Telegram Web Link
(١ / ٢)

مقالة ختامية لمحور أدلة وجود الله تعالى
- - - - - - - - -



تعرفنا في رحلتنا إلى مجموعة من الأدلة على وجود الله تعالى وكماله؛ لنصل الآن إلى مقالةٍ ختاميةٍ تعرض بعض الإشارات المهمة المكمّلة لِتصوراتنا حول الإيمان بالله تعالى.



🔹🔹تعدد أنواع الأدلة وتعدد أمثلة كل نوع.

▪️ لاحظنا تعدّد أنواع الأدلّة، ولمسنا قوة كل دليلٍ في ذاته، وكذلك تعدد أنواع الأدلة، فقد مررنا على دلالة الخلق وما فيه من الإتقان والإحكام، ورأينا كيف أنّ الله تعالى أودع الدلائل عليه في حياتنا ووعينا وتعقّلنا وما فطرنا عليه من المعاني والقيم والإرادات، ووقفنا على دلالات عظيمة متتابعة في الجمال والغرائز، واستشعرنا فطرية التدين الأصيلة في نفوس البشر، وسبحان الذي نوّع الآيات على عظمته لتستبين سبيله جلّ وعلا.

▫️ وإن الواقف مع طبيعة هذه الأدلة سيجد أنّها أنواع يتضمّن كلّ منها الكثير من الأمثلة، بل قد تكون الأمثلة غير قابلة للحصر.

• فدليل الخلق والإيجاد يبرز لك في كل مخلوق، كما قال الشاعر:
وفي كل شيء له آية * تدل على أنّه واحد

• ودليل الإحكام يبرز في كل ما يقع تحت الحواس لو أعملنا فيه أدنى قدر من التأمل، فتظهر دقة الصنعة وحكمة الصانع.

• ودليل الحياة يأخذ بمجامع قلبك لو نظرت لأصغر كائن ذو خلية واحدة، فضلا عن الكائنات الأخرى بما فيها من مليارات الخلايا والأنسجة والأعضاء المتكاملة.

🌟 وهكذا نجد الأمر في كل دليل، وهذا لا شك يعظّم من أثر هذه الأدلة في نفوسنا من الإيمان بالله تعالى ومحبته والانقياد له وإخلاص العبودية له سبحانه.


———————————

🔹🔹ما الذي يلزم لتحصل اليقين؟

▪️إن أدلة وجود الله فطرية ثابتة في النفس، ولا نعني بذلك فطرية الإقرار بوجود الله والخضوع له كما بيّنا في دليل أصالة التدين فحسب، بل إنّ الأدلة العقلية نفسها مبنية على قواعد فطرية وعقلية أولية مثل قاعدة السببية.

▫️وبناء على ذلك، فإنّ اليقين بوجود الله تعالى لا يتطلّب في العموم معرفة كل الأدلة التي يمكن أن تصاغ للاستدلال على ذلك، بل إنّ الأمر لا يحتاج أكثر مما يحصل لكل إنسان من الإيمان الفطري، والتفكّر في خلق الله وآياته وما دلت عليه من كماله سبحانه، فذلك من أعظم أسباب اليقين، فكيف إذا أضيف إلى ذلك قراءة آياته المنزلة في القرآن وهي التي تحوي أعظم الحجج الفطرية والعقلية، وكيف إذا تكلّل ذلك بالاستقامة على أوامره سبحانه والالتزام بأحكامه وتشريعاته، فزاد بذلك إيمان العبد بالطاعات وزاده الله من هداه كما وعد في كتابه {والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم}.

🌟 فالغرض مما قدّمناه في هذا المحور هو لفت الأنظار إلى الآيات الكثيرة الدالة على الله تعالى وكماله، لا أنّنا ابتكرنا شيئاً لم نسبق إليه، وقد نكون قد عمّقنا في بعض صياغات الحجج وفرّعنا فيها، ولهذا التعميق فوائده، لكنّنا لا نقول بأنّ اليقين لا يحصل إلا بمعرفة هذه الصيغ المعينة في الاستدلال، لكن قد ينتفع بها بعض الناس وتؤثّر فيه.

(وقد أشرنا سابقا إلى هذا في مقال: لماذا الحديث عن أدلة وجود الله عز وجل؟ (رابط المقال)).

———————————

🔹🔹التعامل مع الوساوس الطارئة.

هل يهتزّ اليقين بكل وسواسٍ يرد على النفس في مسيرتها؟
ينبغي التنبه إلى أن الوساوس لا تدلّ على الشك، ولا يلزم لحصول اليقين وبقائه ألا يعرض أي منها للمؤمن، بل إن العبد تأتيه الوساوس ويشعر بالضيق منها، وهذا بذاته دليلٌ على إيمانه كما جاء في الحديث الذي هو بلسم للقلب، فعن أبي هريرة قال: جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به؟ قال: "وقد وجدتموه؟" قالوا: نعم، قال: "ذاك صريح الإيمان". (رواه مسلم). فلا تصنف نفسك بأنك شاكٌّ لمجرد لحظة ضعف راودتك فيها بعض التساؤلات أو هاجمتك فيها بعض الوساوس.‏

📝 علّق النووي على الحديث قائلاً: ‌
" فقوله صلى الله عليه وسلم: ذلك صريح الإيمان، ومحض الإيمان، معناه: استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان، فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه، ومن النطق به، فضلاً عن اعتقاده، إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالاً محققاً وانتفت عنه الريبة والشكوك."

📝 وقال شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله - في الفتاوى:
"والمؤمِنُ يبتلى بوساوس الشيطان وبوساوس الكفر، التي يضيق بها صدره، كما قالتِ الصحابة: يا رسول الله، إن أحدنا ليجد في نفسه ما لأن يخر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يتكلم به، فقال: ذاك صريح الإيمان، وفي رواية: ما يتعاظم أن يتكلم به، قال: الحمد الله الذي رد كيده إلى الوسوسة، أي: حصول هذا الوسواس مع هذه الكراهة العظيمة له، ودفعه عن القلوب هو من صريح الإيمان، كالمجاهد الذي جاءَهُ العدو، فدافعه حتى غلبه، فهذا عظيم الجهاد.. ".


يتبع ⬇️
(٢/٢)

💡‏ولوجود الله وصحة الإسلام أدلة قاطعة ظاهرة، فاعتمد على الأدلة واعتقد ما تدل عليه بيقين، ولا تلتفت للوساوس ولا تعتبر أن سببها هو شك منك بالضرورة، فكل إنسان قد يتعرّض لذلك من الشيطان ليحزنه ويدخله في دوامة ويفسد عليه صفو علاقته بالله، ويمكن أن تصيب أي دارس حتى المتخصصين، لأنها في حقيقتها وسوسة من الشيطان، ولأنّ عدو الله يغتاظ أكثر ما يغتاظ من سعي المؤمن في تحصين إيمانه، فكلما ازداد دليلا، ألقى إليه الوساوس، والمؤمن يستعيذ برب الناس، في دفع شر الوسواس الخناس.

• ‏وتأمل في حضور الشيطان عند تلقي آي الله: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته، والله عليم حكيم } فله سعيٌ حثيثٌ خبيثٌ في محاولة حجب نور الحقّ عن المؤمن وتشويشه وإلقاء الشكّ فيه حال تلقي المؤمنين للبينات من ربهم. ‏

📝 قال ابن تيمية رحمه الله:
" ولهذا يوجدُ عند طلاب العلم والعباد من الوساوس والشبهات ما ليس عند غيرهم؛ لأنه لم يسلك شرع الله ومنهاجه، بل هو مقبل على هواه في غفلة عن ذكر ربه، وهذا مطلوب الشيطان، بخلاف المتوجهين إلى ربهم بالعلم والعبادة، فإنه عدوهم يطلب صدهم عن الله تعالى". اهـ.

🤍 ‏وعلى المؤمن ألا ينسى تعاهد القلب وسقيه بماء الإيمان بقراءة كتاب الله وتدبره والاهتمام بالصلاة والإحسان فيها، وغير ذلك من العبادات القلبية والقولية والعملية، فلا ينبغي أن ينشغل عن ورده والعناية به والإحسان فيه،‏ ومع الاستمرار والصبر وإخلاص النية سيحترق عدو الله، وسيجد المؤمن انشراحا وراحة عظيمة بإذن الله.

———————————

🔹🔹 حصول اليقين بالله تعالى يكمل بأدلة مكونات العقيدة الأخرى.

من الأدلة التي قد يغفل بعض الناس عن دلالتها على وجود الله تعالى أدلة النبوة وأدلة صحة الإسلام عموماً، فالنبي يدل على من أرسله، والدين يدل على من أنزله، ولذلك فإنّ دلائل النبوة ومعجزاتها هي مما يثبّت ويزيد اليقين بالله تعالى، وكذلك ما يدل على صحة الإسلام عموماً من محاسن وكمالات هذا الدين العظيم.

———————————

🔹🔹هل ينتهى الأمر عند الإيمان بوجود الله؟

▪️ ينبغي التنبّه إلى أنّ اليقين بوجود الله تعالى وكماله ووحدانيته لا يكفي في النجاة إذا لم يقترن بلوازمه، فالإيمان بالله يلزم منه التسليم لأمره والتصديق بخبره، والأمر والخبر جاء به الرسل الذين يبلّغون ما أنزل الله من الوحي.

▫️ إنّ الإقرار بوجود الله فطرة وضرورة عقلية، ولولا مكابرات أهل الأهواء لما احتاجت هذه القضية لكتابة صفحة! فيجب ألا تقتصر الهمم على إثبات هذه القضية وحدها، فهي بداية لا نهاية، ثم يترتب عليها كل شيء في حياة الإنسان في الدنيا والآخرة، ليكون الإيمان بالله بمعناه الشمولي ولوازمه قضية الإنسان الكبرى التي لا يقاربها شيء في عظمتها وخطورتها.

▪️ تأمل محور الرسالات في قوله تعالى:{ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}، فهي عبادة الله بكل معانيها والكفر بالطاغوت بكل معانيه، {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين}، إنها عبادة الله بالمحبة والتعظيم المتغذّيان بمعرفته بالفطرة والوحي، وبمشاعر القلب خوفاً ورجاءً ورغبةً ورهبةً وتسليماً، وبكل جارحة وقول يحبه تبارك وتعالى.

💚 ولأنها عبادة لا أي محبة، ولأنه الله الواحد الأحد، فإن المؤمن يأبى أن يجعل له نداً في عبادته وأسمائه وصفاته، ويرى ذلك أعظم الظلم، فيوالي ويعادي فيه، فإذا فقهت ذلك انضبطت مواقفك وحركاتك وسكناتك حتى يكون محياك ومماتك لله، فتُخلِص وتَخلُص، فلا يسلط عليك شيطان وتحرق بنورك الظلمات.
لذا، فإنّ مشروع الميسّر في تعزيز اليقين، سيواصل عمله بعون الله على تقديم المزيد من المقالات في محاور قادمة، ومع ختام هذا المحور، فإننا نسأل الله العظيم ربّ العرش العظيم أن يتقبّل من كل من كتب وتابع وأشرف ودقّق وحرّر وبحث في سبيل إنتاج هذه المقالات، ونرجوه جلّ وعلا أن ينفع بما كُتِب ويجعله نوراً على طريق كلّ مسلمٍ ومسلمةٍ للوصول إلى القلب السليم الذي يفلح من لقي الله به.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم تسليما كثيرا



———————————————————-


🌐 روابط مشاركة المقال على مواقع التواصل الاجتماعي :
https://www.tg-me.com/moyassaryaqeen/289



#إضاءات_عن_الاستدلال_على_وجود_الله عز وجل
#الإيمان_بالله عز وجل
#أدلة_وجود_الله عز وجل
#أدلة_أصول_الإسلام
#المستوى_الأول
متابعينا الكرام 🌹

إليكم فهرس متجدد ينقلكم لمقالات القناة بالضغط على اسم المقال، وقريبا سننشر ملفا فيه أدلة وجود الله عز وجل كلها.

فتابعوا القناة، وشاركونا الأجر - بإذن الله - بنشر المحتوى في مواقع التواصل.

نفع الله بنا وبكم، واستخدمنا جميعا في طاعته.


#فهرس
فهرس متجدد لمقالات المُيسّر في تعزيز اليقين


🔸 مقال: افتتاحية للتعريف بالمشروع، وبيان أهدافه وخطته.

🔸 منشور: تعريف بالمستوى الأول.
—————-

🔹 المحور الأول : أدلة وجود الله عز وجل وكماله.

▪️مقال: لماذا الحديث عن أدلة وجود الله عز وجل.

◽️مقال: دليل الخلق والإيجاد.

▪️مقال: دليل الإتقان والإحكام.

◽️مقال: دليل الحياة.

▪️مقال: دليل الوعي.

◽️مقال: دليل القدرات العقلانية.

▪️مقال: دليل القيم المطلقة.

◽️مقال: دليل الجمال.

▪️مقال: دليل الإرادة الحرة.

◽️مقال: دليل الغرائز.

▪️مقال: دليل أصالة التدين.

◽️مقال: الكمال الإلهي، أدلته وآثاره.

▪️ مقالة ختامية لمحور أدلة وجود الله تعالى
فيها إضاءات عن الاستدلال على وجود الله عز وجل.
————————-

🔹 المحور الثاني : أدلة النبوّة.

▪️مقال: مقدمات هامة حول إثبات النبوّة

◽️مقال: إثرائي حول موثوقية نقل السيرة ومضامين إثبات النبوّة

▪️مقال: دلائل البشارات والأحوال الممهّدة (١-٢)


#فهرس
الميسر في تعزيز اليقين pinned «فهرس متجدد لمقالات المُيسّر في تعزيز اليقين 🔸 مقال: افتتاحية للتعريف بالمشروع، وبيان أهدافه وخطته. 🔸 منشور: تعريف بالمستوى الأول. —————- 🔹 المحور الأول : أدلة وجود الله عز وجل وكماله. ▪️مقال: لماذا الحديث عن أدلة وجود الله عز وجل. ◽️مقال:…»
• بعد أن اكتمل - بفضل الله - نشر مقالات "أدلة وجود الله عز وجل وكماله" على مواقع التواصل، رأينا نشرها منسقة مرتبة في كتاب مستقل نضعه بين أيديكم لتعمّ الفائدة.

• وهذا الكتاب يمثل المحور الأول من مشروع "الميسّر في تعزيز اليقين" والذي يهدف لإيجاد مادة شمولية ميسرة مؤثرة تناسب كل الفئات في تعزيز اليقين بأصول دين الإسلام.

• وقد توخينا أن يكون الكتاب مناسباً لجميع الفئات؛ وذلك بأن يكون أسلوب المقالات فيه جامعاً بين أمرين: سهولة العبارة وجمالها، وقوة البرهان وصحته.



🌿 ويسعدنا تعاونكم معنا بنشر الكتاب على مواقع التواصل الاجتماعي؛ عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم:"مَنْ دَعَا إِلَى هُدىً كانَ لهُ مِنَ الأجْر مِثلُ أُجورِ منْ تَبِعهُ لاَ ينْقُصُ ذلكَ مِنْ أُجُورِهِم شَيْئًا"، و"فرُبَّ مُبَلَّغٍ أوْعَى من سامِعٍ".

سائلين المولى عز وجل أن ينفع بهذا الكتاب، وأن يتقبل منّا ومنكم 🌹

————————————

📖 لتحميل كتاب المُيسّر في تعزيز اليقين (١): أدلة وجود الله عز وجل وكماله.

رابط تليجرام.
https://www.tg-me.com/moyassaryaqeen/296

رابط ويب.
https://ttangawi.com/wp-content/uploads/2021/12/MOYASSARBOOK1.pdf




————————————

📝 وهذه حسابات المشروع على مواقع التواصل الإجتماعي.
يشرفنا متابعتكم لها
🌷

▪️تليجرام.
https://www.tg-me.com/moyassaryaqeen


▫️تويتر.
https://twitter.com/moyassaryaqeen


▪️فيس بوك.
https://fb.me/moyassaryaqeen



#الميسر_في_تعزيز_اليقين
#أدلة_وجود_الله عز وجل
#الإيمان_بالله
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
💠 المحور الثاني .. أدلة النبوة 💠
ها نحن مع محور جديد في مشروع الميسّر في تعزيز اليقين، وهو محور النبوّة، التي هي الغيث للعقول والنور للقلوب، وحاجة الإنسان إليها أشدّ من حاجته للطعام والشراب والنفس.

نفتتح المحور بمقدمات نبين فيها أن النبوّة ضرورة عقلية تنبني على كمال الله تعالى، وأنّها أمر واقعي، أدلّته ممكنة الإدراك سابقاً وحاضراً، والإنسان مؤهّل وقادر على إدراكها عقلاً وحسّاً وخبراً .


مقدمات هامة حول إثبات النبوّة


لقراءة المقال ⬇️⬇️⬇️

----------------------


🔁 روابط مشاركة المقال :


🌐صفحة ويب.
https://ttangawi.com/prophecy-intro/


◀️ تليجرام.
https://www.tg-me.com/moyassaryaqeen/300


فيس بوك.
https://www.facebook.com/2204066486562253/posts/2909127209389507/

تويتر .
https://twitter.com/moyassaryaqeen/status/1498001737046757383


#الإيمان_بالنبوة
#مقدمات
#أدلة_أصول_الإسلام
#المستوى_الأول
١
مقدمات هامة حول إثبات النبوّة


إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد.

🌿 فها نحن مع محور جديد في مشروع الميسّر في تعزيز اليقين، وهو محور النبوّة، التي هي الغيث للعقول والنور للقلوب، وحاجة الإنسان إليها أشدّ من حاجته للطعام والشراب والنفس، فبها يتوصّل العبد إلى معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته، ويعلم الغاية من خلقه، ويدرك ما يريد الله منه وما أمره به وما نهاه عنه، فيرتسم له منهج حياته ويتضح له طريق السير الذي ينتهي إلى جنة الرضوان.

🌿 وكنّا قد مررنا برحلة عظيمة رأينا فيها قوّة الأدلة على وجود الله عز وجلّ وكماله، ورأينا في تلك الأدلّة ارتباطها بإثبات علمه وحكمته وقدرته ورحمته وعظمته وغيرها من صفات الكمال له سبحانه، كما استعرضنا فطرية الحاجة للتديّن. وهذا كلّه له ما بعده، إذ يقتضي إخلاص العبودية لله والصلّة به، ومن رحمة الله تعالى أنّه يقابل ذلك بتلبية هذه الحاجة العظيمة ببيّنات عظيمة على صحّة النبوّة، لتصلنا بربّنا جل وعلا.

———————————

🔹🔹كمال الله تعالى وضرورة النبوّة.

الحكيم لا يخلق عبثاً بلا غاية، ولا يبثّ الآيات لنؤمن به ثم لا ندري كيف نعبده ونصل لرضاه..

والرحيم لا يترك عباده مفتقرين إليه متلهّفين للقاء يكون فيه الرضا منه والقرب، ثم لا يلبّي حاجتهم لذلك بتعليمهم وهدايتهم، وقد لبّى برزقه وتسخيره وإلهامه حاجات لهم تقوم عليها بعض جوانب حياتهم الدنيا، فكيف بحاجات الدنيا والآخرة التي تلبّيها النبوّة.

والرحيم تعالى لا يترك عباده يعيشون في هذه الدنيا دون منهج يعرفون به كيف يتعاملون ويضبطون تصرفاتهم وعلاقاتهم، ويتحاكمون إليه فيرشدهم ويفصل بينهم في نزاعاتهم، وهو العدل سبحانه، ومن عدله ورحمته أن أنزل الكتب بالحق والميزان ليقوم الناس بالقسط.

والعدل سبحانه لا يترك الظالم يبغي في دار الابتلاء، ثم يفلت من العقاب ولا يجعل للمظلوم يوماً يأخذ فيه بحقّه في دار جزاء لا يُظلم فيها أحدٌ ولا يبخس.

والعدل سبحانه لا يسوّي بين المحسن والمسيء، فلا بد أيضاً من دار جزاء يفلح فيها من أحسن ويتميّز عمّن أساء، ويجازى صاحب الإساءة بما كسبت يده، بعد أن سبقت له النذارة، وعُرِّف سبيل الرشد والنجاة، قال تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا﴾ [الإسراء:١٥].


🌟 فالحاجة للنبوة تتعلّق بالدنيا والآخرة، وبالسير إلى الله، وبالتعامل مع الناس، وبإقامة مصالحهم وتحقيق العدل في دنياهم وأخراهم، فليس في الوجود حاجة أعظم من ذلك، وقد عمّ جُوْدُ الله تعالى هذا الوجود، وآثار هذا الجود شاهدة بذلك، فلا بد أن يلبّى هذا الجود العظيم أعظم الحاجات، ويأبى الله تعالى بحكمته ورحمته وكماله إلاّ ذلك.

———————————

🔹🔹 واقع النبوات يشهد.

• وهذا الذي تدلّ عليه هذه الضرورات العقلية السابقة، أدركته البشرية أمراً واقعاً ببعثة الأنبياء التي أشرقت بها الدنيا هداية ورحمة، خاصة أنّ الله تعالى جعلهم بشراً؛
ليمكن تمام الاقتداء بهم في مختلف أحوالهم البشرية.
وليكون أقوامهم على علم بهم وبصفاتهم من قبل البعثة؛ فلا يلتبس عليهم أمرهم. قال تعالى:﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ ۝ أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ﴾[المؤمنون:٦٨، ٦٩] ، ﴿قُل لَّوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُم بِهِ ۖ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾[يونس:١٦]. وهذا شاهد آخر على أنّ كرم الله تعالى ورحمته فاضا على البشرية بأدقّ التفاصيل التي تحتاجها.

• وقد جعل الله تعالى الأنبياء من خيرة البشر، وحلاّهم بأحسن الأخلاق التي يتحتّم معها صدقهم، وهداهم إلى أقوم السبل لصلاح أقوامهم، وأفاض عليهم بعلوم متنوعة تشهد العقول بحسنها وصدقها، ثمّ أيّدهم فوق ذلك بأنواع من البيّنات والحجج المعنويّة والحسيّة التي أرغمت أعتى خصومهم.

———————————

🔹🔹القرآن يبين حقائق النبوّات ويبرهنها عقلاً .

• وقد اعتنى القرآن بالتنبيه إلى هذه الحقائق، فبيّن ضرورة الحكمة في الخلق منزّها نفسه عن العبث، فقال تعالى: ﴿أَفَحَسِبتُم أَنَّما خَلَقناكُم عَبَثًا وَأَنَّكُم إِلَينا لا تُرجَعونَ۝ فَتَعالَى اللَّهُ المَلِكُ الحَقُّ لا إِلهَ إِلّا هُوَ رَبُّ العَرشِ الكَريمِ﴾[المؤمنون:١١٥، ١١٦]، ونزّه نفسه عن ذلك في كلّ خلقه، فقال تعالى: ﴿وَما خَلَقنَا السَّماءَ وَالأَرضَ وَما بَينَهُما باطِلًا﴾[ص:٢٧]، فبيّن في كتابه ما فطر العقول عليه، وأكّد فيه ما يقود إليه التفكرّ والاعتبار في المخلوقات، من ضرورة حكمته ووجود الغاية من خلقه.


يتبع ⬇️
٢
وبيّن تفصيلاً الغاية من خلقنا وهي التعبد له، قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[الذاريات:٥٦]، لتقوم هذه العلاقة الشريفة التي يقتضيها كمال ألوهيته، فيعبد بغاية الحبّ وكماله مع غاية التعظيم والتذلّل له، ويقع ذلك من مخلوق يتميّز بالعقل والإرادة، فيعبده اختياراً ويصبر على الابتلاء ويجاهد فيه سبحانه حقّ جهاده، فيظهر فيه من جمال العبودية وكمالها ما لا يظهر في غيره.
وهنا أيضاً تبرز الحاجة إلى الوحي؛ لأنّ الوقوف على تفصيل ما يحبّ الله تعالى أن نعبده به من الشعائر وما نتمثل له من الأوامر لا يمكن بغير الوحي، فبالوحي يعرف ذلك ويتميّز المطيع من المسيء، وتقام الحجّة الرسالية القاطعة للعذر، كما قال عزّ وجل: ﴿رُسُلًا مُبَشِّرينَ وَمُنذِرينَ لِئَلّا يَكونَ لِلنّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللَّهُ عَزيزًا حَكيمًا﴾[النساء:١٦٥].

وأشار القرآن لاختلاف الناس وحاجتهم للنبوة والوحي الذي يهديهم ويفصل بينهم، قال تعالى: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ...﴾[البقرة:٢١٣].

———————————

🔹🔹مناسبة الاستعداد الإنساني لإثبات النبوّة.

مما يحسن أن نلاحظه هنا قبل الشروع في الحديث عن أدلة النبوة تفصيلاً، أنّ الإنسان مزوّد في خلقته بما يمكّنه من التثبّت من النبوة،

فغريزة العقل الفطرية تفرّق بين الممكن والمستحيل، والنبوّة وفق هذه الغريزة ممكنة لا محال فيها، فقدرة الله تعالى كاملة، وأفعاله على ذلك شاهدة، ولا يمتنع عقلاً أن يصطفي من خلقه من يشاء فيوحي إليهم، ويجعل معهم ما يبيّن صدقهم من البيّنات المتنوّعة.

وعقل الإنسان يستطيع التمييز بسهولة بين النبي الصدق والمدّعي الكاذب، لأنّه مفطور على التفريق بين المختلفات وإدراك التناقضات، فيرى من مضمون دعوة النبي الصادق من الكمال والسمو ما يميّزه بوضوح عن دجل الكذّابين وقبح ما يأتون به من الجهالات والضلالات، ويرى من أحوال النبيّ الصادق كذلك ما يدرك به صدقه وكريم أخلاقه، ما يباين بجلاءٍ أحوال الكذّابين.
وحال الخلق شاهد بأنّ الإنسان العاقل يفرّق بين الصادق والكاذب في أمور الدنيا بقرائن كثيرة، فكيف بالصدق في الإخبار عن الله أو الكذب عليه سبحانه! فأعلى درجات الصدق لا بد أن يقترن به من اللوازم ما يميّزه عن أحطّ درجات الكذب، خاصة أنّ النبوة تقترن -ولابدّ- بإخبار عن تصوّرات وتبليغ لأوامر ومنهيات، يظهر فيها الفرق بجلاء بين كمال الحق وصدقه، وانحطاط الباطل وكذبه.

كما يتمتّع عقل الإنسان بالقدرة على تصوّر الأدلّة والحكم بصحّة التلازم بينها وبين ما يستدل بها عليه من قضايا، ليصل من ذلك لإثبات صحة قضيّة ما بدليلها الصحيح، وأوّل ما يدخل في ذلك قضيّة النبوّة لقوّة وظهور وكثرة أدلّتها.

———————————


🔹🔹مناسبة الواقع سابقاً ولاحقاً لإثبات النبوّة.

• كلّ ما سبق من إمكانات عقليّة يقابلها واقعاً دليل الحسّ الذي يعيشه من يدرك زمن النبوة ويشهد دلائلها من أحوال وبيّنات، بل ويدرك بعض ما فيه حسّاً من أتى بعد النبوة، فمن أدلّة النبوة ما هو حاضر بين أيدينا نقرؤه ونتعقّل ما فيه من آيات دالّة على صدق النبوة، وهو القرآن الكريم بإعجازه المتنوّع بالبيان والمعاني الخارجة عن قدرة البشر، وكذلك ما في الوحي عموماً من مضامين دالّة بذاتها على صدق النبوّة، مثل الكمال المعجز لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من نظم الأخلاق والتشريع، ومثل الأخبار الغيبية التي وقعت كما أخبر صلى الله عليه وسلم.

ويقوم الخبر الصادق مقام الأدلّة الحسيّة التي لم يشاهدها من أتى بعد من النبوة، واعتبار الخبر قائماً مقام الحسّ في إدراك المعارف أمر ضروري، لا يمكن لبشر التنكّر له، فهو أساس في كل العلوم، إذ يستحيل بناءها على مباشرة كل تجربة ورصد كل حقيقة بالحسّ المباشر، فلا بد فيها من الخبر، بل إنّ الخبر الصادق أساس في تصرّفاتنا الحياتية، فنحن نعتمد عليها في معارفنا ونبني عليه قراراتنا باستمرار.

والعقل البشري يشهد بإمكان المعرفة التاريخية ويقطع بها بعد إعمال العقل في تمحيص المعطيات ومقارنتها، ولذا كانت الأخبار التاريخية مصدراً واسعاً للمعرفة البشرية، يدركون بها الأحداث الكبرى والأشخاص وأحوالهم، فضرورة إحضار المعرفة من الماضي ضرورة بشرية، والعقل الفطري قادر على التمحيص والإدراك إذا نظر في تلك المعرفة وفق منهج سليم ودوافع حسنة.

يتبع ⬇️
٣
• وهذا التعامل الاستدلالي العادي مع المعرفة التاريخية هو مسلك العقلاء، والخروج عنه تعنّت يتطلّب نظرة سلبية كلية منفصلة عن الواقع، وانطلاقاً من سوء ظن كلي مطبق، وهدر صروح معرفية ومناهج معقدة بطريقة تبسيطية يخجل منها العاقل، ولا يمكن لذلك أن يفيد المعرفة الإنسانية، بل يقوّضها بصورة يستحيل التعايش معها، ولذلك لا تجد في واقع الناس -حتّى من يظهر منهم التعنّت في هذه القضية- أنّهم يلتزمون التعنّت في حياتهم العادية، فهي مليئة بالبناء على معارف خبرية يثبتونها بتلقائية دون تردّد.

• ثمّ إنّ هذا الإشكال لا يقتصر على سوء الظن والتقويض للمعرفة البشرية، بل سيعود على الطعن بالعقل نفسه، لأنّه سيصطدم بما دلّ عليه العقل من الكمال الإلهي، فمن لوازم هذه النظرة السلبية الكليّة أنّ الله تعالى سدّ طرق المعرفة على عباده، وأهمّها معرفة صدق الرسل، فتغيب آثار الكمال الإلهي الضرورية، وتنتقض أدلة العقل القاطعة بثبوت هذه القضية، وقد سلف تفصيلها وبيان قطعيتها.

• وإذا كان إمكان حصول المعرفة التاريخية أمراً ثابتاً بالاستدلال العقلي المتجرّد عن التعنّت، وظاهراً في أصل المعرفة التاريخية، فإنّ لِما يتعلّق بالنبي صلى الله عليه وسلم من الأخبار مزيّة كبرى لا يشابهه فيها غيره، فقد أثّر في البشرية أعظم التأثير، وغيّر مجرى التاريخ بمضامين رسالته وسيرته التي سار بها مع من تابعه ومن خالفه، مع كون دعواه هي أعظم دعوى، فهي دعوى النبوة التي ينجو من اتبعها ويفلح أعظم الفلاح، ويهلك من جحدها وكابرها أعظم الهلاك، ولذلك كثرت الأخبار التي تروى عنه، ووقعت العناية بها أيّما عناية، وتشكّلت لأجل ذلك مناهج علمية اعترف بعمقها وبراعتها المخالف والموافق.

• ومما يهمّ ملاحظته أن المضامين الأساسية التي ينبى عليها الاستدلال للنبوة قد تواردت عليها الأخبار وتكاثرت واستفاضت، بحيث نجد للمضمون الأساسي أخباراً متعددة تدور على إثبات معناه بألفاظ متنوعة ورواة متعددين في كل طبقات من روى تلك الأخبار، وهذا التوارد على المعاني مع التنوع والكثرة يفضي بالعاقل إلى القطع بثبوت ذلك المعنى وارتفاع الشك عنه ويحيل إمكان الكذب أو الخطأ فيه.

📝 ويمكن لمن أحب التوسع أن يقرأ المقال الإثرائي الملحق بهذه المقالة، ففيه مزيد بيان لموثوقيّة نقل السيرة والأخبار التي تتعلق بإثبات النبوّة.
———————————


🔸🔸خلاصة..
نخلص ممّا سبق إلى أنّ النبوّة ضرورة عقلية تنبني على كمال الله تعالى، وأنّها أمر واقعي، أدلّته ممكنة الإدراك سابقاً وحاضراً، والإنسان مؤهّل وقادر على إدراكها عقلاً وحسّاً وخبراً، قال تعالى: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ﴾[الأنعام:٩١] ، فبيّن سبحانه أن مَن نفى النبوة لم يقدر الله حق قدره فيما وجب له واستحال عليه وجاز، إذ نسب الله عز وجل أنه لا يقدر عليها، وأنه لا يقيم الحجة على عباده ، ولا يأمرهم بما لهم فيه الصلاح، وادّعاءه فيه نفي لأعظم منة امتن الله بها على عباده، وهي الرسالة، التي لا طريق للعباد إلى نيل السعادة، والكرامة، والفلاح، إلا بها، فأي قدح في الله أعظم من هذا؟ فلا يقولها من عظم الله وعرف حق معرفته.


وبهذا التأصيل يتمهّد لنا الشروع في مقصود المحور، حيث سنبيّن إن شاء الله جملة من أهم أدلة النبوّة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، سائلين الله تعالى العون والفتح والتوفيق للصواب.

———————————

رابط المقال الإثرائي حول موثوقية نقل السيرة ومضامين إثبات النبوّة


#مقدمات
#الميسر_في_تعزيز_اليقين
#أدلة_النبوة
#الإيمان_بالنبوة
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
مقال إثرائي حول موثوقية نقل السيرة ومضامين إثبات النبوّة


لقراءة المقال ⬇️⬇️⬇️

----------------------


🔁 روابط مشاركة المقال :


🌐صفحة ويب.
https://ttangawi.com/prophecy1


◀️ تليجرام.
https://www.tg-me.com/moyassaryaqeen/305


فيس بوك.
https://web.facebook.com/moyassaryaqeen/posts/pfbid0odYdmBZT5qHSVV5Ary2WKvTP8aSQ8E2qQZG69n4USyVdFi1PHaq6xxnpVd9JrwYgl?_rdc=1&_rdr

تويتر .
https://twitter.com/moyassaryaqeen/status/1533522662626308097?t=12droUZh5PnT855Og1Mw7w&s=19

#الإيمان_بالنبوة
#مقدمات
#أدلة_أصول_الإسلام
#المستوى_الأول
الميسر في تعزيز اليقين
ها نحن مع محور جديد في مشروع الميسّر في تعزيز اليقين، وهو محور النبوّة، التي هي الغيث للعقول والنور للقلوب، وحاجة الإنسان إليها أشدّ من حاجته للطعام والشراب والنفس. نفتتح المحور بمقدمات نبين فيها أن النبوّة ضرورة عقلية تنبني على كمال الله تعالى، وأنّها…
١
مقال إثرائي حول موثوقية نقل السيرة ومضامين إثبات النبوّة


▫️ ذكرنا في المقال السابق أنّ لِما يتعلّق بالنبي صلى الله عليه وسلم من الأخبار مزيّة كبرى لا يشابهه فيها غيره،
• فقد أثّر في البشرية أعظم التأثير.
• وغيّر مجرى التاريخ بمضامين رسالته وسيرته التي سار بها مع من تابعه ومن خالفه.
• مع كون دعواه هي أعظم دعوى، فهي دعوى النبوة التي ينجو من اتبعها ويفلح أعظم الفلاح، ويهلك من جحدها وكابرها أعظم الهلاك.
ولذلك كثرت الأخبار التي تروى عنه، ووقعت العناية بها أيّما عناية، وتشكّلت لأجل ذلك مناهج علمية اعترف بعمقها وبراعتها المخالف والموافق.


▪️ وأشرنا إلى أنّ المضامين الأساسية التي يبنى عليها الاستدلال للنبوة قد تواردت عليها الأخبار وتكاثرت واستفاضت، بحيث نجد للمضمون الأساسي أخباراً متعددة تدور على إثبات معناه بألفاظ متنوعة ورواة متعددين في كل طبقات من روى تلك الأخبار، وهذا التوارد على المعاني مع التنوع والكثرة يفضي بالعاقل إلى القطع بثبوت ذلك المعنى وارتفاع الشك عنه ويحيل إمكان الكذب أو الخطأ فيه.

▫️ وعلى رأس ما نقل بطريقة قطعية القرآن الكريم الذي نقل بلفظه مع هذه الاستفاضة الكبيرة بما يورث القطع ويرفع الشك، وتفاصيل السيرة التي جاءت في القرآن كثيرة،
• من نشوء الدعوة ومرورا بتطوراتها ومواقف أنصارها وخصومها بأنواعهم من مشركين وأهل كتاب. • وفيه حال النبي صلى الله عليه وسلم قبل الرسالة وحاله في استقبال الوحي، وما أمر به أوّل الأمر وما يختلج في نفسه.
• وبيان مضامين الدعوة والاحتجاج العقلي لها، وبيان التهم التي وجهت له والرد عليها.
•وبيان مقالات الرافضين للدعوة ونقاشها بالحجج العقلية.
• مع استعراض أحوال النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين التاريخية بين البلاء والتمكين على مراحله وما فيه من مواقف تفصيلية مهمة.
• وبيان للواقع المحيط اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، وغير ذلك من أمور مهمة في فهم السيرة والدعوة والأحوال النبوية والمضامين التي جاءت بها الرسالة، وهذه أسياسيات في معرفة صدق النبوة.

▪️ونجد في السنة القطع كذلك باللفظ أو المعنى والمضمون في أساسيات من مهمّات أحواله -صلى الله عليه وسلم- وسيرته، وأخلاقه ودلائل نبوّته الحسيّة، وإخباره بالمغيّبات المستقلبيّة، وغيرها من قرائن الأحوال الكثيرة التي تدلّ على صدقه وصحّة نبوّته.

وهذا قد تهيّأ لأنّ السيرة نقلت من الصدر الأوّل بأسانيد كثيرة متصلة يبدأ طرفها من النبي صلى الله عليه وسلم ومن شهدوا الأحداث في سيرته مباشرة، مع نشوء قواعد علم الحديث المنهجية التي تميز بين الصحيح وما يُردّ لفساد سنده أو متنه، من زمن الجيل الأوّل من الصحابة ومن تبعهم، إلى أن جمعت مادتها مصنّفات الحديث.

• وقد استوعبت تلك المصنّفات عامة خبر الرسول صلى الله عليه وسلم الدعوي، والاجتماعي، والأُسَري، والشخصيّ.. وهي مادة تاريخية غزيرة جدًّا تُنشئ في القارئ إحساسًا قهريًّا أنّه قد صار قريبًا من حياة نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم قرب أصحابه منها؛ لوقوفه على أدق تفاصيله الحياتية، ودفين هواجسه النفسيّة، وهو أمر لم تعرفه البشريّة مع أحد ممن حفظت ذكره صحائف التاريخ.
وقد أحسن ابن تيمية رحمه الله في قوله:
" ليس في الدنيا علمٌ مطلوبٌ بالأخبار المتواترة إلّا والعلم بآيات الرسول وشرائع دينه أظهر من ذلك، وما من حال أحدٍ من الأنبياء والملوك والعلماء والمشايخ المتقدّمين وأقواله وأفعاله وسيرته إلّا والعلمُ بأحوال محمّد صلى الله عليه وسلم أظهرُ من العلم به ".

———————————

🔹🔹دور علم الحديث ومنهج النقد الحديثي

استوفى منهج النقد الحديثي الإسلامي شروط فحص صحّة الخبر التاريخي على أعلى صورة، فقد اهتم بعدة أمور بصورة شمولية دقيقة، منها :

• أنّه اشترط عدالة الراوي وبعده عمّا يخل، وصدقه وضبطه بالحفظ والكتابة ودقّته.

• مع الاعتماد على الاحتياط، فتعدّ رواية المجهول ضعيفة حتى يعرف، وتردّ أحاديث من اختلط في عقله إذا لم يُميّز بين مرويات ما قبل الاختلاط وما بعده، وإذا اجتمع جرح وتعديل في راوٍ، يميل جمهور العلماء إلى تضعيفه، وقد ميّز أهل الجرح والتعديل الثقات والضعفاء إلى طبقات؛ للترجيح عند تخالف الروايات، والاعتضاد عند تآلفها وتقوية بعضها بعضًا.

• وبلغت الدقّة بعلماء الإسلام في الحكم على الرواة مبلغًا عجيبًا؛ حتّى إنّهم ميّزوا بين روايات بعض الرواة؛ وانتقوا منها انتقاءً بعد سبرها ومقارنتها بروايات الثقاة؛ وقد تُقبل رواية الراوي عن رجال دون آخرين، أو بلد دون آخر، أو مرحلة من عمره دون أخرى، أو إذا تُوبع لا إذا تفرّد، أو في موضوع دون غيره، أو إذا حدّث من كتابه لا من حفظه.

يتبع ⬇️
٢
• ومّما اشترط أيضاً اتصال السند بين كل راوي ومن فوقه دون انقطاع.

• ثم ينظر في مقارنة الرواية برواية الآخرين مع مراعاة عدم المخالفة للأوثق.

• والتفتيش عن العلل الخفية التي تقدح في السند، أو تلك العلل التي تقدح في المتن، مثل المخالفة الصريحة للقرآن أو لليقينيات العقلية والحسيّة، أو للمعلوم من التاريخ الصحيح، وغير ذلك.

▫️ومن أوجه تفوّق المنهج الإسلامي أنّه يصنع الصورة الكبرى للسيرة انطلاقاً من مجموع الأحاديث بطريقة موضوعية، ويقارن بين الأخبار ويجعل ذلك من معايير التمييز وطرق النقد، ولقوّة هذا المنهج ووجود السيرة الصحيحة وإمكان تمييزها، توسّع المسلمون في الرواية بالأسانيد المتعددة الكثيرة، بل جمعوا حتّى الأخبار الباطلة أو التي قد تستعمل في طعن بعض قضايا الدين، فلم يخفوها بل عرضوها ونقدوها وبيّنوا وجه بطلانها، بل بيّنوا بطلان حتى ما يؤيد النبوّة ظاهراً إذا كان لا يثبت بطريق صحيح.

▪️ إنّ النظر في الأحاديث التي صحّحها علماء الإسلام يكشف أنّها ليست مؤلفات مطبوعة بلون واحد يظهر عليها أثر التركيب والرغبة في صياغة صورة واحدة محكمة الملامح من أوّل وهلة، بل يظهر فيها أثر صدق هذه الأمة واجتهادها في النقل الأمين والنقد النزيه.
وقد تناقل المسلمون منذ زمن النبوّة الحديث النبوي: «من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار»، وقد رواه بضعة وسبعون صحابيًّا، وتداولوه تعليمًا وتنبيهًا، وحظّ انتشاره بين التابعين وتابعيهم أعظم من ذلك بكثير، فعظُم انتشاره في أمّة عظّمت الصدق حتّى في جاهليّتها، فكان دافع الخوف من النار تتميماً لطابعها الأصيل.

⁉️ ما الذي يملك العقلاء أن يضيفوه إلى ما سبق لدقة نقل وتمحيص الأخبار؟! لا شيء!

▪️ إنّ إنكار حفظ السيرة النبوية يلزم منه ألا نصدق شيئا من خبر التاريخ؛ فإنه لا يوجد منها ما حقق ما يوازي معايير هذا المنهج أو قاربها، ومهما استرسل الإنسان في افتراض الاحتمالات، فلن يمكنه إنكار أنّ الصورة الكبرى للسيرة النبويّة مع خطوطها العريضة، ثابتة لا يزحزحها داعي الشكّ، وهذه الخطوط العريضة تؤدّي ضرورة إلى العلم بنبوّة رسولنا محمّد ﷺ.

▫️وقد أقرّ المخالفون بهذا الثبوت التاريخي لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن وما جاء من مضامين أساسية تبنى عليها قضيّة إثبات النبوة، يقول المستشرق والمؤرّخ - العنصري - الفرنسي (إرنست رينان):
" نشأت جذور الإسلام في مرأى التاريخ على خلاف الغموض الذي تغلّفُ به الأديان الأخرى أصولها، إنّ جذور الإسلام ظاهرة على سطح التاريخ. وسيرة مؤسّسه معروفة لنا كمعرفتنا بسِيَر أيٍّ من مصلحي القرن السادس عشر ".



يظهر بما سبق موثوقية نقل السيرة والمضامين المثبتة للنبوة، وما ذاك إلا من عناية الله تعالى بهذا الدين وحفظه له وإظهاره على غيره للأبد، كما وعد سبحانه وصدق : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر : ٩]، {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة : ٣٣].


#مقدمات
#الميسر_في_تعزيز_اليقين
#أدلة_النبوة
#الإيمان_بالنبوة
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
🌟 الدليل الأول من أدلة نبوّة النبي صلى الله عليه وسلم 🌟

دلائل البشارات والأحوال الممهّدة (١-٢)


لقراءة المقال ⬇️⬇️⬇️

----------------------


🔁 روابط مشاركة المقال :


🌐صفحة ويب.
https://ttangawi.com/evidence-of-prophecy1/


◀️ تليجرام.
https://www.tg-me.com/moyassaryaqeen/309


فيس بوك.
https://www.facebook.com/2204066486562253/posts/pfbid02fziTrnSJXtA9Rt6twHF8d8bz54yj1HNuN74u7mFGQ1UNvo44wGCnsBefqGffiBdxl/?sfnsn=scwspmo


تويتر .
https://twitter.com/moyassaryaqeen/status/1544391622355558402


#الإيمان_بالنبوة
#أدلة_النبوة
#أدلة_أصول_الإسلام
#المستوى_الأول
١
دلائل البشارات والأحوال الممهّدة (١-٢)


{فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} ..

🌿 بهذه الجملة جاء جواب القرآن الكريم -ضمن إجابات أخرى- في إثبات صحة نبوة نبينا محمد ﷺ… جاء ذلك في سورة يونس عليه السلام، في سياق الإجابة على بعض شبهات المشركين واعتراضاتهم حول نبوة سيدنا محمد ﷺ.

🌿 إن هذه الجملة على قلة عدد كلماتها تحمل بين حناياها كثيرا من المعاني والأحداث، تذكر المشركين بواقع شهدوه وعاينوه، ترجع بذاكرتهم إلى أحداث وأحوال وإشارات لا تترك مجالا لعاقل أن يكذب نبوة هذا النبي الكريم..

🌿 وإننا إذا تأملنا كيف جاءت هذه الجملة مختصرة، مكتفية بتذكير المشركين الذين عاصروا نشأة النبي ﷺ بتلك الأمور، وإذا تأملنا ختم الآية بقوله: {أفلا تعقلون}.. علمنا مقدار قوة هذه الدلالة، ومقدار وضوحها لدى أولئك المخاطبين.. فهم لا يحتاجون إلا أن يرجعوا بذاكرتهم إلى الماضي قليلا.. متعقلين، متجردين عن أهوائهم وأغراضهم الخاصة.

🌿 وبسبب قوة هذا الدليل وقربه وجماله، فإننا سوف نبدأ رحلتنا المتعلقة بالنبوات بالبحث عن تلك الأحوال وتلك الأحداث، التي تكفي بمجردها إثباتاً لصدق النبي ﷺ وصحة نبوته.. سنحاول أن نعيش -قدر الإمكان- في ذلك الزمان، وفي تلك الظروف..

🌿 إنها أحداث وأحوال كثيرة متنوعة،
• منها ما يتعلق بنشأته ﷺ
• ومنها ما يتعلق بنَسَبه
• والأحوال الاجتماعية والسياسية التي احتفت بتلك النشأة الشريفة
• ومنها ما يتعلق بأخلاقه ﷺ
• ومنها ما يتعلق بإشارات ربانية وأحداث عجيبة شهدها أناس في ذلك الوقت..

🌿 لم تكن تلك النشأة نشأة اعتيادية، فمن رحمة الله تعالى بالناس أن جعل فيها أحوالا وأحداثا إذا تأمل الإنسان في مجموعها أو في بعضها -مع استحضار جهر النبي ﷺ بالنبوة- قاده ذلك بالضرورة إلى تصديقه والإيمان بنبوته عليه الصلاة والسلام.

———————————

🔸زمان النبوّة 🔸


🔹🔹إشارات مبشرات.

أحداث وقعت بين يدي ولادته ﷺ، كان فيها إشارات وبشريات..

▪️منها: ما كان معروفاً لدى أهل الكتاب أن تلك الفترة الزمنية هي زمان نبي بشرت به كتبهم.. علموا ذلك من خلال ما تبقى من حق في كتبهم.. علموا الزمان، وعلموا المكان.. وكانوا في بعض الخصومات يتوعدون خصومهم بذلك النبي، وأنهم سوف يقاتلونهم معه.. لم يكن هذا العلم غائبا عن سكان مكة.. فإنهم خالطوا أهل الكتاب.. باعوهم واشتروا منهم.. اختصموا معهم، وسمعوا منهم تلك البشرى، وذلك الوعيد.. بل كان استحضار ذلك سببا في إسلام بعضهم إذ قالوا: "إن مما دعانا إلى الإسلام -مع رحمة الله تعالى وهداه لنا- أن كنا نسمع من رجل من يهود، وكنا أهل شرك أصحاب أوثان، وكانوا أهل كتاب عندهم علم ليس لنا، وكانت لا يزال بيننا وبينهم شرور، فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون قالوا لنا: إنه قد تقارب زمان نبي يبعث الآن، نقتلكم معه قتل عاد وإرم، فكنا كثيرا ما نسمع ذلك منهم".
[رواه ابن إسحاق في سيرة ابن هشام، وذكره الألباني في "صحيح السيرة النبوية"].


▫️ومنها: رؤية أمه حين حملت به، وقد نقلها النبي ﷺ لمّا سُئل: أخبرنا عن نَفسِك. فقال: «نعمْ، أنا دعوةُ أبي إبراهيمَ، وبُشرى عيسى، ورأتْ أمي حين حملت بي أنه خرج منها نورٌ أضاءَ لها قُصورَ الشَّام»..
[رواه ابن إسحاق بسنده (1/166 سيرة ابن هشام ) ومن طريقه أخرجه الطبري في تفسيره ( 1/566) ، والحاكم في مستدركه ( 2/600) وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي ، وانظر السلسلة الصحيحة (1545].

▪️ومن أعظم الإشارات لمن تأملها -لا سيما بعد سنوات من وقوعها- حادثة الفيل، لما فيها من حفظ له ﷺ ولقومه..
• ملك ظالم هو أبرهة الأشرم، أراد أن ينتقم من العرب، وأن يصرف اهتمامهم من الكعبة التي عظموها، وورثوا تعظيمها من بقايا ملة إبراهيم عليه السلام… أراد أن يصرف اهتمامهم إلى كنيسة بناها.. يظن أنها يمكن أن تقوم في وجه ذلك البيت العتيق، الذي وضعت الملائكة أسسه، وبناه آدم، ورفعه إبراهيم -عليهم السلام-!
خرج بذلك الجيش -مغرورا- متوجها إلى مكة، وأهلُها يومئذ لا يملكون من القوة ما يدفعون به ظلمه وعدوانه، فما كان منهم إلا أن لجؤوا إلى الله تعالى مخلصين له الدين -كعادتهم عند وقوع الشدائد!-… وكان الحدث العظيم.. طيور رمت أبرهة وجيشه بحجارة من سجيل.. {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ}…

يتبع ⬇️
2024/05/14 18:32:39
Back to Top
HTML Embed Code: