Telegram Web Link
صفاء وسكينة، متحملاً تلك المجازفة باسم معتقداته التي يؤمن بها- كارل ياسبرز مدخل الى الفلسفة ترجمة محمد فتحي الشنيطي - ، في حوار مع سيمون دي بوفوار يقول سارتر إنّه تعلم من سقراط كيف يمكن للفيلسوف أن ينزل الفلسفة من السماء إلى الارض، ويُدخلها إلى الأسواق والبيوت. ومثلما ارتبطت الوجوديّة بالمقاهي الباريسية والنوادي الثقافية الألمانية ومدرجات الطلبة، ارتبطت فلسفة سقراط ومعه السفسطائيين بالناس الذين كانوا يقابلونهم في الأسواق والشوارع، حيث كانت عادته أن يتوجه كل صباح إلى الأسواق حيث يتجمع الناس ليلقون عليهم اسئئلتهم ، والخلاف الوحيد بين سقراط والسفسطائيين ، انه لم يكن يتقاضى مالاً مقابل أحاديثه ودروسه، حيث اعتبر نفسه منشغلاً برسالة مفروضة عليه، فلا يكاد إنسان يلقي عليه السلام حتى يسأله عن معنى كلمة الشرّ، ولماذا علينا أن نختار الخير. وتدور المناقشات ساعات وساعات، مثلما كانت تدور في المقاهي الفرنسية التي كان من أشهرها مقهى اسمه (لي دو ماغو) حيث كان جان بول سارتر ومعه سيمون دي بوفوار ومجموعة من أصدقائهم يدخلونه صباحاً ويجلسون فيه على موائد صغيرة متجاورة ويدخلون في نقاشات لا تتوقف وهم يحرقون السجائر. تكتب سيمون دي بوفوار: " كنتُ أشعر أن المقهى أصبح جزءاً من العائلة" – قوة الاشياء ترجمة محمد فطومي - .وفي أثينا القديمة كان يمكن أن تصادف رجلاً يتجوّل في الشوارع يحادث المارة، وإن كان ثمة شخص لا يعرفه فلسوف يسأله : •من تكون يا هذا؟
- سقراط بن سوفرونيسكوس.
• ما هي اهتماماتك؟
- أن أتحدّث مع الذين يودّون ذلك.
• ولأيّ هدف؟
- لكي أساعد العقول على أن تولّد الحقيقة.
وليس غريباً أن تكون لدى كلٍّ من كيركغارد ونيتشه، مواقف متضاربة تجاه فلسفة سقراط؛ فمن ناحية، كان يُنظر إلى سقراط كمدافع عن نوع من العقلانية يتخطى القيم التقليدية والشخصية الخالصة إلى معايير أخلاقية عالمية، وهو ما أشاد به كيركغارد نفسه وانتقده نيتشه. لكن كليهما أدرك أن سقراط خاطر بتجاوز حدود المعقول كي يعيش الحياة بكلّ معانيها. وكما علق كيركغارد حول أهمية القناعة الشخصية التي يكون فيها الشخص مستعدّاً للتضحية بحياته من أجلها مثلما فعل سقراط وهو يتجرع السمّ.
هكذا نجد أن الأساس في فلسفة سقراط وبرتاغوراس هو معرفة الإنسان لنفسه. إن موضوع الفلسفة ودورها الأساسي وهدفها الرئيس ، يكمن في معرفة طبيعة الإنسان للمصدر الأول لأعماله وسلوكه، لطريقته في العيش والتفكير، وان المعرفة المعرفة لا تتحقق إلّا من خلال معرفة النفس، وأن الفيلسوف الحقّ هو من يمارس فلسفة الحياة، وأن يكون منهجه الحقيقي هو الحوار والمحادثة الحية، ودراسة المسائل التي تنشأ من السؤال والجواب.
في محاورة المادبة يصف ألقيبيادس ما فعلته في نفسه حواراته مع سقراط :" تركني في حالة ذهنية شعرت فيها انني ، ببساطة ، لا استطيع أن امضي في العيش بالطريقة التي كنت عليها .. جعلني اعترف انني بينما اقضي وقتي في السياسة فأنا اهمل كل الاشياء التي تهيب بي ان انتبه اليها في نفسي " – افلاطون محاورة المأدبة ترجمة وليم الميري -
عندما يقول برتاغوراس : " الإنسان مقياس الأشياء جميعًا" ، فإنه يتحدث عن الإنسان بوصفه نوعا، لا عن الناس بوصفهم أفرادًا. وعندما يقول: " إننا وجدنا في عالم غير مكترث" ، فإنه يعني أيضًا الجنس البشري في عمومه، وهو يضيف إلى ذلك على الفور الفكرة الإيجابية المتفائلة القائلة إن الناس من حيث هم أفراد ليسوا وحدهم، وإنما هم بطبيعتهم كائنات اجتماعية قادرة على المشاركة مع أقرانهم من البشر والتعاون معهم من أجل تحقيق مصالحهم الفردية ومصالح الجنس البشري بأكمله. فصاحب النزعة الإنسانية يرى في وحدة الجنس البشري قوة فاعلة يمكن استغلالها في نشر مزيد من الوعي الاجتماعي وروح المساعدة المتبادلة بين الأفراد. وهو على هذا النحو يحول ما يرى معظم الناس أنه جانب مؤسف من جوانب الموقف الإنساني، أعني عزلة الإنسان في الكون، إلى مصدر ممكن للخير البشري.
ينسب إلى بروتاغوراس ما يقارب عشرة أعمال، من بينها: " في الموجود" ، و" في العلم" ، و" في الآلهة" ، و" الجدل أو فن الحوار" ، و" الحقيقة" ، ولم يبق من هذه الكتب شيئا بسبب ما تعرضت له من مصادرة او حرق ، وقد وصلت منها شذرات في كتب تاريخ الفلسفة وايضا في محاورات افلاطون التي كان بروتاغوراس احد شخصياتها مثل محاورة " بروتاغوراس" ومحاورة " الثئيتتس" .
في معظم شذراته التي وصلتنا نجد ان بروتاغوراس يسخر من الميتافيزيقيا وينظر الى الوجود الطبيعي من خلال الوجود الانساني ، مناديا بانسانية الانسان ووجود ذاته ، وعلى هذا الاساس رقض السفسطائيون وفي مقدمتهم بروتاغوراس القوانين التي تحد من حرية الانسان ، فالانسان في نظرهم مزود بطبيعة حرة متمردة متفوقة .فالانسان كما يقول الفيسوف السفسطائي أنطيفون " اعظم الحيوانات الوهية " ، فالفرد هو كل شيء هو المقياس ، هو الحقيقية ..
والذي يريد السعادة ويحرص عليها يجب ان يقتنيها في ذاته .فالطبيعة البشرية في راي السفسطائيين هي طبيعة الذات القوية التي لا تخضع ولا تسمح باستعبادها . هسي طيسعة متمردة تنشد الفرادة والتميز والتفوق . هي طبيعة تكره الضعف وتنادي بـ " إرادة القوة "
لم يتزوج بروتاغوراس طوال حياته ، حتى يتجنب كما يقول في محاورة افلاطون " عبئا ثقيلا يقع عليه " عاش حياته متجولا ، يهتم بالجدال مع الناس ، وينسب اليه انه اول من ابتكر ذلك تانوع تاذي سمي " الجدل السقراطي " ، ووفقا لما يقوله افلاطون فان بروتاغوراس اول من اوضح الكيفية التي يتسنى بها للمحاور ان يدحض القضايا المطروحة امامه للنقاش . يحبرنا ديوجينيس في كتابه مشاهير الفلاسفة ان بروتاغوراس توفي بعد ان غرقت سفينته عندما كان يقوم باحدى رحلاته البحرية ، وقد كان عمرة قد قارب التسعين عاما.وقد القيت في رثاءه قصيدة جاء فيها :
" إي بروتاغوراس
لقد سمعت عنك قولا
مؤداه أنك قضيت نحبك
وانت رجل هرم " .
اليوم ونحن نحتفل بالفلسفة ، نتساءل : هل الفلسفة تقف في مواجهة مشكلة التعايش السلمي بين البشر في العالم كله ؟ . وهل لا يزال الفيلسوف يساهم في السؤال المطروح دوما عن معنى ان ننحترم حق الاخر في الحياة ؟ .. لعل موقف بعض كبار فلاسفة الغرب من الحرب الهمجية التي تشنها اسرائيل على الفلسطينيين يجيب على بعض الاسئلة التي تراودنا عن موقف الفلسفة تجاه ما يجري في العالم . في الايام الاخيرة وصفت الفيلسوفة الامريكية جوديث بتلر ما يجري في غزة بالابادة الجماعية التي يريد من خلالها جيش الاحتلال الاسرائيلي القضاء على شعب باكمله ومنعه من الحصول على حقع في اقامة بلد يعيش فيه بامان .فيما عبر الفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجك عن ادانته لاسرائيل التي وصفها بالكيان المتشدد الذي يسعى الى الغاء الاخر ، فيما عبر الفيلسوف الايطالي جورجيو اغاميين عن خيبة امله من الحكومات الغربية التي تتفرج على المحازر ولا تحرك شيئا . في الوقت الذي اصدر فيه اكثر من " 80 " فيلسوفا واستاذا للفلسفة بيانا اعلنوا فيه تضامنهم مع الشعب الفلسطيني وإدانتهم المذبحة التي ترتكبها إسرائيل في غزة، ولم يكتفوا بذلك بل وجهوا ادانة شديدة لحكومات بلدانهم لكونها تقف مع اسرائيل وطالبوهم بموقف انساني واضح امام ما يحدث من انتهاكات للانسانية ، ونجد مفكرا كبيرا مثل الامريكي نعوم تشومسكي يصف ما يجري في عزة بانه تطهير عرقي ، مطالبا العالم بان يقفوا مع الانسانية المضطهدة ، فلا شيْ اهم من الانسان وحريته وحقه في العيش بامان واستقرار وكرامة .
ستطالب الصهيونية، وفي ما بعد، دولة إسرائيل، الفلسطينيين بالاعتراف بها قانونيا. ومن جهتها، فإن دولة إسرائيل لم تتوقف عن إنكار وجود شعب فلسطيني. فلا حديث عندها عن فلسطينيين، وإنما عن عرب فلسطين، وكأنهم وجدوا أنفسهم هناك صدفة أو خطأ. لاحقا، سيتم الأمر وكأن الفلسطينيين المهجّرين جاؤوا من خارج. ولن يتم الحديث قط عن حرب المقاومة الأولى التي خاضوها وحدهم. وسيعتبرون من سلالة هتلر، ما داموا لم يعترفوا بحق دولة إسرائيل. إلا أن إسرائيل تحتفظ بحقها في إنكار وجودهم الفعلي. وهنا تبدأ سردية سيزداد انتشارها أكثر فأكثر لتثقل كاهل كل أولئك الذين يدافعون عن القضية الفلسطينية".


الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز..
قبل 40 عامًا..
🔝🔥مجلد يضم مجموعة من أهم قنوات تيليغرام (قنوات كتب عربية pdf🔻 وانكليزية 📚، وأدبية وفكرية وكتب صوتية) ..
أنضم الآن.. ولا تفوت الفرصة. ➡️

🔗https://www.tg-me.com/addlist/xZducTB9T0E4NGMx 💯
Please open Telegram to view this post
VIEW IN TELEGRAM
• مدخلٌ إلى فلسفةِ "جاك دريدا "
( التأجيل - الاختلاف - الحضور )

- لا يزال "جاك دريدا" الفيلسوف الأكثر إثارة للجدل في القرن العشرين وفي قرننا الحالي. يقترن اسمه في المقام الأول بالنظرية التفكيكية. وهي نظرية ذات نهج مُعقَّد ودقيق لكيفية قراءة وفهم طبيعة النصوص المكتوبة. والمقولة الأشهر لدريدا : "لا شيء خارج النص". ولنفهم ما تعنيه هذه العبارة لابُدّ من نظرة فاحصة عن نهج دريدا التفكيكي بشكل عام.

- يرى دريدا أنّنا عندما نختار كتاباً ما لمطالعته ، ككتاب فلسفة أو رواية مثلاً ، فإننا نتخيّل أن مابين أيدينا موضوع يمكن أن نفهمه وأن نُفسِّره كعمل متكامل قائم بحدِّ ذاته. فعلى سبيل المثال : تخيّل أنك ذهبت إلى المكتبة وحصلت على كتاب "في علم الكتابة" لمؤلِّفه "جاك دريدا" ، فإنك تتوقع بأنه سيكون لديك فكرة عامة وشاملة بمجرد قراءتك لهذا الكتاب. والواقع - برأي دريدا نفسه - أن النصوص لا تعمل على هذه الشاكلة بما في ذلك النصوص البديهية والبسيطة. لأنه - أي دريدا - يعتقد بأن كل النصوص تحتوي على ثغرات وتناقضات ، ولذا فإن مهمة التفكيكية هي إيجاد تلك الثغرات والتناقضات ، ومن خلال اكتشاف هذه الثغرات يتم توسيع دائرة فهمنا لتلك النصوص.

- النظرية التفكيكية إذن هي طريقة لقراءة النصوص وإظهار المفارقات والتناقضات الخفية إلى العلن ، أو بعبارة أخرى ( قراءة مابين السطور ). ويجب الأخذ في الاعتبار أنها - أي التفكيكية - ليست مجرد طريقة لقراءة الفلسفة والأدب ، فنظرية دريدا تثير التساؤل حول العلاقة بين اللغة والفكر والأخلاق.

- ومن المصطلحات التقنيّة المهمة التي تدور حولها نظرية دريدا : مصطلح "الإرجاء" أو "التأجيل" ، ومصطلح "الاختلاف". لنبدأ بفكرة "التأجيل" : نقول مثلاً ( رأى صديقي ) و نضيف ( سيارة بيضاء ) ثم نكمل ( في الشارع ) ونتابع الحديث (.....). مع كل كلمة نضيفها يطرأ تغييراً على معنى العبارة ، ويتغيّر معنى كلمة ( سيارة ) ، وبالتالي فإن كل معلومة تُضاف تؤدي إلى تأجيل المعنى الكامل للعبارة. وهناك أمر آخر يجب أخذه في الاعتبار : حيث أن كلمة ( سيارة ) لا يرتكز معناها على السيارة الحقيقية الموجودة في العالم الخارجي ، لأن الكلمة تأخذ معناها من خلال موقعها في نسق اللغة ونظامها. ولذلك فكلمة ( سيارة ) لا تكتسب معناها بسبب الرابط الخفي بينها وبين السيارة الحقيقية بل تكتسب معناها من اختلافها عن كلمة ( دراجة ) أو ( عربة ) مثلاً ، وذلك ما يسميه دريدا ( الاختلاف ).

- النتيجة التي نتوصّل إليها من خلال مفهومي "التأجيل"
و "الاختلاف" : إن معنى أي شيء نقوله دائماً مؤجَّل لأنه يعتمد على ما سنضيفه ، والأمر الذي سنضيفه يعتمد معناه على ما سنضيفه لاحقاً ؛ وهكذا. ثم إن أي كلمة نقولها يعتمد معناها على الأمور الأخرى التي لا تعنيها أيضاً.

