Telegram Web Link
مساء الخير..

"‏الإنسان الذي يسعى بشكل مستمر لتطوير نفسه يعاني إذا وجد نفسه في محيط راكد. يشعر بالخواء والملل والاغتراب وسط الجامدين من الناس، تتسع الفجوة الفكرية، تنعدم لغة الحوار تدريجيًا، ويجاهد للوصول إلى نقطة تلاقي. ‏خير ما تقدّمه لنفسك الصحبة المثمرة، وأن تسعى دائمًا لتحظى بالعلاقات التي تعينك على النمو والانفتاح، وتجد فيها التكافؤ والانسجام والتبادل المعرفي الذي تتعطّش إليه، بجانب تلك المحبِطة التي يستعصي عليك الخلاص منها أو تجنّبها. سدِّد وقارب."
لا أحد يُولد وهو يعرف التوقيت المُناسب لأي شيء، مثل هذه البراعة تحتاج إلى خيباتٍ كثيرة .
نصيحتي هي : لا تكن خاصاً ولا تكن فريدًا! أعد تحديد مقاييسك بطريقة عامة منتمية إلى هذا العالم، واختر ألا تقيس نفسك انطلاقاً من أنك نجم صاعد أو عبقري لم يكتشفه أحد بعد، واختر ألا تقيس نفسك بإعتبارك ضحية مسكينة، أو فاشلاً تعيساً، عليك بدلاً من ذلك كله أن تقيس نفسك وفق هويّات أكثر انتماءًا إلى العالم الواقعي: أنتَ طالب، أنتَ شريك، أنتَ صديق، أنتَ مبدع في مجالٍ ما، كلما كانت الهوية التي تختارها لنفسك أكثر ضيقاً ونُدرة، كلما بدا لك أن كل شيء يمكن أن يُهدد هذهِ الهوية، ولهذا السبب، فإنني أقول إن عليك تعريف نفسك بأكثر الطرق عادية، بل بأبسط طريقة ممكنة .
‏"نكبُر، نتغيّر، ننصقل، ننضج…لكن لابدّ أن نمشي في التيه، أن نصافح الأخطاء كي ترشدنا إلى الطريق الصحيح، أن نتعلّم جمع النقيضين ونزرع في الوحدة بذور أُنس، أن نستمر بريِّ أنفسنا وإن جفّت الأوراق وحلّ الخريفُ على الأرواح، أن نمشي بين العواصف ونشرح لها معنى الثبات.. واثقين بحصاد الإلتزام مستريحين لفكرة الرحيل."
في مكانٍ ما سنلتقي، بعد أن تُقرر حروبنا التقاعد عن العمل، بعد أن ننتهي من واجباتنا المُلحّة، ونُسلم تقريرنا الصادق عن النتائج التي توصّلنا إليها في هذا الدرس الطويل اللانهائي، سيكون علينا أن نحتمل في سبيل اللقاء الكثير، سيكون علينا أن نُقاوم محيط البشر الذي يسير عكسنا، أن نرفع أصواتنا بالغناء حتى لا ننسى أوتارنا الخاصة، أن نصُم آذاننا عن توسلات الشارع المُتكررة بألا نطير، سيكون علينا أن نُمارس ضحكاتِنا الحقيقة في مكان سري لنُحافظ عليها من الزيف، أن ننظر إلى وجوهنا عارية من الزينة لنتذكر مانحن عليه، أن نترك خطوط العمر تأخذ مجراها الحقيقي في وجوهنا، سيكون علينا أن نضيع في هويّات الآخرين مرارًا وأن نُدقق في ملامِح الغرباء وأن نبتسم للجميع دون تمييز، لعلّ إبتساماتنا تصطدم عرضًا أو لعلّ عيوننا تتقاطع ذات صدفة، سوف يكون علينا أن نجرّب غثيان الفقد ألف مرة، أن نعرف الغياب ونُقدم له الشاي ونأنس به ونحكي له، أن نكون مُضّيفين له وكرماء وأن نتركه يحتل جُدراننا ونوافذنا وشوارعنا وغليّان أباريقنا الدافئة، وإطارات صورنا الأثيرة، وعيوننا وقلوبنا وضحكاتنا وأحاديثنا السرية، وإنهزامنا الذي تشهد عليه أبواب كثيرة أغلقناها لنختفي، سوف يكون علينا أن نقيس سُمك الضباب حين يملأ معرفتنا، أن تتعرق نوافذ عيوننا، أن نجرّب خوف أن نطأ أرضًا لانراها، سوف يكون علينا أن نسمح للألم أن يُصادقنا، وأن يكون موجودًا في زاوية كل غرفة صامتًا ووقحًا وعاليًا رُغم كل شيء، سيكون علينا أن نجرّب ضجر الأسئلة المُتكررة، وبرود المصافحات الباردة وتحقيق الأحلام التي لاتعنينا، أن نُراقب شراراتِنا المّتقدة وهي تنفث آخر نفس من دخّانها، وأن نشهد على موتها ونقيم جنازة لائقة، ونذكر محاسن الشرارات المجنونة التي كانت أكبر من الحياة وأكثر خلودًا من عمرها الحقيقي، سوف يكون علينا أن نضيع طويلًا في الطريق الغريب وأن نصطدم بالكثيرين، وأن نُسافر إلى آخر الدنيا، وأن نجرّب الهزيمة والوحشة والفتور والضجر، سيكون علينا أن نجرّب إنعطافات كثيرة مُظلمه، وسوف نلتقي في إحداها، سوف ينظر أحدنا إلى الآخر ونبتسم بفرح الذي وجد صديقًا عزيزًا، وسنشرب شيئًا دافئًا ونحكي لأحدنا الآخر عما قاسيناه في الرحلة، وسنُكمل الطريق معًا، ونمشي يدًا بيد، أنا وذاتي .
بينَ الفينةِ والأخرى؛ تتسلَّلُ إليَّ رغبةٌ باهتةٌ في الكتابة، فأحاولُ اختلاسَ لحظةٍ ما مِن بينِ زحمةِ الحياةِ الرتيبة، أفتحُ ملفّ الملاحظاتِ في هاتفي، وأتصفّحُ كتاباتي التي لم تكتمل علّني أجدُ فيها ما يصفُ حالي ويحرّكُ ما رَكَدَ بي مِن الحروفِ، ولكنّي أكتشف في نهايةِ المطافِ أنّه ليس ثمّةَ حروفٌ تصفُ الحالةَ التي أعيشُها حاليًا، وأنّ ما كُتِبَ -وما سيُكتَبُ- لن يكونَ على القدرِ الكافي من التوافُقِ الوَصفِيِّ مَع ما يدورُ بقلبي وخاطِري حاليًا، فأعودُ للصّمتِ؛ الصمت الذي ما ملَّني رغمَ أنّي قد مَلَلْتُه! الصمت الذي لطالما انتقدتُه وأحزنتُه؛ يراني عائدًا إليه خائبَ الآمالِ كسيرَ الخاطِرِ، فيبتسمُ لي ابتسامةَ المنتصرِ وكأنّه يقول: "مصيرُكَ أن تعودَ إليّ مهما ابتعدتَ"..
ما أقبحَ الصمتَ الشامِت! نحاولُ الفِرارَ مِنهُ رغم أننا نعلمُ جيّدًا أنهُ هو الرصاصة الأخيرة في مُسَدَّسِنا، وأنهُ علاج الرحمةِ الأخيرِ لما لا يُعالجه البوحُ فينا.. نحاولُ جاهدينَ أن نشتكي، أن ننتقد، أن نبكي، أن نتنهّد، أن نشتم، أو حتى نطلق اللعنات، لكنَّ كلّ تلك الملاذات لا تصل للأهليةِ الكافيةِ لتخليصِنا، فنعودُ للصمتِ مُجدَّدًا، ومُجدَّدًا..
لكن مع الإكثارِ من الصمتِ والتعمّقِ فيهِ أدركتُ أنَّ للصمتِ لغةً كاملةً مكتملةَ الأركانِ والقواعِد، مُفصَّلَةً تفصيلًا دقيقًا، لغةً لا يصلُ إلى إدراكِها إلّا مَن أمعنَ في الصمتِ وتمكّنَ منه.. إنّ هذه مرحلةٌ متقدِّمَةٌ من اليأسِ الوجوديِّ، تكشفُ الستارَ عن أساليبَ قَد لا تخطرُ على البال.. جرِّب مثلًا أن تلتزمَ الصمتَ ليومٍ كاملٍ دونَ أن تتلفظَ بكلمةٍ، ودونَ أن تحرّكَ يديكَ مُشيرًا لما ترغبُ في التعبيرِ عنه، واكتفِ بالنظرِ الصامتِ للأشخاصِ والأشياءِ، مُحاوِلًا أن تتحدثَ مع كلِّ ما حولكَ دون أن تنبسَ ببنتِ شفة، ودون أن تصرّحَ عن رغبتكَ في فعلِ شيءٍ ما مِن عدمِها.. أتساءل؛ كم مِن المخلوقاتِ ستتجاوبُ معكَ؟ وكم مِنها سيفهمُ ما ترمي إليه؟!
ربما تجدُ مَن يفهمكَ من سكوتك، وربما لا؛ وهنا تكمن الأحجية، فلغة الصمتِ لا يفهمُها إلّا مَن وصلَ إلى المستوى ذاتِه من انعدامِ الجدوى والرغبةِ في الحديث.. تمامًا كما سيحدثُ حين ينتهي العالم، حين يموتُ جميعُ الناس، وتموتُ جميعُ المخلوقاتِ، ولا يبقى على هذه الأرضِ شيءٌ حيّ.. حينها يكتفي الجميعُ بالصمتِ وكأنّهُ آخِرُ لُغةِ حوارٍ على هذهِ الأرض.. إنهُ الوجه الآخر لانعدامِ الرغبة، الوجه الآخر لانعدامِ السعادة، لانعدامِ الشغف والعاطفة والعقل، والوجه الآخر لانعدام الحياة.. إنهُ العدم!
مساء الخير..

حاجات تركتها بإرادتك لا عاد تراقبها، ماضي راح بخيره وشره انساه و تناساه، مواقف، أحداث، ناس، تجارب، لاتعيد شريطها مرةً أخرى، فيه حاجات حتى لو كانت حلوة هي مثل نسمة باردة أنعشتك وراحت في حال سبيلها وتعدت خلاص، لا تبقى عالقاً فيها، حلاوتها كانت في وقتها ولو حاولت استعادتها، لاختلف عليك طعمها وأفسدت ذكراها .
يمتلك اثنا عشر شخصًا الفكرة نفسها، ولكن واحدًا منهم فقط يجعلها تتحقق، ما هو الفارق؟ لقد مررنا جميعًا بتجربة الإستماع إلى النصيحة نفسها من عِدة أشخاص، و على حين غِرة يُسديها لنا شخص مُميز وفجأة نُدركها! لقد كان التفسير المألوف هو أننا (لم نكن مُستعدين بعد)، إلا أن الحقيقة هي أن الشخص الذي يمتلك القوة الحقيقية هو الذي يجعلنا مُستعدين، إنه يمتلك قوة كافية للتغلب على شتى أصناف مقاوماتنا، اعتباراتنا، أنواع التسويف، المُماطلة، التخبط لدينا، شکوکنا، ارتباكاتنا، شروطنا، إضافاتنا، اعتراضاتنا، وجعلها ببساطة واضحة تمامًا بالنسبة إلينا، عندما ننتهي من الإصغاء إلى شخص مُؤثر، يتملكنا شعور داخلي أننا كنا نعرف دائمًا ما هو الصحيح، لطالما كُنا نعرفه، إلا أن الشخص المُؤثر يملك المقدرة على جعلنا نُبصر ما هو موجود مُسبقاً في أذهاننا، ولكن في إطارٍ مُختلف، إنه إطار (أها) .
نصيحة :
إنهاؤك للأمور بُسرعة كأن شيئًا ما يُطاردك لا يعني بأنك ستعيش مدّة أطول!
اهدأ، وعِـش ببـطئ .. 
تذوق أيامك قبل تلاشيها .
‏لا تزال في مقتبل العمر؟ اهدأ، لست مجبرا على محاصرة نفسك بقناعاتٍ تبنيتها على عجالة، ومبادئ لم تذق تبعاتها، وأفكار لا تعرف حقيقة أبعادها. اهدأ، واترك في عقلك مساحة للتأمل، والتزوّد المعرفي، والتسلّح بالخبرة الكافية. إذا أدركت أنك في البداية؛ ستنطفئ جذوة العَجَلة المهلكة في صدرك.
عليك أن تتعلَّم فَنّ التخلّي، لا تتمسّك بما لا يتمسّك بك، لا تسعَ خلف سرابٍ يحسبهُ الظمآنُ ماءً، لا تتشبّث بحُلُمٍ هَشّ، وإياك أن تضيع في اللاجدوى، ارخِ يديك أحيانًا، وامنَح الأشياء فُرصة اتخاذ رَدّة الفِعل، لترى مدى صدقها وحقيقتها؛ فذلك سيُوفِّر عليك عناءً طويلاً.
لا تلتفت إلى الوراء ناظرًا للبعد بين العابرين الكثر..
لا تكترث يا من سهرت الليالي على استماعهم وخذلوك..
لا تملأ مبسمك بالدموع لأجلهم "لا تبك حتى لا ينحني عود قلبك وتبتل يداك"
انفض عنك تفاصيلهم المعلقة بك المتشبثة داخلك حد الانسجام...
ستشيخ اثنان وعشرون عامًا بعام..
سترى الأصدقاء أعداء، والعدو صديق دون صلح...
ستُشعل شمعة لكل راحل وتنتظر انطفاء قلبك.
لا شيء يبقى إلاك ونبضك، لا تدع الراحلون يكسرون سنديان قلبك..
اجمع صورهم العالقة على جدران قلبك مع رسائلهم وأوراقهم وذكرياتهم وضعهم في صندوق النسيان...
إياك وإتلافهم
وعن سؤالي لماذا..
ستدرك بعد مرور إعصار الرياء قدومهم نادمين لكن إياك العودة للصندوق.
الأقنعة تُرتدى في البدايات فلا تثق بها وسقوط بعضها من على أحدهم سيعني لكَ اندثاره.
كن لنفسك كونًا بين جميع تلك الأفلاك
ودعك من داء البشر فوبائهم سيلقيك حتفك
وعد إلى ما أنت عليه الآن، مدركاً لذاكرة الفقد
واكتب لمعزوفاتك وغنها على ألحان روحك ولا تيأس.
إليك ما يستحق الحفاظ عليه: أن تكون مرتاح البال، نظيفًا قويًا واضحًا، منتبهًا إلى نفسك، تضع رأسك على الوسادة وتنام كما يليق بالمطمئنين، بدون أن يدوخ رأسك ألف مرة بين ترجيح احتمال طيب وترجيح احتمال سيئ، ثم الطيب، ثم السيئ، إلى شروق الشمس، أن لا يكون في حياتك شيء تخاف أن ينكشف فجأة فتصاب في مقتل، أن لا تقف مهزوزًا في وضع الدفاع عن النفس تنتظر شيئًا من العطف والعفو والتفويت، ثم تمضي منكسرًا محرجًا وقد ماتت فيك أشياء جميلة من سوء الوقفة، أن لا تضع رهانك كله على إنسان لا تعرفه جيدًا، كأنك جعلته على طرف أرجوحة، وجعلت نفسك على طرفها الآخر، وإن شاء بأقل حركة أن يلقي بك أرضًا على وجهك فعل.
لابأس ياعزيزي، فالحياه قاسيه ومُره والصراعات الداخليه تزيد من مرارة الحياة دائمًا، ستكسرك الحياه كثيرًا ومن مواضعًا مُختلفه لن تألف شيئًا ولن يعود لك دفء الحياة وطمأنينتها التي كنتَ تستشعرها في أبسط الأشياء، الحياه دائمًا تكسر الطيبين، لكن ما من كسرًا إلا سيُجبر وما من جرحًا إلا سيُزهر، دعني أُخبركَ شيئًا، لن يعود لكَ شغف الحياة فقد ذهب لغير رجعه إختارت الحياه أن تعدم شغفك وأن تضعك بين أنيابها وأن تكون الطعام لها، تقتاتُ على قوتك وشغفك إلى أن إستنزفتك بالكامل، كُسرت من مواضع الأمان، وهُنتَ على من كنت تقول في قرارة نفسك عنهم بأنك لن تُهان، إستنزفتك الحياة وإمتصت كل مواطن الطيبه في داخلك وأهدتك بالمقابل واعيًا وإدراكًا بأن لا شيء يدوم، سيُلازمك هذا الإدراك والعُمق بحقائق الأشياء وسترى الحياه من منظورًا ثالث منظور الإصابه بلعنة الإدراك والوعي، عندها فقط ستعي كم أن الحياه تافهه، تافهه جدًا لدرجة أن لا شيء يدوم .
ثمةَ حروف تتقد، كي ترصد وتُضيء، وما علينا سوى ‏التأمل برائحة الأصابع البليغة في تفسير طُعوم الضوء.


مساء الخير..
إني أعيش بلستُ أدري
حقاً وهل يدري الغريبُ
في رحلتي طُويت رُؤى
وبداخلي عجبٌ عجيبُ
وأنا المسجى للتجارب
من يَخيب ومن يُصيبُ.
الحذَر كُل الحذَر..
أن تُضيِّع عُمرك في علاقةٍ مَا تحت أي مُسمًّى كان..
إيَّاك واستنزاف روحك وقلبك وعقلك ووجدانك، إيَّاك والبقاء في أيدي العابرين الذين تُوقِن أنت بعدم بقائهِم، إيَّاك وكشف سِتر احتياجك لأيِّ أحدٍ كان، إيَّاك وكمال الثقة في أحدٍ سواك، لا تنتظر أحدًا ولا تحزن لفراقِ أحد، كُن لنفسك دِرعًا وحِرزًا وسلاما، كُن الحُب والمُحِب والمحبوب، لا تدَع أحدًا يسرق سنوات عمرك، لا تستبطئ قُرب أحد، ولا تستبعِد غدر أحد، لا تمُدنَّ عينيك إلى أشخاصٍ لا يضعونَ قلبك في عنان سمائهِم ولا تترك أحدًا يعبث بكينونتك، واستخلص نفسك مِن وحل العلاقات الرديئة، وارفع ثيابك عن مُستنقع اللا تقدير عمَّا تبذلهُ للآخرين، لا ترضَ بأقل ممَّا أنتَ ترجوه لشخصك، واعرف قدرك يعرفه غيرك، واحفظ قلبك قدر المُستطاع مِن غشمِ المُجرِّبِين، واسمُ بروحك للعُلا...
اعلم الان أن كل شيء حولك هادئ ، لا ضجيج ، لا موسيقى ، لا احد ، كل شيء تراه لا شيء ، الضوء الذي يرتسم امام عينيك لا تراه الا ظلام دامس ، النهار الذي كنت فيه كان اشبه بهذا الليل الذي اشتد ظلامه على غير العاده  ، الأشخاص الذين يمرون بك لم تنتبه لهم ، الأشياء التي كانت لا شيء اصبحت تعني لك كل شيء ، الحزن الذي كنت لا تعرفه اصبح قطعة منك ، النوم الذي كان يأتيك مبكرا اصبح صعب عليك وبعيد عنك ، الذكريات التي كنت لا تحن لها اصبحت على ذاكرتك كلما بقيت وحيدا مع هذا الليل ، الحب الذي كنت لا تؤمن به اسلمت له قلبك  ،  لا رغبة فيك للأكل فالطعام مستساغ ، لا رغبة للماء فكأنه مالح ، لا رغبة للحديث فإنه لا يطاق ، ستلاحظ أن غرفتك ضيقة ، والسقف منخفض ، واربعة جدران لا تتسع لكل هذه الفوضى والتشتت الذي يعتريك من الداخل ، ستشعر بأن فراشك قبر ،وغطاءك كفن ، وقلبك يئن وعقلك يصارع ، سيستفزك  ضجيج الحي وعواء الكلاب ومواء القطط ، رغم انه في الواقع هادئ كل شيء ، سيزعجك دعابة اخيك ، وألحاح امك ، تشعر بأن الحياة تواجهك على وجه الخصوص ، وبأنك اصبحت وحيد ووحيد جدا ، لا احدا يعلم بالدمار الذي يحصل لك ، لا احدا يعلم بالصراع الذي تخوضه مع قلبك وعقلك ، لا احدا يفهمك حق الفهم ، ولا انت بحاجة لتشرح كل هذا ،
أن كان حقا يحدث لك كل هذا فأعلم انك اصبحت صديقي ، لكن لا تلجأ لأحد ، لا تشكي ، لا تبوح ، لا احد يقدر ما بك ، لا تستمع للأغاني فأنها فخ ، لا تشاهد فلم فألنهاية مفبركة ، لا تقرأ كتابا فالواقع اسوأ ، لا تنم باكرا فهنا يبدأ الأستلام ، لا تقل انك بخير لأنها كارثة ، لا تقرأ الرسائل القديمة فأنها قديمة ، لا تشرب القهوة فالأمر يفوق قدراتها ، لا تأخذ  دواء لأن الألم ليس عضوي ، واياك اياك أن تتظاهر بالسعادة ..فهي التعاسة بذاتها
إنه الليل
الوقت الأمثل لأتخاذ قرارات كاذبة.
الإنشغال الّذي يجعلنا لا نمسك الهاتِف إلاّ قليلًا، لا ننتبه على تفاصيل النَشر و الإشعارات بَهَوَس، لا نُضيّع الساعات في تصفُّح لا معنى له، الإنشغال الّذي يجعلنا نُثمِّن ساعات النوم، و نُقدِّر فيه كُل الدقائق المُتبقيّة، أحُب هذا الإنشغال الّذي يصنع مِنّا مسؤولين و نعرف قيمة الوقت، أحُب لحظات التَعب رغُمَ التَعب، هذا الإنشغال يُرتّبَنا حقًّا، يجعلنا حتى في لحظات الفُسَح لا نختار إلاّ ما يناسبنا.
2025/07/05 09:15:46
Back to Top
HTML Embed Code: