Telegram Web Link
📝 وفاة القرضاوي…تأدبوا في حضرة الموت

بقلم : احسان الفقيه

تذكرت مشهدا من الفيلم الملحمي Troy، عندما بكى «أخيل» جثمان «هكتور» الطروادي خصمه وعدوه وقاتل ابن عمه، بعد أن ظفر به وقتله في نزال أسطوري، الموت له هيبة، من المفترض أن تذكرنا بقيمة الراحلين، حتى إن اختلفنا معهم. الموت في كثير من الأحيان، يجمع الفرقاء، يلم شمل الخصوم، يقف الأعداء الشرفاء إزاءه في إجلال.
في عملٍ إنساني لا يختلف اثنان على تقديره، انهالت رسائل التعزية من قبل الحكومات العربية والإسلامية والمؤسسات الدينية الرسمية في وفاة الملكة إليزابيث ملكة بريطانيا، وحتى التيارات السلفية التي يعتبرها البعض تيارات متشددة، أصدرت فتاواها بجواز التعزية، وهذا أمر جيد لا شك فيه.
حدث ذلك، على الرغم من الإرث المرهِق للاستعمار البريطاني في العالم العربي والإسلامي، الذي ما زالت الأمة تعاني مخلفاته على الأصعدة كافة، السياسية والاقتصادية والفكرية والاجتماعية، لكننا تناسينا كل ذلك في حضرة الموت.
لكن مع الأسف الشديد، نعيش حالة من الانتقائية في التعامل مع الموت، تتفق وتوجهاتنا السياسية وأيديولوجياتنا، ربما ظهر ذلك جليا في وفاة الشيخ يوسف القرضاوي الرئيس السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
رغم التفاعل الجماهيري واسع النطاق في الأمة مع هذا الحدث، إلا أن السياسة كان لها رأي آخر، بدّدت حدود الأدب المتبعة مع الموت، وأطل التصنيف برأسه في حضرة ذلك الزائر الذي لطالما مرّغ أنوفا في التراب كانت تحسب أنها تخرق الأرض أو تبلغ الجبال طولا.
في مصر على سبيل المثال، تجاهل الأزهر – الذي ينتمي إليه الشيخ القرضاوي، ويعد من أبرز رموزه العلمية في القرن العشرين – الإشارة بشكل أو بآخر لوفاة الشيخ، ولم يصدر أي بيان تعزية، كما هو المتبع من هذه المؤسسة حال وفاة الرموز العلمية داخل مصر وخارجها، إضافة إلى أن هناك من تحدث عن رسائل لأئمة وخطباء المساجد من قبل وزارة الأوقاف، تحذرهم من إقامة صلاة الغائب على القرضاوي، أو الحديث عن مناقبه في المساجد. علمت أن الشيخ محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر سابقا في عهد مبارك، حضر جنازة الشيخ سيد سابق، صاحب كتاب «فقه السنة»، الذي كان أزهري الثقافة والتعليم، وفي الوقت نفسه ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، وتجد في هذا الكتاب المذكور، تقديما للشيخ حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، فهكذا يُحترم الموت، فما الذي تغير؟ إنه النظام الذي جعل الناس يترحمون على حكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك.
أتفهم أن الأزهر مؤسسة تابعة للدولة، وليس من القوة بما يسمح بمخالفة توجهات النظام، الذي رفع راية العداء ضد التيار الإسلامي عامة، وتيار الإسلام السياسي الممثل في جماعة الإخوان، وكل من له صلة ولو لم يكن من التنظيم، كحال الشيخ القرضاوي المرتبط بعلاقات تاريخية مع الجماعة، ويعد الأب الروحي والمرجعية العلمية للجماعة. لكن لماذا هذا الإصرار من النظام على معاداة هذا الفصيل الذي تقبع عناصره تحت التراب، أو خلف القضبان أو في المنفى؟ وما الذي يضير النظام في السماح بالترحم على رجل ميت أفضى إلى ما قدّم، برسالة تعزية أو بتصريح قصير، ينعي عالما أزهري الثقافة، له باع في العلم ونشر وسطية الإسلام؟ وفي بلاد الحرمين تصف صحيفة عكاظ عبر «انفوغراف» نشرته، الشيخ القرضاوي بأنه مفتٍ للإرهاب، ومثير للفتن، الأمر ذاته في الإمارات، إذ روجت صحيفة «العين» الإماراتية لخبر الوفاة على أنه قوبل بالهجوم على الشيخ بدلا من الترحم عليه، بخلاف ما دل عليه واقع الجماهير التي تفاعلت بقوة مع الحدث، فينشر الموقع الإماراتي خبرا بعنوان «الإرث الصعب يغالب دعوات الرحمة»، لدعم فكرة شيطنة القرضاوي وأنه شيخ الإرهاب.
تتفق أو تختلف مع الشيخ القرضاوي، لكنه رجل رحل عن عالمنا، وأفضى إلى ما قدم، فلم الإصرار على المضي قدما تحت مظلة التصنيف، حتى مع الأموات؟ لقد كان الشيخ قبل ثورات الربيع مقربا من حكومات دول الخليج، وذا مكانة في أوساطها العلمية، وينظر إليه على أنه صوت الفقه الإسلامي الوسطي، الذي يتبع مدرسة التيسير، واعتبره البعض من المجددين في الفقه الإسلامي في هذا العصر، لكن بعد ثورات الربيع التي دعمها القرضاوي، وما تبعها من ثورات مضادة هاجمها الشيخ، اتخذت الحكومات العربية موقفا متعنتا من الرجل يتفرع عن موقفها تجاه الثورات العربية.
إن القاعدة التي ينبغي اتباعها في مثل هذا الظرف: «لست مطالبا بالتقديس، ولكن ينبغي لك عدم التدنيس»، لا ندعو الناس لتقديس الرموز والأشخاص، لكن لم ندنس سيرة أناس كانت لهم أيادٍ بيضاء في حياتهم، حتى إن بدرت منهم الزلات؟! ينبغي أن لا نبخس الناس أشياءهم، وينبغي لنا أن لا نخترق حرمة الموت وجلاله، لمجرد أن هذا الشخص له توجه ما، أو يتبع جماعة ما، أو خالفنا في شيء أو أشياء، ففي النهاية قد انقطع عمله في الحياة الدنيا، وأفضى إلى ما قدم، فتأدبوا أيها القوم في حضرة الموت، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
مقالات مختارة
Photo
🔹إعتقال شخصين بسبب إساءتهم للقرآن الكريم في ولاية إزمير غربي تركيا

وزير الداخلي التركي سليمان صويلو: بتعليمات من المدعي العام، اعتقلت قوات الأمن شخصين عديمي التربية تم التأكد من إساءتهم للقرآن الكريم في ولاية إزمير غربي تركيا


وكان المتهمون قد قاموا في وقت سابق بتمزيق وحرق القرآن الكريم ونشروا مقطعا مصورا للحادثة على حساباتهم في وسائل التواصل الاجتماعي.

Türkiye'nin Haberleri🇹🇷أخبار تركيا
📲
قبل وصول الإسلاميين الى السلطة

( أصبح الإيمان بالله والغيب والملائكة والبعث جهلا يثير سخرية النخبة العلمانية وغضب الحكام، وصدرت في إسطنبول عام 1932م "دائرة معارف الحياة"، وجاء فيها بالحرف الواحد:

"إن الفكرة التي تريد الأديان الموجودة حاليا أن تبينها هي أن الله واحد، وأنه هو الذي خلق الكون، ولكن التقدم العلمي بدأ يوضح شيئا فشيئا بأن هذه الفكرة باطلة، وأنه لا وجود لشيء اسمه الله، وقد انتشرت فكرة عدم الاعتقاد بالله بين أوساط المثقفين"!

وجاء في هذه الموسوعة - أيضا - تحت عنوان "آدم وحواء":
"تذكر كتب الأديان أن آدم هو أول إنسان أتى إلى الدنيا، فحسب الأساطير الدينية، فإن الله قام بخلق الإنسان بعد الأرض، كما خلق في الوقت نفسه امرأة باسم حواء ووضعهما في الجنة، ولكنهما طردا من الجنة ونزلا إلى الأرض بعد قيامهما بأكل الثمرة التي حرمت عليهما، ومن تناسلهما وُجد الناس الحاليون، ويستحيل اليوم الإيمان بهذه الأسطورة الدينية، ذلك لأن العلم كشف تقريبا عن كيفية ظهور الإنسان"!

ولم يقف الأمر عند نشر المادية والإلحاد والسخرية من الدين في دوائر المعارف وكتب النخبة، وإنما فرض الإلحاد على مناهج التعليم وعقول التلاميذ الصغار، فجاء في كتاب "اللغة التركية والأدب التركي" الذي يدرسه الطلاب في المدارس: "من المعلوم أن الإنسان مخلوق من قبل الطبيعة"!

وفي إنكار النبوة والوحي والرسالة، جاء في هذا الكتاب: "كان الإنسان في أول الأمر عبد للطبيعة، ثم أضيفت عبودية أخرى إلى هذه العبودية، وهي العبودية للأشخاص الذين ادعوا وصول القوة والحكم لهم من السماء"!!

ووقف المعلم في المدرسة مخاطبا تلاميذه الصغار قائلا: "أيها الصغار ما رأيكم هل هناك شيء اسمه الله؟! فلما صرخ أحد التلاميذ قائلا: "نعم يوجد"، ضحك المعلم وقال: "لا وجود لمثل هذا الشيء أيها الصغار، فهذه حكايات العجائز، وهي كذب"!

نعم، لقد فرض هذا الكفر والإلحاد على تركيا، لكن الإيمان الإسلامي صمد، بل قذف بهذا الغلو العلماني إلى مزبلة التاريخ، فهل يتعظ غلاة العلمانيين؟!

https://www.tg-me.com/menoathgafi
📝 تفكيك الإلحاد.. هل يقودنا إلى تحقيق نهضة علمية؟!

بقلم : أحمد التلاوي

من بين أهم قواعد معالجة المشكلات والأزمات، هو تفكيكها إلى عناصرها الأساسية، والبحث في مسبباتها، وهي منهجية علمية استقرَّت عليها الأمم الناهضة منذ مئات السنين، وبَنَت عليها نهضتها العمرانية والعلمية الحالية.

وبالنظر مباشرةً إلى القضية التي نحن بصددها في هذا الموضِع من الحديث، وهي قضية الإلحاد، وتياره الآخذ في الانسياح بين ظهرانينا في السنوات الأخيرة؛ سوف نجد أننا في النهاية –على سبيل الاختزال غير المُخِلِّ في توصيفها– أمام ظاهرة اجتماعية، وبالتالي؛ فهي خاضعة لتطبيق أداوت التفكيك هذه، للوصول إلى جوهرها ومُرَكَّبَاتها الأبسط.

هذه الظاهرة التي نحن إزاءها، ذات أبعاد متعددة، ومن بين هذه الأبعاد، الإطار التربوي الذي يتم داخل مدارسنا؛ حيث البُعد الديني غائبٌ عنها.

وهناك الجانب الإعلامي؛ حيث لا نرى في واجهة الشاشات سوى كل ما يزدري الدين والتَّديُّن، والسخرية والاستهزاء والعياذ بالله، بالخلق والخالق؛ تمامًا كما كان الأولون يفعلون مع أنبيائهم وفق ما أبلغنا به القرآن الكريم.

أضِف إلى ذلك، عدم كفاءة المنصات الدعوية في المساحات الإعلامية ومساحات التواصل المباشر وغير المباشر، في مقابل قضايا كبرى تعاظمت في العقود الماضية، بحاجة إلى منهجٍ عقليٍّ جديد للتعامل معها.

ولقد رأينا في استطلاعات مؤسسة "الباروميتر" العربي التي أجرتها لحساب هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) بين العام 2018م والعام 2022م؛ بُعدًا ذا صلةٍ بذلك؛ حيث أشار الاستطلاع في العام 2018م إلى وجود دور لسلوك جماعات ما يُعرَف بـ"الإسلام السياسي" ضمن عوامل أخرى في ارتكاس 50 بالمائة من الشباب العربي عن فكرة الدين والتَّديُّن، في عدد من الدول العربية التي من المعروف عنها أنها مجتمعات متدينة أو على الأقل مجتمعات محافِظة.

أما استطلاع 2022م، فقد أشار إلى وجود دور كبير لاختفاء أو ضعف هذه الجماعات، وضعف التيارات السلفية، في استعادة مساحات التدين لدى شريحة كبيرة من الشباب في هذه الدول والمجتمعات.

وهو وضع لا يمكن بحال قبول تفسيره فقط بالحرب التي اندلعت بين هذه التنظيمات والتيارات وبين النظم الحاكمة في كثير من بلداننا العربية والإسلامية في السنوات التي تلت ثورات ما يُعرف بـ"الربيع العربي"؛ حيث هناك أزمات أصولية داخل هذه الجماعات والتيارات، وإن كان التفصيل في ذلك يخرج عن نطاق الحديث هنا.

تفكيك الإلحاد –وهي عبارة كانت حتى عنوان ملف أحد أعداد مجلة "الوعي الإسلامي" الكويتية– يقودنا إلى نقف أمام بعض الأسباب التي أدت إلى شيوع الأفكار الإلحادية، ولكن من بينها سببان لافتان.

السبب الأول؛ لماذا خلق الإله كل هذا الشرّ في العالم، ولماذا يتركه هكذا؛ حيث لا يتصورون وفق مفهومهم للإله، أن يكون هذا هو حال الدنيا منذ خلْقِها وحتى الآن، وبالتالي؛ هم يستبعدون وجود إلهٍ أو ربٍّ لهذا الكون، ويفترضون أن المادة قد خلقت نفسها، وتطورت إلى صور الحياة والوجود المادي المختلفة الحالية.

السبب الثاني، يكمُن في قضية مهمة للغاية، وهي التطورات المتسارعة للعلم المادي الحديث المجرَّد، والذي للعقل فيه سطوةٌ كبرى، تمكن معهما الإنسان من تحقيق سُنَّة ربانية مهمة، وهي سُنَّة التَّسخير، والتي تعني في لغة أهل العلم المادي المجرَّد، قدرة الإنسان على التحكُّم في الظواهر والمفردات المادية من حولنا، وتوظيفها لما فيه مصلحته، وتحقيق رفاهيته.

بالفعل، قامت الحضارة الغربية السائدة حاليًا، على العلم المادي، كأساس لها، مثلما كانت الفلسفة والمنطقيات أساسًا للحضارة الإغريقية القديمة –وإن كان العقل جذر كلا الحضارتَيْن– ومثلما كان الدين هو أساس الحضارة الإسلامية التي سادت العالم القديم لمدة تزيد على الألف عام.

هذه الأمور، وإنْ كان من الممكن الردُّ عليها بما جاء في القرآن الكريم، إلا أنه ينبغي الإشارة هنا إلى خطأ مركزي مهم نقع فيه عند مخاطبة هؤلاء، وهو أن القرآن الكريم ليس حُجَّة نتحاكم إليها كمسلمين مؤمنين بالله تعالى، وبوجوده، مع الملحدين.

فالقرآن الكريم كتاب اللهِ تعالى، وهم لا يؤمنون بوجود خالق لهذا الكون أصلاً، وبالتالي لا يؤمنون بالقرآن الكريم لكي نحاجِجُهم به، ولذلك فإن استخدام نصوص القرآن الكريم، لا مجال له في هذا الأمر، وإن كان من الممكن اللجوء إلى المنطق الموجود في بعض آيات القرآن الكريم التي تردُّ عليهم.

كما أن بعض هؤلاء يؤمن جزئيًّا بفكرة وجود خالقٍ للكون، ولكنه –بعقله القاصِر– لا يقبل مع انتشار أفكار الوجودية، أو الإعلاء من الانتماء الإنساني –وكلها أفكار ذات جاذبية وإلا ما وجدت مريدين لها– المنطق أو الحكمة التي يدير بها اللهُ سبحانه وتعالى هذا الكون، ويدبِّرُ بها أمره، فلَن يُوزعون بالقرآن الكريم.
والحقيقة، أن شريحة كبيرة من الملحدين هم من الفئة المنبهرة بالحضارة الغربية وزخرفها، مع ما يجيده الغربيون من أساليب الدعاة، وهو أحد مظاهر ما نعرفه باسم "الانهزام النفسي" أمام الأعداء الذين قهرونا واستعمرونا.

