Telegram Web Link
صديقي إنَّما الدُنيا
-بكل الصدق- لا تُبهر
نمرُّ بلهفةٍ منها
نحو الموطنِ الأكبر..
وندنُو في مناكِبها
لنا نحو المُنى أكثر
نُسابق نحو غايتنا
لجناتٍ بها نظفَر
‏لنورِ الله يملؤُنا
فننسَى كل ما أضنَى وما أسهَر
فخُذ منِّي وصايَا القلب
وكل وصيةٍ تُذكر!
‏وسطِّرها مِداد الحُب
أمامَ فؤادك المُزهر..

‏لا تأسَى على الدنيا
ولا تشقَى ولا تخسَر
‏فكل مَفاقِد الإنسان في عوضٍ!
‏وكل مواجعِ الأقدار
يُطببها الرِضا بالله
في لُطفٍ خَفى عنَّا
وما كنَّا لهُ نُبصر!
‏خفايا اللُّطف تَحوينا
وآلاء تُقوِّينا
‏"قليلٌ" قِيلَ من يشكُر
‏فكُن من ندرةِ العباد
في"قليلهم" تُذكر
‏خَفيٌّ عن عيونِ الخلق
وبين ملائِك الرحمن
عبدٌ صادقٌ يُذكر!

صديقي انفُض الأهواء
وشُدَّ جوانِب المِئزر
لغيرِ الله لا تمضِي
لغيرِ الله لا تنظر!
‏ونادِ الله في حبٍ
وادعُ شكاية المضطر
‏تبتَّل في محاريب المُنى أكثر
‏وألا تسرق الأيام
منك فؤادك المُزهر..

‏وحين تُرتلُ القرآن
فقِف حينًا
وردِّد آيهُ أكثر
‏وأرهِف كل جارحةٍ
لتُصغي ما مُراد الله؟
ماذا كان يأمرُني؟
‏لتسلُك منهجَ السُّعداءِ
تدبَّر صاحِبي أكثر
ونقِّب عن خيوطِ الضي
واصنع صُبحك المسفر..

‏وكُن لي صاحِبي عونًا
لكي نعبُر!
مراكبُنا هُنا في غربةٍ تُبحِر
‏وقد تمضِي بنا الأمواج
من حيثُ لا نشعر
فقد نهوي وقد نعبر!
فأما صادقُ الإيمان
تراهُ بصدقِه ينجُو
‏ثباتٌ في دروبِ الله
وقلبٌ سائر لله..
‏فما أهناه!
ذاقَ نعيم من يصبِر..

‏تمسَّك بالتُقى عونًا
وشُدَّ عراك لا تفتَر
تذكَّر أنَّما الدُنيا
سرابٌ آفل يومًا
‏وما كانت لنا حقًا
سِوى معبر!
﴿ وَأَمَّا الَّذينَ سُعِدوا فَفِي الجَنَّةِ خالِدينَ فيها..﴾
تمُوج بنا نوائبُ الدَّهر، ما بين فقدٍ وكسرٍ وخوف!
فنحتارُ فيها ونمُوج، ويرتجفُ القلب أمامها..
فيجيء قوله ﷺ ماءً باردًا:
لله أرحم بعباده من الوالدة بولدها"

هكذا.. وبأبلغ صور الرحمة!
يستبين أمامك عظيم رحمته!
"فقل ما شئت عن رحمته، فإنها فوق ما
تقول
، وتصور ما شئت، فإنها فوق ذلك"

عند كلّ فقدٍ، أو ضيقٍ، أو همٍّ..
الله أرحم! الله أحنّ!
فاطمئن..
كان النَّبي ﷺ حريصًا على أُمَّته، ومن حرصه عليها أنَّه كان يَدعُو لها بالبركة وسائر الخيرات، فقال في حديثه ﷺ: «اللهمَّ بارِكْ لأُمَّتي في بُكورِها»، وهذا دُعاءٌ معناه: اللهمَّ أَكثِرْ لها الخير والبركة بالزِّيادة والنَّماء؛ حين تَخرجُ لأعمالها في الصَّباح وأوَّل النَّهار.

قال صخر بن وداعة -رضي الله عنه-،: كان النَّبي ﷺ إذا بعث سريَّةً أو جيشًا إلى الغزو، بعثهم من أوَّل النَّهار؛ وذلك لتحصيل تلك البركة الَّتي تكونُ في أوَّله.
وقال عمارة بن حديد: وكان صخر رجلًا تاجرًا يعملُ بالتِّجارة، وكان يبعثُ تجارتهُ من أوَّل النَّهار، عملًا بوصيَّة رسول الله ﷺ حتَّى ينال بركة دُعاء النَّبيِّ ﷺ فأثْرى وكثُر مالهُ، فصار غنيًّا.

ولهذا قال بعض السلف: «يومك مثل جَملِك إن أمسكت أوله تبعك آخره» أي: إذا حفظتَ أول اليوم فإنَّ بقية اليوم يُحفظ لك.

وكان عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- يُسبِّح الله حتى طلعت الشمس، فلما طلعت قال: «الحمد لله الذي أقالنا يومنا هذا، ولم يؤاخذنا بذنوب»، مع أنه في أول اليوم! لكن لما يَسَّر الله له حفظ أول اليوم، وهذا فيه شاهد إلى أنَّ العبد إذا حفظ أول اليوم بالذِّكر والطاعة سَلِم وحُفِظ له يومه كاملًا.

ويقول بعض العلماء: «أول اليوم شبابه وآخر اليوم شيخوخته ومن شبَّ على شيءٍ شابَ عليه»، فإذا شبَّ الإنسان في أول اليوم على الذِّكر بقي اليوم محفوظًا، وإذا كان في خلاف ذلك؛ فإنه يشبُّ عليها ويأتي عليه آخِر اليوم وهو كذلك.


فحريٌّ بالمؤمن الفطن أن يجعل له وقت البكور عملًا صالحًا، لا يتخلَّى عنه إلا اضطرارًا.
سُرُج
Audio
قال ابن القيم - رحمه الله -:
‏"المحبُّون لا شيء ألذُّ لهم ولقلوبهم
‏من سماع كلام محبوبهم، وفيه غايةَ
‏مطلوبهم، ولهذا لم يكن شيء ألذَّ
‏لأهلِ المحبَّةِ من سماعِ القرآن"
في هذا اليوم انفلاق البحر بضربةِ عصا، ونجاة قوم
وغرق قوم، لتعلمَ أنَّ الله لا يُعجزه أمرك، وأن يقينك
وحقَّ توكلك هو سبيل نجاتك
﴿ وَإِن يَمسَسكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلّا هُوَ ﴾
لا يحفظ القلب من وحشة الوجود، وكآبة الدنيا إلا
الصلاة والسلام عليه،
ورُبَّ صدرٍ تنفس من ثقبِ
إبرة فلم يجد ما يُجدد به هذا القلب البالي غير
الصلاة والسلام عليه، ورُبَّ مطرودٍ مُبعدٍ ما قرّبه
غير الصلاة والسلام عليه، ورُبَّ أسيفٍ كسيفٍ
اكفهر وجهه فلم يبيّضه غير الصلاة والسلام
عليه،
اللهم صلِّ وسلم عليه
وفي الكرب يقف المرء فارغًا من مطالعة الأسباب،
نافذًا بفقره إلى مشاهدة منة ربه، راجيًا في رحمته، مادًا
يد الذل مخدوش القلب، داعيًا بالنَّفَسِ المخضوبِ
بالفقر، والحرفِ المنكسرِ بالفقر، والدمعة المغموسة
في الفقر، والوجع الكظيم، أعجميًا إلا من الثناء على
ربه، يتكلم بصمته المسكين، قائلًا: "الله الله ربي،
لا أشرك به شيئًا
"، قد فني عن مشاهدة عمل صالح
وُفّق إليه فلا يشهد إلا وحدانية ربه، وإلٰهيته، وتنزهه عن
الشريك والنظير، كأنما يقول: إنما أنا بك لا بعملي،
أنت الرب، وأنا العبد، منك النعمة ومني الاعتراف
بالذنب،
وأنت أكرمتني بالتعرض لنفحات عطائك،
فاكشف الكرب عن عبدٍ وفقته للثناء عليك،
وإفرادك بالألوهية!

فيتهاوى غمام الهم، وتشرق شمس الفرحة وضيئةً
مترفةً بالنور في قلب عبدٍ لاذ مُثنيا على ربه في ظلمات
كربه، ولهذا كانت سجدة الثناءِ الكبرى لسيد الشفعاء
ﷺ يوم الحشر؛ نافذةَ الفرج وكاشفةَ الكرب، فكل مَن
كان مُثنيًا على ربه
؛ كان ناجيًا في الدنيا والآخرة.. فمن
جرحه الكرب فعرَّى قلبه، وجلس ينسج معطف الثناء؛
كُسِي كسوةَ الحنان والعطاء والجود
الحمد لله، حمدًا نستديم به
‏نُعمى الكريم ويحميها من النقم
‏الحمد لله، حمدًا سابغًا عطِرا
‏يضمّد النفس من همٍّ ومن ألمِ
‏الحمد لله تطوي كل ضائقةٍ
‏إلى فضاءٍ من الإيمان والشممِ
‏الحمد لله، تروي القلب من ظمأٍ
‏وتنعش الروح من كرب ومن سأمِ
‏الحمد لله، حمدًا طيّبًا غدقا
‏بكل محمدةٍ في اللوح والقلم
"وليس من شُكرِ إنعامه أن تستعين به على معاصيه!"
َ ﴿قالَ لا تَخافا إِنَّني مَعَكُما أَسمَعُ وَأَرى﴾
"إنَّ الخوف سحابٌ أسود يُخيِّم على النفس،
ولا يقشعهُ إلا شهودُ معيَّة الله سُبحانه،
فعند الله وحده مرفأُ الأمان.."
من استعدَّ للقاء الله انقطع قلبه عن الدنيا
ومطالبها، وخمدت من نفسه نيران الشهوات،
وأخبتَ قلبُه إلى الله، وعكفت همته على الله
وعلى محبته وإيثار مرضاته، واستحدث همَّةً
أخرى وعلومًا أُخر، ووُلد ولادةً أخرى تكون
نسبة قلبه فيها إلى الدار الآخرة، كنسبة
جسمه إلى هذه الدار بعد أن كان في بطن
أمِّه، فيولد قلبه ولادةً حقيقية، كما ولد
جسمه حقيقة، وكما كان بطن أمه حجابًا
لجسمه عن هذه الدار، فهكذا نفسه وهواه
حجاب لقلبه عن الدار الآخرة، فخروج قلبه
عن نفسه بارزًا إلى الدار الآخرة كخروج
جسمه عن بطن أمه بارزًا إلى هذه الدار.

والمقصود: أن صدق التأهب للقاء الله؛ هو
مفتاح جميع الأعمال الصالحة
، والأحوال
الإيمانية، ومقامات السالكين إلى الله، ومنازل
السائرين إليه، من اليقظة والتوبة والإنابة
والمحبة والرجاء والخشية والتفويض
والتسليم، وسائر أعمال القلوب والجوارح؛
فمفتاح ذلك كله صدق التأهب والاستعداد
للقاء، والمفتاح بيد العليم، لا إله غيره ولا ربَّ
سواه.


-ابن القيم | طريق الهجرتين.
‹ كيف بكَ إن نجَوا وهلكت؟ ›
إنك راحلٌ إلى الله حتمًا..
وما هذا العُمر المتناثر بين يديك صباحَ مساء،
إلا إشاراتٌ صريحة على أنك تمضي.. تمضي سريعًا.

وبعد قليل، تنتهي الرحلة
ونقف -أنا وأنت- على مشارف القبر،
في أول منازل الآخرة، نلج عالم البرزخ،
منتظرين أجيال الخلائق ليومٍ عظيم

يوم اللقاء، ويوم الجزاء،
يومٌ تدنو فيه الشمس، وتُبلى فيه السرائر،
وتُوزن الأعمال، وتُفتح الصحائف،
فطوبى لمن أحسن الزاد..
Audio
‏".. ما سمِعَهَا محزونٌ إلَّا سُرِّي عنه"
ما أهونَ الدنيا بجِوارِ الآخرة! فلا يُقاس فانٍ ببَاقٍ، ولا
يُقارن نَعيم الآخرة وعذابها بنَعيم الدنيا وشدائدِها؛
فلا وَجهَ للمقارنة بين دار العمل ودار الجزاء..

يقول النبي ﷺ:
«يُؤتَى بأَنعَمِ أهلِ الدُّنيا مِن أهلِ النَّارِ يَومَ القِيامَةِ،
فيُصبَغُ في النَّارِ صَبغَةً، ثُمَّ يُقالُ: يا ابنَ آدَمَ، هل
رَأَيتَ خَيرًا قَطُّ؟ هل مَرَّ بكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فيَقولُ: لا
والله يا رَبِّ، ويُؤتَى بأَشَدِّ النَّاسِ بُؤسًا في الدُّنيا مِن
أهلِ الجَنَّةِ، فيُصبَغُ صَبغَةً في الجَنَّةِ، فيُقالُ له: يا ابنَ
آدَمَ، هل رَأَيتَ بُؤسًا قَطُّ؟ هل مَرَّ بكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟
فيَقولُ: لا والله يا رَبِّ، ما مَرَّ بي بُؤسٌ قَطُّ، ولا رَأَيتُ
شِدَّةً قَطُّ
2025/10/24 14:00:52
Back to Top
HTML Embed Code: