وصفةٌ للسعادة والحياة
في أيامنا الماضية لحظات حُلوة ولحظات مُرّة، فاستمدّ سعادتك ورضاك من اللحظات الحلوة واستَعِدْها كل يوم، ودع الذكريات المزعجة بلا تفكُّر ولا تذكّر ولا استحضار، فلا تلبثُ أن تذوي كما تذوي الأزهار تُرِكت بغير ماء، وتبهتُ كما تبهت الصورة وُضِعَت معرَّضةً للشمس والضياء.
* * *
في كل صباح افتح عينيك على يوم جديد جميل واحمد الله على نعمائه، واملأ قلبك بالتفاؤل من الغد الآتي، ولا تعقد غاية آمال الحياة على أحد من العباد بل على رب العباد، فما أكثرَ ما يَصدم الناسُ الناسَ. كل الناس ينشغلون بأنفسهم ويتيهون في دروب الحياة، فإن الحياة شغّالة، فلا تتوقع منهم إلا القدر الذي تسمح به قوانين الحياة من العطاء، ولسوف يُفرح قلبَك كلُّ قَدْر يزيد عن توقعك مهما بلغ من الضآلة والهوان.
* * *
لا تعاشر أهل الكآبة الذين يبحثون عن الأحزان ويجمعونها كما يجمع الطوابعَ هواةُ الطوابع والفراشاتِ هواةُ الفراشات، فإن الاكتئاب مرضٌ مُعْدٍ، ومَن عاشر المكتئبين أوشك أن تمتلئ نفسُه بالاكتئاب.
افتح نوافذ نفسك على حدائق الأمل تدخل شُعاعاتُ الضياء لتنير زوايا النفس المكتحلة بالظلمة، فلا شيءَ في الدنيا بأسرها يمكن أن يرغم المرء على الحياة ما لم يُرِد هو الحياة.
في أيامنا الماضية لحظات حُلوة ولحظات مُرّة، فاستمدّ سعادتك ورضاك من اللحظات الحلوة واستَعِدْها كل يوم، ودع الذكريات المزعجة بلا تفكُّر ولا تذكّر ولا استحضار، فلا تلبثُ أن تذوي كما تذوي الأزهار تُرِكت بغير ماء، وتبهتُ كما تبهت الصورة وُضِعَت معرَّضةً للشمس والضياء.
* * *
في كل صباح افتح عينيك على يوم جديد جميل واحمد الله على نعمائه، واملأ قلبك بالتفاؤل من الغد الآتي، ولا تعقد غاية آمال الحياة على أحد من العباد بل على رب العباد، فما أكثرَ ما يَصدم الناسُ الناسَ. كل الناس ينشغلون بأنفسهم ويتيهون في دروب الحياة، فإن الحياة شغّالة، فلا تتوقع منهم إلا القدر الذي تسمح به قوانين الحياة من العطاء، ولسوف يُفرح قلبَك كلُّ قَدْر يزيد عن توقعك مهما بلغ من الضآلة والهوان.
* * *
لا تعاشر أهل الكآبة الذين يبحثون عن الأحزان ويجمعونها كما يجمع الطوابعَ هواةُ الطوابع والفراشاتِ هواةُ الفراشات، فإن الاكتئاب مرضٌ مُعْدٍ، ومَن عاشر المكتئبين أوشك أن تمتلئ نفسُه بالاكتئاب.
افتح نوافذ نفسك على حدائق الأمل تدخل شُعاعاتُ الضياء لتنير زوايا النفس المكتحلة بالظلمة، فلا شيءَ في الدنيا بأسرها يمكن أن يرغم المرء على الحياة ما لم يُرِد هو الحياة.
لن أكتب عن جرائم جبهة النصرة
راسلني إخوة كثيرون وطالبوني بالتعليق على غدر النصرة المتكرر وجرائم الجولاني التي لا تنتهي، وآخرها هجوم عصابته الفاجر على دارة عزة هذا اليوم، فاعتذرت عن الكتابة ووعدت بتوضيح السبب في منشور عام، وهذا هو الجواب.
* * *
كتبت عن داعش ما يملأ مجلداً من الحجم الكبير، ثم تركتها منذ دهر فلم أكتب عنها إلا لِماماً، فقد سلكتُ الطريق وهو ضيّق موحش مجهول قليلٌ مرتادوه، ثم اشتهر الطريق واتسع وكثر سالكوه؛ انكشفت داعش وانكشف مشروعها الخبيث، وتكاثر الذين يكتبون عنها حتى لم يعد يحصيهم العادّون، فلم يبقَ عندي جديد أضيفه وآثرت الانسحاب.
ثم كتبت عن جبهة النصرة مثل ذلك، وكان الطريق في أوله ضيقاً موحشاً قليلاً سالكوه كما كان طريق داعش في أول الأمر، وما زال يتسع ويزداد سالكوه حتى صاروا مثل الذين سلكوا طريق داعش وأكثر، فقد توسل الجولاني بخبثه فتأخر انكشاف أمره، ولكن الناس ليسوا أغبياء، ومهما بلغ المرء من الذكاء والدهاء فإنه لا يستطيع أن يخدع الوقتَ كله إلا الدهماء، أما عقلاء الناس فإنهم سرعان ما يميزون الطيب من الخبيث والصحيح من السقيم.
* * *
وهكذا انتهى الناس مع الجولاني إلى أربعة أنواع: عقلاء كشفوه على حقيقته القبيحة وعرفوا أنه خائن عميل ينفذ خطة الأعداء ويعمل لاغتيال الثورة، وهؤلاء لا يحتاجون إلى مزيد بيان، بل هم يعلّمونني ما ينبغي أن أكتبه في هذا المقام. وأصحاب هوى من مرضى القلوب لا أمل في شفاء قلوبهم المريضة، ومغفلون من مرضى العقول لا أمل في شفاء عقولهم العليلة؛ هؤلاء وهؤلاء لا خيرَ يُرجى منهم ولا تفيد مخاطبتهم إلا لو أفادت مخاطبة الحجر الأصَمّ. أما الصنف الرابع فعملاء يعرفونه على حقيقته ثم يكذبون وينافقون، وهؤلاء اثنان: رجل باع ضميره وآخرته من أجل مال حرام أو منصب وجاه، ورجل مدسوس هو في الأصل موظف محترف في دوائر المخابرات، وهؤلاء لا يحتاجون إلى بيان لأنهم أغنياء عنه بما يعرفون ويكتمون.
فلم يعد لي دور في الميدان، فقد صار ما أكتبه من المسلَّمات التي يعرفها الأطفال، حقيقةً لا مبالغة، واسألوا أطفال دار عزة التي حاولت عصابة الجولاني احتلالها هذا اليوم، واسألوا قبلها المدن والبلدات التي قصفتها وغزَتها عصابةُ الجولاني في إدلب وريف حلب الغربي ينبؤوكم أن النصرة نسخة من نظام الأسد.
* * *
هذه هي القاعدة التي فهمها العامة والأطفال: الجولاني ليس سوى أسد مكرر بلحية زائفة، وما عصابته إلا نسخة من عصابات الأسد. فلا تثقوا به ولا تقبلوا معه صلحاً يا أحرار، لا تُفقدوا الناسَ الثقةَ بالدين والشرع وبعدالة القضاء بجلوسكم معه في محكمة شرعية، فإنْ كان يصلح أن يُدعى إلى محكمة شرعية فهلاّ دعوتم إلى مثلها بشار الأسد؟! لو نجح مع الأسد غيرُ السيف والمدفع لنجح غيرُهما مع الجولاني.
من أجل هذا كله تركت الكتابة عن النصرة، لأن الذين لم تقنعهم جرائمها وخياناتها وطامّاتها بأنها نظام أسديّ مستتر فلن يقنعهم قلمٌ كليل ضعيف كهذا القلم ولو كتبَ كل يوم مقالةً دأباً ألفَ عام.
راسلني إخوة كثيرون وطالبوني بالتعليق على غدر النصرة المتكرر وجرائم الجولاني التي لا تنتهي، وآخرها هجوم عصابته الفاجر على دارة عزة هذا اليوم، فاعتذرت عن الكتابة ووعدت بتوضيح السبب في منشور عام، وهذا هو الجواب.
* * *
كتبت عن داعش ما يملأ مجلداً من الحجم الكبير، ثم تركتها منذ دهر فلم أكتب عنها إلا لِماماً، فقد سلكتُ الطريق وهو ضيّق موحش مجهول قليلٌ مرتادوه، ثم اشتهر الطريق واتسع وكثر سالكوه؛ انكشفت داعش وانكشف مشروعها الخبيث، وتكاثر الذين يكتبون عنها حتى لم يعد يحصيهم العادّون، فلم يبقَ عندي جديد أضيفه وآثرت الانسحاب.
ثم كتبت عن جبهة النصرة مثل ذلك، وكان الطريق في أوله ضيقاً موحشاً قليلاً سالكوه كما كان طريق داعش في أول الأمر، وما زال يتسع ويزداد سالكوه حتى صاروا مثل الذين سلكوا طريق داعش وأكثر، فقد توسل الجولاني بخبثه فتأخر انكشاف أمره، ولكن الناس ليسوا أغبياء، ومهما بلغ المرء من الذكاء والدهاء فإنه لا يستطيع أن يخدع الوقتَ كله إلا الدهماء، أما عقلاء الناس فإنهم سرعان ما يميزون الطيب من الخبيث والصحيح من السقيم.
* * *
وهكذا انتهى الناس مع الجولاني إلى أربعة أنواع: عقلاء كشفوه على حقيقته القبيحة وعرفوا أنه خائن عميل ينفذ خطة الأعداء ويعمل لاغتيال الثورة، وهؤلاء لا يحتاجون إلى مزيد بيان، بل هم يعلّمونني ما ينبغي أن أكتبه في هذا المقام. وأصحاب هوى من مرضى القلوب لا أمل في شفاء قلوبهم المريضة، ومغفلون من مرضى العقول لا أمل في شفاء عقولهم العليلة؛ هؤلاء وهؤلاء لا خيرَ يُرجى منهم ولا تفيد مخاطبتهم إلا لو أفادت مخاطبة الحجر الأصَمّ. أما الصنف الرابع فعملاء يعرفونه على حقيقته ثم يكذبون وينافقون، وهؤلاء اثنان: رجل باع ضميره وآخرته من أجل مال حرام أو منصب وجاه، ورجل مدسوس هو في الأصل موظف محترف في دوائر المخابرات، وهؤلاء لا يحتاجون إلى بيان لأنهم أغنياء عنه بما يعرفون ويكتمون.
فلم يعد لي دور في الميدان، فقد صار ما أكتبه من المسلَّمات التي يعرفها الأطفال، حقيقةً لا مبالغة، واسألوا أطفال دار عزة التي حاولت عصابة الجولاني احتلالها هذا اليوم، واسألوا قبلها المدن والبلدات التي قصفتها وغزَتها عصابةُ الجولاني في إدلب وريف حلب الغربي ينبؤوكم أن النصرة نسخة من نظام الأسد.
* * *
هذه هي القاعدة التي فهمها العامة والأطفال: الجولاني ليس سوى أسد مكرر بلحية زائفة، وما عصابته إلا نسخة من عصابات الأسد. فلا تثقوا به ولا تقبلوا معه صلحاً يا أحرار، لا تُفقدوا الناسَ الثقةَ بالدين والشرع وبعدالة القضاء بجلوسكم معه في محكمة شرعية، فإنْ كان يصلح أن يُدعى إلى محكمة شرعية فهلاّ دعوتم إلى مثلها بشار الأسد؟! لو نجح مع الأسد غيرُ السيف والمدفع لنجح غيرُهما مع الجولاني.
من أجل هذا كله تركت الكتابة عن النصرة، لأن الذين لم تقنعهم جرائمها وخياناتها وطامّاتها بأنها نظام أسديّ مستتر فلن يقنعهم قلمٌ كليل ضعيف كهذا القلم ولو كتبَ كل يوم مقالةً دأباً ألفَ عام.
الذين أوصلونا إلى هنا هم الذين رفضوا التصديق والاعتراف بأن "النصرة=النظام" وأن "الجولاني=الأسد"، ولن ينقذ الثورةَ إلا من جعل هذه القاعدةَ أمَّ الحقائق وكبرى البديهيّات.
اليوم أسمع مَن يكرر هذا الطرح الواضح الجريء الذي طالما افتقدناه ورجوناه، لذلك صرت مستبشراً بأن الانتصار على المجرم الأفّاك وعصابته من المرتزِقة والقَتَلة بات قريباً بإذن الله.
اليوم أسمع مَن يكرر هذا الطرح الواضح الجريء الذي طالما افتقدناه ورجوناه، لذلك صرت مستبشراً بأن الانتصار على المجرم الأفّاك وعصابته من المرتزِقة والقَتَلة بات قريباً بإذن الله.
لماذا يهدم الجولاني ما بقي من قلاع الثورة؟
لأنه عميل مدسوس زُرع في الثورة لتفكيكها من داخلها في غفلة من أهلها، أو لأنه مغامر أفّاك يسعى لتحقيق حلمه غيرَ مُبالٍ بدماء الأبرياء وضياع الأرض ومعاناة الملايين: حلمه بالمُلك والسلطان المطلق ولو على بضعة أميال مربعة في سوريا الجريحة. إنه حلم العمر الذي لن يتراجع عنه ولن ييأس حتى يحترق هو وعصابته بإذن الله، أو تحترق سوريا الحرة بما فيها ومن فيها لا قدّر الله، حرّقَهُ الله وعصابتَه جميعاً في نار الجحيم.
لا يعنينا أن نحقّق أيّ الاثنين هو، فإن يكن عميلاً مدسوساً أو مغامراً أفّاكاً فقد آن الأوان لقطع رأس أفعى الغدر والخيانة والعدوان.
إن لم يقاتل شرفاءُ الثورة الجولانيَّ وعصابتَه كما يقاتلون الأسد وعصابته فلا مستقبل للثورة ولا أمان للشمال المحرَّر. لا تقاتلوهم قتال بغاة ولا قتال مجاهدين مخدوعين، فما هم منّا ولا نحن منهم، إنما هم أعداء وعملاء ومجرمون يستحقون ما يستحقه سائر الأعداء والعملاء والمجرمين.
#جولاني_عدو
#عصابة_تدمير_الشام
لأنه عميل مدسوس زُرع في الثورة لتفكيكها من داخلها في غفلة من أهلها، أو لأنه مغامر أفّاك يسعى لتحقيق حلمه غيرَ مُبالٍ بدماء الأبرياء وضياع الأرض ومعاناة الملايين: حلمه بالمُلك والسلطان المطلق ولو على بضعة أميال مربعة في سوريا الجريحة. إنه حلم العمر الذي لن يتراجع عنه ولن ييأس حتى يحترق هو وعصابته بإذن الله، أو تحترق سوريا الحرة بما فيها ومن فيها لا قدّر الله، حرّقَهُ الله وعصابتَه جميعاً في نار الجحيم.
لا يعنينا أن نحقّق أيّ الاثنين هو، فإن يكن عميلاً مدسوساً أو مغامراً أفّاكاً فقد آن الأوان لقطع رأس أفعى الغدر والخيانة والعدوان.
إن لم يقاتل شرفاءُ الثورة الجولانيَّ وعصابتَه كما يقاتلون الأسد وعصابته فلا مستقبل للثورة ولا أمان للشمال المحرَّر. لا تقاتلوهم قتال بغاة ولا قتال مجاهدين مخدوعين، فما هم منّا ولا نحن منهم، إنما هم أعداء وعملاء ومجرمون يستحقون ما يستحقه سائر الأعداء والعملاء والمجرمين.
#جولاني_عدو
#عصابة_تدمير_الشام
مأساة طفل تختصر محنة شعب كامل!
كل الذي أراده من هذا الدنيا الواسعة المترَفة مترٌ مربَّع على رصيف أحد شوارع بيروت لينظّف أحذية الناس ويجمع دُرَيهمات يطعم بها إخوته الجِياع، فلاحقوه إلى حتفه، ثم ضَنّوا عليه بقبر في الأرض فتركوه مُلقَى في العراء لتنهشه ضواري الأرض وجوارح الجِواء.
نَمْ قريرَ العين يا صغيري، فقد استكثروا عليك متراً مربعاً فوق الأرض تمسح فيه الأحذية ثم استكثروا عليك متراً تحتها ترقد فيه بسلام! نَمْ قريرَ العين فقد خرجتَ من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة ووفدت على رب كريم رحيم، ولسوف تقف -في يوم آتٍ- في محكمته العادلة فينتصف لك من ظالميك.
اللهمّ إنهم ضِعاف مظلومون فكن لهم خير ناصر وخير معين.
كل الذي أراده من هذا الدنيا الواسعة المترَفة مترٌ مربَّع على رصيف أحد شوارع بيروت لينظّف أحذية الناس ويجمع دُرَيهمات يطعم بها إخوته الجِياع، فلاحقوه إلى حتفه، ثم ضَنّوا عليه بقبر في الأرض فتركوه مُلقَى في العراء لتنهشه ضواري الأرض وجوارح الجِواء.
نَمْ قريرَ العين يا صغيري، فقد استكثروا عليك متراً مربعاً فوق الأرض تمسح فيه الأحذية ثم استكثروا عليك متراً تحتها ترقد فيه بسلام! نَمْ قريرَ العين فقد خرجتَ من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة ووفدت على رب كريم رحيم، ولسوف تقف -في يوم آتٍ- في محكمته العادلة فينتصف لك من ظالميك.
اللهمّ إنهم ضِعاف مظلومون فكن لهم خير ناصر وخير معين.
ظاهرة الإلحاد ومسؤولية علماء الأمة
في مثل هذا الوقت من السنة الماضية ثار نقاش طويل حول الإلحاد الذي بدأ بالانتشار بين شباب المسلمين وعلاقة العلماء والدعاة بهذه الظاهرة المقلقة، وكان السؤال المحدد هو: هل يمكن تحميل علمائنا ودعاتنا المسؤوليةَ عن نفور الشباب من الدين، وهل يصح أن يقال إنهم من أسباب انتشار الإلحاد؟
وقد وصلني السؤال (مع غيري من الأفاضل من أصحاب الفهوم والأقدار) فأجاب كلٌّ بما فتح الله عليه، ثم نُشرت الأجوبة في سلسلة مقالات في موقع رابطة العلماء السوريين. ولم أنشر يومها جوابي الذي نشره موقع الرابطة في صفحتي لأنني كتبته في عجالة ولم أقصد به مقالة تامة الأركان، فلما أثار برنامج الجزيرة الأخير من الضجيج وردود الأفعال ما أثار رأيت أن أستخرجه من رقاده فأنشره اليوم هنا على حالته، لعلي أعود إليه بتوسيع وبيان في غير هذا المقام في يوم آتٍ إن شاء الله.
* * *
هل يمكن -كما يقول السؤال- أن يكون العلماء والدعاة سبباً مباشراً في انتشار الإلحاد؟ الجواب: لا يمكن أن يكونوا كذلك، وكيف وهُم الدعاة إلى نقيضه، إلى الإيمان؟ لكنهم يمكن أن يكونوا (أو يكون بعضهم) سبباً غير مباشر في انتشار هذه الظاهرة، إما بعجزهم عن تقديم أجوبة مقنعة على شكوك الشباب وتساؤلاتهم. أو بالدفاع عن بعض ما في تراثنا من هفوات وهنوات تحتاج إلى مراجعة وإصلاح، بل ومحاربة المصلحين الذين يسعون إلى الإصلاح بإخلاص. أو بالاصطفاف مع الطغاة والدفاع عن المستبدّين، مما يصنع ردة فعل باتجاه الابتعاد عن الدين الذي يمثله "أولئك العلماء".
على أنني أجد أن السؤال نفسه ليس مهماً، فإن توزيع المسؤولية عن هذه المشكلة بين العلماء وغيرهم لن يحلّها ولن يُعيد الملحدين والشاكّين إلى الإيمان. المطلوب هو علاج الظاهرة، فيتغير السؤال من: "هل العلماء مسؤولون؟" أو: "مَن المسؤول؟" إلى "ما أسباب المشكلة وما العلاج؟"
وأول خطوات العلاج هو التشخيص، فما لم يكن التشخيص صحيحاً لن يصحّ العلاج، فالطبيب الحاذق لا يصف للمريض دواء لتخفيض الحرارة ويتغافل عن سببها، بل هو يهتم بمعرفة السبب الذي رفع حرارة البدن ثم يبحث عن العقّار الذي يعالجه، فتزول الحرارة بزوال أسبابها الحقيقية ولا تعود إلى الظهور بعد بضع ساعات.
يجب علينا أن نفهم ظاهرة الإلحاد وأن نعرف أسبابها قبل أن نبدأ بالعلاج، وعند البحث سنجد أن الإلحاد ليس شكلاً واحداً، بل هو أربعة أنواع لكل منها سببه وطريقة علاجه.
* * *
النوع الأول هو "الإلحاد النفسي"، وهو ليس إلحاداً على التحقيق، بل هو أقرب إلى الغضب وردّ الفعل بسبب ما يصيب الإنسان من بلاء، وكلما زاد البلاء زادت قوة ردة الفعل، فممّا هو مقرر في العلوم النفسية أن "الظروف المتطرفة تنشئ استجابات متطرفة". نعم، هي متطرفة في درجتها، ولكن لا يمكن التنبؤ باتجاهها، فهي تجنح إلى أحد طرفَي رد الفعل وليس إلى أحدهما حصراً. مثال: الرعب الشديد في ساعة الكارثة قد ينتج عنه شلل كامل وعجز عن التصرف، أو نشاط يفوق الحد ويدفع إلى تصرف يتجاوز القدرات البشرية العادية.
كذلك البلاء الهائل: إما أن يَنتج عنه إيمان صوفي عميق، أو إلحاد وإنكار للقوة الكلية الرحيمة التي يمثلها الإله الكامل. في كتابه "مشكلة الشر" (وهو من الكتب التي عالجت هذه المشكلة بعمق وشمول) وصف المؤلف دانيال سبيك ما حصل مع أب وأمّ بعد غرق ابنتهما الصغيرة في المسبح، وكان كلاهما من المسيحيين المتحررين قبل الحادثة، فقد انقلبت الأم إلى تديّن أشبه بتديّن الراهبات، فيما ألحد الأب وكفر بالإله وخرج من الدين.
هذا النوع من الإلحاد يفشو في حالات الكوارث العامة التي يعم فيها البلاء ويتجاوز حدودَ الاحتمال، كما في سوريا اليوم، فقد تحول الإلحاد مؤخراً من حالات فردية إلى ظاهرة عامة، ولكنه ليس إلحاداً مقلقاً على المدى الطويل، فحيث إنه "استجابة نفسية لحالة طارئة" فإنه ينحسر بانحسارها، وأتوقع أن يعود أكثرُ الملحدين النفسيين إلى الإيمان آجلاً أو عاجلاً، ربما في عشر سنين من الآن (أعني الغالبية منهم، فلا بد أن تبقى منهم بقية لن تعود أبداً إلى الإيمان للأسف الشديد). وسوف تعتمد عودة هؤلاء الناس إلى الدين على تغير الظروف وانكشاف البلاء، وعلى جهود الدعوة التي يبذلها العلماء والدعاة إذا وسّعوا صدورهم وأحسنوا الخطاب.
* * *
في مثل هذا الوقت من السنة الماضية ثار نقاش طويل حول الإلحاد الذي بدأ بالانتشار بين شباب المسلمين وعلاقة العلماء والدعاة بهذه الظاهرة المقلقة، وكان السؤال المحدد هو: هل يمكن تحميل علمائنا ودعاتنا المسؤوليةَ عن نفور الشباب من الدين، وهل يصح أن يقال إنهم من أسباب انتشار الإلحاد؟
وقد وصلني السؤال (مع غيري من الأفاضل من أصحاب الفهوم والأقدار) فأجاب كلٌّ بما فتح الله عليه، ثم نُشرت الأجوبة في سلسلة مقالات في موقع رابطة العلماء السوريين. ولم أنشر يومها جوابي الذي نشره موقع الرابطة في صفحتي لأنني كتبته في عجالة ولم أقصد به مقالة تامة الأركان، فلما أثار برنامج الجزيرة الأخير من الضجيج وردود الأفعال ما أثار رأيت أن أستخرجه من رقاده فأنشره اليوم هنا على حالته، لعلي أعود إليه بتوسيع وبيان في غير هذا المقام في يوم آتٍ إن شاء الله.
* * *
هل يمكن -كما يقول السؤال- أن يكون العلماء والدعاة سبباً مباشراً في انتشار الإلحاد؟ الجواب: لا يمكن أن يكونوا كذلك، وكيف وهُم الدعاة إلى نقيضه، إلى الإيمان؟ لكنهم يمكن أن يكونوا (أو يكون بعضهم) سبباً غير مباشر في انتشار هذه الظاهرة، إما بعجزهم عن تقديم أجوبة مقنعة على شكوك الشباب وتساؤلاتهم. أو بالدفاع عن بعض ما في تراثنا من هفوات وهنوات تحتاج إلى مراجعة وإصلاح، بل ومحاربة المصلحين الذين يسعون إلى الإصلاح بإخلاص. أو بالاصطفاف مع الطغاة والدفاع عن المستبدّين، مما يصنع ردة فعل باتجاه الابتعاد عن الدين الذي يمثله "أولئك العلماء".
على أنني أجد أن السؤال نفسه ليس مهماً، فإن توزيع المسؤولية عن هذه المشكلة بين العلماء وغيرهم لن يحلّها ولن يُعيد الملحدين والشاكّين إلى الإيمان. المطلوب هو علاج الظاهرة، فيتغير السؤال من: "هل العلماء مسؤولون؟" أو: "مَن المسؤول؟" إلى "ما أسباب المشكلة وما العلاج؟"
وأول خطوات العلاج هو التشخيص، فما لم يكن التشخيص صحيحاً لن يصحّ العلاج، فالطبيب الحاذق لا يصف للمريض دواء لتخفيض الحرارة ويتغافل عن سببها، بل هو يهتم بمعرفة السبب الذي رفع حرارة البدن ثم يبحث عن العقّار الذي يعالجه، فتزول الحرارة بزوال أسبابها الحقيقية ولا تعود إلى الظهور بعد بضع ساعات.
يجب علينا أن نفهم ظاهرة الإلحاد وأن نعرف أسبابها قبل أن نبدأ بالعلاج، وعند البحث سنجد أن الإلحاد ليس شكلاً واحداً، بل هو أربعة أنواع لكل منها سببه وطريقة علاجه.
* * *
النوع الأول هو "الإلحاد النفسي"، وهو ليس إلحاداً على التحقيق، بل هو أقرب إلى الغضب وردّ الفعل بسبب ما يصيب الإنسان من بلاء، وكلما زاد البلاء زادت قوة ردة الفعل، فممّا هو مقرر في العلوم النفسية أن "الظروف المتطرفة تنشئ استجابات متطرفة". نعم، هي متطرفة في درجتها، ولكن لا يمكن التنبؤ باتجاهها، فهي تجنح إلى أحد طرفَي رد الفعل وليس إلى أحدهما حصراً. مثال: الرعب الشديد في ساعة الكارثة قد ينتج عنه شلل كامل وعجز عن التصرف، أو نشاط يفوق الحد ويدفع إلى تصرف يتجاوز القدرات البشرية العادية.
كذلك البلاء الهائل: إما أن يَنتج عنه إيمان صوفي عميق، أو إلحاد وإنكار للقوة الكلية الرحيمة التي يمثلها الإله الكامل. في كتابه "مشكلة الشر" (وهو من الكتب التي عالجت هذه المشكلة بعمق وشمول) وصف المؤلف دانيال سبيك ما حصل مع أب وأمّ بعد غرق ابنتهما الصغيرة في المسبح، وكان كلاهما من المسيحيين المتحررين قبل الحادثة، فقد انقلبت الأم إلى تديّن أشبه بتديّن الراهبات، فيما ألحد الأب وكفر بالإله وخرج من الدين.
هذا النوع من الإلحاد يفشو في حالات الكوارث العامة التي يعم فيها البلاء ويتجاوز حدودَ الاحتمال، كما في سوريا اليوم، فقد تحول الإلحاد مؤخراً من حالات فردية إلى ظاهرة عامة، ولكنه ليس إلحاداً مقلقاً على المدى الطويل، فحيث إنه "استجابة نفسية لحالة طارئة" فإنه ينحسر بانحسارها، وأتوقع أن يعود أكثرُ الملحدين النفسيين إلى الإيمان آجلاً أو عاجلاً، ربما في عشر سنين من الآن (أعني الغالبية منهم، فلا بد أن تبقى منهم بقية لن تعود أبداً إلى الإيمان للأسف الشديد). وسوف تعتمد عودة هؤلاء الناس إلى الدين على تغير الظروف وانكشاف البلاء، وعلى جهود الدعوة التي يبذلها العلماء والدعاة إذا وسّعوا صدورهم وأحسنوا الخطاب.
* * *
النوع الثاني هو إلحاد رد الفعل، فهو ليس موقفاً من أصل الدين بقدر ما هو موقف رافض لطريقة عرض الدين أو لحَمَلة الدين والناطقين باسمه، وضحاياه من العوام أو من الذين يعانون من "كسل عقلي"، فهؤلاء لا يتقنون فن الانتقاء والقدرة على التمييز بين ما يُؤخَذ وما يُرَدّ، أو أنهم لا يحبون أن يُتعبوا أنفسهم بالبحث والانتقاء، فهم يقبلون المنظومات كاملة أو يرفضونها كاملة، الدينية منها والاجتماعية والاقتصادية والعلمية وسواها من المنظومات المعرفية. فإذا عانى أحدهم من بعض التقاليد البالية ثار على التقاليد كلها ورفضها بخيرها وشرّها، وإذا وجد ما يخالف العقل والفطرة في بعض الأحكام الشرعية المقررة في بعض كتب القدماء نبذها بالجملة، وإذا رأى ما يعيب في سلوك ومواقف العلماء الذين يمثلون الدين أسقط الدين كله.
هذا النوع من الردة تتحمل المسؤوليةَ عنه ثلاثةُ أطراف: الأول والثاني هما علماء السلطان وجماعات الغلاة، كداعش والقاعدة. هذان الطرفان قدّما لعوام الناس صورة مقزّزة منفّرة عن الدين، ولم يستطع كثيرون أن يدركوا أن ما قدموه ليس هو الدين بل هو صورة سلبية سيئة منه، فنبذوا علماء السلطان والتنظيمات الغالية ونبذوا معهم الدين كله.
الطرف الثالث أهم بالنسبة إلينا، لأننا لا نملك السيطرة على علماء السوء ولا على الغلاة ولا يسعنا إلا أن نتدارك أخطاءهم ونعمل على تصحيحها ومحو آثارها السلبية. الطرف الثالث هو ما يهمنا، لأنه هو نحن، نحن نمثله ونحن نملك مفاتحه. هذا الطرف الذي يتسبب في نشوء وانتشار ظاهرة الإلحاد هم العلماء والدعاة الذين يتشبثون ببعض ما ورد في كتب التراث من هفوات وهَنات تسيء إلى الإسلام وتنفّر منه أصحابَ العقول الواعية، وهي تحتاج إلى مراجعة وتصحيح باستعمال الأدوات الشرعية نفسها التي صنعها بها الأقدمون، فإذا جاء منّا مَن يصنع ذلك ويزيل اللبس (وهو منا، من داخل المدرسة الإسلامية، ليس عدوّاً ولا هو غريب عنّا) لقي من العنت والرفض من أصحاب المدرسة التقليدية ما لا يوصَف، كما صنعوا مع اثنين من أهم دعاة العصر وأئمته، الغزالي والقرضاوي، عندما ناقشا بعض أحكام المرأة أو السياسة الشرعية التي أخطأ فيها القدماء، والأمثلة في هذا الباب لا تُحصى.
علاج هذا النوع من الإلحاد يحتاج إلى صبر ووقت وسعة أفق، واستعداد للتخلص من "رُهاب القدماء"، ورغبة في التجديد ضمن أصول الدين وقواعده الكلية، ولا يكون إلا بالدعوة والقدوة والبيان، ونتائجه -غالباً- مثمرة على المدى الطويل بإذن الله.
* * *
النوع الثالث هو إلحاد الشهوة، وصاحبه أمّي بالدين ولا يهتم بالفكرة الدينية أصلاً ولا بعالَم الغيب ولا يناقش الأفكار الميتافيزيقية من أساسها، إنما هو صاحب هوى يتبع غرائزه وشهواته وأهواءه ويرى أن الدين قَيد مزعج، فهو يتحلل من قيود الدين بإنكار الدين، ليس لأنه لا يؤمن بالأفكار الدينية بل للفرار من تبعاتها وقيودها فحسب.
هذا النوع من الإلحاد ليس إلحاداً حقيقياً، بل هو إلحاد كاذب يتخذه صاحبُه وسيلةً لتخليص نفسه من قيود الدين ومن ضغط الضمير، وعلاجه يكون بالدعوة والإصلاح الأخلاقي، وغالباً يعود صاحبه إلى الدين عودة تلقائية مع تقدمه في العمر، أو يعود إلى الدين فجأة بعد صدمة قوية يحسّ فيها بالحاجة إلى الله، أو يعود مع الوقت من خلال التأثر التراكمي بالموعظة والتذكرة والدعوة، وقد رأيت في حياتي الطويلة ما لا يُحصى من الأمثلة في هذا الباب.
* * *
النوع الرابع هو إلحاد العقل، وهو أصعب أنواع الإلحاد، بل يمكن أن نقول إنه هو الإلحاد الحقيقي بين كل الأنواع. وهو يتراواح بين ثلاثة مستويات: إلحاد الخالق، بمعنى نفي وجود الله جملة (atheist). والشك في وجوده أو عدم الجزم، لا بوجود الخالق ولا بعدمه، وهؤلاء يسمَّون اللاأدْرِيّين (agnostic)، والاعتراف بالخالق مع إنكار الدين، وهؤلاء هم الربوبيّون (deist).
يؤسفني أن أقول: إن غالبية الدعاة الذين تصدّوا لمشكلة الإلحاد وتصدروا لها أنفقوا كل وقتهم في النوعين الأول والثاني، وهما أقل الأنواع أهمية على الإطلاق، حيث إن علاج مشكلة وجود الله سهل نسبياً، كما أن عدد الناس الذين ينكرون الخالق أو يشكّون فيه شكاً حقيقياً أقل بكثير من الذين يؤمنون بالخالق ولا يؤمنون بالوحي والرسالات.
نعم، المؤسف أن الغالبية العظمى من الدعاة والعلماء صرفوا كل جهدهم وأبحاثهم وكتاباتهم وأحاديثهم لإثبات وجود الخالق ولنقد النظريات المادية والتطورية، وغفلوا عن النوع الثالث، وهو الأكثر انتشاراً والأصعب علاجاً على الإطلاق، حيث إن الربوبيين الذين يعتقدون بوجود خالق (ولكنهم ينكرون عمله في الكون وينكرون النبوة والبعث والحساب) يبلغون أضعاف النوع الأول، وهؤلاء هم الأصعب إقناعاً، وهذه الحالة هي الجديرة بالبحث والمتابعة وتوجيه الجهود لعلاجها.
* * *
هذا النوع من الردة تتحمل المسؤوليةَ عنه ثلاثةُ أطراف: الأول والثاني هما علماء السلطان وجماعات الغلاة، كداعش والقاعدة. هذان الطرفان قدّما لعوام الناس صورة مقزّزة منفّرة عن الدين، ولم يستطع كثيرون أن يدركوا أن ما قدموه ليس هو الدين بل هو صورة سلبية سيئة منه، فنبذوا علماء السلطان والتنظيمات الغالية ونبذوا معهم الدين كله.
الطرف الثالث أهم بالنسبة إلينا، لأننا لا نملك السيطرة على علماء السوء ولا على الغلاة ولا يسعنا إلا أن نتدارك أخطاءهم ونعمل على تصحيحها ومحو آثارها السلبية. الطرف الثالث هو ما يهمنا، لأنه هو نحن، نحن نمثله ونحن نملك مفاتحه. هذا الطرف الذي يتسبب في نشوء وانتشار ظاهرة الإلحاد هم العلماء والدعاة الذين يتشبثون ببعض ما ورد في كتب التراث من هفوات وهَنات تسيء إلى الإسلام وتنفّر منه أصحابَ العقول الواعية، وهي تحتاج إلى مراجعة وتصحيح باستعمال الأدوات الشرعية نفسها التي صنعها بها الأقدمون، فإذا جاء منّا مَن يصنع ذلك ويزيل اللبس (وهو منا، من داخل المدرسة الإسلامية، ليس عدوّاً ولا هو غريب عنّا) لقي من العنت والرفض من أصحاب المدرسة التقليدية ما لا يوصَف، كما صنعوا مع اثنين من أهم دعاة العصر وأئمته، الغزالي والقرضاوي، عندما ناقشا بعض أحكام المرأة أو السياسة الشرعية التي أخطأ فيها القدماء، والأمثلة في هذا الباب لا تُحصى.
علاج هذا النوع من الإلحاد يحتاج إلى صبر ووقت وسعة أفق، واستعداد للتخلص من "رُهاب القدماء"، ورغبة في التجديد ضمن أصول الدين وقواعده الكلية، ولا يكون إلا بالدعوة والقدوة والبيان، ونتائجه -غالباً- مثمرة على المدى الطويل بإذن الله.
* * *
النوع الثالث هو إلحاد الشهوة، وصاحبه أمّي بالدين ولا يهتم بالفكرة الدينية أصلاً ولا بعالَم الغيب ولا يناقش الأفكار الميتافيزيقية من أساسها، إنما هو صاحب هوى يتبع غرائزه وشهواته وأهواءه ويرى أن الدين قَيد مزعج، فهو يتحلل من قيود الدين بإنكار الدين، ليس لأنه لا يؤمن بالأفكار الدينية بل للفرار من تبعاتها وقيودها فحسب.
هذا النوع من الإلحاد ليس إلحاداً حقيقياً، بل هو إلحاد كاذب يتخذه صاحبُه وسيلةً لتخليص نفسه من قيود الدين ومن ضغط الضمير، وعلاجه يكون بالدعوة والإصلاح الأخلاقي، وغالباً يعود صاحبه إلى الدين عودة تلقائية مع تقدمه في العمر، أو يعود إلى الدين فجأة بعد صدمة قوية يحسّ فيها بالحاجة إلى الله، أو يعود مع الوقت من خلال التأثر التراكمي بالموعظة والتذكرة والدعوة، وقد رأيت في حياتي الطويلة ما لا يُحصى من الأمثلة في هذا الباب.
* * *
النوع الرابع هو إلحاد العقل، وهو أصعب أنواع الإلحاد، بل يمكن أن نقول إنه هو الإلحاد الحقيقي بين كل الأنواع. وهو يتراواح بين ثلاثة مستويات: إلحاد الخالق، بمعنى نفي وجود الله جملة (atheist). والشك في وجوده أو عدم الجزم، لا بوجود الخالق ولا بعدمه، وهؤلاء يسمَّون اللاأدْرِيّين (agnostic)، والاعتراف بالخالق مع إنكار الدين، وهؤلاء هم الربوبيّون (deist).
يؤسفني أن أقول: إن غالبية الدعاة الذين تصدّوا لمشكلة الإلحاد وتصدروا لها أنفقوا كل وقتهم في النوعين الأول والثاني، وهما أقل الأنواع أهمية على الإطلاق، حيث إن علاج مشكلة وجود الله سهل نسبياً، كما أن عدد الناس الذين ينكرون الخالق أو يشكّون فيه شكاً حقيقياً أقل بكثير من الذين يؤمنون بالخالق ولا يؤمنون بالوحي والرسالات.
نعم، المؤسف أن الغالبية العظمى من الدعاة والعلماء صرفوا كل جهدهم وأبحاثهم وكتاباتهم وأحاديثهم لإثبات وجود الخالق ولنقد النظريات المادية والتطورية، وغفلوا عن النوع الثالث، وهو الأكثر انتشاراً والأصعب علاجاً على الإطلاق، حيث إن الربوبيين الذين يعتقدون بوجود خالق (ولكنهم ينكرون عمله في الكون وينكرون النبوة والبعث والحساب) يبلغون أضعاف النوع الأول، وهؤلاء هم الأصعب إقناعاً، وهذه الحالة هي الجديرة بالبحث والمتابعة وتوجيه الجهود لعلاجها.
* * *
ما فائدة الدين؟
هل يمكن أن تذكر لنا بعض فضائل الدين؟ منذ الأزل نشأت بين البشر صراعات وحروب لأسباب اقتصادية وسياسية، فلما جاءت الأديان صارت سبباً جديداً للعنف والكراهية، بل إن الحروب الدينية كانت أكثر وحشية من كل ما سبقها. فما الفائدة التي حصل عليها البشر من الدين؟
هذا تعليق كتبه أخ كريم على مقالة "ظاهرة الإلحاد" التي نشرتها قبل عشرة أيام، وفيه سؤالان، أولهما عن فائدة الدين بالمطلق، والثاني عن علاقة الدين بالحروب والصراعات. سأجيب عن النصف الأول في هذه المقالة وأترك النصف الثاني لأجيب عنه في مقالة آتية إذا يسّر الله.
* * *
لما كنت صغيراً ساقني أهلي إلى المدرسة قسراً وحبسوني فيها بضعَ عشرةَ سنة، وسيق إليها ملايينُ من أمثالي وهم لها كارهون. قال لي أهلي: حتى لو كرهتها اليوم فسوف تدرك فائدتها بعد أن تكبر في يومٍ آتٍ من الأيام، فاستسلمت وسلّمت بما سمعت لأن الصغير لا يفكر كثيراً ويقبل ما يقوله له الكبار. ثم كبرت وعقلت واستقلّ تفكيري فاستغنيت عن الإملاء، فقد اقتنع عقلي بما كان يُملَى عليه وأدرك أن النجاح في الحياة الآتية بعد التخرج في المدرسة يعتمد بدرجة كبيرة على النجاح فيها، فلم أعد بحاجة إلى مَن يُكرهني على ركوب مركب الدراسة الصعب، ركبته بنفسي رجاء أن يوصلني إلى بَرّ الأمان والنجاح، وقد كان بفضل الله.
وماذا عن الدين؟ أخبروني أيضاً أن طاعة الله في هذه الدنيا تنجيني في الآخرة التي صوّروها لي بأبهى الصور ورغّبوني في الفوز فيها بأعلى الدرجات، فاستسلمت وسلّمت بما سمعت لأن الصغير لا يفكر كثيراً ويقبل ما يقوله له الكبار. ثم كبرت وعقلت واستقل تفكيري ولم أعد بحاجة إلى إملاء، فقد اقتنع عقلي بما كان يُملَى عليه وأدرك أن الدين حق والموت حق والبعث حق والحساب حق، ثم يأتي بعدَه نعيم أبدي أو شقاء طويل. علمت أن السعادة في الحياة الآخرة الآتية بعد الخروج من الدنيا تعتمد بدرجة كبيرة على النجاح فيها، فلم أعد بحاجة إلى من يُكرهني على سلوك طريق التدين الثقيل، سلكته بنفسي رجاء أن يوصلني إلى بَرّ الأمان والنجاح، وأرجو أن يكون بفضل الله.
