••
مدونة شيخي الغالي أ. فؤاد العمري.
لطالما فضَّ اشتباك المعاني، وردَّ السائل إلى نبعٍ من اليقين وصفاء التمييز.
https://gohodhod.com/@amrey13966035
••
مدونة شيخي الغالي أ. فؤاد العمري.
لطالما فضَّ اشتباك المعاني، وردَّ السائل إلى نبعٍ من اليقين وصفاء التمييز.
https://gohodhod.com/@amrey13966035
••
••
من أَلِف الاستدراك على الناس، تشكَّلت في ذهنه حرفة الحفر في أطراف الكلام، لا استخراج لُبابه، بل التماس لمواضع التعقيب، ينظر إلى الخطاب بعين الناقد، ويتقدّم إليه بسؤال المتربّص، فتغدو المجالس في حضرته مسرحًا لامتحان الآخرين، لا ميدانًا لتزكية الذات، يمضي عمره في صقل أدواته الجدلية، فيزداد حضورًا بين الناس، ويقلّ أثره فيهم، لأن الجمال لا يُقيم في عقلٍ يقيس المعاني بمسطرة التصحيح، بل في نفسٍ تتلقّى بعين المودّة، وتهضم بعقل التؤدة.
••
من أَلِف الاستدراك على الناس، تشكَّلت في ذهنه حرفة الحفر في أطراف الكلام، لا استخراج لُبابه، بل التماس لمواضع التعقيب، ينظر إلى الخطاب بعين الناقد، ويتقدّم إليه بسؤال المتربّص، فتغدو المجالس في حضرته مسرحًا لامتحان الآخرين، لا ميدانًا لتزكية الذات، يمضي عمره في صقل أدواته الجدلية، فيزداد حضورًا بين الناس، ويقلّ أثره فيهم، لأن الجمال لا يُقيم في عقلٍ يقيس المعاني بمسطرة التصحيح، بل في نفسٍ تتلقّى بعين المودّة، وتهضم بعقل التؤدة.
••
••
الذي يظهر لي أن الزواج في التصوّر الإيماني ليس مجرّد اقتران بين جسدين، ولا إطارًا اجتماعيًا تنظمه الأعراف وتُباركه التقاليد، بل هو ميثاقٌ علويّ، تُستدعى فيه السماء لتشهد، وتُستنهض فيه الأرض لتحتضن نشأة الإنسان في طوره الأجمل: طورِ السكن والمودّة والرحمة.
إنه انتقالٌ من فردانية الهوى إلى جماعية المسؤولية، ومن عفوية الميل إلى نظام التكليف، حيث تُروّض النفس على مقامات الأخلاق، ويُهذّب القلب على سنن المداراة، ويُجبر الضعف البشري بجلال العهد الرباني. في الزواج، لا تُختبر العاطفة بقدر ما تُختبر النية؛ لا يُقاس الحب بارتفاع صوته، بل بعمق ستره، ولا تُوزن العلاقة بلحظات الانسجام، بل بمواقف الثبات حين تمتحنها الأيام.
في الزواج يتعلّم القلب معنى الطهارة العملية: أن تغضب وتكفّ، أن تقدر وتعفو، أن ترى النقص وتُغضّي عنه بعينٍ تستحضر ستر الله عليك.
وهكذا، لا يكون الزواج نهاية العزوبية، بل بداية التربية الثانية، حيث تُعاد صياغة النفس في بوتقة الحياة المشتركة، ويُعاد تعريف النجاح لا بكثرة اللحظات الجميلة، بل بقلّة لحظات الكسر، وصدق النية في الترميم كلما تصدّع شيء من الداخل.
فالزواج ليس خاتمة مرحلة، بل افتتاح عهدٍ جديد من التزكية العملية، يُكتب في سطور لم تُسطر بالحبر، بل خُطّت بالدعاء، وغذّاها الصبر، وشهد عليها الليل حين تهامست فيه الأرواح: “ربّنا هب لنا من أزواجنا وذريّاتنا قرّة أعين، واجعلنا للمتقين إمامًا”.
••
الذي يظهر لي أن الزواج في التصوّر الإيماني ليس مجرّد اقتران بين جسدين، ولا إطارًا اجتماعيًا تنظمه الأعراف وتُباركه التقاليد، بل هو ميثاقٌ علويّ، تُستدعى فيه السماء لتشهد، وتُستنهض فيه الأرض لتحتضن نشأة الإنسان في طوره الأجمل: طورِ السكن والمودّة والرحمة.
إنه انتقالٌ من فردانية الهوى إلى جماعية المسؤولية، ومن عفوية الميل إلى نظام التكليف، حيث تُروّض النفس على مقامات الأخلاق، ويُهذّب القلب على سنن المداراة، ويُجبر الضعف البشري بجلال العهد الرباني. في الزواج، لا تُختبر العاطفة بقدر ما تُختبر النية؛ لا يُقاس الحب بارتفاع صوته، بل بعمق ستره، ولا تُوزن العلاقة بلحظات الانسجام، بل بمواقف الثبات حين تمتحنها الأيام.
في الزواج يتعلّم القلب معنى الطهارة العملية: أن تغضب وتكفّ، أن تقدر وتعفو، أن ترى النقص وتُغضّي عنه بعينٍ تستحضر ستر الله عليك.
وهكذا، لا يكون الزواج نهاية العزوبية، بل بداية التربية الثانية، حيث تُعاد صياغة النفس في بوتقة الحياة المشتركة، ويُعاد تعريف النجاح لا بكثرة اللحظات الجميلة، بل بقلّة لحظات الكسر، وصدق النية في الترميم كلما تصدّع شيء من الداخل.
فالزواج ليس خاتمة مرحلة، بل افتتاح عهدٍ جديد من التزكية العملية، يُكتب في سطور لم تُسطر بالحبر، بل خُطّت بالدعاء، وغذّاها الصبر، وشهد عليها الليل حين تهامست فيه الأرواح: “ربّنا هب لنا من أزواجنا وذريّاتنا قرّة أعين، واجعلنا للمتقين إمامًا”.
••
••
القرارات الكبرى لا تنبع دومًا من القناعة المتأملة، بل كثيرًا ما تصدر عن خزّان اللاشعور الجمعي، حيث تتحكم “البيئة النفسية الموروثة” في سلوك الإنسان بأشدّ مما يفعل يقينه المعرفي، ولهذا جاءت الآية العميقة في توصيف هذا الأثر: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ﴾، فالمشكلة ليست في نقص العلم، بل في تغلغل “المألوف العائلي” حتى بات معيارًا خفيًا يُسيّر الاختيار، لا يُراجع، ويُطمأن إليه، لا يُساءل، ومن هنا، كانت الهجرة النفسية من الموروث إلى الوحي، هي أعظم صور التحرر والتجرد.
••
القرارات الكبرى لا تنبع دومًا من القناعة المتأملة، بل كثيرًا ما تصدر عن خزّان اللاشعور الجمعي، حيث تتحكم “البيئة النفسية الموروثة” في سلوك الإنسان بأشدّ مما يفعل يقينه المعرفي، ولهذا جاءت الآية العميقة في توصيف هذا الأثر: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ﴾، فالمشكلة ليست في نقص العلم، بل في تغلغل “المألوف العائلي” حتى بات معيارًا خفيًا يُسيّر الاختيار، لا يُراجع، ويُطمأن إليه، لا يُساءل، ومن هنا، كانت الهجرة النفسية من الموروث إلى الوحي، هي أعظم صور التحرر والتجرد.
••
Forwarded from منصت الوحي-سماع السنة
أصدقاء منصت الوحي ✨
يسعدنا أن نستهل العام الهجري ببرنامج سماع السنة، لنشنف الآذان ونروي القلوب بحديث رسول الله ﷺ .
و كتابنا الأول :
📖 جامع الصحيحين
جمع: وليد الحمدان
📅 ا
-البداية: الخميس ٨ محرم - ٣ يوليو
-النهاية: السبت ٥ ربيع الثاني - ٢٧ سبتمبر
____
📎كن شريكا بدعوة الأصدقاء لسماع السنة :
https://www.tg-me.com/monsitsunna
🔄🔄
يسعدنا أن نستهل العام الهجري ببرنامج سماع السنة، لنشنف الآذان ونروي القلوب بحديث رسول الله ﷺ .
و كتابنا الأول :
📖 جامع الصحيحين
جمع: وليد الحمدان
📅 ا
-البداية: الخميس ٨ محرم - ٣ يوليو
-النهاية: السبت ٥ ربيع الثاني - ٢٧ سبتمبر
____
📎كن شريكا بدعوة الأصدقاء لسماع السنة :
https://www.tg-me.com/monsitsunna
🔄🔄
••
التدرّج: فقه العروج البشري
ما من طمأنينة أعظم من أن تدرك أن الدين لا ينتظر منك أن تبلغ الكمال، بل أن تتوجه إليه، لا يُكلفك أن تطير، بل أن تسير، لا يزنك بالخوارق، بل بالصدق، ومن ذا الذي بلغ الله بالقفزات؟ إنما نبلغه بالتدرج.
وفي خضمّ سعي العقل المسلم لفهم معالم هذا الدين، كثيرًا ما يقع في شَرَك التوقعات المثالية، التي يُخيّل إليه أنها من لوازم الدين، وهي ليست منه في شيء، وأول ما ينبغي أن يُعقل عند النظر في طبيعة الشريعة الربانية، أنها شريعة نزلت على بشر، وأُنيط تطبيقها بالبشر، في حدود طاقتهم، وبحسب طبيعتهم التي خلقهم الله عليها، لا في فضاء الكمالات الغيبية ولا في أفق الخوارق التي لا تتسق مع نواميس الكون ولا مع طبائع النفوس.
وهنا تكمن نقطة الانطلاق؛ إذ إن هذا الدين – من حيث الأصل – لا يتعامل مع الإنسان بوصفه ملاكًا مطهّرًا، ولا يُكلّفه بما لا يُطاق، بل يخاطبه من حيث هو بشرٌ محدود الجهد، متقلّب الحال، مثقل بأثقال الأرض وقيود الواقع، ومن هنا تتجلى عبقرية هذا المنهج، لا في كونه يصنع المعجزات في الأرض، بل في كونه ينهض بالإنسان الواقعي، المتعثّر، نحو معارج الكمال الممكن، على مهل، وبقدر، ووفق سنة التدرّج التي طبع الله بها حركة التاريخ وسيرة الأنبياء.
غير أن بعض العقول المعاصرة، بحكم التلقي الثقافي المُشوّش، تتصوّر أن التديّن الصحيح لا يكون إلا حين يُقدّم الإنسان تضحيات خارقة، أو يسلك مسارات روحية مفصولة عن شروط الواقع، أو يتعالى على سنن الفطرة وحدود الطبيعة البشرية، فينشأ هذا التصور المثالي المختل، فيقع أحد أمرين: إما أن يُصاب صاحبه بإحباط إذا لم يستطع تحقيق تلك الصورة المتخيلة، أو أن يُصاب بغرور خفي إذا أحسن الظن بوصوله إليها.
وتتتابع هذه الأخطاء الفكرية لتنتج فجوة ضخمة بين صورة الدين كما أنزله الله، وصورته كما رسمها الخيال المفرَط أو الزهد المنفصل عن سنن الله في خلقه.
وهذا الدين لم يأتِ ليُسقط الإنسان من سماء المثال إلى واقع الابتلاء دون مدد، بل جاء ليمنحه منهج حياة يسير به في حدود فطرته، ويعمل ضمن طاقته، ويبلّغ به الغاية العليا في مراتب السكينة والرضا، منهج يسير بالتدرج، ويُراعي الأطوار، ولا يحمل الإنسان ما لا طاقة له به.
وما زال الخلل في التعامل مع الشريعة – منذ القدم – راجعًا إلى إغفال هذه الحقيقة المركزية: أن الشريعة تعمل في إطار الزمن، وتؤتي أُكلها في ميدان الجهد البشري، ولا تناقض فطرة الإنسان ولا تحمّله ما لا يطيق، وإنما تأخذ بيده نحو الكمال، درجةً درجة، بطريقٍ يمشي عليه، لا طيران في سماء الأماني.
ولذلك فإن اختلال التصوّر عن هذا الدين نشأ – في أصله – من نسيان هذه الحقيقة التأسيسية البسيطة: أن الدين منهج للإنسان لا للملائكة، وأنه نازل من عند الله ليُعان به البشر على سلوك السبيل، لا ليُرهَقوا به خارج الطاقة.
إن هذا الدين – كما قال الله – {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}، و{ما جعل عليكم في الدين من حرج}. لكنه يَطلب منك شيئًا أعظم من الخوارق، يطلب منك الصدق في السير، والثبات في التدرج، والنظر الدائم إلى المقصد الأعلى، رغم تعثر الخطى، وتقصير النفس.
ويا ويله من ظنّ أن طمأنينة هذا الدين وراحته لا تأتي إلا مع بلوغ المثالية، فإن راحة هذا الدين تكمن في اليقين به، لا في النجاة من كل نقص.
••
التدرّج: فقه العروج البشري
ما من طمأنينة أعظم من أن تدرك أن الدين لا ينتظر منك أن تبلغ الكمال، بل أن تتوجه إليه، لا يُكلفك أن تطير، بل أن تسير، لا يزنك بالخوارق، بل بالصدق، ومن ذا الذي بلغ الله بالقفزات؟ إنما نبلغه بالتدرج.
وفي خضمّ سعي العقل المسلم لفهم معالم هذا الدين، كثيرًا ما يقع في شَرَك التوقعات المثالية، التي يُخيّل إليه أنها من لوازم الدين، وهي ليست منه في شيء، وأول ما ينبغي أن يُعقل عند النظر في طبيعة الشريعة الربانية، أنها شريعة نزلت على بشر، وأُنيط تطبيقها بالبشر، في حدود طاقتهم، وبحسب طبيعتهم التي خلقهم الله عليها، لا في فضاء الكمالات الغيبية ولا في أفق الخوارق التي لا تتسق مع نواميس الكون ولا مع طبائع النفوس.
وهنا تكمن نقطة الانطلاق؛ إذ إن هذا الدين – من حيث الأصل – لا يتعامل مع الإنسان بوصفه ملاكًا مطهّرًا، ولا يُكلّفه بما لا يُطاق، بل يخاطبه من حيث هو بشرٌ محدود الجهد، متقلّب الحال، مثقل بأثقال الأرض وقيود الواقع، ومن هنا تتجلى عبقرية هذا المنهج، لا في كونه يصنع المعجزات في الأرض، بل في كونه ينهض بالإنسان الواقعي، المتعثّر، نحو معارج الكمال الممكن، على مهل، وبقدر، ووفق سنة التدرّج التي طبع الله بها حركة التاريخ وسيرة الأنبياء.
غير أن بعض العقول المعاصرة، بحكم التلقي الثقافي المُشوّش، تتصوّر أن التديّن الصحيح لا يكون إلا حين يُقدّم الإنسان تضحيات خارقة، أو يسلك مسارات روحية مفصولة عن شروط الواقع، أو يتعالى على سنن الفطرة وحدود الطبيعة البشرية، فينشأ هذا التصور المثالي المختل، فيقع أحد أمرين: إما أن يُصاب صاحبه بإحباط إذا لم يستطع تحقيق تلك الصورة المتخيلة، أو أن يُصاب بغرور خفي إذا أحسن الظن بوصوله إليها.
وتتتابع هذه الأخطاء الفكرية لتنتج فجوة ضخمة بين صورة الدين كما أنزله الله، وصورته كما رسمها الخيال المفرَط أو الزهد المنفصل عن سنن الله في خلقه.
وهذا الدين لم يأتِ ليُسقط الإنسان من سماء المثال إلى واقع الابتلاء دون مدد، بل جاء ليمنحه منهج حياة يسير به في حدود فطرته، ويعمل ضمن طاقته، ويبلّغ به الغاية العليا في مراتب السكينة والرضا، منهج يسير بالتدرج، ويُراعي الأطوار، ولا يحمل الإنسان ما لا طاقة له به.
وما زال الخلل في التعامل مع الشريعة – منذ القدم – راجعًا إلى إغفال هذه الحقيقة المركزية: أن الشريعة تعمل في إطار الزمن، وتؤتي أُكلها في ميدان الجهد البشري، ولا تناقض فطرة الإنسان ولا تحمّله ما لا يطيق، وإنما تأخذ بيده نحو الكمال، درجةً درجة، بطريقٍ يمشي عليه، لا طيران في سماء الأماني.
ولذلك فإن اختلال التصوّر عن هذا الدين نشأ – في أصله – من نسيان هذه الحقيقة التأسيسية البسيطة: أن الدين منهج للإنسان لا للملائكة، وأنه نازل من عند الله ليُعان به البشر على سلوك السبيل، لا ليُرهَقوا به خارج الطاقة.
إن هذا الدين – كما قال الله – {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}، و{ما جعل عليكم في الدين من حرج}. لكنه يَطلب منك شيئًا أعظم من الخوارق، يطلب منك الصدق في السير، والثبات في التدرج، والنظر الدائم إلى المقصد الأعلى، رغم تعثر الخطى، وتقصير النفس.
ويا ويله من ظنّ أن طمأنينة هذا الدين وراحته لا تأتي إلا مع بلوغ المثالية، فإن راحة هذا الدين تكمن في اليقين به، لا في النجاة من كل نقص.
••
••
أكثر ما يُنهك الروح، سُلّمٌ علّقناه في الهواء، ظنٌّ سامق، وتوقّعٌ ثقيل، وخيالٌ ناعمٌ لا يُشبه الأرض، وما يؤلمنا ليس ما وقع، بل ما توهّمناه قبل أن يقع، لسنا ضحايا الأحداث، بل ضحايا الظنّ الزائد، والتصوّر المتوهّج، والتوقعات التي حملناها فوق طاقتنا، وما انكسر فينا لم يكن من ضربة، بل من هالةٍ رسمناها فوق الاحتمال، وخذ هذه القاعدة: كلما قلَّ الظن، اتّسع الصدر، وكلما خفَّ التوقّع، خفَّ الحمل.
••
أكثر ما يُنهك الروح، سُلّمٌ علّقناه في الهواء، ظنٌّ سامق، وتوقّعٌ ثقيل، وخيالٌ ناعمٌ لا يُشبه الأرض، وما يؤلمنا ليس ما وقع، بل ما توهّمناه قبل أن يقع، لسنا ضحايا الأحداث، بل ضحايا الظنّ الزائد، والتصوّر المتوهّج، والتوقعات التي حملناها فوق طاقتنا، وما انكسر فينا لم يكن من ضربة، بل من هالةٍ رسمناها فوق الاحتمال، وخذ هذه القاعدة: كلما قلَّ الظن، اتّسع الصدر، وكلما خفَّ التوقّع، خفَّ الحمل.
••
••
•| التغابن المعرفي |•
﴿فَلَمّا جاءَتهُم رُسُلُهُم بِالبَيِّناتِ فَرِحوا بِما عِندَهُم مِنَ العِلمِ وَحاقَ بِهِم ما كانوا بِهِ يَستَهزِئونَ﴾ [غافر: ٨٣]
﴿ذلِكَ بِأَنَّهُ كانَت تَأتيهِم رُسُلُهُم بِالبَيِّناتِ فَقالوا أَبَشَرٌ يَهدونَنا فَكَفَروا وَتَوَلَّوا وَاستَغنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَميدٌ﴾ [التغابن: ٦]
ليست الفاجعة أنهم جُهّال، بل أنهم فرحوا بما عندهم من العلم، فاستكفوا به عن البينات، وظنّوا أن ما بأيديهم من مناهج التحليل، وأطر الفلسفة، ونماذج الاقتصاد السلوكي، ونظريات علم النفس الاجتماعي، يُغنيهم عن هُدى الوحي، ويُعفيهم من مقام السجود للنص للشرعي، لم يكن الصدّ عن سبيل الله نتاج شبهة مُغلِقة، بل نتاج غواية عقليةٍ ترى في أدواتها الكفاية، وتستنكف أن تُذعن لقولٍ لا ينبعث من حقلها المعرفي.
وهنا تتجلّى إحدى أعظم صور “التغابن” التي سُمّيت بها السورة: تغابنٌ بين من باع اليقين بالظن، وبين من اشترى آراء البشر بعهد الله، بين من اعتصم بالبيانات، ومن استغنى بها عن البينات، ولم يسخروا من الحق جهلًا، بل سخروا منه ثقةً بالذات المعرفية، وغرورًا بالمنهجية الأكاديمية، وتعاليًا على التلسيم النص الشرعي، فاستُدرجوا إلى مصيرهم من حيث فرحوا، ونزل بهم العذاب من حيث استعلوا، ﴿وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾.
وهكذا يُفهم أن أعظم الحجب عن الله ليست الجهالة، بل الغرور بالعلم المنزوع عن خضوع العبودية، فكل علمٍ لا ينتهي بك إلى سجدة، قد ينتهي بك إلى تهكّم، ثم هلاك.
••
•| التغابن المعرفي |•
﴿فَلَمّا جاءَتهُم رُسُلُهُم بِالبَيِّناتِ فَرِحوا بِما عِندَهُم مِنَ العِلمِ وَحاقَ بِهِم ما كانوا بِهِ يَستَهزِئونَ﴾ [غافر: ٨٣]
﴿ذلِكَ بِأَنَّهُ كانَت تَأتيهِم رُسُلُهُم بِالبَيِّناتِ فَقالوا أَبَشَرٌ يَهدونَنا فَكَفَروا وَتَوَلَّوا وَاستَغنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَميدٌ﴾ [التغابن: ٦]
ليست الفاجعة أنهم جُهّال، بل أنهم فرحوا بما عندهم من العلم، فاستكفوا به عن البينات، وظنّوا أن ما بأيديهم من مناهج التحليل، وأطر الفلسفة، ونماذج الاقتصاد السلوكي، ونظريات علم النفس الاجتماعي، يُغنيهم عن هُدى الوحي، ويُعفيهم من مقام السجود للنص للشرعي، لم يكن الصدّ عن سبيل الله نتاج شبهة مُغلِقة، بل نتاج غواية عقليةٍ ترى في أدواتها الكفاية، وتستنكف أن تُذعن لقولٍ لا ينبعث من حقلها المعرفي.
وهنا تتجلّى إحدى أعظم صور “التغابن” التي سُمّيت بها السورة: تغابنٌ بين من باع اليقين بالظن، وبين من اشترى آراء البشر بعهد الله، بين من اعتصم بالبيانات، ومن استغنى بها عن البينات، ولم يسخروا من الحق جهلًا، بل سخروا منه ثقةً بالذات المعرفية، وغرورًا بالمنهجية الأكاديمية، وتعاليًا على التلسيم النص الشرعي، فاستُدرجوا إلى مصيرهم من حيث فرحوا، ونزل بهم العذاب من حيث استعلوا، ﴿وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾.
وهكذا يُفهم أن أعظم الحجب عن الله ليست الجهالة، بل الغرور بالعلم المنزوع عن خضوع العبودية، فكل علمٍ لا ينتهي بك إلى سجدة، قد ينتهي بك إلى تهكّم، ثم هلاك.
••
••
إيّاك أن تُقايض قدرك في موائد الأهواء، فإن من باع سموّه في سوق الخنوع، لن يشتريه الناس بعين التبجيل، بل يرمونه في مهاوي النسيان، فليست الرحمة أن تتضاءل لتبدو لطيفًا، ولا التواضع أن تتقزّم حتى لا تُرى؛ فالنفس التي لا تحمي مكانها، يُعاد تشكيلها حسب مقاسات الآخرين، وتُزاح كما تُزاح المقاعد المهملة في آخر القاعة.
وقد صدق المازني إذ قال: “واعلم أنك إذا أنزلت نفسك دون المنزلة التي تستحقها، لم يرفعك الناس إليها، بل أغلب الظن أنهم يدفعونك عمّا هو دونها أيضًا، ويزحزحونك إلى ما هو وراءها.”
فلا تهبط بجناحك إلا على بساط التوحيد، فإن في السجود لربك عزًّا لا تبلغه التيجان، وفي الخضوع لغيره مَذلّة لا تسترها الألقاب، ومن عرف قدر الله، لم يتكفّف الناس كي يُقيموه، ومن ذاق طعم العزّة بالله، استغنى عن مواسم التصفيق وزيف القبول.
••
إيّاك أن تُقايض قدرك في موائد الأهواء، فإن من باع سموّه في سوق الخنوع، لن يشتريه الناس بعين التبجيل، بل يرمونه في مهاوي النسيان، فليست الرحمة أن تتضاءل لتبدو لطيفًا، ولا التواضع أن تتقزّم حتى لا تُرى؛ فالنفس التي لا تحمي مكانها، يُعاد تشكيلها حسب مقاسات الآخرين، وتُزاح كما تُزاح المقاعد المهملة في آخر القاعة.
وقد صدق المازني إذ قال: “واعلم أنك إذا أنزلت نفسك دون المنزلة التي تستحقها، لم يرفعك الناس إليها، بل أغلب الظن أنهم يدفعونك عمّا هو دونها أيضًا، ويزحزحونك إلى ما هو وراءها.”
فلا تهبط بجناحك إلا على بساط التوحيد، فإن في السجود لربك عزًّا لا تبلغه التيجان، وفي الخضوع لغيره مَذلّة لا تسترها الألقاب، ومن عرف قدر الله، لم يتكفّف الناس كي يُقيموه، ومن ذاق طعم العزّة بالله، استغنى عن مواسم التصفيق وزيف القبول.
••
••
•| الطوفان الرقمي |•
هل تستطيع أن تسبح في بحر يُضاف إليه ٥٠٠ موجة في الدقيقة؟
هل يمكنك أن تسير في مدينة تتّسع كل دقيقة لألف طريق جديد، فتفتح في اليوم الواحد ٧٢٠٠٠٠ درب لم تُكتب لها خرائط، ولم تُرسم لها نهايات، ثم يُطلب منك ألا تتيه؟
لقد تغيّرت طبيعة البلاء: ما عادت المشكلة في الجهل، بل في ازدحام المعرفة حتى حجبت البصيرة، منصة واحدة، كيوتيوب، يُضاف إليها أكثر من ٥٠٠ ساعة من الفيديو في الدقيقة الواحدة، أي ما يتجاوز ٧٢٠٠٠٠ ساعة في اليوم، في مشهد رقميّ يُشبه الطوفان؛ لا يستطيع عقل أن يُدركه، ولا وقت أن يُلاحقه.
كل لحظة تُمنح لك هي رأس مال أخرويّ، وأنت في كل "مشاهدة" تختار: إما أن تكون سلعةً تستهلك، أو عبدًا ينتقي، فقه الاستهلاك اليوم أصبح فقهًا تعبّديًا، والانتقاء من بين آلاف الأصوات بات سلوكًا إيمانيًا ناضجًا، والوحي علّمنا أن نزن الأمور بميزان الهداية لا الإثارة، وأن نقيس الأمور بنتائجها على قلوبنا، لا بانفعالات لحظية، فالزمن لا يعرف التكرار،والمنصات لا تعرف التوقّف.
وفي هذا الطوفان الرقمي، لا يُنجي العبد أن يُبحر دون وعي، ولا أن يُسلم نفسه لموج الخوارزميات، بل أن يعود إلى فقه الانتخاب الذي ربّى عليه الوحي: {فبشّر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه}، والواجب اليوم أعظم من مجرّد الإعراض عن الحرام، بل صار لزامًا حُسن الانتخاب حتى في المباحات، وتوجيه الساعات نحو ما يزكّي النفس، ويحيي القلب، ويورث العلم النافع، ويقوّي الهمة.
••
•| الطوفان الرقمي |•
هل تستطيع أن تسبح في بحر يُضاف إليه ٥٠٠ موجة في الدقيقة؟
هل يمكنك أن تسير في مدينة تتّسع كل دقيقة لألف طريق جديد، فتفتح في اليوم الواحد ٧٢٠٠٠٠ درب لم تُكتب لها خرائط، ولم تُرسم لها نهايات، ثم يُطلب منك ألا تتيه؟
لقد تغيّرت طبيعة البلاء: ما عادت المشكلة في الجهل، بل في ازدحام المعرفة حتى حجبت البصيرة، منصة واحدة، كيوتيوب، يُضاف إليها أكثر من ٥٠٠ ساعة من الفيديو في الدقيقة الواحدة، أي ما يتجاوز ٧٢٠٠٠٠ ساعة في اليوم، في مشهد رقميّ يُشبه الطوفان؛ لا يستطيع عقل أن يُدركه، ولا وقت أن يُلاحقه.
كل لحظة تُمنح لك هي رأس مال أخرويّ، وأنت في كل "مشاهدة" تختار: إما أن تكون سلعةً تستهلك، أو عبدًا ينتقي، فقه الاستهلاك اليوم أصبح فقهًا تعبّديًا، والانتقاء من بين آلاف الأصوات بات سلوكًا إيمانيًا ناضجًا، والوحي علّمنا أن نزن الأمور بميزان الهداية لا الإثارة، وأن نقيس الأمور بنتائجها على قلوبنا، لا بانفعالات لحظية، فالزمن لا يعرف التكرار،والمنصات لا تعرف التوقّف.
وفي هذا الطوفان الرقمي، لا يُنجي العبد أن يُبحر دون وعي، ولا أن يُسلم نفسه لموج الخوارزميات، بل أن يعود إلى فقه الانتخاب الذي ربّى عليه الوحي: {فبشّر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه}، والواجب اليوم أعظم من مجرّد الإعراض عن الحرام، بل صار لزامًا حُسن الانتخاب حتى في المباحات، وتوجيه الساعات نحو ما يزكّي النفس، ويحيي القلب، ويورث العلم النافع، ويقوّي الهمة.
••
••
الهداية لا تأتي على هيئة انقلاب، بل تبدأ حين تُراجع نيتك، أو تُجاهد نفسك في صلاة، أو تغلق باب معصية دون أن يراك أحد، هي خطوات صغيرة في ظاهرها، لكنها متى صادفت إخلاصًا صادقًا، تولّى الله تزكيتها، وربّاها بنوره، حتى تتنامى في وعي العبد وتتحوّل إلى طريق مستقيم يُبصر فيه الحق، ويستقيم فيه القلب، وتنتظم فيه الحياة على جادة الآخرة، ومن علامات الهداية أن تصبح الحساسية تجاه المعصية أرقّ، والحرص على الوقت أشد، والحنين إلى القرآن أكثر وضوحًا.
••
الهداية لا تأتي على هيئة انقلاب، بل تبدأ حين تُراجع نيتك، أو تُجاهد نفسك في صلاة، أو تغلق باب معصية دون أن يراك أحد، هي خطوات صغيرة في ظاهرها، لكنها متى صادفت إخلاصًا صادقًا، تولّى الله تزكيتها، وربّاها بنوره، حتى تتنامى في وعي العبد وتتحوّل إلى طريق مستقيم يُبصر فيه الحق، ويستقيم فيه القلب، وتنتظم فيه الحياة على جادة الآخرة، ومن علامات الهداية أن تصبح الحساسية تجاه المعصية أرقّ، والحرص على الوقت أشد، والحنين إلى القرآن أكثر وضوحًا.
••
Forwarded from عبدالله الغامدي | (قناة)
أقسام الناس في حسن التعبير والبيان، وفائدة معرفة هذه القسمة 👆🏻.
••
أُقسمُ باللهِ الذي يُبدّلُ القلوب ويُقيلُ العثرات، ما استقامت نفسٌ بعد اعوجاج، ولا طابت روحٌ بعد وهن، إلا حين آنست بالقرآن أنسَ من وجد فيه ملاذه الأخير.
وإذا طال المكوث في حمى القرآن، نشأت في النفس مهابةٌ لا تُفسَّر، كأنها تخجل أن تُقابل ربّها بذنبٍ وهي تحفظ كلامه، ينزع الشهوة من موضعها دون صدام، ويُطفئ جذوة الذنب دون ضجيج، حتى تكتشف أنك تغيّرت دون أن تخوض حربًا.
وإن أثقلتك المعصية، فلا تُجاهدها وحدك؛ بل انزل ضيفًا على كلام الله، وستُؤخذ بلطف إلى حيث كنت تظن أنك لا تصل، القرآن ياصاحبي وحده يُعلّمك أن تحبّ الطهارة، حتى من أضعف الذنوب.
••
أُقسمُ باللهِ الذي يُبدّلُ القلوب ويُقيلُ العثرات، ما استقامت نفسٌ بعد اعوجاج، ولا طابت روحٌ بعد وهن، إلا حين آنست بالقرآن أنسَ من وجد فيه ملاذه الأخير.
وإذا طال المكوث في حمى القرآن، نشأت في النفس مهابةٌ لا تُفسَّر، كأنها تخجل أن تُقابل ربّها بذنبٍ وهي تحفظ كلامه، ينزع الشهوة من موضعها دون صدام، ويُطفئ جذوة الذنب دون ضجيج، حتى تكتشف أنك تغيّرت دون أن تخوض حربًا.
وإن أثقلتك المعصية، فلا تُجاهدها وحدك؛ بل انزل ضيفًا على كلام الله، وستُؤخذ بلطف إلى حيث كنت تظن أنك لا تصل، القرآن ياصاحبي وحده يُعلّمك أن تحبّ الطهارة، حتى من أضعف الذنوب.
••
••
#كتاب_الأسبوع
🖊️ مصطفى حجازي
📄 ٢٥٧ صفحة
هذا الكتاب ليس بحثًا في التخلف بصفته الاجتماعية، بل رحلة في تشكّل الإنسان حين يُربّى في بيئة مشروخة، وتُعاد صياغة روحه على مقاسات العجز والتردد، وبين صفحاته، لا تطاردك الشعارات ولا تُحاصرك الأحداث، بل تُفتح أمامك طبقات النفس حين تفقد صلتها بذاتها، وتتعوّد الانكماش على إمكانياتها، حتى يغدو الانطفاء سلوكًا داخليًا أكثر منه ظرفًا خارجيًا.
ينقّب مصطفى حجازي في زوايا خفيّة من كيان الفرد، حيث تتراكم المشاعر المكبوتة وتتشكّل صورة الذات على نحوٍ مأزوم، يخلط بين الضعف والتواضع، وبين التسليم والرضا، وبين الاتكال واليقين. هذا الكتابٌ يعرّي البنية النفسية للعجز، لا ليُدينها، بل ليفهم كيف تنشأ، وكيف تُمسي جزءًا من نظام الحياة اليومي، تُبرّر وتُعاد وتُورّث دون وعي.
الصفحات لا ترفع أصبع الاتهام، بل تُشير إلى مواضع الطفولة المؤجلة، والجُرح الذي لم يُسمّ باسمه، كل فكرة فيه تفتح نافذة على المألوف، لتبيّن أنه ليس بريئًا كما يبدو.
••
#كتاب_الأسبوع
🖊️ مصطفى حجازي
📄 ٢٥٧ صفحة
هذا الكتاب ليس بحثًا في التخلف بصفته الاجتماعية، بل رحلة في تشكّل الإنسان حين يُربّى في بيئة مشروخة، وتُعاد صياغة روحه على مقاسات العجز والتردد، وبين صفحاته، لا تطاردك الشعارات ولا تُحاصرك الأحداث، بل تُفتح أمامك طبقات النفس حين تفقد صلتها بذاتها، وتتعوّد الانكماش على إمكانياتها، حتى يغدو الانطفاء سلوكًا داخليًا أكثر منه ظرفًا خارجيًا.
ينقّب مصطفى حجازي في زوايا خفيّة من كيان الفرد، حيث تتراكم المشاعر المكبوتة وتتشكّل صورة الذات على نحوٍ مأزوم، يخلط بين الضعف والتواضع، وبين التسليم والرضا، وبين الاتكال واليقين. هذا الكتابٌ يعرّي البنية النفسية للعجز، لا ليُدينها، بل ليفهم كيف تنشأ، وكيف تُمسي جزءًا من نظام الحياة اليومي، تُبرّر وتُعاد وتُورّث دون وعي.
الصفحات لا ترفع أصبع الاتهام، بل تُشير إلى مواضع الطفولة المؤجلة، والجُرح الذي لم يُسمّ باسمه، كل فكرة فيه تفتح نافذة على المألوف، لتبيّن أنه ليس بريئًا كما يبدو.
••