقوبة على تمردهم على أوامر الله وأنبيائه، إلا أنه في خلال عقود هذه المحنة، تربى جيل جديد منهم على الإيمان والانضباط والجدية والشجاعة، كانت المقومات اللازمة لدخول الأرض المقدسة، التي نكص آباؤهم عن دخولها بما لديهم من ضعف إيمان وخور وفوضى، ولم يشهد نبيا الله موسى وهارون هذا الدخول، إلا أن الثمرة قطفها الجيل اللاحق.
وفي بطحاء مكة تلاقت الرمال الملتهبة مع الحديد المحميِّ والسياط المرعبة والحجارة الثقيلة، لتجتمع على قهر بشرٍ من لحم ودم، لا لشيء إلا لأنهم تنكروا للموروثات الباطلة، واتبعوا النور الذي نزل من السماء، وفي خضم المحنة والأزمة، وفي ظل الصرخات التي تتساءل عن النصر، كانت البُشريات بانقشاع الظلمة وولادة النور، وإتمام الأمر، وبلوغه ما بلغ الليل والنهار، فكانت بعدها دولة الإسلام الأولى، التي نفذت أشعتها إلى العالمين، وصارت حضارة فريدة استفادت منها البشرية جمعاء.
تربت الشعوب بين أنياب محنة غياب الأقصى عن حضن الأمة، في ظل تسلط الحكام العملاء الخونة الممالئين لأعداء الأمة، قبيل ظهور صلاح الدين، إذ كانوا يستنصرون بالصليبيين على أقرانهم، فتشتت شمل الشعوب، لكن هذه المحنة هي التي أنبتت أمثال السلطان نور الدين محمود زنكي، وتلميذه صلاح الدين الأيوبي، والتي كانت وحدة الأمة وفصم أغلال الأقصى مهمتهما الأسمى، لينطلق الأخير لاستكمال ما بدأه قائده، وعبر إلى فلسطين من خلال تطهير مصر من حكامها العبيديين الخونة، واسترد الأقصى بعد قرابة مئة عام، لم يرفع منه الأذان، ولا ننسى في هذا المقام أن نشير إلى دور المدارس النظامية التي أنشأها الوزير نظام الدين قبل ذلك، والتي أخرجت جيل صلاح الدين، بما عرف عنها من انتشار في المدن والعواصم والقرى، واشتمالها على مناهج تؤسس لنهضة مجتمعية شاملة، تُوّجت باستعادة القدس. ومن كان يظن أن الأمة ستقوم لها قائمة إبان الاجتياح التتري، فقد ضربت الهزيمة النفسية أطنابها في النفوس، وأضحى الناس يتداولون أن التتار يأكلون لحوم البشر، ويشربون دماءهم، حتى أن الرجل منهم ربما دخل حانة وقيّد كل من فيها، من دون أن يحركوا ساكنا، اعتقادا منهم بأنهم لا قبل لهم بالتتري، ويكفي أن نعلم بأن بلاد مازندران في إيران، لم يستطع المسلمون دخولها إبان الصراع مع فارس، ولم يدخلوها إلا في زمن سليمان بن عبد الملك، لكن التتار دخلوها في زمن قياسي، وسهولة عجيبة، بسبب الهزيمة النفسية التي تمكنت من أهلها.
إننا بحاجة إلى نظرة جديدة إلى المحنة، تضاهي نظرتنا إلى الدواء الذي نلتمسه في أنياب الثعابين وذيول العقارب
لقد كان المؤرخ ابن الأثير يعرض عن ذكر هذه الحوادث استعظاما لها كما ذكر في كتابه «الكامل» لكنه لم يكن حيا حين بدأ التتار هجمتهم الثانية واجتاحوا حاضرة الخلافة وقتلوا فيها مئات الآلاف.
رغم كل ذلك إلا أن صحوة ما قد بدأت، قادها علماء أمثال الإمام العز بن عبد السلام والقادة أمثال قطز وبيبرس، جعلت الجماهير تدرك خطر الفرقة والعمالة وضرورة دفع ضريبة المواجهة، قبل أن يدفعوا ضريبة الذل، فكانت عين جالوت هي الصخرة التي تكسرت عليها شوكة التتار، وجاءت الأحداث التي تليها تطهيرا للأمة من درن الاحتلال. وإنها لحالة مطردة بين الأمم أن تربيها المحن، فالشعب الألماني خرج من الحرب العالمية الثانية مهزوما منكسرا، لا وجود فيه سوى للأطفال والنساء وكبار السن، أما الشباب فمنهم من قتل في الحروب ومنهم من سيق إلى معسكرات الاغتيال، لكن فترة السقوط كانت محنة، ربت هذه النفوس على العطاء والبذل، من دون انتظار المقابل، فقام ذلك الشعب
.
✍بقلم الكاتبة إحسان الفقيه
«ما أشبه النكبة بالبيضة، تُحسب سجناً لما فيها وهي تحوطه وتربيه وتعينه على تمامه، وليس عليه إلا الصبر إلى مدة، والرضى إلى غاية، ثم تنقف البيضة فيُخرَج خلقا آخر».
عبارة أوردها الأديب الرافعي في وحي قلمه عن أحد البلغاء، تُجسّد حالة مطردة في الأمم على مرّ الزمان: إن المحن دائما تُسفر عن مِنح، ففي حرّها وسمومها تتربى الأجيال، فإذا هي الظلام الدامس الذي ينبلج منه ضوء الفجر، وهي العسر الذي يتمخض عن اليسر.
لطالما نظرنا إلى المحن والأزمات التي تكتنف حياتنا على أنها نهاية التاريخ، نتعاطى معها على أنها السطر الأخير في رواية العناء، وتجد هذه النظرة أقلاما وأصواتا مؤازِرة، تُربي بذور اليأس والتشاؤم بقصد أو بغير قصد.
فلئن كنا مطالبين بالموضوعية والشفافية في توصيف الواقع، وعدم إغراق الجماهير في الأحلام الوردية، إلا أننا بالتوازي مع ذلك مطالبون بالتعامل مع المحن والأزمات بشيء من التفاؤل، نبث الأمل في القانطين، انطلاقا من ذات الموضوعية والشفافية، المستلهَمة من صفحات التاريخ، التي أنبأت بميلاد المنح من قلب المحن، على مستوى الأفراد والأمم، فالحقيقة الظاهرة أن المحن والأزمات تربي الشعوب، فتغدو أكثر صلابة وصلادة ونضجا بما يكفي لعملية النهوض والانبعاث. التيه الذي دخله بنو إسرائيل على مدى أربعين سنة، رغم أنه جاء عقوبة على تمردهم على أوامر الله وأنبيائه، إلا أنه في خلال عقود هذه المحنة، تربى جيل جديد منهم على الإيمان والانضباط والجدية والشجاعة، كانت المقومات اللازمة لدخول الأرض المقدسة، التي نكص آباؤهم عن دخولها بما لديهم من ضعف إيمان وخور وفوضى، ولم يشهد نبيا الله موسى وهارون هذا الدخول، إلا أن الثمرة قطفها الجيل اللاحق.
وفي بطحاء مكة تلاقت الرمال الملتهبة مع الحديد المحميِّ والسياط المرعبة والحجارة الثقيلة، لتجتمع على قهر بشرٍ من لحم ودم، لا لشيء إلا لأنهم تنكروا للموروثات الباطلة، واتبعوا النور الذي نزل من السماء، وفي خضم المحنة والأزمة، وفي ظل الصرخات التي تتساءل عن النصر، كانت البُشريات بانقشاع الظلمة وولادة النور، وإتمام الأمر، وبلوغه ما بلغ الليل والنهار، فكانت بعدها دولة الإسلام الأولى، التي نفذت أشعتها إلى العالمين، وصارت حضارة فريدة استفادت منها البشرية جمعاء.
تربت الشعوب بين أنياب محنة غياب الأقصى عن حضن الأمة، في ظل تسلط الحكام العملاء الخونة الممالئين لأعداء الأمة، قبيل ظهور صلاح الدين، إذ كانوا يستنصرون بالصليبيين على أقرانهم، فتشتت شمل الشعوب، لكن هذه المحنة هي التي أنبتت أمثال السلطان نور الدين محمود زنكي، وتلميذه صلاح الدين الأيوبي، والتي كانت وحدة الأمة وفصم أغلال الأقصى مهمتهما الأسمى، لينطلق الأخير لاستكمال ما بدأه قائده، وعبر إلى فلسطين من خلال تطهير مصر من حكامها العبيديين الخونة، واسترد الأقصى بعد قرابة مئة عام، لم يرفع منه الأذان، ولا ننسى في هذا المقام أن نشير إلى دور المدارس النظامية التي أنشأها الوزير نظام الدين قبل ذلك، والتي أخرجت جيل صلاح الدين، بما عرف عنها من انتشار في المدن والعواصم والقرى، واشتمالها على مناهج تؤسس لنهضة مجتمعية شاملة، تُوّجت باستعادة القدس. ومن كان يظن أن الأمة ستقوم لها قائمة إبان الاجتياح التتري، فقد ضربت الهزيمة النفسية أطنابها في النفوس، وأضحى الناس يتداولون أن التتار يأكلون لحوم البشر، ويشربون دماءهم، حتى أن الرجل منهم ربما دخل حانة وقيّد كل من فيها، من دون أن يحركوا ساكنا، اعتقادا منهم بأنهم لا قبل لهم بالتتري، ويكفي أن نعلم بأن بلاد مازندران في إيران، لم يستطع المسلمون دخولها إبان الصراع مع فارس، ولم يدخلوها إلا في زمن سليمان بن عبد الملك، لكن التتار دخلوها في زمن قياسي، وسهولة عجيبة، بسبب الهزيمة النفسية التي تمكنت من أهلها.
إننا بحاجة إلى نظرة جديدة إلى المحنة، تضاهي نظرتنا إلى الدواء الذي نلتمسه في أنياب الثعابين وذيول العقارب
لقد كان المؤرخ ابن الأثير يعرض عن ذكر هذه الحوادث استعظاما لها كما ذكر في كتابه «الكامل» لكنه لم يكن حيا حين بدأ التتار هجمتهم الثانية واجتاحوا حاضرة الخلافة وقتلوا فيها مئات الآلاف.
رغم كل ذلك إلا أن صحوة ما قد بدأت، قادها علماء أمثال الإمام العز بن عبد السلام والقادة أمثال قطز وبيبرس، جعلت الجماهير تدرك خطر الفرقة والعمالة وضرورة دفع ضريبة المواجهة، قبل أن يدفعوا ضريبة الذل، فكانت عين جالوت هي الصخرة التي تكسرت عليها شوكة التتار، وجاءت الأحداث التي تليها تطهيرا للأمة من درن الاحتلال. وإنها لحالة مطردة بين الأمم أن تربيها المحن، فالشعب الألماني خرج من الحرب العالمية الثانية مهزوما منكسرا، لا وجود فيه سوى للأطفال والنساء وكبار السن، أما الشباب فمنهم من قتل في الحروب ومنهم من سيق إلى معسكرات الاغتيال، لكن فترة السقوط كانت محنة، ربت هذه النفوس على العطاء والبذل، من دون انتظار المقابل، فقام ذلك الشعب
مقالات مختارة
Photo
المنكسر من جديد، وبنى بلاده حتى صارت من القوى الاقتصادية والعسكرية والعلمية ذات المواقع المتميزة في الترتيب العالمي.
الشعب الياباني الذي تربى في محنة الاستسلام بعد نجازاكي وهيروشيما التي يجد آثارها إلى اليوم، هو الشعب ذاته الذي أذهل العالم بعدها بانبعاثه ونهضته، وأصبح رمزًا للصناعات والتكنولوجيا المتقدمة، إلى درجة أن كثيرا من الناس عندما يتناولون طرفا من حياة اليابانيين يقول: «كوكب اليابان».
إننا بحاجة إلى نظرة جديدة إلى المحنة، تضاهي نظرتنا إلى الدواء الذي نلتمسه في أنياب الثعابين وذيول العقارب، بحاجة إلى شيء من اليقين في الموعود الرباني، بحاجة إلى الاعتبار بأحوال الأمم وصفحات التاريخ بنقلاته البعيدة، بحاجة إلى عدم السأم من النظر إلى نصف الكوب الممتلئ، بحاجة إلى التفاؤل الإيجابي الذي يصاحبه العمل والجدية لا انتظار المعجزات وظهور المُخلِّصين. لم تكن الصفحة الأخيرة ليوسف في ظلمة البئر، ولم تكن في الرق، ولم تكن في الغربة، بل لم تكن في السجن، بل كتبت حين قال «رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ».
تلك السطور ربما لا تحمل الجديد، لكنها تذكرة بالقديم المنسيِّ الذي غطاه ركام النكبات، وجدتُني مدفوعة لطرْقه وأنا أرى اليأس قد بلغ من الناس مبلغه، وجلسوا ينتظرون المعجزات أو الممات، من دون إعمال الفكر والعقل وصرف الهمة إلى العمل بسبب سوء الأوضاع على الأصعدة كافة، فالنكبات وإن كانت تتوالى، فالفرج كذلك يتوالى، واليسر يغلب العسر، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
https://www.tg-me.com/menoathgafi
الشعب الياباني الذي تربى في محنة الاستسلام بعد نجازاكي وهيروشيما التي يجد آثارها إلى اليوم، هو الشعب ذاته الذي أذهل العالم بعدها بانبعاثه ونهضته، وأصبح رمزًا للصناعات والتكنولوجيا المتقدمة، إلى درجة أن كثيرا من الناس عندما يتناولون طرفا من حياة اليابانيين يقول: «كوكب اليابان».
إننا بحاجة إلى نظرة جديدة إلى المحنة، تضاهي نظرتنا إلى الدواء الذي نلتمسه في أنياب الثعابين وذيول العقارب، بحاجة إلى شيء من اليقين في الموعود الرباني، بحاجة إلى الاعتبار بأحوال الأمم وصفحات التاريخ بنقلاته البعيدة، بحاجة إلى عدم السأم من النظر إلى نصف الكوب الممتلئ، بحاجة إلى التفاؤل الإيجابي الذي يصاحبه العمل والجدية لا انتظار المعجزات وظهور المُخلِّصين. لم تكن الصفحة الأخيرة ليوسف في ظلمة البئر، ولم تكن في الرق، ولم تكن في الغربة، بل لم تكن في السجن، بل كتبت حين قال «رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ».
تلك السطور ربما لا تحمل الجديد، لكنها تذكرة بالقديم المنسيِّ الذي غطاه ركام النكبات، وجدتُني مدفوعة لطرْقه وأنا أرى اليأس قد بلغ من الناس مبلغه، وجلسوا ينتظرون المعجزات أو الممات، من دون إعمال الفكر والعقل وصرف الهمة إلى العمل بسبب سوء الأوضاع على الأصعدة كافة، فالنكبات وإن كانت تتوالى، فالفرج كذلك يتوالى، واليسر يغلب العسر، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
https://www.tg-me.com/menoathgafi
Telegram
مقالات مختارة
" رُبّ مقال كانت فائدته بوزن كتاب "
. ~بسم الله الرحمن الرحيم~
. 📝.قناة.مقالات.مختارة.tt 📝
💡 قناة تحتوي على مقالات حول القضايا اليمنية والعربية والاسلامية
🌍 مقالات سياسية حول القضايا العربية والاسلامية
🧠 مقالات فكرية في الفكر الاسلامي
👨👨👧👧 مقالات اجتماعية والقضايا الشائكة في المجتمع المسلم
🌦 مقالات إعجاز علمي من القرآن والسنة للرد على الملاحدة
📚 مقالات تاريخية ( أحداث - معارك وفتوحات -شخصيات - دول)
📢 كتابات كشف وفضح العلمانيين العرب حلفائهم من جامية مداخلة ومتصوفة غلاه
✏ أقوال العلماء و المفكرين وتغريدات الكتاب والصحفيين
~رب مقال كانت فائدته بوزن كتاب~
📚 انقر على رابط قناتنا 👇
https://www.tg-me.com/menoathgafi
ساهم في نشر الرابط 👆
. 📝.قناة.مقالات.مختارة.tt 📝
💡 قناة تحتوي على مقالات حول القضايا اليمنية والعربية والاسلامية
🌍 مقالات سياسية حول القضايا العربية والاسلامية
🧠 مقالات فكرية في الفكر الاسلامي
👨👨👧👧 مقالات اجتماعية والقضايا الشائكة في المجتمع المسلم
🌦 مقالات إعجاز علمي من القرآن والسنة للرد على الملاحدة
📚 مقالات تاريخية ( أحداث - معارك وفتوحات -شخصيات - دول)
📢 كتابات كشف وفضح العلمانيين العرب حلفائهم من جامية مداخلة ومتصوفة غلاه
✏ أقوال العلماء و المفكرين وتغريدات الكتاب والصحفيين
~رب مقال كانت فائدته بوزن كتاب~
📚 انقر على رابط قناتنا 👇
https://www.tg-me.com/menoathgafi
ساهم في نشر الرابط 👆
Telegram
مقالات مختارة
" رُبّ مقال كانت فائدته بوزن كتاب "
مقالات مختارة
Photo
📝 صلاح الدين الأيوبي الناصر لدين لله
✍موقع قصة الاسلام
صنع الرجال أعظم صنعة، وبناء الإنسان أشد من بناء ناطحات السحاب، وهناك رجال الواحد منهم بألف، كما أن هناك ألوفًا لا يساوون رجلاً واحدًا. وفي وسط الظلام الدامس، والأيام الحالكة، والليالي المفعمة بالسواد، يتراءى للناس شعاع من نور الله، فيبعث الله لهم من يجدِّد لهم أمر دينهم، وشئون حياتهم، فيقيض الله لهذه الأمة رجالاً يحملون همَّ هذا الدين، فيتركون الدنيا وزينتها، ويجعلون زخرفها وراءهم ظهريًّا.
وصلاح الدين الأيوبي -رحمه الله- كان من هذا الطراز، رجلٌ أُمَّة. وهو إحدى معجزات الإسلام الباهرة، وإحدى آياته الظاهرة.. ولكن لماذا الحديث عن صلاح الدين؟ أهو تغنٍّ بالماضي أم بكاء على الأطلال؟ أم أنه تحسر على الواقع المرير؟
والحق إن الحديث عن صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله- أمر مطلوب، أو قُلْ: هو ضرورة إسلامية وفريضة شرعية؛ لأمور منها:
أولاً: لأن القدس في محنةٍ أشبه بما كانت عليه قبل مجيء صلاح الدين الأيوبي.
ثانيًا: لأن الأمة اليوم ضلت طريق الهدى، وتنكبت طرق الصلاح، ودع عنك طريق السلام المزعوم.
ثالثًا: لأن أمتنا في حاجة إلى من تقتدي به في عصرٍ قَلَّت فيه القدوات، وانعدمت فيه الرجال.
رابعًا: لأن أمتنا تنتظر مثيلاً لصلاح الدين الأيوبي؛ ليعيد لها عزتها وكرامتها.
خامسًا: لأن استقراء التاريخ أمر ضروري لتعرف الأمة كيف انتصر السلف؛ ليسير على الطريق الخلف، ولتعليم كيف أعيدتالقدس أولاً؛ لتعمل بنفس الطريقة على إعادتها ثانيًا.
سادسًا: لأن التفاؤل بالنصر أمر مطلوب، ومهما علت دولة الباطل فإنها ساعة، ودولة الحق إلى قيام الساعة؛ فلا داعي لليأس، ولا حاجة إلى القنوط، بل العمل العمل، فنحن بحاجة إلى عطاء الأغنياء، وبذل العلماء، وجهاد الأتقياء، ومثابرة الدعاة، وعزائم الرجال. نعم، بحاجة إلى لمِّ الشمل، وشحذ الهمم، وتكاتف القوى، ونبذ الخلاف، وتوحيد الصف، وحسن التوكل على الله U.
نشأة صلاح الدين الأيوبي
لم يكن صلاح الدين -رحمه الله- من الأصل العربي الذي يتغنى به كثير من أدعيائه، والحق إن صلاح الدين -رحمه الله- كان من عائلة كردية، كريمة الأصل، عظيمة الشرف، ولد في تكريت، وهي بلدة قديمة تقع بين بغداد والموصل، وكان أبوه حاكمًا لقلعة تكريت. والحق إن عراقة النسب لا تشفع لسوء الخلق، ورفعة الحسب لا تغني عن ضعف الدين، وهل كان أكثر عظماء هذه الأمة وبُناة هذه الحضارة إلا من مسلمي غير العرب؟! وسَلْ عن ذلك التاريخ يخبرك بأسماء لامعة مثل البخاري ومسلم والترمذيوغيرهم من أهل العلم وقادة الجيوش.
ومن غريب ما وقع، أن ولادة صلاح الدين يوسف بن نجم الدين أيوب بن شادي، صادفت إجبار أبيه على الخروج من تكريت، فتشاءم أبوه منه، فقال له أحد الحضور: فما يدريك أن يكون لهذا المولود ملكٌ عظيم له صيت؟!
ولما هاجر نجم الدين أيوب من تكريت، كان نزوله إلى الموصل عند عماد الدين زنكي، فأكرمه، ونشأ الطفل صلاح الدين نشأة مباركة، درج فيها على العز، وتربى فيها على الفروسية، وتدرب فيها على السلاح، ونما فيها على حب الجهاد، فقرأ القرآن الكريم وحفظ الحديث الشريف، وتعلم من اللغة ما تعلم.
صلاح الدين الأيوبي وزيرًا في مصر:
كانت مصر قبل قدوم صلاح الدين مقر الدولة الفاطمية، ولم يكن للخليفة الفاطمي سوى الدعاء على المنابر، وكانت الأمور كلها بيد الوزراء، وكان وزير الدولة هو صاحب الأمر والنهي، ومن ثَم فقد كانت مصر نهبًا للثورات الداخلية بين الطوائف المختلفة، من مماليك أتراك وسودانيين ومغاربة. ولما رأى القائد نور الدين محمود هذه الخلافات، وبدا له طمع ملك بيت المقدس أموري الصليبي في دخول مصر، أرسل نور الدين محمود من دمشق إلى مصر جيشًا بقيادة أسد الدين شيركوه، يساعده ابن أخيه صلاح الدين، فلما علم الصليبيون بقدوم أسد الدين شيركوه، تركوا مصر، ودخلها أسد الدين، وقربه الخليفة الفاطمي، ثم لم يلبث أن عُيِّن وزيرًا بعد ذلك، ولم تستمر له الوزارة سوى شهرين، فاختار الخليفة ابن أخيه صلاح الدين وزيرًا خلفًا له.
حيكت المؤامرات من أرباب المصالح، وأصحاب المطامع، ولكن صلاح الدين الأيوبي تغلب عليها كما تغلب على الفتن الخارجية، وبدا لصلاح الدين ظهور التشيع في مصر، فأسس مدرستين كبيرتين هما المدرسة الناصرية، والمدرسة الكاملية حتى يحوِّل الناس إلى مذهب أهل السنة؛ تمهيدًا للتغيير الذي يريده. وكان نور الدين محمود في دمشق يكثر من إلحاحه على صلاح الدين الأيوبي لتغيير خطبة يوم الجمعة وجعلها باسم الخليفة العباسي "المستضيء"، بدلاً من الخلفية الفاطمي "العاضد". وما كان ذلك طلب "نور الدين" وحده، بل كان طلب الأمة كلها، لكن صلاحًا -رحمه الله- كان يتريث ويتحين الوقت المناسب، فلما مرض الخليفة الفاطمي خطب الجمعة باسم الخليفة العباسي، وأصبح صلاح الدين الأيوبي سيد مصر، ليس لأحدٍ فيها كلمة سواه.
صلاح الدين الأيوبي وبيت المقدس:
✍موقع قصة الاسلام
صنع الرجال أعظم صنعة، وبناء الإنسان أشد من بناء ناطحات السحاب، وهناك رجال الواحد منهم بألف، كما أن هناك ألوفًا لا يساوون رجلاً واحدًا. وفي وسط الظلام الدامس، والأيام الحالكة، والليالي المفعمة بالسواد، يتراءى للناس شعاع من نور الله، فيبعث الله لهم من يجدِّد لهم أمر دينهم، وشئون حياتهم، فيقيض الله لهذه الأمة رجالاً يحملون همَّ هذا الدين، فيتركون الدنيا وزينتها، ويجعلون زخرفها وراءهم ظهريًّا.
وصلاح الدين الأيوبي -رحمه الله- كان من هذا الطراز، رجلٌ أُمَّة. وهو إحدى معجزات الإسلام الباهرة، وإحدى آياته الظاهرة.. ولكن لماذا الحديث عن صلاح الدين؟ أهو تغنٍّ بالماضي أم بكاء على الأطلال؟ أم أنه تحسر على الواقع المرير؟
والحق إن الحديث عن صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله- أمر مطلوب، أو قُلْ: هو ضرورة إسلامية وفريضة شرعية؛ لأمور منها:
أولاً: لأن القدس في محنةٍ أشبه بما كانت عليه قبل مجيء صلاح الدين الأيوبي.
ثانيًا: لأن الأمة اليوم ضلت طريق الهدى، وتنكبت طرق الصلاح، ودع عنك طريق السلام المزعوم.
ثالثًا: لأن أمتنا في حاجة إلى من تقتدي به في عصرٍ قَلَّت فيه القدوات، وانعدمت فيه الرجال.
رابعًا: لأن أمتنا تنتظر مثيلاً لصلاح الدين الأيوبي؛ ليعيد لها عزتها وكرامتها.
خامسًا: لأن استقراء التاريخ أمر ضروري لتعرف الأمة كيف انتصر السلف؛ ليسير على الطريق الخلف، ولتعليم كيف أعيدتالقدس أولاً؛ لتعمل بنفس الطريقة على إعادتها ثانيًا.
سادسًا: لأن التفاؤل بالنصر أمر مطلوب، ومهما علت دولة الباطل فإنها ساعة، ودولة الحق إلى قيام الساعة؛ فلا داعي لليأس، ولا حاجة إلى القنوط، بل العمل العمل، فنحن بحاجة إلى عطاء الأغنياء، وبذل العلماء، وجهاد الأتقياء، ومثابرة الدعاة، وعزائم الرجال. نعم، بحاجة إلى لمِّ الشمل، وشحذ الهمم، وتكاتف القوى، ونبذ الخلاف، وتوحيد الصف، وحسن التوكل على الله U.
نشأة صلاح الدين الأيوبي
لم يكن صلاح الدين -رحمه الله- من الأصل العربي الذي يتغنى به كثير من أدعيائه، والحق إن صلاح الدين -رحمه الله- كان من عائلة كردية، كريمة الأصل، عظيمة الشرف، ولد في تكريت، وهي بلدة قديمة تقع بين بغداد والموصل، وكان أبوه حاكمًا لقلعة تكريت. والحق إن عراقة النسب لا تشفع لسوء الخلق، ورفعة الحسب لا تغني عن ضعف الدين، وهل كان أكثر عظماء هذه الأمة وبُناة هذه الحضارة إلا من مسلمي غير العرب؟! وسَلْ عن ذلك التاريخ يخبرك بأسماء لامعة مثل البخاري ومسلم والترمذيوغيرهم من أهل العلم وقادة الجيوش.
ومن غريب ما وقع، أن ولادة صلاح الدين يوسف بن نجم الدين أيوب بن شادي، صادفت إجبار أبيه على الخروج من تكريت، فتشاءم أبوه منه، فقال له أحد الحضور: فما يدريك أن يكون لهذا المولود ملكٌ عظيم له صيت؟!
ولما هاجر نجم الدين أيوب من تكريت، كان نزوله إلى الموصل عند عماد الدين زنكي، فأكرمه، ونشأ الطفل صلاح الدين نشأة مباركة، درج فيها على العز، وتربى فيها على الفروسية، وتدرب فيها على السلاح، ونما فيها على حب الجهاد، فقرأ القرآن الكريم وحفظ الحديث الشريف، وتعلم من اللغة ما تعلم.
صلاح الدين الأيوبي وزيرًا في مصر:
كانت مصر قبل قدوم صلاح الدين مقر الدولة الفاطمية، ولم يكن للخليفة الفاطمي سوى الدعاء على المنابر، وكانت الأمور كلها بيد الوزراء، وكان وزير الدولة هو صاحب الأمر والنهي، ومن ثَم فقد كانت مصر نهبًا للثورات الداخلية بين الطوائف المختلفة، من مماليك أتراك وسودانيين ومغاربة. ولما رأى القائد نور الدين محمود هذه الخلافات، وبدا له طمع ملك بيت المقدس أموري الصليبي في دخول مصر، أرسل نور الدين محمود من دمشق إلى مصر جيشًا بقيادة أسد الدين شيركوه، يساعده ابن أخيه صلاح الدين، فلما علم الصليبيون بقدوم أسد الدين شيركوه، تركوا مصر، ودخلها أسد الدين، وقربه الخليفة الفاطمي، ثم لم يلبث أن عُيِّن وزيرًا بعد ذلك، ولم تستمر له الوزارة سوى شهرين، فاختار الخليفة ابن أخيه صلاح الدين وزيرًا خلفًا له.
حيكت المؤامرات من أرباب المصالح، وأصحاب المطامع، ولكن صلاح الدين الأيوبي تغلب عليها كما تغلب على الفتن الخارجية، وبدا لصلاح الدين ظهور التشيع في مصر، فأسس مدرستين كبيرتين هما المدرسة الناصرية، والمدرسة الكاملية حتى يحوِّل الناس إلى مذهب أهل السنة؛ تمهيدًا للتغيير الذي يريده. وكان نور الدين محمود في دمشق يكثر من إلحاحه على صلاح الدين الأيوبي لتغيير خطبة يوم الجمعة وجعلها باسم الخليفة العباسي "المستضيء"، بدلاً من الخلفية الفاطمي "العاضد". وما كان ذلك طلب "نور الدين" وحده، بل كان طلب الأمة كلها، لكن صلاحًا -رحمه الله- كان يتريث ويتحين الوقت المناسب، فلما مرض الخليفة الفاطمي خطب الجمعة باسم الخليفة العباسي، وأصبح صلاح الدين الأيوبي سيد مصر، ليس لأحدٍ فيها كلمة سواه.
صلاح الدين الأيوبي وبيت المقدس:
مقالات مختارة
Photo
كان صلاح الدين -رحمه الله- مفعمًا قلبه بحب الجهاد شغوفًا به، قد استولى على جوانحه. وقد هجر -رحمه الله- من أجل ذلك أهله وولده وبلده، ولم يكن له ميل إلا إليه، ولا حب إلا لرجاله. يقول القاضي بهاء الدين بن شداد: "وكان الرجل إذا أراد أن يتقرب إليه يحثه على الجهاد، ولو حلف حالف أنه ما أتفق بعد خروجه إلى الجهاد دينارًا ولا درهمًا إلا في الجهاد أو في الأرفاد، لصدق وبرّ يمينه".
إن لكل رجل همَّه، وهمُّ الرجل على قدر ما أهمه، وكأني بابن القيم -رحمه الله- يصف صلاح الدين الأيوبي حين قال: "النعيم لا يدرك بالنعيم، وبحسب ركوب الأهوال واحتمال المشاق تكون الفرحة واللذة، فلا فرحة لمن لا همَّ له، ولا لذة لمن لا صبر له، ولا نعيم لمن لا شقاء له، ولا راحة لمن لا تعب له".
وإذا النفوس كن كبارًا * تعبت في مرادها الأجسام
وهكذا كان صلاح الدين -رحمه الله- كانت حياته كلها جهاد، وكان يعود من غزو إلى غزو، ومن معركة إلى معركة، وكانت معركة حطين من معاركه التي كتبت له بأقلام من نور على صفحات من ذهب، وسطرت على جبين التاريخ شاهدة له بكل معاني الجهاد والتضحية. وكان من كلامه -رحمه الله-: "كيف يطيب لي الفرح والطعام ولذة المنام وبيت المقدس بأيدي الصليبيين؟!!".
يقول بهاء الدين بن شداد واصفًا صلاح الدين: "كان -رحمه الله- عنده من القدس أمر عظيم لا تحمله إلا الجبال". وقال أيضًا: "وهو كالوالدة الثكلى، يجول بفرسه من طلب إلى طلب، ويحث الناس على الجهاد، ويطوف بين الأطلاب بنفسه وينادي: يا للإسلام، وعيناه تذرفان بالدموع، وكلما نظر إلى عكا، وما حلَّ بها من البلاء، اشتد في الزحف والقتال، ولم يطعم طعامًا ألبتة، وإنما شرب أقداح دواء كان يشير بها الطبيب، ولقد أخبرني بعض أطبائه أنه بقي من يوم الجمعة إلى يوم الأحد لم يتناول من الغذاء إلا شيئًا يسيرًا لفرط اهتمامه".
أرأيت أخي القارئ همته وهمه، إنه لم يطعم الطعام من الجمعة إلى الأحد، إنه كما قال القائل:
همم تفادت الخطوب بها * فهُرِعن من بلد إلى بلد
إن صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله- كانت له غاية، وهو في غايته لا يرضى بدونها، إنه يتمثل قول القائل:
ونحن أناس لا توسط عندنا * لنـا الصدر دون العالمين أو القبر
تهون علينا في المعالي نفوسنا * ومن خطب الحسناء لم يغله المهر
ولقد أراد صلاح الدين الجنة ورضي بها مقرًّا بدلاً عن الدنيا، وقدم لها المهر غاليًا رحمه الله.
وما أن أكرم الله "صلاح الدين" في حطين، حتى جاءته رسالة على لسان المسجد الأقصى جاء فيها:
يا أيها الملك الـذي * لمعـالم الصلبـان نكس
جاءت إليك ظـلامة * تسعى من البيت المُقَدَّس
كل المساجد طهرت *** وإنا على شرفي أُدنـس
وأكرم الله بيت المقدس بصلاح الدين كما أكرم صلاح الدين ببيت المقدس ففتحه في 27 رجب عام 583هـ، وقام القاضي محيي الدين بن زكي الدين ليخطب أول جمعة بعد قرابة مائة عام، وكان مما قال مخاطبًا صلاح الدين وجيشه: "فطوبى لكم من جيش! ظهرت على أيديكم المعجزات النبوية، والوقعات البدرية، والعزمات الصديقية، والفتوحات العمرية، والجيوش العثمانية، والفتكات العلوية. جددتم للإسلام أيام القادسية، والوقعات اليرموكية، والمنازلات الخيبرية، والهجمات الخالدية، فجزاكم الله عن نبيكم r أفضل الجزاء".
لماذا انتصر صلاح الدين الأيوبي؟:
لم يكن صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله- ممن يبحث عن ألقاب زائفة، أو دنيا زائلة، لكنه كان داعية حق، ورجل معركة، وصاحب عقيدة، ومن ثَم فلم يكن انتصاره -رحمه الله- صدفة واتته، أو حظًّا أدركه، وإنما كان قدر الله بعد الأخذ بالأسباب، ومن هذه الأسباب:
1- تقوى الله والاحتراس من المعاصي:
يقول واصفوه: إنه -رحمه الله- كان خاشع القلب، غزير الدمعة، إذا سمع القرآن الكريم خشع قلبه ودمعت عينه، ناصرًا للتوحيد، قامعًا لأهل البدع، لا يؤخر صلاة ساعة عن ساعة، وكان إذا سمع أن العدو داهم المسلمين خرَّ ساجدًا لله قائلاً: "إلهي! قد انقطعت أسبابي الأرضية في دينك ولم يبق إلا الإخلاد إليك، والاعتصام بحبلك، والاعتماد على فضلك، أنت حسبي ونعم الوكيل". ومن جميل ما ذكر عنه أنه كان يواظب على سماع الحديث، حتى سمع جزءًا من الحديث وهو واقف بين الصفين، وقال في ذلك -رحمه الله-: "هذا موقف لم يسمع أحد في مثله حديثًا".
2- الاعداد الكامل والاهتمام البالغ بقضية التحرير:
وقد بلغ من اهتمامه ألا يجعل لنفسه سكنًا، بل خيمة تضرب بها الرياح يمنة ويسرة، وقيل في وصفه: "كان رحمه الله عنده من القدس أمر عظيم لا تحمله إلا الجبال". كما ظهر اهتمامه بصناعة الأسلحة، وبناء السفن، وعمل المفرقعات، وتركيب الألغام والمجانيق، وغيرها من أدوات القتال.
3- توحيد البلاد:
وهذا ما صنعه صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله- من يوم أن ولي وزارة مصر، وأسندت إليه سلطنتها، حيث رفض المذهب الشيعي، وأبطل الدعاء للخليفة الفاطمي وجعله للخليفة العباسي.
4- هدفه من القتال:
إن لكل رجل همَّه، وهمُّ الرجل على قدر ما أهمه، وكأني بابن القيم -رحمه الله- يصف صلاح الدين الأيوبي حين قال: "النعيم لا يدرك بالنعيم، وبحسب ركوب الأهوال واحتمال المشاق تكون الفرحة واللذة، فلا فرحة لمن لا همَّ له، ولا لذة لمن لا صبر له، ولا نعيم لمن لا شقاء له، ولا راحة لمن لا تعب له".
وإذا النفوس كن كبارًا * تعبت في مرادها الأجسام
وهكذا كان صلاح الدين -رحمه الله- كانت حياته كلها جهاد، وكان يعود من غزو إلى غزو، ومن معركة إلى معركة، وكانت معركة حطين من معاركه التي كتبت له بأقلام من نور على صفحات من ذهب، وسطرت على جبين التاريخ شاهدة له بكل معاني الجهاد والتضحية. وكان من كلامه -رحمه الله-: "كيف يطيب لي الفرح والطعام ولذة المنام وبيت المقدس بأيدي الصليبيين؟!!".
يقول بهاء الدين بن شداد واصفًا صلاح الدين: "كان -رحمه الله- عنده من القدس أمر عظيم لا تحمله إلا الجبال". وقال أيضًا: "وهو كالوالدة الثكلى، يجول بفرسه من طلب إلى طلب، ويحث الناس على الجهاد، ويطوف بين الأطلاب بنفسه وينادي: يا للإسلام، وعيناه تذرفان بالدموع، وكلما نظر إلى عكا، وما حلَّ بها من البلاء، اشتد في الزحف والقتال، ولم يطعم طعامًا ألبتة، وإنما شرب أقداح دواء كان يشير بها الطبيب، ولقد أخبرني بعض أطبائه أنه بقي من يوم الجمعة إلى يوم الأحد لم يتناول من الغذاء إلا شيئًا يسيرًا لفرط اهتمامه".
أرأيت أخي القارئ همته وهمه، إنه لم يطعم الطعام من الجمعة إلى الأحد، إنه كما قال القائل:
همم تفادت الخطوب بها * فهُرِعن من بلد إلى بلد
إن صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله- كانت له غاية، وهو في غايته لا يرضى بدونها، إنه يتمثل قول القائل:
ونحن أناس لا توسط عندنا * لنـا الصدر دون العالمين أو القبر
تهون علينا في المعالي نفوسنا * ومن خطب الحسناء لم يغله المهر
ولقد أراد صلاح الدين الجنة ورضي بها مقرًّا بدلاً عن الدنيا، وقدم لها المهر غاليًا رحمه الله.
وما أن أكرم الله "صلاح الدين" في حطين، حتى جاءته رسالة على لسان المسجد الأقصى جاء فيها:
يا أيها الملك الـذي * لمعـالم الصلبـان نكس
جاءت إليك ظـلامة * تسعى من البيت المُقَدَّس
كل المساجد طهرت *** وإنا على شرفي أُدنـس
وأكرم الله بيت المقدس بصلاح الدين كما أكرم صلاح الدين ببيت المقدس ففتحه في 27 رجب عام 583هـ، وقام القاضي محيي الدين بن زكي الدين ليخطب أول جمعة بعد قرابة مائة عام، وكان مما قال مخاطبًا صلاح الدين وجيشه: "فطوبى لكم من جيش! ظهرت على أيديكم المعجزات النبوية، والوقعات البدرية، والعزمات الصديقية، والفتوحات العمرية، والجيوش العثمانية، والفتكات العلوية. جددتم للإسلام أيام القادسية، والوقعات اليرموكية، والمنازلات الخيبرية، والهجمات الخالدية، فجزاكم الله عن نبيكم r أفضل الجزاء".
لماذا انتصر صلاح الدين الأيوبي؟:
لم يكن صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله- ممن يبحث عن ألقاب زائفة، أو دنيا زائلة، لكنه كان داعية حق، ورجل معركة، وصاحب عقيدة، ومن ثَم فلم يكن انتصاره -رحمه الله- صدفة واتته، أو حظًّا أدركه، وإنما كان قدر الله بعد الأخذ بالأسباب، ومن هذه الأسباب:
1- تقوى الله والاحتراس من المعاصي:
يقول واصفوه: إنه -رحمه الله- كان خاشع القلب، غزير الدمعة، إذا سمع القرآن الكريم خشع قلبه ودمعت عينه، ناصرًا للتوحيد، قامعًا لأهل البدع، لا يؤخر صلاة ساعة عن ساعة، وكان إذا سمع أن العدو داهم المسلمين خرَّ ساجدًا لله قائلاً: "إلهي! قد انقطعت أسبابي الأرضية في دينك ولم يبق إلا الإخلاد إليك، والاعتصام بحبلك، والاعتماد على فضلك، أنت حسبي ونعم الوكيل". ومن جميل ما ذكر عنه أنه كان يواظب على سماع الحديث، حتى سمع جزءًا من الحديث وهو واقف بين الصفين، وقال في ذلك -رحمه الله-: "هذا موقف لم يسمع أحد في مثله حديثًا".
2- الاعداد الكامل والاهتمام البالغ بقضية التحرير:
وقد بلغ من اهتمامه ألا يجعل لنفسه سكنًا، بل خيمة تضرب بها الرياح يمنة ويسرة، وقيل في وصفه: "كان رحمه الله عنده من القدس أمر عظيم لا تحمله إلا الجبال". كما ظهر اهتمامه بصناعة الأسلحة، وبناء السفن، وعمل المفرقعات، وتركيب الألغام والمجانيق، وغيرها من أدوات القتال.
3- توحيد البلاد:
وهذا ما صنعه صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله- من يوم أن ولي وزارة مصر، وأسندت إليه سلطنتها، حيث رفض المذهب الشيعي، وأبطل الدعاء للخليفة الفاطمي وجعله للخليفة العباسي.
4- هدفه من القتال:
مقالات مختارة
Photo
لم يكن هدفه -رحمه الله- إعلاء صيته، أو تصيد الثناء من الناس، وإنما كان إعلاء كلمة الله. واسمع إليه حين يقول: "في نفسي أنه متى ما يسَّر الله تعالى فتح بقية الساحل، قسَّمتُ البلاد، وأوصيتُ، وودعت، وركبتُ هذا البحر إلى جزائره، أتبعهم فيها حتى لا أُبقي على وجه الأرض من يكفر بالله أو أموت!!!".
وفاة صلاح الدين الأيوبي:
مات صلاح الدين -رحمه الله- كما مات من سبقه من البشر من الأنبياء والمرسلين والدعاة والمصلحين، إذ مرض -رحمه الله- في 16 صفر 589هـ، ووافته المنية في 27 صفر 589هـ. ولئن كانت روحه قد فارقت جسده، وانتقل بجسده وروحه عن دنيا الناس، إلا أن أعماله الخالدة حيّة يذكره الناس بها في كل آنٍ، ويتطلع الناس إلى مثلها في كل مكان.
والآن.. أليس الوضع هو الوضع والحال هو الحال؟!
تالله ما أشبه الليلة بالبارحة! وما أشبه اليوم بالأمس! أمة ممزقة إلى أجزاء، ومجزأة إلى أوصال، ومتقطعة إلى دويلات، في كل دولة ودويلة حاكم وسلطان، وفي كل محلة راية وأعلام، وفي كل زاوية رأي وفقيه، مع اعتزاز كل ذي موقف بمكانه، وإعجاب كل ذي رأي برأيه.. كل ذلك مع ضياع القدس وانتهابفلسطين، وانتهاك الحرمات وهتك الأعراض، وقتل الأطفال، ودك البيوت. فهل للمسلمين من صلاحٍ جديد يصلح الدنيا بالدين، ويجدِّد للناس دينهم؟! نسأل الله ذلك.
المصادر:
1- "صلاح الدين الأيوبي بطل حطين" د. عبد الله ناصح علوان.
2- "أيعيد التاريخ نفسه؟" د. محمد العبدة.
3- "صلاح الدين الأيوبي" بسام العسيلي.
4- "صلاح الدين الأيوبي" أبو الحسن الندوي
https://www.tg-me.com/menoathgafi
وفاة صلاح الدين الأيوبي:
مات صلاح الدين -رحمه الله- كما مات من سبقه من البشر من الأنبياء والمرسلين والدعاة والمصلحين، إذ مرض -رحمه الله- في 16 صفر 589هـ، ووافته المنية في 27 صفر 589هـ. ولئن كانت روحه قد فارقت جسده، وانتقل بجسده وروحه عن دنيا الناس، إلا أن أعماله الخالدة حيّة يذكره الناس بها في كل آنٍ، ويتطلع الناس إلى مثلها في كل مكان.
والآن.. أليس الوضع هو الوضع والحال هو الحال؟!
تالله ما أشبه الليلة بالبارحة! وما أشبه اليوم بالأمس! أمة ممزقة إلى أجزاء، ومجزأة إلى أوصال، ومتقطعة إلى دويلات، في كل دولة ودويلة حاكم وسلطان، وفي كل محلة راية وأعلام، وفي كل زاوية رأي وفقيه، مع اعتزاز كل ذي موقف بمكانه، وإعجاب كل ذي رأي برأيه.. كل ذلك مع ضياع القدس وانتهابفلسطين، وانتهاك الحرمات وهتك الأعراض، وقتل الأطفال، ودك البيوت. فهل للمسلمين من صلاحٍ جديد يصلح الدنيا بالدين، ويجدِّد للناس دينهم؟! نسأل الله ذلك.
المصادر:
1- "صلاح الدين الأيوبي بطل حطين" د. عبد الله ناصح علوان.
2- "أيعيد التاريخ نفسه؟" د. محمد العبدة.
3- "صلاح الدين الأيوبي" بسام العسيلي.
4- "صلاح الدين الأيوبي" أبو الحسن الندوي
https://www.tg-me.com/menoathgafi
Telegram
مقالات مختارة
" رُبّ مقال كانت فائدته بوزن كتاب "
📝 عُبُودية!
✍بقلم : أدهم شرقاوي
يقولُ "فريدريك دوغلاس" في كتابه "عبوديتي وحريتي":
إنَّ سماعي من وقتٍ لآخر لسيدةِ البيتِ وهي تقرأُ الإنجيلَ بصوتٍ عالٍ، سُرعان ما أيقظَ في داخلي الرغبةَ في التعلم. فطلبتُ منها أن تُعلمني القراءة، فوافقتْ بلا تردُّد، وبوقتٍ قصيرٍ حفظتُ حروف الأبجدية، وصرتُ قادراً على قراءةِ كلماتٍ من ثلاثةِ أو أربعةِ حروف.
وقد تعجَّبَ السيد "هيو" من سذاجةِ زوجته، فأفصحَ لها للمرةِ الأولى عن الفلسفةِ الحقيقيةِ للعُبُودية، وقالَ لها: إنَّ تعليم هذا العبد القراءة أمرٌ غيرُ آمن، ولا ينتج عنه إلا الضَّرر!
وكزوجةٍ مُطيعةٍ توقفتْ السيدةُ عن تعليمي!
لقد وقعتْ كلمات السيد هيو في قلبي عميقاً، وكشفتْ لي عن لغزٍ مُوجِعٍ لطالما سعيْتُ عبثاً لفهمه: إنَّ قوة الرجل الأبيض على إدامةِ عُبُوديةِ الرجلِ الأسودِ قائمةٌ على حرمانه من المعرفة!
فأدركتُ من تلك اللحظة الدرب المُباشر من العُبُوديةِ إلى الحريةِ هي أن أعرف!
على مرِّ التاريخ كان الذين يستعبدون الآخرين، ويستعمرونهم، إنما يبرعون في هذه المهمة التي هي ضد الفطرةِ البشريةِ عن طريقِ إدامةِ جهلِ المُسْتَعْبَدِين، فالعبوديةُ لا تعني قيداً في اليدين وإنَّما قيد وحيد على العقل، في اللحظةِ التي يعرفُ فيها الإنسان، في اللحظةِ التي يُحرِّرُ فيها عقله ويُدركُ جيداً، ستكونُ خطوته الأولى التالية هي كيف يتحرَّر!
في الهندِ إِبَّانَ الاستعمار البريطاني، وأثناء مُرور القُنصل البريطاني برفقةِ الحاكمِ العسكري، قامَ شابٌ هنديٌّ بركلِ بقرة، وقد صرخَ وهو يركلها: هذا الشيءُ لا يستحق أن يكونَ إلهاً!
سارعَ القُنصلُ بدفعِ الشابِ عن البقرة، وأخذَ يمسحُ عليها كأنه يعبدها فعلاً، وقامَ الناسُ بضربِ هذا الشاب وركله، ولم يكتفِ القُنصلُ بهذا بل أنه أخذَ شيئاً من بَوْلِ البقرةِ ومسحَ بهِ على شعره!
وعندما عاد، قالَ له الحاكم العسكري: سيدي القُنصل لا تقُلْ لي أنكَ تعبدُ البقر!
فقالَ له: الأمرُ كما قالَ الشاب، هذا الشيءُ لا يستحق أن يكون إلهاً! ولكن كي يبقوا في أيدينا، يجب أن يستمرُّوا في عِبادتها!
يقولُ الشيخُ محمدُ الغزالي: الإنسانُ مُخَيَّرٌ فيما يعلم، مُسَيَّرٌ فيما لا يعلم، بمعنى أنه كُلَّما اتَّسَعَتْ معرفته، اتَّسَعَتْ دائرة حريته!
المعرفةُ هي الحُريةُ!
https://www.tg-me.com/menoathgafi
✍بقلم : أدهم شرقاوي
يقولُ "فريدريك دوغلاس" في كتابه "عبوديتي وحريتي":
إنَّ سماعي من وقتٍ لآخر لسيدةِ البيتِ وهي تقرأُ الإنجيلَ بصوتٍ عالٍ، سُرعان ما أيقظَ في داخلي الرغبةَ في التعلم. فطلبتُ منها أن تُعلمني القراءة، فوافقتْ بلا تردُّد، وبوقتٍ قصيرٍ حفظتُ حروف الأبجدية، وصرتُ قادراً على قراءةِ كلماتٍ من ثلاثةِ أو أربعةِ حروف.
وقد تعجَّبَ السيد "هيو" من سذاجةِ زوجته، فأفصحَ لها للمرةِ الأولى عن الفلسفةِ الحقيقيةِ للعُبُودية، وقالَ لها: إنَّ تعليم هذا العبد القراءة أمرٌ غيرُ آمن، ولا ينتج عنه إلا الضَّرر!
وكزوجةٍ مُطيعةٍ توقفتْ السيدةُ عن تعليمي!
لقد وقعتْ كلمات السيد هيو في قلبي عميقاً، وكشفتْ لي عن لغزٍ مُوجِعٍ لطالما سعيْتُ عبثاً لفهمه: إنَّ قوة الرجل الأبيض على إدامةِ عُبُوديةِ الرجلِ الأسودِ قائمةٌ على حرمانه من المعرفة!
فأدركتُ من تلك اللحظة الدرب المُباشر من العُبُوديةِ إلى الحريةِ هي أن أعرف!
على مرِّ التاريخ كان الذين يستعبدون الآخرين، ويستعمرونهم، إنما يبرعون في هذه المهمة التي هي ضد الفطرةِ البشريةِ عن طريقِ إدامةِ جهلِ المُسْتَعْبَدِين، فالعبوديةُ لا تعني قيداً في اليدين وإنَّما قيد وحيد على العقل، في اللحظةِ التي يعرفُ فيها الإنسان، في اللحظةِ التي يُحرِّرُ فيها عقله ويُدركُ جيداً، ستكونُ خطوته الأولى التالية هي كيف يتحرَّر!
في الهندِ إِبَّانَ الاستعمار البريطاني، وأثناء مُرور القُنصل البريطاني برفقةِ الحاكمِ العسكري، قامَ شابٌ هنديٌّ بركلِ بقرة، وقد صرخَ وهو يركلها: هذا الشيءُ لا يستحق أن يكونَ إلهاً!
سارعَ القُنصلُ بدفعِ الشابِ عن البقرة، وأخذَ يمسحُ عليها كأنه يعبدها فعلاً، وقامَ الناسُ بضربِ هذا الشاب وركله، ولم يكتفِ القُنصلُ بهذا بل أنه أخذَ شيئاً من بَوْلِ البقرةِ ومسحَ بهِ على شعره!
وعندما عاد، قالَ له الحاكم العسكري: سيدي القُنصل لا تقُلْ لي أنكَ تعبدُ البقر!
فقالَ له: الأمرُ كما قالَ الشاب، هذا الشيءُ لا يستحق أن يكون إلهاً! ولكن كي يبقوا في أيدينا، يجب أن يستمرُّوا في عِبادتها!
يقولُ الشيخُ محمدُ الغزالي: الإنسانُ مُخَيَّرٌ فيما يعلم، مُسَيَّرٌ فيما لا يعلم، بمعنى أنه كُلَّما اتَّسَعَتْ معرفته، اتَّسَعَتْ دائرة حريته!
المعرفةُ هي الحُريةُ!
https://www.tg-me.com/menoathgafi
Telegram
مقالات مختارة
" رُبّ مقال كانت فائدته بوزن كتاب "