- لقد اعتاد الفلاسفة منذ القدم على اعتبار الكتابة انعكاس شاحب للكلمة المنطوقة. وتلك الأخيرة كانت تعدّ الوسيلة الأساسية للتواصل آنذاك. لكن دريدا يرى عكس ذلك : إذ عنده أن الكلمة المكتوبة تُظهِر أموراً لا يمكن للكلمة المنطوقة أن تكشفها. حتى أنه يُعتقد في الماضي أن المعنى يأتي من خلال الحضور ، ذلك أننا حين نتكلّم مع شخص ما بشكل مباشر ، وحصل التباس معين أثناء الحديث ، فإننا نستطيع أن نطلب من هذا الشخص أن يوضِّح ويزيل الالتباس ، وهذا أدى إلى الاعتقاد بأن المعنى بشكل عام يظهر من خلال هذا الحضور ؛ أي حضور الشخص بشكل مباشر. لكن دريدا يرى أننا حين نتعامل مع النص المكتوب ، فإننا نتحرِّر من طغيان هذا الحضور ، فمثلاً عندما نقرأ نصّاً لا يكون مؤلِّفه حاضراً ، فإننا نتخلّص من تفسيراته وأعذاره ، ونبدأ بملاحظة التناقضات والطرق المسدودة في النص.

- فعندما يقول دريدا "لاشيء خارج النص" فهو لا يعني أن كل ما يهم هو عالم الكتب والكتابة ، وأن العالم الحقيقي ليس مهماً ، إذ أنه لا يُقلِّل من أهمية القضايا الاجتماعية الكامنة وراء النص. بل إن ما يرفضه دريدا هو القراءة التقليدية والتاريخية وتقسيم العصور ، لأنها تبحث في مؤثرات غير لغوية وتبعد الباحث عن الاختلافات اللغوية في النصوص. فكل شيء يوجد في المغايرة والتأجيل وسلسلة الاختلافات. أي أن النص يخلق واقعه ويفرض نفسه ويُكوِّن مجاله.

____

في علم الكتابة ، جاك دريدا ، ترجمة أنور مغيث ، منى طلبة ، المركز القومي للترجمة ، مصر.

مدخل إلى فلسفة جاك دريدا ، روجي لابورت ، ترجمة إدريس كثير - عز الدين الخطابي ، أفريقيا الشرق.
Please open Telegram to view this post
VIEW IN TELEGRAM
Please open Telegram to view this post
VIEW IN TELEGRAM
Please open Telegram to view this post
VIEW IN TELEGRAM
Please open Telegram to view this post
VIEW IN TELEGRAM
الذي ليس لديه أيّ حسٍّ فلسفيّ، هو انسانٌ يعبر الوجود وهو مسجونٌ في الأحكام القبلية التي يتلقاها من الحس المشترك والمعتقدات المألوفة لزمانه ووطنه والقناعات المتراكمة التي طوّرها دون تعاون وموافقة عقله.

- برتراند راسل
Forwarded from فرانز كافكا
📓موريس بلانشو قارئا كافكا.. 🖍️
📝محسن وحي



🔎 إن البحث في فكر الروائي والأديب التشيكي كافكا كالبحث عن أحجية غامضة، وهذا يرجع إلى مجموعة من الأسباب من بينها أن طبيعة الأدب الكافكوي قابل لعدة تأويلات مختلفة يمكن أن تصل إلى حد التناقض، تأويلات تريد أن تجد لنفسها الخيط الرابط بين مجالين مختلفين : الحياة الخاصة لكافكا وأدبه، بين عالمين يؤثر أحدهما في الآخر، عالمين منفتحين على جميع الإمكانيات المتعددة للتأويل. يقول موريس بلانشو "أن أي قراءة لكافكا ستكون خائنة بشكل من الأشكال، وهذا الشيء يرجع إلى استحالة وجود تأويل واحد للأعمال الأدبية لكافكا" . يمكن أن نستنتج من خلال هذا الاقتباس لموريس بلانشو أن أحد مصادر الغنى والخصوبة فيما تركه كافكا وراءه من أثار كتابية هو تعدد المعنى الذي تحمله في طياته، إن كتاباته بمعنى من المعاني تتحدى التأويل الواحد والمعنى . هذا المعطى ما هو إلا تعبير عن مكانة كافكا في الأدب العالمي، يصفه "برادبري" بأنه الكاتب الأطول ظلا لأنه أثر بشكل عميق على عدد من الكتاب المعروفين والمكرسين في الدوائر الأدبية والنقدية،"ألبير كامو" مثلا كان يكتب مثل رجل مدان مثل كافكا تماما، وقد صرح في أكثر من موضع بإعجابه بكافكا.
لعل ما يميز كافكا هو تعدد تصنيف فكره من قبل دارسيه، فهناك من يعتبره بأنه مفكر ديني لأنه يؤمن بالمطلق أو الإله-هذا التصنيف نجده عند صديقه ماكس برود- وبالمقابل هناك من يعتبره بأنه ينتمي إلى النزعة الإنسانية التي تنتصر للإنسان بغض النظر عن ارتباطه بالإله. بالإضافة إلى ذلك فهناك تأويلات مختلفة فيما يخص حياة كافكا، فمثلا" بيير كلوسوسكي" يرى أن حياة كافكا وسيرته الذاتية هي نموذج لشخص مريض يرغب في الشفاء ، بينما يرى "جون ستاغوبينسكي" بأن كافكا مثل رجل غريب مسه سوء الطالع .
يرى موريس بلانشو بأن هذه القراءات والتأويلات المتعددة لفكر كافكا وحياته الخاصة تعكس سوء فهم لقراءة تريد أن تحفظ لنفسها حق حل الأحجية . إن ما يفسر هذا المعطى المرتبط بالقراءة الفكرية لكافكا هو أن أسلوبه في الكتابة يعتمد على الأسلوب الشذري في الكتابة ، بالإضافة إلى هذا فالعالم الكافكوي- القصصي والروائي- هو عالم على حد تعبير بلانشو عالم متهم وغير مقفل، انه عالم اللاعدالة والخطأ بمعنى أن أدب كافكا لامتناهي من حيث المعنى يفرض على القارئ أن يكون قارئا مؤولا مطالب باحترام مقتضيات النص أي بدراسته في شكله وتشكُّله وباحترام مقتضيات الفهم أي بتتبع حركية المعنى ومحاولة الوقوف على الأرض الصلبة. ومن الممكن أن نذكر من المراحل التي يتبعها المؤول، مرحلة الوصف ومرحلة التفسير ومرحلة التأويل ومرحلة التقييم.
1 – الوصف أو التوصيف: هو تحديد مجموع المواصفات والشروط والعلاقات التي تؤسس النص أي تحديد المستوى السيمانطيقي ومعرفة الطبيعة النوعية للكتابة التي ينتمي إليها. وبما أن لغة الأدب قد تجعل العلامات منفصلة عن الأشياء ومنفتحة على الخيال فإنها تقدم إمكانية إيجاد أبنية جديدة تجعل النص في صورته الخاصة موجودا بالقوة فقط أو موجودا مع وقف التنفيذ. ولذلك ينبغي للمؤول في هذه المرحلة أن يستفيد من الدراسات اللغوية أو من الدراسات البنيوية ليفتح منفذا إلى الاضطراب الحاصل بين كيان النص وكينونته أو بين عالمه وحقيقته أو بين إشكالية الكتابة وإشكالية القراءة …على أن الوصف قد لا يكون موضوعيا أو تاما ومن ثم قد يكون موجِّها لعملية التأويل منذ البداية، وتلك إحدى المزالق التي يحف بها .
2 – التفسير: وهو محاولة إقامة تلاؤم سيمانطيقي جديد في النص لإزالة الغرابة واستعادة أو خلق الألفة المفقودة فيه، بمعنى التعرف على المقامات أو السياقات التي تفيد في فهمه أو تجعله ذا معنى يساعد على إنجاز المرجعية التي ظلت معلقة. ورغم أن الأثر يفيد بما يجعل منه آلية تمثُّل البنيات الاجتماعية والثقافية والإنسانية، وبما ينم عن انشغالات القراء زمن إنشائه، وبما يحدد دوره ومنزلته ضمن صيرورة التاريخ وفي جدلية الفن والواقع، فإن السياقات الخارجية قد لا تفيد كثيرا في عملية التأويل، لأن القارئ أو الناقد المؤول ينظر إلى ملابسات الجانب التقني في بناء النص وليس إلى مُرْفَقَاته. فالنص الشعري مثلا يفسر في نطاق مستلزمات الشعر ومقومات النوع وليس فقط فيما قد يحتويه من أثر السياقات الخارجية وعليه فإن مشكلة التأويل تتجاوز ما يدعي النص أنه يقوله أو لا يقوله، وتعني بالأحرى تلك الكيفية التي يحدد بها السياق تأويل المقول. ومع ذلك أو لذلك فإن التفسير قد لا يزيل كل الغموض، وبالتالي قد لا يصل التأويل إلى المدى المطلوب.
3 – التأويل: يتتبع التأويل إذن وفق المراحل السابقة حركية المعنى في النص متجها إلى العالم ومستهدفا استخلاص الحقيقة من الفن أو معرفة الباطن من وراء الظاهر. فهو بسط للوسائط الممكنة بين الأدب أو غير الأدب والناس.

1️⃣
Please open Telegram to view this post
VIEW IN TELEGRAM
Forwarded from فرانز كافكا
وإذا كان الكاتب غائبا لحظة القراءة فهو محمول حسابه في التأويل، أي في فهمه من خلال فهم كتابته، وهو مصداق قولة ( ديلتي Dilthey ) مثلا: « إن الغاية النهائية للتأويل هي أن نفهم الكاتب أكثر مما فهم هو نفسه »
4 – التقويم: وهو الحكم أو التقدير الذي يأتي في نهاية التأويل، ورغم أنه قد لا يكون صائبا أو شاملا إلا أنه يدفع إلى امتلاك المعنى العميق في النص برمته وتنزيله منزلته ضمن مراتب المعرفة العامة.

يعتبر موريس بلانشو أن كافكا كان شغوفا بالأدب إلى حد القول "أنه لا يريد أن يكون شيئا أخر غير الأدب" . من خلال هذا المقتطف نستنتج أن الأدب بالنسبة لكافكا يحتل مكانة رفيعة في حياته، انه الملاذ الوحيد من ضجر الحياة التي كان يعيشهاً. فالكتابة الأدبية الكافكوية هي تعبير عن رفض الأشياء التافهة، رفض للعمل اليومي الذي تطبعه الرتابة والآلية، ورفض للعلاقة مع الآخرين، ورفض حتى لذاته ، كل ذلك تثبته لنا يوميات كافكا.
إن قراءة الأدب الكافكوي لن تكون ممكنة إلا إذا قراناه في تاريخيته ، فالأعمال الأدبية لكافكا مستقاة من الواقع الاجتماعي والسياسي الذي كان يعيش فيه، وهي الفترة الزمنية التي ظهرت فيها أشكال متعددة من السلط القهرية على الإنسان المعاصر. ولعل أبرز هذه القوى التسلطية هي الأنظمة الشمولية التي ظهرت في القرن العشرين في أروبا، كالنازية في ألمانيا، والفاشية في ايطاليا. وما يميز وضعية الإنسان آنذاك هو فقدانه لحريته وإحساسه بالاغتراب، وتحوله إلى أداة وعبد للآلة التي اقتحمت حياته اقتحاما لتنزوي أمام ذلك إنسانية الإنسان والجانب الروحي فيه إلى أقصى درجات الانزواء. في ظل تلك الظروف التاريخية التي عاش فيها كافكا كان من البديهي أن يتأثر بهذه الوضعية التراجيدية للإنسان المعاصر، نجد هذا المعطى حاضر بشكل واضح في روياته الأدبية مثل: "القلعة"و"القضية" و"أمريكا". يذهب الكثير من النقاد الأدبيين أن هذه الرويات إنما ينتقد فيها كافكا نظام وسلوك البيروقراطية كنموذج من نماذج السلطة التي تنزل كل أشكال الظلم والجور والتعامل اللانساني على البطل الفرد في روياته، ويقابلها فعلا على مستوى الواقع وضعية الأفراد الذين فقدوا قدرتهم على الفعل أمام هذه السلطة البيروقراطية.
يعتبر "جون ماكوري" بأن كافكا هو أعظم الكتاب الوجوديين، فمن خلال روايته "المحاكمة" يمكن أن نجد فيها هذا المعطى حاضر بشكل قوي، حيث يجد البطل نفسه فجأة ماثلا أمام المحكمة ولا يستطيع حتى أن يكتشف طبيعة التهمة الموجهة إليه. هذه القراءة لفكر كافكا إنما هي قراءة خاصة لأن كل قراءة كما يؤكد على ذلك موريس بلانشو إلا وتكون خائنة بشكل من الأشكال.
يقول كافكا في يومياته" كل ما لا يمث صلة بالأدب أشمئز منه وأبغضه "، من خلال هذا المقتطف لكافكا نستشف المكانة الكبيرة التي يليها للأدب، يراه موريس بلانشو أنه مرتبط أشد الارتباط بالكتابة إلى حد أنه يوما ما فكر في الموت عندما كان ملزما بالعمل داخل معمل أبيه لمدة خمسة عشر يوما ستمنعه من الكتابة .
يفترض هذا الشيء حسب بلانشو التساؤل حول ماهية الأدب عند كافكا، فكيف إذن يقرأ بلانشو الكتابة الأدبية عند كافكا؟
إن الأدب عند كافكا هو سؤال حول معنى الحياة، هو ذلك السؤال الذي يغوص في الأعماق وفي التفاصيل، وهذا حسب بلانشو هو جوهر الأدب عندما يصبح سؤالا. الكتابة عند كافكا لا تؤسس على وظيفة جمالية، ولا تستهدف أن تكون تعبيرا عن رواية واقعية، إن ذلك ليس من الكتابة في شيء، بل الكتابة عند كافكا هي الملاذ الوحيد للخلاص من ضجر الحياة ورتابتها وفقدان المعنى . يعتبر موريس بلانشو أن الأدب عند كافكا يشبه تلك الطريقة التي كانت سائدة في القرن العشرين، وهي الكتابة التلقائية، ما فحوى هذه الطريقة في الكتابة؟
الكتابة التلقائية هو ذلك النوع الأدبي الذي ساد في القرن العشرين مع ظهور تيارات أدبية كالسريالية، وهي اتجاه أدبي حاول محاربة عنصر الوعي في الكتابة، فأداعت في بعض الأذهان، أن الكتابة ليست دائما لحظات من الوعي متصلة، بل إنها كثيرا ما تنفلت من سلطان الوعي، وقد تتخلص من هيمنته، وحينئذ يكون اللاوعي وحده هو مصدر العطاء والتدفق والثراء.
إن الأدب حسب بلانشو لن يكون ممكنا إلا بوجود مجموعة من الشروط من بينها:
- أن يكون الكاتب فنانا جيدا
- أن يتحلى الكاتب بحس جمالي
- أن يتقن الكاتب مهنة البحث عن الكلمات والصور.

2️⃣
Please open Telegram to view this post
VIEW IN TELEGRAM
Please open Telegram to view this post
VIEW IN TELEGRAM
Please open Telegram to view this post
VIEW IN TELEGRAM
ونتيجةً لذلك أصبح الادعاء بالتفلسف موضة لمن هو أبعد ما يكون أصلاً عن الفلسفة، وأتاح الأمر كثرة ضخ المعلومات الزائفة ورواج العلوم الزائفة لكثرة مريديها ومدّعي الشهادات والتخصّص.
الفاشينيستا والبلوكرات بمختلف صورهم في وسائل التواصل أصبحوا يقرّرون الكثير ممَّا يسمّى حقيقةً ويقلبون الطاولة على كلِّ ما يجب أن يكون بمعيار كمّي يحدّده عدد المتابعين أو المريدين الإلكترونيين، وهذا ما ساهم في ديمومة علو كعب البعض على الفيلسوف الحقيقي ليتصدّر المشهد ما يسمى بفيلسوف الزور والميديا.
وما سبق هو جزء من طبيعة تنامي الوضع الاستهلاكي الرأسمالي الذي بدأ يتغوّل إلى مرحلة الاستهلاك الصوري المفرط الذي هيمن على ما يسمّى بالسيمولاكرا، وحوّل وقائعنا كلّها إلى صور شبحية بلا مرجعية حقيقية.
نظام الرثاثة
ويصف الدكتور حيدر دوشي هذا الإلحاح في الحاجة إلى الفلسفة في العراق والعالم العربي بعقدة (ألكترا)، فهو ظاهر في ما ينثر من كتابات (الصفحات الثقافية) للصحف والمجلات ومداخل الكتب وخواتيمها، بل قد خصّصت له كتب ومؤتمرات قائمة برأسها. مترافقاً مع الإحساس بغياب القول الفلسفي العراقي والعربي الأصيل والمتسق مع نفسه.
إنَّ شريحة من ذوي البساطة الفكرية تسيّدت الفضاء العام بإدمانها التواجد في وسائل التواصل الاجتماعي، رأت في الفلسفة ترفاً فكرياً لا ضرر من الأخذ به إن تيسّر ذلك أو إكسسواراً لابدَّ من الإلمام به ظنَّاً في نفسها القدرة على سدِّ حاجة الفكر العراقي والعربي إلى غياب الفلسفة. فخرجت علينا بفيض من الطروحات ذات العناوين الفلسفية وبخيارات مزاجية سعياً وراء آخر الصيحات الفكرية في الغرب، لو فحصت لوجدناها، لا تعدو أن تكون تبسيطاً لمذاهب فكرية قائمة في بلاد المنشأ، أو ترويجاً لها. أو هي تعليقات شخصية، أو هوامش على متون غائمة في عقول كاتبيها. أريد لها أن تكون معاصرة برطانة عن الحداثة وما بعد الحداثة ونهاية التاريخ وموت الفلسفة، إلى ما هنالك من شعارات وكليشيهات جاهزة، ولا يكتفون بذلك، بل يرون أنَّها الحلول لمشكلات واقعنا.
في حين أنَّ ما ينتج عن هذه هو تدهور في متطلّبات الجودة، وغياب الرؤية، وتهشّم في منظومة القيم الثقافية، وبروز الذوق الرديء، وابتعاد ذوي الكفاءة، فتخلو الساحة من التحديات التي هي أحد الأسباب المهمة في بروز الأفكار المبدعة. ويجعل المجتمعات تكافئ الرداءة عوضاً عن السعي لإيجاد الجدّية والجودة. إنَّ ما يبدو فوضى في أماكن متناثرة، هو في الواقع نظام من الرثاثة الفكرية التي تمدُّ جذورها في المجتمعات بزحف مرعب.
جوهر الفلسفة
وبحسب الدكتور مؤيد الأعاجيبي، تُعَدُّ الفلسفة أحد العلوم التي تستهدف فهم الوجود وطبيعة الحياة من خلال التأمّل والتساؤل العميق. ينصبُّ هدفها في تحديد رؤية للحياة الجيدة التي ينبغي للإنسان أن يسعى لتحقيقها، وذلك من خلال التفكير النقدي والتطوُّر المستمر في مستوى المعرفة. يُعَدُّ هذا الانخراط في التفكير العميق والتحليل الفلسفي إنجازاً بحدِّ ذاته، تاريخيّاً منذ العصور اليونانية، مروراً بفترة النهضة، وصولاً إلى القرن العشرين.
وقد منح للفلسفة لقب “موضة العصر” في العصر الحديث نظراً لشهرتها وتأثيرها الكبير في الفكر والمجتمع. أمَّا اليوم فأصبح العكس، إذ أصبح بإمكان الأفراد الوصول إلى الشهرة الفلسفية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. يحظى هؤلاء الأفراد، المعروفون بالبلوكرات، بجماهير ضخمة، مستغلين إمكانيات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. لكنَّ الأمر اللافت هو أنَّ هؤلاء يظهرون في توجّه غير مألوف، إذ يصبحون متصدّين للفلسفة بليلة وضحاها برغم عدم تخصّصهم في هذا المجال. وهو ما أدّى إلى تراجع مكانة الفلسفة في المجتمع بنظر المتخصّصين فيها، إذ يُبرَز- الفاشنيستيون- بنشر محتوى فيديو سطحي حول الفلسفة، يقلّل من قيمتها الفكرية والنقدية، ويقترب من تقديمها كموضوع يُفاخرون به بدون أن يتسنّى لهم فهم جوهرها. تتسارع هذه الظاهرة بفعل تسليط الضوء على الفلسفة بشكل غير عميق ومبتذل، إذ يعتقد جمهورهم أنَّ هذه الأفكار البسيطة هي جوهر الفلسفة! ما يؤدّي إلى تقييمها بشكل سلبي بدون توجيه نظرة نقدية مستنيرة.
ويبيّن الدكتور رائد جبار كاظم أنَّه في كلِّ فن أو مجال يتقن صاحبه الخطاب البياني والأسلوب الإنشائي لا العلمي ولا التخصّص الأكاديمي الدقيق، احتمالية صعوده وسطوع نجمه في سماء ذلك المجال أمر وارد جداً، ولكن بنسب ضئيلة، حسب الظروف التي تمنحه تلك الشهرة، لكنَّ المتتبّع لتلك الفئة في المجتمع وذلك النمط من أنصاف المثقفين يجدهم يتطفّلون في تخصّصات مختلفة لا علاقة لهم بها ولا هم من ذوي التخصّص العام أو الدقيق في ذلك العلم أو الحقل الذي يكتبون أو يتكلمون فيه ومنه الفلسفة، إذ إنَّنا اليوم نجد أشخاصاً يكتبون ويتكلمون ويحاورون بالفلسفة ويخوضون غمارها في الندوات والمؤتمرات والمقالات بدون أيّ شهادة أو تحصيل علمي يؤهّل ذلك الشخص لخوض ذلك الغمار، الأمر الذي يجعل صاحبه يقع في الفخ

2️⃣
Please open Telegram to view this post
VIEW IN TELEGRAM
منذ أوّل لقاء أو تقويم من قبل المتخصّصين في هذا المجال، ويعتقد ذلك الشخص أنَّه أتى بفصل المقال في ذلك المجال، ولا أحمّل ذلك الشخص المسؤولية وحدها، بل يتحمّلها الجميع، من متخصّصين ونقّاد وقرّاء، لأنَّ شيوع مثل تلك الظاهرة أمر يستحق الوقوف عنده وتقييمه، وبيان حسناته من سيئاته، ولا نرفض ذلك المتطفّل فقط، بل نعمل على تقدير من يجتهد ويجيد البحث والكتابة والقول في هذا المجال من خارج التخصّص ممّن تتوفّر فيه سمات الكاتب والباحث المجتهد الذي يرغب في تثقيف نفسه ثقافة صادقة تضعه في مصاف المثقفين المخلصين في بحثهم العلمي الأمين.
كما أنَّ عزوف المتخصّصين عن الكتابة والغياب الدائم في مجال تخصّصهم يلقي باللوم عليهم لأنَّهم تركوا الساحة فارغة وتخلّوا عن دورهم الأساس في الحضور الفكري والثقافي، ما جعل الآخرين من غير المتخصّصين يشغلون الفراغ ويملؤون الساحة بما يمتلكون من أدوات وجرأة، ولكنَّ الشيء الذي نخافه هو اتساع تلك الدائرة وتحوّلها إلى موضة تحرمنا من متعة التخصص والبحث العلمي الرصين.
أسمال الفيلسوف
ويختتم الباحث صلاح محسن حديثنا بقوله إنَّ القرن العشرين شهد ازدهاراً قلَّ نظيره للتيّارات والمذاهب الفلسفية، في فرنسا؛ موطن الموضة والأزياء، كانت الأوساط الثقافية والفكرية تتزيَّا بأحدث صرخات الموضة الخاصّة بها أيضاً، من الماركسية إلى الوجودية إلى البنيوية.. إلخ، فحتّى الجاكيت التي يرتديها هايدغر هي من تصميم أبيلوده، كان غادمير يقول كنَّا نسميها الجاكيت الوجودية، وظهرت طبقة من طلبته يقلّدونه حتّى في سعاله؟ طبعاً لا أنفي أنَّ هذه التيارات وليدة شروط اجتماعية وتاريخية كانت سبباً في ظهورها، من الاحتدام والصراع الأيديولوجي والحرب الباردة التي كانت أهم جبهاتها الجبهة الثقافية. وعلى الرغم من أهمية الفلسفة في تنشيط ونشر الوعي، ونشر ثقافة التفكير النقدي، لكنَّها ليست عصا سحرية وترياقاً شافياً لأزمة هذا العصر، وسط جهل مطبق للثقافة العلمية والذكاء الاصطناعي والثورة الصناعية الرابعة والمستقبليات والتقنيات التي تؤثّر في حياتنا تأثيراً مباشراً... لدينا “فقر دم” واضح في الثقافة العلمية. من جهة أخرى أنا مع تسهيل الفلسفة ونشرها، لكن من دون الإساءة إلى جوهرها، الكل يطالب بالتبسيط، وهو يعلم أنَّ معرفته بالحساب وجمع الأرقام يختلف تماماً عن معادلات الرياضيات العليا وتعقيداتها الحسابية، لماذا لا يطلب من الرياضيين الشيء نفسه؟ عصر البلوكر الفلسفي علامة أفول للمجلّات الجادّة والجريدة الورقية التي كانت سابقاً الطريق الملكي والمصيدة المثلى للقرّاء الممكنين، وشكلاً من أشكال شعوذات التنمية البشرية يتزيّا بأسمال الفيلسوف. أمَّا من يدّعي وصلاً بها يدرك أنَّها إكسسوار ثقافي لامع وباهر، لكنَّه يهرب عند الوصول إلى أعقد أجزائها.

3️⃣
Please open Telegram to view this post
VIEW IN TELEGRAM
لا يتعلق الأمر بمدى قصر حياتنا ، ولكن يتعلق باضاعتنا الكثير منها . إن الحياة طويلة بالقدر الكافي إن استتغلناها بالطريقة المناسبة ، ولكن إن سكبناها في بالوعة الاهمال وإن لم نوظفها من اجل اهداف جيدة، فسنرى في النهاية أنها مرت وانتهت قبل أن نلحظ ذلك . وبالتالي حياتنا ليست قصيرة ، بل نحن من يجعلها قصيرة .

سنيكا من كتابه " محاوراة السعادة والشقاء "
Media is too big
VIEW IN TELEGRAM
هل للنظام السوفيتي أي صلة بأفكار ماركس وبالاشتراكية؟
Please open Telegram to view this post
VIEW IN TELEGRAM
2025/06/30 22:28:35
Back to Top
HTML Embed Code: