Telegram Web Link
يقول شيخ الإسلام: (وقد تكون الرحمة التي تنزل على الحجاج عشية عرفة تنتشر بركاتها إلى غيرهم من أهل الأعذار فيكون لهم نصيب من إجابة الدعاء وحظ مع من شهد ذلك فهذا موجود لمن يحبهم ويحب ما هم فيه من العبادة فيحصل لقلبه تقرب إلى الله ويود لو كان معهم).
الفتاوى: (٢٤٨/٥).
عامة الأحكام الشرعية يتبع فيها النهارُ الليلَ فعلى سبيل المثال: تبدأ ليالي القيام في رمضان قبل الصيام، قالوا: إلا ليلة عرفة فإن الليل يتبع فيها النهار في الحكم فيبدأ الوقوف عند جماهير العلماء من زوال يوم عرفة إلى الفجر، ولذا فإن الحاج لو أدرك عرفة قبل الفجر فقد أدرك الحج.
يقول شيخ الإسلام: (سئلت: أي الأمرين أفضل: تلاوة القرآن أو الذكر؟ فأجبت قائلا: الظاهر أن ذلك يختلف بحسب اختلاف الأشخاص والأحوال، فإن كان الشخص ممن أوتي فهما في كتاب الله تعالى، إذا تلا متدبرا لآياته ازداد في الحكم والأحكام، وتجلت له معان وحقائق في أصول الدين وفروع الحلال والحرام، كانت التلاوة في حقه أفضل….وإن لم يكن الرجل ممن له أهلية الفهم عن كلام الله تعالى، وكان الذكر أجمع لهمته وأصفى لخاطره، كان اشتغاله بالذكر أفضل والحالة هذه. وينبغي للسالك وطالب الزيادة من الخير أن لا يترك حظه منهما، فيذكر الله تعالى إلى أن يجد عنده سأمة ما، فينتقل إلى الذكر بتلاوة القرآن متدبرا بترتيل وتفكر)
جامع المسائل: ٣٨٥/٣
قبل عرفة:
من أدب الأنبياء في الدعاء

﴿رَّبَّنَاۤ إِنِّیۤ أَسۡكَنتُ مِن ذُرِّیَّتِی بِوَادٍ غَیۡرِ ذِی زَرۡعٍ عِندَ بَیۡتِكَ ٱلۡمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِیُقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱجۡعَلۡ أَفۡـِٔدَةࣰ مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهۡوِیۤ إِلَیۡهِمۡ وَٱرۡزُقۡهُم مِّنَ ٱلثَّمَرَ ٰ⁠تِ لَعَلَّهُمۡ یَشۡكُرُونَ﴾ [إبراهيم ٣٧]

رأى الوادي قفرا موحشا....فدعا. بأن تهوي الأفئدة إليه

ورآه جدبا بلا زرع فدعا لهم بالثمرات.

قف على فاقتك وفاقة أهلك وأولادك
تأمل وجع مريضهم ثم ادع بالشفاء له
تأمل فقر فقيرهم ثم ادع بالرزق له
تأمل تقصير مقصرهم ثم ادع بالهداية له
تأمل غربة مسافرهم ثم ادع بالحفظ له.

هنا توافق الدعوات قلوبا كسرها الحزن وأفئدة مسكنتها الضراعة.......والأجابة قد أزفت.
يسن التكبير المقيد لغير الحاج من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق، ويستمر التكبير المطلق إلى آخر أيام التشريق لقوله ﷺ: (أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل)، مع قوله تعالى: (واذكروا الله في أيام معدودات)، فيجتمع التكبير المطلق والمقيد، وأما الحاج فتنقطع التلبية بالرمي يوم العاشر، ويبدأ بعدها بالتكبير المطلق والمقيد في الأقرب من الأقوال لعموم النصوص في مشروعية الذكر في أيام التشريق. ومن لطائف هذه المسألة أنها تبحث تفصيلا في باب صلاة عيد الفطر ولا يذكرونها في كتاب الحج، وقد جمع بعض الباحثين المسائل التي تبحث في غير مظانها في كتب الفقهاء.
من الاصطلاحات التي قد تثير إشكالا لدى البعض ويلتبس فهمها: لفظ: لبس المخيط على المحظور في الإحرام، قيل: أول من أطلقه إبراهيم النخعي، فيتبادر لذهن الكثير من الحجاج خلاف المقصود من الممنوع منه، والمحظور هو لبس المفصل على عضو من الأعضاء وهو الوارد في حديث ابن عمر في الصحيحين لما سئل ﷺ ما يلبس المحرم من الثياب فقال: (لا يلبس القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف ولا تنتقب المحرمة ولا تلبس القفازين) ويجمعها مناط: لبس المفصل على عضو من الأعضاء فهو المناط في محظور لبس المخيط، ومثله: الإحرام فهو نية الدخول في النسك، وليس المراد كما يظن البعض: لبس الإزار والرداء، فمجرد لبسهما لا يمنع المحظورات ولا يدخل بمجرده في النسك، وإنما يكون الدخول والمنع من المحظورات بالنية القلبية.
مراتب الدعاء: قال ابن القيم في أكمل أوصاف الدعاء: (والدعاء ثلاثة أقسام:
أحدها: أن تسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته، وهذا أحد التأويلين في قوله تعالى: ﴿ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها﴾
والثاني: أن تسأله بحاجتك وفقرك وذلّك، فتقول: أنا العبد الفقير المسكين البائس الذليل المستجير ونحو ذلك.
والثالث: أن تسأل حاجتك ولا تذكر واحدا من الأمرين، فالأول أكمل من الثاني، والثاني أكمل من الثالث، فإذا جمع الدعاء الأمور الثلاثة كان أكمل
. وهذه عامة أدعية النبي ﷺ، وفي الدعاء الذي علمه صديق الأمة ذكر الأقسام الثلاثة، فإنه قال في أوله: "ظلمت نفسي كثيرا" وهذا حال السائل، ثم قال: "وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت" وهذا حال المسؤول، ثم قال: "فاغفر لي" فذكر حاجته، وختم الدعاء باسمين من الأسماء الحسنى تناسب المطلوب وتقتضيه).
جلاء الأفهام: ١٥٥
(لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم) كان كفار قريش يلطخون الكعبة بدماء الأضاحي، وغفلوا عن فقه التقوى..
سفر القلوب إلى الله إجلالا وتعظيما أعظم من إراقة الدم في أعظم الأيام عند الله.
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال، وكل عام وأنتم بخير، من المعاني التي كررها شيخ الإسلام: أهمية الاحتفال بالأعياد الشرعية لتعظيمها ودروس بدعة الاحتفال بأعياد الكفار، يقول: (فلا يخفى ما جعل الله في القلوب من التشوق إلى العيد والسرور به، اتفاقا وراحة، ولذة وسرورا، وكل ذلك يوجب تعظيمه لتعلق الأغراض به…فصار ما وسع على النفوس فيه من العادات الطبيعية عونا على انتفاعها بما خص به من العبادات الشرعية؛ فإذا أعطيت النفوس في غير ذلك اليوم حظها الذي يكون في عيد الله؛ فترت عن الرغبة في عيد الله وزال ما كان له عندها من المحبة والتعظيم..وأقل الدرجات: أنك لو فرضت رجلين: أحدهما قد اجتمع اهتمامه بأمر العيد على المشروع، والآخر مهتم بهذا وبهذا، فإنك بالضرورة تجد المتجرد للمشروع، أعظم اهتماما به من المشرك بينه وبين غيره، ومن لم يدرك هذا فلغفلته أو إعراضه، وهذا أمر يعلمه من يعرف بعض أسرار الشرائع). اقتضاء الصراط المستقيم مختصرا: (٥٤٤/١).
من توفيق الله للعبد أن تكون حياته وأنفاسه وهمومه لهذا الدين علما وعملا ودعوة، يقول ابن القيم: (إنما الكمال في امتلاء القلب والسر من الخواطر والإرادات والفكر في تحصيل مراضي الرب تعالى. فأكمل الناس أكثرهم خواطر وفكرا وإرادات لذلك، كما أن أنقص الناس أكثرهم خواطر وفكرا وإرادات لحظوظه وهواه أين كانت. وهذا عمر بن الخطاب كانت تتزاحم عليه الخواطر في مراضي الرب تعالى، فربما استعملها في صلاته، فكان يجهز جيشه وهو في صلاته فيكون قد جمع بين الجهاد والصلاة. وهذا من باب تداخل العبادات في العبادة الواحدة. وهو باب عزيز شريف لا يعرفه إلا صادق الطلب، متضلع من العلم، عالي الهمة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء). الداء والدواء: ٣٦٣
من لطائف ابن عاشور في قوله تعالى: ﴿كُلٌّ في فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ (فيه محسّن بديعي، فإن حروفه تقرأ من آخرها على الترتيب كما تقرأ من أولها مع خفة التركيب ووفرة الفائدة وجريانه مجرى المثل من غير تنافر ولا غرابة، ومثله قوله تعالى: "ربك فكبر" بطرح واو العطف، وكلتا الآيتين بني على سبعة أحرف، وهذا النوع سماه السكاكي المقلوب المستوي…ذكر أهل الأدب أن القاضي الفاضل البيساني زار العماد الكاتب، فلما ركب لينصرف من عنده قال له العماد: "سر فلا كبا بك الفرس" ففطن القاضي أن فيه محسن القلب فأجابه على البديهة:“ دام علا العماد" وفيه محسن القلب). ومثل هذه اللطائف لا أثر لها في المعنى، ولكنها من بلاغة البديع المتعلقة باللفظ فإن وردت بلا تكلف فإن السامع اللغوي يطرب لها.
تعقبات ابن القيم على الهروي في المدارج تستحق المدارسة في الجمع بين العلم والعدل مع حسن العبارة والأدب، يقول بعد إحدى تعقباته: (والله يشكر لشيخ الإسلام (الهروي) سعيَه، ويُعلي درجته، ويَجزيه أفضل جزائه، ويجمع بيننا وبينه في محلِّ كرامته. فلو وَجَد مريدُه سعةً وفسحةً في ترك الاعتراض عليه واعتراض كلامه لَمَا فعل، كيف وقد نفعه الله بكلامه، وجلس بين يديه مجلس التِّلميذ من أستاذه، وهو أحدُ مَن كان على يديه فتحُه يقظةً ومنامًا. وهذا غاية جهد المقلِّ في هذا الموضع، فمن كان عنده فضلُ علمٍ فليَجُد به، أو فليُعذِر ولا يبادر إلى الإنكار؛ فكم بين الهدهد وسليمان وهو يقول: (أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ) وليس شيخ الإسلام أعلم من نبيِّ الله، ولا المعترض عليه بأجهل من هدهد! وبالله المستعان).
مدارج السالكين: (٢٨٣/٢)
في مناسبة آيات مناظرة إبراهيم للنمرود ثم الذي مر بقرية (فقال: أنى يحيي هذه الله بعد موتها)، ثم طلب إبراهيم لإحياء الطير، نقل البقاعي عن الحرالي: (ولما كان الإيمان بالبعث بل الإيقان من المقاصد العظمى في هذه السورة…ذكر المعاد في ثلاثة أحوال: حال الجاحد الذي انتهت غايته إلى بهت، ثم حال المستبعد الذي انتهت غايته إلى علم وإيمان، وأنهى الخطاب إلى حال المؤمن الذي انتهى حاله إلى يقين وطمأنينة ورؤية ملكوت في ملكوت الأرض).
ومن لطيف ما يذكر: أنّ ابن عباس قال لعبد الله بن عمرو: أيُّ آية في القرآن أرجى عندك؟ فقال: قول الله: ﴿يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا﴾. فقال ابن عباس: لكن أنا أقول: قول الله لإبراهيم: ﴿أولم تؤمن قال بلى﴾. فرَضِي من إبراهيم بقوله: ﴿بلى﴾.
ذكر ابن القيم أربعين وجها في تفضيل العلم على المال، ومنها: (أن اللذة الحاصلة من غنى المال إما لذة وهمية وإما لذة بهيمية. فإن صاحبه إن التذ بنفس جمعه وتحصيله فتلك لذة وهمية خيالية وإن التذ بإنفاقه في شهواته فهي لذة بهيمية. وأما لذة العلم فلذة عقلية روحانية، وهي تشبه لذة الملائكة وبهجتها…أن الأغنياء يموت ذكرهم بموتهم، والعلماء يموتون ويحيا ذكرهم؛ كما قال أمير المؤمنين في هذا الحديث: «مات خزان الأموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر»). مفتاح دار السعادة: (٣٨٥/١).
ذكر ابن القيم أكثر من عشرين مثالا قرآنيا يحمل الاحتجاج العقلي على أصول عقدية، مع تحليل بديع، منها إثبات نبوة النبي ﷺ عقلا في قوله تعالى: (قُل لَّوۡ شَاۤءَ ٱللَّهُ مَا تَلَوۡتُهُۥ عَلَیۡكُمۡ وَلَاۤ أَدۡرَىٰكُم بِهِۦۖ فَقَدۡ لَبِثۡتُ فِیكُمۡ عُمُرࣰا مِّن قَبۡلِهِۦۤۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ) يقول: (الحجة الثانية: أني قد لبثت فيكم عمري إلى حين أتيتكم به وأنتم تشاهدوني وتعرفون حالي وتصحبوني حضرا وسفرا وتعرفون دقيق أمري وجليله وتتحققون سيرتي هل كانت سيرة من هو من أكذب الخلق وأفجرهم وأظلمهم فإنه لا أكذب ولا أظلم ولا أقبح سيرة ممن جاهر ربه وخالفه بالكذب والفرية عليه...هذا وأنتم تعلمون أني لم أكن أقرأ كتابا ولا أخطه بيميني ولا صاحبت من أتعلم منه ثم جئتكم بهذا النبأ العظيم الذي فيه علم الأولين والآخرين وعلم ما كان وما سيكون على التفصيل). مختصر الصواعق المرسلة: (١٨٨/١).
رسالة الوصية الصغرى نفيسة للغاية: سئل فيها شيخ الإسلام عن أفضل الكتب والعلوم الشرعية، فقال: (وأما ما تعتمد عليه من الكتب في العلوم فهذا باب واسع وهو أيضا يختلف باختلاف نشء الإنسان في البلاد فقد يتيسر له في بعض البلاد من العلم أو من طريقه ومذهبه فيه ما لا يتيسر له في بلد آخر لكن جماع الخير أن يستعين بالله سبحانه في تلقي العلم الموروث عن النبي ﷺ فإنه هو الذي يستحق أن يسمى علما وما سواه إما أن يكون علما فلا يكون نافعا؟ وإما ألا يكون علما وإن سمي به. ولئن كان علما نافعا فلا بد أن يكون في ميراث محمد ﷺ ما يغني عنه مما هو مثله وخير منه. ولتكن همته فهم مقاصد الرسول ﷺ في أمره ونهيه وسائر كلامه. فإذا اطمأن قلبه أن هذا هو مراد الرسول ﷺ فلا يعدل عنه وليجتهد أن يعتصم في كل باب من أبواب العلم بأصل مأثور عن النبي ﷺوما في الكتب المصنفة المبوبة كتاب أنفع من صحيح البخاري لكن هو وحده لا يقوم بأصول العلم. ولا يقوم بتمام المقصود للمتبحر في أبواب العلم إذ لا بد من معرفة أحاديث أخر وكلام أهل الفقه وأهل العلم في الأمور التي يختص بعلمها بعض العلماء. وقد أوعبت الأمة في كل فن من فنون العلم إيعابا فمن نور الله قلبه هداه بما يبلغه من ذلك ومن أعماه لم تزده كثرة الكتب إلا حيرة وضلالا؛ كما قال النبي ﷺ لأبي لبيد الأنصاري: أوليست التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى؟ فماذا تغني عنهم؟}.
الوصية الصغرى ضمن الفتاوى: (٦٦٤/١٠).
من الحجاج القرآني العقلي المتين على صدق الرسل، ما ذكره صاحب يس في قوله:(یَـٰقَوۡمِ ٱتَّبِعُوا۟ ٱلۡمُرۡسَلِینَ ٱتَّبِعُوا۟ مَن لَّا یَسۡـَٔلُكُمۡ أَجۡرࣰا وَهُم مُّهۡتَدُونَ وَمَا لِیَ لَاۤ أَعۡبُدُ ٱلَّذِی فَطَرَنِی وَإِلَیۡهِ تُرۡجَعُونَ) يقول ابن القيم: (فنبه على موجب الاتباع وهو كون المتبوع رسولا وأنه على هداية ونبه على انتفاء المانع وهو عدم سؤال الأجر فلا يريد منكم دنيا ولا رياسة فموجب الاتباع كونه مهتديا والمانع منه منتف وهو طلب العلو في الأرض والفساد وطلب الأجر. ثم قال: ﴿وَما لِيَ لا أعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي﴾ أخرج الحجة عليهم في معرض المخاطبة لنفسه تأليفا لهم، ونبه على أن عبادة العبد لمن فطره أمر واجب في العقول مستهجن تركها فإن خلقه لعبده أصل إنعامه عليه ونعمه كلها بعد تابعة لإيجاده وخلقه ثم أقبل عليهم مخوفا لهم تخويف الناصح فقال: ﴿وَإلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ ثم أخبر عن الآلهة التي تعبد من دونه أنها باطلة فقال: ﴿أأتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهم شَيْئًا ولا يُنْقِذُونِ﴾ فإن العابد يريد من معبوده أن ينفعه وقت حاجته إليه وأنه إذا أرادني الرحمن الذي فطرني بضر لم يكن لهذه الآلهة من القدرة ما ينقذوني بها من ذلك الضر ولا من الجاه والمكانة ما يشفع لي إليه لأتخلص من ذلك الضر فبأي وجه يستحق العبادة؟). مختصر الصواعق مختصرا: (٢٠٤/١).
من لطيف المثل على طريق الاحتباك، وهو أن يُحذف من الأوائل ما جاء نظيره أو مقابله في الأواخر، ويُحذف من الأواخر ما جاء نظيره أو مقابله في الأوائل قوله تعالى: (مَّثَلُ ٱلَّذِینَ یُنفِقُونَ أَمۡوَ ٰ⁠لَهُمۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنۢبَتَتۡ سَبۡعَ سَنَابِلَ فِی كُلِّ سُنۢبُلَةࣲ مِّا۟ئَةُ حَبَّةࣲۗ وَٱللَّهُ یُضَـٰعِفُ لِمَن یَشَاۤءُۚ وَٱللَّهُ وَ ٰ⁠سِعٌ عَلِیمٌ) قال البقاعي: (فالآيَةُ مِنَ الاحْتِباكِ وتَقْدِيرُها: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ ونَفَقَتِهِمْ كَمَثَلِ حَبَّةٍ وزارِعِها، فَذِكْرُ المُنْفِقِ أوَّلًا دَلِيلٌ عَلى حَذْفِ الزّارِعِ ثانِيًا، وذِكْرُ الحَبَّةِ ثانِيًا دَلِيلٌ عَلى حَذْفِ النَّفَقَةِ أوَّلًا)، ومن فوائد هذا الاحتباك: أن المضاعفة في العمل شملت أحوال المتصدِّق وأحوال المتصدق عليه وأوقات ذلك وأماكنه، والإخلاص وقصد الامتثال ومحبة الخير للناس والإيثار على النفس ونوع العبادة من الجهاد والحج وما يحف بالصدقة والمال المتصدق به من الجيد والرديء.
في منزلة التواضع وصف ابن القيم تواضع النبي ﷺ فقال: (وكان النبي ﷺ يمر على الصبيان فيسلم عليهم. وكانت الأمة تأخذ بيده ﷺ فتنطلق به حيث شاءت، وكان إذا أكل لعق أصابعه الثلاث. وكان يكون في بيته في خدمة أهله ولم يكن ينتقم لنفسه قط. وكان يخصف نعله، ويرقع ثوبه، ويحلب الشاة لأهله، ويعلف البعير، ويأكل مع الخادم، ويجالس المساكين، ويمشي مع الأرملة واليتيم في حاجتهما، ويبدأ من لقيه بالسلام، ويجيب دعوة من دعاه ولو إلى أيسر شيء، وكان هين المؤنة، لين الخلق، كريم الطبع جميل المعاشرة، طلق الوجه، بساما، متواضعا من غير ذلة، جوادا من غير سرف، رقيق القلب، رحيما بكل مسلم، خافض الجناح للمؤمنين، لين الجانب لهم. وقال: «ألا أخبركم بمن يحرم على النار ــ أو تحرم عليه النار ــ؟ تحرم على كل قريب هين لين سهل».
مدارج السالكين: ٦٧/٣
2025/06/28 20:37:57
Back to Top
HTML Embed Code: