[استغفر من طاعتك!]
تأمل رحمك الله، كيف شُرع الاستغفار بعد أجلّ الطاعات وأشرف القُربات: فالمصلّي إذا سلَّم استغفر، والحاج إذا فرغ من نسكه استغفر، بل حتى في الأسحار بعد قيام الليل قيل: {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}. وسرُّ ذلك أنّ العبد وإن أتى بما أُمر فعمله محفوف بآفات التقصير، محجوب بضعفه، لا يليق بجلال من تعبَّد له. فهو يعلم من نفسه أنّه ما وفّى حق الله، ولا قام بعظمته كما ينبغي، ويشهد أن توفيقه للعمل محضُ منّةٍ وفضلٍ من مولاه، ولولا أمره له وإعانته ما نهض له ولا أطاقه. فيكون الاستغفار جابرًا للنقص، ومكمّلًا للعمل، ومصحوبًا باعتراف العبد بذنبه وعجزه، وشاهدًا بأن الفضل كلَّه لله لا له.
فما أبرّ العبودية حين تختلط بطَرفَيها: ذُلّ التقصير، وشهود المِنّة.
  تأمل رحمك الله، كيف شُرع الاستغفار بعد أجلّ الطاعات وأشرف القُربات: فالمصلّي إذا سلَّم استغفر، والحاج إذا فرغ من نسكه استغفر، بل حتى في الأسحار بعد قيام الليل قيل: {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}. وسرُّ ذلك أنّ العبد وإن أتى بما أُمر فعمله محفوف بآفات التقصير، محجوب بضعفه، لا يليق بجلال من تعبَّد له. فهو يعلم من نفسه أنّه ما وفّى حق الله، ولا قام بعظمته كما ينبغي، ويشهد أن توفيقه للعمل محضُ منّةٍ وفضلٍ من مولاه، ولولا أمره له وإعانته ما نهض له ولا أطاقه. فيكون الاستغفار جابرًا للنقص، ومكمّلًا للعمل، ومصحوبًا باعتراف العبد بذنبه وعجزه، وشاهدًا بأن الفضل كلَّه لله لا له.
فما أبرّ العبودية حين تختلط بطَرفَيها: ذُلّ التقصير، وشهود المِنّة.
{نَسُوا اللَّهَ} فلا يذكرونه إلا قليلا، {فَنَسِيَهُمْ} من رحمته، فلا يوفقهم لخير.
  -السّعدي
https://youtube.com/playlist?list=PL2O3XP6MyfqUVZ0S7iUGh7VNVybhWdwbp&si=_4Q8ZJTrVRIJLJ7w
من باب الدلالة على الخير.. ها هنا مجالس نافعة، قد انتظمت فنونًا من العلم، وتنوّعت فيها الفوائد، يتصدّرها العلّامة المدقّق حمد بن عبدالرحمن السريح، يفتح الله بها من أبواب الفهم واللذة المعرفية ما يشرح الصدر ويقوّي العزيمة. ولم يمض منها إلا أربعة عشر مجلسًا، فالاستدراك ميسور لمن أحبّ أن يلتحق بركب الطلب، ويتابع الشيخ فيما يستقبل من الدروس.
  
  من باب الدلالة على الخير.. ها هنا مجالس نافعة، قد انتظمت فنونًا من العلم، وتنوّعت فيها الفوائد، يتصدّرها العلّامة المدقّق حمد بن عبدالرحمن السريح، يفتح الله بها من أبواب الفهم واللذة المعرفية ما يشرح الصدر ويقوّي العزيمة. ولم يمض منها إلا أربعة عشر مجلسًا، فالاستدراك ميسور لمن أحبّ أن يلتحق بركب الطلب، ويتابع الشيخ فيما يستقبل من الدروس.
YouTube
  
  التعليق على سنن الإمام أبي داود - لفضيلة الشيخ الدكتور حمد الصريح
  التعليق على سنن الإمام أبي داود - لفضيلة الشيخ الدكتور حمد الصريح في مسجد دار الفاروق بمينيسوتا كل الأربعاء بين المغرب والعشاء
  [مزلقٌ خطير]
اعلم -سلّمك الله- أنّ من أوكد الحقوق التي أوجبها الله على عباده: توقيرُ نبيّه صلى الله عليه وسلم، وتعظيم سنّته، وذلك بأن يُذكر كلامه في مهابةٍ وخشية، لا في استخفافٍ ولا تنقّص. وقد زلّت أقدامٌ في هذا الباب، فطعنوا في ما له أصلٌ صحيح في الشريعة، لمجرّد أنّ بعض الناس أساء توظيفه.
ومن أمثلة ذلك: أن يُسبَّ أصلُ طاعة ولاة الأمور، أو تُشنَّع القِوامة التي أثبتها الله في كتابه، أو يُعاب العرب جملةً مع أنّ الشرع عظّم جنسهم وخصّهم بالرسالة. فكلُّ هذا من سوء الأدب مع الشريعة، ومن قلة التوقير لحاملها صلى الله عليه وسلم، ومما قد يوجب خلود صاحب هذا المزلق في النار.
فليتّق الله أحدنا إذا تكلّم في دين الله، وليحرص على الجدّ واعتزال الهزل، وعلى سلامة لفظه مما يعود على الشرع بالقدح بطريق مباشر أو غير مباشر.
  اعلم -سلّمك الله- أنّ من أوكد الحقوق التي أوجبها الله على عباده: توقيرُ نبيّه صلى الله عليه وسلم، وتعظيم سنّته، وذلك بأن يُذكر كلامه في مهابةٍ وخشية، لا في استخفافٍ ولا تنقّص. وقد زلّت أقدامٌ في هذا الباب، فطعنوا في ما له أصلٌ صحيح في الشريعة، لمجرّد أنّ بعض الناس أساء توظيفه.
ومن أمثلة ذلك: أن يُسبَّ أصلُ طاعة ولاة الأمور، أو تُشنَّع القِوامة التي أثبتها الله في كتابه، أو يُعاب العرب جملةً مع أنّ الشرع عظّم جنسهم وخصّهم بالرسالة. فكلُّ هذا من سوء الأدب مع الشريعة، ومن قلة التوقير لحاملها صلى الله عليه وسلم، ومما قد يوجب خلود صاحب هذا المزلق في النار.
فليتّق الله أحدنا إذا تكلّم في دين الله، وليحرص على الجدّ واعتزال الهزل، وعلى سلامة لفظه مما يعود على الشرع بالقدح بطريق مباشر أو غير مباشر.
[من مداخل الشيطان على طالب العلم]
مِن خفيّ مداخل الشيطان على طالب العلم ما نبّه عليه شيخ الإسلام رحمه الله: أن يُخلِص المرءُ الطلب للعلم وثمراته من حيث لذّته وانكشاف معانيه، لا لله تعالى، فيصير العلم عنده مقصودًا لذاته، لا وسيلةً إلى رضوان ربّه. وهذا من أعظم ما يُنافي الإخلاص، ويُحبط العمل، وإن كَثُر.
فكم من طالبٍ جاب الآفاق في سماع الشيوخ، وأتعب أنفاسه في مطاوعة الأوراق، وحرّر دقائق المسائل، وفتّش عن غوامض الدقائق، فإذا به يوم القيامة خالي الوفاض، لم يُثقل له في الميزان شيء؛ لأنّه لم يطلب العلم لله، ولكن لذةً يجدها، أو منزلةً يحبها، أو رياسةً يهوى ظهورها.
فأشدّ ما ينبغي أن يعتني به الطالب: تصحيح النية، ومراقبتها في كل نفس، فإنّها تتقلّب أشد من تقلب الرياح، وما وُضع في الطلب شيء أثقل وأعسر من مجاهدة القلب في الإخلاص.
  مِن خفيّ مداخل الشيطان على طالب العلم ما نبّه عليه شيخ الإسلام رحمه الله: أن يُخلِص المرءُ الطلب للعلم وثمراته من حيث لذّته وانكشاف معانيه، لا لله تعالى، فيصير العلم عنده مقصودًا لذاته، لا وسيلةً إلى رضوان ربّه. وهذا من أعظم ما يُنافي الإخلاص، ويُحبط العمل، وإن كَثُر.