* * *
فلو سألني سائل عن فائدة الدين سيكون جوابي البديهي الحاضر أنه طريقٌ إلى السعادة الأبدية في دار البقاء، وكفى بهذا الجزاء دافعاً إلى التديّن والالتزام بما أمر الله به واجتناب ما نهى عنه، ولكنه ليس كل شيء. إنه جزاء عظيم يعدل كل ما يلقاه المؤمن المتدين من صعوبة في التدين والالتزام، ولكن هذا الجزاء العظيم تأتي معه "هدايا مجانية" لا تُحصى، أعطيات معجَّلة في الحياة الدنيا ريثما نصل إلى "الجائزة الكبرى" في الحياة الآخرة الباقية في دار الجزاء.
إن الدين يمنح المتدين اطمئناناً وراحة بال يتناسبان تناسباً طردياً (كما يقول الرياضيون) مع درجة الإيمان واليقين، فكلما ازداد يقينُ المتدين وإيمانه صار أكثرَ اطمئناناً وهو يعبر رحلة الحياة الصعبة المضنية الطويلة، فلا يُشقيه شقاؤها لأنه يعلم أن ذرة من نعيم الآخرة تمحو قناطير من شقاء الدنيا، ولا يؤيِسُه ما فيها من حرمان لأنه ينتظر في الآخرة العِوَض والفوز الكبير، ولا يحبطه ما فيها من ظلم لأنه مطمئن إلى عدل الله الذي سينتصف لكل مظلوم من ظالمه يوم الحساب.
ربما عاش غير المؤمنين في سعادة واطمئنان لبعض الوقت، ولكن المؤمن الحقيقي يعيش فيهما الوقتَ كله، وهو يعرف من درجاتهما السامية المحلّقة ما لا يعرفه أصحابُ القلوب التي لم تعرف الله ولم تهتدِ بهداه.
* * *
هذه فائدة يستفيدها الفرد من الدين، أما الفائدة التي تستفيدها الجماعة فأكبر بكثير، لأن المتدينين الصادقين يلتزمون بقوانين الدين الطوعية ولو غاب سيفُ قانون الأرض القاهر، لأنهم يوقنون بأن الله الذي يؤمنون به وبالمعاد إليه والحساب بين يديه مطّلع على ظواهرهم وسرائرهم في كل حال وأنهم محاسَبون على كل عمل يعملونه، حتى مثقال الذرة من خير وشر، فيُقبلون راغبين طائعين على كرائم الأخلاق التي تُصلح المجتمع وتُسعد أهله: الكرم والعطاء والمروءة والتضحية والإيثار والعفو والرحمة والإحسان والصبر والصدق والوفاء والعدل والأمانة والإخلاص، ويجتبنون الموبقات والجرائم التي تُشقي الجماعات وتدمّر المجتمعات: الظلم والحقد والحسد والكِبر والأثرة والقسوة والبغضاء وسوء الظن والاستغلال والسرقة والغش والرشوة والقذف والقتل والعدوان.
هل يمكن أن تذكر لنا بعض فضائل الدين؟ منذ الأزل نشأت بين البشر صراعات وحروب لأسباب اقتصادية وسياسية، فلما جاءت الأديان صارت سبباً جديداً للعنف والكراهية، بل إن الحروب الدينية كانت أكثر وحشية من كل ما سبقها. فما الفائدة التي حصل عليها البشر من الدين؟
هذا تعليق كتبه أخ كريم على مقالة "ظاهرة الإلحاد" التي نشرتها قبل عشرة أيام، وفيه سؤالان، أولهما عن فائدة الدين بالمطلق، والثاني عن علاقة الدين بالحروب والصراعات. سأجيب عن النصف الأول في هذه المقالة وأترك النصف الثاني لأجيب عنه في مقالة آتية إذا يسّر الله.
* * *
لما كنت صغيراً ساقني أهلي إلى المدرسة قسراً وحبسوني فيها بضعَ عشرةَ سنة، وسيق إليها ملايينُ من أمثالي وهم لها كارهون. قال لي أهلي: حتى لو كرهتها اليوم فسوف تدرك فائدتها بعد أن تكبر في يومٍ آتٍ من الأيام، فاستسلمت وسلّمت بما سمعت لأن الصغير لا يفكر كثيراً ويقبل ما يقوله له الكبار. ثم كبرت وعقلت واستقلّ تفكيري فاستغنيت عن الإملاء، فقد اقتنع عقلي بما كان يُملَى عليه وأدرك أن النجاح في الحياة الآتية بعد التخرج في المدرسة يعتمد بدرجة كبيرة على النجاح فيها، فلم أعد بحاجة إلى مَن يُكرهني على ركوب مركب الدراسة الصعب، ركبته بنفسي رجاء أن يوصلني إلى بَرّ الأمان والنجاح، وقد كان بفضل الله.
وماذا عن الدين؟ أخبروني أيضاً أن طاعة الله في هذه الدنيا تنجيني في الآخرة التي صوّروها لي بأبهى الصور ورغّبوني في الفوز فيها بأعلى الدرجات، فاستسلمت وسلّمت بما سمعت لأن الصغير لا يفكر كثيراً ويقبل ما يقوله له الكبار. ثم كبرت وعقلت واستقل تفكيري ولم أعد بحاجة إلى إملاء، فقد اقتنع عقلي بما كان يُملَى عليه وأدرك أن الدين حق والموت حق والبعث حق والحساب حق، ثم يأتي بعدَه نعيم أبدي أو شقاء طويل. علمت أن السعادة في الحياة الآخرة الآتية بعد الخروج من الدنيا تعتمد بدرجة كبيرة على النجاح فيها، فلم أعد بحاجة إلى من يُكرهني على سلوك طريق التدين الثقيل، سلكته بنفسي رجاء أن يوصلني إلى بَرّ الأمان والنجاح، وأرجو أن يكون بفضل الله.
* * *
فلو سألني سائل عن فائدة الدين سيكون جوابي البديهي الحاضر أنه طريقٌ إلى السعادة الأبدية في دار البقاء، وكفى بهذا الجزاء دافعاً إلى التديّن والالتزام بما أمر الله به واجتناب ما نهى عنه، ولكنه ليس كل شيء. إنه جزاء عظيم يعدل كل ما يلقاه المؤمن المتدين من صعوبة في التدين والالتزام، ولكن هذا الجزاء العظيم تأتي معه "هدايا مجانية" لا تُحصى، أعطيات معجَّلة في الحياة الدنيا ريثما نصل إلى "الجائزة الكبرى" في الحياة الآخرة الباقية في دار الجزاء.
إن الدين يمنح المتدين اطمئناناً وراحة بال يتناسبان تناسباً طردياً (كما يقول الرياضيون) مع درجة الإيمان واليقين، فكلما ازداد يقينُ المتدين وإيمانه صار أكثرَ اطمئناناً وهو يعبر رحلة الحياة الصعبة المضنية الطويلة، فلا يُشقيه شقاؤها لأنه يعلم أن ذرة من نعيم الآخرة تمحو قناطير من شقاء الدنيا، ولا يؤيِسُه ما فيها من حرمان لأنه ينتظر في الآخرة العِوَض والفوز الكبير، ولا يحبطه ما فيها من ظلم لأنه مطمئن إلى عدل الله الذي سينتصف لكل مظلوم من ظالمه يوم الحساب.
ربما عاش غير المؤمنين في سعادة واطمئنان لبعض الوقت، ولكن المؤمن الحقيقي يعيش فيهما الوقتَ كله، وهو يعرف من درجاتهما السامية المحلّقة ما لا يعرفه أصحابُ القلوب التي لم تعرف الله ولم تهتدِ بهداه.
* * *
هذه فائدة يستفيدها الفرد من الدين، أما الفائدة التي تستفيدها الجماعة فأكبر بكثير، لأن المتدينين الصادقين يلتزمون بقوانين الدين الطوعية ولو غاب سيفُ قانون الأرض القاهر، لأنهم يوقنون بأن الله الذي يؤمنون به وبالمعاد إليه والحساب بين يديه مطّلع على ظواهرهم وسرائرهم في كل حال وأنهم محاسَبون على كل عمل يعملونه، حتى مثقال الذرة من خير وشر، فيُقبلون راغبين طائعين على كرائم الأخلاق التي تُصلح المجتمع وتُسعد أهله: الكرم والعطاء والمروءة والتضحية والإيثار والعفو والرحمة والإحسان والصبر والصدق والوفاء والعدل والأمانة والإخلاص، ويجتبنون الموبقات والجرائم التي تُشقي الجماعات وتدمّر المجتمعات: الظلم والحقد والحسد والكِبر والأثرة والقسوة والبغضاء وسوء الظن والاستغلال والسرقة والغش والرشوة والقذف والقتل والعدوان.
لعل الأدلة العقلية التي تثبت صحّة الدين كافية ليُقبل عليه ويدخل فيه كثيرون من غير أهله، ولكنْ لا ريب أن الذين يجذبهم إليه ويقنعهم به نظامُه الأخلاقي الرفيع أكثرُ بكثير، فما يزال هؤلاء مفتونين مبهورين بما يقدمه الدين من سعادة للفرد والجماعة وما يزالون يتدفقون عليه في سيل لا ينتهي من المهتدين في كل مكان وآن، فيجد المضطربون الخائفون فيه السلام والأمان والاطمئنان، ويجد فيه الضعفاءُ رحمةَ الأقوياء والأقوياءُ وفاءَ الضعفاء والمحرومون عطاءَ الأغنياء والأغنياءُ شكرَ الفقراء، ويجد فيه الآباء بِرّ الأبناء والصغارُ عطفَ الكبار والكبارُ توقيرَ الصغار ويجد فيه الجارُ حقَّه عند الجار، وفي ظلاله تتوطد صلة الأرحام وتتأكد الأمانة في التجارة والإتقان في العمل والوفاء بالوعد، ويتمتع فيه كل مسلم في أدنى الأرض بأخوّة المسلمين جميعاً في أقاصي الأرض ولو اختلف اللون واللسان.
* * *
الخلاصة: إن الدين كله خير وفائدة، فائدة مؤجَّلة تنجي المتدين في دار البقاء، وفائدة معجلة في الدنيا، للفرد اطمئناناً في نفسه وسعادةً وراحةَ بال وللجماعة تراحماً بين أفرادها وتعاوناً على البِرّ والخير.
على أن هذه الفوائد الجليلة تتحقق بمقدار صدق أصحاب الدين والتزامهم بدينهم، فتزداد إذا ازداد التديّن وتنقص إنْ نقص، فإن الدين لا يعمل في حياة الناس ولا يغير الواقع بعصا سحرية ولا بالدعاوى والتمنيات، إنما يعمل الدينُ عملَه ويترك أثره ويحقق نتائجه الجليلة وفوائده المذهلة بمقدار حرص أهله على تطبيق أحكامه والالتزام الصادق بأوامره والابتعاد الحريص عن نواهيه، وهذا كله من المسلَّمات التي لا يجهلها إنسان.
هذا هو الفرق الجوهري بين الدين والقانون، فإن القانون الأرضي الصارم يستطيع أن ينظف المجتمع من السرقة والغش والاحتيال والاستغلال والاحتكار وسواها من الموبقات، كلياً أو جزئياً، ولكنه لا يستطيع -مهما وضع من جوائز وعقوبات- أن ينشر في المجتمع الرحمة والتكافل والبِرّ والصدق والاستقامة والوفاء والإحسان وسائر الخصال الحميدة التي تُسعد الأفراد وتُصلح المجتمعات، والتي يرغب فيها المتدينون ويُقبلون عليها رجاء الفوز والسعادة والفلاح في عالم غير منظور، عالم غيبي لا تدركه حواسهم ولكنهم يؤمنون بوجوده وبأنهم إليه صائرون، فيقدّمون الكثير في هذه الدنيا رجاء الحصول على الأكثر في الآخرة، ويزرعون حياتهم بالصالحات على أمل الحصاد في دار الخلود.
* * *
الخلاصة: إن الدين كله خير وفائدة، فائدة مؤجَّلة تنجي المتدين في دار البقاء، وفائدة معجلة في الدنيا، للفرد اطمئناناً في نفسه وسعادةً وراحةَ بال وللجماعة تراحماً بين أفرادها وتعاوناً على البِرّ والخير.
على أن هذه الفوائد الجليلة تتحقق بمقدار صدق أصحاب الدين والتزامهم بدينهم، فتزداد إذا ازداد التديّن وتنقص إنْ نقص، فإن الدين لا يعمل في حياة الناس ولا يغير الواقع بعصا سحرية ولا بالدعاوى والتمنيات، إنما يعمل الدينُ عملَه ويترك أثره ويحقق نتائجه الجليلة وفوائده المذهلة بمقدار حرص أهله على تطبيق أحكامه والالتزام الصادق بأوامره والابتعاد الحريص عن نواهيه، وهذا كله من المسلَّمات التي لا يجهلها إنسان.
هذا هو الفرق الجوهري بين الدين والقانون، فإن القانون الأرضي الصارم يستطيع أن ينظف المجتمع من السرقة والغش والاحتيال والاستغلال والاحتكار وسواها من الموبقات، كلياً أو جزئياً، ولكنه لا يستطيع -مهما وضع من جوائز وعقوبات- أن ينشر في المجتمع الرحمة والتكافل والبِرّ والصدق والاستقامة والوفاء والإحسان وسائر الخصال الحميدة التي تُسعد الأفراد وتُصلح المجتمعات، والتي يرغب فيها المتدينون ويُقبلون عليها رجاء الفوز والسعادة والفلاح في عالم غير منظور، عالم غيبي لا تدركه حواسهم ولكنهم يؤمنون بوجوده وبأنهم إليه صائرون، فيقدّمون الكثير في هذه الدنيا رجاء الحصول على الأكثر في الآخرة، ويزرعون حياتهم بالصالحات على أمل الحصاد في دار الخلود.
في الذكرى الثامنة: ثورة لن تموت
الثورة ليست حرباً بين جيوش لتنتهي بانحسار السيطرة العسكرية على الأرض، فقد بدأت ثورتنا وليس في يدها أرضٌ سوى الأرض التي مشت فيها قوافل الحرية في أول الأمر، شوارعُ وأزقّة وحاراتٌ وميادين تداولها الثوار والنظام، ساعات من بعض الأيام لنا وسائر الساعات والأيام لنظام الاحتلال. ونجحنا، وعاشت الثورة.
في آذار 2011 لم يكن في أيدي ثوار سوريا سلاح، ولا في نيسان ولا أيار ولا حزيران وتموز. عندما انتهت تلك السنة كانت لنا خمس كتائب صغيرة لا غير، وبدأنا السنة التالية وليس في سوريا كلها بطولها وعرضها ثلاثة آلاف ثائر مسلَّح، ولكنها كان فيها ثلاثة آلاف ألف ثائر حرّ حملوا في قلوبهم شعلة الثورة وانطلقوا بها في طريق الخوف والخطر غيرَ مبالين بالمخاوف والأخطار. ثَمّ وُلدت أعظم ثورة في التاريخ الحديث، وهنالك ازدهرت وشعَّت شُعاعاتُ شمسها حتى غطت أرض سوريا كلها بالأمل والنور.
الناس يموتون ولكن الثورة لا تموت. لقد أراد الله لهذه الثورة العظيمة أن تكون ثورة أجيال لا ثورة جيل واحد، ولقد انطلق في طريق الحرية شعبٌ طلب الحرية وأقسم أن ينالها الأولادُ إن لم ينَلْها الآباء، والأحفادُ إن لم ينلها الأولاد، وحَفَدةُ الأحفاد إن لم ينلها الأحفاد. مهما طال الطريق لا بد أن نبلغ الغاية ذات يوم بإذن الله، فالطغاة يموتون والشعوب تبقى ولا تموت؛ أشواق الحرية وأحلام الكرامة لا تموت، الثورة لا تموت.
#الثورة_مستمرة
الثورة ليست حرباً بين جيوش لتنتهي بانحسار السيطرة العسكرية على الأرض، فقد بدأت ثورتنا وليس في يدها أرضٌ سوى الأرض التي مشت فيها قوافل الحرية في أول الأمر، شوارعُ وأزقّة وحاراتٌ وميادين تداولها الثوار والنظام، ساعات من بعض الأيام لنا وسائر الساعات والأيام لنظام الاحتلال. ونجحنا، وعاشت الثورة.
في آذار 2011 لم يكن في أيدي ثوار سوريا سلاح، ولا في نيسان ولا أيار ولا حزيران وتموز. عندما انتهت تلك السنة كانت لنا خمس كتائب صغيرة لا غير، وبدأنا السنة التالية وليس في سوريا كلها بطولها وعرضها ثلاثة آلاف ثائر مسلَّح، ولكنها كان فيها ثلاثة آلاف ألف ثائر حرّ حملوا في قلوبهم شعلة الثورة وانطلقوا بها في طريق الخوف والخطر غيرَ مبالين بالمخاوف والأخطار. ثَمّ وُلدت أعظم ثورة في التاريخ الحديث، وهنالك ازدهرت وشعَّت شُعاعاتُ شمسها حتى غطت أرض سوريا كلها بالأمل والنور.
الناس يموتون ولكن الثورة لا تموت. لقد أراد الله لهذه الثورة العظيمة أن تكون ثورة أجيال لا ثورة جيل واحد، ولقد انطلق في طريق الحرية شعبٌ طلب الحرية وأقسم أن ينالها الأولادُ إن لم ينَلْها الآباء، والأحفادُ إن لم ينلها الأولاد، وحَفَدةُ الأحفاد إن لم ينلها الأحفاد. مهما طال الطريق لا بد أن نبلغ الغاية ذات يوم بإذن الله، فالطغاة يموتون والشعوب تبقى ولا تموت؛ أشواق الحرية وأحلام الكرامة لا تموت، الثورة لا تموت.
#الثورة_مستمرة
ودخلت السنة التاسعة
ما كان الطريق الطويل والمعاناة الهائلة مصيراً أردناه واخترناه، إنما أراد أهل سوريا أن يعيشوا بحرّية وكرامة وإنسانية وحسب، ولقد وَدّوا أنّ طريقاً غيرَ ذي شوك يوصلهم إلى الغاية التي يريدون، وشاء الله أن يُسلِكهم غيرَ ذاك الطريق، فسلكوا السبيل الشاق الطويل لأن التغيير كبير ثقيل. ولكنّ كل طريق لا بد له من نهاية، وكل ركب سيحطّ الرحال ذات يوم وإنْ طال الارتحال.
* * *
في أواخر سنوات الحرب العالمية الأولى الطويلة الكئيبة كان للمارشال فوش (القائد الأعلى لجيوش الحلفاء) سائق اسمه بيير، وكان زملاؤه كلما شاهدوه سألوه: متى تنتهي الحرب يا بيير؟ لا بد أنك تعلم بسبب علاقتك بالجنرال. فكان بيير يعدهم بأن يخبرهم إذا سمع من المارشال أي خبر. ثم جاءهم في أحد الأيام فقال: لقد تكلم المارشال اليوم. فسألوه باهتمام: وماذا قال؟ فأجابهم قائلاً: لقد نظر إليّ وقال: وأنت يا بيير، ماذا ترى؟ متى تنتهي هذه الحرب؟
ثم جاء وقت انتهت الحربُ فيه، ولكنْ بعد موتٍ ودمارٍ غير مسبوقَين في تاريخ العالم، لم يَفُقْهما هولاً وبشاعة إلا الموتُ والدمار اللذان جاءت بهما الحرب الثانية التي تفجّر بركانُها بعد انتهاء الأولى بعقدين. الحربان تركتا أوربا أقربَ إلى العصر الحجري، دمار ودماء وفناء في كل مكان، حتى إن دولاً فقدت واحداً من كل عشرة من سكانها، كألمانيا واليونان، ودولاً فقدت واحداً من كل سبعة، روسيا ولاتفيا ولتوانيا ويوغوسلافيا، أما بولندا فقد مُحيت من الخريطة بالكامل، وعندما عادت بلداً مستقلاً بعد الحرب كان واحد من كل خمسة من سكانها في عداد الأموات.
ثم نهضت تلك الدول واستعادت عافيتها وصارت واحات سلام واستقرار وبات الوصول إليها أملاً للمشردين والمعذبين في أنحاء الأرض، فنحن اليوم نغبط سكانها على الأمان والرخاء اللذين يعيشون فيهما، كما غبطونا على النعيم يوم عاشوا هم في الجحيم وعلى الرخاء يوم أنهكهم البلاء، يوم أحرقتهم نارُ الحربَين ولم يصلنا من شُواظها إلا أقل القليل.
* * *
يا أيها الناس: إنها عبرة التاريخ؛ الدنيا دَوّارة والأيام دول. يوماً ما ستنتهي هذه المأساة وتصبح أهوالها خبراً من أخبار الزمن الغابر كما غدت أخبار الحربين العالميتين، يوماً ما ستعود بلدنا درّة بين البلاد وينعم أهلها بالحرية والكرامة والرخاء والأمان. بالجِدّ والإصرار والصبر والصدق والإخلاص سنحقق ذلك كله بإذن الله. لن نحققه بالأمل والرجاء وحده ولا بالأمانيّ والأحلام، بل بالعمل الجاد المخلص وبالتوكل الحقيقي على الله، سنحققه بمشيئة الله ولو طال الطريق.
#الثورة_مستمرة
#ثورة_حتى_النصر
ما كان الطريق الطويل والمعاناة الهائلة مصيراً أردناه واخترناه، إنما أراد أهل سوريا أن يعيشوا بحرّية وكرامة وإنسانية وحسب، ولقد وَدّوا أنّ طريقاً غيرَ ذي شوك يوصلهم إلى الغاية التي يريدون، وشاء الله أن يُسلِكهم غيرَ ذاك الطريق، فسلكوا السبيل الشاق الطويل لأن التغيير كبير ثقيل. ولكنّ كل طريق لا بد له من نهاية، وكل ركب سيحطّ الرحال ذات يوم وإنْ طال الارتحال.
* * *
في أواخر سنوات الحرب العالمية الأولى الطويلة الكئيبة كان للمارشال فوش (القائد الأعلى لجيوش الحلفاء) سائق اسمه بيير، وكان زملاؤه كلما شاهدوه سألوه: متى تنتهي الحرب يا بيير؟ لا بد أنك تعلم بسبب علاقتك بالجنرال. فكان بيير يعدهم بأن يخبرهم إذا سمع من المارشال أي خبر. ثم جاءهم في أحد الأيام فقال: لقد تكلم المارشال اليوم. فسألوه باهتمام: وماذا قال؟ فأجابهم قائلاً: لقد نظر إليّ وقال: وأنت يا بيير، ماذا ترى؟ متى تنتهي هذه الحرب؟
ثم جاء وقت انتهت الحربُ فيه، ولكنْ بعد موتٍ ودمارٍ غير مسبوقَين في تاريخ العالم، لم يَفُقْهما هولاً وبشاعة إلا الموتُ والدمار اللذان جاءت بهما الحرب الثانية التي تفجّر بركانُها بعد انتهاء الأولى بعقدين. الحربان تركتا أوربا أقربَ إلى العصر الحجري، دمار ودماء وفناء في كل مكان، حتى إن دولاً فقدت واحداً من كل عشرة من سكانها، كألمانيا واليونان، ودولاً فقدت واحداً من كل سبعة، روسيا ولاتفيا ولتوانيا ويوغوسلافيا، أما بولندا فقد مُحيت من الخريطة بالكامل، وعندما عادت بلداً مستقلاً بعد الحرب كان واحد من كل خمسة من سكانها في عداد الأموات.
ثم نهضت تلك الدول واستعادت عافيتها وصارت واحات سلام واستقرار وبات الوصول إليها أملاً للمشردين والمعذبين في أنحاء الأرض، فنحن اليوم نغبط سكانها على الأمان والرخاء اللذين يعيشون فيهما، كما غبطونا على النعيم يوم عاشوا هم في الجحيم وعلى الرخاء يوم أنهكهم البلاء، يوم أحرقتهم نارُ الحربَين ولم يصلنا من شُواظها إلا أقل القليل.
* * *
يا أيها الناس: إنها عبرة التاريخ؛ الدنيا دَوّارة والأيام دول. يوماً ما ستنتهي هذه المأساة وتصبح أهوالها خبراً من أخبار الزمن الغابر كما غدت أخبار الحربين العالميتين، يوماً ما ستعود بلدنا درّة بين البلاد وينعم أهلها بالحرية والكرامة والرخاء والأمان. بالجِدّ والإصرار والصبر والصدق والإخلاص سنحقق ذلك كله بإذن الله. لن نحققه بالأمل والرجاء وحده ولا بالأمانيّ والأحلام، بل بالعمل الجاد المخلص وبالتوكل الحقيقي على الله، سنحققه بمشيئة الله ولو طال الطريق.
#الثورة_مستمرة
#ثورة_حتى_النصر
العيد هذا العام
ما هو آخر أيام رمضان ومتى سيبدأ عيد الفطر هذا العام؟ بفضل الله لن ينشأ اضطراب في تحديد بداية شوال هذه السنة لأن الظروف الفلكية واضحة جداً بحيث تدفع أي احتمال للوهم والالتباس بإذن الله.
من فضائل العصر الأخير هذا التقاربُ الذي بِتْنا نراه بين علماء الشريعة وعلماء الفلك، واعترافُ الهيئات الشرعية والمجامع الفقهية بأهمية وموثوقية الدراسات والأرصاد الفلكية في إثبات الشهور القمرية. وقد نشأ عن هذا التقارب والتفاهم والتكامل تقليصُ مساحة الخلاف بين بلدان العالم الإسلامي واجتنابُ الأخطاء الفاحشة التي كنا نراها ونحن صغار، وما أكثرَها في تلك الأيام! حتى إنني أذكر وأنا شاب يافع أن الشمس انكسفت صباح يوم عيد! والكسوف لا يكون إلا مع موت قمر قديم وولادة قمر جديد، أي أنه علامة فلكية جازمة تثبت أن الهلال الذي زعم الراؤون أنهم رأوه بعد غروب الشمس في الليلة السابقة لم يكن موجوداً أصلاً لأن القمر غاب قبل مغيب الشمس.
* * *
لقد ازداد نشاط وحضور علماء الفلك المسلمين في السنوات الأخيرة وصارت لهم مشاركة نافعة في إثبات الشهور القمرية التي تتعلق بها عبادات المسلمين، ولعل من أهم الهيئات الفلكية الإسلامية حالياً "مركز الفلك الدولي" الذي يقود "المشروع الإسلامي لرصد الأهلّة"، وهو مشروع كبير وُلد منذ أكثر من عشرين عاماً بدعم من الجمعية الفلكية الأردنية، ويشارك فيه حالياً مئات من الباحثين والراصدين وعلماء الفلك في معظم البلاد الإسلامية.
قبل بضعة أيام أصدر المركز بياناً وقّعه نحو ثلاثين عالماً من علماء الفلك المسلمين وأجمعوا فيه على أن شهر رمضان هذا العام سيكون ثلاثين يوماً، وأن يوم الأربعاء الخامس من حزيران (يونيو) هو أول أيام عيد الفطر المبارك، وذلك لاستحالة رؤية الهلال مساء السبت رغم ولادته الفلكية قبل الغروب بوقت قصير في العالم العربي وأوربا وأفريقيا، أما في أقطار الشرق الإسلامي فإنه سيغيب قبل غروب الشمس بقليل.
* * *
وقد راجعت بعض الجداول الفلكية واستخرجت منها أوقات غروب الشمس والقمر مساء السبت الثالث من حزيران، وهي مدرجة في آخر هذه المقالة الموجزة، ويظهر فيها بوضوح أن رؤية الهلال الوليد بعد غروب الشمس في حكم الاستحالة المطلقة، لأن الفاصلَ بين الغروبَين دقائقُ قليلة لا غير، والمسافة الزاويّة بين القمر والشمس ضئيلة جداً، وعمر القمر الجديد عند الغروب سيكون أقل من ست ساعات في جميع بلدان العالم الإسلامي.
ومن المعروف في علم الفلك أن إمكانية مشاهدة القمر الجديد تتفاوت بين الفصول وتتغير بحسب حالة السماء وقت الرصد (فتبلغ أحسن حالاتها في الربيع) إلا أن القمر الجديد لا يمكن أن يشاهَد بالعين المجردة حتى في أفضل الأوقات والأحوال إذا كان عمره أقل من سبع عشرة ساعة، أو كان ارتفاعه فوق الأفق عند غروب الشمس أقل من عشر درجات، كما أن الرؤية تكون مستحيلة إذا نقصت الاستطالة (المسافة الزاويّة بين الشمس والقمر) عن اثنتَي عشرة درجة. وهذه الظروف كلها غير متحققة في كل العالم (القديم والجديد) مساء السبت الثالث من حزيران، مما يجعل الاختلاف والالتباس هذا العام أمراً مستبعداً جداً بإذن الله.
إذن فإن أول أيام العيد هذا العام هو -بلا خلاف- الأربعاء الخامس من حزيران، وكل عام وأنتم والمسلمون جميعاً بخير.
(ملحق)
فيما يلي أوقات وزوايا غروب الشمس والقمر في بعض المدن العربية والأوربية مساء الإثنين الثالث من حزيران 2019، ويظهر فيها الفارق الضئيل بين الغروبَين في معظم المناطق، وغروب الجرمين معاً في برلين، وغروب القمر قبل غروب الشمس في الدول الإسكندنافية العالية (راجع خريطة المشاهَدة التي تضمنها بيان مركز الفلك الدولي في الرابط تحت المقالة):
مكة: الشمس 19:00 (294 درجة)، القمر 19:06 (291 درجة)
دمشق: الشمس 19:40 (298 درجة)، القمر 19:44 (294 درجة)
عمّان: الشمس 19:38 (297 درجة)، القمر 19:42 (294 درجة)
إسطنبول: الشمس 20:31 (301 درجة)، القمر 20:34 (297 درجة)
القاهرة: الشمس 18:52 (297 درجة)، القمر 18:58 (293 درجة)
الجزائر: الشمس 20:02 (299 درجة)، القمر 20:11 (296 درجة)
الرباط: الشمس 19:34 (298 درجة)، القمر 19:46 (295 درجة)
لندن: الشمس 21:10 (309 درجة)، القمر 21:13 (304 درجة)
جنيف: الشمس 21:20 (304 درجة)، القمر 21:25 (300 درجة)
آخن: الشمس 21:41 (308 درجة)، القمر 21:44 (303 درجة)
برلين: الشمس 21:21 (310 درجة)، القمر 21:21 (305 درجة)
ستوكهولم: الشمس 21:51 (320 درجة)، القمر 21:42 (313 درجة)
أوسلو: الشمس 22:26 (322 درجة)، القمر 22:17 (314 درجة)
رابط بيان مركز الفلك الدولي
http://www.icoproject.org/articles/2019/05/15/shw40
ما هو آخر أيام رمضان ومتى سيبدأ عيد الفطر هذا العام؟ بفضل الله لن ينشأ اضطراب في تحديد بداية شوال هذه السنة لأن الظروف الفلكية واضحة جداً بحيث تدفع أي احتمال للوهم والالتباس بإذن الله.
من فضائل العصر الأخير هذا التقاربُ الذي بِتْنا نراه بين علماء الشريعة وعلماء الفلك، واعترافُ الهيئات الشرعية والمجامع الفقهية بأهمية وموثوقية الدراسات والأرصاد الفلكية في إثبات الشهور القمرية. وقد نشأ عن هذا التقارب والتفاهم والتكامل تقليصُ مساحة الخلاف بين بلدان العالم الإسلامي واجتنابُ الأخطاء الفاحشة التي كنا نراها ونحن صغار، وما أكثرَها في تلك الأيام! حتى إنني أذكر وأنا شاب يافع أن الشمس انكسفت صباح يوم عيد! والكسوف لا يكون إلا مع موت قمر قديم وولادة قمر جديد، أي أنه علامة فلكية جازمة تثبت أن الهلال الذي زعم الراؤون أنهم رأوه بعد غروب الشمس في الليلة السابقة لم يكن موجوداً أصلاً لأن القمر غاب قبل مغيب الشمس.
* * *
لقد ازداد نشاط وحضور علماء الفلك المسلمين في السنوات الأخيرة وصارت لهم مشاركة نافعة في إثبات الشهور القمرية التي تتعلق بها عبادات المسلمين، ولعل من أهم الهيئات الفلكية الإسلامية حالياً "مركز الفلك الدولي" الذي يقود "المشروع الإسلامي لرصد الأهلّة"، وهو مشروع كبير وُلد منذ أكثر من عشرين عاماً بدعم من الجمعية الفلكية الأردنية، ويشارك فيه حالياً مئات من الباحثين والراصدين وعلماء الفلك في معظم البلاد الإسلامية.
قبل بضعة أيام أصدر المركز بياناً وقّعه نحو ثلاثين عالماً من علماء الفلك المسلمين وأجمعوا فيه على أن شهر رمضان هذا العام سيكون ثلاثين يوماً، وأن يوم الأربعاء الخامس من حزيران (يونيو) هو أول أيام عيد الفطر المبارك، وذلك لاستحالة رؤية الهلال مساء السبت رغم ولادته الفلكية قبل الغروب بوقت قصير في العالم العربي وأوربا وأفريقيا، أما في أقطار الشرق الإسلامي فإنه سيغيب قبل غروب الشمس بقليل.
* * *
وقد راجعت بعض الجداول الفلكية واستخرجت منها أوقات غروب الشمس والقمر مساء السبت الثالث من حزيران، وهي مدرجة في آخر هذه المقالة الموجزة، ويظهر فيها بوضوح أن رؤية الهلال الوليد بعد غروب الشمس في حكم الاستحالة المطلقة، لأن الفاصلَ بين الغروبَين دقائقُ قليلة لا غير، والمسافة الزاويّة بين القمر والشمس ضئيلة جداً، وعمر القمر الجديد عند الغروب سيكون أقل من ست ساعات في جميع بلدان العالم الإسلامي.
ومن المعروف في علم الفلك أن إمكانية مشاهدة القمر الجديد تتفاوت بين الفصول وتتغير بحسب حالة السماء وقت الرصد (فتبلغ أحسن حالاتها في الربيع) إلا أن القمر الجديد لا يمكن أن يشاهَد بالعين المجردة حتى في أفضل الأوقات والأحوال إذا كان عمره أقل من سبع عشرة ساعة، أو كان ارتفاعه فوق الأفق عند غروب الشمس أقل من عشر درجات، كما أن الرؤية تكون مستحيلة إذا نقصت الاستطالة (المسافة الزاويّة بين الشمس والقمر) عن اثنتَي عشرة درجة. وهذه الظروف كلها غير متحققة في كل العالم (القديم والجديد) مساء السبت الثالث من حزيران، مما يجعل الاختلاف والالتباس هذا العام أمراً مستبعداً جداً بإذن الله.
إذن فإن أول أيام العيد هذا العام هو -بلا خلاف- الأربعاء الخامس من حزيران، وكل عام وأنتم والمسلمون جميعاً بخير.
(ملحق)
فيما يلي أوقات وزوايا غروب الشمس والقمر في بعض المدن العربية والأوربية مساء الإثنين الثالث من حزيران 2019، ويظهر فيها الفارق الضئيل بين الغروبَين في معظم المناطق، وغروب الجرمين معاً في برلين، وغروب القمر قبل غروب الشمس في الدول الإسكندنافية العالية (راجع خريطة المشاهَدة التي تضمنها بيان مركز الفلك الدولي في الرابط تحت المقالة):
مكة: الشمس 19:00 (294 درجة)، القمر 19:06 (291 درجة)
دمشق: الشمس 19:40 (298 درجة)، القمر 19:44 (294 درجة)
عمّان: الشمس 19:38 (297 درجة)، القمر 19:42 (294 درجة)
إسطنبول: الشمس 20:31 (301 درجة)، القمر 20:34 (297 درجة)
القاهرة: الشمس 18:52 (297 درجة)، القمر 18:58 (293 درجة)
الجزائر: الشمس 20:02 (299 درجة)، القمر 20:11 (296 درجة)
الرباط: الشمس 19:34 (298 درجة)، القمر 19:46 (295 درجة)
لندن: الشمس 21:10 (309 درجة)، القمر 21:13 (304 درجة)
جنيف: الشمس 21:20 (304 درجة)، القمر 21:25 (300 درجة)
آخن: الشمس 21:41 (308 درجة)، القمر 21:44 (303 درجة)
برلين: الشمس 21:21 (310 درجة)، القمر 21:21 (305 درجة)
ستوكهولم: الشمس 21:51 (320 درجة)، القمر 21:42 (313 درجة)
أوسلو: الشمس 22:26 (322 درجة)، القمر 22:17 (314 درجة)
رابط بيان مركز الفلك الدولي
http://www.icoproject.org/articles/2019/05/15/shw40
صدقة الفطر بين المال والطعام
لا أدري لماذا يحبّ بعض الناس إثارة هذه المسألة الخلافية كل عام وكأنها أمّ المسائل وأصل الشريعة التي ليس فيها خلاف وتنوع يَسَعُ الناس!
أخرِجوها قُوتاً ولا حرج أو ادفعوها نقداً ولا حرج، فكلاهما مذهب صحيح يمكن لمَن ارتاح إليه أن يعمل به، ولا يجوز لأحد أن ينكر صحّة أحد المذهبين ولا أن ينهى الناسَ عنه تعصباً لمذهبه واختياره.
وليعلم كل واحد أنها مسألة خلافية بين أهل العلم وأن لكلّ رأي دليلَه الرصين، وفي الخلاف فيها توسعة على الناس، وأن المهم ليس أن نقرر أيٌّ هو الأصح بين قولين صحيحين، بل المهم أن لا تغدو أمتنا شِيَعاً وأشتاتاً من أجل مسائل هي من فروع العبادات.
وكل عام وأمة محمد بخير
لا أدري لماذا يحبّ بعض الناس إثارة هذه المسألة الخلافية كل عام وكأنها أمّ المسائل وأصل الشريعة التي ليس فيها خلاف وتنوع يَسَعُ الناس!
أخرِجوها قُوتاً ولا حرج أو ادفعوها نقداً ولا حرج، فكلاهما مذهب صحيح يمكن لمَن ارتاح إليه أن يعمل به، ولا يجوز لأحد أن ينكر صحّة أحد المذهبين ولا أن ينهى الناسَ عنه تعصباً لمذهبه واختياره.
وليعلم كل واحد أنها مسألة خلافية بين أهل العلم وأن لكلّ رأي دليلَه الرصين، وفي الخلاف فيها توسعة على الناس، وأن المهم ليس أن نقرر أيٌّ هو الأصح بين قولين صحيحين، بل المهم أن لا تغدو أمتنا شِيَعاً وأشتاتاً من أجل مسائل هي من فروع العبادات.
وكل عام وأمة محمد بخير
العيدُ مع الناس، ومَن شَذّ فقد جانبَ الصواب
سألني إخوة كثيرون فأجبتهم وكررت الجواب على العام والخاص خلال الأيام القليلة الماضية عشرات مرات، وأعيد التأكيد هنا بكلمة وجيزة نشرتُ مثلَها في مثل هذا اليوم من السنة الماضية والتي قبلها، وأحسب أنني سأكرر نشرها في السنوات الآتيات:
مهما يكن الرأي الذي يحمله الواحدُ منا أو يميل إليه بشأن الصوم والفطر فلا ينبغي أن يدفعه رأيُه إلى مخالفة الجماعة، فعلى كل مسلم في أي بلد في الدنيا أن يصوم ويفطر مع الناس في البلد الذي يقيم فيه، ولا عبرة بقناعاته وأفكاره ولا بمواقيت الصوم والفطر في بلده الأم، لأن الصيام مرتبط بالأرض التي يقيم المرء فيها وليس بجواز السفر الذي يحمله.
مَن كان مقيماً في تركيا فليَصُمْ ويفطر مع أهلها، ومن كان في البلدان الأوربية والأمريكية شمالاً وجنوباً فمرجعه الاتحادات والمراكز الإسلامية حيث يقيم، أما السوريون في المناطق المحررة فإن لهم مرجعية شرعية ينبغي أن يتلقّوا عنها ويلتزموا بما يصدر عنها، هي "المجلس الإسلامي السوري" الذي يضم نخبة من العلماء الثقات المعتبَرين.
إن وَحدة الأمة من الأصول الكبرى في الدين وتفريقها من الكبائر التي تسبب الفشل وضياع البركة، وقد أنكر ابن مسعود على عثمان إتمام الصلاة في السفر ثم صلى خلفه مُتِمّاً (مخالفاً قناعتَه الخاصة) وقال: "الخلاف شر". وما تذهب إليه بعض الدول الإسلامية والاتحادات والمنظمات الإسلامية في الغرب من الاعتماد على الحساب الفلكي وحده لإثبات الشهر مذهب ضعيف لكنه صحيح، ووَحدةُ الجماعة على رأي مرجوح ضعيف خيرٌ ألفَ مرة من إنهاكها بالجدل وتشقيق صفوفها وتفريقها إلى شيع وأحزاب.
وكل عام وأنتم والمسلمون جميعاً في العالم كله بخير وعافية وفضل من الله.
سألني إخوة كثيرون فأجبتهم وكررت الجواب على العام والخاص خلال الأيام القليلة الماضية عشرات مرات، وأعيد التأكيد هنا بكلمة وجيزة نشرتُ مثلَها في مثل هذا اليوم من السنة الماضية والتي قبلها، وأحسب أنني سأكرر نشرها في السنوات الآتيات:
مهما يكن الرأي الذي يحمله الواحدُ منا أو يميل إليه بشأن الصوم والفطر فلا ينبغي أن يدفعه رأيُه إلى مخالفة الجماعة، فعلى كل مسلم في أي بلد في الدنيا أن يصوم ويفطر مع الناس في البلد الذي يقيم فيه، ولا عبرة بقناعاته وأفكاره ولا بمواقيت الصوم والفطر في بلده الأم، لأن الصيام مرتبط بالأرض التي يقيم المرء فيها وليس بجواز السفر الذي يحمله.
مَن كان مقيماً في تركيا فليَصُمْ ويفطر مع أهلها، ومن كان في البلدان الأوربية والأمريكية شمالاً وجنوباً فمرجعه الاتحادات والمراكز الإسلامية حيث يقيم، أما السوريون في المناطق المحررة فإن لهم مرجعية شرعية ينبغي أن يتلقّوا عنها ويلتزموا بما يصدر عنها، هي "المجلس الإسلامي السوري" الذي يضم نخبة من العلماء الثقات المعتبَرين.
إن وَحدة الأمة من الأصول الكبرى في الدين وتفريقها من الكبائر التي تسبب الفشل وضياع البركة، وقد أنكر ابن مسعود على عثمان إتمام الصلاة في السفر ثم صلى خلفه مُتِمّاً (مخالفاً قناعتَه الخاصة) وقال: "الخلاف شر". وما تذهب إليه بعض الدول الإسلامية والاتحادات والمنظمات الإسلامية في الغرب من الاعتماد على الحساب الفلكي وحده لإثبات الشهر مذهب ضعيف لكنه صحيح، ووَحدةُ الجماعة على رأي مرجوح ضعيف خيرٌ ألفَ مرة من إنهاكها بالجدل وتشقيق صفوفها وتفريقها إلى شيع وأحزاب.
وكل عام وأنتم والمسلمون جميعاً في العالم كله بخير وعافية وفضل من الله.
كن مبادراً رائداً، لا تكن واحداً من الواحِدين
يتفاوت الناس بين قلّة حاملة وكثرة محمولة، أو إن شئت: قلّة دافعة وكثرة مدفوعة. فالقلة يشقّون الطرق والكثرة يتبعون ويقلدون، القلة يبادرون ويتقدمون في المُلِمّات المُهمّات والكثرة ينتظرون مَن يرشدهم إلى ما يصنعون، يقول قائلهم: إنما أنا واحد من الواحدين! وهذا من معاني قوله صلى الله عليه وسلم: "الناس كالإبل المئة لا تكاد تجد فيها راحلة"، أي أن المتميزين الملهِمين والقادة المتبوعين قد لا يزيدون على واحد في المئة من الناس.
هؤلاء القلّة هم الذين يحددون المسارات ويجددون الطاقات، وهم الذين يحركون الناس ويَمدّونهم بالتفاؤل والأمل، ويبعثون الروح في البدن المكدود ويشقون الطرق الجديدة عندما تصل القافلة إلى طريق مسدود. ليس لهؤلاء "الرواحل" صفة محدّدة كالسن العالي أو الشهادة المتخصصة أو العلم الشرعي الغزير، بل يكفي أن يجتمع فيهم الإخلاص مع العقل الواعي والقلب الحيّ والهمة العليّة والمبادرة الذاتية والتقدير السليم.
* * *
عندما تشتد المحنة نحتاج إلى الرواحل أكثرَ من أي وقت، وقد وجدت بالملاحظة الدائبة أن كثيرين منهم يفرون من الميدان، إما لأنهم لا يعلمون أنهم من ذلك الصنف من الناس أصلاً، أو لأنهم يخشَون الفشل ويهابون المسؤولية وعواقبها الجِسام، فتراهم يتهربون ويتردّدون.
لكن الظروف الاستثنائية لا تحتمل التردد. عندما يقصف العدو مدننا بالبراميل وتنهار العمارة فوق ساكنيها لا ينتظر أصحابُ الهمة والمبادرة فرقَ الدفاع المدني وطواقمَ الإنقاذ المحترفة، بل يندفعون إلى العمل بوازع ذاتي يُمليه الإحساس بالواجب ويحركه الضمير، وهم يعلمون أن التردد والتأخر في الإنقاذ قد يكون فيصلاً بين الموت والحياة بالنسبة لبعض الناس. كذلك الشأن في علاج المصابين وإطعام الجائعين وإيواء المشردين وإغاثة المنكوبين، دائماً نجد من يتحرك من ذاته، من داخله، فهو يفتح الباب ويمهّد الطريق للآخرين الذين يأتون وراءه بعد حين.
* * *
لقد غيرت ثورتنا العظيمة الكثيرَ من المسلَّمات والمفاهيم، فلم تعد القيادة والمبادرة منتظَرة من طبقة عالية من الناس أو فئة مختارة منهم دون سواهم ولا هي محتكَرة فيهم؛ لقد صارت متوقَّعة من أشخاص عاديين مثلي ومثلك ومثل أخيك وجارك ورفيقك وكثيرين من أغمار الناس.
فلا تنتظر ولا تتردد يا صاحب الهمة العلية والنظر العميق والضمير الحي والوجدان النبيل، بل امضِ في دربك وشق طريقك في الحياة. ولا تستوحش لو مشيت فرداً في طريقٍ قَلَّ سالكوه، فسرعان ما تزدحم الطرق الجديدة بالسالكين، ومَن شقّ طريق خير تبعه فيه الناس فهو شريكهم في الثواب، كما في الحديث الصحيح: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً"، والحديث الآخر الجميل: "من دَلّ على خير فله مثل أجر فاعله".
* * *
يتفاوت الناس بين قلّة حاملة وكثرة محمولة، أو إن شئت: قلّة دافعة وكثرة مدفوعة. فالقلة يشقّون الطرق والكثرة يتبعون ويقلدون، القلة يبادرون ويتقدمون في المُلِمّات المُهمّات والكثرة ينتظرون مَن يرشدهم إلى ما يصنعون، يقول قائلهم: إنما أنا واحد من الواحدين! وهذا من معاني قوله صلى الله عليه وسلم: "الناس كالإبل المئة لا تكاد تجد فيها راحلة"، أي أن المتميزين الملهِمين والقادة المتبوعين قد لا يزيدون على واحد في المئة من الناس.
هؤلاء القلّة هم الذين يحددون المسارات ويجددون الطاقات، وهم الذين يحركون الناس ويَمدّونهم بالتفاؤل والأمل، ويبعثون الروح في البدن المكدود ويشقون الطرق الجديدة عندما تصل القافلة إلى طريق مسدود. ليس لهؤلاء "الرواحل" صفة محدّدة كالسن العالي أو الشهادة المتخصصة أو العلم الشرعي الغزير، بل يكفي أن يجتمع فيهم الإخلاص مع العقل الواعي والقلب الحيّ والهمة العليّة والمبادرة الذاتية والتقدير السليم.
* * *
عندما تشتد المحنة نحتاج إلى الرواحل أكثرَ من أي وقت، وقد وجدت بالملاحظة الدائبة أن كثيرين منهم يفرون من الميدان، إما لأنهم لا يعلمون أنهم من ذلك الصنف من الناس أصلاً، أو لأنهم يخشَون الفشل ويهابون المسؤولية وعواقبها الجِسام، فتراهم يتهربون ويتردّدون.
لكن الظروف الاستثنائية لا تحتمل التردد. عندما يقصف العدو مدننا بالبراميل وتنهار العمارة فوق ساكنيها لا ينتظر أصحابُ الهمة والمبادرة فرقَ الدفاع المدني وطواقمَ الإنقاذ المحترفة، بل يندفعون إلى العمل بوازع ذاتي يُمليه الإحساس بالواجب ويحركه الضمير، وهم يعلمون أن التردد والتأخر في الإنقاذ قد يكون فيصلاً بين الموت والحياة بالنسبة لبعض الناس. كذلك الشأن في علاج المصابين وإطعام الجائعين وإيواء المشردين وإغاثة المنكوبين، دائماً نجد من يتحرك من ذاته، من داخله، فهو يفتح الباب ويمهّد الطريق للآخرين الذين يأتون وراءه بعد حين.
* * *
لقد غيرت ثورتنا العظيمة الكثيرَ من المسلَّمات والمفاهيم، فلم تعد القيادة والمبادرة منتظَرة من طبقة عالية من الناس أو فئة مختارة منهم دون سواهم ولا هي محتكَرة فيهم؛ لقد صارت متوقَّعة من أشخاص عاديين مثلي ومثلك ومثل أخيك وجارك ورفيقك وكثيرين من أغمار الناس.
فلا تنتظر ولا تتردد يا صاحب الهمة العلية والنظر العميق والضمير الحي والوجدان النبيل، بل امضِ في دربك وشق طريقك في الحياة. ولا تستوحش لو مشيت فرداً في طريقٍ قَلَّ سالكوه، فسرعان ما تزدحم الطرق الجديدة بالسالكين، ومَن شقّ طريق خير تبعه فيه الناس فهو شريكهم في الثواب، كما في الحديث الصحيح: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً"، والحديث الآخر الجميل: "من دَلّ على خير فله مثل أجر فاعله".
* * *
الأمة القوية العظيمة والأمة الهيّنة الضعيفة
لقد ألِفنا الشكوى والبكاء حتى صرنا أمة من الشكّائين البَكّائين، نصرّم أعمارنا ونحن نبكي حالنا ونشكو ضعفنا وتخلّفنا وهواننا على الأمم. ولعلنا نجد في الشكوى والبكاء بعضَ عزاء، ولكنّ ألفَ قصيدة رثاء على قبر الميت لا ترده إلى الحياة، وبراميلَ من الدمع على سرير المريض لا تشفيه من الداء.
فبدلاً من بكاء لا يفيد إلا تبليل الوسائد في الليل واستهلاك المناديل في النهار انظر إلى نفسك واسأل: ماذا أنا؟ أين أنا من الحالة التي أتمناها لأمّتي؟
* * *
جوهر المشكلة هو أن كل واحد فينا ينظر إلى الأمة على أنها كيان جامد منفصل عن ذاته، كما ينظر السائح إلى الجبل الشاهق والمسافرُ إلى البحر المحيط. لكن الجبل الهائل ليس سوى ملايين وملايين من حبات التراب والبحر الواسع ليس إلا ملايين وملايين من قطرات الماء. والأمة ما هي؟ إنما هي ملايين وملايين من أفراد الناس.
أرأيت إلى البحر المالح تعاف ماءه والنهر العذب تغرف منه وتشرب؟ الأول هو اجتماع ملايين وملايين من القطرات المالحة والثاني هو اجتماع ملايين وملايين من القطرات العذبة. بمُلوحة كل قطرة من قطرات البحر صار البحر مالحاً أجاجاً، وبعُذوبة كل قطرة من قطرات النهر صار النهر عذباً سائغاً للشاربين.
وكذلك الأمة يا صديقي؛ هي أنت وأنا وهو وهي وهم وهُنّ والآخرون جميعاً والأُخرَيات. فمليون وملايين من الضعفاء يصنعون أمة ضعيفة ومليون وملايين من الأقوياء يصنعون أمة قوية، وقل مثل ذلك في العلم والوعي والثقافة والنظافة والتهذيب والتسامح والأمانة والإتقان وما شئت من صفات.
* * *
فأيّما صفة أردتها في أمتك فحققها في نفسك أولاً، ولا تيأس إذا لم تقطف ثمرة معجَّلة، فلا بد أن يتأثر بك غيرُك وغيرُكما بكما وآخرون بالأوّلين، فينتشر الخيرُ الذي تريد ولو طال الزمان.
لو أردت أن تصبح الأمة صالحة واعية فاعلة فلا تنتظر غيرك ليصبح كذلك، بل ابدأ بنفسك فكن صالحاً واعياً فاعلاً، وسوف تنتقل هذه الصفات بالعدوى إلى مَن تتعامل معهم وتؤثر فيهم من الأقربين، وهؤلاء سيُعْدون غيرهم مع الوقت، فتبدأ بُقَعٌ صغيرة من الضوء بالانتشار ويبدأ الظلام الطاغي الذي نعيش فيه منذ دهر بالانحسار. أمَا قالوا إن إضاءة شمعة صغيرة خيرٌ من هجاء الظلام ألف عام؟
ولا تستهِنْ بذرة من خير تبذله في هذا السبيل، فميزان الله يقيس الذرة وما دونها ويجزي بها: {فمن يعمل مثقال ذرّة خيراً يَرَه}، فإن لم تجد ثمرة عملك في الدنيا وجدتها في صحيفتك يوم الحساب.
* * *
لقد ألِفنا الشكوى والبكاء حتى صرنا أمة من الشكّائين البَكّائين، نصرّم أعمارنا ونحن نبكي حالنا ونشكو ضعفنا وتخلّفنا وهواننا على الأمم. ولعلنا نجد في الشكوى والبكاء بعضَ عزاء، ولكنّ ألفَ قصيدة رثاء على قبر الميت لا ترده إلى الحياة، وبراميلَ من الدمع على سرير المريض لا تشفيه من الداء.
فبدلاً من بكاء لا يفيد إلا تبليل الوسائد في الليل واستهلاك المناديل في النهار انظر إلى نفسك واسأل: ماذا أنا؟ أين أنا من الحالة التي أتمناها لأمّتي؟
* * *
جوهر المشكلة هو أن كل واحد فينا ينظر إلى الأمة على أنها كيان جامد منفصل عن ذاته، كما ينظر السائح إلى الجبل الشاهق والمسافرُ إلى البحر المحيط. لكن الجبل الهائل ليس سوى ملايين وملايين من حبات التراب والبحر الواسع ليس إلا ملايين وملايين من قطرات الماء. والأمة ما هي؟ إنما هي ملايين وملايين من أفراد الناس.
أرأيت إلى البحر المالح تعاف ماءه والنهر العذب تغرف منه وتشرب؟ الأول هو اجتماع ملايين وملايين من القطرات المالحة والثاني هو اجتماع ملايين وملايين من القطرات العذبة. بمُلوحة كل قطرة من قطرات البحر صار البحر مالحاً أجاجاً، وبعُذوبة كل قطرة من قطرات النهر صار النهر عذباً سائغاً للشاربين.
وكذلك الأمة يا صديقي؛ هي أنت وأنا وهو وهي وهم وهُنّ والآخرون جميعاً والأُخرَيات. فمليون وملايين من الضعفاء يصنعون أمة ضعيفة ومليون وملايين من الأقوياء يصنعون أمة قوية، وقل مثل ذلك في العلم والوعي والثقافة والنظافة والتهذيب والتسامح والأمانة والإتقان وما شئت من صفات.
* * *
فأيّما صفة أردتها في أمتك فحققها في نفسك أولاً، ولا تيأس إذا لم تقطف ثمرة معجَّلة، فلا بد أن يتأثر بك غيرُك وغيرُكما بكما وآخرون بالأوّلين، فينتشر الخيرُ الذي تريد ولو طال الزمان.
لو أردت أن تصبح الأمة صالحة واعية فاعلة فلا تنتظر غيرك ليصبح كذلك، بل ابدأ بنفسك فكن صالحاً واعياً فاعلاً، وسوف تنتقل هذه الصفات بالعدوى إلى مَن تتعامل معهم وتؤثر فيهم من الأقربين، وهؤلاء سيُعْدون غيرهم مع الوقت، فتبدأ بُقَعٌ صغيرة من الضوء بالانتشار ويبدأ الظلام الطاغي الذي نعيش فيه منذ دهر بالانحسار. أمَا قالوا إن إضاءة شمعة صغيرة خيرٌ من هجاء الظلام ألف عام؟
ولا تستهِنْ بذرة من خير تبذله في هذا السبيل، فميزان الله يقيس الذرة وما دونها ويجزي بها: {فمن يعمل مثقال ذرّة خيراً يَرَه}، فإن لم تجد ثمرة عملك في الدنيا وجدتها في صحيفتك يوم الحساب.
* * *
نَقدٌ يَبني ونَقدٌ يهدم
حينما كان أولادي صغاراً كانوا يتابعون مسلسل "السنافر" الكرتوني، ولاحظت أن إحدى الشخصيات السنفورية تتلبّس صفةَ السخط الدائم، واسمه "سنفور غضبان"، فقلت لهم مرة: إياكم أن يكون أحد منكم كالسنفور الغاضب، فإنه لم يصنع شيئاً في مئة حلقة سوى التسخّط والتبرّم والمشاكسة والرفض والغضب، لم يُصلح عيباً ولم يقوّم اعوجاجاً قط، لأنه ينتهج المنهج السلبي الهدّام وليس المنهج الإيجابي البنّاء.
الفرق بين المنهجين يشبه الفرق بين منهجَي الأب العاقل والأب الأحمق. الأحمق يقول لولده كلما أخطأ: أنت ولد فاشل لا أمل فيك، كل الأولاد خير منك، يؤسفني أنني لم أحقق فيك آمالي... إلى آخر تلك العبارات المهدِّمة المحطِّمة. الأب العاقل لا يصنع ذلك، بل يقول لولده: أنت من أحسن الأولاد وأنا راض عنك، لكنك تستطيع أن تكون أفضل لو أنك صنعت كذا... وأمثال تلك العبارات المشحونة بالإيجابية والتشجيع.
* * *
ما أقلَّ حاجتنَا لنقد يَهدم وما أشدَّها لنقد يَبني. ليتنا إذا رأينا خطأ في "كتاب الأعمال" أشرنا إلى المشكلة وبحثنا عن العلاج ولم نطمس صفحات الكتاب كلها بالسواد.
إن التنبيه إلى الخطأ والتحذير من الخطر عمل محمودٌ ما اقتصر على أخطاء وأخطار محددة بأعيانها، أما النقد المستمر لكل عمل والهدم الدائم لكل بناء فإنه عمل قبيح. عرفت في سنوات الثورة الأولى رجلاً سلبياً مخذّلاً متشائماً لا يكاد يكتب كلمة إلا طعناً وتشكيكاً في الفصائل العسكرية والهيئات السياسية والمنظمات الإغاثية والمنابر الدعوية والإعلامية وسائر مؤسسات الثورة ورموزها، وكنت أحاوره فأقر له ببعض ما يقول وأردّ بعضاً، وأدعوه إلى الإنصاف ومقابلة الإيجابيات بالسلبيات والتمييز بين مَن جانَبَ الصواب مرة ومَن لم يهتدِ إلى صواب قط. فلما مضى في منهجه السلبي الهدام زهدتُ فيه فصرت أمرّر رسائله من مجلد الواردات إلى سلّة المهملات ولا أقرأ فيها كلمة.
* * *
فهَوناً هَوناً يا كرام. لنقدّمْ حسنَ الظن على سوئه، لنميز بين عدو وصديق، وبين مجتهد صالح قليل العثرات وفاسد شرير غارق في الشر والفساد. لنبحث عن الإيجابيات والمنجزات فنذكرها بخير، وعن السلبيات والإخفاقات فننبّه إليها برفق ولين. وأخيراً: من رأى ذبابة حطّت على رأس أخيه فليصرفها بطرف يده ولا يضربه على رأسه بمطرقة من حديد.
حينما كان أولادي صغاراً كانوا يتابعون مسلسل "السنافر" الكرتوني، ولاحظت أن إحدى الشخصيات السنفورية تتلبّس صفةَ السخط الدائم، واسمه "سنفور غضبان"، فقلت لهم مرة: إياكم أن يكون أحد منكم كالسنفور الغاضب، فإنه لم يصنع شيئاً في مئة حلقة سوى التسخّط والتبرّم والمشاكسة والرفض والغضب، لم يُصلح عيباً ولم يقوّم اعوجاجاً قط، لأنه ينتهج المنهج السلبي الهدّام وليس المنهج الإيجابي البنّاء.
الفرق بين المنهجين يشبه الفرق بين منهجَي الأب العاقل والأب الأحمق. الأحمق يقول لولده كلما أخطأ: أنت ولد فاشل لا أمل فيك، كل الأولاد خير منك، يؤسفني أنني لم أحقق فيك آمالي... إلى آخر تلك العبارات المهدِّمة المحطِّمة. الأب العاقل لا يصنع ذلك، بل يقول لولده: أنت من أحسن الأولاد وأنا راض عنك، لكنك تستطيع أن تكون أفضل لو أنك صنعت كذا... وأمثال تلك العبارات المشحونة بالإيجابية والتشجيع.
* * *
ما أقلَّ حاجتنَا لنقد يَهدم وما أشدَّها لنقد يَبني. ليتنا إذا رأينا خطأ في "كتاب الأعمال" أشرنا إلى المشكلة وبحثنا عن العلاج ولم نطمس صفحات الكتاب كلها بالسواد.
إن التنبيه إلى الخطأ والتحذير من الخطر عمل محمودٌ ما اقتصر على أخطاء وأخطار محددة بأعيانها، أما النقد المستمر لكل عمل والهدم الدائم لكل بناء فإنه عمل قبيح. عرفت في سنوات الثورة الأولى رجلاً سلبياً مخذّلاً متشائماً لا يكاد يكتب كلمة إلا طعناً وتشكيكاً في الفصائل العسكرية والهيئات السياسية والمنظمات الإغاثية والمنابر الدعوية والإعلامية وسائر مؤسسات الثورة ورموزها، وكنت أحاوره فأقر له ببعض ما يقول وأردّ بعضاً، وأدعوه إلى الإنصاف ومقابلة الإيجابيات بالسلبيات والتمييز بين مَن جانَبَ الصواب مرة ومَن لم يهتدِ إلى صواب قط. فلما مضى في منهجه السلبي الهدام زهدتُ فيه فصرت أمرّر رسائله من مجلد الواردات إلى سلّة المهملات ولا أقرأ فيها كلمة.
* * *
فهَوناً هَوناً يا كرام. لنقدّمْ حسنَ الظن على سوئه، لنميز بين عدو وصديق، وبين مجتهد صالح قليل العثرات وفاسد شرير غارق في الشر والفساد. لنبحث عن الإيجابيات والمنجزات فنذكرها بخير، وعن السلبيات والإخفاقات فننبّه إليها برفق ولين. وأخيراً: من رأى ذبابة حطّت على رأس أخيه فليصرفها بطرف يده ولا يضربه على رأسه بمطرقة من حديد.
من طل الملوحي إلى أسود الجيش الوطني
منذ نحو عشر سنوات كتبت طَلّ في مدوّنتها قبل أن تختفي في عالم الظلام: "سأمشي مع الماشين، لن أقف بلا حراك أراقب موكب العابرين، فهذي بلادي".
فَكّ الله أسرك يا طل وفك أسرَ أسيراتنا وأسرانا جميعاً في سجون الاحتلال الأسدي الطائفي الملعون، وبارك الله في اليد التي كتب هذه الكلمات التي كانت هُتافاً فَرداً على لسانك ذات يوم فباتت اليوم نشيدَ الجموع في الأراضي المحررة.
لن نقف ساكتين ساكنين ونترك أرضنا للضياع، لن نقف بلا حراك نراقب مواكب العابرين، فهذه أرضنا وهذي بلادنا التي سندفع عنها العدو اللئيم ونفديها بالأرواح والدماء.
أصيخي السمع حيث كنتِ يا طل وانظري: ها هم أهل الأرض يحمون الأرض ويروونها بالدماء، ها هم جنود الثورة ملتحمين فيها في ملاحم الفداء، ها هم أسود الجيش الوطني وقد هَبّوا يلبّون النداء. ها هم جميعاً يَشْدون ويهتفون: لن نتخاذل لن نستسلم لن نَهون، أرضنا لنا، لن نتركها للأعداء.
#صامدون
#الثورة_مستمرة
#الجيش_الوطني_جيش_الثورة
منذ نحو عشر سنوات كتبت طَلّ في مدوّنتها قبل أن تختفي في عالم الظلام: "سأمشي مع الماشين، لن أقف بلا حراك أراقب موكب العابرين، فهذي بلادي".
فَكّ الله أسرك يا طل وفك أسرَ أسيراتنا وأسرانا جميعاً في سجون الاحتلال الأسدي الطائفي الملعون، وبارك الله في اليد التي كتب هذه الكلمات التي كانت هُتافاً فَرداً على لسانك ذات يوم فباتت اليوم نشيدَ الجموع في الأراضي المحررة.
لن نقف ساكتين ساكنين ونترك أرضنا للضياع، لن نقف بلا حراك نراقب مواكب العابرين، فهذه أرضنا وهذي بلادنا التي سندفع عنها العدو اللئيم ونفديها بالأرواح والدماء.
أصيخي السمع حيث كنتِ يا طل وانظري: ها هم أهل الأرض يحمون الأرض ويروونها بالدماء، ها هم جنود الثورة ملتحمين فيها في ملاحم الفداء، ها هم أسود الجيش الوطني وقد هَبّوا يلبّون النداء. ها هم جميعاً يَشْدون ويهتفون: لن نتخاذل لن نستسلم لن نَهون، أرضنا لنا، لن نتركها للأعداء.
#صامدون
#الثورة_مستمرة
#الجيش_الوطني_جيش_الثورة
نثق بربّنا وبقضيتنا وأنفسنا ونكمل الطريق
في أوقات الضيق والكرب والضغط الشديد، عندما يَثقُل الحِمل ويعظم الهَمّ ويظن المرء أنه فاض كَيلُه ولم يبقَ في قوس صبره مِنْزَع، عندها يحتاج المرء إلى ثلاثة أنواع من الثقة لينجو من المحنة وينجح في البقاء.
في المقام الأعلى الثقة بالله، وجوهرُها الثقة بمعيّة الله ولطفِ تقديره وحُسنِ اختياره للعباد، سواء ظهر هذا الاختيار في عين العبد خيراً أو بدا في ظاهره شراً، فكم من خير رجوناه وهو شر في حقيقته، وكم من شر دفعناه وهو في حقيقته خير: {وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم}. ولأن هذه القاعدة صعبٌ فهمُها على ظاهرها فقد جاء التعقيب المطَمْئن الجميل في خاتمة الآية: {والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.
وفي المقام الثاني الثقة بالقضية التي يحملها الإنسان، سواء أكانت قضية عامة أم خاصة. فمَن أرهقه الجهد وهو يسعى في سبيل الرزق سيصبر عليه ما وثق بأنه السبيل إلى الحياة الكريمة، ومن شَقّ عليه الدواء المُرّ سيتجرعه راضياً إذا وثق أنه خير وسيلة إلى الشفاء بإذن الله. ومَن حمل العبء الهائل في ثورته الطويلة في سوريا لن ييأس ما بقيت ثقتُه في ثورته وفي الطريق الذي اختاره وارتضاه، وما علم علم اليقين أنه لا طريق للحياة والنجاة سواه.
وفي المقام الثالث الثقة بالذات، فمَن لم يثق بنفسه أنهكته الصعاب الجِسام وسحقته الأحمال الثقال واستنفد الجهدُ طاقتَه وبدّد طولُ الطريق قُواه، ومن وثق بنفسه رأى الحملَ الثقيل خفيفاً والطريقَ الطويل قصيراً، ولم تَزده التحدياتُ إلا إصراراً والصعابُ إلا ثباتاً. وهو لا يظن أنه منتصر على عدوه، بل إنه يرى انتصارَه على عدوه يقيناً حتماً آتياً بقدرة الله؛ إنه يوقن أنه منتصر على عدوه بثقته بكرم ربه وثقته بسموّ قضيته وعلوّ همته، منتصر وإنْ طال الطريق، منتصر ولو بعد حين.
في أوقات الضيق والكرب والضغط الشديد، عندما يَثقُل الحِمل ويعظم الهَمّ ويظن المرء أنه فاض كَيلُه ولم يبقَ في قوس صبره مِنْزَع، عندها يحتاج المرء إلى ثلاثة أنواع من الثقة لينجو من المحنة وينجح في البقاء.
في المقام الأعلى الثقة بالله، وجوهرُها الثقة بمعيّة الله ولطفِ تقديره وحُسنِ اختياره للعباد، سواء ظهر هذا الاختيار في عين العبد خيراً أو بدا في ظاهره شراً، فكم من خير رجوناه وهو شر في حقيقته، وكم من شر دفعناه وهو في حقيقته خير: {وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم}. ولأن هذه القاعدة صعبٌ فهمُها على ظاهرها فقد جاء التعقيب المطَمْئن الجميل في خاتمة الآية: {والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.
وفي المقام الثاني الثقة بالقضية التي يحملها الإنسان، سواء أكانت قضية عامة أم خاصة. فمَن أرهقه الجهد وهو يسعى في سبيل الرزق سيصبر عليه ما وثق بأنه السبيل إلى الحياة الكريمة، ومن شَقّ عليه الدواء المُرّ سيتجرعه راضياً إذا وثق أنه خير وسيلة إلى الشفاء بإذن الله. ومَن حمل العبء الهائل في ثورته الطويلة في سوريا لن ييأس ما بقيت ثقتُه في ثورته وفي الطريق الذي اختاره وارتضاه، وما علم علم اليقين أنه لا طريق للحياة والنجاة سواه.
وفي المقام الثالث الثقة بالذات، فمَن لم يثق بنفسه أنهكته الصعاب الجِسام وسحقته الأحمال الثقال واستنفد الجهدُ طاقتَه وبدّد طولُ الطريق قُواه، ومن وثق بنفسه رأى الحملَ الثقيل خفيفاً والطريقَ الطويل قصيراً، ولم تَزده التحدياتُ إلا إصراراً والصعابُ إلا ثباتاً. وهو لا يظن أنه منتصر على عدوه، بل إنه يرى انتصارَه على عدوه يقيناً حتماً آتياً بقدرة الله؛ إنه يوقن أنه منتصر على عدوه بثقته بكرم ربه وثقته بسموّ قضيته وعلوّ همته، منتصر وإنْ طال الطريق، منتصر ولو بعد حين.
في كل جماعة من الناس فريقان، فريق عامل منتج وفريق خامل كسول، ثم إن الفريق الثاني ينقسم إلى قسمين: قسم صامت، فهو لا يعمل ولا يزعج العاملين، وقسم صاخب، لا يعمل ولكنه ما يزال يشكو ويتبرّم ويَسخط ويخذّل العاملين.
كلما كبر الفريق الأول وتضاءل الفريق الثاني صارت الجماعة أقربَ إلى النجاح، وكلما زاد عدد الفريق الأخير وعلا صخبه صارت الجماعة أقربَ إلى الفشل، فإذا أرادت الجماعة أن تنجح وتعيش فلا بد لها من تكثير العاملين والإيجابيين وتقليل الكسالى والسلبيين.
كلما كبر الفريق الأول وتضاءل الفريق الثاني صارت الجماعة أقربَ إلى النجاح، وكلما زاد عدد الفريق الأخير وعلا صخبه صارت الجماعة أقربَ إلى الفشل، فإذا أرادت الجماعة أن تنجح وتعيش فلا بد لها من تكثير العاملين والإيجابيين وتقليل الكسالى والسلبيين.
