Telegram Web Link
السَّقْطة
رواية «السَّقْطة» هي العمل الذي شكَّلَ أكبر مساحةٍ لخلاف كامو، ليس فقط مع سارتر، بل مع معاصريه أيضًا. قصة شخص وحيد يُدعَى كليمنس، وهو مُحامٍ سابق عاشَ في فرنسا، لكنه الآن في منفًى فَرضَه على نفسه طواعيةً في أمستردام. في حانة متهالكة، تُدعَى مكسيكو سيتي، يتحدَّث بلا انقطاع إلى رجل فرنسي آخر، يظل هذا الآخر مجهولًا حتى الصفحات الأخيرة من الرواية، حتى يكتشف أنه مُحامٍ هو الآخر. وإليك كيف التقيا:
هل لي، يا سيدي، أن أعرضَ عليك العونَ دون أن يزعجك هذا؟ أخشى أنكَ قد لا تستطيع أن تعبِّر عما تريد للفَظِّ الذي يشرف على هذا المكان. الواقعُ أنه لا يتحدَّث غير الهولندية. وإذا لم تخوِّلني بعرض مسألتك، فإنه لن يعرف أنك تريد شرابَ الجِن. والآن، يسعني أن أرجو أن يكون قد فهمني؛ فهِزَّة رأسه لا بد أنها تعني أنه أذعَنَ لطلبي.

يلتقي الرجلان خمسَ مراتٍ، وفي كل لقاءٍ يسترسل كليمنس في الحديث (وكليمنس هو مزيجٌ من اسم كامو، والكلمة الفرنسية «كليمنسي» بمعنى الرحمة)؛ فيستطرد، ويمزح، ويتندَّر، ويستغرق في التفكير، ويُدلي بإفاداتٍ عامة عن فرنسا، وعن العالم، وعن النساء، والسياسة، والدين …

يُطلِق كليمنس على نفسه لقبَ «قاضٍ تائب» متخصِّص في القضايا النبيلة. والقضاة التائبون (كما يجري تعريفهم في الرواية) يشعرون بالذنب بسبب خلفيَّتهم الاجتماعية وما يتمتعون به من امتياز؛ ولذا يتبنَّوْن قضايا المحرومين من حقوقهم كأحد أشكال التوبة، لكنهم ينهمكون في دورهم إلى حَدِّ أنهم يُصدرون الأحكام على الآخرين. (كتبَ كامو في يومياته ذات مرة أن القضاة التائبين وجوديون.)

يصف كليمنس نفسه بأنه مدافعٌ عن الأرملة وابنها اليتيم، ويبين أن ممارسته القانونية تتمحور حول مساعدة المظلومين والمساكين والمجني عليهم. مع ذلك، وباعتراف كليمنس نفسه، فإنَّ شفقته تلك أنانية. فيعترف أنه يُهرَع إلى مساعدة رجلٍ أعمى لمجرد أن يحسَّ بالرضا النابع عن مساعدته. مساعدة الآخرين في رأي كليمنس هي أحد مظاهر نرجسيته، وليست نابعة من كَرم حقيقي وأصيل. وخلف هذا الإيثار يكمن زهوٌ وتفاخر: على سبيل المثال، يرفض كليمنس أعلى الأوسمة الفرنسية؛ لأن في رفضه إشباعًا أكبر من قَبوله للميدالية.

في كل صفحةٍ من صفحات «السَّقْطة» نجد كليمنس يتأمَّل العديدَ من الموضوعات. بل إن ثَمة انتقادًا لفرنسا، حيث يقول إنَّ البذاءة تُعَد من التسلية على الصعيد الوطني. وفي خِضم هذا القَدْر من «الحكايات والتعليقات الخيالية»، يبرز أحد الأحداث. فبينما يتجوَّل كليمنس في باريس في إحدى الليالي، يسمع صرخةَ امرأةٍ ألقت بنفسها في نهر السين. تلك هي «السَّقْطة». لكن على الرغم من شخصيته العامة وطريقة تفكيره الإنسانية المزعومة، يبتعد كليمنس عن المكان دون أن يساعد المرأة. يفترض أن المرأة ماتت. وبعد سنتَين أو ثلاث، وبينما هو في رحلةٍ بحرية، يرى كليمنس بقعةً سوداء في المحيط، ويتذكَّر المرأة مباشرةً؛ ويعي أن عليه أن يواجه ذنبه ويُسقِط تظاهره بأنه ذو نزعة إنسانية؛ يجب عليه أن يكون نفسه. (ربطَ بعضُ المعلِّقين ذلك بتناقضات كامو فيما يخصُّ الجزائر، حيث عُرِف عنه توقُّفه عن نشر كتاباته عنها بعد عام ١٩٥٤؛ فعوضًا عن أن يواجه كامو مشكلةً مستعصية، يبتعد عنها رمزيًّا.)

لكن المشهد الذي يتجاهل كليمنس فيه امرأةً تلقي بنفسها في النهر يمكن أن يُفسَّر أيضًا كهجومٍ على سارتر، الذي كان في منظور كامو يتحدَّث عن مساعدة الآخرين لكن لم يساعدهم على نحوٍ محسوس. في الواقع، وطبقًا لبعض النقَّاد، قد يتطابق الاقتباسُ الآتي مع مفهوم كامو عن الشيوعية باعتبارها عقيدةً عالميةً في كتابه «الإنسان المتمرِّد»: «عندما أستطيع، أُلقي بالمواعظ في كنيستي في حانة مكسيكو سيتي، فأدعو الصالحين من الناس إلى الإذعان للسلطة والتماس راحة العبودية في خضوع، حتى ولو تعيَّن عليَّ أن أقدِّمها إليهم باعتبارها الحرية الحقيقية.» ويستطرد كليمنس: «لقد علمتُ على الأقل أنني كنت أقف في جانب المذنبين والمتهمين، فقط إلى الحَدِّ الذي لن تتسبَّب فيه آثامُهم لي بأي أذًى. كانت ذنوبهم تجعلني بليغًا؛ لأنني لم أكن ضحيتهم.»

ويُنهي كليمنس خطابه الطويل بالأسباب التي لأجلها قرَّر أن يُنهي عمله كقاضٍ تائب: «وحين كنت أتلقى تهديدًا بدوري، فإنني لم أكن لأصبح قاضيًا وحسب، وإنما الأسوأ من ذلك، كنت أصبح سيدًا غضوبًا يريد — بما هو خارج نطاق القانون — أن يصرع المسيء أرضًا ويجعله راكعًا على ركبتَيه. وبعد ذلك، يا ابن بلدي العزيز، من الصعب الاستمرار في الإيمان جديًّا بتكريس المرء نفسه للعدالة، وبأنه المحامي الذي قُدِّر له أن يدافع عن الأرملة واليتيم.» تلك العبارة الأخيرة كانت رمزًا لنقد كامو للشيوعية؛ إذ حوَّلت البواعث الإنسانية إلى أيديولوجيا تعتزم تغيير العالَم.


5
رغم هذا، سيكون من الخطأ قراءة «السَّقْطة» باعتبارها مقصورةً على الهجوم على سارتر؛ لأن كثيرًا من جوانب كليمنس أقربُ إلى كامو نفسه. فهي تمثِّل صورةً ذاتية بأكثر من طريقة. وقد أفضى كامو بعد أن أنهى مسوَّدة الرواية إلى صديقه والناقد روجيه كيوه بأنه قَلِق من رد فعل زوجته الثانية فرانسين عند قراءتها المسوَّدة.

مشهدُ السَّقْطَة قريبُ الشبه من محاولة انتحار فرانسين؛ فطبقًا لكيوه، حاولت فرانسين ذات مرة أن تقتل نفسها بالقفز من النافذة. وقد قص كامو تلك الحادثة في رسالةٍ لعشيقته الممثلة الفرنسية الشهيرة ماريا كاساريس. والعديد من تَجارِب كامو مع النساء وأفكاره عنهن التي عبَّر عنها في يومياته لها صدًى عند كليمنس في رواية «السَّقْطَة». حيث يرى كليمنس نفسه أسير الرغبة — ذلك أنه يمل النساء في غير ممارسة الجنس.

تعكس الفقراتُ الغفيرة الخاصة بالنساء في رواية «السَّقْطَة» إجلال كامو لدون خوان في «أسطورة سيزيف» باعتباره النموذج الأمثل للرجل العبثي الذي يعايش «الغِبْطَة» الحقيقية بانتقاله من انتصار إلى آخر. في «السَّقْطَة»، يتفاخر كليمنس بأنه يستخدم مختلف الحيل ليحصل على مُبتغاه من النساء، ويُقر ﺑ «ألا تحصل على رغبتك لهو «أصعبُ شيءٍ في العالم»». في يومياته يعتبر كامو أن انجذابه إلى النساء علة به، «عبودية». وبالنسبة إلى كليمنس، ثَمة رغبة في التحكم في النساء، حتى وإن توقَّف عن مُواعَدتهن. يتحدَّث كليمنس عن أنه يطلب من النساء اللاتي لم يَعُد يريدهن أن يُقسِمن بالإخلاص له. ويكتب كامو إلى كاساريس يخبرها أنه عندما يكون كلٌّ منهما بعيدًا عن الآخر، فإنه يريدها أن تلزم غرفتها ولا تبرحها. من الواضح أن هناك علاقة بين آراء كامو وكليمنس حول النساء.

كانت فرانسين ذات ميول انتحارية — نظرًا لعلاقاته الغرامية على أقل تقدير — ويروي كيوه أنها سألته: «أنت دائمًا ما تندِّد بمَواطن ضعف الآخرين، ماذا عن مواطن ضعفك أنت؟»

وبخلاف زوجته، فإنَّ آراء كامو عن النساء وعن النسوية (التي كان يحتقرها) قادته إلى صدام مع أقرب شخص إلى سارتر: سيمون دي بوفوار، مؤلِّفة العديد من الروايات والمقالات. كتَبَت دي بوفوار واحدة من الأعمال المؤسِّسة للنسوية: كتاب «الجنس الآخر». لدى صدور الكتاب، عبَّر كامو عن نفوره منه، وقال إنه يهين الرجلَ الفرنسي. وكانت دي بوفوار في ردها قاسيةً كسارتر؛ إذ قالت عن كامو «كان لا يقبل اختلاف الرأي؛ وإن رأى شيئًا منه يلوح في الأفق، فإنه يسلم نفسه لنوبات الغضب التي تلوح مثل ملاذٍ له»، وذلك إلى جانب تحيُّزه الجنسي ضد المرأة كردِّ فِعل على الكتاب. واستطردت: «لديه صورة عن نفسه لا يُزعزعها عملٌ أو حتى وحي». وصفته أيضًا بالكسل: «لأنه يُطالِع الكتب عوضًا عن فهمها». وعلى رأس كل هذا، قدَّمت دي بوفوار في أنجح رواياتها بعنوان «الماندرين»، شخصية إشكالية ومضطرِبة هي هنري بيرون، الذي كان يؤوَّل على نطاق واسع أنه تمثيلٌ لكامو. وقد أغضبه أن روايتها حصلت على جائزة جونكور، وهي الجائزة الأدبية الأرفع في فرنسا.


6
استمر التوترُ بين كامو وسارتر — وأيضًا دي بوفوار — إلى ما بعد الموت. ففي رواية كامو التي نُشِرَت بعد موته بعنوان «الرجل الأول»، كان ثَمة فقراتٌ متكررة تصوِّر المثقفين الباريسيين على أنهم جاهلون بحياة طبقة الأقدام السوداء العاملة التي ينتقدونها. وفي تلك الرواية التي تُعَد سيرة ذاتية إلى حَدٍّ كبير، رأى كامو المثقفين منافقين يطعنون في الظهر، بل ربما حتى خونة؛ فمن الواضح أنه كان يحتقرهم. ومن الواضح أيضًا أن سارتر كان من المقصودين بين آخرين. وبعد سنين قليلة من موت كامو، أدلى سارتر بحديث عن المثقفين في مؤتمر باليابان. وفي التفريق بين المثقف الأصيل والزائف، كتبَ سارتر يقول:
يقول أولئك المثقفون المزيفون، بينما هم متوارون خلف قِيَم كونية غامضة ومتغطرسة: «طرقنا الاستعمارية ليست كما ينبغي لها أن تكون، فهناك أوجه انعدام مساواة هائلة في أراضينا الواقعة فيما وراء البحار. لكني ضد العنف بكل أشكاله، وأيًّا كان منبعه، فلا أريد أن أكون ضحية ولا جلَّادًا؛ ولذا أعارضُ تمرُّدَ الشعوب المحليين ضد المستعمِرين».

أشارَ سارتر بإيجاز وبلاغة إلى أن هذا «الموقف الكَوْني الزائف» يعني بالضبط أن: «أؤيِّد العنفَ الدائم الذي يُوقِعُه المستعمِرُ على المستعمَر (من إساءة الاستغلال والبطالة وسوء التغذية، وهي كلُّها ثابتة في مواضعها بفِعل الإرهاب)». كان هذا هجومًا صريحًا على كامو، وعلى سلسلة مقالاته «لا ضحايا ولا جلَّادون».

كانت معارضة سارتر للاحتلال الفرنسي للجزائر شاملة ولا هوادة فيها؛ فقد أيَّد الفرنسيين الفارِّين من الخدمة العسكرية، وعُرِفَ عنه تمنِّيه هزيمة الجيش الفرنسي. أما كامو فقد قدَّم تسويات؛ إذ اقترحَ في البداية نظامًا يمنح الجزائر سيادةً محدودة، ثم اقترحَ هُدْنَة، ثم ركنَ إلى الصمت. لكن الأهم أن أحدَ الثوابت في حياته العامة كان معارضة استقلال الجزائر.



باختصار، كان موضوعُ الاستعمار في قلب النزاع المستمر بين الرجلَين


قناة ألبير كامو

7
أسطورة سيزيف.. هل الحياة عبثية وبلا معنى حقاً؟


شغلت قضية معنى الحياة والموت والمصير الإنساني محوراً مهماً في الفلسفة الوجودية، وانطلاقاً من الموقف الوجودي الأعمق الذي يتجه إلى الإنسان وعاطفته التي تدرك العالم إدراكاً أولياً، يحتل الفيلسوف الفرنسي ألبير كامو مكانة متقدمة ورائدة بين الوجوديين رغم أنه لا يصنف نفسه كفيلسوف وجودي، محتذياً حذو الكثير من فلاسفة الوجود الذين رفضوا التسميات والألقاب التي تحد من حريتهم الفكرية بين الأدب والفلسفة.

ولعل ما يميز كامو هو إعادة تسميته للمفاهيم الوجودية، وإعطائها بعداً جديداً يتناسب مع روح العصر وأزمة الإنسان الحديث.

إن بعض المقولات التي تشكل أركان الفلسفة الوجودية مثل الكينونة، اليأس، القلق، العبث؛ يعاد خلقها من جديد مع كامو لتصبح منهجاً لحياة الإنسان، ومصالحة مع أقداره العنيفة والمرعبة.

يكشف كامو عن التناقض بين الإنسان والعالم، ويتأمل في المشاعر اللامعقولة التي تصدر عن هذا الإنسان في محاولته للفهم، أو لتفسير ما يجري حوله.

ما أن يبدأ الإنسان بالتفكر حتى تبرز خطورة الذهن الذي يحاول التمييز بين الحقيقي والزائف، فحالما يتأمل هذا الفكر نفسه فإنه يكشف التناقض في محاولته لفهم العالم، ومعنى أن يفهم الإنسان العالم هو أن يجعله بشرياً يخضع لقواعد العقل والمنطق .

هناك دائماً شهوة بشرية للمطلق والوضوح تجسد كل الدراما الإنسانية، وكما يذكر كامو إذا استطاع المرء أن يقول مرة واحدة فقط: هذا واضح، فسيتم إنقاذ كل شيء.

اللاجدوى وحركة التناقض
تنشأ اللاجدوى من الحاجة البشرية الملحة إلى الوضوح والمنطق مقابل صمت العالم اللامعقول، وينبثق الشعور باللاجدوى من المقارنة بين حقيقة مجردة وواقع معين، بين الفعل والعالم الذي يفوق طبيعة ذلك الفعل.

واللاجدوى ليست في الإنسان، ولا في العالم، وإنما في التحامهما معاً، وهذه اللاجدوى هي التي تربط الإنسان مع العالم في هذا الصراع أو الالتحام، ولا يمكن أن تكون هناك لاجدوى خارج العقل البشري.

إن أولى حركات الوعي عند الإنسان في رغبتها الدائمة إلى الوضوح والبحث عن معنى تتمخض عن ذلك التناقض الرهيب بينه وبين العالم. ففي اللحظات التي يدرك فيها الإنسان ذلك الضباب من العدم، وذلك الليل الذي يتبدى فيه اليأس مضيئاً كالنجوم؛ تصفعه اللاجدوى بعريها المقلق، وهنا تأتي اللحظة التي يجب على الإنسان أن يحمل الزمن فيها، وأن يكون مسؤولاً عن مصيره ومتناغماً معه في الوقت ذاته.

رغم محاولة الفلاسفة أن يعطوا نظاماً للحياة والأفكار، وأن يغوصوا في أعماق الإنسان وانفعالاته، إلا أن هذه الحياة تبقى بلا معنى ولا هدف في الحياة سوى الحياة نفسها.

هنا يستنطق كامو العديد من الفلاسفة الوجوديين، ويبرهن على أن معظم أفكارهم وإن كانت تحت عناوين لغوية براقة، إلا أنها تخفي تحتها الوعي المرعب بلا جدوى الحياة، وما هذه الأفكار إلا محاولات لإشباع الظمأ البشري إلى الفهم والوضوح في عالم ممزق ومشتت.

ويصف كامو أن الموقف الوجودي هو انتحار فلسفي؛ إذ تصل الأفكار إلى حدودها القصوى والنهائية، ويلجأ الفكر دائماً إلى النفي والتفوق على نفسه، وهذا النفي هو الله بالنسبة للوجوديين.

اللاجدوى كمنهج للعيش
في اللحظة التي يدرك فيها الإنسان اللاجدوى تصبح انفعالاً، وأشد الانفعالات إزعاجاً. ومن نتائج اللاجدوى ثورة الفرد وحريته، وبواسطة فعالية الإدراك يكون العالم المجدي برمته قاعدة للحياة، لا دعوة إلى الموت أو الانتحار، فالعالم اللامجدي يأخذ نبله أكثر من العوالم الأخرى.

لكن كيف يمكن للاجدوى أن تكون طريقة في العيش والإنسان محاط بهذا الضجر الذي يبعث على الغثيان، وهذا التكرار الرتيب؟ كيف يمكن أن تتحول المواجهة العنيفة بين الإنسان والموت والزمن إلى علاقة وئام وتصالح؟ ومن جهة أخرى ألا يكون الانتحار خياراً وجودياً في ظل انعدام كل قيمة حقيقية للحياة؟

يرى ألبير كامو أن الحياة تعاش بصورة أفضل إذا لم يكن لها معنى، والعيش هو إبقاء اللاجدوى على قيد الحياة عن طريق التأمل فيها.

إن ثورة اللاجدوى هي من تهب الحياة قيمتها وروعتها، وتكون هذه الثورة عن طريق يقظة الوعي عند الإنسان بين فترة وأخرى، والشعور القوي بالحاضر واللحظة الراهنة بحيث يفقد الإنسان أي صلة بالمستقبل ويكون خالياً من الأمل. فالإنسان في سعيه نحو مشروع وجوده أو طموحه المستقبلي، تتسرب منه سكينة النفس ويقظة الحاضر فتصبح الوسيلة هي الغاية.

لكن لا يكفي للإنسان أن يقتنع بأن الحياة ليس لها معنى وفي نفس الوقت يكبل نفسه داخل إطار وجودي يتجه إلى المستقبل وإلى تحقيق الغايات، فبعض البشر قد سجنوا أنفسهم داخل حرياتهم مثلما أصبحوا عبيداً لحقائقهم، وبالتالي سقطوا في فخ الآمال الساذجة وفي الصراع المدمر مع أوهامهم وآمالهم البعيدة.

إن اللاجدوى تتفتح أمام الفرد من خلال اشتباكه العنيف مع الموت والمضي في هذه الحياة، لا اهتمام أو اكتراث.

1
إن الإيمان العميق باللاجدوى هو اليقظة المستمرة التي ترافق الإنسان لتحرر روحه من الأمل ومن الأشياء العظيمة التي يأمل أن يكونها في الغد.

حياتنا اليومية التي يسودها الروتين والتكرار، وما نتعرض له من إكراهات خارجية ومن أعباء ثقيلة، حتى الإنجازات الكبيرة في الأدب والفن، وغيرها من الأمور التي نعكف عليها شهوراً وسنين.

كل هذا استمرار في اللاجدوى، واللاجدوى قد لا تنبع من الألم ومن العقبات التي تواجه طريقنا، ولا من القلق والرعب المحدقين بنا، لكنها قد تنبثق من شعورنا بالسعادة ومن حالات الطمأنينة العميقة.

الاعتقاد في اللاجدوى ينبني على تفاهة الحياة الفردية وضحالتها، وعلى الضياع والتلاشي في إرادة الموت التي تنتصر دائماً على الإنسان.

الاستمرار في اللاجدوى هو ألا ترى نفسك في الغد، وألا يكون عملك عظيماً، وأن تندثر ولا يبقى أي ذكر لك.

هذا التوحد مع الفناء، هو من سيتيح لك الشعور الحقيقي بالحياة وطاقاتها الخفية.

فكل شيء بعدك عدم، وأنت جزء من هذا العدم والنسيان.

من جهة أخرى لا نستطيع أن نعتبر اللاجدوى فكرة يتبناها المرء بشكل طارئ كطريقة في العيش بحثاً عن السعادة، ولا أن نطبعها بطابع الحقائق الفلسفية.

اللاجدوى قد تصيب أي إنسان في لحظة تفجر وعيه وشعوره الخاص بفردانيته وحريته.

واستناداً إلى كامو يمكننا أن نستخلص شيئاً من ماهية اللاجدوى المحتجبة، فاللاجدوى تعلم المرء أن التجارب غير مهمة من ناحية، لكنها من ناحية أخرى تحفزه نحو أكبر عدد من التجارب.

فخلف حالات الصبر، الصراع، ومحبة القدر الذي يسحقنا ويدمرنا، لا نستطيع تصور أنفسنا إلا سعداء، عن طريق صدفة كونية يقفز فيها الأمل من عالم اللاجدوى، بعد أن نكون قد تخلّينا عن الأشياء وتخلّت عنا وأصبحنا أحراراً في مصائرنا، وهذا هو سر الثورة الوجودية التي ترنو دائماً إلى الاستدعاء المفاجئ للأمل غير المرتقب وغير المتوقع.

أسطورة سيزيف
تعتبر أسطورة سيزيف التي استشهد بها كامو في كتابه خير دليل على عبثية الحياة، وانتفاء معناها. كان عقاب الآلهة لسيزيف بأن يدحرج صخرة صعوداً إلى الأعالي، وما أن تصل إلى القمة حتى تسقط الصخرة إلى الأسفل بسبب ثقلها، وكان على سيزيف أن يعاود الكرّة مراراً وبلا نهاية، وأن يقضي حياته في تلك العقوبة الأبدية.

ترمز أسطورة سيزيف إلى الأثقال التي نحملها مجبرين في حياتنا ونكررها بلا كلل أو ملل دون غاية أو هدف نصل إليه.

لكن ألبير كامو لا يحكم على سيزيف بالشقاء والعذاب، بل ويجب على المرء أن يتصور أن سيزيف سعيد، فالشعور باللاجدوى ينبثق من اللحظة التي يسأل فيها الإنسان: لماذا؟

وهذا السؤال (لماذا؟) يسميه كامو بلحظة توقف، فهو يتصور أن سيزيف سيتوقف لحظة ويسأل عن جدوى ما سيقوم به في هذه الدوامة من التكرار والملل والمعاناة.

إن الوقفة هنا والتأمل في الغاية والمعنى للعمل الذي سيقوم به الإنسان هو تماماً سؤال عن معنى الحياة برمتها، وهذا السؤال هو الشعور باللاجدوى الذي ينبثق من لحظات الإدراك والاعتراف.

إن السؤال عن (لماذا) لا يقوم سيزيف بإنهاء حياته كوسيلة للخلاص من ذلك العذاب، أو ما نفع العمل الذي أقوم به أنا الآن مع كل هذا البؤس، ومع كل هذه الكآبة القاتمة التي تفصلني عن العالم، ثم ألا يكون الانتحار هنا موقفاً ثورياً ضد كل هذا العبث، أو خياراً يخص كينونتي وحريتي؟

كل هذه الأسئلة التي يصوغها الذهن تريد أن تخضع الحياة لمعايير عقلانية، وأن تجعل الوحدة متماسكة بين الإنسان والعالم، لكن الحياة تمضي خارج كل معقول وخارج كل منطق إنساني، ولا تكترث لعذابات الإنسان وصرخاته. وحده العقل البشري من يضع المعايير والافتراضات ويطلب من العالم أن يخرج من صمته، وأن يقدم لنا الاعترافات والبراهين.

اللاجدوى والفن
ينشأ العمل الفني وفقاً لكامو من تعدد مظاهر العالم واختلافه. إذ إن عاطفتنا تعتريها الغبطة حين ترى تلك المظاهر والمفاتن الدائمة للكون، وهذه المظاهر لا تأتي من عمق العالم، ولكن من الإحساس بها وباختلافها، حيث الإحساس وحده يبقى ولا ينفع التفسير.

إن التناقض هو أساس العمل الفني الذي يصنع المظاهر، ويغطي بالصور كل ما لا سبب له. والأعمال الفنية تستمد مغزاها التعريفي من الموت وغموضه.

أما لو كان العالم واضحاً فإن الفن لن يكون موجوداً.

جمالية اللاجدوى.. والمصير الإنساني
يستطيع الإنسان أن يحب مصيره حتى وإن كان مأساوياً، فمادام حراً يستطيع أن يتصالح مع الألم، وأن يحرر ذهنه من الفكر الذي يفترض تلك الثنائية بين اللذة والألم، أو بين الخير والشر، فالإنسان يتعود على العيش قبل أن يحصل على عادة التفكير.

إن القلق والرعب والليالي التي تمزقها الدموع هي ملكي وهي أشياء تخصني وحدي، وبالتالي لا يستطيع أي شخص أن يصدر حكماً عليّ بأني محكوم بالشقاء، مادمت متأملاً عذابي، وتلك المشاعر العميقة التي تضيء باحتدامها وجرحها عالماً استثنائياً تدرك فيه جوهرها.

2
هكذا يرى الإنسان اللامجدي حياته مادام لا يرغب في شيء ولا يأمل في شيء، بل يقول نعم، ولا يكف عن بذل مجهوده الشخصي.

تصبح الحياة مثيرة أكثر كلما ازدادت شدة صراعها ونفيها للأمل، فهنالك في تمسك الإنسان بالحياة شيء أقوى من كل شرور العالم.

يقول ألبير كامو: يكمن سرور سيزيف الصامت هنا، أن مصيره يخصه هو، وصخرته هي الشيء الوحيد الذي يملكه. إن سيزيف يعلمنا الأمانة الأسمى التي تنفي الآلهة وترفع الصخور، وهو أيضاً ينتهي أن كل شيء حسن. وهذا الكون الذي يظل الآن بلا سيد، يلوح له غير عقيم وغير تافه، فكل ذرة من تلك الصخرة وكل قطعة معدنية من ذلك الجبل الذي يملؤه الليل، تؤلف عالماً بحد ذاتها. والصراع نفسه نحو الأعالي يكفي ليملأ قلب الإنسان.

ويجب على المرء أن يتصور سيزيف سعيداً.

3
ميشيل بوتي Michèle Petit

ترجمة: د. أسماء كريم



تُلبّي قصَّة المساء الاحتياجات الأساسيَّة للأطفال القلقين والفُضوليِّين والمرحين، والباحثين عن الثقة للعيش في العالم.

لماذا تُقرأ القصص للأطفال؟ عادة ما تكون الحجج التي يتم طرحها "جَادَّة" و"مفيدة": يشرح الإعلاميُّون والمُدرِّسون والباحثون والآباء أنَّ هذه الممارسة تُؤدّي إلى أداء أفضل في اكتساب اللغة، كما أنها تُسهم في توسيع السِّجل المعجمي، وإثراء النحو والقدرة على التعبير عن الذَّات، والرَّفع من الرأسمال الثقافي، باختصار إنَّها تؤدّي إلى تكييف الأطفال والمراهقين مع مُتطلَّبات العالم المدرسي ثم المهني. ويُصرُّ البعض الآخر على دورها في الممارسة المُستقبليَّة للمُواطنة من خلال تشكيل الفكر النقدي، وتقاسم التراث المشتَرك أو معرفة العصور الأخرى والثقافات الأخرى، وحتَّى الحماية من التَّعصُّب. في العقود الأخيرة، مع تطوّر علم الأعصاب، فقد تمَّ الشَّرح باستفاضة أنَّها ستُحفِّزُ القُدرات المعرفيَّة.

عالَـمٌ أَوسَع وأكثر كثافة

مع ذلك، فإنَّ أولئك الذين يستحضرون ذكريات النصوص المسموعة أو المقروءة في الطفولة لا يقولون أبداً: "حصلت على نتائج دراسيَّة أحسن بفضل القراءة، وكنت أكثر مهارةً في التَّعامل مع اللغة، فقد ساعدتني في إناء قاموسي اللُّغوي"، كما أنَّهم لا يَدَّعون أنهم شاركوا ثقافة مشتركة أو أصبحوا مواطنين أكثر إنسانية. لا، ما يتذكره الكثيرون، أي ما بدا لهم مُهمًّا، هو أنَّ هذه القراءة فتحت لهم بُعْدًا آخر؛ تقول امرأة "كلَّ مساء، يُولَد عالمٌ مُوازٍ في صوت أُمّي"، ويقول شاب: "اكتشفت وجود سيء آخر، عالَـم آخر"، أو حتى "إنّه مشهدٌ مفتوح بأكمله، ممّا وسَّع إلى حدٍّ كبير المكان الذي عشْتُ فيه". من خلال النصوص التي كانت تُقرأ لهم، والرسوم التَّوضيحيَّة التي عُرِضَت عليهم، اكتشفوا كَوْناً مُوازيّاً وغير مرئي، كَوْنٌ أكثر شساعةً وأكثر كثافةً، والذي، مع ذلك، يُثَبِّتُهم أكثر في العالم الحقيقي كلَّما عادوا إليه.

يمنَحُ، الاستماع إلى لغة أدبيَّة وشاعريّة وقليلة الغناء، الأطفال والمراهقين إمكان الشعور بتحقيق رفاهيَّة خاصَّة جدًّا والإحساس بالانتماء، وأنْ يكونوا هُم ويجدوا المكان-شعور مؤقت، شرط أن يلائم الجسم والعقل ويترك آثارًا. يبدو الأمر كما لو أنَّهم منسجمون، بالمعنى الموسيقي للمصطلح، مع ما يحيط بهم: ليس فقط مع العائلة والأصدقاء والناس، ولكن أيضًا مع السماء والبحر والجبل والمدينة والحيوانات التي يشعرون بالارتباط بها. جُزءٌ من الكُلِّ، أو الكُلّ برُمَّته. إنَّهم يفهمون، بِفضل نصٍّ، أنَّ أمورًا كثيرة تَشغلُهم، ليس من خلال المنطق لكن عبر نَوعٍ من فكِّ تشفير غير وَاعٍ.

في الواقع، عندما نقرأ للأطفال، وعندما نروي لهم قصصًا، رُبَّما يكون معنى حركاتنا قبل كلّ شيء: أُقدّمُ لك عالمًا تَجاوزَني فيه آخرون وحصلتُ عليه، عالم اكتشفتُهُ وبَنَيْتُه وأحببتُه1. أُقدّم لكَ ما يحيط بنا وتنظر إليه مندهشًا ومشيرًا بإصبع إلى قطَّة أو نجمة أو طائرة. أقدّم لك السَّماء مُغنّيًا: Au clair de la lune, mon ami Pierrot, j’ai perdu ma plume pour écrire un mot…

[في ضوء القمر، صديقي بييرو، لقد فقدتُ قلمي لكتابة كلمة...]، وطوال حياتك سيُرافقُكَ بييرو وقلمُه عندما سترى ضوء القمر. أُقدّم لك البحر، وأُغنّي لك Bateau sur la mer [قارب على البحر]، أقرأ لك قصص القراصنة أو روبنسون Robinson. أقدّم لك الجبل والغابة والصحراء والنَّهر بواسطة الخرافات والأعمال الفنّية. أُقدِّم لك المدينة لكي تستطيع العيش فيها.

فَنُّ العيش

أُقدّمُ لكَ كذلك العالَـم الذي جئتَ منه، وأُسجّلكَ في الأجيال القادمة. أقدّم لك أولئك الذين سبقوك، لكن أقدّم لك أيضًا عَوالِـم أخرى حتى لا تكون خاضِعًا لأسلافكَ أكثر ممَّا ينبغي. وسَأُعطيك أغانِيًّا وقصصًا لتُكرِّرها لنفسك حتى تتمكَّن من قضاء الليل وتستَغني عنّي تدريجيًّا، ثم تَعدَّ حالات الانفصال المتعدّدة التي يجب أن تعيشها. سوف أُسَلِّمك شذرات من المعرفة والخيال حتى تكون قادرًا على مواجهة أسرار الحياة والموت، قدر الإمكان، واختلاف الجنسين والحُبّ والخوف من الهجر أو المجهول، والتَّنافس. هكذا، يُمكنُك كتابة قصَّتكَ بين السطور المقروءة.

الاستماع للقراءة، ثم القراءة، وكذلك مشاهدة الأمثلة التوضيحيَّة أو الأفلام، والغناء والسَّرد والرَّسم والكتابة كلُّها أنشطة تسمح بالتَّداخُل بين الحقيقي والذَّات بِنَسيج كامل من الكلمات والمعارف والقصص والتَّخيُّلات التي سيَظلُّ العالَـم بدونها باردًا أو عدائيًّا، كما تسمح بتشكيل هذا الكَوْن الخَفيّ والحقيقي تمامًا مثل العالَـم الذي يُمكننا لمسُه والمُكَمّل لهُ، وبتحويل المُزعج إلى مألوف، بل أيضًا بجعل المألوف مُدهشًا، وبإعطاء ما يحيط بنا تلوينًا رمزيًّا وخياليًّا وأسطوريًّا، وعُمقًا نَحلُم من خلاله ونتَّحدُ ونفكّرُ.

نحن حيواناتٌ شِعريَّة

1
بهذا المعنى يُعدُّ الأدب، الشفهي والمكتوب، والممارسات الفنّية عنصرًا أساسيًّا لِفنّ الحياة، ولهذه الأنشطة التي تَتمثَّل وفقاً للمهندس هنري كودان Henri Gaudin في: "إقامة صِلات بين جميع أنواع الأشياء المُحيطة بنا لتُصبح مألوفة ونجعلها أقلّ اختلافًا. إنَّ العيش، هو هذا، التَّخلص من الأشياء في جوارنا، وتقليصُ المسافة مع غَرابَة كُلّ ما هو خارجي عنَّا"2.

وغَنيٌّ عن القول إنَّنا لسنا مُتغيِّرات اقتصاديَّة فقط، كما أننا لا نحصر أنفسنا في أدوارنا الاجتماعيّة، مهما كانت جوهريّة. نحن أيضًا، ورُبَّما قبل كلّ شيء، حيوانات شعريّة وسرديَّة: فقد ابتكر البشر أعمالاً فنيّة وحَكوا قصصًا، أكثر تعقيدًا أو أقلّ، ومتكرّرة وفقًا للسياقات الثقافيَّة، قبل فترة طويلة من اختراع النقود والزراعة. بعض الشعوب أكثر رَقصًا وأكثر حَكيًا وأكثر رسمًا، لكن هناك شعريّة دائمًا، فالمَنفعة لا تكفينا أبدًا.

من خلال تقديم مقاربة نفعيّة وقَلقة للقراءة، قمنا بجعل الاستثناء قاعدة روتينيّة. نحن لا نحكم على مزايا غناء الأطفال بحقيقة أنهم سيصبحون موسيقيين. لماذا يطرح باستمرار مستقبلهم المعرفي والدّراسي والمدني عندما يتعلَّق الأمر بالقراءة؟ عندما يستمعون إلى قصة، وعندما يفتحون كُتبًا، فإنَّهم يفعلون ذلك لأنَّهم يحتاجون إلى بُعدٍ آخر، ولأن يجعلوا الكلمات والقصص والاستعارات والصُّور وسيطًا بينهم وبين هذا العالَـم الغريب الذي يُحيط بهم، ولأنهم فضوليُّون وقلقون، يبحثون عن أسرار مَرِحة وشاعريّة، ولأنَّ الكُتب تمنح شكلاً للرَّغبات أو المخاوف التي يعتقدون أنَّهم الوحيدون الذين يعرفونها، كما تسمح لهم باستبدال الفوضى بقليل من النّظام والاستمراريَّة والجمال.



الهوامش:

انظر ميشيل بوتي:

- 1 Michèle Petit ,Lire le monde. Expériences de transmission culturelle aujourd’hui, Belin, 2014.

2 - هنري كودان Henri Gaudin «Embrasure», Villa Gillet, 1996.

3 - مقالٌ من مؤتمر "S’accorder au Monde"، اجتماعات وطنية "Lire et faire lire"، 2018.

2
الفلسفة ليست تأسيساً لديانة ولا تبشير بحقيقة، ولا وعداً بالحرية والسعادة.
بل هي نبش في الأسس وتعرية للأصول، وإزالة الاقنعة وفضح الأوهام".