إن شريحة كبيرة من الملحدين هم من الفئة المنبهرة بالحضارة الغربية وزخرفها، مع ما يجيده الغربيون من أساليب الدعاة، وهو أحد مظاهر ما نعرفه باسم "الانهزام النفسي" أمام الأعداء الذين قهرونا واستعمرونا

وفي حقيقة الأمر، فإن معالجة هذه الظاهرة، ليس بالسهولة التي يتكلم بها البعض على المنابر أو في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي المختلفة؛ حيث هي ترتبط بجذور إشكالية حاصلة على أرض الواقع، ومنها الهزيمة الحضارية للأمة، والتخلف الذي يعيشه المسلمون.

فهنا نحن أمام إشكالية انهزام نموذج أمام نموذج آخر، وبالتالي –وفق منطق الشطط الذي يحكم هؤلاء– أنه "يجب علينا عبادة النموذج المنتصر الذي يسود ويستعبد المهزوم باعتباره النموذج الأصلح".

وهم يرون ذلك منطقيًّا، وهو ذات منطق عَبَدة الشيطان الرجيم؛ حيث يرونه –بمنطق عقولهم القاصرة– في ظل ظهور الفساد في البرِّ والبحر، أنه منتصرٌ في المعركة مع الخير.

في قضية انتشار الأفكار المتطرفة أو المغلوطة، قد تنجح جهود الدعاة، ونشاط هذا الداعية أو ذاك؛ حيث في النهاية، هناك أرضية مشتركة يقف عليها طرفَيْ المعادلة، وهو الإيمان بالله تعالى، وبدينه وشريعته، بينما المشكلة أعمق في حالة الملحدين؛ حيث لا أرضية مشتركة بين الجانبَيْن، بل على العكس؛ أحدهما –الملحد– يرى الآخر متهافتًا، ومهزومًا، وغير قادر على إقناعه.

قد تنجح جهود الدعاة، ونشاط هذا الداعية أو ذاك؛ حيث في النهاية، هناك أرضية مشتركة يقف عليها طرفَيْ المعادلة، وهو الإيمان بالله تعالى، وبدينه وشريعته، بينما المشكلة أعمق في حالة الملحدين؛ حيث لا أرضية مشتركة بين الجانبَيْن

وحتى دعوات التأمل في خلق الله تعالى في الإنسان، وفي الكون؛ غير مجدية لأن الملحدين على وجه الخصوص، لأنهم لديهم قناعة ما في هذا الصدد، قناعة أشبه بالمُعتَقَد، وهو أن الطبيعة خلقت نفسها وتطورت وفق قوانين الفيزياء والأحياء التي نعرفها.

أي أنهم هنا ليسوا خواءً من القناعات والمعتَقَدات في هذا الشأن، ولا يوجد لديهم فراغ يمكن مِلؤه. في أحسن الأحوال؛ يمكن إقناع البعض، ولكن الغالبية؛ أثبتت التجارب الدعوية معهم أن الأمور أكثر صعوبة مما هو مُتَصوَّر.

وتتعمق هذه الحالة في ظل أزمات أكبر وأعمق يواجهها النموذج الإسلامي، والذي يزيد مشكلاته، ادعاءات المتخلفين، وجَهَلة القوم، وأنظمة الفساد والاستبداد، وقُطَّاع الطرق من الإرهابيين الذين يقتلون الناس باسم الدين أحياناً، والدين منهم جميعًا براء؛ أنهم يمثلون المشروع الإسلامي، وهي مشكلة لم يستطِع المسلمون وطليعتهم معالجتها في ظل تناقضات الواقع المُعَاش مع النموذج المِثال الذي يطرحه الدعاة والمصلحون.

فما إنْ لم تحدث ثورة علمية وحضارية شاملة في العالم الإسلامي، تنهض على أساس يُعيد العقل إلى مكانته الصحيحة –أصلاً العقل في الإسلام هو أحد مناطَيْ التكليف مع البلوغ– وتقدِّم منتجًا علميًّا ماديًّا أصيلاً مثل الماضي، ويحتضن كل ذلك نموذجٌ إسلاميٌّ أو مشروع إسلامي صحيح للعمل، والتفكير، في إطار نهضة شاملة؛ سوف يستمر نزيف التفلُّت من الدين والتديُّن، ولن يمكن مجابهة الأفكار الإلحادية في مجتمعاتنا.

 https://www.tg-me.com/menoathgafi
📝 رسالة!

بقلم : أدهم شرقاوي

في كتابه قصص الدراويش يحكي "إدريس شاه" قصةً جميلةً مفادها:
كانَ عند تاجرٍ طيرٌ في قفص، وكان التاجرُ يعتزمُ السفرَ إلى الهند، البلد الذي جاءَ منه الطير، فسأله إن كان يريدُ أن يُحْضِرَ له شيئاً من بلاده!
فقالَ له الطائر: أُريدُ حريتي!
فرفضَ التاجرُ هذا الطلب رفضاً قاطعاً!
عندها قالَ له الطائر: زُرْ الغابة حيث موطني، وأعلِمْ أقاربي عني!

ذهبَ التاجرُ إلى الهند، وعندما أنهى عمله زارَ الغابة، وأعلمَ الطيورَ عن قريبها السجينِ عنده، فوقعَ طائرٌ ميتاً من شدةِ الخبر!
وعندما عادَ إلى وطنه سأله الطائرُ عمَّا إذا قد جاءه بأخبارً طيبةٍ من الهند.
فقالَ التاجر: كلا، وأخشى أن تكونَ أخباري سيئة، فقد سقطَ أحدُ أقاربك ميتاً عندما ذكرتك أمامهم!
وما إن سمعَ الطائرُ كلامَ التاجرِ حتى سقطَ ميتاً هو الآخر!
فقال التاجر: لقد قتلتُ عصفورين!
وقامَ بإخراج طائره من القفص، ووضعه على الشرفة.
عندها قفزَ الطائرُ بسرعة، وطارَ إلى شجرةٍ قريبة، وقالَ للتاجر:
إنكَ تعلمُ الآن أنَّ ما ظَنَنْتَهُ كارثة كانَ خبراً طيباً لي. وكيف وصلتني الرسالة من قريبي أنَّ بهذه الطريقة أستطيعُ أن أُحررَ نفسي!

هذه القصة تُضرَبُ في ذكاءِ الرسائل، والشيءُ بالشيءِ يُذكر، عَشقَ توبة بن الحميَّر ليلى الأخيلية عشقاً تحدثتْ به العرب، وقد ضاقَ إخوتها به ذرعاً، فعزموا على قتله حين يأتي لرؤيتها، وأرادتْ أن تُحذِّرَهُ قبل أن يصلَ إليها، فلما علمتْ بقدومه، صعدتْ أعلى الجبل، وكشفتْ عن وجهها، وكان من عادتها أنهما إذا التقيا تُبقي على خِمارها ولا تنزعه، فلما رأى توبة هذا المشهد، عرفَ أن خطباً ما قد حدث، وأنها تُريدُ منه أن يرجع، وخلَّدَ توبة هذه الحادثة ببيته الشهير:
وكنتُ إذا ما جئتُ ليلى تبرقعتْ
لقد رابني منها الغَداة سُفورها

ومن ذكاءِ الرسائلِ أيضاً، كانَ في مدينة حلب أمير ذكي شجاع هو "علي بن منقذ" وكان تابعاً للملكِ "محمود مرداس"، وحدثتْ خُصومة بين الملكِ والأمير، وعزمَ الملكُ على قتلِ الأمير، وأمرَ كاتبه أن يكتبَ رسالةً بالأمانِ إلى الأميرِ ليُغريه بالحضورِ ثم يقتله!
وكانَ كاتبُ الملك صديقاً لعلي بن منقذ، وأرادَ أن يحذِّره بطريقةٍ ذكيةٍ خصوصاً أن الملك سيقرأُ الرسالة ويَمهرها بختمه!
فكتب الكاتب رسالة عادية جداً وختمها بقوله: إنَّ شاء الله تعالى.
ولمَّا قرأَ علي بن منقذ الرسالة، وقفَ على: "إنَّ"مطولاً، لأنه يعرفُ أن صديقه لا يُخطئ في مثل هذا، فقال إنه يُحذرني، لقد أرادَ أن يقولَ لي: "إنَّ الملأ يأتمرون بك ليقتلوك"
ومن هذه القصة جرى المثل الشائع الذي يُضربُ لكلِّ مسألةٍ فيها شك وغموض: المسألة فيها إنَّ!


أدهم شرقاوي

https://www.tg-me.com/menoathgafi
. ~بسم الله الرحمن الرحيم~

. 📝.قناة.مقالات.مختارة.tt 📝

💡 قناة تحتوي على مقالات حول القضايا اليمنية والعربية والاسلامية

🌍 مقالات سياسية حول القضايا العربية والاسلامية

🧠 مقالات فكرية في الفكر الاسلامي

👨‍👨‍👧‍👧 مقالات اجتماعية والقضايا الشائكة في المجتمع المسلم

🌦 مقالات إعجاز علمي من القرآن والسنة للرد على الملاحدة

📚 مقالات تاريخية ( أحداث - معارك وفتوحات -شخصيات - دول)

📢 كتابات كشف وفضح العلمانيين العرب حلفائهم من جامية مداخلة ومتصوفة غلاه

أقوال العلماء و المفكرين وتغريدات الكتاب والصحفيين


~رب مقال كانت فائدته بوزن كتاب~

📚 انقر على رابط قناتنا 👇
https://www.tg-me.com/menoathgafi

ساهم في نشر الرابط 👆
مقالات مختارة
Photo
📝 سلفية المخابرات.. كيف يستخدم الجامية والمدخلية الاغتيال النفسي لتدمير خصومهم؟

✍️إعداد محمد فتوح

“إذا ذكرت محاسن الدولة يقولون أنت مباحث! يُشرفني أن أكون مباحث لهذا الوطن، واستخبارات لهذا الوطن، وعميلا لهذا الوطن. نعم أنا مباحث لدولة التوحيد.

ولكن أنت مباحث لِمَنْ؟!

 مباحث للإخوان المسلمين أم مباحث لإيران؟! أم مباحث لأعداء هذا الوطن؟!”

(محمد بن أحمد الفيفي – شيخ مدخلي)

منذ ظهور التيار المدخلي/الجامي [أ] على الساحة السعودية، أفردت له السُّلطة مساحة واسعة من الحركة والنفوذ، حيث مَثّل هذا التيار ظهيرا دينيا شعبيا لقرارات العائلة الحاكمة، ليبدو الحال وكأنها فُصِّلت على مقاس السُّلطة. فمنذ اليوم الأول، تولى محمد أمان الجامي وربيع بن هادي المدخلي مهمة التبرير للسلطات السعودية في تحالفها مع الولايات المتحدة عقب حرب الخليج، قبل أن يبرروا كل ما سيصدر من السلطة في السنوات القادمة.

بدأت آثار التيار المدخلي بالظهور جلية مباشرة عقب توجه السلطة السعودية للاستعانة بهم عقب بروز ما يُعرف بتيار الصحوة إثر معارضتهم للتوغل الأميركي في المنطقة في عام ١٩٩١. حملة شنها المداخلة الجامية عبر التشنيع والتسفيه تجاه معارضيهم من شباب الصحوة [ب] الدعاة المعارضين والذين سيقبعون بعدها، في حملة ممنهجة، خلف القضبان، وعلى الرأس منهم سلمان العودة وسفر الحوالي وناصر العمر.

بدا غرض المملكة الرئيس من دعم هذا التيار سعيها لخلق ظهير ديني -لتيار الصحوة المتصاعد- يتجه نحو ترسيخ مبادئ الولاء التام والكامل للحكام، لكن بصبغة دينية تهدف لترسيخ حكم آل سعود باسم “طاعة ولي الأمر”، مع وظيفتهم الأثيرة في تشويه خصوم الدولة -خصوصا من الإسلاميين- جنبا إلى جنب مع تبرير أفعال السلطة الحاكمة.

اتجاه جعل التيار يلقى “دعما من الأسرة الحاكمة التي رأت فيه مُعادلا موضوعيا للتيار الإسلامي المتنامي، قبل أن ينتشر التيار أيضا في بلدان عربية وإسلامية أخرى”[1]. وليصبح هذا التيار بعد فترة وجيزة جهاز إعلام ديني عبر الخطب والدروس والمحاضرات والندوات والكتب التي تصب في جدول “الولاء لوليّ الأمر”، مهما أتى من جُرم أو فساد، أو ارتكب من مظالم، وهو ما مَثّل وصفة مثالية لأي حاكم باسم الدين في ترسيخ استبداده وتثبيت أركان عرشه، مهما بلغ سلوكه من بُعد عن تشريعات الدين الذي قامت دولته عليه. وليتجاوز ذلك التماهي الاقتصار على طاعة وليّ الأمر “ليمتد إلى طاعة الولاة والوزراء والمفتين، فكل هؤلاء تجب طاعتهم، حتى مع تيقّن الظلم أو الحيف منهم، لأن طاعتهم من طاعة من ولّاهم أو كلّفهم بالفتيا”[2].

ربيع بن هادي محمد عمير المدخلي (مواقع التواصل)

من هذا المنطلق، بدأت الجامية المدخلية بشن حربها على مختلف الجماعات الإسلامية، حيث أصدروا آلاف الأشرطة للتحذير من معارضي الحاكم، وشيطنة الحقوقيين والشرعيين الذين يطالبون بإيقاف الظلم السلطوي، وهو ما جعلهم يلجؤون إلى الهجوم على كل من خالفهم، ويُخرجون إليه الاتهامات المعلّبة، باسم العمالة تارة، والبدعة والفسق والخوارج تارات.

مارس السلفيون المداخلة هذا النهج مع كل من يختلفون معهم، حتى السلفيين أنفسهم، مرورا بالتيارات الحركية كالإخوان المسلمين والسرورية، ووصولا إلى التيارات الجهادية، وحتى التيارات المهادنة، مثل جماعة التبليغ والدعوة والجماعات الصوفية. فكل هؤلاء مبتدعة ضالون، لا يرضى عنهم الحاكم، وبالتالي فإنهم يخالفون منهج السلف، الأمر الذي وجّه غالبية سهام نقدهم ومعاركهم تجاه الإسلاميين، لا تجاه العلمانيين أو اللادينيين أو الحكام المستبدين، وهو ما جعل -كذلك- كل الإسلاميين خصوما لهم.

بعد وقت قصير من النشأة، بدأت ملامح التيار في التشكُّل، إذ بدا احتكار الحديث باسم الدين، وتبديع المخالف، وتسخير جهدهم في التبرير للحاكم، ركائز أساسية في خطاباتهم المتكررة، وليكسب هذا التيار عقب فترة وجيزة مساحات واسعة من وسائل ترويج الخطاب داخل المملكة، وليتوسع إثر ذلك في عدد من أقطار العالم الإسلامي، الأمر الذي يستدعي تسليط الضوء على أفكاره ونشاطه وآلات تعامله مع خصومه من “الإسلاميين”.

المدخلية.. سلفية بنكهة المخابرات

أما الملوك فهم آل السعود لهم … سمع وطاعتهم حتم بقرآن

ولا يحل لشخص خلع بيعتهم … ومن يخن فعليه إثم خـوان

أبا سعود أطال الله عـمركم … في نصرة الدين والملهوف والعان

(محمد بن هادي المدخلي)

مثَّلت حرب الخليج، وما تلاها من اهتزازات صاحبت البيئة الداخلية في المملكة، أرضا خصبة لظهور عدد من خطابات التدين التي ما زالت آثارها متفاعلة وممتدة حتى يومنا، فعلى النقيض من موقف هيئة كبار العلماء السائر على نهج السلطة كما جرت العادة، تجلّى تيار الصحوة ليشغل مساحة المعارضة بعدما استعانت المملكة بقوات أميركية امتد تأثيرها للداخل السعودي.[3] تيار قاده عدد من الدعاة الشباب، والذين كانوا هم الأعلى صوتا والأكثر شعبية في ذلك الوقت.
مقالات مختارة
Photo
في الجهة المقابلة لدعاة الصحوة، كان هناك تيار ديني آخر تم تجميده لفترة طويلة، إلا أن الظروف التي تلت حرب الخليج دفعت الدولة لتفعيله[4]، وهو من سيُعرف لاحقا باسم التيار المدخلي أو الجامي، والذي سينتشر في ربوع السعودية، ثم العالم، مدّعيا امتلاكه الحصريّ لناصية فهم الدين وتفسيره، ويعمل -باسم الجرح والنقد- على تشويه وطعن كل مُخالف له في الفهم أو معترض عليه.



عمل المداخلة على استخدام المنابر والرسائل المكتوبة والأشرطة الدعوية للتحريض على خصومهم الدينيين، والتعاون مع الجهات الأمنية

انصب جهد المداخلة نحو تشويه خصوم السلطة السياسية، فقد أفتى محمد أمان الجامي بوجوب طاعة وليّ الأمر فيما يراه من مصالح العباد والبلاد. أما ربيع المدخلي فقد أخرج رسالة في كُفْر صدام حسين وبالتالي جواز قِتاله بالاشتراك مع غيره من الكافرين أيضا كالأميركان، وسمى رسالته: “صد عدوان الملحدين وحكم الاستعانة على قتالهم بغير المسلمين”، لِيختمها المدخلي بحثّ الشباب على التسليم والإذعان لله ورسوله وطاعة وليّ الأمر وعدم الانقياد لحماسة الدعاة الشباب العاطفية.[5]

يقول الباحث السعودي محمد بن صنيتان: “لقد أعلنوا ولاءهم للنظام، وقد استفادوا من هذا الموقف الذي أعطاهم تذكرة مرور في مدة زمنية محددة، وقد استثمروها في تصفية حساباتهم مع زملائهم وذلك بإحالة العلماء من أساتذة الجامعات للتقاعد من خلال الوشاية بهم وتجريحهم”.[6]

أما في الفترة “التي شهدت الصحوة السعودية فيها ركودا ومُنعت كُتب الصحويين وأشرطتهم من التداول والبيع، تمكّن المداخلة من المناصب العلمية في الجامعات لا سيما جامعة المدينة المنورة. وأصبحت كتب تلاميذ محمد أمان الجامي تُوزّع في المدارس، وهي وصايا حول طاعة وليّ الأمر وخطر الخروج على الحكومات وفضح الحركيين وخاصة الإخوان المسلمين”.

عمل المداخلة كذلك على استخدام المنابر والرسائل المكتوبة والأشرطة الدعوية للتحريض على خصومهم الدينيين، والتعاون مع الجهات الأمنية وكتابة التقارير حول خصومهم من الإسلاميين أو المعارضيين سعيا منهم، بحسب روايتهم، لضبط الحالة الدينية على وفق مُراد وليّ الأمر. تجسّد ذلك بصورة جليَّة قبل أسبوع فقط من اعتقال ثلاثي الصحوة، سلمان العودة، وسفر الحوالي، وناصر العمر، حيث صعد شيخ المسجد الحرام عبد الرحمن السديس[7] منبر الحَرم، موظِّفا إياه في مراد وليّ الأمر، ومُحرضا على الشباب الدعاة، ليتم اعتقالهم بعد أسبوع واحد فقط، وهو ما قُوبل باستهجان واسع من جمهور الناس.[8]

يقول الشيخ المدخلي عبد العزيز الريس عن المداخلة: “فهم مُعِينون دولة التوحيد على ما فيه حفظها من شرور أهل الشر، سواء كانوا من الداخل أو الخارج، فهذا خير وعمل صالح، ومن التعاون على البرّ والتقوى وهو صنع العلماء”[9]، وبحسب الدكتور سعد الفقيه فإن المباحث قد دَسّت من رجالها من ينخرطون في أوساط هذا التيار ويعملون تحت رايته[10].

أما ستيفان لاكروا فيرى في كتابه “زمن الصحوة” أن المدخلية كانت جاذبة للترقي الوظيفي لدى الحكومة، “ففي الجامعة الإسلامية بالمدينة على سبيل المثال، ثم استبدال الصحويين موسى القرني وعبد العزيز القارئ وجبران الجُبران بالجاميين تراحيب الدوسري وسليمان الرحلي وعبد السلام السحيمي”.

كان هذا النهج في التنسيق الأمني من السمات المشتركة للتيار المدخلي حول العالم، في مصر واليمن وليبيا وبلاد المغرب وأوروبا. ففي مصر، ما يلبث محمد سعيد رسلان بأن يفتي بأن الإخوان خوارج مفسدون، وينبغي التعاون مع الدولة للخلاص منهم، ويفتي بإرشاد المباحث عنهم وعلى أتباعهم الذين وصفهم بـ “الجهلة الفسقة ومن الخوارج القعدة”[11].

أما المدخلي طلعت زهران، فقد أفتى علنا بوجوب تزوير الانتخابات لمبارك كي لا يأتي الإسلاميون ولا العلمانيون للحكم فضلا عن التبليغ عن المعارضين للحاكم.[12] وقد تضافرت الوقائع في مصر عن الوشاية من المداخلة لدى الأمن على مخالفيهم وكتابة التقارير الأمنية في ذلك [هـ].

المدخليّة.. السلفية وفق طراز خاص

“الحق الذي لا تشوبه شائبة الباطل، الحق الخالص، الحق الصافي من الكدر “عندنا عندنا عندنا”.. وإن رغمت أنوفكم، وشمخت رؤوسكم حتى تلحقوا المريخ!

 سَمِعتم؟!”

( عبيد الجابري – من مشايخ الجامية)

ينطلق المَداخلة في طرحهم من مركزيّة تعريف أنفسهم على أنهم الممثلون حصرا للسلفية، مع التأكيد على قضيتين أساسيتين، أولاهما مركزيّة “الموقف من الحاكم وطاعته”، والثانية “الموقف المعادي لكل الإسلاميين الآخرين”.

يقول ربيع المدخليّ: “فأهل البدع لا بد من التحذير منهم، إذ إن كشف عوارهم، وبيان ضلالهم من أوجب الواجبات وأفرض الفرائض، لأن هؤلاء خاضعون لقيادات بدعية ضالة متسترون مكرا باسم السلفية، لكنهم ما لبسوا لباس السلفية بقوة إلا ليتمكنوا من سحقها”[13].
مقالات مختارة
Photo
يكرر المدخلي في دروسه ومحاضراته أنه وطائفته الممثلون الحصريون للسلفية، ويتحدى مخالفيه ممن يصفهم بأهل البدع والأهواء بذلك، يقول المدخلي: “نحن نتحدى أهل البدع والأهواء، أهل البدع العقائدية، وأهل البدع السياسية؛ ونقول لهم: بيننا وبينكم السلف، بينا وبينكم الكُتب لنبين من هو المبتدع نحن أم هم!”.[14]

تتمدد طهورية المداخلة من اعتقاد تمثيل السلفية إلى الروح العدائية مع كل المخالفين لهم حتى تُصبح نهجا مطردا لكل المنتمين إلى الفكر المدخلي حول العالم. ففي مصر، يقول أسامة القوصي [ج]، أحد رموز التيار المدخلي في مصر سابقا: “أنا الدفة للسلفية، أنا الميزان، دعوتنا دعوة ضبط وربط، دعوة استبصار.. فمن أراد أن يستبصر بدين الله، والعقيدة الصحيحة يأتي هنا، يستفيد مننا”.

أما محمد سعيد رسلان، رأس المداخلة المصريين، فقد اعتاد في خطبة الجمعة على مهاجمة خصومه الدينيين بأقذع الأوصاف [د] من منبر المسجد. يقول رسلان لخصومه المنتقدين للمداخلة: “فما المدخليّة؟! كلمة لا يستطيع قائلها لها تعريفا! فإن قصدوا من هم على منهج الكتاب والسنة بفهم السلف فلا شك أنهم كذلك ولا يُضرّ التسمية. لكن أهل البدعة في كل عصر يلمزون أهل السنة، وأهل السنة ينالهم من ذلك قسط مما نال الرسول!”.

المدخلية.. سلفية هدم الرموز الإسلامية

“يُبْصِرُ أحَدُكُمُ الْقَذَاةَ في عَيْنِ أخِيهِ، وَيَنْسَى الْجِذْعَ فِي عَيْنهِ”

(حديث شريف)

عُرف التيار الجامي “بتضخيم أخطاء وهفوات خصومهم بشكل مبالغ فيه، بالإضافة إلى نسبة التهم السيئة إليهم، وتشويه سمعتهم والتشهير بهم والتفرقة بينهم، وإطلاق الأوصاف السيئة عليهم وتحجيم أدوارهم وتأثيرهم داخل المجتمع”.[15] فأي داعية، في حال لم يكن جاميا أو مدخليا، فهو يدور -في نظر المداخلة- بين البدعة أو الفسق أو الخوارج أو الكفر البواح، وقلّما يسلم من ذلك مختلف واحد معهم.

يجعل المدخلي هذا الطعن في الآخرين بمنزلة المنهج المُميز لطائفته ويعتبره أوجب الواجبات، ولا ينظر لحسنات مخالفيه مهما بلغت، يقول ربيع المدخلي لمخالفيه: “سلهم عن بدعة وضلالة الإخوان، فإن قالوا إن نقدها وتحذير الناس منها من أوجب الواجبات، وإن بدعهم أكبر المنكرات، فهو من أهل الحق. وإن تأولوها، وجاءوا بمنهج الموازنات بين الحسنات والسيئات، فهم من غلاة المرجئة!”.

كان هذا النهج مطردا مع المداخلة منذ نشأتهم، فمنذ “أغسطس/آب 1990، وحين كان التوتر على أشدّه بين الصحوة والسلطة، كان المداخلة من أوائل العلماء الذين تعرضوا لمشايخ الصحوة بالانتقاد العلني”[16]، حتى غالى بعض المداخلة في نقده لتيار الصحوة وبالأخص سلمان العودة وسفر الحوالي، حتى وصل الحال بعبد العزيز عسكر وسليمان أبو الخيل بالمطالبة بقتل سلمان العودة وسفر الحوالي، والفرح العلني بإعدام الشيخ المعارض عبد الله الحُصيف[17]، ليُعيّن الثاني مديرا لجامعة المدينة بعد اعتقال العودة والحوالي. وقد وجّه الجامية تهما لمشايخ الصحوة بالضعف العلمي، إلا أن حجتهم لم تلبث سريعا حتى تهدّمت حين برهن الصحويون عمليا وعلميا على خلاف ذلك، وأثبتوا لأنفسهم مكانة في الوسط الدعوي في المجتمع العلمي [و].

الأمر الذي جعل المداخلة يلجؤون إلى أسلوب آخر، وهو اتهام المدرسة الحركية التي ينتمي إليها الحركيون بعدم النقاء العقدي، فكان الهجوم على الرموز الحركية مثل محمد قطب، مشرف سفر الحوالي والأب الفكري للصحوة في السعودية، وليطول التسفيه رموزا حركية كبيرة من الحركة الإسلامية. يقول عبد العزيز الخضر: “قاد الجامي والمدخلي أهم معركة فكرية دينية واجهها تيار الصحوة محليا، ونقدا لرموز إسلامية من مشاهير الدعوة المعاصرة في حركة الإخوان المسلمين، ونقدا لأفكار سيد قطب ومحمد قطب. وكانت الحملة شرسة استخدمت مختلف الأساليب بذريعة صفاء العقيدة والسلفية النقية”.[18]

امتد نقد الجامية ليطول حسن البنا، والذي اعتبره المدخلي ممثلا لعقيدة صوفية ضالة، كما طال أبو الأعلى المودودي، والشيخ يوسف القرضاوي، الذي كتب له “مقبل الودعي” ردا سمّاه “إسكات الكلب العاوي يوسف القرضاوي”. وامتد التجريح المدخلي إلى شخصيات حركية سيصبح لها ثقل نوعي فيما يُعرف بـ “الجهاد الأفغاني”، وعلى الرأس منهم الشيخ عبد الله عزام.

كان الهجوم على سيد قطب هو الأشد ضراوة، وبات الانتساب إلى قطب تهمة في حد ذاتها تُعرف بالقطبية، حيث كتب المدخلي عددا من الرسائل في الرد على قطب، ولم يدَع موطنا إلا وانتقص فيه من قطب، حتى نسب إليه عددا من البدع المُغلظة مثل القول بوحدة الوجود، ومساواة الأديان، والتنقص من الأنبياء[19]، الأمر الذي دفع علماء دين سعوديين للتدخل بهدف إيقاف هذا المنهج الهدمي الذي اعتمده المدخلي، فكتب بكر أبو زيد -عضو لجنة كبار العلماء- ردا على المدخلي، حيث وصف كلام المدخلي في سيد بأنه كلام “طغى عليه أسلوب التهيج والفزع على المنهج العلمي النقدي، وافتقد الرد أدب الحوار”.[20] وواصل بكر أبو زيد رده بأن عناوين المدخلي “بالجملة عناوين استفزازية
مقالات مختارة
Photo
تجذب القارئ العادي إلى الوقيعة في سيد رحمه الله”، لكن المضمون ذاته “يفتقد أصول البحث العلمي، ويغلب عليه الحيدة العلمية، ويفتقد إلى أمانة النقل والعلم، وعدم هضم الحق. أما أدب الحوار وسمو الأسلوب ورصانة العرض فلا تمت إلى الكتاب بهاجس، والاجتزاء والتقول على الرجل وعدم رده المتشابه للمحكم”.



تظهر الجامية سائرة في دورها الأثير عبر مهادنتها للحكام مع تسويغ تام لبطشهم وظلمهم، وتسفيه أحلام شعوبهم في الحرية والكرامة باسم الدين

وعلى الرغم من حالة السكون والوئام التي يتخذها المداخلة مع الحُكام، فإن مواقفهم تتخذ في كافة مساراتها عداء شديدا تجاه الإسلاميين بمختلف تياراتهم، لا سيما التيارات الحركية [ز] وعلى الرأس منها الإخوان المسلمين والسروريون، بدعوى التحذير من الحزبية، أو الجهل بعقيدة السلف، أو مخالفة وليّ الأمر، وليخلصوا في النهاية إلى تبديع الإسلاميين بكل طوائفهم من خلال ترسانة مفاهيمية ناجزة، وشرطة مصطلحات مفاهيمية، وعُدة من أدلة شرعية مبتورة من سياقها.

وهو ما جعل البعض يصف المداخلة بـ “أهل الجرح بلا تعديل، وقد سلم الكافرون من ألسنتهم ولم يسلم المؤمنون منها”، لتظهر الجامية سائرة في دورها الأثير عبر مهادنتها للحكام مع تسويغ تام لبطشهم وظلمهم، وتسفيه أحلام شعوبهم في الحرية والكرامة باسم الدين.

———————————————————————–

الهوامش

أ- المدخلي: نسبة إلى ربيع بن هادي المدخلي، أستاذ الحديث بجامعة المدينة، والجامي: نسبة إلى شيخه محمد أمان الجامي، وهو إثيوبي الأصل، نزل المملكة واستقر بها.

ب- تيار الصحوة/التيار الصحوي: هو تيار جمع العقيدة السلفية والحركيّة الإخوانية وتكوّن من عدد من الدعاة الشباب، وفتحت له الدولة الإمكانات بعد حادثة جهيمان، ثم ظهر كمعارض لها بعد حرب الخليج حين استعانت المملكة بقوات أميركية، ومن أبرز رموزه سلمان العودة وسفر الحوالي.

ج- الجدير بالذكر أن القوصي انخلع عن السلفية بالكلية بعد الثورات، وأصدر عددا من الفتاوى التي تؤيد العلمانيين وبات دائم الحضور في مؤتمرات الكنيسة، بل ونقد المداخلة أنفسهم، وأيّد الانقلاب العسكري.

د- انظر بعض الشتائم في خطبة جمعة واحدة

 

هـ – بحسب معلومات ميدانية، وقد نُشرت بعض الوثائق التي تفيد ذلك بعد اقتحام مقرات أمن الدولة عقب ثورة 25 يناير.

 

و- عمد تيار المداخلة إلى طريقة جديدة لنقد الصحويين غير الحديث عن مخالفتهم لوليّ الأمر، تمثلت هذه الطريقة في الادعاء بالضعف العلمي مقارنة بالشيوخ الكبار الشارحين لكتب العقيدة والفقه، وهو ما أكدّ الصحويون عمليا على خلافه، فنشط سلمان العودة في شرح بلوغ المرام وعقد مجالس التحديث في بلدته بُريدة. أما سفر الحوالي فقد شرح العقيدة الطحاوية، وكتب في نقد الأشعرية والصوفية، ولقي شرحه للطحاوية قبولا كبيرا في الأوساط العلمية، مما عزز من مكانة الشيوخ الصحويين وحوّلهم من مجرد دعاة إلى عُلماء حقيقيين مثل العلماء الرسميين، وقد ساعد الصحويين علاقتهم القوية بالشيخ ابن باز وثناؤه على بعضهم مثل سلمان العودة وتقديمه لرسالة علمية كتبها عوض القرني، وللمزيد يمكن مراجعة “زمن الصحوة” لاستيفان لاكروا.

[ز] لم يسلم أي تيار حركي من بغي المداخلة، حتى أشدها مُهادنة. على سبيل المثال ذكر الجامي راجي الفاروقي وأصحاب مشروع إسلامية المعرفة بقوله: “أنشأوا المعهد العالمي للفكر الإسلامي في الولايات المتحدة هناك، ليس في دار الإسلام، ولكن زبائنهم هنا موجودون في البلاد الإسلامية”. [مجموع رسائل الشيخ محمد أمان الجامي].

https://www.tg-me.com/menoathgafi
مقالات مختارة
Photo
📝 احتجاجات إيران والأسلمة المشوهة

بقلم :حسن أبوهنية

تكشف الموجة الأخيرة من الاحتجاجات التي شهدتها المدن الإيرانية وسرعان ما انتشرت في كافة نواحي البلاد في 16 أيلول/ سبتمبر الماضي، عن تحديات أمنية وسياسية جدية على نظام الجمهورية الإسلامية، ذلك أنها تستهدف المبادئ الفلسفية والدينية لسياسات الأسلمة التي قامت على أساسها الثورة الإيرانية، الأمر الذي وضع المرشد الأعلى وكافة قادة نظام "ولاية الفقيه" في حالة من الحيرة والقلق على نحو فريد غير مسبوق.

فالاحتجاجات الواسعة التي اندلعت إثر وفاة الشابة مهسا أميني تحت التعذيب على يد شرطة الأخلاق التابعة للنظام بسبب مخالفتها قواعد ارتداء الحجاب، تشير إلى فشل ذريع في نهج سياسات الأسلمة من الأعلى، وبؤس منظورات تطبيق الشريعة وفرضها كقانون بعد إفراغها من أبعادها الأخلاقية المؤسسة على تقنيات الذات وليس على القوة الإكراهية.

لم يكن رد النظام القمعي للجمهورية الإسلامية ينطوي على الحد الأدنى من أخلاقيات الشريعة، فقد تنصل من مسؤوليته عن وفاة الشابة البالغة 22 عاما من عمرها، والمتحدرة من محافظة كردستان الإيرانية، وهو ما تسبب بموجة تظاهرات قوبلت بالقمع والقتل والاعتقال. وبحسب حصيلة أوردتها وكالة أنباء فارس "قتل نحو 60 شخصا"، وأعلنت الشرطة مقتل عشرة من عناصرها، وأعلنت السلطات عن توقيف أكثر من 1200 متظاهر، بينما أفادت منظمة "حقوق الإنسان في إيران" غير الحكومية ومقرها أوسلو بمقتل "76 شخصا على الأقل"، وإصابة واعتقال المئات.

وكشفت منظمة العفو الدولية استناداً إلى وثائق سرية مُسربة عن خطة وضعتها السلطات الإيرانية لسحق الاحتجاجات بشكل منهجي وبأي ثمن، وقالت إنَّ الهيئة العسكرية الأعلى في إيران أصدرت تعليمات إلى قادة القوات المسلحة في جميع المحافظات بـ"التصدي بلا رحمة" للمتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع.

متلازمة الغطرسة وحالة الإنكار والتلبس بالعنف، هي سمات مميزة للأنظمة الشمولية القمعية، وهي لا تكف عن تحميل مسؤولية الاحتجاجات لجهات خارجية في سياق مؤامرة غربية بالتعاون مع مجموعات محلية. فقد نددت السلطات الإيرانية بوقوف "مجموعات انفصالية" وراء التظاهرات التي ترى فيها "مؤامرات خارجية"، موجّهة الاتهام إلى الولايات المتحدة، العدو اللدود لإيران.

ولصرف الأنظار عن المشاكل المحلية وخلق تعبئة وطنية، شنّت إيران ضربات في إقليم كردستان العراق المجاور، حيث تتمركز تنظيمات معارضة كردية إيرانية، أدت إلى مقتل تسعة أشخاص وإصابة 28 آخرين وفق السلطات الكردية العراقية.

تأتي موجة الاحتجاجات الأخيرة في سياق سلسلة طويلة من الفعاليات والأنشطة والتظاهرات المناهضة للنظام في إبران، ومن أبرزها موجة الاحتجاجات والمظاهرات المليونية عام 2009، على خلفية التزوير الفاضح لنتائج الانتخابات الرئاسية، والتي قوبلت بقمع واعتقال قادة الحركة أمثال مير حسين موسوي ومهدي كروبي، وشهد عام 2019 موجة احتجاجات واسعة عقب قرار الحكومة برفع أسعار البنزين، وقد قوبلت بأشد أصناف القمع وحشية، حيث قتل "الحرس الثوري الإسلامي" الإيراني وقوات الشرطة أكثر من 1500 شخص. ومع ذلك فإن موجة الاحتجاجات الأخيرة تعتبر استثنائية ومغايرة، فهي ليست كسابقاتها التي استندت إلى أسباب سياسية أو اقتصادية، بل لأسباب تتعلق بالمبادئ الجوهرية االدينية التي يدعي النظام حراستها وصيانتها.
لصرف الأنظار عن المشاكل المحلية وخلق تعبئة وطنية، شنّت إيران ضربات في إقليم كردستان العراق المجاور، حيث تتمركز تنظيمات معارضة كردية إيرانية
خلال الاحتجاجات الأخيرة أطلقت هتافات مناهضة لنظام الجمهورية الإسلامية، ومزق المحتجون صوراً للمرشد الأعلى علي خامنئي ولمؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران آية الله روح الله الخميني، وأصبح الشعار الأساسي للمحتجين هو "امرأة، حياة، حرية"، وهي إشارة واضحة تنطوي على نهج من المعارضة الشمولية والعميقة للنظام القمعي الشمولي والدولة العميقة للجمهورية الإسلامية. فتنطبيقات النظام الفجة للشريعة بعد تفريغها من مضمونها واقتصارها على الجوانب الشكلية من خلال عمليات "الأسلمة" من أعلى للمجتمع الإيراني، أدت إلى ولادة نظام إسلامي مشوه تخلو شريعته من المقاصد الإخلاقية الكلية، وتقتصر فيه وظيفة الشريعة على مفهوم القانون المنفصل عن القيم، الأمر الذي بات فيه خلق أجساد مواطنين طيعية الهدف الأسمى للحكم الاستبدادي الإسلاموي، وهو ما أدى إلى حرمان الشعب من الحريات في المجالين الخاص والعام، وفقدان العدالة، وفي ظل نظام قمعي أبوي بطريركي تعرضت النساء لأسوأ أنواع انتهاكات حقوق الإنسان، حيث أصبحت أجساد النساء ساحات رئيسية للمعارك السياسية في إيران.
مقالات مختارة
Photo
أصبح الحجاب رمزاً مميزاً للإسلاموية، إذ لم يعد الحجاب يعبر عن سياسة تقوى شخصية وتقنية ذات فردية أخلاقية، وإنما بات أداة للسيطرة والتحكم بالنساء وتهميشهن وحصرهن في المجال الخاص. ولا غرابة في تشدد نظام الجمهورية الإسلامية وعدائية ممارساته تجاه النساء وإلزامهن بارتداء الحجاب كآلية للسيطرة والتهميش، وهو نقطة اتفاق بين كافة سياسيي ومثقفي النظام الإيراني على اختلاف توجهاتهم، المحافظة والإصلاحية والراديكالية. ولذلك لم تتعرض أي فئة اجتماعية في إيران للظلم أكثر من النساء منذ بداية الثورة الإسلامية 1979، وخصوصاً نساء الطبقة الوسطى، فرغم مشاركتهن في الثورة بكثافة تفوق الرجال، سرعان ما تبنى النظام سياسات معادية للمرأة، فقد أبطل النظام الجديد قانون حماية الأسرة لعام 1968، ثم فقدت المرأة حقها في أن تصبح قاضية، أو أن تطلق نفسها وحقها في حضانة أطفالها وأن تسافر إلى الخارج إلا بإذن من وليها الرجل، وسمح بتعدد الزوجات مرة أخرى، وأجبرت كل النساء بغض النظر عن دينهن على ارتداء الحجاب.

عندما أعلن في 11 شباط/ فبراير 1979 عن انتصار الثورة في إيران، بعد نحو ثمانية عشر شهرا من المظاهرات، استقبلت الثورة بفرحة عارمة، ليس في إيران وحسب بل في العالمين العربي والإسلامي ومعظم دول العالم. كانت التوقعات لا حد لها بتأسيس نظام يقوم على أسس أكثر عدالة وحرية واستقلال، فقد وعدت الثورة بتحقيق ثلاثة أهداف: العدالة الاجتماعية والحرية والديمقراطية والاستقلال عن وصاية القوى الغربية العظمى، الأمر الذي دفع الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو إلى تغيير رؤيته البنيوية الصارمة حول السلطة، حيث سافر مرّتين إلى طهران عام 1978، وصك مصطلح "السياسات الروحية". فقد اعتبر أن الثورة الإيرانية كانت تجسيداً للطاقة السياسية المتفجّرة للإسلام، والتي تعبر عن نمط جديد من الذاتية، لم يألفه الغرب، يخلو من الانقسامات أو الثنائيات. فالجميع كانوا متحدين بإرادة واحدة ضد السلطة، و"الشريعة" التي نادوا بها ليست نصاً قانونياً جامداً يقوم على القسر والإكراه، بل كياناً يكشف عبر الزمن عن المعاني والحقائق الروحية الكامنة فيه. لكن سرعان ما أدرك فوكو طبيعة النظام القمعي الجديد، وهذه المرة باسم الشريعة بمواصفات الإسلام السياسي الذي ولدته الثورة.

إن الإسلام السياسي الشيعي في إيران هو نظام مشوه للشريعة الإسلامية، يتفوق بتشوهه على الأنظمة السنية التي ادعت تطبيق الشريعة، فقد تأسست الجمهورية الإسلامية على فكرة "ولاية الفقيه"؛ وقد منح الدستور الذي كتب معظمه العلماء ورجال الدين الولي الفقيه أو المرشد الأعلى سلطة حكم الأمة الإيرانية على قواعد الإسلام. ورغم إقرار الدستور بسيادة الشعب، التي منحه الله إياها، تمت مأسسة هذه السيادة الشكلية في برلمان على النمط الغربي، لكن قرارات أعضاء البرلمان ممثلي الشعب خاضعة لموافقة "مجلس تشخيص مصلحة النظام"، وهو مجلس مكون من اثني عشر مستشارا يعينهم الفقيه ورئيس مجلس الشورى الإسلامي. ومع أن الشريعة هي قانون البلاد، فقد استمر العمل بالعديد من قوانين ما قبل الثورة، مثل القانون المدني، فيما تعرض قانون العقوبات إلى تغيرات جذرية، وبقي القانون التجاري دون مساس، حيث أثبتت الإسلاموية توافقها مع الرأسمالية.

ما حدث في إيران هو استبدال نخبة قديمة بنخبة جديدة من رجال الدين فرضت الأسلمة من الأعلى دون تغير اقتصادي جوهري، إذ بقي الطابع الطبقي في المجتمع الإيراني على حاله، حسب علي فتح الله نجاد، وذلك مع حلول طبقة حاكمة مكانَ أخرى لكن بتكوين اجتماعي مختلف. وفي الرسوم الكاريكاتورية السياسية، انعكس ذلك في صورٍ تُظهر استبدال عمامة الملّا بتاج الشاه لا أكثر. ودفعت هذه الاستمرارية ببعض الباحثين إلى تفسير ثورة عام 1979 على أنّها مجرد "ثورة خاملة، ثورة من دون تغيير" في العلاقات الطبقية. واليوم، يظهر التفاوت بين المداخيل بوضوح بين الناس، نظراً إلى الاستعراض الباذخ للثروة والمحسوبية الذي يتبجّح به أنجالُ التابعين للنظام، الذين يلقبون بالأولاد المدلّلين.
الموجة الاحتجاجية الأخيرة في إيران تختلف عن الموجات الاحتجاحية السابقة، والتي كانت ذات طبيعة سياسية اقتصادية دون التعرض للأسس والمبادئ التي قامت عليها الثورة، وهي تختلف أيضاً في أسلوب وطريقة تنظيمها، ومكونات قيادتها، ورغم ذلك فإن النظام لا يزال يتمتع بقدرة كبيرة على قمع الاحتجاجات
إن التطبيق المشوه للشريعة الإسلامية في إيران من خلال آليات الأسلمة الفجة من الأعلى أدت إلى كراهية الشريعة، إذ لم تحمل الاحتجاجات الأخيرة أي مضامين دينية. وقد دفعت التجربة الإسلاموية الإيرانية المختصَ في الحركات الإسلامية أوليفيه روا إلى القول إنّ الإسلاموية إخفاق تاريخي؛ إذ لم نشهد بوادر قيام مجتمع جديد في أي من بلدان نشاطها، و"الاقتصاد الإسلامي" القائم على الفضيلة والعدل ليس إلا وهماً جميلاً وخطاباً بليغاً لا يقيم عدالة ولا يشبع فقراء، وأنّ الإسلام السياسي لم يعد رهاناً
مقالات مختارة
Photo
جيواستراتيجيا بل مجرد ظاهرة اجتماعية، والثورة الإسلامية أصبحت تنتمي إلى مرحلة منصرمة، بل إنّ الحقبة الإسلاموية قد أغلقت باباً هو باب الثورة والدولة الإسلاميتين، وما تبقى هو مجرد بلاغة خطاب.

خلاصة القول أن الموجة الاحتجاجية الأخيرة في إيران تختلف عن الموجات الاحتجاحية السابقة، والتي كانت ذات طبيعة سياسية اقتصادية دون التعرض للأسس والمبادئ التي قامت عليها الثورة، وهي تختلف أيضاً في أسلوب وطريقة تنظيمها، ومكونات قيادتها، ورغم ذلك فإن النظام لا يزال يتمتع بقدرة كبيرة على قمع الاحتجاجات. ولعل التضامن الكاذب للدول الغربية والولايات المتحدة مع المحتجين، هو أكبر خدمة للنظام الإسلاموي القمعي، فهو يعزز رواية النظام الإيراني حول المؤامرة، ولطالما كانت السياسات الأمريكية في خدمة الطبقة الدينية السياسية لولاية الفقيه.

لكن الأهم أنّ الحماس الذي جاءت به الثورة الإيرانية ووعودها حول التحرر والعدالة تلاشى وبات من الماضي، إذ سرعان ما تكشف عن وهم أفضى إلى ولادة شريعة مشوهة من خلال عمليات الأسلمة القسرية من الأعلى. فما هو واضح دون لبس، أن الطبقة الحاكمة الجديدة من رجال الدين الإسلامويين في الجمهورية الإسلامية تمكنت من تقويض ديكتاتورية الشاه وأحلت مكانها ديكتاتورية الولي الفقيه، وهي دكتاتورية أكثر قمعية ووحشية وخداعاً، فهي تشوه الشريعة وتستخدمها لتمرير برنامجها اللا أخلاقي في السيطرة والتحكم والتهميش لفئات وأقليات وفي مقدمتها النساء، وهن الضحايا المفضلات لنظام الجمهورية الإسلامية في إيران.

https://www.tg-me.com/menoathgafi
2025/07/05 22:42:37
Back to Top
HTML Embed Code: