كنت أفكّر بطريقة دفاعية لتبرير ذلك ولإيجاد أدلّة وهمية في التاريخ كأن يكون الأكثر تشاؤماً الأكثر قدرة على البقاء بحسب الاصطفاء الطبيعي للسيّد داروين، تخيّلوا جمال الفكرة من سيبقى ليس الأقوى أو الأسرع، بل الأكثر سوداويةً. ليتني أُرسل هذه النبوء لكافكا، الفكرة ستكون فاشلة في الغالب ولكنّها مُغرية ومعزّية أيضاً. تخيّلوا أن نصنع بوستراً دعائياً لمتشائمٍ رومانسي بوجهٍ شاحبٍ سينمائي. ونصدّره كدعوة للتشاؤم! من الواضح أني أسخر من نفسي والأمر لا يتجاوز اللعب، إن السخرية هنا طريقة أُخرى للدفاع تتقاطع مع التشاؤم وقد تُخفّف وطأته. سخرية تذوب أمام الفيلم الكاسندري "Don`t look up"، وتخيّل النيزك القادم لتدمير الحياة على الأرض حيث يتساوى في النهاية المتفائلون والسوداويون.
لعلّه من باب السخرية أن يتم استخدام متلازمة كاسندرا، التي تُعبّر عن عدم قدرة تواصل الشخص مع المحيط حوله أو عن الصراع ما بين الضمير والأنا الأعلى بالسياق الفرويدي، لوصف نهايات سعيدة، وأين في البورصات وأسواق الأسهم! حيث لُقّب وارن بافت الشهير بـ"كاسندرا وول ستريت" بسبب توقّعاته التشاؤمية حول الفقاعة الاقتصادية، تلك التوقّعات التي أدّت إلى جعله أشهر مستثمر ومُضارب في أسواق البورصة في العالم، حيث يربح في وقت صعود الأسهم ويربح في وقت نزولها، في سخرية مُضمّنة يرميها التاريخ في وجه كلّ الكاسندريين المُصطفين بجانب مسيح كزانتزاكيس.
سأعود لسؤال طرحته في البداية، لماذا رفضت كساندرا أبولو؟ هل كانت تعلم وقت الرفض بكل ما سيأتي فعلاً؟ أم كانت الرؤى غائمة؟ هل شوّشَتها الرؤى ذاتها ولم تسمح لها بالحُبّ؟ أم هل قرّرت أن ترفض هدية أبولو وتتصرّف كما لو أنها لم تر المستقبل؟ أم أنها فضّلت النهاية المروّعة للبشر بدل أحضان آلهة عبثية مزاجية ترى المآسي ولا تهتمّ؟ معرفة كاسندرا المؤكّدة للمستقبل هو "كعب أخيل"، في ما يشبه المفارقة الساخرة للفلسفة التي تجمع الكاسندريين المتشائمين، فالتشاؤم مقرون بتوقّع أسوأ الاحتمالات، بتوقّع وفاة قطة شرودينغر مثلاً فتمنعه من تخيّل التجربة منذ البداية. لكن كساندرا تفسد جوهر اللعبة إن كانت تعرف تماماً ما سيجري. بكل الأحوال لا يمكن الإجابة عن هذه الأسئلة لأنه لا يوجد أي شخص، لا من داخل الأسطورة ولا من خارجها، يقدر على معرفة ما كانت تعنيه تأتأة كاسندرا... حتى ذلك المسيح المكتئب الذي ما زال ينظر إلينا بتعاطفٍ عاجز.
#فلسفة_التشاؤم
لعلّه من باب السخرية أن يتم استخدام متلازمة كاسندرا، التي تُعبّر عن عدم قدرة تواصل الشخص مع المحيط حوله أو عن الصراع ما بين الضمير والأنا الأعلى بالسياق الفرويدي، لوصف نهايات سعيدة، وأين في البورصات وأسواق الأسهم! حيث لُقّب وارن بافت الشهير بـ"كاسندرا وول ستريت" بسبب توقّعاته التشاؤمية حول الفقاعة الاقتصادية، تلك التوقّعات التي أدّت إلى جعله أشهر مستثمر ومُضارب في أسواق البورصة في العالم، حيث يربح في وقت صعود الأسهم ويربح في وقت نزولها، في سخرية مُضمّنة يرميها التاريخ في وجه كلّ الكاسندريين المُصطفين بجانب مسيح كزانتزاكيس.
سأعود لسؤال طرحته في البداية، لماذا رفضت كساندرا أبولو؟ هل كانت تعلم وقت الرفض بكل ما سيأتي فعلاً؟ أم كانت الرؤى غائمة؟ هل شوّشَتها الرؤى ذاتها ولم تسمح لها بالحُبّ؟ أم هل قرّرت أن ترفض هدية أبولو وتتصرّف كما لو أنها لم تر المستقبل؟ أم أنها فضّلت النهاية المروّعة للبشر بدل أحضان آلهة عبثية مزاجية ترى المآسي ولا تهتمّ؟ معرفة كاسندرا المؤكّدة للمستقبل هو "كعب أخيل"، في ما يشبه المفارقة الساخرة للفلسفة التي تجمع الكاسندريين المتشائمين، فالتشاؤم مقرون بتوقّع أسوأ الاحتمالات، بتوقّع وفاة قطة شرودينغر مثلاً فتمنعه من تخيّل التجربة منذ البداية. لكن كساندرا تفسد جوهر اللعبة إن كانت تعرف تماماً ما سيجري. بكل الأحوال لا يمكن الإجابة عن هذه الأسئلة لأنه لا يوجد أي شخص، لا من داخل الأسطورة ولا من خارجها، يقدر على معرفة ما كانت تعنيه تأتأة كاسندرا... حتى ذلك المسيح المكتئب الذي ما زال ينظر إلينا بتعاطفٍ عاجز.
#فلسفة_التشاؤم
ما الفلسفة؟
كتب مارتن هايدغر:
«ليست الفلسفة شيئاً عقلياً فحسب، بل هي المشرف الحقيقي على العقل. ألن نكون من خلال هذا التأكيد قد قرّرنا بشكل أو بآخر في شأن (ما الفلسفة)؟ الحقيقة أننا إستبقنا سؤالنا بجواب سابق لأوانه. فالتأكيد بأن الفلسفة هي مهمّة خاصة بالعقل أمر سيدعمه أول من يتلقاه، بل وسيعتبره صحيحاً. ومع ذلك قد يكون هذا الجواب مُستبِقاً للسؤال: ما الفلسفة؟ لأنه بإمكاننا أن نعارض هذا الجواب بأسئلة جديدة: ما العقل؟ هل العقل هو الذي جعل نفسه سيداً يتحكم في الفلسفة؟ إذا كان الجواب (نعم) فبأي حق؟ وإذا كان (لا) فمن أين يستمد العقل مهمته ودوره؟
إذا كان ما يُعرف بالعقل لم يتم تحديده إلا من قبل الفلسفة وفي إطار مسارها التاريخي، فليس معقولاً أن تُعطى الفلسفة منذ البداية كشيء يخصّ العقل. إنه في اللحظة التي نشكك فيها بإمكانية تميُّز الفلسفة كسلوك عقلي، يصبح الموقف نفسه بالنسبة لإنتمائها إلى مجال اللّاعقلي. لأن من يريد تعريف الفلسفة كشيء لاعقلي ، يتخذ له ما هو عقلي كمقياس بشكل يجعله يفترض أن العقل أمر بديهي. لكن إذا ما آثرنا القول بأن ما ترتبط به الفلسفة يقاربنا ويلامسنا في كينونتنا الخاصة، آنذاك تكون السمة التي تنطبع بها الفلسفة لا علاقة لها بما نسميه عادة الإنفعالات والأحاسيس. بإختصار بما هو لاعقلي. وإنطلاقاً مما سبق لا يمكننا إلا أن نخلص إلى هذه النقطة: إلتزام الحذر الشديد إذا أردنا أن نغامر بفتح حوار تحت عنوان: ما الفلسفة؟».
– مارتن هايدغر | "الفلسفة، الهوية، الذات"
#هايدغر
كتب مارتن هايدغر:
«ليست الفلسفة شيئاً عقلياً فحسب، بل هي المشرف الحقيقي على العقل. ألن نكون من خلال هذا التأكيد قد قرّرنا بشكل أو بآخر في شأن (ما الفلسفة)؟ الحقيقة أننا إستبقنا سؤالنا بجواب سابق لأوانه. فالتأكيد بأن الفلسفة هي مهمّة خاصة بالعقل أمر سيدعمه أول من يتلقاه، بل وسيعتبره صحيحاً. ومع ذلك قد يكون هذا الجواب مُستبِقاً للسؤال: ما الفلسفة؟ لأنه بإمكاننا أن نعارض هذا الجواب بأسئلة جديدة: ما العقل؟ هل العقل هو الذي جعل نفسه سيداً يتحكم في الفلسفة؟ إذا كان الجواب (نعم) فبأي حق؟ وإذا كان (لا) فمن أين يستمد العقل مهمته ودوره؟
إذا كان ما يُعرف بالعقل لم يتم تحديده إلا من قبل الفلسفة وفي إطار مسارها التاريخي، فليس معقولاً أن تُعطى الفلسفة منذ البداية كشيء يخصّ العقل. إنه في اللحظة التي نشكك فيها بإمكانية تميُّز الفلسفة كسلوك عقلي، يصبح الموقف نفسه بالنسبة لإنتمائها إلى مجال اللّاعقلي. لأن من يريد تعريف الفلسفة كشيء لاعقلي ، يتخذ له ما هو عقلي كمقياس بشكل يجعله يفترض أن العقل أمر بديهي. لكن إذا ما آثرنا القول بأن ما ترتبط به الفلسفة يقاربنا ويلامسنا في كينونتنا الخاصة، آنذاك تكون السمة التي تنطبع بها الفلسفة لا علاقة لها بما نسميه عادة الإنفعالات والأحاسيس. بإختصار بما هو لاعقلي. وإنطلاقاً مما سبق لا يمكننا إلا أن نخلص إلى هذه النقطة: إلتزام الحذر الشديد إذا أردنا أن نغامر بفتح حوار تحت عنوان: ما الفلسفة؟».
– مارتن هايدغر | "الفلسفة، الهوية، الذات"
#هايدغر
▪︎ من "المقالات -
"ميشيل دو مونتيني":
- أما الفلاسفة الذين كانوا منعزلين عن كل شأن عام فقد عانوا بلا جدال من احتقار المؤلفين الكوميديين من بني زمانهم؛ لأن آراءهم و تصرفاتهم كانت تجعلهم يبدون في منتهى السخافة. هل تريد منهم رأيا في عدالة قضية أو أفعال هذا أو ذاك؟ ستجدهم مستعدين لذلك أيما استعداد! ستجدهم ما زالوا يبحثون متسائلين هل الحياة و الحركة شيئان حقيقيان؟ و هل الإنسان شيء آخر غير ثور من الثيران؟ و ما العمل و ما الألم؟ و أي نوع من الوحوش هي القوانين و العدالة؟.."
"ميشيل دو مونتيني":
- أما الفلاسفة الذين كانوا منعزلين عن كل شأن عام فقد عانوا بلا جدال من احتقار المؤلفين الكوميديين من بني زمانهم؛ لأن آراءهم و تصرفاتهم كانت تجعلهم يبدون في منتهى السخافة. هل تريد منهم رأيا في عدالة قضية أو أفعال هذا أو ذاك؟ ستجدهم مستعدين لذلك أيما استعداد! ستجدهم ما زالوا يبحثون متسائلين هل الحياة و الحركة شيئان حقيقيان؟ و هل الإنسان شيء آخر غير ثور من الثيران؟ و ما العمل و ما الألم؟ و أي نوع من الوحوش هي القوانين و العدالة؟.."
موقف فتغنشتاين من الدين؟
رأي فتغنشتاين في الدين معقّد وعميق، لأنه لم يتعامل مع الدين بوصفه مجرد "نظام عقائدي" نُحلله منطقيًا، بل بوصفه نمطًا من أنماط الحياة، ولغة لها قواعدها ومعناها الخاص داخل عالمها.
هو لم يكن فيلسوف دين تقليديًا، لكنه كان مهتمًا جدًا بتجربة الإيمان، وبالطريقة التي تستخدم بها اللغة الدينية.
ملامح أساسية لرؤية فتغنشتاين للدين:
1. الدين لا يُبرهن عليه – بل يُعاش
يقول:
"الإيمان ليس اعتقادًا بأن هذا أو ذاك، بل هو طريقة للحياة."
عنده، الإيمان الديني لا يقوم على الحجج العقلية أو الأدلة التجريبية، بل هو تجربة شخصية – وجودية.
2. اللغة الدينية ليست علمًا
فتغنشتاين يرى أن الجمل الدينية لا تنتمي إلى نفس "اللعبة اللغوية" التي تنتمي إليها الجمل العلمية.
مثلاً:
"الله رحيم" ≠ "درجة الحرارة 30°"
لأن الجملة الأولى تعمل في سياق تعبّدي–روحي، وليست وصفًا لشيء مادي.
3. رفض التفسير العقلاني للدين
لم يكن مرتاحًا لمحاولات إثبات وجود الله بالعقل أو الفلسفة.
يرى أن هذا يفقد الدين جوهره، لأن الإيمان لا يُولد من منطق، بل من رؤية للعالم مختلفة.
4. الدين كلغة رمزية – لا مجازية فقط
لم يقل إن اللغة الدينية مجازية بالمعنى السطحي، بل إنها لغة ذات معنى عميق داخل سياقها الخاص.
مثلما نفهم الموسيقى بالمشاعر لا بالتحليل الرياضي، كذلك اللغة الدينية.
5. كان مهتمًا بالدين... ولم يكن ملحدًا
فتغنشتاين لم يصرّح بإيمانه بشكل قاطع، لكنه كان يُظهر تعاطفًا عميقًا مع الدين.
كان يقرأ الإنجيل، ويحبّ أعمال تولستوي الدينية، ويبدو عليه احترام كبير للدين حتى إن لم يعتنقه ظاهريًا.
مقتطف جميل منه:
"لو لم يكن معنى للحياة، فليس من معنى لأي شيء نقوله."
(وهذا المعنى، بالنسبة له، لا يوجد داخل العالم، بل فيما يتجاوز العالم – مثلما تقول الأديان.)
#فتغنشتاين
رأي فتغنشتاين في الدين معقّد وعميق، لأنه لم يتعامل مع الدين بوصفه مجرد "نظام عقائدي" نُحلله منطقيًا، بل بوصفه نمطًا من أنماط الحياة، ولغة لها قواعدها ومعناها الخاص داخل عالمها.
هو لم يكن فيلسوف دين تقليديًا، لكنه كان مهتمًا جدًا بتجربة الإيمان، وبالطريقة التي تستخدم بها اللغة الدينية.
ملامح أساسية لرؤية فتغنشتاين للدين:
1. الدين لا يُبرهن عليه – بل يُعاش
يقول:
"الإيمان ليس اعتقادًا بأن هذا أو ذاك، بل هو طريقة للحياة."
عنده، الإيمان الديني لا يقوم على الحجج العقلية أو الأدلة التجريبية، بل هو تجربة شخصية – وجودية.
2. اللغة الدينية ليست علمًا
فتغنشتاين يرى أن الجمل الدينية لا تنتمي إلى نفس "اللعبة اللغوية" التي تنتمي إليها الجمل العلمية.
مثلاً:
"الله رحيم" ≠ "درجة الحرارة 30°"
لأن الجملة الأولى تعمل في سياق تعبّدي–روحي، وليست وصفًا لشيء مادي.
3. رفض التفسير العقلاني للدين
لم يكن مرتاحًا لمحاولات إثبات وجود الله بالعقل أو الفلسفة.
يرى أن هذا يفقد الدين جوهره، لأن الإيمان لا يُولد من منطق، بل من رؤية للعالم مختلفة.
4. الدين كلغة رمزية – لا مجازية فقط
لم يقل إن اللغة الدينية مجازية بالمعنى السطحي، بل إنها لغة ذات معنى عميق داخل سياقها الخاص.
مثلما نفهم الموسيقى بالمشاعر لا بالتحليل الرياضي، كذلك اللغة الدينية.
5. كان مهتمًا بالدين... ولم يكن ملحدًا
فتغنشتاين لم يصرّح بإيمانه بشكل قاطع، لكنه كان يُظهر تعاطفًا عميقًا مع الدين.
كان يقرأ الإنجيل، ويحبّ أعمال تولستوي الدينية، ويبدو عليه احترام كبير للدين حتى إن لم يعتنقه ظاهريًا.
مقتطف جميل منه:
"لو لم يكن معنى للحياة، فليس من معنى لأي شيء نقوله."
(وهذا المعنى، بالنسبة له، لا يوجد داخل العالم، بل فيما يتجاوز العالم – مثلما تقول الأديان.)
#فتغنشتاين
Forwarded from فريدريك نيتشه
نيتشه .. الإنسان السوبرمان
داود السلمان
أوصى شقيقته، قبل أن يموت، ويصبح جثة هامدة، بأن لا يقفوا على جنازته (ممن كانوا خصومه، بل اشد اعداءه، وهم رجال الكنيسة)، وأن لا يقرأون عليه ما اسماه بـ "الترهات". وقال: إنّه ساعتها لم يستطع الرد عليهم. وبعد أن أصيب بالمرض الذي شلَّ حركته، وفقد على اثرها لبه تماما، بحيث ظل على فراش الموت فترة ليست بالقصيرة، حتى لفض انفاسه الاخيرة، ونام نومته الابدية. وكان من الاخلاق بمكان أن تنفذ شقيقته الوصية التي القاها على عاتقها، لكن بكل اسف، لم يحصل ذلك، وحضر جنازته خصومه، وقرأوا على الجنازة ما كان قد حذر منه، مثلما توقع. وتوفي في وايمر في 25 آب/ أغسطس عام 1900.
وما يزال السبب وراء جنون فردريك نيتشة غير معروف، على الرغم من أن من الكتاب قد عزوه لأسبابٍ مختلفة كالسفلس ومرض عقلي موروث و ورم والإفراط في تناول العقاقير المهدئة. لكن لم نعرف - على وجه الدقة واليقين - السبب الحقيقي وراء ذلك. فلسفة نيتشة أثارت الجدل خصوصًا بالنسبة للأديان؛ حيث طرح القوة أو "إرادة القوة" على حساب إرادة الإله والأديان والأخلاق والقيم، القوة في مختلف جوانبها سواء كانت عسكرية أو اقتصادية أو جسدية أو سياسية، ولكنه ركز بالأساس على القوة التي يرتكز عليها الإنسان لكي يؤسس القيم التي يتبعها في حياته. القوة لدى الإنسان يجب إن تظهر في الإبداع والاستقلال والتحكم في النفس ومغالبة الظروف وقهر الصعاب كي یبقى الإنسان سید نفسه لا تتحكم به التأثيرات الخارجية.
نيتشة هو فيلسوف وشاعر وكاتب وناقد ثقافي فلسفي، يعتبر من أبرز فلاسفة الغرب، والذي كانت لأفكاره وكتاباته الأثر العميق في الفكر الحديث. وعلاوة على الفلسفة وحبه العميق لها، إلا أنه كان يعشق الموسيقى، وتولعه بموسيقى فاغنر، حتى صار صديقه، ثم بالأخير وقعت الخصومة بينهما.
وعاش نيتشة في عصر تشارلز دارون- نهاية القرن التاسع عشر- صاحب نظرية التطور في كتابه "أصل الأنواع" حيث أثبت أن الإنسان ما هو إلا حيوان تطور من أجل البقاء حتى وجد نفسه واعيا عاقلا. تلك النظرية التي لا تزال الى يومنها هذا محل جدال. وكانت الجرأة التي يمتلكها نيتشة لم يمتلكها غيره، حتى أنه اعلن عن موت الاله، ويقصد اضمحلال القيم الحقيقية والاخلاق النبيلة، أو أنه قصد به - وهو ما نرجحه - موت اله رجل الكنيسة، اولئك الذين كانوا متنفذين وبيدهم زمان كل شيء، وكانوا كذلك يتحكمون بمصير الناس وبمستقبلهم، ويحصلون على الاتاوات بدون حق، فعدهم نيتشة أنهم لا يمتلكون اخلاقا صحيحة، لأنه الههم الذي يفترض أن يوجههم ويعطيهم الاوامر الصحيحة غير المزيفة قد مات. وبالمقابل طالب نيتشة بانبثاق الانسان الاعلى، ولا يتحقق ذلك الإنسان الا هو بتخلصه من الأفكار الدينية القديمة، فلا يوجد إله حينذاك، بل يصبح الإنسان الأعلى هو الإله وهو ممثل القيم العُليا، التي القيم التي ترتقي به نحو السمو.
أراد نيتشة للإنسان أن يعتمد على نفسه، ومن هنا أتت دعوته صريحة لتحطيم الأخلاق المسيحية التي أطلق عليها "أخلاق العبيد". في المقابل كان يدعو ﻟ «أخلاق السادة» المعتمدة على مبدأ القوة، والمستمدة من الحضارة الرومانية. فنيتشة هو أحد رواد الفلسفة الوجودية وما بعد الحداثة، معظم أعماله عن الإنسان الحديث، في عالم غاب فيه الإله، اختلف في تفسير أعماله النقاد.
ويرى احد الكتاب "إنّ هنالك كثيراً من الالتباس وسوء الفهم يحيط بأعمال هذا الفيلسوف، الذي تورط بمواقف وأفكار تمثل خلاصة فكر النخبة الأوروبية الأرستقراطية خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي تعكس نزعاتها الموغلة بالترفع والاستعلاء والتمييز العنصري والجندري والديني. فهو كان شديد العداء لما يمكن أن نسميه اليوم الديمقراطية الليبرالية، بل وأي نظام يساوي بين فئات المجتمع بوصفه خطراً داهماً على الثقافة الرفيعة فيه، واعتبر دائماً أن أفكار التنوير التي تفشت في الفكر الأوروبي بداية من أعمال الفرنسي جان جاك روسو لم تتسبب فحسب في قيام الثورة الفرنسية - التي أقصت الأرستقراطية الرفيعة لمصلحة البرجوازيين محدثي النعمة، بل وأطلقت سموم الأفكار إنسانية الطابع في الفضاء الأوروبي، وهي الأفكار التي كان يراها تليق بمجتمعات العبيد المهادنة". الانسان الذي اراده هو الانسان السوبرمان.
ولد فريدريك نيتشة في ١٥ أكتوبر ١٨٤٤م ببلدة "روكن" الألمانية، لوالدة "بولونية" الأصل، وكان والده قسيسًا بإحدى الكنائس البروتستانتية، وكان أيضًا مربيًا للعديد من أبناء الأسرة المالكة في "بروسيا". وقد سماه "فريدريك" لأنه وُلد في نفس يوم ميلاد ملك بروسيا "فريدريك الكبير". وقد توفى والده حين كان عمر فريدريك اربع أعوام. تخرجه عام 1864، والتحق بجامعة بون لفصلين. ثم انتقل إلى جامعة ليبزينغ، حيث درس علم فقه اللغة، ومجموعة من الآداب، واللسانيات والتاريخ.
داود السلمان
أوصى شقيقته، قبل أن يموت، ويصبح جثة هامدة، بأن لا يقفوا على جنازته (ممن كانوا خصومه، بل اشد اعداءه، وهم رجال الكنيسة)، وأن لا يقرأون عليه ما اسماه بـ "الترهات". وقال: إنّه ساعتها لم يستطع الرد عليهم. وبعد أن أصيب بالمرض الذي شلَّ حركته، وفقد على اثرها لبه تماما، بحيث ظل على فراش الموت فترة ليست بالقصيرة، حتى لفض انفاسه الاخيرة، ونام نومته الابدية. وكان من الاخلاق بمكان أن تنفذ شقيقته الوصية التي القاها على عاتقها، لكن بكل اسف، لم يحصل ذلك، وحضر جنازته خصومه، وقرأوا على الجنازة ما كان قد حذر منه، مثلما توقع. وتوفي في وايمر في 25 آب/ أغسطس عام 1900.
وما يزال السبب وراء جنون فردريك نيتشة غير معروف، على الرغم من أن من الكتاب قد عزوه لأسبابٍ مختلفة كالسفلس ومرض عقلي موروث و ورم والإفراط في تناول العقاقير المهدئة. لكن لم نعرف - على وجه الدقة واليقين - السبب الحقيقي وراء ذلك. فلسفة نيتشة أثارت الجدل خصوصًا بالنسبة للأديان؛ حيث طرح القوة أو "إرادة القوة" على حساب إرادة الإله والأديان والأخلاق والقيم، القوة في مختلف جوانبها سواء كانت عسكرية أو اقتصادية أو جسدية أو سياسية، ولكنه ركز بالأساس على القوة التي يرتكز عليها الإنسان لكي يؤسس القيم التي يتبعها في حياته. القوة لدى الإنسان يجب إن تظهر في الإبداع والاستقلال والتحكم في النفس ومغالبة الظروف وقهر الصعاب كي یبقى الإنسان سید نفسه لا تتحكم به التأثيرات الخارجية.
نيتشة هو فيلسوف وشاعر وكاتب وناقد ثقافي فلسفي، يعتبر من أبرز فلاسفة الغرب، والذي كانت لأفكاره وكتاباته الأثر العميق في الفكر الحديث. وعلاوة على الفلسفة وحبه العميق لها، إلا أنه كان يعشق الموسيقى، وتولعه بموسيقى فاغنر، حتى صار صديقه، ثم بالأخير وقعت الخصومة بينهما.
وعاش نيتشة في عصر تشارلز دارون- نهاية القرن التاسع عشر- صاحب نظرية التطور في كتابه "أصل الأنواع" حيث أثبت أن الإنسان ما هو إلا حيوان تطور من أجل البقاء حتى وجد نفسه واعيا عاقلا. تلك النظرية التي لا تزال الى يومنها هذا محل جدال. وكانت الجرأة التي يمتلكها نيتشة لم يمتلكها غيره، حتى أنه اعلن عن موت الاله، ويقصد اضمحلال القيم الحقيقية والاخلاق النبيلة، أو أنه قصد به - وهو ما نرجحه - موت اله رجل الكنيسة، اولئك الذين كانوا متنفذين وبيدهم زمان كل شيء، وكانوا كذلك يتحكمون بمصير الناس وبمستقبلهم، ويحصلون على الاتاوات بدون حق، فعدهم نيتشة أنهم لا يمتلكون اخلاقا صحيحة، لأنه الههم الذي يفترض أن يوجههم ويعطيهم الاوامر الصحيحة غير المزيفة قد مات. وبالمقابل طالب نيتشة بانبثاق الانسان الاعلى، ولا يتحقق ذلك الإنسان الا هو بتخلصه من الأفكار الدينية القديمة، فلا يوجد إله حينذاك، بل يصبح الإنسان الأعلى هو الإله وهو ممثل القيم العُليا، التي القيم التي ترتقي به نحو السمو.
أراد نيتشة للإنسان أن يعتمد على نفسه، ومن هنا أتت دعوته صريحة لتحطيم الأخلاق المسيحية التي أطلق عليها "أخلاق العبيد". في المقابل كان يدعو ﻟ «أخلاق السادة» المعتمدة على مبدأ القوة، والمستمدة من الحضارة الرومانية. فنيتشة هو أحد رواد الفلسفة الوجودية وما بعد الحداثة، معظم أعماله عن الإنسان الحديث، في عالم غاب فيه الإله، اختلف في تفسير أعماله النقاد.
ويرى احد الكتاب "إنّ هنالك كثيراً من الالتباس وسوء الفهم يحيط بأعمال هذا الفيلسوف، الذي تورط بمواقف وأفكار تمثل خلاصة فكر النخبة الأوروبية الأرستقراطية خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي تعكس نزعاتها الموغلة بالترفع والاستعلاء والتمييز العنصري والجندري والديني. فهو كان شديد العداء لما يمكن أن نسميه اليوم الديمقراطية الليبرالية، بل وأي نظام يساوي بين فئات المجتمع بوصفه خطراً داهماً على الثقافة الرفيعة فيه، واعتبر دائماً أن أفكار التنوير التي تفشت في الفكر الأوروبي بداية من أعمال الفرنسي جان جاك روسو لم تتسبب فحسب في قيام الثورة الفرنسية - التي أقصت الأرستقراطية الرفيعة لمصلحة البرجوازيين محدثي النعمة، بل وأطلقت سموم الأفكار إنسانية الطابع في الفضاء الأوروبي، وهي الأفكار التي كان يراها تليق بمجتمعات العبيد المهادنة". الانسان الذي اراده هو الانسان السوبرمان.
ولد فريدريك نيتشة في ١٥ أكتوبر ١٨٤٤م ببلدة "روكن" الألمانية، لوالدة "بولونية" الأصل، وكان والده قسيسًا بإحدى الكنائس البروتستانتية، وكان أيضًا مربيًا للعديد من أبناء الأسرة المالكة في "بروسيا". وقد سماه "فريدريك" لأنه وُلد في نفس يوم ميلاد ملك بروسيا "فريدريك الكبير". وقد توفى والده حين كان عمر فريدريك اربع أعوام. تخرجه عام 1864، والتحق بجامعة بون لفصلين. ثم انتقل إلى جامعة ليبزينغ، حيث درس علم فقه اللغة، ومجموعة من الآداب، واللسانيات والتاريخ.
Forwarded from فريدريك نيتشه
Please open Telegram to view this post
VIEW IN TELEGRAM
"لقد أخطأ الفلاسفةُ دائمًا في شيءٍ جوهري: لقد بحثوا عن عقلانيةٍ في الوجود، بينما الوجودُ في جوهره لا عقلاني. لقد وضعوا مفاهيمَ مثل 'الله' و'الروح' و'الخير المطلق' كحقائق مطلقة، بينما هي مجرد أوهام نافعة لترويض الإنسان. إنهم يخشون الفوضى، فيخترعون نظامًا وهميًا ليحتموا به."
فريدريك نيتشه
من كتاب "ما وراء الخير والشر"
"يُهاجم نيتشه في هذا النص الميتافيزيقا التقليدية، مُعتبراً أن ادعاءات الفلاسفة عن حقائق مطلقة مثل "الله" و"الخير" ليست سوى أوهام وُضِعت لترويض البشر أمام فوضى الوجود. فبدلاً من مواجهة العبثية الجوهرية للكون، اخترعوا أنظمةً فكريةً وهمية كملاذ من الرعب الوجودي، محوِّلين الخوفَ من المجهول إلى يقينيات دغمائية تخدم الضعفاء وتقمع الأقوياء. أي أن العقلانية الفلسفية مجرد قناع للهروب من واقع أن العالم لا معنى له إلا ما نصنعه نحن بأنفسنا"
فريدريك نيتشه
من كتاب "ما وراء الخير والشر"
"يُهاجم نيتشه في هذا النص الميتافيزيقا التقليدية، مُعتبراً أن ادعاءات الفلاسفة عن حقائق مطلقة مثل "الله" و"الخير" ليست سوى أوهام وُضِعت لترويض البشر أمام فوضى الوجود. فبدلاً من مواجهة العبثية الجوهرية للكون، اخترعوا أنظمةً فكريةً وهمية كملاذ من الرعب الوجودي، محوِّلين الخوفَ من المجهول إلى يقينيات دغمائية تخدم الضعفاء وتقمع الأقوياء. أي أن العقلانية الفلسفية مجرد قناع للهروب من واقع أن العالم لا معنى له إلا ما نصنعه نحن بأنفسنا"
الإنسان قصبة، بل هو أضعف ما في الطبيعة من كائنات؛ ولكنه قصبة مفكّرة. إنّ الكون كلّه لا حاجة له أن يتسلّح كي يُفنيه؛ إذ يكفيه بخارٌ عابر، أو قطرة ماء، لتزهق روحه. ومع ذلك، فإن الإنسان أرفع شأنًا من هذا الذي يُفنيه، لأنه يعلم أنه يموت، ويدرك ما للكون عليه من سلطان، بينما الكون لا يُدرك شيئًا من هذا.
فكلّ كرامتنا، إذًا، قائمة على الفكر. وبالفكر ينبغي أن نرتقي، لا بالامتداد في المكان والزمان، وهما أمران لا طاقة لنا بإحصائهما ولا ملئهما. فلنجتهد إذن في أن نحسن التفكير؛ فهذا هو أصل الأخلاق ومنبعها.
*
قصبة مفكّرة — إنّ كرامتي لا أستمدّها من حيز مكاني، بل من سلطان فكري. ولو أني ملكت العوالم، ما زادتني شيئًا من الكرامة. فالكون من حيث الامتداد يطوّقني ويبتلعني كما تبتلع الذرّة، وأما بالفكر فإني أحيط بالكون.
- بليز باسكال،
«أفكار» (1670).
فكلّ كرامتنا، إذًا، قائمة على الفكر. وبالفكر ينبغي أن نرتقي، لا بالامتداد في المكان والزمان، وهما أمران لا طاقة لنا بإحصائهما ولا ملئهما. فلنجتهد إذن في أن نحسن التفكير؛ فهذا هو أصل الأخلاق ومنبعها.
*
قصبة مفكّرة — إنّ كرامتي لا أستمدّها من حيز مكاني، بل من سلطان فكري. ولو أني ملكت العوالم، ما زادتني شيئًا من الكرامة. فالكون من حيث الامتداد يطوّقني ويبتلعني كما تبتلع الذرّة، وأما بالفكر فإني أحيط بالكون.
- بليز باسكال،
«أفكار» (1670).
ظلت المرأة تُعامل من قبل الرجل حتى الآن كعصفور وقع عليه بالخطأ من سماء ما : شيء رقيق، هشّ، متوحّش، عجيب، لذيذ، مفعم أحاسيس .. لكنه شيء يجب أن يُحبَس في قفص كي لا يطير ويفرّ !!
- نيتشه / من كتاب (ما وراء الخير و الشر)
الصفحة 191
ترجمة علي مصباح
- نيتشه / من كتاب (ما وراء الخير و الشر)
الصفحة 191
ترجمة علي مصباح
الحرية ليست أن تفعل ما تريد، بل أن تريد ما تفعل. إن الحرية الحقة تكمن في القدرة على اختيار الخير، والابتعاد عن الشر، واعتماد العقل والمنطق في جميع الأفعال. الحرية ليست مجرد غاية، بل وسيلة لتحقيق الكمال الإنساني والتقدم الحضاري. الإنسان حينما يتخلى عن قيوده القديمة، ويبدأ في استخدام عقله بحرية، يدرك أن لديه القدرة على إحداث التغيير والتحسين في ذاته وفي مجتمعه.
فولتير
الرسائل الفلسفية
فولتير
الرسائل الفلسفية
Please open Telegram to view this post
VIEW IN TELEGRAM
العلامة المميزة لأي ديانة، هي الوجود المفترض لعالم أخروي : عالم غير مرئي ولامادي تسكنه الأرواح. يمكن أن يتعلق الأمر بإله واحد كما هو الحال في الديانات التوحيدية، أو بضريح يلم عددا من الآلهة الثانوية كما هو الحال في الديانات الشِّركية (المتعددة الآلهة)، مثل زيوس، أبولون، هيرا، بوسيدون، أثينا، ديونيسوس..عند الإغريق، أو الإمبراطور جايد والمعلمون السماويون عند أتباع الديانة الطاوية.
هذه الكائنات اللامرئية قد تأخذ أيضا أشكال أرواح (تعود لأحد الحيوانات أو الأسلاف)، أو ملائكة، أو شياطين(2). في البنين، تُسمى بالفودو (vodum)، وفي اليابان بالكامي (kamis)، هذه الأرواح عادة ما يتم تجسيدها من خلال عدة أشكال – أقنعة، تماثيل (صغيرة أو كبيرة الحجم)، صلبان، رموز. وحدها اليهودية، ومعها المسيحية الأرثوذكسية والإسلام السياسي، تحرم تجسيد الإله.
كل إله يستحق هذا الاسم، يتمتع بقوى خارقة كما هو الحال عند إله العهد القديم، القادر على إحداث طوفان كبير أو تحويل العصاة إلى تماثيل ملحية ( كما حدث لزوجة لوط ).
-- العبادة --
الآلهة تتدخل أحيانا في مجرى الأحداث من أجل مكافأة أو معاقبة الأتباع. وبالتالي وجب إرضاؤها. لهذا فالدين ليس مجرد إيمان، بل هو عبارة عن عبادة تتكون من عدة طقوس وشعائر. الصلوات، المراسيم والقداسات، هدفها الأساسي هو جلب منافع الآلهة. أما من خلال تقديم القربان والهدايا، فنحن نطمع في حمايتها. الآلهة يمكن أن تكون أيضا رفيقا نسر إليه أو ننتظر منه النصح. كما يمكنها أن تأخذ صفة الصديق الخيالي، أو حتى الزوج، كما هو الحال في "الزيجات الصوفية".
في الأخير، الآلهة قد تمثل رمزا لجماعة ما: هذا ما نلاحظه من خلال رمز الطوطم، أو في العقائد المدنية كما وُجدت عند الإغريق والرومان في العصور القديمة. العبادة تأخذ شكل مراسيم جماعية يتم خلالها الاحتفال بانضمام الأعضاء الجدد (التعميد)، أو اتحاد الأعضاء القدماء (الزواج)، أو أيضا إدماج الأفراد داخل نفس العشيرة.
-- الأخلاق والقانون --
إلى جانب المعتقدات والشعائر، هناك ميزة ثالثة ينفرد بها الدين، وهي احتواءه على مجموعة من القواعد الحياتية، والتي تأتي عادة على شكل قوانين أو منظومات أخلاقية. فموسى قد كتب على اللوح جداوله القانونية الشهيرة، كما أن الجزء الأكبر من التوراة، هو عبارة عن قانون مدني يتولى تنظيم مسائل الزواج، الملكية والعدالة الخاصة بجماعة يهودية كانت تعيش في قديم الزمان.
أما في الجانب الآخر من الكرة الأرضية، عند السكان الأصليين لأستراليا (الأبوريجيون)، فكل الأنشطة المراسيمية (كالزواج و العزاء مثلا) تتم تحت رعاية أرواح وشخصيات تنتمي إلى ما يسمى ب " عصر الأحلام" : أفعى قوس قزح، الأختين فوالج (wawalag)، حيث يُعتقد أنهم يمثلون القانون.
-- وسطاء المقدس --
ختاما، هناك ميزة أخرى للأديان، وهي الحضور شبه العالمي ل"أخصائيي المقدس"، الذين يُفترض فيهم إقامة علاقات مباشرة مع الآلهة : يتعلق الأمر بالشامان، الكهنة، الرهبان، القساوسة، الأئمة، العلماء، الأنبياء....الحضور المعم لوسطاء المقدس هؤلاء، يعني أن الديانات لا يكتب لها الاستمرار إلا من خلال عشائر وجماعات ذات طابع مُؤَسَّسِي بدرجات متفاوتة : فتواجد وسطاء الدين مهم من أجل تأسيس المذاهب، إصلاح أمور العقيدة، تأهيل الملتحقين الجدد، و/أو استقطاب الأتباع. هذا ما يجعل الدين مسألة تقليد وتأويل بالأساس.
#ما_فائدة_الأديان_ومن_يستفيد_منها؟
سبق لمختلف جوانب الأديان ( عالم الأرواح، العبادة، الأخلاق والقوانين، الوساطة) أن قدمت لنا إجابات أولية على هذا السؤال. تُوكل للأديان بعض الأدوار الفردية، الاجتماعية والجماعية. فهي لا تهتم بتفسير العالم فحسب، بل تحاول تنظيمه أولا. تأتي الأديان من أجل إرساء قوانين وقواعد اجتماعية، ومساعدة الأفراد على مواجهة نوائب الزمن.
-- تفسير العالم --
اهتمت علوم الأديان (التاريخ والانتربولوجيا خاصة) ضمن مسارها الطويل، بدارسة مختلف التصورات الدينية : الألوهية، الأساطير، الرموز، المعتقدات. عندما تقوم بفتح أي موسوعة دينية، فستلاحظ ما يلي : الديانة الاغريقية-الرومانية هي عبارة عن ضريح يضم عدة آلهة، مع ما يصاحب كل إله من خرافات وقصص أسطورية، الديانة الهندوسية تحكي قصة ثالوث ألوهي ( الخالق "برهما"، الحافظ "فيشنو"، المغني "شيفا") مجسد على سطح الأرض على شكل كائن يدعى "أفاتار". أن تمارس الانتروبلوجيا الدينية، معناه أن تتعاطى مع الأساطير المؤسسة لقبيلة الدوغون، والرؤى والأحلام الخاصة بالشامان.
انطلاقا من هذه القائمة الهائلة من الدراسات حول التصورات الدينية، تم التوصل إلى فرضية مصاحبة لها جميعها: كل ديانة، كيفما كانت، هي، في نهاية المطاف، عبارة عن سلسلة من المعتقدات الغرائبية التي تهدف إلى "تنظيم العالم" وتطويع المجهول. هذا ما نلاحظه من خلال الحضور المتكرر لكوسمولوجية معينة داخل كل دين، أي لسردية موحدة وإطار يُفسر ضمنه الكون.
هذه الكائنات اللامرئية قد تأخذ أيضا أشكال أرواح (تعود لأحد الحيوانات أو الأسلاف)، أو ملائكة، أو شياطين(2). في البنين، تُسمى بالفودو (vodum)، وفي اليابان بالكامي (kamis)، هذه الأرواح عادة ما يتم تجسيدها من خلال عدة أشكال – أقنعة، تماثيل (صغيرة أو كبيرة الحجم)، صلبان، رموز. وحدها اليهودية، ومعها المسيحية الأرثوذكسية والإسلام السياسي، تحرم تجسيد الإله.
كل إله يستحق هذا الاسم، يتمتع بقوى خارقة كما هو الحال عند إله العهد القديم، القادر على إحداث طوفان كبير أو تحويل العصاة إلى تماثيل ملحية ( كما حدث لزوجة لوط ).
-- العبادة --
الآلهة تتدخل أحيانا في مجرى الأحداث من أجل مكافأة أو معاقبة الأتباع. وبالتالي وجب إرضاؤها. لهذا فالدين ليس مجرد إيمان، بل هو عبارة عن عبادة تتكون من عدة طقوس وشعائر. الصلوات، المراسيم والقداسات، هدفها الأساسي هو جلب منافع الآلهة. أما من خلال تقديم القربان والهدايا، فنحن نطمع في حمايتها. الآلهة يمكن أن تكون أيضا رفيقا نسر إليه أو ننتظر منه النصح. كما يمكنها أن تأخذ صفة الصديق الخيالي، أو حتى الزوج، كما هو الحال في "الزيجات الصوفية".
في الأخير، الآلهة قد تمثل رمزا لجماعة ما: هذا ما نلاحظه من خلال رمز الطوطم، أو في العقائد المدنية كما وُجدت عند الإغريق والرومان في العصور القديمة. العبادة تأخذ شكل مراسيم جماعية يتم خلالها الاحتفال بانضمام الأعضاء الجدد (التعميد)، أو اتحاد الأعضاء القدماء (الزواج)، أو أيضا إدماج الأفراد داخل نفس العشيرة.
-- الأخلاق والقانون --
إلى جانب المعتقدات والشعائر، هناك ميزة ثالثة ينفرد بها الدين، وهي احتواءه على مجموعة من القواعد الحياتية، والتي تأتي عادة على شكل قوانين أو منظومات أخلاقية. فموسى قد كتب على اللوح جداوله القانونية الشهيرة، كما أن الجزء الأكبر من التوراة، هو عبارة عن قانون مدني يتولى تنظيم مسائل الزواج، الملكية والعدالة الخاصة بجماعة يهودية كانت تعيش في قديم الزمان.
أما في الجانب الآخر من الكرة الأرضية، عند السكان الأصليين لأستراليا (الأبوريجيون)، فكل الأنشطة المراسيمية (كالزواج و العزاء مثلا) تتم تحت رعاية أرواح وشخصيات تنتمي إلى ما يسمى ب " عصر الأحلام" : أفعى قوس قزح، الأختين فوالج (wawalag)، حيث يُعتقد أنهم يمثلون القانون.
-- وسطاء المقدس --
ختاما، هناك ميزة أخرى للأديان، وهي الحضور شبه العالمي ل"أخصائيي المقدس"، الذين يُفترض فيهم إقامة علاقات مباشرة مع الآلهة : يتعلق الأمر بالشامان، الكهنة، الرهبان، القساوسة، الأئمة، العلماء، الأنبياء....الحضور المعم لوسطاء المقدس هؤلاء، يعني أن الديانات لا يكتب لها الاستمرار إلا من خلال عشائر وجماعات ذات طابع مُؤَسَّسِي بدرجات متفاوتة : فتواجد وسطاء الدين مهم من أجل تأسيس المذاهب، إصلاح أمور العقيدة، تأهيل الملتحقين الجدد، و/أو استقطاب الأتباع. هذا ما يجعل الدين مسألة تقليد وتأويل بالأساس.
#ما_فائدة_الأديان_ومن_يستفيد_منها؟
سبق لمختلف جوانب الأديان ( عالم الأرواح، العبادة، الأخلاق والقوانين، الوساطة) أن قدمت لنا إجابات أولية على هذا السؤال. تُوكل للأديان بعض الأدوار الفردية، الاجتماعية والجماعية. فهي لا تهتم بتفسير العالم فحسب، بل تحاول تنظيمه أولا. تأتي الأديان من أجل إرساء قوانين وقواعد اجتماعية، ومساعدة الأفراد على مواجهة نوائب الزمن.
-- تفسير العالم --
اهتمت علوم الأديان (التاريخ والانتربولوجيا خاصة) ضمن مسارها الطويل، بدارسة مختلف التصورات الدينية : الألوهية، الأساطير، الرموز، المعتقدات. عندما تقوم بفتح أي موسوعة دينية، فستلاحظ ما يلي : الديانة الاغريقية-الرومانية هي عبارة عن ضريح يضم عدة آلهة، مع ما يصاحب كل إله من خرافات وقصص أسطورية، الديانة الهندوسية تحكي قصة ثالوث ألوهي ( الخالق "برهما"، الحافظ "فيشنو"، المغني "شيفا") مجسد على سطح الأرض على شكل كائن يدعى "أفاتار". أن تمارس الانتروبلوجيا الدينية، معناه أن تتعاطى مع الأساطير المؤسسة لقبيلة الدوغون، والرؤى والأحلام الخاصة بالشامان.
انطلاقا من هذه القائمة الهائلة من الدراسات حول التصورات الدينية، تم التوصل إلى فرضية مصاحبة لها جميعها: كل ديانة، كيفما كانت، هي، في نهاية المطاف، عبارة عن سلسلة من المعتقدات الغرائبية التي تهدف إلى "تنظيم العالم" وتطويع المجهول. هذا ما نلاحظه من خلال الحضور المتكرر لكوسمولوجية معينة داخل كل دين، أي لسردية موحدة وإطار يُفسر ضمنه الكون.
حتى وإن كانت غير عقلانية، فالمعتقدات الدينية تفيد في جعل كل ما هو غريب، مألوفا.
صحيح أن هذه الفرضية تسمح بتفسير سبب انحسار المعتقدات الأسطورية القديمة، لكنها لا تقدم توضيحات كافية فيما يتعلق بسبب استمرار الأديان رغم تطور العلوم. أو السبب الذي يجعل تفسيراتها للعالم، تتميز بهذا القدر من الغلو والجنون.
-- تنظيم المجتمع --
حسب الأصل اللغوي الفرنسي لكلمة ديانة ((religion، فإن هذه الأخيرة تشير إلى كل ما "يربط" ((relie- تحقيب لغوي ممكن، لكنه يظل محط شك وتساؤل. من هذا المنظور، تكون مهمة الدين الأولى، هي الجمع بين الناس، وبالتالي خلق انتماءات عشائرية. إنها فرضية إميل دوركايم.
دعاة الجمهورية العلمانية الذين أقروا بانحسار شعبية الكنيسة داخل المجتمع ( وناضلوا من أجل القضاء عليها نهائيا أو على الأقل من أجل الفصل بين الكنيسة والدولة)، قد فهموا جيدا دور الدين في تأطير المجتمع عندما أحلوا مكانه مفهوم "الديانة العلمانية". هذا الاستبدال يظهر أيضا من خلال ما عُرف ب"معبد العقل" إبان الثورة الفرنسية و"دين الإنسانية" عند أوغست كانت، أو " التعاليم الجمهورية" التي ناد المسئولون السياسيون بضرورة تدوينها قصد تكوين مواطنين صالحين. دور الحفاظ على التماسك الاجتماعي هذا، وجب ترسيخه عن طريق أخلاق عامة ومراسيم تهدف إلى توحيد الجماعة حول قيم مقدسة.
وبالتالي، فنحن نجد هذه المهمة الاجتماعية مسجلة في أغلب كتب العهد القديم، والتي تحتوي على قواعد وقوانين تنظم حياة اليهود في أدق تفاصيلها. عند القدماء الإغريق والرومان، الديانة المدنية لا تنحصر في مجرد عقيدة أو مذاهب، بل تضم عادات وجب على الجميع احترامها. في القرون الوسطى، استطاعت الكنيسة المسيحية أن تبسط سيطرتها على كافة مناحي حياة المجتمع آنذاك : العادات الزراعية، عقود القران، التعميد، الحرب، السلم، الصيد : فقد كانت الكنيسة تؤطر الأشخاص كما تؤطر المجال(3).
أما في العديد من المجتمعات التقليدية، فالجهاز الرمزي والطقوسي المستعمل، يمنح الأعضاء معالم يهتدون بها في تنظيم الحياة اليومية للجماعة، تحديد قواعد الصيد والتحالف بين العشائر وتأهيل الفتيان والفتيات قصد تكليفهم بمهام معينة. طبعا، فوحدهم حراس "القانون" (Wunan) المتوارث جيلا بعد جيل، يدركون معنى هذه الصور المقدسة.
-- إعطاء معنى للحياة --
لا تنحصر مهمة الأديان في تحديد الأخلاق العامة و"الطواطم والطابوهات"، بالإضافة إلى القيم المقدسة والمحرمات. ولكنها تمنح، أيضا، عنصرا مهما، يجعل الوجود الإنساني محتملا: معنىً للحياة.
معنىً للحياة؟ خصص ماكس فيبر المئات من الصفحات من أجل تحليل أسلوب العيش (l’ethos ) داخل الأديان الكبرى : وهو الأسلوب الذي يحدده الحكماء، القديسون، الأنبياء، المتصوفة، كما نجدهم في اليهودية القديمة، البوذية أو الهندوسية، البروتستنتية، إلخ. نمط العيش هذا، يتخذ، في الآن ذاته، شكل مَثَلٍ أعلى نصبو إلى تحقيقه (الزهد المُطَهِّر أو الحرص البوذي) والتزام حياتي تضبطه الطقوس، الصلوات ومختلف "التمارين الروحية".
قد يُنظر إلي الدين ك "طقم وجودي" تجد فيه "الأرواح التائهة" ( الأشخاص الموجدون في حالة أزمة) ملاذً لها. القصص الكثيرة التي تروى حول المعتنقين الجدد للإنجيلية، الإسلام أو المسيحية، تصف لنا أشخاصا في حالة ضياع ( مدمنون على المخدرات أو الكحول، مجرمون أو يمرون من أزمة وجودية) تمكنوا، بفضل الدين، من إيجاد نمط حياتي مناسب، صورة ذات قيمة عن أنفسهم ونظام معيشي أكثر انضباطا ومسؤولية.
فما يُعرف ب"الأديان الشفائية "، ليس شيئا آخر سوى تأمين الرعاية اللازمة لأشخاص يعانون من أمراض نفسية أو عضوية، عن طريق منحهم العزاء والمواساة في حالة تعذر الشفاء التام.
هنا يكمن، ربما، أحد أهم أسباب نجاح الأديان: إنها تساعد على مواجهة نوائب الزمن، أكثر مما تساعد على التصدي لشبح الموت.
#أسباب_صمود_الأديان_أو_عدم_صمودها_
عند نهاية القرن 19، كتب نيتشه ينعي "موت الإله"، كما تحدث ماكس فيبر عن "نزع السحر عن العالم". في ذلك الوقت، ظن الجميع أن العالم الحديث يسير بخطى ثابتة نحو وضع حد نهائي للمعتقدات الدينية: الطب سيحل محل الصلاة، التقنية ستجر البساط من تحت أقدام السحر، العلم سيقضي على الخرافة، التقدم الاجتماعي والاقتصادي سيمثل بديلا عن الخلاص الأخروي.
غير أن الرياح لا تجري دائما بما تشتهيه السفن: فالأديان ما تزال صامدة في مجتمعات اليوم. صحيح أن الكنائس قد فقدت سطوتها على مجتمع القرن العشرين، لكن الأمر لا يتعلق بتراجع معمم للمعتقدات الدينية : لا في العالم، ولا في الغرب. بل على العكس من ذلك، ما حصل في نهاية القرن 20، هو "انتقام الإله"، كما أشارت إلى ذلك العديد من التحليلات. ما هي الأسباب؟ ما الذي حدث بالضبط؟
-- أسباب العودة --
صحيح أن هذه الفرضية تسمح بتفسير سبب انحسار المعتقدات الأسطورية القديمة، لكنها لا تقدم توضيحات كافية فيما يتعلق بسبب استمرار الأديان رغم تطور العلوم. أو السبب الذي يجعل تفسيراتها للعالم، تتميز بهذا القدر من الغلو والجنون.
-- تنظيم المجتمع --
حسب الأصل اللغوي الفرنسي لكلمة ديانة ((religion، فإن هذه الأخيرة تشير إلى كل ما "يربط" ((relie- تحقيب لغوي ممكن، لكنه يظل محط شك وتساؤل. من هذا المنظور، تكون مهمة الدين الأولى، هي الجمع بين الناس، وبالتالي خلق انتماءات عشائرية. إنها فرضية إميل دوركايم.
دعاة الجمهورية العلمانية الذين أقروا بانحسار شعبية الكنيسة داخل المجتمع ( وناضلوا من أجل القضاء عليها نهائيا أو على الأقل من أجل الفصل بين الكنيسة والدولة)، قد فهموا جيدا دور الدين في تأطير المجتمع عندما أحلوا مكانه مفهوم "الديانة العلمانية". هذا الاستبدال يظهر أيضا من خلال ما عُرف ب"معبد العقل" إبان الثورة الفرنسية و"دين الإنسانية" عند أوغست كانت، أو " التعاليم الجمهورية" التي ناد المسئولون السياسيون بضرورة تدوينها قصد تكوين مواطنين صالحين. دور الحفاظ على التماسك الاجتماعي هذا، وجب ترسيخه عن طريق أخلاق عامة ومراسيم تهدف إلى توحيد الجماعة حول قيم مقدسة.
وبالتالي، فنحن نجد هذه المهمة الاجتماعية مسجلة في أغلب كتب العهد القديم، والتي تحتوي على قواعد وقوانين تنظم حياة اليهود في أدق تفاصيلها. عند القدماء الإغريق والرومان، الديانة المدنية لا تنحصر في مجرد عقيدة أو مذاهب، بل تضم عادات وجب على الجميع احترامها. في القرون الوسطى، استطاعت الكنيسة المسيحية أن تبسط سيطرتها على كافة مناحي حياة المجتمع آنذاك : العادات الزراعية، عقود القران، التعميد، الحرب، السلم، الصيد : فقد كانت الكنيسة تؤطر الأشخاص كما تؤطر المجال(3).
أما في العديد من المجتمعات التقليدية، فالجهاز الرمزي والطقوسي المستعمل، يمنح الأعضاء معالم يهتدون بها في تنظيم الحياة اليومية للجماعة، تحديد قواعد الصيد والتحالف بين العشائر وتأهيل الفتيان والفتيات قصد تكليفهم بمهام معينة. طبعا، فوحدهم حراس "القانون" (Wunan) المتوارث جيلا بعد جيل، يدركون معنى هذه الصور المقدسة.
-- إعطاء معنى للحياة --
لا تنحصر مهمة الأديان في تحديد الأخلاق العامة و"الطواطم والطابوهات"، بالإضافة إلى القيم المقدسة والمحرمات. ولكنها تمنح، أيضا، عنصرا مهما، يجعل الوجود الإنساني محتملا: معنىً للحياة.
معنىً للحياة؟ خصص ماكس فيبر المئات من الصفحات من أجل تحليل أسلوب العيش (l’ethos ) داخل الأديان الكبرى : وهو الأسلوب الذي يحدده الحكماء، القديسون، الأنبياء، المتصوفة، كما نجدهم في اليهودية القديمة، البوذية أو الهندوسية، البروتستنتية، إلخ. نمط العيش هذا، يتخذ، في الآن ذاته، شكل مَثَلٍ أعلى نصبو إلى تحقيقه (الزهد المُطَهِّر أو الحرص البوذي) والتزام حياتي تضبطه الطقوس، الصلوات ومختلف "التمارين الروحية".
قد يُنظر إلي الدين ك "طقم وجودي" تجد فيه "الأرواح التائهة" ( الأشخاص الموجدون في حالة أزمة) ملاذً لها. القصص الكثيرة التي تروى حول المعتنقين الجدد للإنجيلية، الإسلام أو المسيحية، تصف لنا أشخاصا في حالة ضياع ( مدمنون على المخدرات أو الكحول، مجرمون أو يمرون من أزمة وجودية) تمكنوا، بفضل الدين، من إيجاد نمط حياتي مناسب، صورة ذات قيمة عن أنفسهم ونظام معيشي أكثر انضباطا ومسؤولية.
فما يُعرف ب"الأديان الشفائية "، ليس شيئا آخر سوى تأمين الرعاية اللازمة لأشخاص يعانون من أمراض نفسية أو عضوية، عن طريق منحهم العزاء والمواساة في حالة تعذر الشفاء التام.
هنا يكمن، ربما، أحد أهم أسباب نجاح الأديان: إنها تساعد على مواجهة نوائب الزمن، أكثر مما تساعد على التصدي لشبح الموت.
#أسباب_صمود_الأديان_أو_عدم_صمودها_
عند نهاية القرن 19، كتب نيتشه ينعي "موت الإله"، كما تحدث ماكس فيبر عن "نزع السحر عن العالم". في ذلك الوقت، ظن الجميع أن العالم الحديث يسير بخطى ثابتة نحو وضع حد نهائي للمعتقدات الدينية: الطب سيحل محل الصلاة، التقنية ستجر البساط من تحت أقدام السحر، العلم سيقضي على الخرافة، التقدم الاجتماعي والاقتصادي سيمثل بديلا عن الخلاص الأخروي.
غير أن الرياح لا تجري دائما بما تشتهيه السفن: فالأديان ما تزال صامدة في مجتمعات اليوم. صحيح أن الكنائس قد فقدت سطوتها على مجتمع القرن العشرين، لكن الأمر لا يتعلق بتراجع معمم للمعتقدات الدينية : لا في العالم، ولا في الغرب. بل على العكس من ذلك، ما حصل في نهاية القرن 20، هو "انتقام الإله"، كما أشارت إلى ذلك العديد من التحليلات. ما هي الأسباب؟ ما الذي حدث بالضبط؟
-- أسباب العودة --
صمود الأديان في عالم اليوم راجع، بدون شك، إلى الأسباب التي أشرنا إليها سابقا، فهي تجيب على مجموعة من الحاجات النفسية والاجتماعية: يوفر الدين، في نفس الوقت، دعامة اجتماعية، راحة معنوية وانتماء عشائريا.
العلمنة المتصاعدة للدول الإسلامية والعربية – من إيران إلى المغرب – حتى ثمانينيات القرن الماضي، صاحبتها عودة إلى الإسلام من طرف الشرائح الأقل استفادة من مشروع الحداثة(4). في الغرب أيضا، يمكن فهم استمرار القيم الدينية كرد فعل مضاد : الإسلام والبوذية، استفادا من التطلعات ما بعد المادية لفئات عريضة من الشباب النافر من سيطرة النزعة الفردانية والطامح إلى حياة أكثر أخلاقية، أكثر تضامنا وأكثر كرامة. نفس الشيء وقع في القرون الأولى لإمبراطورية الرومانية مع ظهور الأديان الخلاصية : المسيحية، اليهودية التلموذية، الغنوصية، الديانات الغامضة.
ورغم ذلك يبقى السؤال المطروح هو كالتالي: كيف للتطلع إلى حياة أكثر أخلاقية أو روحانية، أن يتكيف مع معتقدات تعود إلى زمان غير زماننا؟ كيف نستطيع التوفيق بين رسالة الحب اللطيفة التي جاء بها المسيح، وبين الإيمان بمعجزات تكثير الخبز أو البعث؟ الفلسفة البوذية شيء رائع، لكن، كيف نصدق، بحسب الأسطورة، أن بوذا قد خرج من بطن أمه في جو يمطر أوراقا زهرية، ولم يمض يوم واحد على ولادته حتى أخبر أمه بأنه سيد الكون؟
باختصار، كيف نصالح اليوم بين الإيمان والعقل، كيف للمرء أن يكون مسلما يصلي بالقرآن وفيزيائيا في نفس الوقت، كاهنا شنتويا ومسيرا لمقاولة معلوماتية أيضا، ومسيحيا دون أن يعتبر أن المرأة الخائنة تستحق الرجم كما هو مكتوب في التوراة؟
-- من التأويل إلى الكائن الأعلى --
تاريخ الأديان يقدم حلا أوليا لهذا اللغز. منذ القرون الأولى لنشأتها، وجدت الأديان (اليهودية، المسحية، البوذية، الطاوية) نفسها مطالبة بالتوفيق بين النصوص المُؤسسة ومبادئ العصر.
خلال القرن الأول الميلادي، اقترح فيلون السكندري تفسيرا "مجازيا" للكتابات المقدسة داعيا إلى عدم فهمها فهما "حرفيا". في الإسكندرية أيضا، تمكن كل من إكليمندس وأريجانوس من التنظير لتفسير محايد – التأويل– تتم بموجبه قراءة الأناجيل من خلال التفريق بين المعنى الحرفي، المعنى الأخلاقي، المعنى "الروحي"...( باعتبار أن الأول يخاطب الجسد، الثاني يخاطب القلب والثالث يخاطب العقل).
شَكَّل التأويل أداة فعالة من أجل التصدي لما قد يستشكل على بعض المؤمنين: لماذا طلب الإله من إبراهيم التضحية بابنه؟ لماذا يتم قتل وتعذيب الأطفال الأبرياء ( كما حدث في الطوفان أو في ضربات مصر)؟ وعلى العموم، يسمح التأويل بتجاوز " التنافر المعرفي" والجواب على كل هذه الأسئلة المحرجة عن طريق التركيز على الجانب المجازي في هذه القصص.
التحرر من النصوص المؤسسة أصبح ممكنا أيضا عن طريق إدماج الكتابات المقدسة داخل منظومات ميتافيزيقية ولاهوتية أكثر تجريدا : في الميتافيزيقا المسيحية، صار إله العهد القديم، الغاضب والمنتقم، عبارة عن وحدة مجردة، "الواحد"، والمسيح لم يعد ذلك الطفل الذي ولد بفلسطين وتكلف بتربيته نجار يدعى يوسف، وعندما كبر أصبح يكثر الخبز، ولكنه تحول إلى رمز نموذجي للحب والسلام.
وهكذا، أصبحت الكتابات المقدس منسجمة مع التفكير الفلسفي، الفكر النقدي وحتى تطور العلوم.
خلال العصر الذهبي الإسلامي ( من القرن 8 إلى القرن 13 ميلادي)، استطاع القرآن أن يتوافق تماما مع الاكتشافات الفلكية، الطبية والرياضية التي توصل إليها العلماء المسلمون. على نفس المنوال، تمكنت فئات عريضة من أتباع الدين المسيحي من المشاركة في تطوير العلوم. كوبيرنيكوس الذي كان راهبا وفيزيائيا في نفس الوقت، ديكارت الذي جعل تصوره الميكانيكي للكون في خدمة المبرهنة على وجود الإله. إبان القرن 18 ميلادي، حظيت النظرية الربوبية المسماة ب " الكائن الأعلى"، خالق الكون وملهم مختلف القيم المقدسة، بإعجاب فئة عريضة من النخبة المثقفة الأوروبية.
في الوقت الراهن، يبدو أن هذا الثنائي (الدين والعلم) قد فهم جيدا استحالة التواصل، وبالتالي كان السعي إلى تقسيم الأدوار بينهما. ما يعني إمكانية تعايش نظرتين مختلفتين للعالم في نفس الجمجمة(5).
-- أنماط عقائدية وإيمان ليِّن --
هناك ظاهرة أخرى ساهمت في تعايش الخطابات الدينية داخل أوساط جد مختلفة. المؤرخ بول فيين وضح في كتابه "هل فعلا آمن الإغريق بآلهتهم؟"(1983)، بأن الإغريق القدماء لم يكونوا جميعا مؤمنين بآلهة جبل الأولمبية، والتي كانت تشكل ديانات مدنية مهمة مع ذلك. الكثير من الإغريق كانوا مؤمنين دون أن يؤمنوا فعلا. في حقيقة الأمر، لم تكن مسألة مصالحة معارفهم المألوفة عن العالم مع قصص المثولوجيا، تشكل بالنسبة لهم عائقا يذكر، فلم يكن هؤلاء من النوع الذي يشغل نفسه بكثرة الأسئلة حول الموضوع.
العلمنة المتصاعدة للدول الإسلامية والعربية – من إيران إلى المغرب – حتى ثمانينيات القرن الماضي، صاحبتها عودة إلى الإسلام من طرف الشرائح الأقل استفادة من مشروع الحداثة(4). في الغرب أيضا، يمكن فهم استمرار القيم الدينية كرد فعل مضاد : الإسلام والبوذية، استفادا من التطلعات ما بعد المادية لفئات عريضة من الشباب النافر من سيطرة النزعة الفردانية والطامح إلى حياة أكثر أخلاقية، أكثر تضامنا وأكثر كرامة. نفس الشيء وقع في القرون الأولى لإمبراطورية الرومانية مع ظهور الأديان الخلاصية : المسيحية، اليهودية التلموذية، الغنوصية، الديانات الغامضة.
ورغم ذلك يبقى السؤال المطروح هو كالتالي: كيف للتطلع إلى حياة أكثر أخلاقية أو روحانية، أن يتكيف مع معتقدات تعود إلى زمان غير زماننا؟ كيف نستطيع التوفيق بين رسالة الحب اللطيفة التي جاء بها المسيح، وبين الإيمان بمعجزات تكثير الخبز أو البعث؟ الفلسفة البوذية شيء رائع، لكن، كيف نصدق، بحسب الأسطورة، أن بوذا قد خرج من بطن أمه في جو يمطر أوراقا زهرية، ولم يمض يوم واحد على ولادته حتى أخبر أمه بأنه سيد الكون؟
باختصار، كيف نصالح اليوم بين الإيمان والعقل، كيف للمرء أن يكون مسلما يصلي بالقرآن وفيزيائيا في نفس الوقت، كاهنا شنتويا ومسيرا لمقاولة معلوماتية أيضا، ومسيحيا دون أن يعتبر أن المرأة الخائنة تستحق الرجم كما هو مكتوب في التوراة؟
-- من التأويل إلى الكائن الأعلى --
تاريخ الأديان يقدم حلا أوليا لهذا اللغز. منذ القرون الأولى لنشأتها، وجدت الأديان (اليهودية، المسحية، البوذية، الطاوية) نفسها مطالبة بالتوفيق بين النصوص المُؤسسة ومبادئ العصر.
خلال القرن الأول الميلادي، اقترح فيلون السكندري تفسيرا "مجازيا" للكتابات المقدسة داعيا إلى عدم فهمها فهما "حرفيا". في الإسكندرية أيضا، تمكن كل من إكليمندس وأريجانوس من التنظير لتفسير محايد – التأويل– تتم بموجبه قراءة الأناجيل من خلال التفريق بين المعنى الحرفي، المعنى الأخلاقي، المعنى "الروحي"...( باعتبار أن الأول يخاطب الجسد، الثاني يخاطب القلب والثالث يخاطب العقل).
شَكَّل التأويل أداة فعالة من أجل التصدي لما قد يستشكل على بعض المؤمنين: لماذا طلب الإله من إبراهيم التضحية بابنه؟ لماذا يتم قتل وتعذيب الأطفال الأبرياء ( كما حدث في الطوفان أو في ضربات مصر)؟ وعلى العموم، يسمح التأويل بتجاوز " التنافر المعرفي" والجواب على كل هذه الأسئلة المحرجة عن طريق التركيز على الجانب المجازي في هذه القصص.
التحرر من النصوص المؤسسة أصبح ممكنا أيضا عن طريق إدماج الكتابات المقدسة داخل منظومات ميتافيزيقية ولاهوتية أكثر تجريدا : في الميتافيزيقا المسيحية، صار إله العهد القديم، الغاضب والمنتقم، عبارة عن وحدة مجردة، "الواحد"، والمسيح لم يعد ذلك الطفل الذي ولد بفلسطين وتكلف بتربيته نجار يدعى يوسف، وعندما كبر أصبح يكثر الخبز، ولكنه تحول إلى رمز نموذجي للحب والسلام.
وهكذا، أصبحت الكتابات المقدس منسجمة مع التفكير الفلسفي، الفكر النقدي وحتى تطور العلوم.
خلال العصر الذهبي الإسلامي ( من القرن 8 إلى القرن 13 ميلادي)، استطاع القرآن أن يتوافق تماما مع الاكتشافات الفلكية، الطبية والرياضية التي توصل إليها العلماء المسلمون. على نفس المنوال، تمكنت فئات عريضة من أتباع الدين المسيحي من المشاركة في تطوير العلوم. كوبيرنيكوس الذي كان راهبا وفيزيائيا في نفس الوقت، ديكارت الذي جعل تصوره الميكانيكي للكون في خدمة المبرهنة على وجود الإله. إبان القرن 18 ميلادي، حظيت النظرية الربوبية المسماة ب " الكائن الأعلى"، خالق الكون وملهم مختلف القيم المقدسة، بإعجاب فئة عريضة من النخبة المثقفة الأوروبية.
في الوقت الراهن، يبدو أن هذا الثنائي (الدين والعلم) قد فهم جيدا استحالة التواصل، وبالتالي كان السعي إلى تقسيم الأدوار بينهما. ما يعني إمكانية تعايش نظرتين مختلفتين للعالم في نفس الجمجمة(5).
-- أنماط عقائدية وإيمان ليِّن --
هناك ظاهرة أخرى ساهمت في تعايش الخطابات الدينية داخل أوساط جد مختلفة. المؤرخ بول فيين وضح في كتابه "هل فعلا آمن الإغريق بآلهتهم؟"(1983)، بأن الإغريق القدماء لم يكونوا جميعا مؤمنين بآلهة جبل الأولمبية، والتي كانت تشكل ديانات مدنية مهمة مع ذلك. الكثير من الإغريق كانوا مؤمنين دون أن يؤمنوا فعلا. في حقيقة الأمر، لم تكن مسألة مصالحة معارفهم المألوفة عن العالم مع قصص المثولوجيا، تشكل بالنسبة لهم عائقا يذكر، فلم يكن هؤلاء من النوع الذي يشغل نفسه بكثرة الأسئلة حول الموضوع.
على غرار ذلك، فعلاقة العديد من المؤمنين المعاصرين بالأديان، يغلب عليها طابع الحيادية وأخذ المسافة. فهم يؤمنون دون التصديق الفعلي لإمكانية وجود خالق للكون، بنفس الطريقة التي يؤمن بها الآخرون بوجود الأشباح أو بتناسخ الأرواح، لكن، من دون أن يكون إيمانهم شبيها بإيمان العجائز.
كثيرة هي المعتقدات التي تدور في منطقة عقلية وسطى بين اليقين، الشك وأمل غير مؤكد بأن هناك "شيئا ما". هذا الميل نحو تخصيص حيز صغير لعدم التصديق، راجع إلى بنية عقائدية تتميز بالمرونة والغموض.
-- عندما يفقد الخطاب بريقه --
رغم كل هذه المحاولات من أجل إعادة صياغته، فالدين لا يصمد دائما. حتى أن تاريخ الأديان، هو عبارة عن تاريخ متجدد من الاحتجاجات، الهرطقات، الشك والطعن في أركان العقيدة. عمليا، وفي كل العصور، اضطرت الأديان (المسيحية، الإسلام، البوذية، الطاوية، الهندوسية..) إلى تجديد دمائها من أجل الاستمرار في الوجود.
لقد وجدت مختلف الحركات الدينية المهيمنة نفسها، دائما، في مواجهة المعارضين، "البروتستنتيين" و المنشقين. الأزمات الداخلية، هي من جعلت هؤلاء يقومون بتجديد المذاهب وإصلاحها. وهنا يكمن أحد هم أسباب استمرار الأديان : قدرتها على الانبعاث من جديد كطائر الفينيق. كل ديانة هي عبارة عن بدء أبدي ومتكرر.
#هل_الإيمان_حاجة_إنسانية؟
قبل قرن من الآن، انكب العديد من علماء النفس على تحليل الأسس النفسية للأديان.
- سغموند فرويد (1856-1939) : خصص العديد من الكتب للحديث عن الأديان. في كتابه "الطوطم والتابو" (1913)، يرى في الدين مجرد تعبير عن شعور بالذنب اتجاه الأب ومصدر لجميع المحرمات (الجنسية والغذائية). وأيضا في كتابه "مستقبل وهم" (1927)، يعتبر الأديان كشكل من أشكال التقهقر نحو المشاعر الطفولية. فطاعة الإنسان للإله شبيهة بطاعة الطفل لوالديه. في مواجهة نوائب الزمن، يحس الإنسان بأنه عاجز، فيلجأ إلى رمز أبوي مثالي، قادر على مد يد العون إليه والإحساس بمعاناته.
- ويليام جيمس (1842- 1910) : اهتم بتنوع التجارب الدينية. هذه التجارب تتميز بالتنوع والاختلاف، انطلاقا من التزمت (التقيد بالطقوس) وصولا إلى التجربة الصوفية التي تتيح لحظات وَجْدية، مرورا بالموقف الرسالي الذي يعني التزاما اجتماعيا. تنوع التجارب معناه تنوع في الانتظارات والمكافئات التي يتيحها دين ما. الأديان ليست مسألة خطئ أو صواب، لكنها تفيد في مواجهة مصاعب الحياة.
- علماء النفس التطوريين ( سكوت أتران وباسكال بوير) : يعتبرون الطقوس والعقائد الدينية مجردت "ظواهر طبيعية" مرتبطة بتكوين معين للدماغ البشري. الاعتقاد في وجود أرواح لا مرئية قادرة على التأثير في حياتنا، راجع إلى نشاط خلايا دماغية فطرية تضفي رغبات متسترة على ظواهر طبيعية.
- ميشال أرجيل (1925-2002) : وهو أخصائي في علم النفس الاجتماعي للديانات، قام بعدة أعمال حول العلاقة بين الدين ورغد العيش والصحة الجيدة، مبينا أن الصلاة، العبادة وأعمال الخير تتيح حياة أفضلا للمؤمنين. باختصار، المؤمنون أكثر سعادة من غيرهم.
(1) Raymond Aron, « L’avenir des religions séculières », in Chroniques de guerre. La France libre (1940-1945), Gallimard, 1990.
(2) Voir Patrick jean-Baptiste (dir), dictionnaire universel des dieux, déesses et démons, seuil,2016.
(3) Florian Mazel, l’Evêque et le territoire. L’invention médiévale de l’espace, seuil, 2016.
(4) Jean-François Dortier et Laurent Testot (coord), La religion. Unité et diversité, éd. Sciences Humaines, 2011.
(5) Yves Gingras, L’impossible dialogue. Science et religions, Puf, 2016.
مصدر المقال الأصلي :
Sciences humaines N°289 - février 2017 Les nouveaux visages de la précarité
كثيرة هي المعتقدات التي تدور في منطقة عقلية وسطى بين اليقين، الشك وأمل غير مؤكد بأن هناك "شيئا ما". هذا الميل نحو تخصيص حيز صغير لعدم التصديق، راجع إلى بنية عقائدية تتميز بالمرونة والغموض.
-- عندما يفقد الخطاب بريقه --
رغم كل هذه المحاولات من أجل إعادة صياغته، فالدين لا يصمد دائما. حتى أن تاريخ الأديان، هو عبارة عن تاريخ متجدد من الاحتجاجات، الهرطقات، الشك والطعن في أركان العقيدة. عمليا، وفي كل العصور، اضطرت الأديان (المسيحية، الإسلام، البوذية، الطاوية، الهندوسية..) إلى تجديد دمائها من أجل الاستمرار في الوجود.
لقد وجدت مختلف الحركات الدينية المهيمنة نفسها، دائما، في مواجهة المعارضين، "البروتستنتيين" و المنشقين. الأزمات الداخلية، هي من جعلت هؤلاء يقومون بتجديد المذاهب وإصلاحها. وهنا يكمن أحد هم أسباب استمرار الأديان : قدرتها على الانبعاث من جديد كطائر الفينيق. كل ديانة هي عبارة عن بدء أبدي ومتكرر.
#هل_الإيمان_حاجة_إنسانية؟
قبل قرن من الآن، انكب العديد من علماء النفس على تحليل الأسس النفسية للأديان.
- سغموند فرويد (1856-1939) : خصص العديد من الكتب للحديث عن الأديان. في كتابه "الطوطم والتابو" (1913)، يرى في الدين مجرد تعبير عن شعور بالذنب اتجاه الأب ومصدر لجميع المحرمات (الجنسية والغذائية). وأيضا في كتابه "مستقبل وهم" (1927)، يعتبر الأديان كشكل من أشكال التقهقر نحو المشاعر الطفولية. فطاعة الإنسان للإله شبيهة بطاعة الطفل لوالديه. في مواجهة نوائب الزمن، يحس الإنسان بأنه عاجز، فيلجأ إلى رمز أبوي مثالي، قادر على مد يد العون إليه والإحساس بمعاناته.
- ويليام جيمس (1842- 1910) : اهتم بتنوع التجارب الدينية. هذه التجارب تتميز بالتنوع والاختلاف، انطلاقا من التزمت (التقيد بالطقوس) وصولا إلى التجربة الصوفية التي تتيح لحظات وَجْدية، مرورا بالموقف الرسالي الذي يعني التزاما اجتماعيا. تنوع التجارب معناه تنوع في الانتظارات والمكافئات التي يتيحها دين ما. الأديان ليست مسألة خطئ أو صواب، لكنها تفيد في مواجهة مصاعب الحياة.
- علماء النفس التطوريين ( سكوت أتران وباسكال بوير) : يعتبرون الطقوس والعقائد الدينية مجردت "ظواهر طبيعية" مرتبطة بتكوين معين للدماغ البشري. الاعتقاد في وجود أرواح لا مرئية قادرة على التأثير في حياتنا، راجع إلى نشاط خلايا دماغية فطرية تضفي رغبات متسترة على ظواهر طبيعية.
- ميشال أرجيل (1925-2002) : وهو أخصائي في علم النفس الاجتماعي للديانات، قام بعدة أعمال حول العلاقة بين الدين ورغد العيش والصحة الجيدة، مبينا أن الصلاة، العبادة وأعمال الخير تتيح حياة أفضلا للمؤمنين. باختصار، المؤمنون أكثر سعادة من غيرهم.
(1) Raymond Aron, « L’avenir des religions séculières », in Chroniques de guerre. La France libre (1940-1945), Gallimard, 1990.
(2) Voir Patrick jean-Baptiste (dir), dictionnaire universel des dieux, déesses et démons, seuil,2016.
(3) Florian Mazel, l’Evêque et le territoire. L’invention médiévale de l’espace, seuil, 2016.
(4) Jean-François Dortier et Laurent Testot (coord), La religion. Unité et diversité, éd. Sciences Humaines, 2011.
(5) Yves Gingras, L’impossible dialogue. Science et religions, Puf, 2016.
مصدر المقال الأصلي :
Sciences humaines N°289 - février 2017 Les nouveaux visages de la précarité
لكي يتوصل المرء إلى الحقيقة، ينبغي عليه - مرة واحدة في حياته - أن يتخلص نهائياً من كل الآراء الشائعة التي تربى عليها و تلقاها من محيطه، و يعيد بناء أفكاره بشكل جذري من الأساس.
ـ رينيه ديكارت " فيلسوف فرنسي"
ـ رينيه ديكارت " فيلسوف فرنسي"
Please open Telegram to view this post
VIEW IN TELEGRAM
فالحقيقة تعطي القوَّة أو تخلُّ بالتوازنات وتعمّق اللَّاتماثلات، وفي النهاية تمثل الانتصار في هذا الجانب بدلاً من الجانب الآخر. فالحقيقة هي إضافة للقوَّة، ولا تظهر إلّا من خلال علاقات القوَّة، لأنَّ الانتماء الأساسي للحقيقة هو علاقات القوَّة واللَّاتماثل واللَّاتمركز، والمعركة وفقاً لذلك إنَّما هي مسجّلة ومكتوبة في هذا النمط من الخطاب. وأمَّا القانون، الرأس الثالث في مثلث السلطة، فإنَّه يتطابق مع المثال الذي هو القانون الحي، وذلك لأنَّه يسمح بمحاكمة الحاضر وبإخضاعه لقانون أقوى منه. فالمثال هو، بمعنى من المعاني، المجد الذي يصنع القانون، والقانون هو الذي يعمل في انبهار الاسم، إنَّه بالمطابقة أو التسوية بين القانون والاسم المشع والمبهر العظيم، عندها يكون للمثال القوَّة التي تتقوَّى بها السلطة. إنَّ السلطة هي التي أتاحت شرعيَّاً إذاً حضور مفهوم الصراع حولها، وهو ما ولَّد سريعاً ظهور العنصريَّة، إذ عندما استبدل موضوع صراع الأعراق بموضوع نقاوة وطهارة العرق، ولدت العنصريَّة، وعندما تحوَّل التاريخ المضاد، شرعت العنصريَّة البيولوجيَّة في العمل، وفي الوقت الذي تحوَّل فيه خطاب صراع الأعراق إلى خطاب ثوري، فإنَّ العنصريَّة كانت الفكرة والمشروع والنبوءة الثوريَّة، العائدة بمعنى آخر وانطلاقاً من الجذر نفسه، ألا وهو خطاب صراع الأعراق، وهكذا يكثِّف فوكو مقولة المركزيَّة ببراعة: إنَّ العنصريَّة تعني حرفيَّاً الخطاب الثوري بالمقلوب.
خلال السنة الجامعيَّة 1982 ألقى فوكو سلسلة من الدروس حول موضوع: هرمينوطيقا الذات، سبقتها سلسلة أخرى تحت عنوان "الاهتمام بالذات" سنة 1981، وقد شكَّلت هذه الأخيرة الجزء الثالث من كتابه: "تاريخ الجنسانيَّة".
في هذا الدرس المطوَّل "هرمينوطيقا الذات"، وضَّح فوكو التحوَّل الذي عرفته قضيَّة الاهتمام بالنفس/ الذات، أو ما يُسمَّى بثقافة النفس، ومن أجل ذلك قام بتحليل مجموعة من نصوص الفلاسفة اليونان والرُّومان خلال القرنين الأوَّل والثاني بعد الميلاد. وقد كان منطلق هذا الدرس هو محاورة ألقيبياديس لأفلاطون ولعبارتي "اعرف نفسك" و"اهتمّ بنفسك"، ولمتابعة هذه التحوُّلات قام فوكو بقراءة كذلك نصوص المدارس الفلسفيّة اليونانيَّة خاصَّة عند الرواقيين والأبيقوريين والكلبيين.
إنَّ هذا العمل الذي قام به ميشال فوكو يُعدُّ منعطفاً جديداً في فلسفته، فمن خلاله تابع كيفيَّة تشكّل الذات الغربيَّة عبر التاريخ الثقافي والفلسفي لمجتمعات الغرب باعتبارها ذاتاً لا تخضع فقط لعمليَّات السيطرة، وإنَّما أيضاً من تقنيات وفنون الاهتمام بالذات. إنَّ عبارة "اعرف نفسك" كانت مصدراً من مصادر ظهور الفلسفة اليونانيَّة، في حين أنَّ عبارة "اهتمّ بنفسك" ارتبطت بدخول الفلسفة اليونانيَّة إلى المرحلة الهلينستيَّة التي تميَّزت بالانحطاط والتراجع، لكنَّ فوكو بيَّن من خلال هذه الدروس تزامن العبارتين، إلى أن جاءت الفلسفة الحديثة مع اللحظة الديكارتيَّة التي أقصت عبارة "اهتمّ بنفسك" وأسَّست المعرفة على عبارة "اعرف نفسك"، وهذا الإقصاء هو مصدر النقد الذي وجَّهه فوكو للحداثة الغربيَّة التي فصلت كما يقول بين البُعد العلمي والرُّوحي للإنسان. بالإضافة إلى موضوعة الذات التي استغرقت معظم الدروس المذكورة يورد فوكو تصوُّره للفلسفة ووظيفتها باعتبارها شكلاً من الفكر يحاول أن يحدّد شروط وحدود بلوغ الحقيقة من خلال الذات. إنَّ قارئ هذه الدروس يجد نفسه أمام مؤلّف ضخم يعالج قضايا فلسفيَّة بالغة الأهميَّة انطلاقاً من إشكاليَّة الذات، وهذا له دلالة مهمَّة في المشروع الفلسفي لميشيل فوكو، الذي كان يردّد دائماً: إنَّه ليس بفيلسوف، وإنَّما هو مجرَّد مؤرّخ.
أمَّا عن ترجمة هذه المحاضرات إلى العربيَّة، ونخصُّ بالذكر المحاضرات التي تمَّ تجميعها في كتابين صدرا عن دار الطليعة، الأوَّل يحمل عنوان "يجب الدفاع عن المجتمع[1]"، والثاني معنون بـ: "تأويل الذات[2]"، فقد تكفَّل بترجمتهما المختصّ في دراسة فوكو، المفكر والباحث الأكاديمي الجزائري الزواوي بغوره، أستاذ الفلسفة المعاصرة بجامعة الكويت، الذي عرف باهتمامه بميشيل فوكو منذ وقت مبكر، بدءاً برسالته للدكتوراه تحت إشراف المفكر فتحي التريكي بعنوان: "الخطاب، بحث في بنيته وعلاقاته عند ميشيل فوكو"[3]، مروراً بكتابه: "ميشيل فوكو في الفكر العربي المعاصر"[4]، وصولاً إلى كتابه: "مدخل إلى فلسفة ميشيل فوك.[5]
لقد استقبل الفكر العربي فلسفة ميشيل فوكو باهتمام واحتفاء كبيرين، ما أدَّى إلى انتشارها وتداولها بشكل واسع لدى الأوساط العربيَّة المثقفة، ويظهر ذلك من خلال الترجمات المختلفة لنصوصه، والتي يمكن أن نذكر منها:
* الكلمات والأشياء، ترجمة: مطاع صفدي، سالم يفوت، بدر الدين عرودكي، جورج أبي صالح، كمال أسطفان، مراجعة جورج زيناتي ومطاع صفدي، بيروت، مركز الإنماء القومي 1990.
* حفريات المعرفة، ترجمة سالم يفوت، الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي 1986.
2
خلال السنة الجامعيَّة 1982 ألقى فوكو سلسلة من الدروس حول موضوع: هرمينوطيقا الذات، سبقتها سلسلة أخرى تحت عنوان "الاهتمام بالذات" سنة 1981، وقد شكَّلت هذه الأخيرة الجزء الثالث من كتابه: "تاريخ الجنسانيَّة".
في هذا الدرس المطوَّل "هرمينوطيقا الذات"، وضَّح فوكو التحوَّل الذي عرفته قضيَّة الاهتمام بالنفس/ الذات، أو ما يُسمَّى بثقافة النفس، ومن أجل ذلك قام بتحليل مجموعة من نصوص الفلاسفة اليونان والرُّومان خلال القرنين الأوَّل والثاني بعد الميلاد. وقد كان منطلق هذا الدرس هو محاورة ألقيبياديس لأفلاطون ولعبارتي "اعرف نفسك" و"اهتمّ بنفسك"، ولمتابعة هذه التحوُّلات قام فوكو بقراءة كذلك نصوص المدارس الفلسفيّة اليونانيَّة خاصَّة عند الرواقيين والأبيقوريين والكلبيين.
إنَّ هذا العمل الذي قام به ميشال فوكو يُعدُّ منعطفاً جديداً في فلسفته، فمن خلاله تابع كيفيَّة تشكّل الذات الغربيَّة عبر التاريخ الثقافي والفلسفي لمجتمعات الغرب باعتبارها ذاتاً لا تخضع فقط لعمليَّات السيطرة، وإنَّما أيضاً من تقنيات وفنون الاهتمام بالذات. إنَّ عبارة "اعرف نفسك" كانت مصدراً من مصادر ظهور الفلسفة اليونانيَّة، في حين أنَّ عبارة "اهتمّ بنفسك" ارتبطت بدخول الفلسفة اليونانيَّة إلى المرحلة الهلينستيَّة التي تميَّزت بالانحطاط والتراجع، لكنَّ فوكو بيَّن من خلال هذه الدروس تزامن العبارتين، إلى أن جاءت الفلسفة الحديثة مع اللحظة الديكارتيَّة التي أقصت عبارة "اهتمّ بنفسك" وأسَّست المعرفة على عبارة "اعرف نفسك"، وهذا الإقصاء هو مصدر النقد الذي وجَّهه فوكو للحداثة الغربيَّة التي فصلت كما يقول بين البُعد العلمي والرُّوحي للإنسان. بالإضافة إلى موضوعة الذات التي استغرقت معظم الدروس المذكورة يورد فوكو تصوُّره للفلسفة ووظيفتها باعتبارها شكلاً من الفكر يحاول أن يحدّد شروط وحدود بلوغ الحقيقة من خلال الذات. إنَّ قارئ هذه الدروس يجد نفسه أمام مؤلّف ضخم يعالج قضايا فلسفيَّة بالغة الأهميَّة انطلاقاً من إشكاليَّة الذات، وهذا له دلالة مهمَّة في المشروع الفلسفي لميشيل فوكو، الذي كان يردّد دائماً: إنَّه ليس بفيلسوف، وإنَّما هو مجرَّد مؤرّخ.
أمَّا عن ترجمة هذه المحاضرات إلى العربيَّة، ونخصُّ بالذكر المحاضرات التي تمَّ تجميعها في كتابين صدرا عن دار الطليعة، الأوَّل يحمل عنوان "يجب الدفاع عن المجتمع[1]"، والثاني معنون بـ: "تأويل الذات[2]"، فقد تكفَّل بترجمتهما المختصّ في دراسة فوكو، المفكر والباحث الأكاديمي الجزائري الزواوي بغوره، أستاذ الفلسفة المعاصرة بجامعة الكويت، الذي عرف باهتمامه بميشيل فوكو منذ وقت مبكر، بدءاً برسالته للدكتوراه تحت إشراف المفكر فتحي التريكي بعنوان: "الخطاب، بحث في بنيته وعلاقاته عند ميشيل فوكو"[3]، مروراً بكتابه: "ميشيل فوكو في الفكر العربي المعاصر"[4]، وصولاً إلى كتابه: "مدخل إلى فلسفة ميشيل فوك.[5]
لقد استقبل الفكر العربي فلسفة ميشيل فوكو باهتمام واحتفاء كبيرين، ما أدَّى إلى انتشارها وتداولها بشكل واسع لدى الأوساط العربيَّة المثقفة، ويظهر ذلك من خلال الترجمات المختلفة لنصوصه، والتي يمكن أن نذكر منها:
* الكلمات والأشياء، ترجمة: مطاع صفدي، سالم يفوت، بدر الدين عرودكي، جورج أبي صالح، كمال أسطفان، مراجعة جورج زيناتي ومطاع صفدي، بيروت، مركز الإنماء القومي 1990.
* حفريات المعرفة، ترجمة سالم يفوت، الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي 1986.
2
* نظام الخطاب، ترجمة محمَّد سبيلا، بيروت دار التنوير 1984.
* نظام الخطاب، في جينيالوجيا المعرفة، ترجمة أحمد السطاتي، وعبد السلام بنعبد العالي، الدار البيضاء، دار توبقال 1988.
* المراقبة والمعاقبة، ترجمة علي مقلد، مراجعة وتقديم مطاع صفدي، بيروت مركز الإنماء القومي 1990.
* استعمال اللذات، ترجمة جورج أبي صالح، مراجعة مطاع صفدي، بيروت، مركز الإنماء القومي 1992.
* تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي، ترجمة سعيد بن كراد، الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي 2006.
* تاريخ الجنسانية، إرادة المعرفة، ترجمة: محمَّد هشام، الدار البيضاء، دار إفريقيا الشرق 2004.
* تاريخ الجنسانية، استعمال المتع، ترجمة محمَّد هشام، الدار البيضاء، دار إفريقيا الشرق 2004.
* تاريخ الجنسانية، الانشغال بالذات، ترجمة محمَّد هشام، الدار البيضاء، دار إفريقيا الشرق2004.
* يجب الدفاع عن المجتمع، ترجمة الزواوي بغوره، دار الطليعة، بيروت 2003.
* تأويل الذات، ترجمة الزواوي بغوره، دار الطليعة، بيروت 2011.
وفي هذا الحوار نحاول الوقوف مع المفكّر والباحث الأكاديمي الجزائري الدكتور الزواوي بغوره، عند أهمّ الإشكالات التي تطرح أمام تلقي الفكر العربي المعاصر لفلسفة ميشيل فوكو.
نص الحوار
وأخلاقي في الوقت نفسه.
المهدي مستقيم: وظّف الجابري مفاهيم فوكو الثلاثة الشهيرة: الخطاب، الإبستيميَّه، السلطة. إذ نجد الأوَّل حاضراً بقوَّة في كتابه: الخطاب العربي المعاصر، والثاني في كتابيه: تكوين العقل العربي وبنية العقل العربي، والثالث في كتابه: العقل السياسي العربي، محدّداته وتجلياته. هل تمكَّن الجابري بتوظيفه هذه المفاهيم من تجديد الخطاب الفلسفي العربي المعاصر؟
الزواوي بغوره: وظَّف الجابري، كما تفضَّلت، هذه المفاهيم، كما وظّف مفاهيم كثيرة تعود إلى فلاسفة آخرين، وعليه، فإنَّ الجواب عن سؤالك يتطلّب النظر في تلك المفاهيم على اختلافها، وبخاصَّة ما جاء في كتابيه: نحن والتراث، وتكوين العقل العربي. وبما أنَّ موضوعنا يقتصر على مفاهيم فوكو، فإنَّني أريد أن أقف عند نقطتين: الأولى هي أنَّ الجابري على عكس المفكّرين والباحثين العرب الذين اهتمُّوا بفلسفة ميشيل فوكو، قد فرض طريقة معيَّنة في التعامل مع المفاهيم الغربيَّة اصطلح عليها بمصطلح (التبيئة). ويمكنني القول حول هذه النقطة: إنَّ فرض طريقة في القراءة هي تحصيل حاصل. لماذا؟ لأنَّنا عندما نقرأ أو نستقبل أو نتلقَّى فكراً معيَّناً، فإنَّنا بالضرورة نضفي عليه قدراً من تصوُّراتنا وآرائنا وحاجاتنا ومصالحنا، سواء أدركنا ذلك أم لم ندركه، سواء كان ذلك عن وعي أم عن غير وعي. وقد بيَّنت نظريات القراءة والتلقّي هذا الجانب بالتفصيل. أمَّا النقطة الثانية، فهي خاصَّة بالاستعمال وفقاً لشروط محدَّدة، كان أهمّها الجانب الإجرائي. ولكنَّ الناظر في استعمال الجابري لمفاهيم فوكو، يدرك أنَّه لم يلتزم بتلك الشروط. والدليل على ذلك أنَّ مفهوم السلطة، وهو من المفاهيم المركزيَّة في فلسفة فوكو، وعرف تطوُّرات عديدة، انتقى منه الجابري فكرة (السلطة الرعويَّة)، وهي جزء من مفهوم معقَّد ومتعدّد، ومع ذلك، فإنَّه عندما أشار إليه في مدخل كتابه: العقل السياسي العربي، أهمله في المتن، وبالتالي لا يمكن في تقديري، الحديث عن توظيف لمفهوم السلطة أو السلطة الرعويَّة تحديداً عند الجابري سواء باسم التلقي المشروط أو التلقي الحر. وأمَّا مفهوم الإبستيمة، فكما أشرت سابقاً، فإنَّ الجابري قد ماثله بمفهوم البنية. ومع أنَّ هذه المماثلة ممكنة إلى حدٍّ كبير، إلَّا أنَّه في التوظيف لم يظهر ذلك، وبخاصَّة في كتابه: بنية العقل العربي، لأنَّ الجابري، كما تعلم، ذهب في تصنيف ما يسمّيه (العقل العربي) إلى فصل المجالات البيانيَّة والبرهانيَّة والعرفانيَّة بعضها عن بعض، في حين أنَّ الفهم الأوَّلي للبنية يقتضي دراسة العلاقات المتعديَّة بين هذه المجالات. لذا نستطيع القول: إنَّ تلقّي الجابري لمفاهيم فوكو كان تلقياً مشروطاً، ونتائجه كانت محدودة، ولكن مع ذلك عرفت انتشاراً واسعاً في الثقافة العربيَّة المعاصرة. وفي تقديري، فإنَّ الأمر يتعلّق بالسياق التاريخي الذي عمل فيه الجابري، وحاول جاهداً أن يحرّر الخطاب الفلسفي العربي من الإكراهات الطاغية للإيديولوجيَّات المسيطرة في ذلك الوقت.
يؤكّده تاريخ الفلسفة؛ فنحن لا نستطيع فهم أرسطو من دون أفلاطون، ولا ابن رشد من دون أرسطو، ولا ديكارت من دون فلسفة العصور الوسطى، ولا كانط من دون ليبنتز، ولا فوكو من دون نيتشه أو كانط. وإذا كان الانتماء الحضاري والثقافي يفرض نفسه، فإنَّ التاريخ يثبت أنَّه ليس هنالك حضارة أو ثقافة منغلقة، وفكرة الجدران العازلة مجرَّد وهم نابع من الخوف والضعف، ويبيّن تاريخنا القريب أنَّنا تحرَّرنا من الاستعمار عندما تمكَّنَّا من الأدوات والوسائل الحديثة، ومن الفكر الحديث المتمثل في الحركات التحرّريَّة، وليس العكس.
3
* نظام الخطاب، في جينيالوجيا المعرفة، ترجمة أحمد السطاتي، وعبد السلام بنعبد العالي، الدار البيضاء، دار توبقال 1988.
* المراقبة والمعاقبة، ترجمة علي مقلد، مراجعة وتقديم مطاع صفدي، بيروت مركز الإنماء القومي 1990.
* استعمال اللذات، ترجمة جورج أبي صالح، مراجعة مطاع صفدي، بيروت، مركز الإنماء القومي 1992.
* تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي، ترجمة سعيد بن كراد، الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي 2006.
* تاريخ الجنسانية، إرادة المعرفة، ترجمة: محمَّد هشام، الدار البيضاء، دار إفريقيا الشرق 2004.
* تاريخ الجنسانية، استعمال المتع، ترجمة محمَّد هشام، الدار البيضاء، دار إفريقيا الشرق 2004.
* تاريخ الجنسانية، الانشغال بالذات، ترجمة محمَّد هشام، الدار البيضاء، دار إفريقيا الشرق2004.
* يجب الدفاع عن المجتمع، ترجمة الزواوي بغوره، دار الطليعة، بيروت 2003.
* تأويل الذات، ترجمة الزواوي بغوره، دار الطليعة، بيروت 2011.
وفي هذا الحوار نحاول الوقوف مع المفكّر والباحث الأكاديمي الجزائري الدكتور الزواوي بغوره، عند أهمّ الإشكالات التي تطرح أمام تلقي الفكر العربي المعاصر لفلسفة ميشيل فوكو.
نص الحوار
وأخلاقي في الوقت نفسه.
المهدي مستقيم: وظّف الجابري مفاهيم فوكو الثلاثة الشهيرة: الخطاب، الإبستيميَّه، السلطة. إذ نجد الأوَّل حاضراً بقوَّة في كتابه: الخطاب العربي المعاصر، والثاني في كتابيه: تكوين العقل العربي وبنية العقل العربي، والثالث في كتابه: العقل السياسي العربي، محدّداته وتجلياته. هل تمكَّن الجابري بتوظيفه هذه المفاهيم من تجديد الخطاب الفلسفي العربي المعاصر؟
الزواوي بغوره: وظَّف الجابري، كما تفضَّلت، هذه المفاهيم، كما وظّف مفاهيم كثيرة تعود إلى فلاسفة آخرين، وعليه، فإنَّ الجواب عن سؤالك يتطلّب النظر في تلك المفاهيم على اختلافها، وبخاصَّة ما جاء في كتابيه: نحن والتراث، وتكوين العقل العربي. وبما أنَّ موضوعنا يقتصر على مفاهيم فوكو، فإنَّني أريد أن أقف عند نقطتين: الأولى هي أنَّ الجابري على عكس المفكّرين والباحثين العرب الذين اهتمُّوا بفلسفة ميشيل فوكو، قد فرض طريقة معيَّنة في التعامل مع المفاهيم الغربيَّة اصطلح عليها بمصطلح (التبيئة). ويمكنني القول حول هذه النقطة: إنَّ فرض طريقة في القراءة هي تحصيل حاصل. لماذا؟ لأنَّنا عندما نقرأ أو نستقبل أو نتلقَّى فكراً معيَّناً، فإنَّنا بالضرورة نضفي عليه قدراً من تصوُّراتنا وآرائنا وحاجاتنا ومصالحنا، سواء أدركنا ذلك أم لم ندركه، سواء كان ذلك عن وعي أم عن غير وعي. وقد بيَّنت نظريات القراءة والتلقّي هذا الجانب بالتفصيل. أمَّا النقطة الثانية، فهي خاصَّة بالاستعمال وفقاً لشروط محدَّدة، كان أهمّها الجانب الإجرائي. ولكنَّ الناظر في استعمال الجابري لمفاهيم فوكو، يدرك أنَّه لم يلتزم بتلك الشروط. والدليل على ذلك أنَّ مفهوم السلطة، وهو من المفاهيم المركزيَّة في فلسفة فوكو، وعرف تطوُّرات عديدة، انتقى منه الجابري فكرة (السلطة الرعويَّة)، وهي جزء من مفهوم معقَّد ومتعدّد، ومع ذلك، فإنَّه عندما أشار إليه في مدخل كتابه: العقل السياسي العربي، أهمله في المتن، وبالتالي لا يمكن في تقديري، الحديث عن توظيف لمفهوم السلطة أو السلطة الرعويَّة تحديداً عند الجابري سواء باسم التلقي المشروط أو التلقي الحر. وأمَّا مفهوم الإبستيمة، فكما أشرت سابقاً، فإنَّ الجابري قد ماثله بمفهوم البنية. ومع أنَّ هذه المماثلة ممكنة إلى حدٍّ كبير، إلَّا أنَّه في التوظيف لم يظهر ذلك، وبخاصَّة في كتابه: بنية العقل العربي، لأنَّ الجابري، كما تعلم، ذهب في تصنيف ما يسمّيه (العقل العربي) إلى فصل المجالات البيانيَّة والبرهانيَّة والعرفانيَّة بعضها عن بعض، في حين أنَّ الفهم الأوَّلي للبنية يقتضي دراسة العلاقات المتعديَّة بين هذه المجالات. لذا نستطيع القول: إنَّ تلقّي الجابري لمفاهيم فوكو كان تلقياً مشروطاً، ونتائجه كانت محدودة، ولكن مع ذلك عرفت انتشاراً واسعاً في الثقافة العربيَّة المعاصرة. وفي تقديري، فإنَّ الأمر يتعلّق بالسياق التاريخي الذي عمل فيه الجابري، وحاول جاهداً أن يحرّر الخطاب الفلسفي العربي من الإكراهات الطاغية للإيديولوجيَّات المسيطرة في ذلك الوقت.
يؤكّده تاريخ الفلسفة؛ فنحن لا نستطيع فهم أرسطو من دون أفلاطون، ولا ابن رشد من دون أرسطو، ولا ديكارت من دون فلسفة العصور الوسطى، ولا كانط من دون ليبنتز، ولا فوكو من دون نيتشه أو كانط. وإذا كان الانتماء الحضاري والثقافي يفرض نفسه، فإنَّ التاريخ يثبت أنَّه ليس هنالك حضارة أو ثقافة منغلقة، وفكرة الجدران العازلة مجرَّد وهم نابع من الخوف والضعف، ويبيّن تاريخنا القريب أنَّنا تحرَّرنا من الاستعمار عندما تمكَّنَّا من الأدوات والوسائل الحديثة، ومن الفكر الحديث المتمثل في الحركات التحرّريَّة، وليس العكس.
3
المهدي مستقيم: ما أهمّ نقط التقاطع والالتقاء التي يمكن أن تجمع الفكر العربي بفلسفة ميشيل فوكو؟ وماذا عن الاختلافات والتباينات والفروقات التي يمكنها أن تفصل الفكر العربي عن فلسفة فوكو؟
الزواوي بغوره: مثلما أشرت سابقاً، فلسفة فوكو قدَّمت مجموعة من المفاهيم والتحليلات التي يحاول الفكر العربي المعاصر أن يستفيد منها، مثله في ذلك مثل الفكر العالمي. فهنالك، كما تعلم، اهتمام عالمي بفكر فوكو، يهتمُّ به الإيرانيون والأتراك، والروس، والصينيون، والبرازيليون...إلخ، وكلّ بحسب فهمه، واستيعابه، وحاجاته، وليس المطلوب في تقديري أن نجري نوعاً من المقارنة بين فلسفة فوكو وفلسفات الفكر العربي، وإنَّما الذي يجب الوقوف عنده على الأقل هو أوَّلاً: تأكيد فوكو على فكرة الاختلاف، ولعلَّ هذه الفكرة هي التي تدفع الكثير منَّا لقراءة فوكو، لأنَّه لا يلزمنا، كما تعلم، بمنظور محدَّد، أو مذهب متناسق، أو نظريَّات مغلقة، إنَّه يقدّم تحليلات، يمكننا أن نتَّخذها مؤشّراً أو علامة في دراساتنا وأبحاثنا. ثانياً: يجب ألَّا نغفل أبداً عن مسألة أساسيَّة وهي ضرورة الدراسة النقديَّة لهذه الفلسفة. فمهما كانت قيمة هذه الفلسفة في دراسة قضايانا الفكريَّة، فإنَّه من الضروري أن نقف عند حدود تلك المفاهيم والتحليلات التي قدَّمها، وهذا ما حاولت أن أبيّنه في كتابي: مدخل إلى فلسفة ميشيل فوكو.
[1]. ميشيل فوكو، يجب الدفاع عن المجتمع، ترجمة الزواوي بغوره، دار الطليعة، بيروت 2003.
[2]. ميشيل فوكو، تأويل الذات، ترجمة الزواوي بغوره، دار الطليعة، بيروت 2011.
[3]. الزواوي بغوره، الخطاب، بحث في بنيته وعلاقاته عند ميشيل فوكو، دراسة ومعجم، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت-لبنان 2015.
[4]. الزواوي بغوره، ميشيل فوكو في الفكر العربي المعاصر، دار الطليعة، بيروت 2001.
[5]. الزواوي بغوره، مدخل إلى فلسفة ميشيل فوكو، دار الطليعة، بيروت 2013.
[6]. الزواوري بغوره، المنهج البنيوي، بحث في أصوله ومبادئه وتطبيقاته، دار الهدى، عين مليلة، الجزائر، 2001، ص 196-201.
4
الزواوي بغوره: مثلما أشرت سابقاً، فلسفة فوكو قدَّمت مجموعة من المفاهيم والتحليلات التي يحاول الفكر العربي المعاصر أن يستفيد منها، مثله في ذلك مثل الفكر العالمي. فهنالك، كما تعلم، اهتمام عالمي بفكر فوكو، يهتمُّ به الإيرانيون والأتراك، والروس، والصينيون، والبرازيليون...إلخ، وكلّ بحسب فهمه، واستيعابه، وحاجاته، وليس المطلوب في تقديري أن نجري نوعاً من المقارنة بين فلسفة فوكو وفلسفات الفكر العربي، وإنَّما الذي يجب الوقوف عنده على الأقل هو أوَّلاً: تأكيد فوكو على فكرة الاختلاف، ولعلَّ هذه الفكرة هي التي تدفع الكثير منَّا لقراءة فوكو، لأنَّه لا يلزمنا، كما تعلم، بمنظور محدَّد، أو مذهب متناسق، أو نظريَّات مغلقة، إنَّه يقدّم تحليلات، يمكننا أن نتَّخذها مؤشّراً أو علامة في دراساتنا وأبحاثنا. ثانياً: يجب ألَّا نغفل أبداً عن مسألة أساسيَّة وهي ضرورة الدراسة النقديَّة لهذه الفلسفة. فمهما كانت قيمة هذه الفلسفة في دراسة قضايانا الفكريَّة، فإنَّه من الضروري أن نقف عند حدود تلك المفاهيم والتحليلات التي قدَّمها، وهذا ما حاولت أن أبيّنه في كتابي: مدخل إلى فلسفة ميشيل فوكو.
[1]. ميشيل فوكو، يجب الدفاع عن المجتمع، ترجمة الزواوي بغوره، دار الطليعة، بيروت 2003.
[2]. ميشيل فوكو، تأويل الذات، ترجمة الزواوي بغوره، دار الطليعة، بيروت 2011.
[3]. الزواوي بغوره، الخطاب، بحث في بنيته وعلاقاته عند ميشيل فوكو، دراسة ومعجم، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت-لبنان 2015.
[4]. الزواوي بغوره، ميشيل فوكو في الفكر العربي المعاصر، دار الطليعة، بيروت 2001.
[5]. الزواوي بغوره، مدخل إلى فلسفة ميشيل فوكو، دار الطليعة، بيروت 2013.
[6]. الزواوري بغوره، المنهج البنيوي، بحث في أصوله ومبادئه وتطبيقاته، دار الهدى، عين مليلة، الجزائر، 2001، ص 196-201.
4