الخلاف شر:

كان علامة الديار النجدية الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن ال بابطين (ت١٢٨٢هـ) في فتاويه وتقريراته يقول بكراهة صيام يوم الشك خلافاً للمشهور في المذهب، وذات مرة خرج من بلدة عنيزة ودخل بلدة بريدة ووافق دخوله ليلة الثلاثين من شعبان وكان هناك غيم في الأفق، فأمر قاضي بريدة حينها وكان من تلامذة أبابطين وهو الشيخ سليمان بن علي المقبل (ت١٣٠٤هـ) أمر بصيام ذلك اليوم وفاقاً للمذهب، فصام الناس وصام معهم الشيخ أبابطين ومن معه .
فقال له بعض طلابه: كيف تصوم وأنت تفتي بخلاف ذلك؟
قال: ما دام قاضي البلد يرى هذا فنحن نتبعه والخلاف شر !

#حنابلة_نجد

https://www.tg-me.com/Hanbali44

سبق أن كتبت مقالا حول هذا الموضوع قبل أكثر من خمس سنوات، وهذا هو 👇🏻

في عام (١١١١هـ) كان الشيخ منيع بن محمد العوسجي الدوسري الحنبلي (ت١١٣٤هـ) يحضر أحد المجالس العلمية في مدينة الأحساء وجرى الكلام فيها على مسألة الرضا بقضاء الله وقدره، فقرر الشيخ منيع مذهب الحنابلة فيها، ثم إن أحد علماء الشافعية وهو الشيخ محمد بن صالح الدوغان (ت١١٣٠هـ)تكلم عن الشيخ في مجلس آخر وكان مما قاله : " إن بعض المتحنبلة يقول: يلزم الرضا بكل مقضي ..." قالها على سبيل التنقيص والتشكيك، فبلغ ذلك الشيخ منيع فألف رسالة عجيبة تضمنت استدلالات بديعة استحسنها علماء نجد وتداولوها، وهي في الرد على كلام ابن دوغان سماها: «النقل المختار من كلام الأخيار في دفع العار والشنار» وكان مما قاله فيها:

" ولو لم يكن من تفيهقه وعتبه وتنقصه وثلبه إلا قوله بعض (المتحنبلة)[١] على سبيل التهكم والاستهزاء، لكان فيه من غضاضة القدر ما يوغر الصدر، كما لو قيل لشافعي: قال بعض المتشيفعة فكيف وقد اتبعه بالتوهيم والتغليظ والإزراء الذميم؟ فإن قوله : (المتحنبل) يُشعِر في اصطلاحهم على اسم واقع في معنى مستحيل كالمتشبه بقوم ليس منهم، والمنتقل من مذهب إلى مذهب لغرض دنيوي وقصد غير صحيح، كما كان من خبر الوجيه فعيب عليه وقيل فيه شعر:

ألا مبلغ عني الوجيه[٢]رسالةً ....

وأما أنا فحنبلي متأصل غير متحول عن مذهب إمامي ولا متبدل، أمشي على محجته في الفروع على حسب ضلعي وعرجي، وأقتفي وأتوجه وجهة قبلة معتقده السلفي، والحمد لله الذي شرح صدورنا للإسلام وهدانا، وبنص كتابه وسنته عن تخييلات العقول أغنانا .

أنا حنبلي ما حييتُ وإن أمت
فليشهد الثقلان أني حنبلي

وليعلم أني لم أورد هذه العجالة ولم أعلن بهذه المقالة إلا لتبيين صحة نقلي عن الغلط، وحفظ لهجة لفضي عن السقط، وإلا فلست ممن نظم في سلك هذا النمط، ولا ممن يميز بين الصواب والشطط، ومن حتى أكون من خيل تلك الحلبة، أو من فرسان هاتيك الجلبة، لكني إذا عزوت القول إلى قائليه خرجت من تبعة ما أثبته وأحكيه .

فإن هذا المذهب ـ والحمد لله ـ منذ أسس على التقوى ابتلي بالمحنة، وأبى الله أن تفارقه إلى يوم القيامة، وهو مع ذلك يعض بالنواجذ على الكتاب والسنة، لا يقبل فيهما بدلًا، ولا يبغي عنهما حولاً، ولم يزل في جهادٍ ولم يندمل جرحه ولا يبرى، وكلما فل كتيبة تكتّبت له أخرى، وكلما هزم جيشًا تظاهرت عليه جيوش تترادف وتترى، حتى إذا طرد عسكر البدعة فأدبر عيشهم وكدر، وثل عرشهم فتداعى وتدمر؛ رجع من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر .

وذلك أن أناسًا من إخواننا من أهل المذاهب ـ أصلح الله أحوالنا وأحوالهم، وحاشا العارفين منهم أن يكونوا أمثالهم - يرموننا بدواهٍ خارقة، وينسبون إلينا المكروه بأقوال غير صادقة..." .

____________________




[١]في الهامش بخط الناسخ: قال في الآداب على قوله صلى الله عليه وسلم : {من تطبب ولا يعلم منه طب فهو ضامن} قوله : من تطبب ولم يقل : من طب؛ لأن لفظ التفعيل يدل على تكلف الشيء والدخول فيه بكلفة، وأنه ليس من أهله كتكلف وتشجع وتحلم وتصبر .
[٢] المعروف بابن الدهان النحوي(ت٦١٢هـ) وقد ذكرنا سابقاً قصة هذه الأبيات .

#علماء_نجد
#الحنابلة_المنتقلون

https://www.tg-me.com/Hanbali44

أكبر مكتبات الحنابلة الخاصة(٣):

من مشاهير نساخ المخطوطات النجديين الشيخ محمد بن حمد بن صالح العسافي آل أبو عليان التميمي النجدي الحنبلي (ت١٣٩٤هـ) ولد سنة (١٣١١هـ) في بغداد حيث استقرت أسرته فيها بعد هجرتهم من نجد .

درس الشيخ العسافي الفقه الحنبلي على الشيخ محمد بن عبد الله بن عوجان (ت١٣٤٢هـ) العالم الحنبلي المعروف وكان من زملائه حينها العلامة محمد بن عبد العزيز بن مانع (ت١٣٨٥هـ)، كما درس على الشيخ محمد الأمين الشنقيطي (ت١٣٥١هـ) الحديث والسيرة النبوية، ودرس على الشيخ محمود شكري الآلوسي (ت ١٣٤٢هـ) فن المناظرة والمنطق .

نبغ الشيخ محمد العسافي مبكراً فانبرى للتأليف وهو بعمر السادسة عشرة من عمره حيث وضع كتابه «الإصابة في استحباب تعليم النساء للكتابة» للرد على العالم العراقي نعمان خير الدين الألوسي (ت١٣١٧هـ) الذي ألف «الإصابة في منع النساء من الكتابة » .

رحل الشيخ العسافي إلى الهند لطلب العلم وبقي فيها بضعة سنوات درس فيها الحديث على علمائها واصطحب معه في عودته بعض الكتب والمخطوطات النفيسة .

تولى الشيخ العسافي خطابة جامع المنارتين في البصرة، كما قام بالتدريس في المدرسة الرحمانية فيها، ثم تولى إدارة مدرسة [الدويحس] في الزبير هذه المدرسة التي خرجت العديد من الفقهاء الحنابلة .

كان الشيخ محمد رحمه الله جمّاعاً للكتب مشغوفاً بها، مطلعاً نهماً محباً للقراءة، مما جعله يمتلك مكتبة ضخمة تكونت له ما بين نسخ وشراء أو إهداء أومبادلة أو غير ذلك، وهذه التركة العلمية المهمة ذهب بعضها كإهداء من الشيخ إلى [مكتبة عبد القادر الجيلاني] ببغداد، والجزء الأوفر ذهب إلى مكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، وتم إصدار فهرس وصفي لجزء من مكتبة الشيخ .

وقد ضمت هذه المكتبة الكبيرة مجموعة من المخطوطات النادرة ومنها: مخطوط للمؤرخ سيف بن عمر التميمي(ت١٨٠هـ)، ومخطوط عتيق لمسند الإمام أحمد بن حنبل قيل أنه أصابه بلل حين ألقت التتر الكتب في نهر دجلة .

وإنَّ الباحث في هذه المكتبة ليأخذه العجب من تنوع اهتمام هذا العالم الجليل وحرصه الجم على تملك هذه المخطوطات في علوم شتى ودراستها وتطلب الإجازة ببعض علومها من بعض علماء عصره .

هذه المكتبة كانت أولاً في بغداد ثم تم نقلها للزبير ثم نقلها ابن الشيخ سليمان إلى الرياض ثم أُهدي المتبقي منها على دفعتين إلى مكتبة جامعة الإمام .

من مؤلفات الشيخ العسافي ورسائله:
١ - الإصابة في استحباب تعليم النساء الكتابة، وهو مطبوع.
٢- شرح ألفية العراقي في السيرة .
٣۔ مساجد الزبير، وهو مطبوع .
٤۔ شرح منظومة لأحد فضلاء المغرب في غزوات النبي .
٥- شرح منظومة لأحد فضلاء المغرب في بعوث النبي .
٦- الزهر الملتقط من شعر النبط، وهو مطبوع .
٧- تراجم لبعض الفضلاء، وهو مطبوع .
٨- الأبواب السبعة في فن التجويد .
٩-تاريخ بعض الحوادث النجدية والزبيرية، وهو مطبوع .

توفي الشيخ محمد العسافي في بغداد سنة (١٣٩٤هـ) ودفن في مقبرة معروف الكرخي رحمه الله تعالى .

#حنابلة_نجد #العسافي #مكتبة_العسافي #مدارس_الحنابلة #مكتبات_الحنابلة
https://www.tg-me.com/Hanbali44

تواضع العلماء (٣):

توجّه سؤال للعلامة الفقيه المحدث الشيخ سعد بن حمد بن عتيق (ت١٣٤٩هـ)؛ فقّدم جوابه بقوله:

" لستُ أهلاً لذلك لقلة العلم، وعدم وجود من استفيد منه من أهل التحقيق، ولأن الكلام على أحاديث الرسول ﷺ مما يحجم عنه الجهابذة الفحول، فكيف بمن هو مزجى البضاعة، قاصر الباع، وإني لمعترف - والصدق منجاة - بأن طلب الإفادة ممن هو مثلي من عجائب الدهر، ولكن الضرورة قد تُلجئ إلى أعظم من ذلك " .

يقول هذا وهو من أجمع العلماء على فضله وتقدمه، ومن ذلك قول الشيخ سليمان بن حمدان (ت١٣٩٧هـ) في ترجمته:
" العالم العلامة، الحبر، البحر، القدوة، الفهامة، الزاهد، الورع، التقي، النقي، وحيد دهره، وفريد عصره، الفقيه النبيه، المحدث " .

ويقول الشيخ عبد الرحمن بن قاسم (ت١٣٩٢هـ) :
" كان حجة حافظاً، له اليد الطولى في الأصول والفروع، تام المعرفة في الحديث ورجاله" .

ويقول الشيخ صالح بن عبد العزيز العثيمين (ت١٤١٠هـ) :
" استفدت برؤيته قبل أن أسمع كلامه، ولم أر مثله فيمن تقدمه أو عاصره...بموت مثله قد هُد ركنٌ من أركان العلم في نجد، هيهات أن يسد في زمن قليل، فإنه هو الحجة الثقة الثبت بها، والمحدث والفقيه المحقق، المحرر المدقق، المفسر الكبير، المرجوع إليه في المعضلات ".

ويقول الشيخ عبد الله بن جبرين (ت١٤٣٠هـ) :
" كان نابغة وإمام وقته " .

#حنابلة_نجد
#آل_عتيق
https://www.tg-me.com/Hanbali44

👆🏻

نموذج من الآذان النجدي (الشيخ إبراهيم الدوسري) رحمه الله

أكبر مكتبات الحنابلة الخاصة (٥):

‏من مكتبات الحنابلة الخاصة والتي أصبحت بعد ذلك مطبعة عامة تُعنى بنشر التراث الحنبلي على وجه الخصوص، المكتبة المعروفة بـ (السعيدية) لصاحبها الشيخ الأديب والشاعر فهد بن عبد العزيز السعيد البُردي الحنبلي (ت١٤٠٩هـ) والذي لازم الشيخ محمد الصالح المطوع في (بريدة) وتلقى عن آل سليم، ثم رحل على أقدامه مشياً إلى الرياض ودرس على علمائها وزامل فيها المشايخ عبد العزيز بن باز والشيخ عبد الله بن حميد ونبغ حينها بالفرائض وكان الطلاب يرجعون إليه فيها .

عُين قاضيا في (الجوف) وعمره (١٦) عاماً، ثم عين قاضياً في (أبها) ثم عين في (أبحر)لكنه اعتذر عنها جميعاً .

ثم انتقل إلى بلدة (رياض الخبراء) وافتتح أول مدرسة فيها عام (١٣٦٨هـ) وقام بالإشراف عليها سنوات طويلة، ثم افتتح فيها مكتبة، يقول الشيخ محمد بن عثمان القاضي عن هذه المكتبة :
" افتتح في رياض الخبراء عام (١٣٨٠ هـ)، مكتبة سماها (المكتبة السعيدية) وجلب لها الآلاف من الكتب النفيسة ما بين مطبوع ومخطوط وفتح أبوابها للرواد وللباحثين..وكرس معظم أوقاته فيها ... وله نشاط ملحوظ لا يجاري في نشر كتب الحنابلة في الفقه وفي كتب الحديث وكتب الشيخين...وطبع كتبًا كثيرة لشيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله...عدل إلى طبع الكتب الفقهية في بيروت ودمشق وحصل على قدر كبير منها، فمن مطبوعاته «الإفصاح» لابن هبيرة، و«الاختيارات الفقهية»من فتاوى ابن تيمية، و«المقنع» لابن قدامة، و«كشف المخدرات شرح أخصر المختصرات» و«المذهب الأحمد»و «التنقيح المشبع في تحرير أحكام المقنع»، و«جامع العلوم والحكم»جعله في ثلاثة أجزاء، و«وغاية المنتهى» لمرعي بن يوسف وغيرها...وحقيقة أنه يشكر على خدمته لكتب الحنابلة".


ويقول الشيخ محمد بن ناصر العبودي:
" فهد العبد العزيز السعيد مشهور بكرمه، معروف بالإسراع إلى ذبح الذبيحة لضيوفه...وقد أسس فيها جناحًا لإقامة الضيوف الذين يفِدون عليه، فكانوا يقيمون على ضيافته ويطالعون في مكتبة حافلة فيها هي أولى المكتبات التي أسست في الخبراء ومنطقتها في ذلك الوقت...ولم يكن يبخل عليها بجهد أو مال، أما الجهد فإنه طالب علم لا يبالي بالجهد في البحث عن المسائل من بطون الكتب، وأما المال فإنه كان ينفق عليها بسخاء رغم ما نعرفه عنه من ضيق ذات يده مع كونه يتقاضى راتب مدير المدرسة وهو راتب جيد ولكنه كان ينفقه، ولا يكفيه لنفقته، فهو ممن يصح أن ينشد هذا البيت:
لا يألف الدرهم المضروب صُرَّتنا ...
لكن يمر عليها وهو منطلق ".


توفي الشيخ فهد السعيد يوم الجمعة الموافق السابع عشر من شعبان عام(١٤٠٩ هـ) رحمه الله رحمة واسعة .

#حنابلة_نجد #مكتبات_الحنابلة
#شعراء_الحنابلة #مكتبة_السعيد

https://www.tg-me.com/Hanbali44