قال: كان يجب أن تُخلقي في مدينتي، في أرضٍ خضراء شاسعة، أن تُخلقي هناك فتكوني قدري أنا، وحدي. كلّ ما قد تراه عيني في وجهكِ فاتن، آسر، نادر! شفتيكِ، أنفكِ، عينيكِ، تنظرين كما لو أنَّك تحيكين لي أرضًا من نور الشمس والريحان. في حياةٍ أخرىٰ، ستكونين لي، سأحظى بكلِّ ما فيكِ، سآخذك حتّى آخرك. انتظريني هناك، سأبحث عنكِ، وسأجدك..
أوَكلَّما ظننت أنّي وجدت الطريق..
أضاعني!
وإلىٰ متى
أقول أنّي حصدته
فأراه ضمّ له ثقل المسافةِ..
باعني
أراني هنا
خطاي تشحذ ما تبقّىٰ من خطاي
وحفيف شجر التين
يحكي ما عني
إذا بي هُناك
أتلهَّف إيماءة الأمل الشحيح
إذ صوته المسلوب منّي.. راعني
أضاعني!
وإلىٰ متى
أقول أنّي حصدته
فأراه ضمّ له ثقل المسافةِ..
باعني
أراني هنا
خطاي تشحذ ما تبقّىٰ من خطاي
وحفيف شجر التين
يحكي ما عني
إذا بي هُناك
أتلهَّف إيماءة الأمل الشحيح
إذ صوته المسلوب منّي.. راعني
لا إلـٰه الا الله وحده لا شريك له وكَّلته أمري ورضيت بأمره، وأمره كلُّه خير بإذنه وحوله وقوّته.
لا تنسوني ووالدي من دعائكم اليوم، أصلح الله شأني وشأنكم ورحم والدي وغفر له ورفع منزلته وأسكنه فسيح جنَّاته.
قال رسول الله ﷺ:
(خَيرُ الدُّعاءِ دُعاءُ عَرَفةَ، وخَيرُ ما قُلتُ أنا والنَّبيُّونَ مِن قَبلي: لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحدَه لا شَريكَ له، له المُلكُ وله الحَمدُ وهو على كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ)
(خَيرُ الدُّعاءِ دُعاءُ عَرَفةَ، وخَيرُ ما قُلتُ أنا والنَّبيُّونَ مِن قَبلي: لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحدَه لا شَريكَ له، له المُلكُ وله الحَمدُ وهو على كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ)
تمامًا مثل أن تأخذك ريحًا ثم تعيدك وأنتَ لستَ أنتَ، عيناكَ لا تنظران ما أعتدته من وجه، وصدرك لا يحمل ما ألفته من قلب، وروحك لا تشبه ما عرفته من طهر. ولا تزال تتساءل أمام مرآتك، من أنا؟ وما الَّذي بقي منِّي يشبه ما كان أنا؟ فينادي صوت ما من الأعماق أنَّ الله بعث رفاة ألم بداخلك، وأنَّها تحيلك لإنسان آخر. فتفزع باحثًا في قلبك عمَّن أحببتهم، علَّهم يرشدوك إليك، فلا تجد الوجوه هي الوجوه، ولا الأشخاص هم الأشخاص، كما لو أنَّه هناك من ولج قلبك وبدَّلهم، ثمَّ بدَّلك.
فتمشي نحو حوض الخلاص، آملًا أنَّك إن تسبَّعت في مائه، ومن مائه، تعود كما كنت أنت، هو أنت؛ لكن ما إن تلمسه، حتَّى يحال إلى دماء، دماء ما نزفها جسدك لكنَّك شعرت بها تسيل منك، في مكان ما، فوق خفَّة سحابةٍ ما، أو ربَّما تحت ثقل لذَّة ما!
