••
كلما خطر ببالك ميّت، تذكّر أنك في الحقيقة تقرأ صفحة من مستقبلك، يذكّرك طيفه أنك لا تزال في فسحة العمل، وأن في صدرك أنفاسًا لم ينتهِ رصيدها بعد، كان مثلك يومًا، يخطط، ويأمل، ويؤجّل الإصلاح، حتى باغته الموت قبل أن تنعقد عزيمته على التدارك، وبقي دعاؤك جسرًا من الرحمة يصله بك، فيُخفِّفُ عنه ما بعد الموت، ويُخفِّفُ عنك ما تبقّى من الحياة.
••
كلما خطر ببالك ميّت، تذكّر أنك في الحقيقة تقرأ صفحة من مستقبلك، يذكّرك طيفه أنك لا تزال في فسحة العمل، وأن في صدرك أنفاسًا لم ينتهِ رصيدها بعد، كان مثلك يومًا، يخطط، ويأمل، ويؤجّل الإصلاح، حتى باغته الموت قبل أن تنعقد عزيمته على التدارك، وبقي دعاؤك جسرًا من الرحمة يصله بك، فيُخفِّفُ عنه ما بعد الموت، ويُخفِّفُ عنك ما تبقّى من الحياة.
••
••
#نشرة_تواق_البريدية
العدد الثامن
•| الإنسان المذهول |•
عن الكائن الذي رأى كل شيء، وفَقَد كل شيء.
_____________
ضع بريدك هنا
••
#نشرة_تواق_البريدية
العدد الثامن
•| الإنسان المذهول |•
عن الكائن الذي رأى كل شيء، وفَقَد كل شيء.
_____________
ضع بريدك هنا
••
••
أصدقُ ما يُترجم عن المروءة، فعلٌ لا يسبقه إعلان، ولا يتبعه امتنّ، فإن الكريم لا يُفصح عن نخوته، بل يُسربها في دقائق سلوكه، كما يُخفي السحابُ ماءه حتى يُمطر، وما رفعت المروءةُ صاحبَها إلا لأنه حملها في قلبه قبل أن يحملها على كتفه.
••
أصدقُ ما يُترجم عن المروءة، فعلٌ لا يسبقه إعلان، ولا يتبعه امتنّ، فإن الكريم لا يُفصح عن نخوته، بل يُسربها في دقائق سلوكه، كما يُخفي السحابُ ماءه حتى يُمطر، وما رفعت المروءةُ صاحبَها إلا لأنه حملها في قلبه قبل أن يحملها على كتفه.
••
••
•| نقطة الاتزان الكبرى |•
أحياناً يُعرض عليّ صاحبُ همٍّ أو سائلُ مشورة، يتكلم طويلًا عن الحيرة والضياع وكثرة الطرق، وأول ما يَسبق لساني إليه: كيف حالك مع القرآن؟
لا على وجه التذكير المجرد، بل لأنّي جرّبتُ — مرارًا — ذلك الفارق الخفي بين القرار الذي يُتّخذ في حضرة القرآن، والقرار الذي يُصاغ في غيابه.
ذلك أن القلب إذا تنكّب عن القرآن، اتجهت به الحياة إلى مسارات مضطربة، واستحالت القرارات اليومية إلى اجتهادات بلا وحي، في العمل، في الأسرة، في العلم، في العلاقات… كل قرار يخرج من ذهنٍ بلا وردٍ قرآني، يُثقله الغبش ويأخذه التردد، ويزيده ضعف التوفيق.
القرآن لا يعطيك فِكرة، بل يُعيد ترتيب وعيك، لا يُدلّك على الجواب فحسب، بل يُقيم في القلب مقام السلطان: يُهندس الأولويات، ويضع على طاولة قلبك ما يغيب عنك حين تصخب الحياة.
والإنسان كلما ابتعد عن القرآن، دخل طورًا نفسيًا هشًّا، تُغريه العجلة، ويستعذبه الظن، ويستهويه السقف الواطئ للقرارات السريعة، حتى وإن لبست لباس العقل.
وحين يقترب من القرآن، يعود إلى حال “القيومية”، حيث القرار لا يُصنع من ضجيج الخارج، بل من صفاء الداخل، من النور الذي في الوحي، من الميزان الذي لا يميل، من “هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم”، فكل ما عداه مائل، وإن بدا مستقيمًا.
القرب من القرآن ليس مكاثرة تعبدية، بل هو إجراء وقائي لحراسة القرار، وتحقيق الصواب، وضبط الوجهة، وكل خطوة بعيدةً عنه، ليست حيادًا، بل انزلاقٌ عن جادةٍ أقوم.
••
•| نقطة الاتزان الكبرى |•
أحياناً يُعرض عليّ صاحبُ همٍّ أو سائلُ مشورة، يتكلم طويلًا عن الحيرة والضياع وكثرة الطرق، وأول ما يَسبق لساني إليه: كيف حالك مع القرآن؟
لا على وجه التذكير المجرد، بل لأنّي جرّبتُ — مرارًا — ذلك الفارق الخفي بين القرار الذي يُتّخذ في حضرة القرآن، والقرار الذي يُصاغ في غيابه.
ذلك أن القلب إذا تنكّب عن القرآن، اتجهت به الحياة إلى مسارات مضطربة، واستحالت القرارات اليومية إلى اجتهادات بلا وحي، في العمل، في الأسرة، في العلم، في العلاقات… كل قرار يخرج من ذهنٍ بلا وردٍ قرآني، يُثقله الغبش ويأخذه التردد، ويزيده ضعف التوفيق.
القرآن لا يعطيك فِكرة، بل يُعيد ترتيب وعيك، لا يُدلّك على الجواب فحسب، بل يُقيم في القلب مقام السلطان: يُهندس الأولويات، ويضع على طاولة قلبك ما يغيب عنك حين تصخب الحياة.
والإنسان كلما ابتعد عن القرآن، دخل طورًا نفسيًا هشًّا، تُغريه العجلة، ويستعذبه الظن، ويستهويه السقف الواطئ للقرارات السريعة، حتى وإن لبست لباس العقل.
وحين يقترب من القرآن، يعود إلى حال “القيومية”، حيث القرار لا يُصنع من ضجيج الخارج، بل من صفاء الداخل، من النور الذي في الوحي، من الميزان الذي لا يميل، من “هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم”، فكل ما عداه مائل، وإن بدا مستقيمًا.
القرب من القرآن ليس مكاثرة تعبدية، بل هو إجراء وقائي لحراسة القرار، وتحقيق الصواب، وضبط الوجهة، وكل خطوة بعيدةً عنه، ليست حيادًا، بل انزلاقٌ عن جادةٍ أقوم.
••
••
دائمًا أسأل عملائي المرضى أولًا عن النوم. هل يستيقظون في الصباح تقريبًا في الوقت الذي يستيقظ فيه الشخص العادي، وفي نفس الوقت كل يوم؟ إذا كانت الإجابة بلا، فإن إصلاح هذا الأمر هو أول شيء أوصي به. لا يهم كثيرًا ما إذا كانوا يأوون إلى الفراش في الوقت نفسه كل مساء أم لا، لكن الاستيقاظ في وقت ثابت أمر ضروري. لا يمكن علاج القلق والاكتئاب بسهولة إذا كان للمريض روتين يومي لا يمكن التنبؤ به. ترتبط الأجهزة التي تسبب المشاعر السلبية ارتباطًا وثيقًا بالإيقاعات اليومية الدورية المناسبة.
(المعالج النفسي: جوردن بيترسون)
••
دائمًا أسأل عملائي المرضى أولًا عن النوم. هل يستيقظون في الصباح تقريبًا في الوقت الذي يستيقظ فيه الشخص العادي، وفي نفس الوقت كل يوم؟ إذا كانت الإجابة بلا، فإن إصلاح هذا الأمر هو أول شيء أوصي به. لا يهم كثيرًا ما إذا كانوا يأوون إلى الفراش في الوقت نفسه كل مساء أم لا، لكن الاستيقاظ في وقت ثابت أمر ضروري. لا يمكن علاج القلق والاكتئاب بسهولة إذا كان للمريض روتين يومي لا يمكن التنبؤ به. ترتبط الأجهزة التي تسبب المشاعر السلبية ارتباطًا وثيقًا بالإيقاعات اليومية الدورية المناسبة.
(المعالج النفسي: جوردن بيترسون)
••
••
•| غواية التشخيص |•
في هذا الطوفان المتلاطم من الأخبار المتسارعة، والتعليقات الفورية، والانطباعات التي تتقافز من منصةٍ إلى أخرى، يبرز خللٌ خفي في بنية الوعي المسلم: تناسي تدبير الله، والانجرار إلى مناخ التحليلات الانفعالية التي تُنبت القلق وتُجهد القلب قبل أن تُثمر بصيرة، وفي هذا الازدحام الإدراكي، تتسلل إلى الروح أمراض الخفة: خفة الانفعال، وخفة الرأي، وخفة الموقف، حتى يُخيّل للمرء أن التأنّي بلادة، وأن الصمت بطء، وأن الوقوف على عتبة الانتظار تراجع.
لكن القرآن، وهو النصّ المؤسّس لوعي المؤمن، يُعلّمنا أن التدبير لا يُقرأ من ظاهر الحدث، بل من عمقه القدَري.﴿ وكان أمر الله قدرًا مقدورًا ﴾ فتربية القرآن ليست فقط على تأصيل المواقف، بل على هندسة التلقّي ذاته، وهذه الآية هي قاعدة في إدارة التوتر الجمعي، وترسيخ الإيمان العميق بأن الحوادث الأرضية مهما عَلت، لا تخرق سقف التدبير الإلهي.
التحليل السياسي من حيث هو، أداة معرفية محمودة، لكنه حين يُفتقد ميزان الضبط، ويتحوّل إلى انفعال يومي، واهتزاز عاطفي، وتخندق مسبق؛ فإنه لا يوصلك إلى الحق، بل يُربك عليك البصيرة، ولهذا، لا يدهشنا أن يقول الدكتور دريو ويستن – أستاذ علم النفس السياسي في كتابه- العقل السياسي: دور العاطفة في تقرير مصير الأمة" "في السياسة، عندما يصطدم العقل والعاطفة، تفوز العاطفة حتماً"
وهنا تأتي اللحظة المفصلية التي يتمايز فيها “الواعي” عن “المُترقّب”، و”المستبصر” عن “المُستهلِك” الواعي يزن الأحداث بميزان السنن الربانية، يُدخل المعلومة من باب المصدر الموثوق، ويُبقي قلبه معلقًا بربّ الأسباب، لا بشاشة التحليل. والمُستهلك، يُفتنه الموج، ويغرق في قراءة الوقائع بلا فقه الغايات، ولا استحضار لعظمة المدبّر.
ومن دقائق الموازنة أن تعلم أن الإيمان بالتدبير الإلهي لا يلغي فقه التحليل، لكنه يُهذّبه، ويجعل من “نظافة المصدر” شرطًا، ومن “بطء الانفعال” فضيلة، ومن “السكينة المعرفية”مطلبًا. ومن آيات الله التي تُرسي الطمأنينة في قلب من يخشى التخبّط: ﴿ والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ﴾
فهو الغالب،ولو كثر الطنين.
وهو المدبّر، ولو تضخّم التفسير.
وهو العالم، وإن جهل المحلّلون.
وفي زمن الملاحقة اللاهثة للأخبار، حيث تتسابق التحليلات، وتتقافز التعليقات، ويُستنفر العقل في كل ساعة لحدث جديد؛ فإن حراسة القلب من التسرع، والعقل من التلقف، واللسان من التبني العجول، غدت من فروض الوقت. ولذا، فالمؤمن الموفَّق هو من يحفظ لقلبه اعتداله، ويغلق نوافذ التلقّي العشوائي، ويتعاهد صفاء وعيه بتصفية المدخلات، ويتعامل مع كل مشهد سياسي بعينين اثنتين: عين تبحث عن الحقيقة، وعين ترقب تدبير الله وتثق بوعده.
ثم هذه بعض منازل النجاة من غواية التشخيص:
١-طهارة المعلومة قبل طهارة الانفعال
لا يليق بعقل المؤمن أن يُدخل في قلبه كل ما يُقال، فالمعلومة شأنها شأن الطعام: لا تُؤكل إلا من يدٍ مأمونة.
٢-فسحة الصمت التأملي
السكون عبادة معرفية، لا تسارع في إبداء الرأي، فبعض السكوت بُعد نظر، وبعض التريث صيانة للبصيرة.
٣-اجتناب صخب المتحمسين
اصطفِ رفقة تتسم بالاتزان، يربطون الحدث بالسنن، لا بالعاطفة، ويزنون الموقف بمقاييس التوحيد لا حرارة اللحظة.
٤- الدعاء بالبصيرة
اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه… فإن زوّاد الطريق في زمن الفتن: يقينٌ وبصيرة.
٥-الحدث خطاب قدَري
لا تتعامل مع الوقائع كأرقام، بل كمرايا ربانية تُعيد ترتيب الوعي، وتستفزّ فيك سؤال التوحيد.
وهنا يكمن الإيمان العميق: أن تجعل ثقتك الأولى في الله، لا في التحليلات، وأن تُدرك أن ما وراء الستار قدرٌ لا يُدركه التقدير البشري، لكن يُطمئن عليه يقين قوله: ﴿ إن ربي لطيف لما يشاء ﴾. فالزم باب الله، وخفّف من زحام المعلومة، وتذكّر دائمًا أن الطمأنينة لا تصنعها الكثرة، بل تصوغها سلامة المدخلات، ونقاء الإيمان، ومراعاة المقام الرباني فوق الحدث الأرضي.
••
•| غواية التشخيص |•
في هذا الطوفان المتلاطم من الأخبار المتسارعة، والتعليقات الفورية، والانطباعات التي تتقافز من منصةٍ إلى أخرى، يبرز خللٌ خفي في بنية الوعي المسلم: تناسي تدبير الله، والانجرار إلى مناخ التحليلات الانفعالية التي تُنبت القلق وتُجهد القلب قبل أن تُثمر بصيرة، وفي هذا الازدحام الإدراكي، تتسلل إلى الروح أمراض الخفة: خفة الانفعال، وخفة الرأي، وخفة الموقف، حتى يُخيّل للمرء أن التأنّي بلادة، وأن الصمت بطء، وأن الوقوف على عتبة الانتظار تراجع.
لكن القرآن، وهو النصّ المؤسّس لوعي المؤمن، يُعلّمنا أن التدبير لا يُقرأ من ظاهر الحدث، بل من عمقه القدَري.﴿ وكان أمر الله قدرًا مقدورًا ﴾ فتربية القرآن ليست فقط على تأصيل المواقف، بل على هندسة التلقّي ذاته، وهذه الآية هي قاعدة في إدارة التوتر الجمعي، وترسيخ الإيمان العميق بأن الحوادث الأرضية مهما عَلت، لا تخرق سقف التدبير الإلهي.
التحليل السياسي من حيث هو، أداة معرفية محمودة، لكنه حين يُفتقد ميزان الضبط، ويتحوّل إلى انفعال يومي، واهتزاز عاطفي، وتخندق مسبق؛ فإنه لا يوصلك إلى الحق، بل يُربك عليك البصيرة، ولهذا، لا يدهشنا أن يقول الدكتور دريو ويستن – أستاذ علم النفس السياسي في كتابه- العقل السياسي: دور العاطفة في تقرير مصير الأمة" "في السياسة، عندما يصطدم العقل والعاطفة، تفوز العاطفة حتماً"
وهنا تأتي اللحظة المفصلية التي يتمايز فيها “الواعي” عن “المُترقّب”، و”المستبصر” عن “المُستهلِك” الواعي يزن الأحداث بميزان السنن الربانية، يُدخل المعلومة من باب المصدر الموثوق، ويُبقي قلبه معلقًا بربّ الأسباب، لا بشاشة التحليل. والمُستهلك، يُفتنه الموج، ويغرق في قراءة الوقائع بلا فقه الغايات، ولا استحضار لعظمة المدبّر.
ومن دقائق الموازنة أن تعلم أن الإيمان بالتدبير الإلهي لا يلغي فقه التحليل، لكنه يُهذّبه، ويجعل من “نظافة المصدر” شرطًا، ومن “بطء الانفعال” فضيلة، ومن “السكينة المعرفية”مطلبًا. ومن آيات الله التي تُرسي الطمأنينة في قلب من يخشى التخبّط: ﴿ والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ﴾
فهو الغالب،ولو كثر الطنين.
وهو المدبّر، ولو تضخّم التفسير.
وهو العالم، وإن جهل المحلّلون.
وفي زمن الملاحقة اللاهثة للأخبار، حيث تتسابق التحليلات، وتتقافز التعليقات، ويُستنفر العقل في كل ساعة لحدث جديد؛ فإن حراسة القلب من التسرع، والعقل من التلقف، واللسان من التبني العجول، غدت من فروض الوقت. ولذا، فالمؤمن الموفَّق هو من يحفظ لقلبه اعتداله، ويغلق نوافذ التلقّي العشوائي، ويتعاهد صفاء وعيه بتصفية المدخلات، ويتعامل مع كل مشهد سياسي بعينين اثنتين: عين تبحث عن الحقيقة، وعين ترقب تدبير الله وتثق بوعده.
ثم هذه بعض منازل النجاة من غواية التشخيص:
١-طهارة المعلومة قبل طهارة الانفعال
لا يليق بعقل المؤمن أن يُدخل في قلبه كل ما يُقال، فالمعلومة شأنها شأن الطعام: لا تُؤكل إلا من يدٍ مأمونة.
٢-فسحة الصمت التأملي
السكون عبادة معرفية، لا تسارع في إبداء الرأي، فبعض السكوت بُعد نظر، وبعض التريث صيانة للبصيرة.
٣-اجتناب صخب المتحمسين
اصطفِ رفقة تتسم بالاتزان، يربطون الحدث بالسنن، لا بالعاطفة، ويزنون الموقف بمقاييس التوحيد لا حرارة اللحظة.
٤- الدعاء بالبصيرة
اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه… فإن زوّاد الطريق في زمن الفتن: يقينٌ وبصيرة.
٥-الحدث خطاب قدَري
لا تتعامل مع الوقائع كأرقام، بل كمرايا ربانية تُعيد ترتيب الوعي، وتستفزّ فيك سؤال التوحيد.
وهنا يكمن الإيمان العميق: أن تجعل ثقتك الأولى في الله، لا في التحليلات، وأن تُدرك أن ما وراء الستار قدرٌ لا يُدركه التقدير البشري، لكن يُطمئن عليه يقين قوله: ﴿ إن ربي لطيف لما يشاء ﴾. فالزم باب الله، وخفّف من زحام المعلومة، وتذكّر دائمًا أن الطمأنينة لا تصنعها الكثرة، بل تصوغها سلامة المدخلات، ونقاء الإيمان، ومراعاة المقام الرباني فوق الحدث الأرضي.
••
••
في كتابه الاستثنائية الإسرائيلية، يقتحم محمد شهيد عَلَم منطقةً ظلّ العقل العربي طويلاً يطوف حولها دون أن يلجها: كيف نجحت الصهيونية في إنشاء كيانها وسط سياقات دولية عجزت فيها حركات مشابهة عن تحقيق أهدافها؟ فلا يكتفي بتتبع الوقائع، بل ينفذ إلى عمق السؤال، ويقلب الروايات المعلّبة، ثم يُنزل مشرط النقد على تفسيرين سائدين:
• الأول: التفسير المؤامراتي، الذي يجعل من المشروع الصهيوني شبحًا غامضًا لا يُفسَّر إلا بالخفاء المريب.
• والثاني: التفسير الحتمي الجيني، القائم على تمجيد ذاتي للصهيونية وتبخيس كامل للذات العربية.
وبعد أن يُسقط المؤلف هذين البناءين، يمضي ليُعرّي خرافة الاستثنائية الصهيونية التي تُلبِس المشروع ثوبًا دينيًا وتاريخيًا لا يقبل النقد، وتمنحه حصانة نفسية من المحاكمة الأخلاقية.
لكن المدهش أن الكتاب لا يكتفي بما يقول الصهاينة عن أنفسهم، بل يستعرض – في مراجعة دقيقة للأستاذ عبدالله الوهيبي – وجها آخر للاستثناء: فإسرائيل هي الكيان الوحيد الذي بقي من عصور الاستعمار، الكيان الوحيد الذي تأسس على التطهير العرقي، والكيان الوحيد الذي لا يزال يرفض الاعتراف بحدود جغرافية محدده!
وأمام هذا التفكيك المنهجي، يعود القارئ إلى لبّ القضية: أن المشروع الصهيوني لم ينجح لأنه أذكى، بل لأنه أُحسن بناؤه ضمن سردية مصنوعة، وسياقات استُثمرت، وسكوتٍ عالميّ صُمِّم بعناية.
كتاب لا يضيف إلى رصيد الغضب، بل يضيف إلى رصيد الفهم، ولا يستنهض الحنجرة، بل يوقظ العقل.
📺 https://youtu.be/vQGg38gBC1w?si=xrqmtlLlJ5wDekO_
••
نسخة من الكتاب
https://www.tg-me.com/takween_ebooks/203
••
في كتابه الاستثنائية الإسرائيلية، يقتحم محمد شهيد عَلَم منطقةً ظلّ العقل العربي طويلاً يطوف حولها دون أن يلجها: كيف نجحت الصهيونية في إنشاء كيانها وسط سياقات دولية عجزت فيها حركات مشابهة عن تحقيق أهدافها؟ فلا يكتفي بتتبع الوقائع، بل ينفذ إلى عمق السؤال، ويقلب الروايات المعلّبة، ثم يُنزل مشرط النقد على تفسيرين سائدين:
• الأول: التفسير المؤامراتي، الذي يجعل من المشروع الصهيوني شبحًا غامضًا لا يُفسَّر إلا بالخفاء المريب.
• والثاني: التفسير الحتمي الجيني، القائم على تمجيد ذاتي للصهيونية وتبخيس كامل للذات العربية.
وبعد أن يُسقط المؤلف هذين البناءين، يمضي ليُعرّي خرافة الاستثنائية الصهيونية التي تُلبِس المشروع ثوبًا دينيًا وتاريخيًا لا يقبل النقد، وتمنحه حصانة نفسية من المحاكمة الأخلاقية.
لكن المدهش أن الكتاب لا يكتفي بما يقول الصهاينة عن أنفسهم، بل يستعرض – في مراجعة دقيقة للأستاذ عبدالله الوهيبي – وجها آخر للاستثناء: فإسرائيل هي الكيان الوحيد الذي بقي من عصور الاستعمار، الكيان الوحيد الذي تأسس على التطهير العرقي، والكيان الوحيد الذي لا يزال يرفض الاعتراف بحدود جغرافية محدده!
وأمام هذا التفكيك المنهجي، يعود القارئ إلى لبّ القضية: أن المشروع الصهيوني لم ينجح لأنه أذكى، بل لأنه أُحسن بناؤه ضمن سردية مصنوعة، وسياقات استُثمرت، وسكوتٍ عالميّ صُمِّم بعناية.
كتاب لا يضيف إلى رصيد الغضب، بل يضيف إلى رصيد الفهم، ولا يستنهض الحنجرة، بل يوقظ العقل.
📺 https://youtu.be/vQGg38gBC1w?si=xrqmtlLlJ5wDekO_
••
نسخة من الكتاب
https://www.tg-me.com/takween_ebooks/203
••
••
•| تآكل الأرض في الوحي |•
قال تعالى: ﴿أَوَلَم يَرَوا أَنّا نَأتِي الأَرضَ نَنقُصُها مِن أَطرافِها وَاللَّهُ يَحكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكمِهِ وَهُوَ سَريعُ الحِسابِ وَقَد مَكَرَ الَّذينَ مِن قَبلِهِم فَلِلَّهِ المَكرُ جَميعًا يَعلَمُ ما تَكسِبُ كُلُّ نَفسٍ وَسَيَعلَمُ الكُفّارُ لِمَن عُقبَى الدّارِ﴾ [الرعد: ٤١–٤٢]
في هذه الآية الجليلة، تتجلّى هندسة ربّانية دقيقة لسُنن التآكل والتمكين؛ حيث لا تأتي الهزائم بضربة واحدة، ولا تسقط الحضارات دفعةً واحدة، بل تبدأ الأطراف بالتفكك، شيئًا فشيئًا، في تآكل صامت لا يُرى في خرائط النشرات، بل يُدرك ببصيرة السنن.
وقال السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآيات: ثم قال متوعِّدًا للمكذبين: ﴿أو لم يروا أنا نأتي الأرضَ ننقُصُها من أطرافها﴾: قيل: بإهلاك المكذبين واستئصال الظالمين.وقيل: بفتح بلدان المشركين ونقصهم في أموالهم وأبدانهم، وقيل غير ذلك من الأقوال.
والظاهر ـ والله أعلم ـ أنَّ المراد بذلك أنَّ أراضي هؤلاء المكذِّبين جعل الله يفتحها ويجتاحها ويُحِلُّ القوارع بأطرافها تنبيهًا لهم قبل أن يجتاحهم النقص ويوقع الله بهم من القوارع ما لا يردُّه أحدٌ، ولهذا قال: ﴿والله يحكم لا مُعَقِّبَ لحكمِهِ﴾
ويدخل في هذا حكمه الشرعيُّ والقدريُّ والجزائيُّ؛ فهذه الأحكام التي يحكم الله فيها توجد في غاية الحكمة والإتقان، لا خلل فيها ولا نقص، بل هي مبنيَّة على القسط والعدل والحمد؛ فلا يتعقَّبها أحدٌ، ولا سبيل إلى القدح فيها؛ بخلاف حكم غيره؛ فإنَّه قد يوافق الصواب وقد لا يوافقه. ﴿وهو سريع الحساب﴾؛ أي: فلا يستعجلوا بالعذاب؛ فإنَّ كل ما هو آتٍ فهو قريبٌ.
••
•| تآكل الأرض في الوحي |•
قال تعالى: ﴿أَوَلَم يَرَوا أَنّا نَأتِي الأَرضَ نَنقُصُها مِن أَطرافِها وَاللَّهُ يَحكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكمِهِ وَهُوَ سَريعُ الحِسابِ وَقَد مَكَرَ الَّذينَ مِن قَبلِهِم فَلِلَّهِ المَكرُ جَميعًا يَعلَمُ ما تَكسِبُ كُلُّ نَفسٍ وَسَيَعلَمُ الكُفّارُ لِمَن عُقبَى الدّارِ﴾ [الرعد: ٤١–٤٢]
في هذه الآية الجليلة، تتجلّى هندسة ربّانية دقيقة لسُنن التآكل والتمكين؛ حيث لا تأتي الهزائم بضربة واحدة، ولا تسقط الحضارات دفعةً واحدة، بل تبدأ الأطراف بالتفكك، شيئًا فشيئًا، في تآكل صامت لا يُرى في خرائط النشرات، بل يُدرك ببصيرة السنن.
وقال السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآيات: ثم قال متوعِّدًا للمكذبين: ﴿أو لم يروا أنا نأتي الأرضَ ننقُصُها من أطرافها﴾: قيل: بإهلاك المكذبين واستئصال الظالمين.وقيل: بفتح بلدان المشركين ونقصهم في أموالهم وأبدانهم، وقيل غير ذلك من الأقوال.
والظاهر ـ والله أعلم ـ أنَّ المراد بذلك أنَّ أراضي هؤلاء المكذِّبين جعل الله يفتحها ويجتاحها ويُحِلُّ القوارع بأطرافها تنبيهًا لهم قبل أن يجتاحهم النقص ويوقع الله بهم من القوارع ما لا يردُّه أحدٌ، ولهذا قال: ﴿والله يحكم لا مُعَقِّبَ لحكمِهِ﴾
ويدخل في هذا حكمه الشرعيُّ والقدريُّ والجزائيُّ؛ فهذه الأحكام التي يحكم الله فيها توجد في غاية الحكمة والإتقان، لا خلل فيها ولا نقص، بل هي مبنيَّة على القسط والعدل والحمد؛ فلا يتعقَّبها أحدٌ، ولا سبيل إلى القدح فيها؛ بخلاف حكم غيره؛ فإنَّه قد يوافق الصواب وقد لا يوافقه. ﴿وهو سريع الحساب﴾؛ أي: فلا يستعجلوا بالعذاب؛ فإنَّ كل ما هو آتٍ فهو قريبٌ.
••
••
العلمنة لا تبدأ من البرلمان، بل من الفِكر، من اختلال زاوية النظر، من جعل “رضا الناس” معيارًا، و”المقبول اجتماعيًا” حاكمًا، و”حرية الفرد” بديلاً عن أوامر الله.
العلمنة لا تصرخ في وجه الدين، بل تُصافحه أولاً، ثم تُفرّغه من مضمونه، وتُبقيه غلافًا روحيًا لا يتدخّل في الاقتصاد ولا الأخلاق ولا الذوق العام، هي لا تطلب منك أن تكفر، بل أن “تؤمن بصمت”، أن تسجُد لله في محرابك، ثم تسجُد لقيم السوق في عملك، أن تُصلي بدموع، ثم تُبرر الباطل بلغة “الحرية”.
تُعيد تعريف كل شيء:
• العبادة؟ شأنٌ ذاتي لا علاقة له بسلوكك في السوق أو ساحتك الإعلامية.
• الحلال والحرام؟ منظومة قديمة قابلة للتحديث.
• الغيرة على الدين؟ تطرّف.
• الولاء والبراء؟ خطاب كراهية.
• الحياء؟ عقد نفسية.
• الحجاب؟ خيار جمالي.
• الدعوة؟ تُقدّم فقط إن لم تُزعج
وما نزل الوحي، وما بُعث الرسل، وما نُصبت الحُجج، لتكون العلاقة بين العبد وربّه علاقة وجدانية معزولة عن الواقع، بل نزل القرآن ليُعلّمك كيف تحيا، وكيف تُقيم سوقًا بإيمان، وكيف تُنكر المنكر، وتُسمّي الأشياء بأسمائها، وتمضي في طريقك ولو خالفك العالم.
••
العلمنة لا تبدأ من البرلمان، بل من الفِكر، من اختلال زاوية النظر، من جعل “رضا الناس” معيارًا، و”المقبول اجتماعيًا” حاكمًا، و”حرية الفرد” بديلاً عن أوامر الله.
العلمنة لا تصرخ في وجه الدين، بل تُصافحه أولاً، ثم تُفرّغه من مضمونه، وتُبقيه غلافًا روحيًا لا يتدخّل في الاقتصاد ولا الأخلاق ولا الذوق العام، هي لا تطلب منك أن تكفر، بل أن “تؤمن بصمت”، أن تسجُد لله في محرابك، ثم تسجُد لقيم السوق في عملك، أن تُصلي بدموع، ثم تُبرر الباطل بلغة “الحرية”.
تُعيد تعريف كل شيء:
• العبادة؟ شأنٌ ذاتي لا علاقة له بسلوكك في السوق أو ساحتك الإعلامية.
• الحلال والحرام؟ منظومة قديمة قابلة للتحديث.
• الغيرة على الدين؟ تطرّف.
• الولاء والبراء؟ خطاب كراهية.
• الحياء؟ عقد نفسية.
• الحجاب؟ خيار جمالي.
• الدعوة؟ تُقدّم فقط إن لم تُزعج
وما نزل الوحي، وما بُعث الرسل، وما نُصبت الحُجج، لتكون العلاقة بين العبد وربّه علاقة وجدانية معزولة عن الواقع، بل نزل القرآن ليُعلّمك كيف تحيا، وكيف تُقيم سوقًا بإيمان، وكيف تُنكر المنكر، وتُسمّي الأشياء بأسمائها، وتمضي في طريقك ولو خالفك العالم.
••
••
لماذا نطلب العلم في أوقات الفتن؟
لأن لحظة الفتنة لا تُجامل، ولا تؤخر حسابها، بل تكشف الإنسان على حقيقته، وتضعه في مواجهة مباشرة مع رصيده المعرفي وتكوينه الداخلي.
وهذه زمرة أسباب تجعل طلب العلم ضرورة في لحظة الاضطراب:
١-لأن العلم يُقيم الوعي على أرض صلبة، فيجعل الإنسان يرى الأشياء بأحجامها الحقيقية، لا كما تصوّرها الحشود أو تشوّهها العاطفة.
٢-لأنه يعصم القلب من الاندفاع والتسرّع، فيمنح الموقف اتزانًا، ويصوغ ردة الفعل بميزان من نور الشرع لا فوضى الشعارات.
٣-لأن العلم يُبصّر الإنسان بتاريخ السنن الإلهية، فيربطه بجذور الأحداث، ويكشف له طبيعة المراحل، فلا يُفجَع بالمفاجآت ولا يُستدرج بالسطور الأولى.
٤-لأنه يرسّخ المرجعية بالوحي في التفكير، فلا تُساق القضايا بمعايير السوق أو المزاج أو الغضب، بل تُوزن بميزان “قال الله وقال رسوله”.
٥-لأن العلم يمنح الإنسان مفاتيح التمييز بين الظاهر والجوهر، فيميّز بين الخطاب الناصح والمخطوف، وبين الحق الخافت والباطل الصاخب.
٦-لأنه يُربي في طالب العلم نزاهة الانتماء، فلا يتعصّب لحزب ولا ينحاز لفئة، بل يكون من جند الحق حيثما نزل.
٧-لأنه يثبّت الأقدام حين تُخلخلها الأحداث، فالراسخ في العلم هو الذي يبقى على الجادة، حين تزلّ الأفهام وتتزاحم التأويلات.
٨-لأن العلم يحرّر من أسر اللحظة، ويُعيد تشكيل الشعور وفق مقاصد الشريعة، لا على ردود الفعل العابرة.
٩-لأنه يُعلّمك الصبر على الطريق، فتبني مواقفك على رؤية بعيدة، لا على تقلبات الإعلام أو انفعالات المجالس.
١٠-العلم يُوجّه العاطفة نحو الحق: فهو لا يُطفئ حرارة الإيمان، بل يُهذّبها ويصوبها، حتى لا تتحول إلى غوغائية أو تعصّب.
١١-العلم يمنح شجاعة الفهم: فالفقيه لا يضطرب من المعركة الفكرية، لأنه يمتلك أدوات النظر، فيبصر العمق وسط السطحية، والمسار وسط الفوضى.
١٢-العلم يُعيد ترتيب الأولويات: فلا يضيع الجهد في معارك جانبية، بل يُوجّه طاقة الإنسان نحو ما يُرضي الله ويُصلح الخلل.
١٣-العلم يورث الطمأنينة: إذ يربط القلب بوحي الله، ويُزيل التردد، ويمنح النفس سكينة عند المفترقات الحادّة.
١٤-العلم يُمهّد للنهضة بعد الزلزلة: لأن من لم يتعلم وقت الاضطراب، لن يكون قادرًا على المساهمة في البناء وقت الاستقرار.
١٥- لأن العلم يرمّم الداخل حين يتصدّع الخارج: ففي زمن الانهيارات النفسية، يكون العلم الربّاني صمّام التماسك، يَشدّ الإنسان من داخله حين تنفلت أطرافه من حوله.
وهكذا يغدو العلم في الفتن روحًا تبعث في القلوب رشدها، وتستجمع شتات النفوس حين ترتجّ بها الأحوال وتشتدّ بها الأهوال، إذ هو الميزان الذي يزن الأمور بميزان الحق، والسراج الذي يُنير السبيل عند غشاوة الطرق، واليد التي تأخذ بالعقول من مدارج الوهم إلى ذرى اليقين.
••
لماذا نطلب العلم في أوقات الفتن؟
لأن لحظة الفتنة لا تُجامل، ولا تؤخر حسابها، بل تكشف الإنسان على حقيقته، وتضعه في مواجهة مباشرة مع رصيده المعرفي وتكوينه الداخلي.
وهذه زمرة أسباب تجعل طلب العلم ضرورة في لحظة الاضطراب:
١-لأن العلم يُقيم الوعي على أرض صلبة، فيجعل الإنسان يرى الأشياء بأحجامها الحقيقية، لا كما تصوّرها الحشود أو تشوّهها العاطفة.
٢-لأنه يعصم القلب من الاندفاع والتسرّع، فيمنح الموقف اتزانًا، ويصوغ ردة الفعل بميزان من نور الشرع لا فوضى الشعارات.
٣-لأن العلم يُبصّر الإنسان بتاريخ السنن الإلهية، فيربطه بجذور الأحداث، ويكشف له طبيعة المراحل، فلا يُفجَع بالمفاجآت ولا يُستدرج بالسطور الأولى.
٤-لأنه يرسّخ المرجعية بالوحي في التفكير، فلا تُساق القضايا بمعايير السوق أو المزاج أو الغضب، بل تُوزن بميزان “قال الله وقال رسوله”.
٥-لأن العلم يمنح الإنسان مفاتيح التمييز بين الظاهر والجوهر، فيميّز بين الخطاب الناصح والمخطوف، وبين الحق الخافت والباطل الصاخب.
٦-لأنه يُربي في طالب العلم نزاهة الانتماء، فلا يتعصّب لحزب ولا ينحاز لفئة، بل يكون من جند الحق حيثما نزل.
٧-لأنه يثبّت الأقدام حين تُخلخلها الأحداث، فالراسخ في العلم هو الذي يبقى على الجادة، حين تزلّ الأفهام وتتزاحم التأويلات.
٨-لأن العلم يحرّر من أسر اللحظة، ويُعيد تشكيل الشعور وفق مقاصد الشريعة، لا على ردود الفعل العابرة.
٩-لأنه يُعلّمك الصبر على الطريق، فتبني مواقفك على رؤية بعيدة، لا على تقلبات الإعلام أو انفعالات المجالس.
١٠-العلم يُوجّه العاطفة نحو الحق: فهو لا يُطفئ حرارة الإيمان، بل يُهذّبها ويصوبها، حتى لا تتحول إلى غوغائية أو تعصّب.
١١-العلم يمنح شجاعة الفهم: فالفقيه لا يضطرب من المعركة الفكرية، لأنه يمتلك أدوات النظر، فيبصر العمق وسط السطحية، والمسار وسط الفوضى.
١٢-العلم يُعيد ترتيب الأولويات: فلا يضيع الجهد في معارك جانبية، بل يُوجّه طاقة الإنسان نحو ما يُرضي الله ويُصلح الخلل.
١٣-العلم يورث الطمأنينة: إذ يربط القلب بوحي الله، ويُزيل التردد، ويمنح النفس سكينة عند المفترقات الحادّة.
١٤-العلم يُمهّد للنهضة بعد الزلزلة: لأن من لم يتعلم وقت الاضطراب، لن يكون قادرًا على المساهمة في البناء وقت الاستقرار.
١٥- لأن العلم يرمّم الداخل حين يتصدّع الخارج: ففي زمن الانهيارات النفسية، يكون العلم الربّاني صمّام التماسك، يَشدّ الإنسان من داخله حين تنفلت أطرافه من حوله.
وهكذا يغدو العلم في الفتن روحًا تبعث في القلوب رشدها، وتستجمع شتات النفوس حين ترتجّ بها الأحوال وتشتدّ بها الأهوال، إذ هو الميزان الذي يزن الأمور بميزان الحق، والسراج الذي يُنير السبيل عند غشاوة الطرق، واليد التي تأخذ بالعقول من مدارج الوهم إلى ذرى اليقين.
••
••
| التوكل دواء الاحتمال |
في خارطة الابتلاءات، ليس أشدّ على النفس من أن تُزاحمها الأسئلة المفتوحة دون جواب، وتُحيط بها الاحتمالات من كل جانب، دون أن تُبصر للحقيقة وجهاً واحداً تسكن إليه، فالحقيقة، وإن كانت موجعة، تُسدل على النفس ستار الحسم، وتُقيم فيها مقام التصرف: إما بالتسليم، أو بالدعاء، أو بإتخاذ خطوات جادة لبر الأمان. أما الاحتمال؛ فذاك العالَم الرمادي الذي يُعطّل القرار، ويُجمّد التوكل، ويستهلك طاقة النفس في الدوران حول فرضيات لا قرار لها.
ولذا كانت ليلة الشك أطول من ليالي اليقين، لأن الزمن في ظلّ الاحتمال لا يُقاس بالدقائق، بل يُقاس بمقدار القلق الذي يسكن القلب. فالاحتمال يُنهك لأن فيه تعليقًا للعبودية، فهو لا يُقيم الصبر على مقام الحقيقة، ولا يُثمر الطمأنينة التي تُولد من الحسم، بل يترك القلب مشرّدًا بين المجهول والمعلوم، وذلك هو أشدّ أنواع الغربة: أن لا تجد في قلبك قرارًا تمضي فيه، ولا يقينًا تركن إليه.
وقد علمنا القرآن أن الطمأنينة لا تُولد من وضوح النتيجة، بل من الثقة بمن بيده النتيجة. فإبراهيم عليه السلام لم يتردّد بين احتمال السلام والنار، بل نطق باسمٍ واحد في لحظة المصير:"حَسْبِيَ اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ. كما صحيح البخاري، وموسى عليه السلام لم يتوقف عند احتمالات الغرق، بل قال بثبات لا يعرف الظن: “كلا إن معي ربي سيهدين”.
هذه هي القاعدة الإيمانية التي تُبطل سحر الاحتمال وتكسر شوكته: أن العبد لا ينجو بكثرة السيناريوهات، بل بواحدٍ منها: التوكل. ولا يطمئن بجمع الاحتمالات، بل بإسقاطها جميعًا بين يدي من لا يُخيّب من توكّل عليه، نحن لا نتعب من الأحداث، بل من تردّد القلب أمامها، ولا نحزن من المجهول، بل من غياب اليقين وقت مجيئه.
ولذلك فإن أوّل ما يجب على المؤمن في لحظة الاحتمال، ليس أن يطلب الجواب، بل أن يثبّت القلب على الثقة بالله قبل أن تتضح النتائج. فإن حصل ذلك، سقطت كل سيناريوهات الوجع، وصار الزمن ـ مهما طال ـ مطوّقًا بالسكينة، وصارت النتيجة ـ مهما اشتدّت ـ محمولةً على جناح الصبر الجميل.
فمن أراد النجاة من جحيم الاحتمال، فليبدّل سؤاله: من “ماذا سيحدث؟” إلى “من الذي بيده أن يُقدّر ما يشاء ويختار ما هو خير لي؟” وحينها فقط، يتفتّح في قلبه باب، كُتب عليه: “ومن يتوكل على الله فهو حسبه”.
••
| التوكل دواء الاحتمال |
في خارطة الابتلاءات، ليس أشدّ على النفس من أن تُزاحمها الأسئلة المفتوحة دون جواب، وتُحيط بها الاحتمالات من كل جانب، دون أن تُبصر للحقيقة وجهاً واحداً تسكن إليه، فالحقيقة، وإن كانت موجعة، تُسدل على النفس ستار الحسم، وتُقيم فيها مقام التصرف: إما بالتسليم، أو بالدعاء، أو بإتخاذ خطوات جادة لبر الأمان. أما الاحتمال؛ فذاك العالَم الرمادي الذي يُعطّل القرار، ويُجمّد التوكل، ويستهلك طاقة النفس في الدوران حول فرضيات لا قرار لها.
ولذا كانت ليلة الشك أطول من ليالي اليقين، لأن الزمن في ظلّ الاحتمال لا يُقاس بالدقائق، بل يُقاس بمقدار القلق الذي يسكن القلب. فالاحتمال يُنهك لأن فيه تعليقًا للعبودية، فهو لا يُقيم الصبر على مقام الحقيقة، ولا يُثمر الطمأنينة التي تُولد من الحسم، بل يترك القلب مشرّدًا بين المجهول والمعلوم، وذلك هو أشدّ أنواع الغربة: أن لا تجد في قلبك قرارًا تمضي فيه، ولا يقينًا تركن إليه.
وقد علمنا القرآن أن الطمأنينة لا تُولد من وضوح النتيجة، بل من الثقة بمن بيده النتيجة. فإبراهيم عليه السلام لم يتردّد بين احتمال السلام والنار، بل نطق باسمٍ واحد في لحظة المصير:"حَسْبِيَ اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ. كما صحيح البخاري، وموسى عليه السلام لم يتوقف عند احتمالات الغرق، بل قال بثبات لا يعرف الظن: “كلا إن معي ربي سيهدين”.
هذه هي القاعدة الإيمانية التي تُبطل سحر الاحتمال وتكسر شوكته: أن العبد لا ينجو بكثرة السيناريوهات، بل بواحدٍ منها: التوكل. ولا يطمئن بجمع الاحتمالات، بل بإسقاطها جميعًا بين يدي من لا يُخيّب من توكّل عليه، نحن لا نتعب من الأحداث، بل من تردّد القلب أمامها، ولا نحزن من المجهول، بل من غياب اليقين وقت مجيئه.
ولذلك فإن أوّل ما يجب على المؤمن في لحظة الاحتمال، ليس أن يطلب الجواب، بل أن يثبّت القلب على الثقة بالله قبل أن تتضح النتائج. فإن حصل ذلك، سقطت كل سيناريوهات الوجع، وصار الزمن ـ مهما طال ـ مطوّقًا بالسكينة، وصارت النتيجة ـ مهما اشتدّت ـ محمولةً على جناح الصبر الجميل.
فمن أراد النجاة من جحيم الاحتمال، فليبدّل سؤاله: من “ماذا سيحدث؟” إلى “من الذي بيده أن يُقدّر ما يشاء ويختار ما هو خير لي؟” وحينها فقط، يتفتّح في قلبه باب، كُتب عليه: “ومن يتوكل على الله فهو حسبه”.
••
••
من يتأمل في خطاب الوحي، سيجد أنه لا يربّي المسلم على “الاطمئنان اللحظي”، بل على “التسليم الكلي”، ولذلك قال الله في سورة يونس في وصف أهل الإيمان بـ (الذين آمنوا وكانوا يتقون)، ثم جاءت بعدها: (لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة)، أي أن اليقين بالله، والرضا بتدبيره، لا ينتج فقط طمأنينة مستقبلية، بل يمنح الإنسان معنىً جديدًا للعيش في قلب اللحظة، حتى لو كانت اللحظة نفسها تُنذر بالفقد، أو بالتحوّل الجذري.
فالوعي الإيماني لا يُلغي المعاناة، لكنه يُعيد تأطيرها، لا يُطفئ الآهات، لكنه يضعها تحت سقف (وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم). ولا يمنع الأسئلة، لكنه يعصم النفس من السقوط في مستنقع الجزع.
••
من يتأمل في خطاب الوحي، سيجد أنه لا يربّي المسلم على “الاطمئنان اللحظي”، بل على “التسليم الكلي”، ولذلك قال الله في سورة يونس في وصف أهل الإيمان بـ (الذين آمنوا وكانوا يتقون)، ثم جاءت بعدها: (لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة)، أي أن اليقين بالله، والرضا بتدبيره، لا ينتج فقط طمأنينة مستقبلية، بل يمنح الإنسان معنىً جديدًا للعيش في قلب اللحظة، حتى لو كانت اللحظة نفسها تُنذر بالفقد، أو بالتحوّل الجذري.
فالوعي الإيماني لا يُلغي المعاناة، لكنه يُعيد تأطيرها، لا يُطفئ الآهات، لكنه يضعها تحت سقف (وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم). ولا يمنع الأسئلة، لكنه يعصم النفس من السقوط في مستنقع الجزع.
••
Forwarded from أثارَة
رِفاق أثارة الكِرام
نستهل هذه المبادرة بالقراءة في علمين من أشرف العلوم وأعظمها، التفسير والسيرة، نستقي منهما ما يُنير لنا الدرب، ويُضيء لنا ظلمة الحياة ووحشتها..
هذا جدول سيرنا بين أيديكم، فتح الله عليكم وتقبل منكم🍃🤍
نستهل هذه المبادرة بالقراءة في علمين من أشرف العلوم وأعظمها، التفسير والسيرة، نستقي منهما ما يُنير لنا الدرب، ويُضيء لنا ظلمة الحياة ووحشتها..
هذا جدول سيرنا بين أيديكم، فتح الله عليكم وتقبل منكم🍃🤍
••
المعصية تُحدِث صدعًا خفيًّا في جدار التوفيق، وتُربك انسياب النفس في مدارج الإقبال، فتفتر الهمّة، ويبهت الصفاء، وتتشوش زاوية النظر، والذنب يُشوّش جهاز التلقّي، ويعطّل سلك الاستمداد من موارد الهداية، فيبرد الإحساس عند مقامات البذل، ويخفت وهج السير في مضمار التعبّد. وصدق ابن القيم حينما قال في الجواب الكافي: أَنَّ الْمَعَاصِيَ تُفْسِدُ الْعَقْلَ، فَإِنَّ لِلْعَقْلِ نُورًا، وَالْمَعْصِيَةُ تُطْفِئُ نُورَ الْعَقْلِ وَلَا بُدَّ، وَإِذَا طُفِئَ نُورُهُ ضَعُفَ وَنَقَصَ.
والتوبة الصادقة تُطلق عملية تصحيح داخلية، يُعاد فيها ترتيب الأولويات، وتُجتثّ مواضع التلوّث، فالقلب يشتدّ نوره كلما غُمِس في ماء الاستغفار، وتُشحذ بصيرته كلما سجد في هدأة الليل، ومنازل الإقبال تُفتح لمن أقبل بكليّته، لا لمن بعثرته الغفلة، ولازمه العُذر المؤجل.
••
المعصية تُحدِث صدعًا خفيًّا في جدار التوفيق، وتُربك انسياب النفس في مدارج الإقبال، فتفتر الهمّة، ويبهت الصفاء، وتتشوش زاوية النظر، والذنب يُشوّش جهاز التلقّي، ويعطّل سلك الاستمداد من موارد الهداية، فيبرد الإحساس عند مقامات البذل، ويخفت وهج السير في مضمار التعبّد. وصدق ابن القيم حينما قال في الجواب الكافي: أَنَّ الْمَعَاصِيَ تُفْسِدُ الْعَقْلَ، فَإِنَّ لِلْعَقْلِ نُورًا، وَالْمَعْصِيَةُ تُطْفِئُ نُورَ الْعَقْلِ وَلَا بُدَّ، وَإِذَا طُفِئَ نُورُهُ ضَعُفَ وَنَقَصَ.
والتوبة الصادقة تُطلق عملية تصحيح داخلية، يُعاد فيها ترتيب الأولويات، وتُجتثّ مواضع التلوّث، فالقلب يشتدّ نوره كلما غُمِس في ماء الاستغفار، وتُشحذ بصيرته كلما سجد في هدأة الليل، ومنازل الإقبال تُفتح لمن أقبل بكليّته، لا لمن بعثرته الغفلة، ولازمه العُذر المؤجل.
••