المنشور الافتتاحي في حسابي الجديد في فيسبوك
سلام الله ورحمته على أصدقاء الحساب الكرام
أنشأت حسابي الأول في فيسبوك ونشرت أول منشور فيه قبل أربعة عشر عاماً ونيّف (في شهر نيسان عام 2011) وأمضيت فيه تسعَ سنين حتى تركته وانقطعت عن النشر فيه (انقطاعاً شبه كلّي) في شهر أيار عام 2020
ومنذ ذلك الحين تفرغت للعمل في الكتب التي رجوت أن أتركها ورائي -حين أمضي إلى الدار الأخرى- صدقةً جاريةً أرجو بقاء أجرها بعد الممات، وقد أنهيت العمل في بعضها فنشرته أو أوشكت على نشره، وما زال العمل مستمراً في البعض الآخر الذي أرجو أن يعينني الله على نشره لو مَدَّ في الأجل بضعَ سنين، وسوف أرفعها كلها في موقعي عمّا قريب بإذن المولى الكريم.
وها أنَذا أعود اليوم -بعد تلك الاستراحة الطويلة- إلى العالم الافتراضي الذي هجرته منذ سنين، أعود بهمّة جديدة في حساب جديد، سائلاً الله أن يرزقني الإخلاص وأن أجد ما أقدمه هنا في صحيفتي يوم الحساب.
لا تنسوني من دعوة صالحة بظهر الغيب، هداني الله وإياكم إلى ما فيه الخير ورزقنا جميعاً توفيقَه ورضاه.
رابط الحساب الجديد:
https://www.facebook.com/profile.php?id=61579188779160
سلام الله ورحمته على أصدقاء الحساب الكرام
أنشأت حسابي الأول في فيسبوك ونشرت أول منشور فيه قبل أربعة عشر عاماً ونيّف (في شهر نيسان عام 2011) وأمضيت فيه تسعَ سنين حتى تركته وانقطعت عن النشر فيه (انقطاعاً شبه كلّي) في شهر أيار عام 2020
ومنذ ذلك الحين تفرغت للعمل في الكتب التي رجوت أن أتركها ورائي -حين أمضي إلى الدار الأخرى- صدقةً جاريةً أرجو بقاء أجرها بعد الممات، وقد أنهيت العمل في بعضها فنشرته أو أوشكت على نشره، وما زال العمل مستمراً في البعض الآخر الذي أرجو أن يعينني الله على نشره لو مَدَّ في الأجل بضعَ سنين، وسوف أرفعها كلها في موقعي عمّا قريب بإذن المولى الكريم.
وها أنَذا أعود اليوم -بعد تلك الاستراحة الطويلة- إلى العالم الافتراضي الذي هجرته منذ سنين، أعود بهمّة جديدة في حساب جديد، سائلاً الله أن يرزقني الإخلاص وأن أجد ما أقدمه هنا في صحيفتي يوم الحساب.
لا تنسوني من دعوة صالحة بظهر الغيب، هداني الله وإياكم إلى ما فيه الخير ورزقنا جميعاً توفيقَه ورضاه.
رابط الحساب الجديد:
https://www.facebook.com/profile.php?id=61579188779160
"صاحب القضية": متى يرتاح؟
ومتى يتقاعد الدعاة والمصلحون؟
عرفت في أربعَ عشرةَ سنة مضت إخوة كراماً من خيرة العاملين في الثورة والدعوة والإصلاح، سألني بعضهم من قريب: متى ينتهي عملنا؟ أما آن لنا أن نرتاح؟
حقاً آنَ لهؤلاء المحاربين العظماء أن يتقاعدوا وأن يرتاحوا بعد عناء السنين، ولكنْ حتى لو أشرت عليهم بأن يفعلوا، هل يفعلون؟ هل هم بانتظار جواب مني ومن غيري على هذا السؤال؟
مشكلة هؤلاء العاملين المخلصين -شيباً وشباباً من الرجال والنساء- أن أحداً لم يوظفهم حتى يفصلهم لو شاء أن يفصلهم، ولا هم أُجَراء عند أحد لكي يستقيلوا لو رغبوا في الاستقالة. إنما دفعتهم إلى العمل ابتداءً ضمائرُ حيّة وأنفسٌ كريمة وهِمَمٌ عليّة، ومَن كان هذا شأنه لا يتخلى عن قضيته وهَمِّ أمته ما عاش، فأنّى لهم أن يتركوا ما هم فيه؟
ربما انسحبوا اليومَ من الميدان فتحققت لهم راحة الأبدان، ولكنّ نفوسهم القلقة وضمائرهم النقية ستُشقيهم فلا يجدون خياراً سوى الاستمرار في الطريق الذي سلكوه متطوعين مختارين.
إن الذي يسعى إلى شهادة ينتهي سعيه إذا نالها، ومن يبحث عن بيت ينتهي بحثه إذا عثر على ضالّته، والمسافر تنتهي رحلته بالوصول إلى غايته، أما الذي نذر نفسه لقضية عامة وسلك طريق الدعوة والإصلاح فإن عمله لا ينتهي أبداً، فهو كسائق الحافلة أو ربان الطيارة الذي ما يزال ينقل الناس من محطة إلى محطة ومن بلد إلى بلد؛ ينتهي سفر الركاب بعد كل رحلة وهو لا يكفّ عن النقل والترحال، فهذا عمله الذي يدأب فيه أبداً، هم يَصِلون إلى الغاية فيرتاحون ويستقرون وهو المسافر الذي لا تنتهى رحلته ولا يستقر له قرار.
ولكن هذه ليست الحكاية الكاملة، فإن خير فصولها في خاتمتها البديعة: إن المصلحين والدعاة يدأبون في هذه الدنيا ويبذلون ويتعبون، ولكنهم يحصلون على مكافأتين عظيمتين: راحة الضمير وسعادة الروح في الدنيا، والثواب العظيم في دار الجزاء بإذن الله الكريم الرحيم.
ومتى يتقاعد الدعاة والمصلحون؟
عرفت في أربعَ عشرةَ سنة مضت إخوة كراماً من خيرة العاملين في الثورة والدعوة والإصلاح، سألني بعضهم من قريب: متى ينتهي عملنا؟ أما آن لنا أن نرتاح؟
حقاً آنَ لهؤلاء المحاربين العظماء أن يتقاعدوا وأن يرتاحوا بعد عناء السنين، ولكنْ حتى لو أشرت عليهم بأن يفعلوا، هل يفعلون؟ هل هم بانتظار جواب مني ومن غيري على هذا السؤال؟
مشكلة هؤلاء العاملين المخلصين -شيباً وشباباً من الرجال والنساء- أن أحداً لم يوظفهم حتى يفصلهم لو شاء أن يفصلهم، ولا هم أُجَراء عند أحد لكي يستقيلوا لو رغبوا في الاستقالة. إنما دفعتهم إلى العمل ابتداءً ضمائرُ حيّة وأنفسٌ كريمة وهِمَمٌ عليّة، ومَن كان هذا شأنه لا يتخلى عن قضيته وهَمِّ أمته ما عاش، فأنّى لهم أن يتركوا ما هم فيه؟
ربما انسحبوا اليومَ من الميدان فتحققت لهم راحة الأبدان، ولكنّ نفوسهم القلقة وضمائرهم النقية ستُشقيهم فلا يجدون خياراً سوى الاستمرار في الطريق الذي سلكوه متطوعين مختارين.
إن الذي يسعى إلى شهادة ينتهي سعيه إذا نالها، ومن يبحث عن بيت ينتهي بحثه إذا عثر على ضالّته، والمسافر تنتهي رحلته بالوصول إلى غايته، أما الذي نذر نفسه لقضية عامة وسلك طريق الدعوة والإصلاح فإن عمله لا ينتهي أبداً، فهو كسائق الحافلة أو ربان الطيارة الذي ما يزال ينقل الناس من محطة إلى محطة ومن بلد إلى بلد؛ ينتهي سفر الركاب بعد كل رحلة وهو لا يكفّ عن النقل والترحال، فهذا عمله الذي يدأب فيه أبداً، هم يَصِلون إلى الغاية فيرتاحون ويستقرون وهو المسافر الذي لا تنتهى رحلته ولا يستقر له قرار.
ولكن هذه ليست الحكاية الكاملة، فإن خير فصولها في خاتمتها البديعة: إن المصلحين والدعاة يدأبون في هذه الدنيا ويبذلون ويتعبون، ولكنهم يحصلون على مكافأتين عظيمتين: راحة الضمير وسعادة الروح في الدنيا، والثواب العظيم في دار الجزاء بإذن الله الكريم الرحيم.
أين العدالة؟ متى يتحقق الانتقام من الظالمين؟
قرأت شَكاةً حزينة بثَّها أبٌ مكلوم من صدر محزون، قال ما معناه: لقد انتظرت بضع عشرة سنة حتى أشهد لحظة القصاص من قَتَلة ولدي وسجّانيه ومُعَذِّبيه، لكني لم أعرفهم (ولا يبدو أنني سأعرفهم أبداً) وأخشى أن يَنجُوا من العقاب.
أقول لذلك الرجل ولأمثاله من الأمهات الثكالى والآباء المحزونين، وهم في سوريا اليومَ ملايين: لو أن كل حق مهدور كان قضاؤه حصراً على الدنيا لصارت الحياة عذاباً لا يُطاق، لأننا نرى كيف ينجو كثير من المجرمين والجُناة فلا يكاد يصيبهم غير القليل من الأذى، أو أنهم يموتون ويخرجون من الدنيا ولا يصيبهم شيء أصلاً. فأين العدل؟ أين قضاء الحقوق؟
لن نصل إلى الطمأنينة أبداً إلا إذا وثقنا بالله وبعدل الله، ولن نصل إليها إلا إذا آمنّا بأن الحقوق لن تُقضى كاملةً أبداً في الدنيا، إنما تُقضى كاملة في الآخرة في محكمة الديّان.
هَبْ أن سفاح سوريا المخلوع صار في أيدي ذوي ضحاياه اليوم فقتلوه بالرصاص أو أعدموه بالمقصلة أو على الخازوق، هل يردّ قتلُه الحقَّ لمئات الألوف من المقتَّلين والمعذَّبين؟ أمَا إنهم لو قطعوه قِطَعاً بالشفرات والسكاكين لما رَدّوا الحق لمعذَّب واحد استُشهد تحت التعذيب.
نعم، نحن مطالبون بتحقيق العدالة في الأرض والاقتصاص من المجرمين في الدنيا، لكن العدالة الكاملة والقصاص الشامل في الدنيا مُحال مهما سعى إليه الساعون واجتهد فيه المجتهدون، فما فاتك منه في هذه الدنيا الفانية فاتركه للديّان مالك يوم الدين، يوم الحساب، يوم القضاء.
في ذلك اليوم ينادي المنادي: {لمن المُلك اليوم؟} فيجيب المجيب: {لله الواحد القهار}. وماذا بعد؟ {لا ظلم اليوم}. في ذلك اليوم لا ظلم، أما اليوم -في الدنيا- فظلم وضياع حقوق.
سلّمْ أمرك لله يا أيها الأخ الكريم، ولسوف يطمئن قلبك -بإذن الله- وتطمئن قلوب المؤمنين في يوم الجزاء الأكبر. قل: يا الله، آمنت بك وفوّضت أمري إليك وتركت لك القضاء، فأفرِحْ قلبي وقلوبَ عبادك المؤمنين بالشهادة على يوم الدين، وأشهدنا يا رب تقلّب أولئك المجرمين في النار، وأسمعنا فيها صريخهم وعويلهم: {وهم يصطرخون فيها: ربّنا أخرِجْنا}، وأسمعنا يا رب جوابك: {فذوقوا فما للظالمين من نصير}.
اللهم عذبهم عذاباً لا آخِرَ له: {خالدين فيها لا يخفَّف عنهم العذاب}، {لا يُقضى عليهم فيموتوا ولا يخفَّف عنهم من عذابها}، حتى يتمَنَّوا الموتَ ولا موت: {ونادَوا يا مالكُ ليقضِ علينا ربك. قال إنكم ماكثون}.
يومئذ تفرح يا أيها المحزون، يومئذ يفرح المؤمنون.
قرأت شَكاةً حزينة بثَّها أبٌ مكلوم من صدر محزون، قال ما معناه: لقد انتظرت بضع عشرة سنة حتى أشهد لحظة القصاص من قَتَلة ولدي وسجّانيه ومُعَذِّبيه، لكني لم أعرفهم (ولا يبدو أنني سأعرفهم أبداً) وأخشى أن يَنجُوا من العقاب.
أقول لذلك الرجل ولأمثاله من الأمهات الثكالى والآباء المحزونين، وهم في سوريا اليومَ ملايين: لو أن كل حق مهدور كان قضاؤه حصراً على الدنيا لصارت الحياة عذاباً لا يُطاق، لأننا نرى كيف ينجو كثير من المجرمين والجُناة فلا يكاد يصيبهم غير القليل من الأذى، أو أنهم يموتون ويخرجون من الدنيا ولا يصيبهم شيء أصلاً. فأين العدل؟ أين قضاء الحقوق؟
لن نصل إلى الطمأنينة أبداً إلا إذا وثقنا بالله وبعدل الله، ولن نصل إليها إلا إذا آمنّا بأن الحقوق لن تُقضى كاملةً أبداً في الدنيا، إنما تُقضى كاملة في الآخرة في محكمة الديّان.
هَبْ أن سفاح سوريا المخلوع صار في أيدي ذوي ضحاياه اليوم فقتلوه بالرصاص أو أعدموه بالمقصلة أو على الخازوق، هل يردّ قتلُه الحقَّ لمئات الألوف من المقتَّلين والمعذَّبين؟ أمَا إنهم لو قطعوه قِطَعاً بالشفرات والسكاكين لما رَدّوا الحق لمعذَّب واحد استُشهد تحت التعذيب.
نعم، نحن مطالبون بتحقيق العدالة في الأرض والاقتصاص من المجرمين في الدنيا، لكن العدالة الكاملة والقصاص الشامل في الدنيا مُحال مهما سعى إليه الساعون واجتهد فيه المجتهدون، فما فاتك منه في هذه الدنيا الفانية فاتركه للديّان مالك يوم الدين، يوم الحساب، يوم القضاء.
في ذلك اليوم ينادي المنادي: {لمن المُلك اليوم؟} فيجيب المجيب: {لله الواحد القهار}. وماذا بعد؟ {لا ظلم اليوم}. في ذلك اليوم لا ظلم، أما اليوم -في الدنيا- فظلم وضياع حقوق.
سلّمْ أمرك لله يا أيها الأخ الكريم، ولسوف يطمئن قلبك -بإذن الله- وتطمئن قلوب المؤمنين في يوم الجزاء الأكبر. قل: يا الله، آمنت بك وفوّضت أمري إليك وتركت لك القضاء، فأفرِحْ قلبي وقلوبَ عبادك المؤمنين بالشهادة على يوم الدين، وأشهدنا يا رب تقلّب أولئك المجرمين في النار، وأسمعنا فيها صريخهم وعويلهم: {وهم يصطرخون فيها: ربّنا أخرِجْنا}، وأسمعنا يا رب جوابك: {فذوقوا فما للظالمين من نصير}.
اللهم عذبهم عذاباً لا آخِرَ له: {خالدين فيها لا يخفَّف عنهم العذاب}، {لا يُقضى عليهم فيموتوا ولا يخفَّف عنهم من عذابها}، حتى يتمَنَّوا الموتَ ولا موت: {ونادَوا يا مالكُ ليقضِ علينا ربك. قال إنكم ماكثون}.
يومئذ تفرح يا أيها المحزون، يومئذ يفرح المؤمنون.
يا أيها المذنبون: لا تيأسوا من رحمة الله
كتب إليّ شاب يشكو من كثرة ذنوبه؛ يقول أنه نادم مستغفر لكنه يخشى أن لا يُغفَر له وأن لا تمحو التوبةُ ذنوبَه لكثرتها. وهذا هو الجواب:
لا تيأس يا بُنَيّ، فإن خوف الله حملك على التوبة، وقد صَحّتْ توبتك بالندم الصادق، فاجتمعت لك -بإذن الله- أسبابُ رحمة الله. فقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كفّارة الذنب الندامة".
فلا يدفَعْك الخوف من كثرة معاصيك إلى القنوط والوقوع في غيرها، واطلب من الله العونَ بأن يبغّض إلى قلبك معصيته وأن يحبّب إليك طاعته. واحمل نفسك على الطاعة، ولو على أقل القليل منها، فإنك إذا اقتربت من الله شبراً اقترب منك ذراعاً، وإذا وضعت على درب الهدى قدمَك بهمّتك وإرادتك زادك هُدًى برحمته وتوفيقه. هذا هو معنى قوله تبارك وتعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سُبلَنا}، وقوله: {والذين اهتدوا زادهم هدى}.
ولا تُخجلْك ذنوبُك فتبعدك عن ربك. لا تبتعد عن الله، بل تذكّرْ أن الله قريب منك في كل حال وأن بابه مفتوح وأنه توّاب، يتوب على عبده ولو أتاه بأحمال وأثقال من المعاصي.
وإنما سمى نفسَه "التوّاب" لأن وزن "فَعّال" في اللغة يفيد المداومة والتكرار، فلو أذنب العبدُ ألفَ مرة وتاب ألف مرة غفر له ربُّه ألف مرة. وقد خاطبَنا في الحديث القدسي الصحيح فقال: "يا ابن آدم: إنك ما دعوتني ورجوتني غفرتُ لك على ما كان فيك ولا أبالي. يا ابن آدم: لو بلغَتْ ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي. يا ابن آدم: إنك لو أتيتني بقِراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة".
ولكن تذكر: إن الله يعفو عن حقه، أما حقوق العباد فلا بُدّ من أدائها واستسماح أصحابها. فما كان في ذمتك من حق للعباد فأدِّه على أكمل وجه، أو استعفِ منه صاحبَه إن جادت به نفسُه، فإنْ عجزت عن الوصول إلى صاحبه فتصدق عنه وكفّرْ عن إساءتك إلى عبدٍ من عباد الله بالإحسان إلى سائر عباد الله.
كتب إليّ شاب يشكو من كثرة ذنوبه؛ يقول أنه نادم مستغفر لكنه يخشى أن لا يُغفَر له وأن لا تمحو التوبةُ ذنوبَه لكثرتها. وهذا هو الجواب:
لا تيأس يا بُنَيّ، فإن خوف الله حملك على التوبة، وقد صَحّتْ توبتك بالندم الصادق، فاجتمعت لك -بإذن الله- أسبابُ رحمة الله. فقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كفّارة الذنب الندامة".
فلا يدفَعْك الخوف من كثرة معاصيك إلى القنوط والوقوع في غيرها، واطلب من الله العونَ بأن يبغّض إلى قلبك معصيته وأن يحبّب إليك طاعته. واحمل نفسك على الطاعة، ولو على أقل القليل منها، فإنك إذا اقتربت من الله شبراً اقترب منك ذراعاً، وإذا وضعت على درب الهدى قدمَك بهمّتك وإرادتك زادك هُدًى برحمته وتوفيقه. هذا هو معنى قوله تبارك وتعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سُبلَنا}، وقوله: {والذين اهتدوا زادهم هدى}.
ولا تُخجلْك ذنوبُك فتبعدك عن ربك. لا تبتعد عن الله، بل تذكّرْ أن الله قريب منك في كل حال وأن بابه مفتوح وأنه توّاب، يتوب على عبده ولو أتاه بأحمال وأثقال من المعاصي.
وإنما سمى نفسَه "التوّاب" لأن وزن "فَعّال" في اللغة يفيد المداومة والتكرار، فلو أذنب العبدُ ألفَ مرة وتاب ألف مرة غفر له ربُّه ألف مرة. وقد خاطبَنا في الحديث القدسي الصحيح فقال: "يا ابن آدم: إنك ما دعوتني ورجوتني غفرتُ لك على ما كان فيك ولا أبالي. يا ابن آدم: لو بلغَتْ ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي. يا ابن آدم: إنك لو أتيتني بقِراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة".
ولكن تذكر: إن الله يعفو عن حقه، أما حقوق العباد فلا بُدّ من أدائها واستسماح أصحابها. فما كان في ذمتك من حق للعباد فأدِّه على أكمل وجه، أو استعفِ منه صاحبَه إن جادت به نفسُه، فإنْ عجزت عن الوصول إلى صاحبه فتصدق عنه وكفّرْ عن إساءتك إلى عبدٍ من عباد الله بالإحسان إلى سائر عباد الله.
نداء إلى المغتربين: الناس مُتعَبون، فجودوا عليهم بالصدقة الخفية
حيثما مشى المرء في شوارع المدن السورية وجد أناساً مُتعَبين وأدرك الضيق والكرب اللذين يعيش فيهما كثيرون. إنهم يحتاجون إلى العون على كل سبيل، ولكن الغالبية العظمى منهم من أصحاب النفوس الكريمة التي تستكبر الاستجداء وترفض الإحسان وتسعى إلى الرزق الحلال بأشرف سبيل، فجودوا عليهم بالصدقة الخفية يا أيها المغتربون المقتدرون.
وما هي "الصدقة الخفية"؟ إنها العطاء الذي لا يستوفي صاحبُه الثمنَ من كرامة وإنسانية الإنسان، ويمكن أن يتجلى في صور كثيرة هذه نماذج منها:
1- اشتروا من الباعة الذين يعرضون بضائعهم على الأرصفة أو يطوفون بها في الطرقات. اشتروا منهم بعض ما يبيعون ولو لم تكونوا بحاجة إليه، فإن ما تدفعونه لهم من ثمن بخس مقابل تلك السلع الرخيصة يعني لهم الكثير، وقد يكون طريقهم الوحيد إلى الحياة الكريمة.
2- لا تُماكسوا البائعين، أي لا "تفاصلوهم" ولا تضغطوا عليهم لينقصوا الثمن. لا تصنعوا ذلك حتى لو علمتم أن ما يبيعه البائع هنا أغلى بقليل من السعر الذي يقتاضاه البائع هناك، فإن بضع ليرات إضافية لن تكسر الميزانية، ولكنها باب فرج لأولئك المكافحين المتعَبين.
3- إذا اشتريتم طعاماً جاهزاً فزيدوا الكمية متعمدين ثم شاركوا الجائعين ببعض الطعام. ستجدون حولكم وقريباً منكم دائماً بعض الصبيان والبنات الذين تُفرحهم نصف شطيرة أو بعض المعجّنات أكثرَ مما تفرحكم أشهى الوجبات في أفخر المطاعم وأغلى المتنَزّهات.
هذه مجرد نماذج قليلة من أفكار كثيرة يمكن أن يهتدي إليها المحسنون المجتهدون. ولا تستهينوا بأي عطاء، فإن تراكم الهِبات الصغيرة يصنع جبالاً من الأعطيات.
قبل أسبوع قال وزير السياحة السوري أن زُوّار سوريا في شهرَي الصيف الأخيرين بلغوا خمسة ملايين زائر. لا بد أن غالبية هؤلاء الزوار من المغتربين السوريين، فهذه إذن نحو مليون أسرة أمضت في سوريا بضعة أسابيع على سبيل الزيارة، ولعل الأسرة الواحدة من تلك الأسر رصدت لمصروفها في سفرها خمسة آلاف دولار، فماذا لو أن كلاً منها حملت ألفاً سادسة بِنِيّة صرفها في مصارف الصدقات الخفية؟
هذه مليار دولار سيصل أكثرها إلى أيدي المستحقين من المساكين والجائعين والمشردين الذين يحتاجون حاجة حقيقية إلى المأوى واللباس والطعام، فجودوا عليهم بالقليل تجدوه كثيراً عند الله، وما عند الله خير وأبقى.
حيثما مشى المرء في شوارع المدن السورية وجد أناساً مُتعَبين وأدرك الضيق والكرب اللذين يعيش فيهما كثيرون. إنهم يحتاجون إلى العون على كل سبيل، ولكن الغالبية العظمى منهم من أصحاب النفوس الكريمة التي تستكبر الاستجداء وترفض الإحسان وتسعى إلى الرزق الحلال بأشرف سبيل، فجودوا عليهم بالصدقة الخفية يا أيها المغتربون المقتدرون.
وما هي "الصدقة الخفية"؟ إنها العطاء الذي لا يستوفي صاحبُه الثمنَ من كرامة وإنسانية الإنسان، ويمكن أن يتجلى في صور كثيرة هذه نماذج منها:
1- اشتروا من الباعة الذين يعرضون بضائعهم على الأرصفة أو يطوفون بها في الطرقات. اشتروا منهم بعض ما يبيعون ولو لم تكونوا بحاجة إليه، فإن ما تدفعونه لهم من ثمن بخس مقابل تلك السلع الرخيصة يعني لهم الكثير، وقد يكون طريقهم الوحيد إلى الحياة الكريمة.
2- لا تُماكسوا البائعين، أي لا "تفاصلوهم" ولا تضغطوا عليهم لينقصوا الثمن. لا تصنعوا ذلك حتى لو علمتم أن ما يبيعه البائع هنا أغلى بقليل من السعر الذي يقتاضاه البائع هناك، فإن بضع ليرات إضافية لن تكسر الميزانية، ولكنها باب فرج لأولئك المكافحين المتعَبين.
3- إذا اشتريتم طعاماً جاهزاً فزيدوا الكمية متعمدين ثم شاركوا الجائعين ببعض الطعام. ستجدون حولكم وقريباً منكم دائماً بعض الصبيان والبنات الذين تُفرحهم نصف شطيرة أو بعض المعجّنات أكثرَ مما تفرحكم أشهى الوجبات في أفخر المطاعم وأغلى المتنَزّهات.
هذه مجرد نماذج قليلة من أفكار كثيرة يمكن أن يهتدي إليها المحسنون المجتهدون. ولا تستهينوا بأي عطاء، فإن تراكم الهِبات الصغيرة يصنع جبالاً من الأعطيات.
قبل أسبوع قال وزير السياحة السوري أن زُوّار سوريا في شهرَي الصيف الأخيرين بلغوا خمسة ملايين زائر. لا بد أن غالبية هؤلاء الزوار من المغتربين السوريين، فهذه إذن نحو مليون أسرة أمضت في سوريا بضعة أسابيع على سبيل الزيارة، ولعل الأسرة الواحدة من تلك الأسر رصدت لمصروفها في سفرها خمسة آلاف دولار، فماذا لو أن كلاً منها حملت ألفاً سادسة بِنِيّة صرفها في مصارف الصدقات الخفية؟
هذه مليار دولار سيصل أكثرها إلى أيدي المستحقين من المساكين والجائعين والمشردين الذين يحتاجون حاجة حقيقية إلى المأوى واللباس والطعام، فجودوا عليهم بالقليل تجدوه كثيراً عند الله، وما عند الله خير وأبقى.
على مثلك تبكي البواكي يا أبا بكر
ما زال إخوة الثورة يفجعوننا برحيلهم المباغت، حتى بعدما سقط نظام الإجرام ودخلت سوريا في عهد الحرية الجديد، بالأمس أبو وطن واليوم الفاروق أبو بكر.
هذه شهادة أشهد بها بعدما مضى الرجل إلى لقاء ربه، فلا خيرَ منه أرجوه ولا ضُرَّ أخشاه، شهادة أوفيه فيها بعض ما له من حق وفضل على الثورة.
ما علمته إلا ثائراً صادقاً كريماً ساعياً في الخير، فهو صاحب الأيادي البيضاء على مئات الحرائر والأحرار اللائي والذين نجح في إطلاقهنّ وإخراجهم من سجون الظالمين بعمليات التبادل التي قادها بحكمة وصبر في أحلك الظروف وأصعب الأوقات.
وهو الذي تولى أصعب مهمة في حلب يوم سقوط حلب، فأدى الأمانة على وجهها وفاوض الأعداء بشجاعة واقتدار حتى يسّر الله إخراج كل المدنيين والمقاتلين من قلب الحصار. ولم يكن أول من خرج، ولو أراد لكان، بل ثبت وسط النار وفي قلب الإعصار حتى كان آخر المغادرين.
هذا الرجل قدم كثيراً وظُلم كثيراً، ولكن عزاءه أنه وفد على رب كريم لا تضيع في ميزانه ذرة من عمل، وعزاءنا أنه لم يغادرنا إلا بعدما شهد سقوط النظام المجرم الذي أفنى زهرة عمره في قتاله وحتى شاهد النصرَ الذي جاهد من أجله، عليه رحمة الله.
ما زال إخوة الثورة يفجعوننا برحيلهم المباغت، حتى بعدما سقط نظام الإجرام ودخلت سوريا في عهد الحرية الجديد، بالأمس أبو وطن واليوم الفاروق أبو بكر.
هذه شهادة أشهد بها بعدما مضى الرجل إلى لقاء ربه، فلا خيرَ منه أرجوه ولا ضُرَّ أخشاه، شهادة أوفيه فيها بعض ما له من حق وفضل على الثورة.
ما علمته إلا ثائراً صادقاً كريماً ساعياً في الخير، فهو صاحب الأيادي البيضاء على مئات الحرائر والأحرار اللائي والذين نجح في إطلاقهنّ وإخراجهم من سجون الظالمين بعمليات التبادل التي قادها بحكمة وصبر في أحلك الظروف وأصعب الأوقات.
وهو الذي تولى أصعب مهمة في حلب يوم سقوط حلب، فأدى الأمانة على وجهها وفاوض الأعداء بشجاعة واقتدار حتى يسّر الله إخراج كل المدنيين والمقاتلين من قلب الحصار. ولم يكن أول من خرج، ولو أراد لكان، بل ثبت وسط النار وفي قلب الإعصار حتى كان آخر المغادرين.
هذا الرجل قدم كثيراً وظُلم كثيراً، ولكن عزاءه أنه وفد على رب كريم لا تضيع في ميزانه ذرة من عمل، وعزاءنا أنه لم يغادرنا إلا بعدما شهد سقوط النظام المجرم الذي أفنى زهرة عمره في قتاله وحتى شاهد النصرَ الذي جاهد من أجله، عليه رحمة الله.
المعنى الحقيقي للثورة
إن الثورة -في جوهرها- عملية تغيير جذري، وكل ما رأيناه على الأرض في بضع عشرة سنة خلت إنما هو مظاهر لها وأدوات، سواء أدوات التغيير السلمي أو التغيير بالقوة، والنتيجة الظاهرية التي وصلنا إليها بعد ذلك كله هي تغيير الحالة السياسية في سوريا.
لكن الإنجاز الحقيقي المطلوب ليس تغييراً سياسياً فحسب، بل هو تغيير إنساني شامل، تغيير نفسي أخلاقي اجتماعي ثقافي ديني. كل ما في الأمر أن التغيير السياسي كان ضرورياً وهو المفتاح لما بعده لأن الأنظمة الاستبدادية تعطل مشروعات النهضة عندما تقضي على الإنسان الذي هو الأساس والعمدة في أي تغيير.
فإذا اقتنعنا بأن التحرير وسقوط النظام هو المفتاح فقط فإن ما بعدَه أهم مما قبله، وهذه الرؤية تقتضي استفراغ الجهد في بناء القيم وبناء الإنسان، البناء الأخلاقي والاجتماعي والنفسي والديني الصحيح.
إن المشروع الحضاري لبناء سوريا الغد بإنسانها السويّ ومجتمعها القويم مهمة هائلة لا يمكن أن تقوم بها هيئات محددة، بل ولا الدولة نفسها، فلا بد أن يساهم بسهم فيها كلُّ من وهبه الله علماً نافعاً ووعياً وحكمة وقدرة على الإصلاح، بحيث يغطي كل واحد الثغرة التي يستطيع تغطيتها من جهته، فإذا اجتمع القليل مع القليل صار كثيراً وحقق الغاية بفضل الله.
بارك الله في جنود الإصلاح الأخفياء وجزاهم خير الجزاء ورزقهم أعلى الدرجات في جنات الخلود.
إن الثورة -في جوهرها- عملية تغيير جذري، وكل ما رأيناه على الأرض في بضع عشرة سنة خلت إنما هو مظاهر لها وأدوات، سواء أدوات التغيير السلمي أو التغيير بالقوة، والنتيجة الظاهرية التي وصلنا إليها بعد ذلك كله هي تغيير الحالة السياسية في سوريا.
لكن الإنجاز الحقيقي المطلوب ليس تغييراً سياسياً فحسب، بل هو تغيير إنساني شامل، تغيير نفسي أخلاقي اجتماعي ثقافي ديني. كل ما في الأمر أن التغيير السياسي كان ضرورياً وهو المفتاح لما بعده لأن الأنظمة الاستبدادية تعطل مشروعات النهضة عندما تقضي على الإنسان الذي هو الأساس والعمدة في أي تغيير.
فإذا اقتنعنا بأن التحرير وسقوط النظام هو المفتاح فقط فإن ما بعدَه أهم مما قبله، وهذه الرؤية تقتضي استفراغ الجهد في بناء القيم وبناء الإنسان، البناء الأخلاقي والاجتماعي والنفسي والديني الصحيح.
إن المشروع الحضاري لبناء سوريا الغد بإنسانها السويّ ومجتمعها القويم مهمة هائلة لا يمكن أن تقوم بها هيئات محددة، بل ولا الدولة نفسها، فلا بد أن يساهم بسهم فيها كلُّ من وهبه الله علماً نافعاً ووعياً وحكمة وقدرة على الإصلاح، بحيث يغطي كل واحد الثغرة التي يستطيع تغطيتها من جهته، فإذا اجتمع القليل مع القليل صار كثيراً وحقق الغاية بفضل الله.
بارك الله في جنود الإصلاح الأخفياء وجزاهم خير الجزاء ورزقهم أعلى الدرجات في جنات الخلود.
تعليق على حملة مقاطعة المشاهير
انتشرت هذه الدعوة مؤخراً على نطاق واسع بعدما بلغ استفزاز بعض "المؤثرين" لعامة الناس درجة لا تطاق، فما موقفنا منها؟
أولاً علينا أن نعرّف هذه الكلمة (أي أن نحرّر المصطلح كما يقول علماؤنا) فهي كلمة حادثة لم تكن قبل انتشار وسائل التواصل بين الناس. ويبدو لي أن أبسط تعريف للمؤثر هو "الشخص المشهور الذي يتأثر به الناس".
بهذا التعريف يدخل في هذه الفئة من يؤثر في الناس فيغيّرهم إلى الأفضل ومن يؤثر فيهم فيغيرهم إلى الأسوأ، ويدخل فيها صالحون وطالحون ومصلحون ومفسدون.
لكن بما أن مقياس التأثير هو الشهرة والانتشار، والشهرة لا علاقة لها بالقيمة، فكثيراً ما يكون التافهون هم الأكثرَ شهرة وانتشاراً وتأثيراً في الناس. وكثيراً ما ضرب جدي علي الطنطاوي رحمه الله المثل بجحا، قال: لو أن الشهرة هي المقياس لكان جحا أعظمَ من أبي حنيفة وسائر العلماء على مر العصور!
فإذا كان أولئك التافهون هم المقصودين بحملة المقاطعة (ويبدو أن الأمر كذلك) فأنا أرى فيها خيراً وأعتقد أن في المشاركة فيها أجراً يتنافس فيه المتنافسون، فإن من أوجب الواجبات علينا أن نحمي أنفسنا وأبناءنا من الغرق في بحار التفاهة التي يجرّنا إليها أولئك التافهون.
ولا أكاد أشك في أن من شارك في صناعتهم -بمتابعتهم والإعجاب بهم والدعاية لهم وترويج تفاهاتهم- إنما هو مشارك في الإثم، وأحسب (ولا أتألّى على الله) أنه لن يسرَّه أن يجد عملَه في صحيفته حينما تُعرض الأعمال وتُنشر الصحائف يوم الحساب.
انتشرت هذه الدعوة مؤخراً على نطاق واسع بعدما بلغ استفزاز بعض "المؤثرين" لعامة الناس درجة لا تطاق، فما موقفنا منها؟
أولاً علينا أن نعرّف هذه الكلمة (أي أن نحرّر المصطلح كما يقول علماؤنا) فهي كلمة حادثة لم تكن قبل انتشار وسائل التواصل بين الناس. ويبدو لي أن أبسط تعريف للمؤثر هو "الشخص المشهور الذي يتأثر به الناس".
بهذا التعريف يدخل في هذه الفئة من يؤثر في الناس فيغيّرهم إلى الأفضل ومن يؤثر فيهم فيغيرهم إلى الأسوأ، ويدخل فيها صالحون وطالحون ومصلحون ومفسدون.
لكن بما أن مقياس التأثير هو الشهرة والانتشار، والشهرة لا علاقة لها بالقيمة، فكثيراً ما يكون التافهون هم الأكثرَ شهرة وانتشاراً وتأثيراً في الناس. وكثيراً ما ضرب جدي علي الطنطاوي رحمه الله المثل بجحا، قال: لو أن الشهرة هي المقياس لكان جحا أعظمَ من أبي حنيفة وسائر العلماء على مر العصور!
فإذا كان أولئك التافهون هم المقصودين بحملة المقاطعة (ويبدو أن الأمر كذلك) فأنا أرى فيها خيراً وأعتقد أن في المشاركة فيها أجراً يتنافس فيه المتنافسون، فإن من أوجب الواجبات علينا أن نحمي أنفسنا وأبناءنا من الغرق في بحار التفاهة التي يجرّنا إليها أولئك التافهون.
ولا أكاد أشك في أن من شارك في صناعتهم -بمتابعتهم والإعجاب بهم والدعاية لهم وترويج تفاهاتهم- إنما هو مشارك في الإثم، وأحسب (ولا أتألّى على الله) أنه لن يسرَّه أن يجد عملَه في صحيفته حينما تُعرض الأعمال وتُنشر الصحائف يوم الحساب.
ليتهم يحذفون ثلاثة أصفار
رغم أن تغيير العملة السورية الحالية لن يغيّر قُدرتَها الشرائية تلقائياً (لأن قيمة السلعة ستبقى كما هي مقابل الدولار والعملات الرئيسية الأخرى) لكنْ لا جدال في ضرورة هذا التغيير، على الأقل لتحقيق 3 أهداف:
أولها إنقاذ السورين من محنة مشاهدة صور المجرمين على أوراق النقد التي يحملونها ويتداولونها بينهم طول الوقت.
والثاني (وهو أهم) من أجل استرجاع النقد المسروق الذي سطا عليه مجرمو النظام البائد وهرَّبوه إلى العراق ولبنان، وتقدَّر قيمته بمليارات الدولارات. فعندما تُحدَّد فترة زمنية لاستبدال الأوراق القديمة سيُضطر أولئك اللصوص إلى استبدال أوراقهم قبل أن تفقد قيمتها، وعندئذ لا بد أن ينكشفوا (أو ينكشف كثير منهم) بسبب ضخامة الأموال المسلوبة التي سيسعَون إلى تبييضها في عمليات الاستبدال.
السبب الثالث هو تخفيف العبء على المواطنين الذين يضطر الواحد منهم إلى حمل كيس من أوراق النقد كلما كلما خرج من بيته صباحاً، لأنه سيدفع عشرات الأوراق النقدية أو المئات منها في كل عملية شراء مهما بلغت السلعة التي يريد شراءها من الضآلة والهوان (حتى صاروا يَزنون رُزَم الأوراق بالميزان لأن عد الأوراق يستغرق الوقت الطويل)!
إذن فإن التغيير مطلوب بلا شك، لكن لماذا يُحذَف صفران؟ هذا الحذف سيربك الناس ويَضطرهم إلى حسابات معقدة، ولو حُذفت ثلاثة أصفار سيصبح التعامل مع العملة الجديدة أسهل بكثير. فمثلاً بدلاً من التفكير في أن مئة وثلاثين ألف ليرة تساوي ألفاً وثلاثمئة ليرة ستبقى الرقم القديم المتداوَل هو نفسه مع حذف كلمة ألف (التي يحذفها الناس تلقائياً لأنها صارت حشواً، أي إضافة لا لزوم لها).
فعندما تسأل البائع عن سلعة سعرها مثلاً 90 ألف ليرة كان يقول ببساطة: 90 (ويُضمر الألف فيفهم السائل أنها تسعون ألفاً بالضرورة) وعندما تُحذَف ثلاثة أصفار ويعود المشتري إلى البائع نفسه ويسأله عن ثمن السلعة سيقول مرة أخرى: 90، فلم يختلف الجواب وبقيت قدرة الطرفين على استيعاب المبلغ وإدراكه كما كانت من قبل.
أرأيتم كم هو سهل هذا التغيير، فلماذا فكروا في حذف صفرين لا ثلاثة أصفار؟
فضلاً عن أن ليرة سورية تعادل كلُّ عَشْرٍ منها دولاراً واحداً أفضل نفسياً ولها آثار اقتصادية أفضل على المدى البعيد من ليرة يعادل الدولار 100 منها. ولا ينبغي أن ننسى (للتاريخ) أن الليرة السورية كانت مكافئة للريال السعودي (أو أغلى منه قليلاً) بعد الانفصال وقبل انقلاب البعث المشؤوم عام 1963، فلماذا لا تسترجع مهابَتَها القديمة ونحن اليوم على باب عهد جديد؟
رغم أن تغيير العملة السورية الحالية لن يغيّر قُدرتَها الشرائية تلقائياً (لأن قيمة السلعة ستبقى كما هي مقابل الدولار والعملات الرئيسية الأخرى) لكنْ لا جدال في ضرورة هذا التغيير، على الأقل لتحقيق 3 أهداف:
أولها إنقاذ السورين من محنة مشاهدة صور المجرمين على أوراق النقد التي يحملونها ويتداولونها بينهم طول الوقت.
والثاني (وهو أهم) من أجل استرجاع النقد المسروق الذي سطا عليه مجرمو النظام البائد وهرَّبوه إلى العراق ولبنان، وتقدَّر قيمته بمليارات الدولارات. فعندما تُحدَّد فترة زمنية لاستبدال الأوراق القديمة سيُضطر أولئك اللصوص إلى استبدال أوراقهم قبل أن تفقد قيمتها، وعندئذ لا بد أن ينكشفوا (أو ينكشف كثير منهم) بسبب ضخامة الأموال المسلوبة التي سيسعَون إلى تبييضها في عمليات الاستبدال.
السبب الثالث هو تخفيف العبء على المواطنين الذين يضطر الواحد منهم إلى حمل كيس من أوراق النقد كلما كلما خرج من بيته صباحاً، لأنه سيدفع عشرات الأوراق النقدية أو المئات منها في كل عملية شراء مهما بلغت السلعة التي يريد شراءها من الضآلة والهوان (حتى صاروا يَزنون رُزَم الأوراق بالميزان لأن عد الأوراق يستغرق الوقت الطويل)!
إذن فإن التغيير مطلوب بلا شك، لكن لماذا يُحذَف صفران؟ هذا الحذف سيربك الناس ويَضطرهم إلى حسابات معقدة، ولو حُذفت ثلاثة أصفار سيصبح التعامل مع العملة الجديدة أسهل بكثير. فمثلاً بدلاً من التفكير في أن مئة وثلاثين ألف ليرة تساوي ألفاً وثلاثمئة ليرة ستبقى الرقم القديم المتداوَل هو نفسه مع حذف كلمة ألف (التي يحذفها الناس تلقائياً لأنها صارت حشواً، أي إضافة لا لزوم لها).
فعندما تسأل البائع عن سلعة سعرها مثلاً 90 ألف ليرة كان يقول ببساطة: 90 (ويُضمر الألف فيفهم السائل أنها تسعون ألفاً بالضرورة) وعندما تُحذَف ثلاثة أصفار ويعود المشتري إلى البائع نفسه ويسأله عن ثمن السلعة سيقول مرة أخرى: 90، فلم يختلف الجواب وبقيت قدرة الطرفين على استيعاب المبلغ وإدراكه كما كانت من قبل.
أرأيتم كم هو سهل هذا التغيير، فلماذا فكروا في حذف صفرين لا ثلاثة أصفار؟
فضلاً عن أن ليرة سورية تعادل كلُّ عَشْرٍ منها دولاراً واحداً أفضل نفسياً ولها آثار اقتصادية أفضل على المدى البعيد من ليرة يعادل الدولار 100 منها. ولا ينبغي أن ننسى (للتاريخ) أن الليرة السورية كانت مكافئة للريال السعودي (أو أغلى منه قليلاً) بعد الانفصال وقبل انقلاب البعث المشؤوم عام 1963، فلماذا لا تسترجع مهابَتَها القديمة ونحن اليوم على باب عهد جديد؟
ألَا قليلاً من وفاء؟
عرفت في سنوات الثورة رجالاً من الذهب الخالص، منهم من مضى إلى لقاء ربه ثابتاً على العهد، عليهم رحمة الله، ومنهم من ادّخره الله ليكمل الطريق.
أجزم أن أياً من هؤلاء لم يُحزنه ما لقيه من تجاهل في جَنْب ما لقيه سواهم من تكريم، فإنهم لم ينتظروا الجزاء من أهل الأرض، إنما انتظروه من ربّ السماء، ولم يقدّموا ما قدَّموا من أجل مكسب دنيوي لأنهم أيقنوا -مُذ سلكوا هذا الطريق الشاق الطويل- أن الدنيا ساعة وأن متاعها لُعاعة، فآثروا عليها حياة باقية في دار النعيم وجنات الخلود.
ولكنْ هل يمنعهم هذا اليقين والإخلاص من الشعور بالضيق والأسى بسبب تصدير سَقْطٍ لا قيمةَ لهم في احتفالات سوريا الحرة ومناسباتها، ومنح المنابر لجماعة من التافهين والرماديين الذين لم يُسمَع لهم صوت في أربع عشرة سنة من عمر الثورة المجيد، بل ربما كان بعضهم أبواقاً لنظام الإجرام البائد؟
لا يمكن، بل لا بد أن يترك مثلُ هذا السلوك الجائر في قلوبهم الكثيرَ من المرارة، ليس لأنهم لم يشاركوا في حصد الغنائم المادية والمعنوية، ولكن لأن الشعورَ المرهف بالعدالة والحساسيةَ المفرطة من الظلم (وهما ما أخرجهم في الثورة أول مرة) أصيبا -بهذه الأعمال- في مقتل وذُبحا من الوريد إلى الوريد.
فيا قوم: لا عليكم أن لا تَدْعُوا الرواد السابقين من أهل الثورة إلى الافتتاحيات والمناسبات، ولكن لا تطعنوا كبرياءهم ولا تغتالوا أحلامهم بتصدير الخوَنة والتافهين.
ألا قليلاً من الوفاء؟ ألا بقيّةً من احترامٍ لمشاعر ملايين الثوار والأحرار؟
عرفت في سنوات الثورة رجالاً من الذهب الخالص، منهم من مضى إلى لقاء ربه ثابتاً على العهد، عليهم رحمة الله، ومنهم من ادّخره الله ليكمل الطريق.
أجزم أن أياً من هؤلاء لم يُحزنه ما لقيه من تجاهل في جَنْب ما لقيه سواهم من تكريم، فإنهم لم ينتظروا الجزاء من أهل الأرض، إنما انتظروه من ربّ السماء، ولم يقدّموا ما قدَّموا من أجل مكسب دنيوي لأنهم أيقنوا -مُذ سلكوا هذا الطريق الشاق الطويل- أن الدنيا ساعة وأن متاعها لُعاعة، فآثروا عليها حياة باقية في دار النعيم وجنات الخلود.
ولكنْ هل يمنعهم هذا اليقين والإخلاص من الشعور بالضيق والأسى بسبب تصدير سَقْطٍ لا قيمةَ لهم في احتفالات سوريا الحرة ومناسباتها، ومنح المنابر لجماعة من التافهين والرماديين الذين لم يُسمَع لهم صوت في أربع عشرة سنة من عمر الثورة المجيد، بل ربما كان بعضهم أبواقاً لنظام الإجرام البائد؟
لا يمكن، بل لا بد أن يترك مثلُ هذا السلوك الجائر في قلوبهم الكثيرَ من المرارة، ليس لأنهم لم يشاركوا في حصد الغنائم المادية والمعنوية، ولكن لأن الشعورَ المرهف بالعدالة والحساسيةَ المفرطة من الظلم (وهما ما أخرجهم في الثورة أول مرة) أصيبا -بهذه الأعمال- في مقتل وذُبحا من الوريد إلى الوريد.
فيا قوم: لا عليكم أن لا تَدْعُوا الرواد السابقين من أهل الثورة إلى الافتتاحيات والمناسبات، ولكن لا تطعنوا كبرياءهم ولا تغتالوا أحلامهم بتصدير الخوَنة والتافهين.
ألا قليلاً من الوفاء؟ ألا بقيّةً من احترامٍ لمشاعر ملايين الثوار والأحرار؟
من خصائص الفعل "وجد" أنه يتغير معناه بتغير المصدر
ولا تقل "إيجاد الشيء" بل قل "العثور عليه"
في حديث كعب بن مالك قال: "والله يا رسول الله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سَخَطه بعذر، ولقد أُعطيتُ جَدَلاً، ولكني علمتُ لئن حدّثتك حديث كذب ترضى عني به ليوشكَنَّ الله يُسخطك عليّ، وإن حدثتك حديث صدق تَجِدُ عليّ فيه إني لأرجو فيه عُقبَى الله عز وجل. والله ما كان لي من عذر وما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلَّفتُ عنك".
معنى "تَجِدُ عليّ" هنا: تغضب، فهذا الفعل "وَجَدَ يَجِدُ" يتغير معناه بتغيّر مصدره، والمصدر هنا هو "مَوْجِدَة". تقول: "وجدت على فلان موجدة" إذا غضبت منه.
ومن المعاني الأخرى لهذا الفعل بتغيّر مصدره: وَجَد يَجِدُ وَجْداً: حزن. وَجَد يَجِدُ جِدَة ووُجْداً: اغتنى وصار ذا مال. ومن معانيه العثور على الشيء.
وأحب أن أنبّه هنا إلى خطأ فشا في الناس حتى لا يكاد يسلم منه عامي ولا عالم، وهو قول المرء عن ضالّة يفتقدها أو يبحث عنها: "نجحت في إيجادها"، يريد أنه وجدها.
لكن الإيجاد مصدر الفعل "أوجد"، والمرء لا يوجِد ضالّته المفقودة بل يجدها، إنما أوجدها مَن صنعها إن كانت مادّة مصنوعة، أو خلقها الله إن كانت ضالّة حية (إنساناً أو بهيمة). فالمتحدث إذن يريد مصدر الفعل "وجد" لا "أوجد"، فيقول لو أراد الصواب: نجحت في وَجْدها، أو وُجْدها، أو وِجْدانها، أو جِدَتها، أو وُجودها.
هذه كلها مصادر للفعل "وجد" بمعنى "عثر على". لكنها كلها متروكة، واستعمال الغريب المتروك مخالفٌ للذوق بعيدٌ عن البلاغة، لذلك لا تقل أياً مما سبق، ولا تخطئ فتقل "إيجاد" الشيء، بل قل: العثور عليه.
ولا تقل "إيجاد الشيء" بل قل "العثور عليه"
في حديث كعب بن مالك قال: "والله يا رسول الله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سَخَطه بعذر، ولقد أُعطيتُ جَدَلاً، ولكني علمتُ لئن حدّثتك حديث كذب ترضى عني به ليوشكَنَّ الله يُسخطك عليّ، وإن حدثتك حديث صدق تَجِدُ عليّ فيه إني لأرجو فيه عُقبَى الله عز وجل. والله ما كان لي من عذر وما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلَّفتُ عنك".
معنى "تَجِدُ عليّ" هنا: تغضب، فهذا الفعل "وَجَدَ يَجِدُ" يتغير معناه بتغيّر مصدره، والمصدر هنا هو "مَوْجِدَة". تقول: "وجدت على فلان موجدة" إذا غضبت منه.
ومن المعاني الأخرى لهذا الفعل بتغيّر مصدره: وَجَد يَجِدُ وَجْداً: حزن. وَجَد يَجِدُ جِدَة ووُجْداً: اغتنى وصار ذا مال. ومن معانيه العثور على الشيء.
وأحب أن أنبّه هنا إلى خطأ فشا في الناس حتى لا يكاد يسلم منه عامي ولا عالم، وهو قول المرء عن ضالّة يفتقدها أو يبحث عنها: "نجحت في إيجادها"، يريد أنه وجدها.
لكن الإيجاد مصدر الفعل "أوجد"، والمرء لا يوجِد ضالّته المفقودة بل يجدها، إنما أوجدها مَن صنعها إن كانت مادّة مصنوعة، أو خلقها الله إن كانت ضالّة حية (إنساناً أو بهيمة). فالمتحدث إذن يريد مصدر الفعل "وجد" لا "أوجد"، فيقول لو أراد الصواب: نجحت في وَجْدها، أو وُجْدها، أو وِجْدانها، أو جِدَتها، أو وُجودها.
هذه كلها مصادر للفعل "وجد" بمعنى "عثر على". لكنها كلها متروكة، واستعمال الغريب المتروك مخالفٌ للذوق بعيدٌ عن البلاغة، لذلك لا تقل أياً مما سبق، ولا تخطئ فتقل "إيجاد" الشيء، بل قل: العثور عليه.