فتسحب نفسك نحو شجرة تستظلَّ حنانها، علَّها تسقط ورقة فوق صدرك فيهدأ فؤادك المذعور. ومن حيث لا تدري تكبِّلك جذورها الممتدَّة من تحت الأرض، تلتفُّ حول معصميك، وقدميك، وعنقك. فيوحى إليك أنَّها هذه هي شجرة ما قد فعلتَ، فترفع رأسك عاليًا، لتجد أن لا ثمار فيها ولا حمامٌ، ولا نسيم! فتدرك أنَّه هذا ما آل إليه كلُّ ما قد كان، ولا مناص الآن.
كم يصعب على المرء أن ينسلخ من نفسه قربانًا للظمأ، فما إن يرويه ما اعتقد أنَّه نهر عذب، حتَّى يشعر بشفتيه تحترقان بملحٍ أجاج، ثمَّ يدرك متأخِّرًا أنَّ عقله قد خانه، إذ لم يكن نهرًا، بل بحر، وأن أمواجه الَّتي بلَّلت كلَّ خليَّة فيه حينما كان ما قد كان وتاه فيها، لفظته على الشاطئ، متردِّدةً لكن بثبات، تسأل بعضها، أن هل يستحق من مشى بإرادته نحو الأعماق أن ينعّمه البحر بالغرق؟
فتمشي نحو حوض الخلاص، آملًا أنَّك إن تسبَّعت في مائه، ومن مائه، تعود كما كنت أنت، هو أنت؛ لكن ما إن تلمسه، حتَّى يحال إلى دماء، دماء ما نزفها جسدك لكنَّك شعرت بها تسيل منك، في مكان ما، فوق خفَّة سحابةٍ ما، أو ربَّما تحت ثقل لذَّة ما!
فتسحب نفسك نحو شجرة تستظلَّ حنانها، علَّها تسقط ورقة فوق صدرك فيهدأ فؤادك المذعور. ومن حيث لا تدري تكبِّلك جذورها الممتدَّة من تحت الأرض، تلتفُّ حول معصميك، وقدميك، وعنقك. فيوحى إليك أنَّها هذه هي شجرة ما قد فعلتَ، فترفع رأسك عاليًا، لتجد أن لا ثمار فيها ولا حمامٌ، ولا نسيم! فتدرك أنَّه هذا ما آل إليه كلُّ ما قد كان، ولا مناص الآن.
كم يصعب على المرء أن ينسلخ من نفسه قربانًا للظمأ، فما إن يرويه ما اعتقد أنَّه نهر عذب، حتَّى يشعر بشفتيه تحترقان بملحٍ أجاج، ثمَّ يدرك متأخِّرًا أنَّ عقله قد خانه، إذ لم يكن نهرًا، بل بحر، وأن أمواجه الَّتي بلَّلت كلَّ خليَّة فيه حينما كان ما قد كان وتاه فيها، لفظته على الشاطئ، متردِّدةً لكن بثبات، تسأل بعضها، أن هل يستحق من مشى بإرادته نحو الأعماق أن ينعّمه البحر بالغرق؟
ليس في يديَّ ما يكفي من الأصابع لأعدَّ خساراتي عليها، ولا في قلبي متَّسع لكلِّ تلك الآلام، بيد أنَّني، بطريقة ما، قد ابتلعتها بالكامل، ودفعة واحدة.
أجلس علىٰ شرفة الخيبات أكيل ما نزفت، ولا دم رأيت بيد أنِّي به شعرت، يسيل فوق صدري الشفَّاف، لا لن تراه ما لم يراك، ولن يراك ما لم تدخله مدخل صدق، طاهرًا مطهَّرًا، لتظفر بنعيم ريحَهُ مسك، وأرضه زيزفون، هـٰذا ما قال الله له أن يكون!
لـٰكن حينما أتلمَّسه الآن، أجد حقولًا من الخوف تستسقي الأمان، إنَّما لا غيثٌ لها إذ أنَّها بور، ولا شمس تقرض جنبها، ولا نور.
لأدرك في النهاية أنَّ الإيادِ الَّتي تعطي لآخرها، تظلُّ ممدودة في الهواء وحدها، جريحةً، تكبِّلها السنابل فارغات.
أجلس علىٰ شرفة الخيبات أكيل ما نزفت، ولا دم رأيت بيد أنِّي به شعرت، يسيل فوق صدري الشفَّاف، لا لن تراه ما لم يراك، ولن يراك ما لم تدخله مدخل صدق، طاهرًا مطهَّرًا، لتظفر بنعيم ريحَهُ مسك، وأرضه زيزفون، هـٰذا ما قال الله له أن يكون!
لـٰكن حينما أتلمَّسه الآن، أجد حقولًا من الخوف تستسقي الأمان، إنَّما لا غيثٌ لها إذ أنَّها بور، ولا شمس تقرض جنبها، ولا نور.
لأدرك في النهاية أنَّ الإيادِ الَّتي تعطي لآخرها، تظلُّ ممدودة في الهواء وحدها، جريحةً، تكبِّلها السنابل فارغات.
الهدوء مطلب، السَّكينة احتياج إنسانيّْ.
لتجد استقرارك وهدوءك، ستعود لنفسك، ولا تنشرح لوجود أحدٍ بحياتك، استمتع، ابتهج، لـٰكن لا تتعشَّم ولا تتأمَّل، والأهم لا تطلب.. إلىٰ أن تأمن.
الآن، تشكّل عندي تصوُّر عن الحبِّ، أنَّه بذاته مطمئن، ومستقر، وهادئ ويجذب لحياتك تلك السمات، أن تكون ساكنًا معه، مملوءًا بداخلك، ومملتئًا بالسَّلام، ممتلئًا بالسكون، ممتنًّا، غارقًا في نعيم، وكلُّ ما حولك يشير إلىٰ قلبك. المحبُّ يكون هدية إلهيّة لتستبشر بها، ومرآة لشعورك السماوي، في الأعلىٰ، أيّ في الجنان. بمعنى أنَّ الحبَّ هو شيء بهذه الساميَّة.
وما دون ذلك هي محض رغبات، ولا أشيطن رغبات الإنسان، ولا أشيطن ما ينتج عنها من أفعال “ طبيعيَّة”. بيد أنَّه علىٰ المرء أن يحذر منها كونها شيء قد يفقد سيطرته عليه، وممكن أن تودي بسلامه وطمأنينته، ومن الممكن أن تعمي بصيرته فلا يدرك حقيقة ما يشعر به، وأصله، ومن أين أتىٰ! لذلك دائمًا، في حالة مشابهة، حريٌّ بالمرء أن يتوقَّف لوهلة، لا ليتَّخذ قرار بل ليرىٰ بوضوح، لأن يعرف موضع أقدامه الحقيقيّ، لأن يقف علىٰ أرض صلبة، تحمله بالكامل.. ومن ثمَّ بإمكانه، حالما يشعر بالأرض من تحته، أن يكمل بنور.
لتجد استقرارك وهدوءك، ستعود لنفسك، ولا تنشرح لوجود أحدٍ بحياتك، استمتع، ابتهج، لـٰكن لا تتعشَّم ولا تتأمَّل، والأهم لا تطلب.. إلىٰ أن تأمن.
الآن، تشكّل عندي تصوُّر عن الحبِّ، أنَّه بذاته مطمئن، ومستقر، وهادئ ويجذب لحياتك تلك السمات، أن تكون ساكنًا معه، مملوءًا بداخلك، ومملتئًا بالسَّلام، ممتلئًا بالسكون، ممتنًّا، غارقًا في نعيم، وكلُّ ما حولك يشير إلىٰ قلبك. المحبُّ يكون هدية إلهيّة لتستبشر بها، ومرآة لشعورك السماوي، في الأعلىٰ، أيّ في الجنان. بمعنى أنَّ الحبَّ هو شيء بهذه الساميَّة.
وما دون ذلك هي محض رغبات، ولا أشيطن رغبات الإنسان، ولا أشيطن ما ينتج عنها من أفعال “ طبيعيَّة”. بيد أنَّه علىٰ المرء أن يحذر منها كونها شيء قد يفقد سيطرته عليه، وممكن أن تودي بسلامه وطمأنينته، ومن الممكن أن تعمي بصيرته فلا يدرك حقيقة ما يشعر به، وأصله، ومن أين أتىٰ! لذلك دائمًا، في حالة مشابهة، حريٌّ بالمرء أن يتوقَّف لوهلة، لا ليتَّخذ قرار بل ليرىٰ بوضوح، لأن يعرف موضع أقدامه الحقيقيّ، لأن يقف علىٰ أرض صلبة، تحمله بالكامل.. ومن ثمَّ بإمكانه، حالما يشعر بالأرض من تحته، أن يكمل بنور.
ينتاب المرء شعورًا هائلًا بالفراغ، في كلِّ مرَّة يدرك فيها أنَّه انصاع دون أن يعرف معنىٰ للجدوىٰ.
كنتُ أراها دائمًا، بعينيها الكبيرتين -الشرستين- وهبها الله بها البصر والبصيرة، كنت أقف أمامها، وما إن أرفع عيني لوجهها حتّى تلقفني نظرة لامعةً تخطف النور لتعكسه شمسًا تضيء به أرضها وسماءها. كنتُ أسمع البهجة تغنِّي بصوتها، وأشهد العصافير تجاري ضحكاتها.. وحين كنتُ ألمس معها ندوبها، أقول في نفسي كثيرة! بيد أنَّها لا تؤلمها، بل تنصب ظهرها. وكنتُ أضمِّد بين يديها جراحها، جراحًا عميقة، وأقرأ فيها الألم لـٰكن، مثل أجدادها الَّذين نبتوا من الصحراء وتحت الشموس، كانت تكظم أنينها، ثمَّ ترفع رأسها. كنتُ أراها باهية، زاهية، خسئ من حاول أن يمسّ حقيقتها، وخار من رفع يده ليحجب نورها.
ثمَّ أنظر إليها الآن، وأقول في نفسي بمرارةٍ يا الله! من الَّذي اقتلع منها كلَّ أسبابها! وكيف تذبل الأزهار في الربيع؟ ومتىٰ انحنت به الأشجار والنخيل! من سلب من طيورها أصواتها؟ وكيف جفّت أنهارها وقد كانت -حتّى في القيظ والصبر- نضّاحة جارية! فأبكي، علىٰ كلّ ما عرفتُ من آلامها أبكي، علىٰ كلّ فراشة سقطت من سمائها أبكي، ثمّ أسأل من فعل؟ فتقول: أنا فعلت! ثمَّ أسألها أن تعود، فتمضي دون أن تجيب.
ثمَّ أنظر إليها الآن، وأقول في نفسي بمرارةٍ يا الله! من الَّذي اقتلع منها كلَّ أسبابها! وكيف تذبل الأزهار في الربيع؟ ومتىٰ انحنت به الأشجار والنخيل! من سلب من طيورها أصواتها؟ وكيف جفّت أنهارها وقد كانت -حتّى في القيظ والصبر- نضّاحة جارية! فأبكي، علىٰ كلّ ما عرفتُ من آلامها أبكي، علىٰ كلّ فراشة سقطت من سمائها أبكي، ثمّ أسأل من فعل؟ فتقول: أنا فعلت! ثمَّ أسألها أن تعود، فتمضي دون أن تجيب.
Forwarded from من الحياة.
"الأمر الوحيد الذي أعرفه، هو أنني مليءٌ بالجراح ولازلتُ أقف على قدمي". — نيكوس كازانتزاكيس