فكم من طالبٍ جاب الآفاق في سماع الشيوخ، وأتعب أنفاسه في مطاوعة الأوراق، وحرّر دقائق المسائل، وفتّش عن غوامض الدقائق، فإذا به يوم القيامة خالي الوفاض، لم يُثقل له في الميزان شيء؛ لأنّه لم يطلب العلم لله، ولكن لذةً يجدها، أو منزلةً يحبها، أو رياسةً يهوى ظهورها.
فأشدّ ما ينبغي أن يعتني به الطالب: تصحيح النية، ومراقبتها في كل نفس، فإنّها تتقلّب أشد من تقلب الرياح، وما وُضع في الطلب شيء أثقل وأعسر من مجاهدة القلب في الإخلاص.
[من مثارات الغلط في بحث مسألة تغطية وجه المرأة.]
من مثارات الغلط المشهورة في بحث مسألة تغطية الوجه اقتصار الباحثين على آيات سورة النور وتفسيرها، أو كلام الفقهاء في حدّ العورة، وهذا من الزيغ، وبحثٌ في غير المظانّ.
وبيان ذلك: أن الفقهاء كلّهم يفرّقون بين ما هو عورة، وما يجب ستره وكشفه.
فقد ينصّ الفقيه والمفسر في تفسير سورة النور على أن المراد بالزينة الظاهرة الوجه والكفين، ثم يكون هو ممن يوجب ستر الوجه والكفين.
وهذا كثير في التفاسير، كتفسير الجصّاص وتفسير ابن كثير، وراجع تفسيرهما لآية النور ثم تفسيرهما لآية الحجاب في الأحزاب.
فكلّ ما يُحكى عن الفقهاء في تفسير العورة لا يفيد حكمهم بالضرورة على مسألة تغطية الوجه.
فإن قيل: ما هو وجه تفسيرهم لآية النور لو لم يترتب عليه حكم التغطية؟
قلنا: لهم في هذا مذاهب، فمنهم من قال أنّ الآية في جواز إبداء الوجه والكفّين للمحارم -وهو الأصح عن ابن عباس- ومنهم من قال هي آية منسوخة بآية الأحزاب، ومنهم من قال هي آية تبيّن التوسعة في كشف الوجه والكفّين للحاجة المعتبرة شرعا، ومنهم من قال هي في عورة الصلاة.
ومن الأمثلة الدالة على ذلك من كلام أصحابنا الشافعيّة:
قال الموزعيّ الشافعي:
"وقد تبينَ لكَ وجهُ الجَمْعِ بين الآيتينِ، ووَجْهُ الغَلَطِ لمنْ أباحَ النظرَ إلى وَجْهِ المرأةِ لغيرِ حاجةٍ، والسَّلَفُ كَمالكٍ، والشافعيُّ، وأبي حنيفةَ، وغيرِهم لم يتكلَّموا إلا في عَوْرَةِ الصَّلاةِ، فقالَ الشافعيُّ ومالكٌ: ما عَدَا الوَجْهَ والكفينِ ، وما أَظُنُّ أحدًا منهم يُبيحُ للشابَّةِ أن تكشِفَ وَجْهَها لغيرِ حاجَةٍ، ولا يُبيحُ للشابِّ أن ينظرَ إليها لغيرِ حاجَةٍ، والله أعلمُ."
تأمّل كيف قصر الكلام على عورة الصلاة دون ما يجب ستره.
وقال الرمليّ:
"وممَّنِ استَثْنَى الوجهَ والكفَّيْنِ: المصنِّفُ -النوويُّ- في مجموعِه؛ لكنَّه فَرَضَه في الحُرَّةِ، ووجوبُ سترِهما في الحياةِ ليس لكونِهما عورةً؛ بل لكونِ النظرِ إليهما يوقِعُ في الفتنةِ غالباً".
تأمّل كيف لم يجعل الوجه والكفّين عورة ثم أوجب سترهما.
وقال البيهقيّ:
"وأمَّا النَّظَرُ لغير سبب مبيح لغيرِ مَحْرَمٍ، فالمنعُ منه ثابتٌ بآيةِ الحجابِ، ولا يجوزُ لهنَّ أن يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا للمذكُورِينَ في الآيةِ مِن ذَوِي المحارمِ."
تأمّل كيف فرّق البيهقي بين ما هو عورة وما يجب ستره، وهذا ما اصطلح العلماء عليه بالتفريق بين عورة الستر وعورة النظر.
والله أعلم
  من مثارات الغلط المشهورة في بحث مسألة تغطية الوجه اقتصار الباحثين على آيات سورة النور وتفسيرها، أو كلام الفقهاء في حدّ العورة، وهذا من الزيغ، وبحثٌ في غير المظانّ.
وبيان ذلك: أن الفقهاء كلّهم يفرّقون بين ما هو عورة، وما يجب ستره وكشفه.
فقد ينصّ الفقيه والمفسر في تفسير سورة النور على أن المراد بالزينة الظاهرة الوجه والكفين، ثم يكون هو ممن يوجب ستر الوجه والكفين.
وهذا كثير في التفاسير، كتفسير الجصّاص وتفسير ابن كثير، وراجع تفسيرهما لآية النور ثم تفسيرهما لآية الحجاب في الأحزاب.
فكلّ ما يُحكى عن الفقهاء في تفسير العورة لا يفيد حكمهم بالضرورة على مسألة تغطية الوجه.
فإن قيل: ما هو وجه تفسيرهم لآية النور لو لم يترتب عليه حكم التغطية؟
قلنا: لهم في هذا مذاهب، فمنهم من قال أنّ الآية في جواز إبداء الوجه والكفّين للمحارم -وهو الأصح عن ابن عباس- ومنهم من قال هي آية منسوخة بآية الأحزاب، ومنهم من قال هي آية تبيّن التوسعة في كشف الوجه والكفّين للحاجة المعتبرة شرعا، ومنهم من قال هي في عورة الصلاة.
ومن الأمثلة الدالة على ذلك من كلام أصحابنا الشافعيّة:
قال الموزعيّ الشافعي:
"وقد تبينَ لكَ وجهُ الجَمْعِ بين الآيتينِ، ووَجْهُ الغَلَطِ لمنْ أباحَ النظرَ إلى وَجْهِ المرأةِ لغيرِ حاجةٍ، والسَّلَفُ كَمالكٍ، والشافعيُّ، وأبي حنيفةَ، وغيرِهم لم يتكلَّموا إلا في عَوْرَةِ الصَّلاةِ، فقالَ الشافعيُّ ومالكٌ: ما عَدَا الوَجْهَ والكفينِ ، وما أَظُنُّ أحدًا منهم يُبيحُ للشابَّةِ أن تكشِفَ وَجْهَها لغيرِ حاجَةٍ، ولا يُبيحُ للشابِّ أن ينظرَ إليها لغيرِ حاجَةٍ، والله أعلمُ."
تأمّل كيف قصر الكلام على عورة الصلاة دون ما يجب ستره.
وقال الرمليّ:
"وممَّنِ استَثْنَى الوجهَ والكفَّيْنِ: المصنِّفُ -النوويُّ- في مجموعِه؛ لكنَّه فَرَضَه في الحُرَّةِ، ووجوبُ سترِهما في الحياةِ ليس لكونِهما عورةً؛ بل لكونِ النظرِ إليهما يوقِعُ في الفتنةِ غالباً".
تأمّل كيف لم يجعل الوجه والكفّين عورة ثم أوجب سترهما.
وقال البيهقيّ:
"وأمَّا النَّظَرُ لغير سبب مبيح لغيرِ مَحْرَمٍ، فالمنعُ منه ثابتٌ بآيةِ الحجابِ، ولا يجوزُ لهنَّ أن يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا للمذكُورِينَ في الآيةِ مِن ذَوِي المحارمِ."
تأمّل كيف فرّق البيهقي بين ما هو عورة وما يجب ستره، وهذا ما اصطلح العلماء عليه بالتفريق بين عورة الستر وعورة النظر.
والله أعلم
Forwarded from الباز الأشهب
قال ﷺ: أُوصيكَ أنْ تَسْتَحِيَ مِنَ اللهِ عزَّ وجلَّ كما تَسْتَحِي رجلًا من صالِحِي قَوْمِكَ.
  أخرجه أحمد في ((الزهد)) (248)
  الباز الأشهب
قال ﷺ: أُوصيكَ أنْ تَسْتَحِيَ مِنَ اللهِ عزَّ وجلَّ كما تَسْتَحِي رجلًا من صالِحِي قَوْمِكَ.   أخرجه أحمد في ((الزهد)) (248)
[سبحان البصير العليم!]
تتبّعت اسم الله البصير، ثم تتبّعت اسمه العليم، فوجدته جلّ في علاه يختصّ ذكر البصير مع العمل كـ{وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}، والعليم يأتي مع لفظة العمل والفعل كـ{إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ}، والفرق بينهما على ما قرره جماعة من أهل اللغة أنّ العمل متعلّق بالفعل الظّاهر (عمل الجوارح)، والفعل أعمّ فيشمل عمل الجوارح الظاهرة وغيره.
وأعجب منه أنّ اسم البصير لا يأتي إلا مقترنا إلا بفعلٍ مضارع في كلّ القرآن، خلافا للعليم، وفي هذا إشعارٌ بأنّ بصره -تعالى- حاضر مضارع متجدّد في كلّ وقت.
وهذا لو تدبّرته يا أيها السنيّ، إخبار من الله ينفعك دون البدعيّ الذي لطّخ فطرته بتفسير البصر بالعلم، وجحد أنّ الله يبصره عند عمله إبصارا متجددا مع علمه المسبق بفعله.
فاحمد الله أن وفقك لاعتقاد يتذوّق حلاوة النظم القرآنيّ الحكيم، ثم استحضر نظر الله إليك في كلّ حال واستحِ مِنَ اللهِ عزَّ وجلَّ كما تَسْتَحِي رجلًا من صالِحِي قَوْمِكَ إذا نظر إليك، وإذا استحيت من البصير في عمل الجوارح أورثك هذا خشية وانكسارا له في قلبك.
واسكن إلى هذه المعرفة، فإنها تُثمر في قلبك مراقبةً دائمةً، وحياءً صافياً، وخشيةً لا تنقطع.
والله أعلم
  تتبّعت اسم الله البصير، ثم تتبّعت اسمه العليم، فوجدته جلّ في علاه يختصّ ذكر البصير مع العمل كـ{وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}، والعليم يأتي مع لفظة العمل والفعل كـ{إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ}، والفرق بينهما على ما قرره جماعة من أهل اللغة أنّ العمل متعلّق بالفعل الظّاهر (عمل الجوارح)، والفعل أعمّ فيشمل عمل الجوارح الظاهرة وغيره.
وأعجب منه أنّ اسم البصير لا يأتي إلا مقترنا إلا بفعلٍ مضارع في كلّ القرآن، خلافا للعليم، وفي هذا إشعارٌ بأنّ بصره -تعالى- حاضر مضارع متجدّد في كلّ وقت.
وهذا لو تدبّرته يا أيها السنيّ، إخبار من الله ينفعك دون البدعيّ الذي لطّخ فطرته بتفسير البصر بالعلم، وجحد أنّ الله يبصره عند عمله إبصارا متجددا مع علمه المسبق بفعله.
فاحمد الله أن وفقك لاعتقاد يتذوّق حلاوة النظم القرآنيّ الحكيم، ثم استحضر نظر الله إليك في كلّ حال واستحِ مِنَ اللهِ عزَّ وجلَّ كما تَسْتَحِي رجلًا من صالِحِي قَوْمِكَ إذا نظر إليك، وإذا استحيت من البصير في عمل الجوارح أورثك هذا خشية وانكسارا له في قلبك.
واسكن إلى هذه المعرفة، فإنها تُثمر في قلبك مراقبةً دائمةً، وحياءً صافياً، وخشيةً لا تنقطع.
والله أعلم
Forwarded from كناشة دغسان
فإن كل صفةٍ له سبحانه تقتضي منّا له بها عبودية خاصة عرف ذلك من عرفه وجهله من جهله وبالله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله 
ابن شيخ الحزّاميين، تلقيح الأسرار
  ابن شيخ الحزّاميين، تلقيح الأسرار
Forwarded from آدَم بْن مُحَمَّد المَالِكِي | أبُو أُسَامَة
[منزلة التوكّل]
اعلم أن الاستعانة بالله متقوّمة بأصلين عظيمين:
- أحدهما الثقة بالله، وهي سكون القلب إلى حسن تدبيره، وطمأنينته إلى كفايته، ويقينه بأن الله لا يُضَيّع من لجأ إليه، ولا يُخَيّب من رجاه، بل هو أرحم بعبده من نفسه، وأعلم بمصالحه منه.
- والثاني الاعتماد على الله، وهو تفويض العبد أمره إلى ربّه، واعترافه بعجزه عن الاستقلال بشيء من شؤونه، وإلقاء حمله كلّه عليه سبحانه، طلبًا للنفع، ودفعًا للضر، وركونًا إلى كمال قدرته وحكمته.
وقد توجد الثقة من غير اعتماد، كمن يثق بإنسان في صدقه وأمانته، ويُحسن الظن برأيه، ثم لا يعتمد عليه لحاجته إلى غيره، أو لاستغنائه عنه. وقد يقع الاعتماد من غير ثقة، كمن يضطر إلى الاستعانة بمن لا يركن إلى أمانته، لكن الضرورة ألجأته إليه، فاعتمد عليه لا عن ثقة، بل لفقد غيره، وحاجته إلى ما في يده. فليس كل من وثق اعتمد، ولا كل من اعتمد وثق.
وأما التوكّل على الله، فحقيقته اجتماع الأمرين: الثقة به سبحانه، والاعتماد عليه. فالمتوكل حقًّا من عرف كمال ربّه، ووثق بحكمته، وقدرته، ورحمته، فاطمأن قلبه إليه، ثم اعتمد عليه في أمره، وفوّض شأنه إليه، ولم يلتفت إلى غيره. فتشبه حالة المتوكل حالةَ الطِّفل مع أبويه فيما ينوبه من رغبةٍ ورهبةٍ هما مليّان بهما. فانظر في تجرُّد قلبه عن الالتفات إلى غير أبويه، وحبسِه همَّه على إنزال ما ينوبه بهما؛ فهذه حال المتوكِّل.
فالنفس لا تنفكّ عن التعلق بجهة تثق بها، والاتكال على جهة تعتمد عليها، إذ لا قِوام لها إلا بالركون إلى من ترجوه، والاعتماد على من تظن أن بيده الأمر. فإذا نزلت بها نازلة، لجأت ضرورة إلى من تثق به وتعتمد عليه في جلب منفعتها أو دفع مكروهها. فإن كان اعتمادها على رب العالمين، فقد وُضع الشيء في موضعه، وإن كان على مخلوق، فقد تعلّق القلب بما لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا، فكيف بغيره!
وهذا المعنى الجامع هو المقصود من قول العبد في صلاته: ﴿إيّاك نَستعين﴾ أي لا نطلب العون إلا منك، ثقةً بك، واعتمادًا عليك، لا نلتفت إلى سواك، ولا نستمدّ القوّة إلا من حولك وقوّتك، إذ لا حول لنا ولا قدرة إلا بك.
وأمّا من ترك التوكّل، فلم تنفذ قوى بصيرته من المتحرِّك إلى المحرِّك، ومن السَّبب إلى المسبِّب، ومن الآلة إلى الفاعل. فضعفت عزيمته، وقصرت همته.
ومن الناس من لا يعمل إلا طلبًا لرضا الخلق، أو رغبةً في الجاه والمنزلة بينهم، ويجعل النفع والضر بيدهم، ومثل هذا لا يكون من عارفٍ بهم البتّة، بل من جاهلٍ بشأنهم وجهله بربه أعظم.
فمَن عرف النّاس أنزلهم منازلهم، ومَن عرف الله أخلص له أعماله وأقواله وعطاءه ومنعه وحبّه وبغضه. ولا يعامل أحدٌ الخلقَ دون الله إلّا لجهله بالله وجهله بالخلق، وإلّا فإذا عرَف الله وعرَف النّاس آثرَ معاملةَ الله على معاملتهم.
  اعلم أن الاستعانة بالله متقوّمة بأصلين عظيمين:
- أحدهما الثقة بالله، وهي سكون القلب إلى حسن تدبيره، وطمأنينته إلى كفايته، ويقينه بأن الله لا يُضَيّع من لجأ إليه، ولا يُخَيّب من رجاه، بل هو أرحم بعبده من نفسه، وأعلم بمصالحه منه.
- والثاني الاعتماد على الله، وهو تفويض العبد أمره إلى ربّه، واعترافه بعجزه عن الاستقلال بشيء من شؤونه، وإلقاء حمله كلّه عليه سبحانه، طلبًا للنفع، ودفعًا للضر، وركونًا إلى كمال قدرته وحكمته.
وقد توجد الثقة من غير اعتماد، كمن يثق بإنسان في صدقه وأمانته، ويُحسن الظن برأيه، ثم لا يعتمد عليه لحاجته إلى غيره، أو لاستغنائه عنه. وقد يقع الاعتماد من غير ثقة، كمن يضطر إلى الاستعانة بمن لا يركن إلى أمانته، لكن الضرورة ألجأته إليه، فاعتمد عليه لا عن ثقة، بل لفقد غيره، وحاجته إلى ما في يده. فليس كل من وثق اعتمد، ولا كل من اعتمد وثق.
وأما التوكّل على الله، فحقيقته اجتماع الأمرين: الثقة به سبحانه، والاعتماد عليه. فالمتوكل حقًّا من عرف كمال ربّه، ووثق بحكمته، وقدرته، ورحمته، فاطمأن قلبه إليه، ثم اعتمد عليه في أمره، وفوّض شأنه إليه، ولم يلتفت إلى غيره. فتشبه حالة المتوكل حالةَ الطِّفل مع أبويه فيما ينوبه من رغبةٍ ورهبةٍ هما مليّان بهما. فانظر في تجرُّد قلبه عن الالتفات إلى غير أبويه، وحبسِه همَّه على إنزال ما ينوبه بهما؛ فهذه حال المتوكِّل.
فالنفس لا تنفكّ عن التعلق بجهة تثق بها، والاتكال على جهة تعتمد عليها، إذ لا قِوام لها إلا بالركون إلى من ترجوه، والاعتماد على من تظن أن بيده الأمر. فإذا نزلت بها نازلة، لجأت ضرورة إلى من تثق به وتعتمد عليه في جلب منفعتها أو دفع مكروهها. فإن كان اعتمادها على رب العالمين، فقد وُضع الشيء في موضعه، وإن كان على مخلوق، فقد تعلّق القلب بما لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا، فكيف بغيره!
وهذا المعنى الجامع هو المقصود من قول العبد في صلاته: ﴿إيّاك نَستعين﴾ أي لا نطلب العون إلا منك، ثقةً بك، واعتمادًا عليك، لا نلتفت إلى سواك، ولا نستمدّ القوّة إلا من حولك وقوّتك، إذ لا حول لنا ولا قدرة إلا بك.
وأمّا من ترك التوكّل، فلم تنفذ قوى بصيرته من المتحرِّك إلى المحرِّك، ومن السَّبب إلى المسبِّب، ومن الآلة إلى الفاعل. فضعفت عزيمته، وقصرت همته.
ومن الناس من لا يعمل إلا طلبًا لرضا الخلق، أو رغبةً في الجاه والمنزلة بينهم، ويجعل النفع والضر بيدهم، ومثل هذا لا يكون من عارفٍ بهم البتّة، بل من جاهلٍ بشأنهم وجهله بربه أعظم.
فمَن عرف النّاس أنزلهم منازلهم، ومَن عرف الله أخلص له أعماله وأقواله وعطاءه ومنعه وحبّه وبغضه. ولا يعامل أحدٌ الخلقَ دون الله إلّا لجهله بالله وجهله بالخلق، وإلّا فإذا عرَف الله وعرَف النّاس آثرَ معاملةَ الله على معاملتهم.
Forwarded from إِتْحَافُ الأَرِيبْ
قال الإمام الشافعي -رضي الله عنه-:
أحب كثرة الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- في كل حال، وأنا في يوم الجمعة وليلتها أشدّ استحبابًا، وأحب قراءة الكهف ليلة الجمعة ويومها لما جاء فيها.
  أحب كثرة الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- في كل حال، وأنا في يوم الجمعة وليلتها أشدّ استحبابًا، وأحب قراءة الكهف ليلة الجمعة ويومها لما جاء فيها.
Forwarded from الباز الأشهب
صلاحك وحدك لا يكفي!
[كتمتها كثيرًا حتى وقعت على ما يقوي الفكرة!]
يا من تفضّل على عباده بدلائل حكمته، وفتح لهم أبواب الفهم من خزائن رحمته، سبحانك لا علم لنا إلا ما علّمتنا، ولا فضل بأيدينا إلا ما تفضّلت به وأكرمتنا.
أمّا بعد، فقد بلغني خبر أولئك النفر الثلاثة الذين أطبق عليهم الغار، فضاقت بهم السُّبُل، وانقطعت عنهم الحِيَل، إلا ما كان من خالص أعمالهم ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون.
وإن في هذا الخبر لعبرة لأولي الألباب، وفيه مَغزى دقيق لا يدركه إلا كل حصيف لبيب.
فإن القوم لما أيقنوا بالهلكة، وعاينوا وجه المنون، لجأ كل واحد منهم إلى أرجى عمل عمله في سالف دهره؛ فهذا قام على أبويه الشيخين، فآثرهما على نفسه وولده، وذاك تمكن من ابنة عمه، فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته ذكر الله فقام عنها وهي أحب الناس إليه يومئذ، والثالث استأجر أجيرًا فمضى وترك أجره، فثمّره له حتى صار منه وادٍ من نعمٍ، فلما عاد الرجل دفعه إليه كله ولم يحبس منه شيئًا.
وهي لعمري أعمالٌ ما أجلّها، ومناقب ما أعظمها! كل عمل منها لو وُزن بعمل أمة لرجح به، ولكن قف أيها المتأمل عند هذا الموضع، وسل نفسك: لِمَ انفرجت الصخرة عنهم قدر ثلثها عند دعاء الأول، ثم قدر ثلثها عند دعاء الثاني، ثم اكتمل انفراجها بدعاء الثالث؟ ولِمَ لم تندفع الصخرة دفعة واحدة لأول داعٍ منهم، وقد أتى بعمل يهدّ الجبال، ويستنزل الغمام؟
والجواب عندي، والله أعلم، أن الله أراد أن يعلّم عباده سُنّة من سننه في خلقه، وقاعدة من قواعد الاجتماع والعمران؛ وهي أن قوة الفرد وإن عظُمت، لا تقوم مقام قوة الجماعة وإن قلّت.
أراد أن يُريَهم أن خلاصهم لم يكن لفرادى أعمالهم، بل لاجتماعها وتضافرها، فكان عمل كل واحد منهم خيطًا رفيعًا، فلما اجتمعت تلك الخيوط الثلاثة، صارت حبلاً متينًا، وحينها فقط استطاعت أن تزحزح تلك الصخرة الصمّاء.
فإن في هذا إشارةً بيّنةً إلى أن صلاح الأمة لا يقوم بعبادة عابد في صومعته، ولا بكرم جواد في قومه، ولا بعدل قاضٍ في محكمته فحسب، بل يقوم باجتماع هذه الفضائل وتآزر أهلها.
فصلاح الفرد للنفس، وصلاح الجماعة للأمة بأسرها.
والدعوة الفردية كانت تفتح فرجة ضئيلة يدخل منها بصيص من نور الأمل، ولكنها لا تسع للخروج والنجاة، فلما اجتمعت الدعوات الثلاث على قلب واحد، ولسان واحد في التضرع، انفتحت لهم أبواب السماء، وانفرج لهم باب الغار.
فالعبرة ليست في أن تكون صالحًا في نفسك فقط، بل في أن تكون مِعول بناء في جماعة الصالحين. فإن اليد الواحدة لا تصفق، والسهم الواحد وإن كان قاطعًا سهل الكسر، فإذا جُمع إلى غيره صار حزمة عصيّة على أقوى الرجال.
وهكذا أعمال البر، إذا تفرقت كانت كقطرات المطر، فإذا اجتمعت صارت سيلًا جرّارًا لا يقف أمامه شيء.
فاعتبروا يا أولي الأبصار، فإن نجاة أولئك الرهط لم تكن بعمل أحدهم دون الآخر، بل كانت بتلك الأعمال الثلاثة مجتمعة، فكان الخلاص بالجمع لا بالفرد، وبالكل لا بالجزء.
وفي ذلك آية على أن يد الله مع الجماعة، وأن التآزر والتكاتف هو سبيل النجاة في الشدائد، ومفتاح الفرج عند الكُرب.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
  [كتمتها كثيرًا حتى وقعت على ما يقوي الفكرة!]
يا من تفضّل على عباده بدلائل حكمته، وفتح لهم أبواب الفهم من خزائن رحمته، سبحانك لا علم لنا إلا ما علّمتنا، ولا فضل بأيدينا إلا ما تفضّلت به وأكرمتنا.
أمّا بعد، فقد بلغني خبر أولئك النفر الثلاثة الذين أطبق عليهم الغار، فضاقت بهم السُّبُل، وانقطعت عنهم الحِيَل، إلا ما كان من خالص أعمالهم ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون.
وإن في هذا الخبر لعبرة لأولي الألباب، وفيه مَغزى دقيق لا يدركه إلا كل حصيف لبيب.
فإن القوم لما أيقنوا بالهلكة، وعاينوا وجه المنون، لجأ كل واحد منهم إلى أرجى عمل عمله في سالف دهره؛ فهذا قام على أبويه الشيخين، فآثرهما على نفسه وولده، وذاك تمكن من ابنة عمه، فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته ذكر الله فقام عنها وهي أحب الناس إليه يومئذ، والثالث استأجر أجيرًا فمضى وترك أجره، فثمّره له حتى صار منه وادٍ من نعمٍ، فلما عاد الرجل دفعه إليه كله ولم يحبس منه شيئًا.
وهي لعمري أعمالٌ ما أجلّها، ومناقب ما أعظمها! كل عمل منها لو وُزن بعمل أمة لرجح به، ولكن قف أيها المتأمل عند هذا الموضع، وسل نفسك: لِمَ انفرجت الصخرة عنهم قدر ثلثها عند دعاء الأول، ثم قدر ثلثها عند دعاء الثاني، ثم اكتمل انفراجها بدعاء الثالث؟ ولِمَ لم تندفع الصخرة دفعة واحدة لأول داعٍ منهم، وقد أتى بعمل يهدّ الجبال، ويستنزل الغمام؟
والجواب عندي، والله أعلم، أن الله أراد أن يعلّم عباده سُنّة من سننه في خلقه، وقاعدة من قواعد الاجتماع والعمران؛ وهي أن قوة الفرد وإن عظُمت، لا تقوم مقام قوة الجماعة وإن قلّت.
أراد أن يُريَهم أن خلاصهم لم يكن لفرادى أعمالهم، بل لاجتماعها وتضافرها، فكان عمل كل واحد منهم خيطًا رفيعًا، فلما اجتمعت تلك الخيوط الثلاثة، صارت حبلاً متينًا، وحينها فقط استطاعت أن تزحزح تلك الصخرة الصمّاء.
فإن في هذا إشارةً بيّنةً إلى أن صلاح الأمة لا يقوم بعبادة عابد في صومعته، ولا بكرم جواد في قومه، ولا بعدل قاضٍ في محكمته فحسب، بل يقوم باجتماع هذه الفضائل وتآزر أهلها.
فصلاح الفرد للنفس، وصلاح الجماعة للأمة بأسرها.
والدعوة الفردية كانت تفتح فرجة ضئيلة يدخل منها بصيص من نور الأمل، ولكنها لا تسع للخروج والنجاة، فلما اجتمعت الدعوات الثلاث على قلب واحد، ولسان واحد في التضرع، انفتحت لهم أبواب السماء، وانفرج لهم باب الغار.
فالعبرة ليست في أن تكون صالحًا في نفسك فقط، بل في أن تكون مِعول بناء في جماعة الصالحين. فإن اليد الواحدة لا تصفق، والسهم الواحد وإن كان قاطعًا سهل الكسر، فإذا جُمع إلى غيره صار حزمة عصيّة على أقوى الرجال.
وهكذا أعمال البر، إذا تفرقت كانت كقطرات المطر، فإذا اجتمعت صارت سيلًا جرّارًا لا يقف أمامه شيء.
فاعتبروا يا أولي الأبصار، فإن نجاة أولئك الرهط لم تكن بعمل أحدهم دون الآخر، بل كانت بتلك الأعمال الثلاثة مجتمعة، فكان الخلاص بالجمع لا بالفرد، وبالكل لا بالجزء.
وفي ذلك آية على أن يد الله مع الجماعة، وأن التآزر والتكاتف هو سبيل النجاة في الشدائد، ومفتاح الفرج عند الكُرب.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
حرره الباز ليلة الجمعة
[مقابلة النّعم بالمعاصي]
تأمّل -عافاك الله- حالَ من إذا أفيضَ عليه من نِعَمِ الله مدرارُها، ورُفِع عنه البلاء، استقبلها بما يسخطُ المنعِمَ لا بما يُرضيه، كأنّما أُعطي ليبطَر، لا ليشكر. يُعطيه الأمان بعد خوف، فلا يزيده إلّا غرورًا، ولا يورثُه إلّا فجورًا.
تراه يتقلّبُ في ألطاف الله، ويجترئ على حدوده، فصار كمن يُحاربُ المُنعِمَ بسيفِ إنعامه!
سبحانَ من يمهِلُ ولا يُهمِل، ويسترُ على العبدِ وهو يتبجّحُ بعصيانِه، ولو شاء لبدّلَ نعمتَه نِقمة، وأضحى المنعّم بعد عزٍّ ذليلًا.
وما علم المسكين أنّ الشكر حارسُ النعمة، وأنّ المعصيةَ داعيةُ زوالِها؛ فكم من يدٍ نُزعت قوتُها، وكم من عينٍ سُلبت لذّتها، وكم من قلبٍ كان عامرًا بالأنس، فصار مقبوضًا بالوحشة، كلُّ ذلك جزاءُ من قابل الجميلَ بالقبيح، والمُنعمَ بالجحود.
قال تعالى: {لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد}
قال ابن كثير في التفسير: أي لئن شكرتم نعمتي عليكم لأزيدنكم منها، ولئن كفرتم أي كفرتم النعم وسترتموها وجحدتموها إن عذابي لشديد ، وذلك بسلبها عنهم وعقابه إياهم على كفرها.
  تأمّل -عافاك الله- حالَ من إذا أفيضَ عليه من نِعَمِ الله مدرارُها، ورُفِع عنه البلاء، استقبلها بما يسخطُ المنعِمَ لا بما يُرضيه، كأنّما أُعطي ليبطَر، لا ليشكر. يُعطيه الأمان بعد خوف، فلا يزيده إلّا غرورًا، ولا يورثُه إلّا فجورًا.
تراه يتقلّبُ في ألطاف الله، ويجترئ على حدوده، فصار كمن يُحاربُ المُنعِمَ بسيفِ إنعامه!
سبحانَ من يمهِلُ ولا يُهمِل، ويسترُ على العبدِ وهو يتبجّحُ بعصيانِه، ولو شاء لبدّلَ نعمتَه نِقمة، وأضحى المنعّم بعد عزٍّ ذليلًا.
وما علم المسكين أنّ الشكر حارسُ النعمة، وأنّ المعصيةَ داعيةُ زوالِها؛ فكم من يدٍ نُزعت قوتُها، وكم من عينٍ سُلبت لذّتها، وكم من قلبٍ كان عامرًا بالأنس، فصار مقبوضًا بالوحشة، كلُّ ذلك جزاءُ من قابل الجميلَ بالقبيح، والمُنعمَ بالجحود.
قال تعالى: {لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد}
قال ابن كثير في التفسير: أي لئن شكرتم نعمتي عليكم لأزيدنكم منها، ولئن كفرتم أي كفرتم النعم وسترتموها وجحدتموها إن عذابي لشديد ، وذلك بسلبها عنهم وعقابه إياهم على كفرها.
Forwarded from الباز الأشهب
جوع كلبك❗️
لقد قال الأوّلون في أمثالهم السائرة "جوّع كلبَك يتبعْك".
وهو قولٌ ظاهره في السياسة والترويض، وباطنُه في ناموس الطبع وسلطان العادة، فإني رأيتُ من عجائبِ الاقتران ما هو أبلغ من مجرّد الجوع وأدقُّ صنعَة.
ذلك أنكَ إذا عمدتَ إلى كلبٍ ذي نَهَمٍ- كما يعرف عن بافلوف- وجعلتَ له علامةً عند تقديمِ طعامه كقعقعة إناء أو صفير لم يعهده، ثم أدمنتَ ذلك حتى ينعقدَ في وهمِه رباطٌ خفيٌّ بين الصوتِ والزاد، فإنك سترى العجبَ العُجابَ حين تُسمعُه ذلك الصوتَ على غيرِ طعام؛ إذ يسيلُ لُعابُه وتتحرّكُ لهاتُه كما لو أنَّ الشواء بين عينيه، وما ذاكَ إلا لأنَّ النفسَ قد استجابتْ للرسولِ استجابتَها للمُرسَل، وصارَ الطبعُ المكتسبُ يَغلِبُ الطبعَ الأصيل، وهذا بابٌ عظيمٌ يُريكَ كيف تُساسُ الطبائعُ وتُصرَفُ الغرائزُ، وكيف أنَّ العادةَ تستطيعُ أن تخلقَ في الحسِّ جوعًا لا يُسَدُّ وشبعًا لا يُوجَد، فاعتبرْ بحالِ البهيمةِ لتعلمَ كيف تُنقَشُ في نفسِكَ الأمور.
  لقد قال الأوّلون في أمثالهم السائرة "جوّع كلبَك يتبعْك".
وهو قولٌ ظاهره في السياسة والترويض، وباطنُه في ناموس الطبع وسلطان العادة، فإني رأيتُ من عجائبِ الاقتران ما هو أبلغ من مجرّد الجوع وأدقُّ صنعَة.
ذلك أنكَ إذا عمدتَ إلى كلبٍ ذي نَهَمٍ- كما يعرف عن بافلوف- وجعلتَ له علامةً عند تقديمِ طعامه كقعقعة إناء أو صفير لم يعهده، ثم أدمنتَ ذلك حتى ينعقدَ في وهمِه رباطٌ خفيٌّ بين الصوتِ والزاد، فإنك سترى العجبَ العُجابَ حين تُسمعُه ذلك الصوتَ على غيرِ طعام؛ إذ يسيلُ لُعابُه وتتحرّكُ لهاتُه كما لو أنَّ الشواء بين عينيه، وما ذاكَ إلا لأنَّ النفسَ قد استجابتْ للرسولِ استجابتَها للمُرسَل، وصارَ الطبعُ المكتسبُ يَغلِبُ الطبعَ الأصيل، وهذا بابٌ عظيمٌ يُريكَ كيف تُساسُ الطبائعُ وتُصرَفُ الغرائزُ، وكيف أنَّ العادةَ تستطيعُ أن تخلقَ في الحسِّ جوعًا لا يُسَدُّ وشبعًا لا يُوجَد، فاعتبرْ بحالِ البهيمةِ لتعلمَ كيف تُنقَشُ في نفسِكَ الأمور.
فوائد الجمعة
الحكم القيمية.pdf
    426.5 KB
  «متنُ الحِكَم القَيِّمِيَّة»
وقع في نفسي وأنا أتأمل حال أهل السنة في هذا الزمان حاجتُهم إلى متنٍ مختصرٍ في التصوّف والسّلوك السنيّ الأثريّ، يُستقى من معين السلف الصافي، ويُهذَّب على هدي الأئمة الأبرار، لا على طرائق المتكلفين ولا المحدثين من أهل البدع والمغالاة.
ولمّا أفصحت عن رغبتي هذه لصاحبي -حفظه الله- بالأمس تذكّرت -ولعلّ الله ذكرني ببركة صاحبي عليّ- أني كنتُ من قديمٍ قد جمعتُ من مطالعتي في كلام الإمام ابن القيم -رحمه الله- نحو مئتين وثلاثين حكمة تعين السائر إلى الله، انتزعتُها من مطاوي كتبه، واستخلصتُها من روحه في التزكية والسلوك، فلعلّها تصلح أن تكون متناً لأهل السنة في طريقهم إلى الله.
فرأيتُ أن أنشر هذه الحكم الموجزة المنتزعة في ملفٍّ أسميته: «متنُ الحكم القيميّة»، جمعتُ فيه زُبد أقواله في السلوك، وتصرّفتُ في بعض ألفاظها بما يُناسب المقصود دون أن أخرجها عن معناها الأصيل، راجيًا أن يُعينني سبحانه على تحشيته بشرحٍ مأخوذٍ من كلام أئمة السنّة في المستقبل القريب، يكون عونًا لمن تدبره على السير إلى الله، في طريقٍ موصولٍ بأثر النبوّة، مأمونٍ من الزلل والابتداع.
والله وليّ التوفيق.
  وقع في نفسي وأنا أتأمل حال أهل السنة في هذا الزمان حاجتُهم إلى متنٍ مختصرٍ في التصوّف والسّلوك السنيّ الأثريّ، يُستقى من معين السلف الصافي، ويُهذَّب على هدي الأئمة الأبرار، لا على طرائق المتكلفين ولا المحدثين من أهل البدع والمغالاة.
ولمّا أفصحت عن رغبتي هذه لصاحبي -حفظه الله- بالأمس تذكّرت -ولعلّ الله ذكرني ببركة صاحبي عليّ- أني كنتُ من قديمٍ قد جمعتُ من مطالعتي في كلام الإمام ابن القيم -رحمه الله- نحو مئتين وثلاثين حكمة تعين السائر إلى الله، انتزعتُها من مطاوي كتبه، واستخلصتُها من روحه في التزكية والسلوك، فلعلّها تصلح أن تكون متناً لأهل السنة في طريقهم إلى الله.
فرأيتُ أن أنشر هذه الحكم الموجزة المنتزعة في ملفٍّ أسميته: «متنُ الحكم القيميّة»، جمعتُ فيه زُبد أقواله في السلوك، وتصرّفتُ في بعض ألفاظها بما يُناسب المقصود دون أن أخرجها عن معناها الأصيل، راجيًا أن يُعينني سبحانه على تحشيته بشرحٍ مأخوذٍ من كلام أئمة السنّة في المستقبل القريب، يكون عونًا لمن تدبره على السير إلى الله، في طريقٍ موصولٍ بأثر النبوّة، مأمونٍ من الزلل والابتداع.
والله وليّ التوفيق.
[فتنة شيوخ الضلالة]
قال ابن شيخ الحزاميين رحمه الله:
"كنت بُرْهَة من الدَّهْر متحيرا فِي ثَلَاث مسَائِل مَسْأَلَة الصِّفَات وَمَسْأَلَة الْفَوْقِيَّة ومسالة الْحَرْف وَالصَّوْت فِي الْقُرْآن الْمجِيد… فأجد النُّصُوص فِي كتاب الله وَسنة رَسُوله ناطقة مبينَة لحقائق هَذِه الصِّفَات ثمَّ أجد الْمُتَأَخِّرين من الْمُتَكَلِّمين فِي كتبهمْ مِنْهُم من تَأَوّل.. وَمِمَّنْ ذهب إِلَى هَذِه الْأَقْوَال أَو بَعْضهَا قوم لَهُم فِي صَدْرِي منزلَة مثل بعض فُقَهَاء الاشعرية الشافعيين لِأَنِّي على مَذْهَب الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى عرفت مِنْهُم فَرَائض ديني وَأَحْكَامه فأجد مثل هَؤُلَاءِ يذهبون إِلَى مثل هَذِه الْأَقْوَال وهم شيوخي ثمَّ إِنَّنِي مَعَ ذَلِك أجد فِي قلبِي من هَذِه التأويلات حزازات لَا يطمئن قلبى إِلَيْهَا وَأَجد الكدر والظلمة مِنْهَا وَأَجد ضيق الصَّدْر وَعدم انشراحه مَقْرُونا بهَا فَكنت كالمتحير المضطرب فِي تحيره المتململ من قلبه فِي تقلّبه وتغيّره".
هذه حيرة سببها مخالفة أمر النبي ﷺ بالحذر منهم -من يتبعون المتشابه-، فاعلم -حماك الله- أن الحذر واجبٌ من التتلمذ على أهلِ البدع، والله وأمرَ بلزومِ سبيلِ المؤمنين، ونهى عن اتباعِ غيرِه. والتتلمذُ على المبتدعِ خرقٌ لسياجِ السنّة، ومخالفةٌ لأمرِ اللهِ ورسولِه، إذ في الإصغاءِ إليه تسليمُ القلبِ لِمن زاغ عن الهدى، فإنّ القلوبَ ضعيفة، والشبهاتُ خطّافة. فمن جعلَ نفسه تلميذًا لأهلِ الزيغِ فقد عرّضَ دينَه للفتنة، ورضيَ أن يسقيَه الشيطانُ من مواردِ الشُّبه، فإنّ للتتلمذ رهبة لا ينبغي أن تُصرف لغير سنّي.
  قال ابن شيخ الحزاميين رحمه الله:
"كنت بُرْهَة من الدَّهْر متحيرا فِي ثَلَاث مسَائِل مَسْأَلَة الصِّفَات وَمَسْأَلَة الْفَوْقِيَّة ومسالة الْحَرْف وَالصَّوْت فِي الْقُرْآن الْمجِيد… فأجد النُّصُوص فِي كتاب الله وَسنة رَسُوله ناطقة مبينَة لحقائق هَذِه الصِّفَات ثمَّ أجد الْمُتَأَخِّرين من الْمُتَكَلِّمين فِي كتبهمْ مِنْهُم من تَأَوّل.. وَمِمَّنْ ذهب إِلَى هَذِه الْأَقْوَال أَو بَعْضهَا قوم لَهُم فِي صَدْرِي منزلَة مثل بعض فُقَهَاء الاشعرية الشافعيين لِأَنِّي على مَذْهَب الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى عرفت مِنْهُم فَرَائض ديني وَأَحْكَامه فأجد مثل هَؤُلَاءِ يذهبون إِلَى مثل هَذِه الْأَقْوَال وهم شيوخي ثمَّ إِنَّنِي مَعَ ذَلِك أجد فِي قلبِي من هَذِه التأويلات حزازات لَا يطمئن قلبى إِلَيْهَا وَأَجد الكدر والظلمة مِنْهَا وَأَجد ضيق الصَّدْر وَعدم انشراحه مَقْرُونا بهَا فَكنت كالمتحير المضطرب فِي تحيره المتململ من قلبه فِي تقلّبه وتغيّره".
هذه حيرة سببها مخالفة أمر النبي ﷺ بالحذر منهم -من يتبعون المتشابه-، فاعلم -حماك الله- أن الحذر واجبٌ من التتلمذ على أهلِ البدع، والله وأمرَ بلزومِ سبيلِ المؤمنين، ونهى عن اتباعِ غيرِه. والتتلمذُ على المبتدعِ خرقٌ لسياجِ السنّة، ومخالفةٌ لأمرِ اللهِ ورسولِه، إذ في الإصغاءِ إليه تسليمُ القلبِ لِمن زاغ عن الهدى، فإنّ القلوبَ ضعيفة، والشبهاتُ خطّافة. فمن جعلَ نفسه تلميذًا لأهلِ الزيغِ فقد عرّضَ دينَه للفتنة، ورضيَ أن يسقيَه الشيطانُ من مواردِ الشُّبه، فإنّ للتتلمذ رهبة لا ينبغي أن تُصرف لغير سنّي.
انتهت الحرب ولم تنتهِ ولن تنتهي مقاطعة الاقتصاد الصّهيونيّ وأوليائه بإذن الله.
انقضت جولةُ الحديد والنار، غيرَ أنّ الحربَ الكبرى باقية، حربُ القلوبِ والذمم، حربُ الولاءِ والبراءِ.
  انقضت جولةُ الحديد والنار، غيرَ أنّ الحربَ الكبرى باقية، حربُ القلوبِ والذمم، حربُ الولاءِ والبراءِ.
Forwarded from الباز الأشهب
اعلم - أرضاك الله برؤيته- أنّ للعبد المُستعمَل عند مولاه لدلائل أربع، لا تخفى على ذي لُبٍّ:
أولها: أن تصير الطاعةُ أُنْسَه ولذّته، لا عبئَه وكُلْفَتَه.
ثانيها: أن تَنْفِرَ نفسُه من الخطيئة، وتُسرع بالتوبة من كل سيئة.
ثالثها: أن يكون في الفتن ثبْتَ الجَنان، وعند الشبهات نيِّرَ البرهان.
رابعها: أن تسبقه جوارحُه للمَكْرُمات، مُقِرًّا بالفضل لواهب الهِبات.
  أولها: أن تصير الطاعةُ أُنْسَه ولذّته، لا عبئَه وكُلْفَتَه.
ثانيها: أن تَنْفِرَ نفسُه من الخطيئة، وتُسرع بالتوبة من كل سيئة.
ثالثها: أن يكون في الفتن ثبْتَ الجَنان، وعند الشبهات نيِّرَ البرهان.
رابعها: أن تسبقه جوارحُه للمَكْرُمات، مُقِرًّا بالفضل لواهب الهِبات.
Forwarded from قناة مشاري بن سعد الشثري
"دعوات الشافعي .. وتخريج المعلّمي"
الناظر في كتب الشافعي يجد أن له -رحمه الله- سَننًا عاليًا في الثناء على الله تعالى ودعائه وذكره والصلاة على نبيه عليه الصلاة والسلام.
وكان لأدعيته شيوعٌ لدى أهل العلم، فضمَّنوها كتبهم وتناقلوها جيلًا بعد جيل، وعُنِي بها بعضهم كخادم علومه البيهقي رحمه الله، فقد قال في موضعٍ بعد نقله كلامًا للشافعي: (وله دعواتٌ حسانٌ قد نَقلْتُ أكثرَها إلى كتاب الصلاة والحج من كتاب «المعرفة») مناقب الشافعي (1: 402).
ومما يلاحظه المطالع أن للشافعي في مواضعَ من العبادات أدعيةً لم يرد فيها شيءٌ، بل كان هو الواضعَ لها، وكان مع ذلك يستحب للمرء أن يقولها، ومن تتبَّع كلام الشافعي أدرك أن له في هذا الباب -أعني باب الأدعية والأذكار- اتساعًا، على خلاف غيره من الأئمة ممن كانوا يغلبون جانب التوقيف في ذلك، وهذا من مواضع البحث الجديرة بالتحرير والعناية.
وممن وقفت على تحريرٍ له لبعض مرادات الشافعي في ذلك: العلامة المعلمي رحمه الله، فقد تعرض لما يضعه الشافعي من ذلك مصرِّحًا فيه بالاستحباب، وخرَّجه تخريجًا حسنًا على خلاف طريقة بعض الفقهاء من أهل مذهب الشافعي والمذاهب الأخرى ممن تلقَّى أدعية الشافعي تلك مستحبًّا لها على سبيل التعيين والتخصيص.
قال المعلمي رحمه الله:
(ذكر الشافعي في الحج أدعيةً بعضها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بسندٍ لا يثبت، وبعضها حكاها عن بعض التابعين، وبعضها لم يَحْكِها عن أحد، ويعبر عنها بقوله: «أستحب» ونحوه.
وقد يُتَوهَّمُ أن تلك الأدعية مستحبة على التعيين، وليس هذا مرادَ الشافعي إن شاء الله، وإنما مراده -إن شاء الله- أن الدعاء المناسب للمقام مستحب، وذلك الدعاء الذي ذكره مناسب، وروايته عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو عن بعض السلف يُكسِبُ النفس طمأنينة بسلامة الدعاء مما يكره، ولو عَدَل الحاج عنه إلى دعاء آخر مناسب كان قد أتى بالمستحب، ولهذا قال الشافعي في باب القول عن رؤية البيت بعد أن ساق بعض الأدعية: «فأستحب للرجل إذا رأى البيت أن يقول ما حكيت، وما قال من حَسَنٍ أجزأه إن شاء الله تعالى».
وهذا كثيرٌ في كلام الشافعي، يقول: «أستحب كذا»، ويذكر مثالًا خاصًّا، يريد -والله أعلم- أنه فردٌ من أفراد المستحب المطلق، لا أنه مستحب بعينه) مجموع الرسائل الحديثية «أحكام الحديث الضعيف» (ص194).
ثم أورد المعلمي بعد ذلك -على سبيل التمثيل- استحباب الشافعي للصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام عند الذبح، مع عدم ورود ذلك.
يقول الشافعي: (ولا أكره مع تسميته على الذبيحة أن يقول: صلى الله على رسول الله، بل أحبه له) الأم (3: 621).
قال المعلمي بعد نقله كلام الشافعي في هذه المسألة:
(قوله: "بل أحبه له" مراده أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم محبوبة مطلقا، وهذا الموضع من أفراد ذلك المطلق، وهذا ظاهر في سياق عبارته، وإن غلط في هذا بعض الفقهاء فزعم أنها مستحبة في هذا الموضع بعينه على الخصوص).
قلت:
هذا المثال أحسب أنه كاشفٌ لبعض منهج الشافعي في هذا الباب إذا ما قارنتَ قولَه فيه بقول غيره من الأئمة.
ففي مقابل استحباب الشافعي تجد من أهل العلم من ينكر ذلك، وقد ألمح إليهم الشافعي في تتمة كلامه واشتد في الرد عليهم.
ويُنقَل عن الإمام مالك كراهة ذلك، وقيل بأنه المراد في رد الشافعي.
وأما الإمام أحمد فيقول ابنه عبد الله: (سألت أبي: ما يقال عند الذبيحة؟ قال: يقال: «بسم اللَّه، واللَّه أكبر». قلت لأبي: هل يصلي على النبي ﷺ عند الذبيحة؟ قال: ما سمعت فيه بشيء) مسائل عبد اللَّه (969).
فتلحظ هنا قدرًا من الافتراق بين مسالك الأئمة في هذا الباب من الفقه، بين مستحب ومانع ومتوقف.
فهذا بابٌ من الفقه دقيقٌ، وهو كما أسلفتُ جديرٌ بالتتبع والتحرير، ليصل المرء فيه إلى قولٍ قاصدٍ من خلال النظر في تصرفات الأئمة المتقدمين.
  الناظر في كتب الشافعي يجد أن له -رحمه الله- سَننًا عاليًا في الثناء على الله تعالى ودعائه وذكره والصلاة على نبيه عليه الصلاة والسلام.
وكان لأدعيته شيوعٌ لدى أهل العلم، فضمَّنوها كتبهم وتناقلوها جيلًا بعد جيل، وعُنِي بها بعضهم كخادم علومه البيهقي رحمه الله، فقد قال في موضعٍ بعد نقله كلامًا للشافعي: (وله دعواتٌ حسانٌ قد نَقلْتُ أكثرَها إلى كتاب الصلاة والحج من كتاب «المعرفة») مناقب الشافعي (1: 402).
ومما يلاحظه المطالع أن للشافعي في مواضعَ من العبادات أدعيةً لم يرد فيها شيءٌ، بل كان هو الواضعَ لها، وكان مع ذلك يستحب للمرء أن يقولها، ومن تتبَّع كلام الشافعي أدرك أن له في هذا الباب -أعني باب الأدعية والأذكار- اتساعًا، على خلاف غيره من الأئمة ممن كانوا يغلبون جانب التوقيف في ذلك، وهذا من مواضع البحث الجديرة بالتحرير والعناية.
وممن وقفت على تحريرٍ له لبعض مرادات الشافعي في ذلك: العلامة المعلمي رحمه الله، فقد تعرض لما يضعه الشافعي من ذلك مصرِّحًا فيه بالاستحباب، وخرَّجه تخريجًا حسنًا على خلاف طريقة بعض الفقهاء من أهل مذهب الشافعي والمذاهب الأخرى ممن تلقَّى أدعية الشافعي تلك مستحبًّا لها على سبيل التعيين والتخصيص.
قال المعلمي رحمه الله:
(ذكر الشافعي في الحج أدعيةً بعضها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بسندٍ لا يثبت، وبعضها حكاها عن بعض التابعين، وبعضها لم يَحْكِها عن أحد، ويعبر عنها بقوله: «أستحب» ونحوه.
وقد يُتَوهَّمُ أن تلك الأدعية مستحبة على التعيين، وليس هذا مرادَ الشافعي إن شاء الله، وإنما مراده -إن شاء الله- أن الدعاء المناسب للمقام مستحب، وذلك الدعاء الذي ذكره مناسب، وروايته عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو عن بعض السلف يُكسِبُ النفس طمأنينة بسلامة الدعاء مما يكره، ولو عَدَل الحاج عنه إلى دعاء آخر مناسب كان قد أتى بالمستحب، ولهذا قال الشافعي في باب القول عن رؤية البيت بعد أن ساق بعض الأدعية: «فأستحب للرجل إذا رأى البيت أن يقول ما حكيت، وما قال من حَسَنٍ أجزأه إن شاء الله تعالى».
وهذا كثيرٌ في كلام الشافعي، يقول: «أستحب كذا»، ويذكر مثالًا خاصًّا، يريد -والله أعلم- أنه فردٌ من أفراد المستحب المطلق، لا أنه مستحب بعينه) مجموع الرسائل الحديثية «أحكام الحديث الضعيف» (ص194).
ثم أورد المعلمي بعد ذلك -على سبيل التمثيل- استحباب الشافعي للصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام عند الذبح، مع عدم ورود ذلك.
يقول الشافعي: (ولا أكره مع تسميته على الذبيحة أن يقول: صلى الله على رسول الله، بل أحبه له) الأم (3: 621).
قال المعلمي بعد نقله كلام الشافعي في هذه المسألة:
(قوله: "بل أحبه له" مراده أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم محبوبة مطلقا، وهذا الموضع من أفراد ذلك المطلق، وهذا ظاهر في سياق عبارته، وإن غلط في هذا بعض الفقهاء فزعم أنها مستحبة في هذا الموضع بعينه على الخصوص).
قلت:
هذا المثال أحسب أنه كاشفٌ لبعض منهج الشافعي في هذا الباب إذا ما قارنتَ قولَه فيه بقول غيره من الأئمة.
ففي مقابل استحباب الشافعي تجد من أهل العلم من ينكر ذلك، وقد ألمح إليهم الشافعي في تتمة كلامه واشتد في الرد عليهم.
ويُنقَل عن الإمام مالك كراهة ذلك، وقيل بأنه المراد في رد الشافعي.
وأما الإمام أحمد فيقول ابنه عبد الله: (سألت أبي: ما يقال عند الذبيحة؟ قال: يقال: «بسم اللَّه، واللَّه أكبر». قلت لأبي: هل يصلي على النبي ﷺ عند الذبيحة؟ قال: ما سمعت فيه بشيء) مسائل عبد اللَّه (969).
فتلحظ هنا قدرًا من الافتراق بين مسالك الأئمة في هذا الباب من الفقه، بين مستحب ومانع ومتوقف.
فهذا بابٌ من الفقه دقيقٌ، وهو كما أسلفتُ جديرٌ بالتتبع والتحرير، ليصل المرء فيه إلى قولٍ قاصدٍ من خلال النظر في تصرفات الأئمة المتقدمين.
قال الله تعالى: {ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة}، وقال سبحانه: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة}.
فدلّ ذلك على أنّ الدعوة عبادةٌ تُتلقى سُبلُها بنحو منضبط حتى تكون مشروعة، وأنّ إرادة الدعوة مع فساد الطريق إليها ليست طاعةً مشروعة.
وأمّا ما يُبتذَل اليوم باسم الدعوة من مشاهد تمثيليّة وسكيتشات غايتها الإضحاك، تُذكّر بالضحك أكثر مما تُذكّر بالله، وتبعث على التسلية لا على الخشية والانكسار؛ فذلك من أخطر ما يكون على روح الدعوة وجلالها.
فكيف لو خالط هذا ما يدلّ على عدم أهليّة المتحدّث من جهة العلم لمقام الدعوة الذي تصدّى له؟
وقد يكون قصد صانع هذه المقاطع حسناً، إلا أن حسن القصد غير مصحّح للعمل. قال تعالى: {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}.
والله المستعان
  فدلّ ذلك على أنّ الدعوة عبادةٌ تُتلقى سُبلُها بنحو منضبط حتى تكون مشروعة، وأنّ إرادة الدعوة مع فساد الطريق إليها ليست طاعةً مشروعة.
وأمّا ما يُبتذَل اليوم باسم الدعوة من مشاهد تمثيليّة وسكيتشات غايتها الإضحاك، تُذكّر بالضحك أكثر مما تُذكّر بالله، وتبعث على التسلية لا على الخشية والانكسار؛ فذلك من أخطر ما يكون على روح الدعوة وجلالها.
فكيف لو خالط هذا ما يدلّ على عدم أهليّة المتحدّث من جهة العلم لمقام الدعوة الذي تصدّى له؟
وقد يكون قصد صانع هذه المقاطع حسناً، إلا أن حسن القصد غير مصحّح للعمل. قال تعالى: {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}.
والله المستعان