- فريدريك نيتشه - الموسوعة الكاملة
«يستحيل عزل الفلسفة عن السياسة. أضيف إلى ذلك أنه بمقدورنا أن نبين أن مسألة اختيار ونقد رؤية شاملة، هي - أيضاً - مسألة سياسية »

"الفلسفة بشكل عام" لا وجود لها في الواقع. توجد مذاهب فلسفية مختلفة، أو رؤى شاملة منوعة، يختار المرء - دائماً - فيما بينها.

كيف يتم هذا الاختيار؟ هل هو مجرد حدث فكري؟ أم تراه أكثر تعقيداً من ذلك؟ ألا يعاني الإنسان - في كثير من الأحيان - من تناقض بين موقفه الفكري وبين نمط سلوكه؟ فأي منهما - إذن - رؤيته الشاملة الحقيقية: تلك التي يؤكدها منطقياً على أنها موقفه الفكري؟ أم تلك التي يفصح عنها نشاطه العلمي، والتي يتضمنها نمط سلوكه؟ وبما أن كل نشاط عملي هو نشاط سياسي، ألا يسعنا القول إن الفلسفة الحقيقية لكل إنسان كامنة برمتها في نشاطه السياسي؟ هذا التبيان بين الفكر والعمل - أي هذا التعايش بين رؤيتين شاملتين:

رؤية تؤكدها الألفاظ، وأخرى يفصح عنها النشاط العملي - ليس مجرد عملية خداع للنفس. فخداع النفس قد يكون تفسيراً وافياً، في حال تواجد هذا التباين عند قلة من الأفراد المعزولين، أو حتى عند جماعة محدودة الحجم؛ لكن؛ ليس بالتفسير الوافي إطلاقاً عندما يكون هذا التباين قائماً في حياة جموع غفيرة من البشر. في حالة كهذه، يكون التباين بين الفكر والعمل تعبيراً عن تباينات أعمق ذات طبيعة اجتماعية - تاريخية. مما يعني ان الفئة الاجتماعية المعنية بالأمر تملك - فعلا - رؤية شاملة خاصة بها - حتى ولو كانت هذه الرؤية في طورها الجنيني - يفصح عنها العملي، ولكن؛ بتقطع، وعلى شكل ومضات عندما تتصرف هذه الفئة كوحدة عضوية. غير أن هذه الفئة الاجتماعية ذاتها - بسبب خضوعها السياسي، وتبعيتها الفكرية - قد تبنت رؤية شاملة أجنبية عنها، استعارتها من فئة أخرى. وهي تؤكد هذه الرؤية لفظياً، وتظن - أحياناً - أنها تسترشد بها لمجرد أنها الرؤية التي تسيرها في "الأحوال العادية" - أي عندما لا تكون مالكة لزمام أمرها، ولا يكون سلوكها مستقلاً، بل تكون مقهورة ومخضعة. لهذا السبب بالذات، يستحيل عزل الفلسفة عن السياسة. أضيف إلى ذلك أنه بمقدورنا أن نبين أن مسألة اختيار ونقد رؤية شاملة، هي - أيضاً - مسألة سياسية .

- أنطونيو غرامشي
رحيل الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي ألان تورين (1925-2023)
الأب الأوروبي والأب العربي

احتفل الشعب الفرنسي قبل أيام بعيد الأب، وفي وقت سابق قريب، احتفل الألمان بالعيد نفسه على طريقتهم التي تتلخّص بأن يرتدي الآباء ثياباً غريبة، ويأكلوا المشاوي، ويشربوا البيرة، ويرقصوا.
الطبيعي أن يختلف آباءُ هذه الأقوام عن آبائنا، لأننا - في الواقع- أبناءُ ثقافتين مختلفتين إلى حدّ التضارب. فالأب، عندهم، واحدٌ من أفراد الأسرة، يشترك مع زوجته، أو خليلته، في رعايةِ الطفل، أو الطفلين اللذين يُنجبانهما، وإعدادِهما ليكونا متعلّمين وقويين وجديرين بالحياة، بينما نسمّي نحن الأبَ "رَبَّ الأسرة".

ليست تسمية الأب ربّ الأسرة مجازية، فهو عندنا آمر، ناهٍ، مُنذر، متوعّد، لا يقبل جدلاً في أوامره، ولا تباطؤاً في تنفيذها. وقلّما تصادف أباً عطوفاً، رحيماً، متفهّماً لمشكلات أولاده، فإن وُجد واحدٌ كهذا ترى "مختلفَ فئات الشعب العاملة"، على حدّ تعبير عادل إمام، تنظر إليه بإشفاق، وإذا لم يصفه الناس بكلمة "تَشْتُوش"، فإنهم يكتفون بالتهكّم عليه، قائلين إن "حضرته" من جماعة التربية الحديثة... وينفلتون بالضحك، عليه وعلى التربية الحديثة!

عندما نحكي عن الأب، يجب أن يُفهم من كلامنا وجودُ طرفٍ آخر، الطفل، وهذا الإنسان الصغير، الحلو، القريب من القلب، تُخَصص له البلاد الأوروبية، ألمانيا على سبيل المثال، قسماً كبيراً من طاقات المجتمع. وبقليلٍ من الاسترسال، أقول إن الشاعر العربي إذا أراد أن يُثبت لك أنه مهتمٌ بتجربته الشعرية، يُخبرك بأنه يُقيم الشعرَ مقامَ الوالد. وإذا أردنا أن نسحب هذا المثال إلى هنا، نقول إن الألمان يقيمون "الطفلَ" مقامَ الوالد!
أتيح لي، قبل سنتين، أن أشهد يوم افتتاح المدرسة، في منطقة Klein Nordende الألمانية شمال هامبورج، حضرتُ بصفتي جَدَّاً للطفلة سلام، ورأيتُ، رأيَ العين، كيف تستنفر الأسرةُ الألمانية، بكل أعضائها، بمن فيهم الجَدّ الذي يتحرّك بالكرسي الكهربائي، ليقدّموا إلى طفلهم الهدايا، ويرافقوه إلى المدرسة، وهناك يلتقون الأسرة التعليمية الواقفة على ساقٍ واحدة، استعداداً لاستقبال حضرة الطفل. وفي باحة المدرسة، يجري عبور الأطفال إلى ضفّة المدرسة، وبعد كلماتٍ ترحيبيةٍ موجزة من المدير، يُدعى الأهالي لتناول الكاتو والقهوة في قاعةٍ جانبية، بينما يدخُل الأطفال مع الأسرة التعليمية إلى الداخل، ليتعارفوا، ثم يخرُجون معاً، بعد ساعةٍ، يسلمون مجدّداً على الأهالي، ويدعونهم إلى الانصراف، بعدما تمّ القبول والتراضي بين المعلمين والإدارة من جهة، وحضرات الأطفال الأكارم من جهة أخرى.
في ألمانيا، كذلك، يتولّى أحد الوالدين تعليم الطفل قيادةَ البسكليت، والنظامَ المروري الخاص بالدرّاجات، وتخصّص له الدولة راتباً يسمّى Kindergeld (حرفياً: مال الأطفال) يستمر حتى سن الـ 23، وإذا عرفت دائرة الـ "يوجند أمت" (Jugendamt = مكتب رعاية الأحداث)، بأن طفلاً، ألمانياً أو لاجئاً، يتعرّض للضرب أو التعنيف، أو الإهمال، أو سوء التغذية، سرعان ما تتدخّل، وتأخذه إلى دار الرعاية، لتعتني به وتُعالج الرضوض النفسية التي تعرّض لها من ذويه.
وأنا أعتقد أنكم تنتظرون، الآن، أن أحدّثكم عن طفلنا الذي يعاني من سلطة أبيه، وهو لا ينادى باسمه، غالباً، بل بكلمة "ولاك". والطفلة تظلّ تحمل لقب "عجية" حتى تتزوّج. والطفل، عموماً، محرومٌ من أبسط متطلبات الحياة الكريمة، لأن الوالد مُعيل، دخلُه قليل، وعنده ثمانية أولاد، عدا أبيه وأمه اللذيْن يعيشان عنده، ومحروم حق التعبير، وأقلّ كلمة يسمعها اسكت، واخرس، وانكتم. وإذا اشتهى اللعب يُؤمر بأن يلعب مع الأولاد في الزقاق، وحينما يُزْجَر لا تجرؤ والدتُه على الدفاع عنه، إذ لا يوجَد ما يمنع "رب الأسرة" من أن يباشر بها، وقد جرت العادة في أيام افتتاح المدارس، على أيامنا، أي في أوائل الستينيات، أن يرافق الأبُ ابنَه إلى المدرسة (مثل الألمان فرد شكل)، ولكن ليس من أجل أن يحتفل مع الطاقم التعليمي بالطفل، بل ليُعطي للمعلم الضوء الأخضر بأن يضربه، مستخدماً تلك الجملة المعروفة: اللحم لكم والعظم لي.

خطيب بدلة
لماذا ما فتئت الفلسفة القديمة تخاطبنا؟
فابيان تريكور Fabien Trécourt
ترجمة: محمد نجيب فرطميسي



كانت الحقبة اليونانية القديمة L’Antiquité، مقارنة بمجتمعاتنا الحالية، بيئة عنيفة، مجحفة وجائرة، تؤمن بالخرافات ... فقد اتهم، على سبيل المثال، سقراط بـ"إفساد عقول الشباب" وحُكم عليه بشرب السم، فقط لأنه تجرأ على التشكيك في معتقدات مواطنيه وعقائدهم. تعايش الفلاسفة الأوائل، طيلة الحقبة القديمة، مع حرية التعبير النسبية، ومع القيم الأخلاقية والسياسية البعيدة كل البعد عن قيمنا الحالية. يحضر ذلك بوضوح في كتاباتهم. إن كانت حدوسهم صائبة، حول هذه المسألة أو تلك، بل متقدمة أحيانًا على معاصريهم، فإن بعضًا من أفكارهم تبدو متجاوزة بله صادمة بالنظر لمعاييرنا الأخلاقية المعاصرة. أما على المستوى النظري، فلم يخرجوا عن المألوف. يتداخل عندهم العلم والدين والأسطورة في تأويل الظواهر؛ الطبيعية، والبيولوجية ... لدرجة يصعب اليوم وصف هذه النظريات بـ"العلمية". نفس الأمر يصدق على دراسة الاقتصاد، والتاريخ والمجتمع، إذ لم تنضج بعد، تنهل بكيفية مستفيضة من الأحكام الجاهزة والمعتقدات غير المبررة. ما الفائدة إذن من الانشغال اليوم بالفلسفة القديمة، إن لم يكن الأمر ضربًا من الترف الثقافي؟ لماذا ما زالت هذه الفلسفة تحظى باهتمام الأساتذة الجامعيين والعلماء، وجمهور عريض متعطش للحكمة؟

مشكلات خالدة

يعود أولاً تفسير هذه الظاهرة لطبيعة الاختلاف بين الأسئلة والأجوبة. حتى وإن بدت الأجوبة متجاوزة، فإن الأسئلة ما زالت تتمتع بحضورها الراهن: ما العالم؟ ما طبيعة الأشياء بمعزل عن الانطباع الأول عنها؟ هل تعكس الكلمات، التي نستعملها للتعبير عن هذه الأشياء، الحقيقة؟ كيف نميز الصواب من الخطأ، الواقع من الوهم؟ الفلسفة القديمة، كما تطرق لذلك أرسطو في مؤلفه "ما وراء الطبيعة" هي قبل كل شيء مساءلة للبداهات، وفن الاندهاش مما لا يُدهش إنسانًا بتاتًا. هكذا شك الحكماء الأوائل، فيتاغورس وطاليس وديمقريطس في ملاحظاتهم ومعتقداتهم، وأعلوا من شأن البرهان العقلي: أشياء غير مرئية لكنها موجودة منطقيًا، كالفراغ واللانهائي أو الذرات. اكتست اللغة، بفضل هذه الطريقة في التفكير، وضعًا متميزًا، نظرًا لقدرتها على استيعاب هذه الوقائع اللامرئية. لقد اقتضت الضرورة، بحكم أن الكلمات هي أيضًا مصدر الأوهام والخيالات، ولتفادي الوقوع في التناقض، والقبول بنتائج وفرضيات ما نفكر فيه، صياغة قواعد الخطاب السليم. هكذا ازدهر، مع ميلاد الفلسفة، المنطق والرياضيات والهندسة.

فتح، بصفة عامة، الإغريق القدامى، ثلاثة ورش ما زالت حاضرة إلى الآن، يتعلق الأمر بالطبيعيات (ما هو سين؟) والمنطق (ضمن أي شروط يمكننا القول إن سين تساوي سين؟) والأخلاق (كيف نحيا مع سين؟). اكتست هذه الأسئلة، مع أفلاطون، طابعًا نسقيًا، مما جعل الفيلسوف الإنجليزي وايتهيد Whitehead يختزل كل التقليد الفلسفي الغربي "في سلسلة من الحواشي دًونت على هامش صفحات مؤلفات أفلاطون". كما اعتبر الفيلسوف الألماني كارل ياسبرزKarl Jaspers في كتابه "أصل التاريخ ومعناه"، أن هذه التساؤلات حاضرة تقريبًا في العالم طيلة الألفية الأولى من تاريخنا الراهن. يشهد على ذلك ظهور البوذية والهندوسية والزرادشتية ...إلخ. هكذا شكلت، بالنسبة لياسبرز، الحقبة القديمة "مرحلة محورية" واضعة الأسس الروحية للإنسانية. "تتمثل - في نظره - جدة هذه المرحلة في وعي الانسان بذاته وبحدوده، وبالوجود في كليته. إذ واجه الانسان العالم الرهيب، كما واجه أيضًا عجزه الذاتي، طارحًا أسئلة جوهرية وحاسمة، ومتطلعًا لتحرره وخلاصه ... ففي هذه الحقبة بالذات تشكلت المقولات التي ما زلنا نفكر بها الى اليوم".

الفهم سبيل الفعل

توجد أنماط الحياة، خلف أنماط التفكير. لا يكتسي بالنسبة لعالم الفيزياء، كونك اليوم جاليليا، أي معنى، فلقد عزز التقدم العلمي برادغمات (نماذج إرشادية) جديدة، نفس الآمر بالنسبة لعلماء البيولوجية والهندسة ...إلخ. لكن يمكن في المقابل، أن نقرر العيش في القرن الواحد والعشرين، على نحو أفلاطوني. يمكن أن نطبق يوميًا تعاليم الرواقيين، أو الأبيقوريين، الشكاك أو الكلبيين. كيف يُفسر هذا الاختلاف؟ يُفسر بكل بساطة بكون الرهانات الأخلاقية تعلو، في نظر القدماء، على الأفكار المجردة. "لم يكن فلاسفة الحقبة القديمة، الإغريق والرومان، مؤلفي كتب، " كما لخص ذلك مؤرخ الفلسفة بيير هادوP. Hadot في كتابه "ما الفلسفة القديمة؟" فقد: "كانوا في الواقع يشتغلون، عندما يكتبون، لتغيير رؤيتهم للعالم، لذواتهم، لإحساساتهم، بغية تغيير وجودهم ذاته... حتى التأملات الأشد تجريدًا (في الطبيعيات والميتافيزيقا والفلك) كانت موجهة للفهم بغية التصرف على نحو أفضل، ولم تكن تتوخى المعرفة من أجل المعرفة في حد ذاتها".

1
يمكننا على سبيل المثال، الحكم بأن المذهب الذري الأبيقوري أضحى اليوم متجاوزًا بالنظر للأعمال الأخيرة للميكانيكا الكوانطية، بيد أن تصور الأبيقوريين عن الحياة المقترن بهذه النظرية، ما زال مع ذلك حاملاً للمعنى: ما الكائن البشري، في نظرهم، إلا حزمة من الذرات، ثمرة صدفة في عالم لامتناهي، لا يحظى فيه الإنسان بأي امتياز أو وضع خاص ... أدرجت الأبيقورية فلسفتها الطبيعية في إطار نقد شامل للاعتزاز بالنفس والتمركز حول الذات والرغبات المنفلتة من عقالها. كان الانخراط، بكيفية عامة، في مدرسة فلسفية، في اليونان القديمة، شبيهًا شيئًا ما بالالتحاق بدير الرهبان. نقبل فيه العيش جماعة، زاهدين في الدنيا، تحت رعاية معلم ملهم روحيًا. لم تكن الفلسفة في سماء الأفكار بقدر ما كانت في علاقات التربية هذه، علاقات الصداقة والمحبة ... حتى أفلاطون، وهو الوحيد الذي وصلتنا لحد الآن مؤلفاته المكتوبة، يشرح في الرسالة السابعة أن نصوصه لا تقدم إلا صيغة مستنفدة عن فلسفته. يشير بيير هادو إلى أن "أفلاطون لم يؤلف، فيما يتعلق بمجال اهتماماته، عملاً مكتوبًا. الحال أن الأمر يتعلق بمعرفة لا يمكن نهائيًا صياغتها كما تصاغ المعارف الأخرى، بل بمعرفة تتدفق في النفس، عندما نستأنس ولمدة طويلة مع ما يمثله هذا النشاط، الذي كرسنا له حياتنا".

أقام الفلاسفة القدماء، حسب الفيلسوف بالودي J-F Ballaudé ضربًا من التراتبية بين الخطابات الجوانية والخطابات الشفوية والخطابات المكتوبة، معتبرين أن الخطابين الأولين يميزان النفس البشرية ويحددانها في بحثها عن ذاتها، عن الحق، عن الجميل وعن الخير. لا تؤدي، في نظر القدماء، النصوص التي وصلتنا إلا وظيفة الاستذكار والإرسال. إن شئت قلت إنها محض تدوينات، لملاحظات قائمة، إحاطات، توليفات لمسعى البحث وتركيب للنتيجة. ستغدو الفلسفة الحقة "حياة فلسفية" bios philosophikos تشمل ما دعاه بيير هادو "تمارين روحية": تأملات، حوار، وتفكر... تمارين تسعفنا لتحقيق التحول والاكتمال، والعيش في وفاق وانسجام مع أفكارنا. تتمثل هذه التمارين، على سبيل المثال، مع أفلاطون في إيقاظ الجانب العاقل في النفس، وفي إعادة تنظيم رغباتنا لبلوغ "صفاء النفس" مع أبيقور، والتجرد من ممتلكاتنا ومن كل يقين، كما هو الشأن مع بيرون، أو العيش عيشة "كلب" ينام عند مفترق الطرق وفي مأمن داخل برميل، على غرار ديوجين الكلبي.

لا يمكن إثبات صلاحية فلسفة ما بناء على شعبيتها، أو ثقة جماعة من الناس فيها أو سلطتها التفسيرية، بل بالنظر للطريقة التي يعيش بها الحكيم حياته كما يتصورها هو. يتميز هذا التصور أيضًا بكونه يتقدم في السنين بشكل جيد: حتى إن كنا نختلف مع إيتيقا الحياة الخاصة بهذا التيار الفلسفي القديم أو ذاك فإننا نقبل عمومًا بضرورة العيش في انسجام مع مُثلنا، وهو أمر ليس بالهين ولا بالممكن. يبدو دومًا الاشتغال على الذات صعبًا وملزمًا، وأحيانًا مخالفا لمصلحتنا الآنية أو اكراهات وسطنا البيئي، إنه ضروري لتحقيق انسجام الفكر والفعل. إن الفلسفة القديمة عندما تحثنا على القيام بكل هذا، من دون أن تقدم أجوبة جاهزة، تبقى على دوام البداية.

المصدر:

Fabien Trécourt : «Pourquoi la philosophie antique nous parle encore»

Sciences Humaines Hors-Série, N : 12

Les sagesses Antiques Juillet 2022 P 6 – 9

2
الفيلسوف الجديد
‏يتساءل هايدغر في رسالة غرامية :
لِمَ يستفزُّ الحب لواعجنا ؟ ويرزح بحِمله الثقيل _والجميل_ على قلوب المعذّبين ؟ ويثير فينا مالا تثيره أيما تجربة إنسانية أخرى ؟

وتجيبه حنة : لأننا نحاول التشبّه بالمحبوب ونروّض أنفسنا على التكامل معه ، ومع ذلك نحتفظ بأصالة ماهيّتنا )
كان الايطالي العظيم أنطونيو غرامشي هو الذي أصرَّ على أن الطريقة الوحيدة " للتنبؤ " بالمستقبل هي توحيد الجهود من أجل جعل الأحداث المستقبلية تتوافق مع ما نرغب فيه . والابتهاد عن السيناريوهات غير المرغوب فيها .هذه هي الإستراتيجية الوحيدة التي تمنحما فرصة لكسب المعارك . ليست هي الحل الأمثل ، لكنها الحل الوحيد المتاح . خذها أو اتركها

زيغمونت باومان " 44 رسالة من عالم الحداثة السائلة "
كونديرا يودع العالم وضجيج نوبل
علي حسين



رحل ميلان كوندير ، وسيتوقف الجدال حول احقيته للفوز بجائزة نوبل للاداب .ولن يجد عشاق ادبه أنفسهم في موقف غاضب من جائزة نوبل التي ظلت تدير ظهرها لكاتبهم المفضل كل عام . رحل اكبر واهم روائي عن عمر " 94 عاما ، ودخل بجدارة الى نادي افضل كتاب ادب القرن العشرين، ترجمت معظم أعماله إلى نحو " 80 " لغة، وبيعت منها ملايين النسخ ووضعت عنه كتب وأبحاث في لغات شتى.. لكن كونديرا الذي كان يعيش في عزلة تامه منذ سنوات قال بعد حصوله على جائزة كافكا لم يعد يبالي باية جائزة اخرى ، وإن لم يحصل على جائزة نوبل فالامر عادي جدا وغير مهم ، الم يقدم لنا في روايته "الخلود" كيف يجب على الانسان ان يقدم الصورة التي يصنعها لنفسه والتي هي أشد خلوداً من الانسان نفسه، فإذا كان الشخص فانياً، فإن صورته قد تكون مهيأة للبقاء . ولهذا ستظل صورة كونديرا عالقة في اذهان ملايين القراء ، تدخل عالم الخلود الحقيقي ، فيما الناس لا تتذكر نوبل وضجيجها إلا نهاية كل عام .
في حديثه إلى الروائي الامريكي فيليب روث في عام 1980، أعرب كونديرا عن أسفه لأنه يشعر أن "الرواية لم يعد لها مكان في العالم ، قائلاً: "العالم الشمولي ، هو عالم من الإجابات وليس أسئلة". ، وتابع: "يبدو لي أن الناس في جميع أنحاء العالم في الوقت الحاضر يفضلون الحكم بدلاً من الفهم ، والإجابة بدلاً من السؤال ، بحيث يصعب سماع صوت الرواية في ظل حماقة اليقين البشري الصاخبة".
قال لصديقه ومواطنه أنتونين ليهم: "لقد ولدت في الأول من نيسان. وهذا له مغزى ميتافيزيقي" ، رفض ان تربط اعماله بالسياسة وقال ق لصحيفة اللوموند الفرنسية إن تسمية أعماله بالسياسة هو تبسيط مبالغ فيه ، وبالتالي إخفاء أهميتها الحقيقية "
لا اتذكر التاريخ الذي وقعت فيه بحب روايات كونديرا ، لكنني وجدت ذات يوم في مكتبة التحرير رواية بعنوان " الحياة هي في مكان آخر " من اصدار دار الاداب ترجمة رنا ادريس .. وكانت احد الاكتشافات الباهرة في عالم القراءة .. فهي رواية لا تتناول الاحداث او القضايا الكبيرة التي نعيشها ، لكنها معنية بطبيعة العلاقات الانسانية . بطل الرواية " جازوميل " يعاني من محبة أمه الزائدة التي تترك اثارها على كل شيء في حياته ، ولهذا يقرر ان يخترع له حياة اخرى من خلال شخصية اسمها " إكزافييه" الذي يحيا معه في عالم من الاحلام ، عابراً من حلم إلى آخر، كما لو كان يعبر من حياة إلى أخرى، ولن نعجب حين يخبرنا الروائي أن هذه الحرية العجيبة ناجمة عن كونه بلا أم وبلا أب، ذلك أن انعدام وجود الأبوين هو شرط الحرية الأول، لا تبدأ الحرية حيث يُرفض الآباء أو يُدفنون، بل حيث لا يكون لهم وجود، حيث يأتي الإنسان إلى العالم دون أن يدري من أين.
يصبح جازميل الشاب الوسيم مثل كونديرا في الخمسينيات شاعراً، " كان يكتب قصائد عن الطفولة المصطنعة، عن الحنان، عن موت وهمي، عن شيخوخة وهمية، كانت تلك ثلاث رايات زرق يتقدم تحتها خائفاً نحو جسد المرأة الراشدة الحقيقي على نحو هائل" .
وبرغم بلوغه سن العشرين، ولسبب لا يكشف عنه كونديرا، يظل جازوميل يقبل أن تختار له أمّه ملابسه، لذا لن نندهش حين نراه بعد ذلك يُوثق عشيقته الشقراء الصغيرة ويشل حركتها حين يمارس الجنس معها: " إن جوهر المشكلة أنها كانت تفلت منه، إنه لم يكن يتملكها تماماً" . كان أي ميل للاستقلالية لدى العشيقة الصغيرة يسوء جازوميل، كان يود: " ألّا تكون أبداً في مكان آخر غير مغطس الحب ذاك، ألّا تحاول الخروج منه، ولو بالفكر، أن تكون مغمورة تحت سطح أفكار جازوميل وكلماته" ، مثلما كان هو مغموراً في أفكار أمّه وكلماتها.
في النهاية يشي جازوميل بعشيقته إلى السلطات فيتم إلقاء القبض عليها والزجّ بها في السجن، وهكذا سيصبح سيدها المطلق، وسيكون في النهاية، قد أخذ بثأره من أمّه " إنها له، له، له" . .ثم يقع الشاعر الشاب مريضاً حتى الموت، ويكتب كونديرا في نهاية الرواية مقطعاً شديد التهكم يقول فيه جازوميل لأمّه وهو لا يزال يمسك بيدها: " أنتِ الأجمل من بينهن جميعاً، أنتِ أكثر من أحببتُ" .
كانت الرواية غريبة بالنسبة لي ، كان من الصعب عليّ آنذاك ان افهم الطبيعة المعقدة لبطل الرواية .. لكن الرواية قدمت لي خدمة اخرى فقد ادخلتني عالما من القراءة جديد تماما .
بعد سنوات ، اصبحت روايات كونديرا متوفره ، اعدت قراءة " الحياة هي في مكان آخر " .. بدت الرواية تبدو لي مذهلة ، لقد كنت قادرا بعد القراءة الثانية على استيعاب الفكاهة السوداء التي تتمتع بها روايات كونديرا
بدأت بعد ذلك محبتي بكونديرا واعماله .. وبدأت معها رحلة البحث عن كتبه وايضا سنوات الانتظار ، فقد كنت في كل عام انتظر مثل آلاف من عشاق الكاتب التشيكي ان يحصل على جائزة نوبل ، ولسوء الحظ فقد بلغ الثالثة والتسعين من عمره ، وفي كل عام يصر اصحاب الجائزة على إيهام القراء ان كونديرا شخصية من الخيال لا وجود لها على ارض الواقع ، وانه يعيش في مكان آخر .

١
احد الاجابات الساخرة التي يقولها كونديرا حول عدم حصوله على جائزة نوبل انه ولد في يوم " كذبة نيسان " – ولد في الاول من نيسان عام 1929 – ولهذا يعتبر ان علاقته بجائزة نوبل اصبحت أصبحت مثل النكات التي تلقى بمناسبة الأول من نيسان مجرد اكاذيب. يقول انه في صباه حلم دواء من شأنه أن يجعل الانسان غير مرئي والى " الآن أرغب في الحصول على الدواء الذي يجعلني غير مرئي. ''
في كل حديث عن جائزة نوبل يتذكركونديرا مواطنه الشاعر التشيكي ياروسلاف سيفرت الذي حصل على نوبل عام 1984 وكان قد بلغ الثالثة والثمانين من عمره ، ويقال أن السفير السويدي عندما اراد ابلاغ ياروسلاف سيفرت بفوزه بالجائزة كان يرقد في المستشفى وقال للسفير بحزن : " لكن ماذا سأفعل الآن بكل هذه الأموال؟" .
الابن الوحيد لعائلة مثقفة من الطبقة الوسطى،ولد في مدينة برونو المدينة الثانية في ( تشيكوسلوفاكيا ) بعد براغ . والده متخصص في الموسيقى، ولا نعرف ما مهنة أمّه ، ظل متعلقاً بوالده عازف البيانو الشهير الذي قاده إلى دروب بارتوك، وسترافينسكي، ورحمانوف. اضطر في سنّ مبكرة أن ينشغل بالسياسة، ففي التاسعة من عمره كانت بلاده تشيكوسلوفاكيا تنزلق نحو الحرب، وسيكتب في ما بعد أن العديد من أفراد عائلته زُجّ بهم في معسكرات الاعتقال النازية بسبب ميولهم الشيوعية، وأن البعض منهم لقوا حتفهم. عندما وقع انقلاب براغ عام 1948 كان ميلان في الثامنة عشرة من عمره، وقد سحرته دروب يوتوبيا الكادحين، فانضم للحزب الشيوعي:" اسرتني الشيوعية بقدر ما أسرني سترافنيسكي وبيكاسو والسيريالية " – السيرة غير المعروفة لميلان كونديرا ترجمة وثام غداس - . بدأ حياته شاعراً، ويُقال أن مجموعته الشعرية الأولى: (أنا لا أقرأ التشيكية) حظيت بردود فعل إيجابية، لكن كونديرا اكتشف في ما بعد وبالصدفة سارتر الفيلسوف من خلال كتابه " الوجود والعدم ، ليعنرف فيما بعد ان جان بول سارتر احد اساتذته في الفكر .وقد حاول في مجموعته الشعرية الثانية أن ينزع نحو الوجودية، الأمر الذي أثار نقمة الجهات الرسمية التي قررت فصله من الحزب عام 1950، وكانت أسباب الفصل تؤكد أنه من غير المعقول في بلد شيوعي، أن يبشّر الشعراء بالعدمية والوجودية. في سن السادسة والعشرين كتب قصيدة يمجّد فيها بطل المقاومة التشيكي (فوسيك) فاستحق عنها إعادة الاعتبار له، ليصدر قرار بإعادته إلى الحزب.
طيلة الستينيات قام كونديرا بتدريس السينما في الجامعة، وفي تلك الأثناء نشر روايته (المزحة) وهي درس عن الحب في زمن سيطرة الأيديولوجيات، وقد تُرجمت إلى الفرنسية بتقديم الشاعر الفرنسي الكبير أراغون، الذي وجد فيها تصويراً لأزمة الأحزاب اليسارية في أوروبا، في عام 1968 قرر الروس دخول براغ، لم يختر كونديرا الهروب، فقد أراد الاستمرار في إيمانه بالاشتراكية وبإمكانية التغيير من الداخل، لكنه في المقابل ترك نفسه، لأن يكتب بحريّة، الأمر الذي أدى إلى طرده عام 1970 من الحزب الشيوعي، وصدور قرار بمنع كتبه من التداول، بعدها أقيل من وظيفته في الجامعة، قرر أن يعمل في إحدى الصحف لتحرير باب الأبراج باسم مستعار: " ألّا يكون للمرء وجود علني أمر له محاسنه أيضاً" . في هذه الفترة ينصرف لكتابة الرواية لتصدر له روايتان كبيرتان هما: (الحياة هي في مكان آخر) و(فالس الوداع) اللتان رسّختا اسمه كواحد من روائيي الجيل الجديد. عام 1975 يسافر إلى فرنسا ليقيم بصفة لاجئ، بعد أربعة أعوام يُجرّد من جنسيته التشيكية، فيُمنح عام 1979 الجنسية الفرنسية، لم يُحدث المنفى ولا الكتابة بالفرنسية، تغيراً في أسلوب كونديرا الروائي، وأقصى ما لاحظه النقاد أن رواياته باتت تحمل خصائص التقشف في اللغة والاقتصاد في الوسائل، وتجنب النزعات العاطفية، ولعل ما سمح لكونديرا بهذه النقلة، هو إصراره على إعادة كتابة ماضيه الشخصي، الأمر الذي جعله يمتنع عن إعادة طباعة أعماله القديمة التي تعود إلى فترة الخمسينيات والستينيات، فهو يعدّها غير ناضجة ولا تسحق القراءة: "إن أول نصّ يستحق الذكر هو قصة قصيرة كتبتُها في سن الثلاثين، بعنوان (غراميات مرحة)، من هنا بدأَت حياتي ككاتب" .
يتصرف كونديرا مع قصة حياته الخاصة كروائي، فينبّهنا في (خفّة الكائن التي لا تُحتمل) إلى " أن الشخصيات الروائية لا تولد من جسد أمّ، بل من بضع كلمات موحية، من استعارة، من موقف أساسي" ، وهو أقرب إلى تصور سارتر في (الوجود والعدم)، الكتاب الذي اعتبره كونديرا أشبه بالإنجيل، كان سارتر في الكلمات يصرّ على أن نسيان الطفولة والسكوت عن الأشياء التي تمّ تلقيها وتعلمها، أشبه بقانون رفض الهوية.
عندما يسأل عن الروائي المفضل لديه يجيب بسرعة : أنا أحب تولستوي كثيرا. إنه أكثر حداثة من دوستويفسكي. ربما كان تولستوي أول من أدرك الدور اللاعقلاني في السلوك البشري. الدور الذي يلعبه الغباء في حياة الناس " – فن الرواية ترجمة بدر الدين عردوكي -

2
رواية بعد أخرى نستكشف مع كونديرا مفارقات الوجود الإنساني، ما من أحد أكثر منه موهبة في الكشف عن الضلالات التي نعيش فيها، والأدوار التي فُرضت علينا كي نلعبها في الحياة، وأكاذيبنا، واستعراضاتنا الجنسية، وحيلنا ومراوغاتنا لصدّ " خفة الكائن التي لا تحتمل" ، ولا أحد مثله باستطاعته المزج مزجاً بارعاً وبطريقة أقرب إلى كتابة النوتة الموسيقية، بين الخيال الروائي، والمقالة الفلسفية، أن فكرته الأساسية في معظم أعماله الروائية، هي أن لاوجود للهوية، لأنّ مظهرنا الجسدي أمر اعتباطي، دائم التحوّل، وذاكرتنا لا يمكن الوثوق بها كثيراً، وحتى آرائنا وأفكارنا وأذواقنا وأنماط عيشنا، إنّما تصوغها الصدفة، يخبرنا كونديرا أن الإيجابي هو الذي أدرك الطبيعة التراجيكوميدية للحياة الإنسانية، والسلبي هو ذلك الذي يسعى دوماً إلى إقناعك بالانتماء إلى شيء ما، بلد أو حزب، أو دين أو عائلة.
يكتب كونديرا: " بعد نشري لكتابي الأول (المزحة) الكثير من القراء اكتشفوا أن شخصيات الرواية موجودة بينهم وهم يلتقون بها في الطرقات والمترو ومقاهي الرصيف" . ويضيف صاحب (الضحك والنسيان) إن دراسته للموسيقى والسينما مكّنته من أن يتناول الموضوعات الأكثر قتامة بأسلوب هزلي، من (خفة الكائن التي لا تُحتمل) إلى (الحياة هي في مكان آخر) مروراً بـ (المزحة والجهل)، ظلّت الفكاهة سمة مميزة لكتاباته، وهو يقول لمحاوره كريستيان سالمون: " إن التسلية والإمتاع كانت وسيلته لتمرير أفكار يعتقد بها، فهو يعتقد أن الرواية يجب أن تجمع بين المعنى الجادّ والأسلوب المُسلّي، على غرار ما قدّم تشارلز ديكنز في رائعته (أوقات عصيبة) - ترجمة: عز الدين محمد زين -
يؤكد كونديرا في كل أعماله الروائية أن العالم الذي نعيش مآسيه، لا يساوي دم من ماتوا ليجعلوه مكاناً أفضل، فهدف النسيان والسخرية عند الإنسان، هو تجاوز التاريخ ثم الانصراف لما هو أهم، سواء كان حياة أو فناً أو موقفاً أخلاقياً أو صمتاً مطبقاً.
في معظم رواياته يحاول ميلان كونديرا الخروج إلى ادراك فلسفي للحياة المعاصرة . وفي رأيه ان الروائي لا يملك الحق في تقييد نفسه بالانتماء والانحياز لا الى المذهب السياسي ولا الى العقيدة ولا الى الايديولوجيا
- انت شيوعي . ياسيد كونديرا
- لا ، انا روائي
- انت منشق ؟
- لا انا روائي .
- انت يساري ، ام يميني ؟
- لا انا روائي – فلسفة الحياة عند كونديرا ترجمة اشرف الصباغ -
لماذا احب ان اقرأ كونديرا دائما ، بالنسبة لي ولكثير من قراء رواياته ، نجد ان صاحب " المزحة " يمنحنا بعضا من روحه المتمردة التي تتسلل من بين صفحات رواياته . نقرأ كونديرا لأننا نريد أن نكون مثله في مرحلة ما من حياتنا. كل كتاب من كتب ميلان كونديرا هو تجربة شخصية. نقرأها لأننا لا نريد أن يقال لنا ما يجب أن نفعله ،ولأننا ايضا نكره أن يقال لنا ما يجب أن نفعله. والاهم من هذا كله دعوته للحقيقة والحرية الداخلية التي بدونها لا يمكن التعرف على حقيقة الانسان . يكتب كونديرا :" أن تكون كاتبا لا يعني أن تلقي مواعظ عن الحقيقة ، يعني القدرة على اكتشاف الحقيقة " .

3
2025/07/02 00:42:57
Back to Top
HTML Embed Code: